قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل السادس والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الأول منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل السادس والثلاثون

كانت الأيام تمر ثقيلة على أوس الذي ظل ملازماً لتقى في المشفى، فهو لم يتركها للحظة واحدة .. بل كان يتابع بإهتمام مبالغ فيه كل صغيرة تخصها .. ورغم هذا كانت حالتها الصحية إلى حد كبير ثابتة ..
ولم يغفل أي طبيب عن دوره معها .. وكان بين الحين والأخر يعود للقصر ليبدل ملابسه، ثم يرجع إليها مرة أخرى ..
كما أمر رئيس طاقم التمريض أن يحضر له فراشاً أخراً، ويضعه في نفس الغرفة ليكون دائماً بجوارها ..
وبالفعل امتثل هو له وأحضر الفراش، وأسنده بجوار الجدار وعلى مقربة من فراشها ..
ولم يغادر هو غرفة العناية إلا عند الضرورة القصوى ..

كما تناثرت الأقاويل عن وجود علاقة خفية بين أوس الجندي وتلك الفتاة الغريبة بين العاملين بالمشفى، ولكن لم يجرؤ أحد على التحدث جهاراً عنهما ..
في حين تجاهل مهاب التعامل مباشرة مع إبنه أو حتى الإحتكاك به، وفضل أن يتجنبه حتى لا ينبش في ذكريات الماضي التي جاهد ليبقيها في طي الكتمان ..

وفي صباح يوم ما، توقفت سيارة الشرطة أمام مدخل المشفى، وترجل منها عدد من رجال المباحث الجنائية، ودلفوا إلى الاستقبال، ثم بنبرة صارمة تسائل أحدهم ب:
-تقى عوض الله موجودة في اوضة كام ؟

رمقهم الموظف بنظرات شبه مضطربة قبل أن يجيبهم بتردد ب:
-مين حضراتكم ؟
-مباحث
قالها أحدهم بجدية شديدة وهو يتفحصه من رأسه لأخمص قدميه

ابتلع الموظف ريقه، ثم نظر إليهم بتوجس قبل أن يجيبهم بحذر ب:
-بس هي في العناية والزيارة ممنوعة عنها بأوامر من الدكتور وآآ..
-احنا اللي هانشوفها ونقرر
-بس آآ...

حدجه الضابط بصرامة قبل أن يقاطعه بغلظة ب:
-فين مكانها ؟
-هي في الدور التالت غرفة 307
-يالا يا رجالة

قالها أحدهم وهو يتحرك بخطوات ثابتة في اتجاه المصعد الموجود في نهاية الردهة الواسعة، ولحق به البقية ...

في نفس التوقيت إنتهى عُدي هو الأخر من إكمال الأوراق والعقود الخاصة بالتوكيل الإيطالي، وقرر العودة إلى القاهرة لمباشرة أعمال المجموعة ..

كاد أن يجن بسبب تجاهل أوس لإتصالاته المتكررة على مدار الأيام السابقة وحتى لرسائله .. فلجأ إلى والده ليعرف منه السبب، ولم يستغرب حينما أدرك أن وراء ما حدث ( تقى ) ..
طلب مهاب منه بنبرة أبوية راجية أن:
-خليه يرجع عن اللي في دماغه يا عدي، إنت صاحبه، وهو أكيد هايسمع كلامك
-ولو إني معتقدش إن أوس بيسمع كلام حد

تحدث مهاب بإصرار ب:
-معلش حاول معاه

لوى هو فمه في عدم اقتناع وهو يجيبه ب:
-طيب ...

حاول عدي قدر الإمكان أن ينتهي من كل شيء بما يتناسب مع المصلحة العامة لهم، ومن ثم العودة للقاهرة ..
جمع هو متعلقاته الخاصة في حقيبة سفره، واتجه للمطار، وإنتهى من إجراءات السفر، ثم صعد على متن الطائرة، وحدث نفسه ب:
-أنا من الأول كنت حاسس إن موضوع البت دي مش هايعدي على خير، لازم أتصرف قبل ما يتورط أكتر من كده معاها ...!

أرجع هو ظهره للخلف، وأحكم ربط حزام الآمان، ثم أغمض عينيه ليغفو قليلاً ريثما تصل الطائرة للمطار ..

في مشفى الجندي الخاص،،،،

خرج رجال المباحث الجنائية من المصعد، وتوجهوا ناحية غرفة العناية المركزة الخاصة بتقى ..
كان معظم المتواجدون بالطابق ينظرون إليهم بفضول شديد .. وخمن معظمهم أن لوجودهم علاقة بالفتاة الغامضة ..

اقتربوا هم من الغرفة فلمحهم أوس من خلف الجدار الزجاجي، فنهض من على المقعد، وولج للخارج، ووقف بجسده الضخم يعترض طريقهم، ثم رمقهم بنظرات متفحصة وهو يسألهم ب:
-انتو مين ؟ وعاوزين ايه ؟!

رمقه أحدهم بنظرات مهينة قبل أن يجيبه بإستخفاف ب:
-والبيه بقى مين ؟ حارس الأوضة

إحتقن وجه أوس سريعاً بدمائه الغاضبة، وكور قبضته في ضيق جلي، قبل أن يحذره بإنفعال ب:
-اتكلم كويس معايا، وإلا قسما بالله أفرمك
-تفرم مين، إنت بتتكلم مع مباحث مش مجرم !

حدجه أوس بنظرات قاتله وهو يصيح بعصبية وتهور ب:
-حتى لو كنت مدير الأمن شخصياً

وقف الضابط أمامه، وحدجه بنظرات شرسة وهو ينطق بغل ب:
-باين عليك عاوز تتأدب

تجمع العاملون بالمشفى – من أطباء وممرضين - على إثر الصوت العالي، ومن ضمنهم كبير الجراحين، وكذلك رئيس طاقم التمريض، وتدخلوا فوراً للحول دون تطور الوضع ..
أشار كبير الجراحين بيده لأوس، وبنبرة هادئة تشدق ب:
-اتفضل يا أوس باشا جوا الأوضة، وأنا هاتصرف

ضيق هو عينيه، وأمره بصوت متصلب وهو يصر على أسنانه ب:
-دقيقة واحدة وماشوفش أي حد هنا، فاهم

هز كبير الجراحين رأسه موافقاً وهو يقول:
-حاضر

استشاط الضابط غضباً مما يحدث، وبادر بإنفعال ب:
-إنت أد اللي بتقوله ده !

لم يجبه أوس، بل حدجه بنظرات مميتة ومهينة قبل أن يدلف للغرفة، ويصفق الباب بقوة خلفه .. ثم أسدل الستائر ليحجب عنهم الرؤية

صدرت همهمات غاضبة بين رجال المباحث، وكانوا على وشك التصرف بصرامة، ولكن ...
-إحم .. خير يا حضرات، في ايه ؟
قالها كبير الجراحين بصوت شبه متوتر وهو يراقب الجميع بخوف

إلتفت إليه الضابط ورمقه بنظرات إستهجان قبل أن يجبيه بحنق ب:
-وإنت مين إنت كمان ؟
-أنا مدير المستشفى

لوى الضابط فمه في استنكار، ثم تسائل ساخراً ب:
-أها .. اهلا، وده مين اللي فارد عضلاته علينا

تجشأ كبير الجراحين وهو ينطق بخفوت ب:
-إحم .. ده أوس باشا الجندي، ابن صاحب المشفى

-طب بص بقى يا دكتور، إحنا هنا جايين في مهمة رسمية مش جايين نلعب، وعاوزين نحقق مع المجني عليها تقى عوض الله !
قالها ضابط أخر بصوت رخيم وهو ينظر لكبير الجراحين بنظرات ثابتة ..

-للأسف مش هاينفع، حالتها ماتسمحش إنه يتم استجوابها الوقتي
-وإمتى حالتها تسمح
-والله على حسب، هي حالياً زي ما حضرتك شايف في العناية المركزة !

مط الضابط فمه للأمام، ونظر حوله بتمعن:
-مممم .. لأ واضح
-طيب يا دكتور، إحنا عاوزينك نبلغنا وقت ما تفوق
-طبعاً اكيد
-ونصيحة مني تقول للبيه اللي جوا يتعدل أحسنله بدل ما احنا نعدله على طريقتنا
قالها الضابط محذراً قبل أن يتركه وينصرف مبتعداً هو و من معه ...

راقبهم كبير الجراحين إلى أن إبتعدوا عن ناظريه، فلوى فمه في تهكم وهو يقول:
-هو حد يقدر عليه أصلاً ..!

في مطار القاهرة الدولي،،،،

خرج عُدي من بوابة المطار الرئيسية، وهو يجر حقيبة سفره، ثم وضع نظارته القاتمة على عينيه، ونظر حولها بتمعن، ثم حدث نفسه بصوت مسموع ب:
-أومال فين العربية ؟ ده أنا لسه مكلم السواق وقالي واقف هنا، أووف ..!

رأى عدي السيارة مصطفة في الخلف، والسائق يترجل منها ويركض في اتجاهه وهو يصيح ب:
-عُدي باشا، أنا أسف .. الشوارع زحمة وآآ..

أشار هو له بيده لكي يصمت، وبصوت هاديء أردف ب:
-خلاص بلاش رغي، إطلع على الشركة
-حضرتك مش هاترجع الفيلا ؟
-لأ .. عندي حاجات مهمة عاوز أشوفها الأول في الشركة قبل ما أرجع البيت
-ماشي يا باشا

ثم أمسك السائق بحقيبة السفر وجرها ناحية السيارة ووضعها في الصندوق الخلفي، في حين ركب عدي في المقعد الخلفي، وبدأ يعيد تشغيل هاتفه المحمول، ثم وضعه على أذنه، وزم فمه، وحدث نفسه بنفاذ صبر ب:
-برضوه مش بيرد، ماشي يا أوس، هاخلص الورق اللي عاوز توقيع وجايلك ...!

في مشفى الجندي الخاص،،،،
في غرفة العناية المركزة،،،،،

تحركت تقى قليلاً في الفراش، وفتحت عينيها إلى حد ما، ورمشت لعدة مرات محاولة تجنب الإضاءة الشديدة التي تزعجهما، ثم أغمضتهما مجدداً .. وكادت أن تستسلم للنوم وتغفو، ولكن صوت ما تآلفه اخترق آذانها، فجعل حواسها تنتبه بدرجة ما .. ورغم هذا لم تفتح عينيها ..
سمعت هذا الصوت المألوف يهمس لها بخفوت ب:
-انتي موجودة معايا وبس

جاهدت لتفتح عينيها الثقيلتين، ونظرت حيث مصدر الصوت ولكن كانت الرؤية ضبابية ..
تنهدت هي في تعب، وأخذت نفساً عميقاً، وزفرته على مهل ..
ثم شعرت بأصابع ما على جبينها تمسح عليه، فتشنج وجهها وتوترت .. ورفعت عينيها المرهقتين للأعلى ورمشت لعدة مرات حتى تتمكن من الرؤية بوضوح ..

لمحت هي طيف شخص ما يقف على مقربة شديدة منها، فحاولت أن تتبين ملامحه أكثر، فضيقت عينيها، وعبست بقسمات وجهها ..
جابت هي بمقلتيها صدره العريض أولاً ثم إرتفعت بهما نحو عنقه، ومن ثم ذقنه، ونظرت بإندهاش إلى فمه فرأت هي إبتسامة واثقة على ثغره، فإزدادت حيرة ..
اقترب أوس منها بهدوء حتى تتمكن من رؤيته بوضوح، وبصوت آجش أردف ب:
-بقالك كتير نايمة

اتسعت عينيها في صدمة ممزوجة بالرعب حينما تأكدت من ظنونها، وإنفرجت شفتيها، وجاهدت لتجد الكلمات ولكنها كانت عاجزة عن النطق
غمغمت هي بذعر ب:
-أنا ..آآ.. أنا بأحلم
-لأ يا تقى .. مش بتحلمي !
قالها أوس بغرور، فإزداد الرعب في قلبها، و ابتلعت ريقها في توجس شديد .. وإنتفضت كل ذرة في كيانها ...
فتفرس هو في ملامحها المذعورة، وأمسك بكف يدها المرتعش وقبض عليه أكثر .. ومال برأسه ناحيتها لينظر بعينيه القاسيتين مباشرة في عينيها، ثم بصوت خافت وثقيل أردف ب:
-وهاتفضلي على طول معايا ..!

حاولت أن تسحب يدها من كفه وهي تنظر إليه برعب، ولكن لم يكن بها ما يكفي من القوة لتفعل هذا ..
-آآ.. هاه

ابتعد هو عنها وترك كفها، واعتدل في وقفته، ثم وضع يديه في جيبي بنطاله .. ونظر لها بثقة وهو يسألها ب:
-فاكرة اللي حصلك ولا لأ ؟

حدقت هي فيه بخوف، وتسائلت ب:
-هاه، ح.. حصلي ؟

أخذ نفساً مطولاً، وزفره بتمهل شديد، ثم بنبرة شامتة بادر ب:
-أمك كانت عاوزة تقتلك، عاوزة تخلص منك، بس أنا لحقت وجبتك على هنا ..
ثم صمت لثانية ليتفحص رد فعلها المذعور، ثم تابع بغطرسة ب:
-المستشفى هنا بتاعتنا، وعلى فكرة دمي بيجري في دمك
-د.. دمك !
-أيوه .. ماهو احنا طلعنا زي بعض !

اقترب أوس منها، وجلس على المقعد ووضع ساقاً فوق الأخرى بعد أن أراح ظهره للخلف، ثم عقد ساعديه أمام صدره، ورمقها بنظرات دقيقة، وأردف ب:
-بس أمك خدمتني في اللي هي عملته معاكي، خلت الطريق سالك !
-ماما .. هي .. انت عملت فيها ايه ؟
-مش أنا اللي عملت، هي اللي عملت في نفسها
-هاه
-شوفي من الأخر كده انسي إن ليكي أم، لأن هي هاتتعفن في السجن
-لأ .. أمي !
-والمرادي محدش هايقدر يطلعها من البلوى اللي عملتها

تأوهت تقى من الآلم حينما حاولت النهوض فجأة من على فراشها، ووضعت يدها على مكان الجرح، ونطقت بتشنج:
-آآآه .. وأنا مش ه.. هاسيب أمي

أنزل ساقيه، ومال بجذعه للأمام وهو جالس على المقعد، ثم رمقها بنظرات جامدة قبل أن ينطق بعنجهية ب:
-تؤ .. مش هتعرفي ! أنا هارتب كل حاجة عشان آآ..

قاطعته تقى بصوت غاضب وهي تهدر فيه بإنفعال ب:
-إنت ايه .. خربت بيتي وضيعتنا .. عاوز ايه تاني ؟ ابعد بقى عننا .. آآآه

عضت هي على شفتيها من الآلم، وأغمضت عينيها لتقاوم تلك العبرات التي تسللت إلى مقلتيها ...
أمسك أوس بمعصمها فإنتفضت هي فزعاً، وفتحت عينيها، وتلوت به لتحرره، ولكنه أحكم قبضته عليه، وحدجها بنظرات مخيفة، ثم تحدث وهو يضغط على أسنانه ب:
-أنا عاوزك إنتي، مهما عملتي مش هاسيبك للحظة ...!

في بناية ما حديثة الطراز بمنطقة مصر الجديدة،،،

وضع ممدوح المفتاح الذي بحوزته في مقبض الباب، ثم فتحه، ودلف إلى داخل منزله .. ثم تحسس بكف يده - في الظلام الدامس الذي يسود المكان - الجدار المجاور للباب ليضغط على مفتاح الإنارة، حتى يتمكن من الرؤية بوضوح ..
لحق به حارس البناية وهو يحمل حقائب سفره، ثم أسندها في الصالة، واستدار ليواجه ممدوح، ورسم على وجهه ابتسامة بلهاء وهو يتجشأ ب:
-نورت مصر يا ممدوح بيه، هتطول في الزيارة المرادي ولا آآ...

قاطعه ممدوح بصوت جاد ب:
-لأ خلاص، أنا مش هسافر تاني، أنا نويت أستقر هنا
-بجد يا سعات البيه، ده البلد هتنور بيك

أخرج هو حفنة من النقود من جيبه، ثم مد يده بها ناحية الحارس الذي اندفع واللعاب يسيل من فمه نحوه، وأخذ النقود ودسها في جيبه، ثم قال بهدوء
-شكراً .. يالا خد الباب في ايدك

ابتسم الحارس في سعادة واضحة وهي يجيبه بتلهف ب:
-حاضر يا بيه

تأمل ممدوح صالة منزله وجاب ببصره الأثاث الذي كان غالبيته مغطى بالشراشف البيضاء ..
ثم تنهد في إنهاك وقال بهدوء يحمل الوعيد:
-معدتش ورايا حاجة إلا إنت وعيلتك بس يا مهاب ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة