قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

رواية ذات الكتاب الأحمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

فتح طاهر الباب الحديدي لهذا المنزل الريفي ثم تنحي جانباً يفسح لها الطريق فتقدمته إلى الداخل، تطلعت حولها منبهرة بجمال تصميم المنزل الذي ظهر كتحفة معمارية، حانت منها نظرة لحمام السباحة الصغير فالتمعت عيناها وهي تسرع بخطواتها وتقف أمامه قائلة بطفولية:
حمام سباحة صغير أقدر اعوم فيه، طب ليه مقلتليش ياطاهر؟ انا مبعرفش أعوم وكان ممكن أعوم هنا في المكان اللي مش عميق ده بس مجبتش المايوه معايا.

ترك الحقائب من يده وتقدم تجاهها قائلا:
نعم ياأختي مايوه ده ايه إن شاء الله.
لأ انت فهمت غلط، ده مايوه إسلامي.
امسك ذراعها بيده قائلاً:
المايوه هيفضل مايوه ياآيات، وبعدين هتنزلي المية هنا قدامي وأنا وياكي لوحدنا والشيطان تالتنا.
طالعته قائلة:
انت مش بتحب واحدة تانية؟

أحبك أنتِ صغيرتي وأخشى عليكِ من نفسي، قُربنا منذ ركبنا الطائرة سوياً أجده يضعفني، يجعلني أرغب بتحقيق أحلامي واحداً تلو الآخر وأحلامي طفلتي البريئة ليست عذرية أبداً.
مش بتحب واحدة تانية ياطاهر؟ ماترد علية.
أيوة بحب، بس ده ميمنعش ان البني آدم بيكون ضعيف قصاد الجمال.
يعني انت ممكن تخون حبيبتك وتبقى زيهم؟
مستحيل، أنا حبيبتي في عيوني أجمل نساء الدنيا.
أمال خايف من إيه؟

خايف عليكي، حاسك بنتي اللي محبش حد يشوفها في حمام السباحة غير جوزها وبس وأنا مش جوزك ياآيات.
انت فعلا بابا، انا بحس انك هو.
ياليتني ماقرأت كتابك لأحببتني أنا بدلاً من أن تري في كينونتي أباكِ
ياليتني قابلتك قبل حبيبتك لأوقعتك في شباك حبي لتصير مجنوني أنا.
طال صمتهما فأطرقت برأسها قائلة:
طيب ممكن تسيب ايدي وتوريني أوضتي عشان تعبانة ومحتاجة أرتاح.

ترك ذراعها فاستدارت تبغى الذهاب إلى باب المنزل الرئيسي ولكن حذائها ذي الكعب العالي فعلها فتزحلقت إلى الخلف وسقطت بالمياه، وجدت نفسها تغوص للأسفل، كانت تظن أن حمام السباحة ليس عميقاً بما يكفي ولكن اتضح انه عميق كحمامات السباحة الأخرى، رآها تغوص إلى الأسفل فأدرك أنها تغرق وقد اعترفت له للتو أنها لا تجيد السباحة، أسرع يقفز خلفها ويغوص ساحباً إياها للأعلى، وما إن صعدت للسطح حتى تعلقت بكتفيه فطالع عيونها بنظرة حب خالصة طالعته بمثيلتها لثوان ظلت نظرات أعينهم متشابكة ترفض الأهداب أن تفض هذا التشابك حتى فعلتها آيات وأشاحت بعينيها بعيداً عنه قائلة:.

احمم بيتهيألي نطلع بقى من حمام السباحة، الظاهر ان كان لازم تطبيق عملي عشان أفهم تقصد إيه.
لتعود بعينيها إليه قائلة:
واوعدك اني مش هنزل حمام سباحة تاني غير مع جوزي.
انا زوجك آياتي ولا زوج لكِ غيري.
اكتفي بابتسامة باهتة وهو يسحب يدها إلى طرف الحمام، يساعدها على الصعود ثم يصعد خلفها بخفة قبل أن يقول:
تعالي هوريكي أوضتك، متنسيش اول ماتدخليها تغيري هدومك علطول عشان متبرديش.
حاضر يابابا. أي أوامر تانية.

تحبي أساعدك؟
طاهر!
مش انا بابا؟
لا ياخفيف. انت طاهر. طاهر وبس.
تعرفي ان اسمي حلو قوي من بين شفايفك.
لا انت أكيد اتجننت، جرالك ايه من ساعة ماجينا إيطاليا؟
وقعت في الحب.
طالعته بحيرة فأردف قائلاً:
حب البلد. انتِ ايه اللي جرالك؟ من ساعة ماجينا وانتِ فاهماني صح. قصدي غلط.
هزت رأسها بيأس وابتسمت رغما عنها وهي تقول:
قدامي ياطاهر، هما ساعتين نوم ونرجع طبيعيين من تاني، انت مش انت وانت مسافر.

سبقته للداخل فتبعها وهو يبتسم بدوره هامساً:
ولا ألف ساعة نوم هتغير احساسي من ناحيتك ياحبيبتي.

كانت تجول في مكانها لا تستطيع الجلوس في مكان واحد، تنتظر بفارغ الصبر رؤية غريمتها، بينما جلست السيدة كريمة مع الصغير تداعبه، تلقى عليها نظرة كل فترة فتبتسم بغموض ثم تعاود مداعبة الصغير، صوت سيارة بالخارج أخذها إلى النافذة فوقفت تتطلع إليه وهو يهبط من السيارة، يلتف حولها إلى الجهة الأخرى ويفتح الباب لتنزل هي، فاتنة شقراء قصيرة ورشيقة منحته ابتسامة خلابة قبل أن تسبقه للمنزل فاغلق الباب وتبعها، توقف فجأة ووجدته ينظر مباشرة إليها، تراجعت بسرعة لا تدري هل لمحها أم لا؟ أسرعت تجاه السيدة كريمة تجلس جوارها، رن جرس الباب فأسرعت الخادمة تفتحه، لتدلف هذه الشقراء بابتسامة واسعة قائلة:.

ماما كريمة وحشتيني.
ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه كريمة وهي تتقبلها بأذرع مفتوحة ارتمت عليّة فيهما بينما تقول الأولى بحنان:
انتِ كمان وحشتيني يالولو، نورتي مصر كلها.
خرجت من بين ذراعها تطالع الصغير بعيون حائرة، فوجدت السيدة كريمة تقول بارتباك واضح:
ده يبقى صلاح ابن صلاح ودي خالته مروة.

ألم عبر المقلتين وربض فيهما وارتعاشة في الثغر عبرت بوضوح عن مشاعرها بهذه اللحظة قبل أن تتجاهل مروة كلية مستديرة إلى ماهر الذي وقف بعيدا يطالعهم بملامح خالية من التعبير، اقتربت منه قائلة بعتاب ظهر في صوتها وكلماتها:
ليه مقلتليش ياماهر؟ ليه خبيت علية؟
حزن ظهر بعينيه ممتزجاً بالألم وهو يقول:
خفت أجرحك.
وأنا كدة ماانجرحتش؟ كان لازم تقولي.
أمسك ذراعها قائلاً:
مقدرتش.

إلى هنا وكفى، عاطفته التي يتحدث بها معها، خوفه عليها كل هذا كان أكبر من احتمالها، نهضت وكادت أن تغادر المكان ولكن صوت هذه الفتاة استوقفها وهي تقول بحدة:
رايحة على فين ياهانم؟
استدارت مروة تطالعها بدهشة فأردفت عليّة بحقد:
جاية تعملي زي أختك وزي ماخدت مني صلاح عايزة تاخدي ماهر مش كدة؟
نهرها ماهر قائلا:
عليّة ميصحش اللي انتِ بتقوليه ده؟
استدارت إليه تقول بألم:.

أمال ايه اللي يصح؟ إن أقف ساكتة وهي بتخطفك مني زي مااختها خطفت مني صلاح، مش هسمحلها انت فاهم.
كادت مروة ان تنهرها مدافعة عن نفسها ولكن السيدة كريمة أمسكت يدها مشيرة لها بالصمت، فصمتت مجبرة ولكنها أقسمت ان زادتها هذه اللعينة ستخمشها كقطة شرسة ولن تهتم بالعواقب.
امسك ماهر يدها قائلاً:
محدش هيقدر ياخدني منك، احنا الاتنين مخطوبين وبإذن الله هنتجوز، مروة خالة صلاح. خالته وبس.

قال كلماته الأخيرة وهو ينظر إلى مروة التي لم تستطع الاحتمال اكثر فهربت من المكان بسرعة وكأن الشياطين تطاردها، بينما عاد ماهر بعينيه إلى عليّة يقاوم ألم قلبه وهو يقول:
انا عايزك تتطمني، مفيش حد ممكن يفرق بينا. أبداً.

دلفت إلى حضنه ووضعت رأسها على صدره فضمها يربت على رأسها، يتطلع إلى والدته التي أرسلت إليه نظرة حزينة مشفقة أغلق أهدابه عنها حتى لا تسقط دموعه مجدداً وتعبر عما يشعر حقاً ووقتها لن تكون الأمور محمودة العواقب.
طرق قوي على الباب جعلها تترك قشارة الخضار من يدها وتسرع إليه لتفتحه، ما أن رأت إبنتها حتى قالت ببشر:
سعاد حمد الله ع السلامة جيتي امتى؟
دلفت إلى المنزل تنظر بداخله قائلة:
من ساعة ياماما، فين بابا؟

ها. بابا. آه. عند عمك متبولي.
استدارت تواجهها قائلة:
شفتي انتِ قلتي ايه. عند عمي متبولي. عمي. يعني بالنسبة لي راجل كبير في سن عمي، امال بالنسبة لنهال يبقى ايه؟ جدها ياماما؟
شحب وجه والدتها بينما ظهرت نهال على عتبة باب حجرتها بعيون باكية قبل أن تنطلق إلى أحضان أختها حين فتحت لها ذراعيها، ضمتها سعاد قائلة بحنان:
قلتلك متخافيش يانهال، محدش هيقدر يإذيكي طول ماانا عايشة.

قصدك إيه ياسعاد؟ وهو أنا لما أسترها ابقى بأذيها.
استدارت سعاد تواجه أباها الذي وقف على عتبة باب منزلهم مكفهر الملامح وهو يطالعهم بعيون اشتعلت بالغضب، لتستقيم سعاد تستجمع كل شجاعتها وهي تقول بثبات:.

السترة مش بيت يتقفل علي الواحدة وتلاقي فيه اللقمة والهدمة يابابا، السترة انها تلاقي جنبها زوج بيحبها و يحافظ عليها من قلوب قاسية مبترحمش، السترة انها تعيش بكرامتها جوة البيت ومتتهانش، السترة انها تحس انها انسانة مش حيوانة دفع فيها صاحبها فلوس وبقي يبيع ويشتري فيها على مزاجه، تسترها يعني تسلمها لراجل بجد يعرف قيمتها ويقدرها ويعاملها بما يرضي الله، يكون بيته ليها مودة وسكن مش اي بيت وخلاص.

قال والدها بحنق:
ملكيش دعوة باختك ياسعاد وخليكي في نفسك.
مش هينفع، الساكت عن الحق شيطان أخرس وانا سكت كتير، سكت وأنا شايفاك بترميني لأول راجل دق بابي عشان معاه فلوس رغم انك كنت عارف انه ميناسبنيش زي ماسكت زمان وانا شايفاك بتعامل ماما وكانها عدوتك مش شريكة حياتك وكل ده ليه؟ عشان اختها رفضتك. طب هي ذنبها إيه؟
اخرسي ياإما والله العظيم هقتلك وأدفنك مكانك هنا ومحدش هيعرفلك طريق.

قالت سعاد بمرارة وعيون دامعة:
تعملها ياعم توفيق. وهو من امتى كنا بنحس ان انت ابونا واحنا بناتك، من امتى حسينا بحنيتك علينا؟ وكأنك بتكرهنا لإننا ربطنا امنا بيك.
رفع يده ليصفعها فاغمضت عيناها بقوة تنتظر صفعة مؤلمة ولكن لا بأس لقد اعتادت الصفات ولن يضيرها صفعة أخرى في سبيل أختها.
شهقة من امها يتبعها صوت والدها الحانق وهو يقول:
انت اتجننت ياواد انت؟

فتحت عيناها لتجد محمد أمامها يمسك بيد والدها قبل أن يصفعها، انزل يده ببطئ وهو يقول له بهدوء:
الجنان ان اسيبك تمد إيدك عليها بعد كل اللي شافته ولسة بتشوفه بسببك لأ ومش مكفيك هي، كمان رايح ترمي بنتك لراجل قدك.
قال توفيق بغضب:
وانت مالك يابني آدم انت، ايه اللي حشرك بينا؟ انا مش قلتلك آخر مرة اني مش عايز أشوف وشك هنا.
عقدت سعاد حاجبيها بينما قال محمد بعيون اشتعلت بالغضب لكنه حافظ على هدوئه قائلاً:.

المرة اللي فاتت كنت جاي ليا عندك طلب ولما رفضت وطردتني انا نفذت كلامك مش احتراماً ليك، لأ. لكن احتراماً لخالتي اللي طلبت مني احافظ على بيتها ببعدي عنه.
أطرقت خالته رأسها بحزن فازداد انعقاد حاجبي سعاد وهي تتساءل عن مغزى هذا الكلام الغامض، لتترجم سؤالها إلى كلمات قائلة:
يعني ايه الكلام ده؟ ازاي بعدك عن بيتنا يامحمد هيحافظ على بيت أمي؟

تأملها محمد بنظراته العاجزة، تحدثت مقلتيه بكلمات لم تخرج من شفتيه ولكنها اوصلت رسالته فاتسعت عينا سعاد بينما يؤكد أباها ما وصلها بكلمات الساخرة وهو يقول:
البيه كان عايز يتجوزك، فاكرني كنت هسلم بإيدي بنتي لإبن عدوى، ده انا أسلمها لكلب زي جوزها ومسلمهاش ليك ياابن عز.
توفيق!
اخرسي ياولية مسمعش صوتك، مش كفاية مستحمل قرفك تلاتين سنة، يمين بالله لو اتكلمتي لأكون مطلقك بالتلاتة.

أطرقت سميرة برأسها في انكسار أنً له قلب سعاد لتنتفض من صدمتها وهي تواجه أباها قائلة:
سيبك مني ومن محمد ومن حياتي اللي اتدمرت بسببك، واسمعني كويس لاني مش هعيد كلامي، مش ممكن هسمحلك تدمر حياة اختي هي كمان ولو حصلت هتشوف واحدة تانية خالص غير سعاد اللي عرفتها، انا يمكن أسامح في حقي لكن اختي لا هسمح لحد يإذيها ولا ييجي عليها. مفهوم؟
قال توفيق ساخراً:
وهتعملي ايه لوحدك بقى يابنت سميرة؟

هي مش لوحدها أنا معاها.
ميهمنيش، انتوا ولا حاجة. عيال اقدر بكلمة واحدة بس لرجالة الحاج متبولي أخليكم تبوسوا رجلي عشان ارحمكم من اللي هتشوفوه على ايديهم. وبرضه مش هرحمكم.
ضحكة ساخرة اطلقتها سعاد أثارت القلق في نفس توفيق فلم يراها قبلاً بهذه القوة، يتساءل عن السبب، قبل أن تقول هي بشماتة:
احنا مش لوحدنا على فكرة ورجالة عم متبولي ميقدروش يعملوا حاجة جنب اللي معانا.
عقد توفيق حاجبيه قائلاً:.

اللي معاكم. قصدك مين؟
اقتحم بعض الرجال البيت فجأة، شعر توفيق بالخوف يدب في اوصاله وهو يراهم مجموعة من الرجال ضخام الجثة مدججين بالسلاح، تحمل ملامحهم صرامة وقسوة وكأنهم ينتظرون فقط إشارة من سعاد حتى يدكون المنزل دكاً. من أين جاءوا وكيف تحملت سعاد تكاليف إحضارهم إليها ليدعموها؟

قلت إيه بقى؟ آخد نهال وأمشي برضاك ومش هتشوف وشنا تاني، ولا أخدها غصب عنك ووقتها هتترجاني عشان أرحمك من ايديهم وبرضه مش هرحمك ياعم توفيق.
تطلع إلى الرجال بنظرة خوف أظهرت مدى جبنه الحقيقي خاصة وهو يعود إليها بنظراته يهز راسه موافقاً دون كلمة.
احتلت مقلتيها نظرة احتقار وجهتها له، قبل أن تلتفت لأمها تدرك انها شاركت والدها جريمته في حقها ولكنها تعلم انها كانت مجبرة لا حيلة لها لتقول بعطف:.

جاية معانا ياماما؟
رفعت إليها والدتها عينين خجلتين وهي تقول:
مش هينفع أسيبه لوحده يابنتي؟
قالت سعاد بصدمة:
لسة باقية عليه بعد اللي عمله فيكي، لسة عايزة تقعدي معاه وانتِ عارفة انه بيحب واحدة تانية. أختك شقيقتك؟

أطرقت والدتها مجدداً بألم، لتهز سعاد رأسها بيأس قبل أن تأخذ بيد اختها وتمشي يصحبها محمد وما ان خرجا من المنزل حتى خرج الرجال خلفهم بينما سقطت دموع سميرة تباعاً في ألم وهي تجلس على أقرب كرسي لتنتفض على صوت الطاولة التي قلبها زوجها غضباً، تهز رأسها بدورها في يأس.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة