قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الحادي والأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الحادي والأربعون

في منزل تقى عوض الله
سمعت فردوس طرقات خافتة على باب منزلها، فإتجهت نحوه، وفتحته وهي تغطي نصف شعرها بحجابها المنزلي..
ابتسمت إبتسامة هادئة وهي ترى جارتها إجلال تقف أمامها وتحدثها بصوت خافت:
-ازيك يا فردوس
أجابتها بهدوء وهي تضم طرفي حجابها معاً:
-بخير يا حاجة إجلال، اتفضلي جوا
أومأت برأسها رافضة وهي ترد عليها بإصرار:
-لأ خليها وقت تاني
سألتها بإستغراب وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-ليه بس ؟

ردت عليها الجارة إجلال بهدوء وهي تشير بكف يدها المجعد:
-أنا مش هاطول
سألتها بإهتمام واضح في تعابير وجهها قائلة:
-طب خير في ايه، وغوشتيني !
همست الجارة إجلال وهي تجيبها بحذر ب:
-بصي أنا عرفت إن البت بطة سقطت، وأعدة عند أمها بقالها يومين
لطمت فردوس على صدرها بخفة وهي تهتف بصدمة:
-يا لهوي.

تنهدت إجلال في حزن وهي تضيف قائلة:
-آه.. ملحقتش تفرح يا عيني !
زمت فردوس فمها وهي تتابع بإمتعاض:
-دي لسه صغيرة، ربنا يعوضها خير
أكملت إجلال حديثها قائلة بجدية وهي ترمش بعينيها:
-يا رب، المهم يعني أنا هاروح أخد بخاطرها كمان شوية
أومأت فردوس برأسها موافقة إياها وهي تضيف بإقتناع:
-أه وماله، واجب ولازم يتعمل ! دول جيرانا !
-بالظبط.

ثم أردفت قائلة بنبرة ممتنة وهي تشير بيدها:
-كويس كمان إنك قولتيلي، وأنا شوية وهازورها
-طيب..
ثم تابعت بتوضيح وهي ترفع حاجبيها:
-تيجي بس تقى من برا، وربك يسهلها
وضعت إجلال إصبعيها على طرف ذقنها وهي تسألها بإهتمام:
-يا رب أمين، ألا هي إزيها الوقتي ؟
تنهدت فردوس في إنهاك وهي تجيبها بنبرة يائسة:
-هييه.. هاقول ايه بس غير الحمدلله !
ربتت إجلال على كتفها قائلة بنبرة مواسية:
-معلش ياختي، شدة وتزول
-يا رب.

ثم هتفت قائلة بصوت جاد وهي تتراجع خطوة للخلف:
-طيب عشان معطلكيش أكتر من كده، أنا قولت أعرفك عشان الواجب
ابتسمت لها فردوس قائلة بإمتنان:
-كتر خيرك، مردودلك يا رب في الفرح
بادلتها الجارة إجلال نفس الإبتسامة الباهتة قائلة بهدوء:
-أنا وإنتي يا حبيبتي !
-يا رب
لوحت لها بكف يدها وهي تستدير عائدة لمنزلها قائلة بصوت هاديء:
-يالا، بخاطرك
ابتسمت لها فردوس وهي ترد عليها ب:
-مع السلامة يا حاجة إجلال !
ثم أغلقت الباب بهدوء، واستدارت عائدة في إتجاه المطبخ محدثة نفسها بحزن:
-مافيش واحدة متهنية أبداً، ربنا يهونها علينا !

أخذ أوس الجندي نفساً عميقاً، وزفره على مهل وهو يرمق البناية القديمة التي تقطن بها تقى..
إتسعت إبتسامته المغترة وهو يجوب ببصره المكان ممتعاً عينيه بنشوة ظفره بزوجته..
لم يستطع أي أحد الإقتراب منه أو من رجال حراسته.. فقط همهمات جانبية، ونظرات فضولية محدقة بالجميع..
وهو دون أن يطرف له جفن هتف قائلاً بصرامة:
-الكل يستنى هنا ما عدا انت !
ثم أشار بإصبعه نحو المحامي منعم الذي إنتفض في مكانه ليجيبه بجدية:
-أوامرك يا أوس باشا
وبالفعل أفسح رجاله له المكان ليمر إلى الداخل، وتبعه محاميه، ثم سدوا المدخل بأجسادهم الضخمة وسلطوا أنظارهم الحادة على المارة..

في منزل تقى عوض الله
سمعت فردوس دقات ثابتة وقوية على باب منزلها وهي تغسل الصحون بداخل مطبخها، فنفخت في ضيق وهي تقول:
-وده مين ده كمان !
ثم أغلقت الصنبور، وجففت كفي يدها المبتلين في جانبي قميصها المنزلي، وألقت بحجابها على رأسها، وإتجهت للخارج وهي تهتف بصوت متذمر:
-أيوه يا اللي على الباب !
فتحت الباب دون تردد، ولكنها تسمرت في مكانها مصدومة، وجحظت بعينيها في ذعر بعد أن رأت أوس الجندي واقفاً أمامها بصورته المهيبة، وتلعثم صوتها وهي تغمغم قائلة:
-آآ.. إنت !

هز رأسه بخفة وهو يسألها بصوت قوي:
-أها.. فين تقى ؟
تلعثم صوتها وهي تردد قائلة:
-ت.. ت.. تقى بنتي !
أضاف قائلاً بإصرار وهو يحدجها بنظراته النارية:
-أيوه، عاوزها
زاد تلعثمها وهي ترد ب:
-م.. م..آآ..
هتف فيها قائلاً بقوة أرعبتها:
-فينها ؟
إرتجفت شفتيها وهي تجيبه بخوف في نبرتها:
-مش.. مش هنا !
رمقه بنظراته المهينة قبل أن يشير لها بإصبعه قائلاً بصوت آمر:
-وسعي
وقفت أمامه بجسدها متحدية إياه ب:
-لأ.. إنت.. إنت مش هاتدخل بيتي !

دفعها من كتفها وهو يدخل عنوة للمنزل قائلاً بقسوة:
-بأقولك وسعي أنا جاي أخد تقى معايا !
هددته فردوس قائلة بصوت مرتجف:
-امشي أحسنلك بالذوق هاصوت وألم الجيران وآآ..
قاطعها بصوت مستهزأ، وهو يحدجها بنظراته المميتة:
-لمي كل اللي تعرفيه، محدش هايمنعها عني
هتفت فيه بصوت حاد قائلة:
-سيبنا بقى في حالنا، حرام عليك
صرخ فيها بإصرار واضح وهو يرمقها بتلك النظرات المحتقنة:
-مش هاسيب تقى ! وأوعي من وشي !
ثم صاح بصوت جهوري مخيف وهو يشرأب برأسه للأعلى:
-يا تقي، يا تقى !

صرخت فردوس بكل ما أوتيت من قوة بعد أن رأت في عينيه نية واضحة للتعرض لها:
-يالهوي.. إلحقوني يا ناس، الراجل بيتهجم عليا في بيتي !
لم يمنعها أوس من الصراخ، بل إقتحم المنزل، وإنطلق في إتجاه الغرف الموجودة به بحثاً عن زوجته بالداخل..
ولكنه لم يجدها، حتى في غرفة والدها الراقد على الفراش.. والذي رمقه بنظرات حادة ومتعجبة لحالته الغريبة قبل أن يتجه للخارج..
تجمع بعض قاطني البناية على إثر صراخ فردوس الهادر، وولجوا إلى داخل المنزل متسائلين بقلق:
-ايه يا ست فردوس ؟!

-في ايه ؟
أشارت بيديها لجيرانها قائلة بتوسل:
-إلحقوني يا ناس، حد يغيتني !
صاحت إحداهن قائلة بإستفهام:
-مين اللي اتعرضلك ؟
أشارت بكف يدها نحو أوس الجندي قائلة بتلهف:
-الراجل ده جاي يتهجم عليا في بيتي، وراجلي راقد جوا مش قادر عليه !
سألته أخرى بصوت محتد ب:
-جاي ليه هنا يا أخينا ؟
رمقهم أوس بنظراته الساخطة قبل أن ينطق بصوت آمر ومخيف:
-الكل يطلع برا !
هتفت إحدى الجارات قائلة بتحدٍ وغيظ:
-ده مش بيتك يا جدع إنت !
رد عليها أوس بصوت مرتفع ومحتد:
-بس بيت مراتي !

إرتسمت علامات الدهشة والذهول على أوجه الجيران، وتعددت ردودهم ما بين:
-هاه
-مين ؟!
ثم هتف المحامي منعم قائلاً بصوت جاد وثابت:
-تقى عوض الله تبقى مرات أوس باشا الجندي
فغرت فردوس فمها مشدوهة ب:
-هاه
ثم تسائل أوس بجدية أشد وهو محدق بالجميع بنظراته المهددة:
-حد عنده مانع ؟
سألته فردوس بتلعثم واضح في نبرتها وهي غير مستوعبة جملته الأخيرة ب:
-آآآ.. إنت..إنت بتقول ايه ؟

أضاف منعم قائلاً بجمود وهو يتجه نحو الجيران:
-بيتهيألي يا جماعة الموضوع عائلي، ووجودكم غير مرغوب فيه !
زمت إحداهن فمها قائلة بحرج:
-عندك حق، لامؤاخذة، اللي ما يعرفك يجهلك
نظرت أخرى إلى فردوس بضيق، وقالت معاتبة:
-مش كنتي تقولي يا ست فردوس إن تقى متجوزة، هو إحنا هنحسدها ولا حاجة
بينما أضافت ثالثة بصوت متجهم:
-عجايب.. الباب في الباب ويخبوا علينا !

وبالفعل خرج الجميع من المنزل، فأغلقه المحامي بهدوء، وحك طرف أنفه بإصبعه، ثم أطرق رأسه للأسفل، وظل صامتاً..
تحرك أوس في إتجاه فردوس التي إنكمشت على نفسها، وضغطت على طرف حجابها بقوة متشبثة به..
وقف هو قبالتها، وحدجها بنظرات قاتلة وهو يسألها بصوت قاتم:
-فين مراتي ؟
ردت عليه بصوت متقطع قائلة:
-هي.. هي مش هنا !
صرخ فيها بصوته الهادر وهو يشير بكفه في وجهها:
-إنتي كدابة، مش هاتمنعيني عن مراتي !
-آآ..

ثم اقترب منها خطوة وحدجها بنظراته المحتقنة وهو يتابع بصوت عنيف:
-أنا مش هاسيبها المرادي، سامعة !
سألته بتوتر شديد وهي تعض على شفتيها من الخوف:
-ي.. يعني إنت متجوزها ؟
رد عليها بتهكم وهو يرمقها بنظراته الإحتقارية:
-أومال جاي أهزر هنا ؟
ابتلعت ريقها مجدداً وردت عليه بثبات زائف:
-وأنا قولتلك هي مش موجودة
صرخ فيها بإنفعال أفزعها قائلاً:
-راحت فين ؟
هتفت قائلة بخوف وهي تضم كتفيها:
-م.. معرفش
أشار بإصبعه في وجهها وهو يكز على أسنانه بشراسة:
-شوفي أنا مش هامشي من هنا إلا ومراتي في إيدي، حطي ده في بالك كويس !

قالت بصوت شبه باكي وهي تنظر له بحذر:
-يا بيه إحنا ناس غلابة، وانا بأقولك البت مش موجودة
نفخ من الضيق، ووضع يده على وجهه، وفركه بعصبية، ثم أشاح به للجانب، وغمغم بعصبية مع نفسه.. ولكن لفت إنتباهه شيء ما معلق على الجدار.. فجعله يضيق عينيه المحتدين بفضول، وأمعن النظر جيداً فيه..

لقد كانت صورة قديمة وكبيرة من اللون الأبيض والأسود لعائلة ما..
لفت أنظاره تفاصيل شخص ما بها..
شخص قد رأه من ماضيه البعيد..
شخص خفق قلبه برعب وهو يتخيل هويتها، ويراوده الشكوك بشأنها..
تحرك بخطوات حذرة في إتجاه الصورة، ووقف على بعد مسافة قصيرة للغاية، ودقق النظر في ملامح تلك الشابة التي تقف على اليسار بمحاذاة سيدة عجوز..
لقد كانت تشبه والدته بدرجة كبيرة..

لم يحيد بعينيه عن الصورة وهو يسأل فردوس بجمود:
-مين دي ؟
تعجبت هي من سؤاله الغريب عن أختها، وقطبت جبينها بإندهاش.. وظلت صامتة
عاود تكرار سؤاله بصوت أكثر حدة، فأجابته بتلعثم يشوبه الخوف:
-دي.. دي أختي !
أمعن النظر في تفاصيل وجهها، ورفع أصابعه ليتلمس الصورة بحذر.. ودار في رأسه تساؤلات عدة عنها..

أيعقل أن تكون هي ؟ شبح ماضيه الذي خذله وتركه بمفرده ليعاني ؟ نعم فالشبه مقارب بدرجة كبيرة.. هل هي حقاً، أم مجرد أوهام ؟
مط ثغره بجمود وهو يسألها بإهتمام واضح:
-اسمها ايه ؟
لم تفهم فردوس ما الذي يريده هذا الثري من معرفة تفاصيل تخص عائلتها، فهتفت قائلة بإنزعاج وهي تغطي فمها بطرف حجابها:
-يهمك تعرفه ليه يا باشا ؟ ماتسبنا في حالنا الله يكرمك، كفاية أوي اللي جرالنا !
إستدار بجسده كليةً لتتفاجيء هي بتعابير وجهه الشرسة وهو يصيح بها بصوت هادر:
-انطقي، إسمها ايه ؟

إبتلعت ريقها بخوف، ورمشت بعينيها مذعورة، وأجابته على الفور ب:
-ت.. تهاني يا باشا
إتسعت حدقتيه في صدمة.. الإسم واحد، والملامح تكاد تكون متطابقة لصورتها المحفورة في مخيلته..
فهتف دون وعي منه قائلاً بصدمة:
-هاه.. تهاني !
هزت رأسها موافقة وهي تقول بخفوت:
-أها
ظل أوس صامتاً للحظات، ثم إلتفت بجسده مرة أخرى لينظر بنظرات دقيقة للصورة.. بينما راقبته فردوس بإندهاش حائر، فتبدل حاله الغريب من لحظة لأخرى جعل شعورها بالقلق يبلغ ذروته..

سألها أوس بهدوء مريب قائلاً:
-هي عايشة هنا معاكي ؟
أجابته بتوتر وقد جف حلقها:
-أه من زمان
سألها أوس بصوت هاديء ومريب، وهو يميل رأسه للجانبين متفرساً ملامح الصورة بتمعن أكثر:
-هي متجوزة ؟
لم يختفْ الإندهاش من على وجهها وهي تجيبه بتلعثم:
-كانت.. بس آآ...
إلتفت برأسه نحوها وهو يسألها بجدية:
-بس إيه ؟
-هاه
إنتاب فردوس حيرة شديدة من أسئلة أوس عن أختها، وخشيت أن يدبر لها مكيدة ما تضيعها، فحاولت أن تختلق كذبة ما..

صاح بها أوس بصوت جهوري حينما طال صمتها قائلاً:
-كملي..!
بدى الإرتباك جلياً عليها، وفركت أصابع يدها وهي تجيبه بتوتر ب:
-أقصد يعني كانت تعبانة في عقلها، وآآ.. وماتت !
فغر تغره مدهوشاً وهو يقول:
-اييييه !
ابتلعت ريقها، وحاولت أن تبدو منطقية وهي تجيبه بصوت متقطع:
-زي ما بأقولك يا باشا، هي.. هي ماتت من زمن، وكانت مجنونة!

-ممم..
لم يقتنع أوس بما قالته، وتفرس في ردود فعلها المرتبكة، وأشاحت هي بوجهها بعيداً عنه، ومطت فمها لأكثر من مرة بتوتر..
وقف هو قبالتها، وسألها بجمود وهو يميل برأسه نحوها:
-طب كان عندها عيال ؟
توترت أكثر من إقترابه المفاجيء، وأجابته بإضطراب وهي ترمش بعينيها بحركة عصبية:
-هاه.. هي لما رجعت من برا.. أقصد كانت مسافرة وآآ.. ويعني معرفش.. هي طول عمرها كده !
صرخ بها بصوت مخيف جعلها تنتفض في مكانها ب:
-إنتي كدابة !

إرتجف صوتها مع جسدها وهي ترد عليه بخوف:
-وهاكدب ليه يا باشا، إنت تقدر تسأل أي حد في الحارة هنا هايقولك إن تهاني اختي مجنونة !
كور قبضته في غضب، وأخذ نفساً عميقاً ليسيطر به على نفسه، فهو يعلم أن التطرق لمواضيع جانبية لن يفيده الآن، فمهمته الكبرى هي استعادة زوجته مهما كلفه الأمر
صر على أسنانه وهو يتابع بصوت قاتم:
-ماشي، دي مش قضيتي الوقتي، أنا عاوز تقى !
هتفت قائلة بجدية وهي تتجنب النظر نحوه:
-وهي مش هنا
صرخ بها بإهتياج قائلاً:
-وأنا مش ماشي من غيرها !

في نفس التوقيت، وصلت تهاني ومعها إبنة أختها إلى الحارة وتملكتها الدهشة من حالة الهدوء المريبة المسيطرة على الحارة..
ثم رأت تلك السيارات الفارهة وهي تسد الطريق أمام مدخل البناية، فإبتلعت ريقها في خوف..
لم يختلف حال تقى عنها كثيراً، فقد كان جسدها يرتجف بشدة وهي تقترب من تلك السيارات، وزادت رجفتها حينما وقعت عينيها على سيارة أوس الجندي.. فإنتفضت برعب وهي جاحظة العينين، وتسارعت دقات قلبها، وتلاحقت أنفاسها..
شعرت تهاني بخوفها وحالة الرعب المسيطرة عليها، فضمتها بذراعها، وهمست لها قائلة بثقة:
-متخافيش أنا معاكي.

همست قائلة بهلع جلي في نبرة صوتها وعينيها المذعورتين تكادان تخرجان من مقلتيهما ب:
-ه.. هو.. هو !
سألتها تهاني بعدم فهم وهي تحاوطها بذراعها:
-مين ده ؟
ردت عليها بصوت لاهث ومرتجف ب:
-أنا.. آآ.. أنا آآ..
ظنت تهاني أن حالة الإنهيار المؤقت تعود لها من جديد، فأخذت هي نفساً عميقاً، وزفرته بتريث وهي تقول بهدوء:
-ششش.. اهدي يا بنتي، احنا داخلين البيت ومحدش هايعملك حاجة !
ثم سارت بها بحذر في إتجاه المدخل..
راقبهما رجال الحراسة الخاصة بنظراتهم الثاقبة، ومنعهما أحدهم من الدخول قائلاً بصرامة:
-رايحين فين ؟

ردت عليه تهاني بصوت خافت ومرتجف وهي تنظر له بنظرات زائغة:
-إحنا عايشين هنا يا بني ؟ في حاجة ؟
رد عليها الحارس بصوته الجاد قائلاً:
-في آآ..
قاطعه زميله بصوت هاديء وهو يضغط على كتفه بقوة:
-سيبهم، دول شكلهم مش بتوع قلق !
نظر لهما بإحتقار قبل أن يهتف قائلاً بصوت جامد:
-ماشي، خشوا !
أسرعت تهاني في خطواتها نحو الدرج وهي تحسب تقى المرتعدة معها..
تنهدت في إرتياح لعدم تعرض أحدهم لهما..

فقد كانت تخشى أن تنهار تقى وتهتاج بصورة لا تستطيع السيطرة عليها..
يكفيها ما خاضته اليوم من إستعادة لذكرياتها الموجعة..
صعدت كلتاهما على الدرج بتمهل.. وتحدثت تهاني بصوت مطمئن قائلة:
-شوفتي مافيش حاجة حصلت، تلاقي رئيس الحي جاي في زيارة كده ولا كده !
ثم إبتسمت لها وهي تضيف مازحة:
-ما إنتي عارفة موظفين الحكومة عندنا، بيحبوا يعيشوا الدور !

وبعد لحظات كانتا على مقربة من الطابق المتواجد به المنزل، ولكن تفاجئت كلتاهما بصوت صراخ جهوري قوي يأتي من الداخل..
تجمدت تقى في مكانها، وخفق قلبها بشدة.. وزاد شحوبها، وهربت الكلمات من على لسانها..
فلا يمكن أن تنسى هذا الصوت أبداً..
تعجبت تهاني مما يحدث بداخل المنزل، وتسائلت بقلق:
-هو في ايه ؟
ولم تنتبه إلى تبدل حال تقى للهلع والإنكماش الرهيب..

أسرعت في خطواتها على الدرج، وكانت على وشك طرق الباب، ولكنها تفاجئت بالجارة إجلال تهتف لها بهمس ب:
-تعالوا هنا بسرعة
سألتها تهاني بتوجس وهي توزع أنظارها على باب المنزل وجارتها:
-هو في ايه بالظبط ؟
أشارت لها بكف يدها وهي ترمقها بنظرات منزعجة هامسة بتوتر:
-خشوا جوا بس الأول وأنا هاقولكم !
إلتفتت تهاني برأسها للخلف، وهتفت بإرتباك:
-تقى.. تعالي يا بنتي !
ثم أمعنت النظر في وجه تلك الشاحبة المذعورة، وسألتها بتوجس بائن في نبرتها:
-الله ! مالك في ايه ؟

إتسعت مقلتي تقى أكثر بخوف، وردت عليها بصوت خافت ومتقطع وهي تلهث قائلة بكلمات مبهمة:
-ه.. هو.. هو.. آآ.. هنا
نظرت لها الجارة إجلال بإندهاش وهي عاقدة ما بين حاجبيها، وتسائلت بحيرة:
-مالها ؟
هزت تهاني كتفيها في عدم معرفة، وهتفت قائلة بقلق:
-مش عارفة والله، دي كانت كويسة من شوية !
ثم نزلت بضعة درجات على الدرج لتجذب تقى معها، ثم دفعتها إلى الأمام، وتعجبت من مقاومتها لها.. ولكنها لم تتركها، وتعاونت معها إجلال في سحبها نحو منزلها المقابل وهي تهمس بتوتر منزعج:
-طب خشوا أوام !

دلفت ثلاثتهن للداخل، وأسرعت إجلال بغلق باب المنزل، وتنهدت في إرتياح..
في حين أسندت تهاني تقى، واجلستها على الأريكة القريبة، وضمت وجهها إلى صدرها، ومسدت على رأسها، ثم إلتفتت بوجهها نحو جارتها سائلة إياها بإستغراب مريب:
-ايه اللي بيحصل بالظبط ؟
لوت إجلال فمها في إنكار، وأجابتها بصوت خافت ب:
-بعيد عنك ده واحد الله أكبر عليه قادر ومفتري، والست فردوس معاه جوا
هتفت تهاني قائلة بصدمة:
-أختي..!
-أيوه..

أرخت تهاني ذراعيها عن تقى، وإتجهت نحو باب المنزل قائلة بنبرة عازمة:
-أنا مش هاسيب فردوس لوحدها، دي آآ..
قاطعتها إجلال بصوت جاد ومحذر وهي تشير بكفي يدها أمامها:
-لألألأ.. خليكوا عندي أحسن، بدل ما يشد معاكي ومع الغلبانة اللي مش قايمة على حيلها دي
حانت منها إلتفاتة للخلف وهي تنظر بآسف لها، وأضافت بنبرة إشفاق:
-أه.. حبيبتي يا تقى، بتخاف من أي حاجة !
مطت إجلال ثغرها للجانب وهي تقول بحزن:
-ربنا يلطف بيها وبينا !
أشارت تهاني بإصبعها قائلة بإصرار:
-بس لازم أعرف مين ده، وجاي ليه
-ماشي بس آآآ..

ثم توقفت إجلال عن إكمال جملتها حينما سمعت كلتاهما صوتاً رجولياً قوياً يصيح بعنف ب:
-وأنا مش ماشي من هنا إلا وهي معايا !
أسرعت تهاني نحو باب المنزل لتنظر من " العين السحرية " الخاصة به لتعرف هوية صاحب الصوت الذي كان يقف في..
فإتسعت عينيها بصدمة مرعبة وهي ترى ملامح وجهه المميزة..
نعم فقسمات وجهه ذكرتها بزوجها الأسبق مهاب..

نفس لون البشرة والعينين العميقتين و الحادتين.. والتفاصيل الدقيقة في رسم تعبيراته.. وكذلك طريقته في الحديث وإلتواء فمه وهو ينطق بغضب..
خفق قلبها لوهلة ظناً منها أنه هو مهاب الجندي في شبابه وقوته... وإرتعدت فرائصها وهي تتذكر شدته معها، وسطوته التي لا حدود لها، وإنتقامه الوحشي منها لرغبتها في إستعادة ابنها..
زاد جحوظ عينيها وهي تهتف قائلة بصدمة:
-آآ.. أوس.. مش ممكن...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة