قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السادس عشر

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السادس عشر

( وانحنت لأجلها الذئاب )

عند مشفى الجندي الخاص
ظلت تقى متسمرة في مكانها لعدة دقائق، ومحدقة ببوابة الإستقبال، وبإسم ( الجندي ) الذي يعلوها ..
عجزت قدميها عن التحرك خشية مواجهة الأسوأ بالداخل .. ومع هذا كان قلبها معلقاً بأوس .. يتلمس بتلهف معرفة حالته والإطمئنان عليه ..
اقتربت منها ممرضة ما، ووضعت يدها على كتفها لتنتبه لها، وأردفت قائلة بصوت هاديء:
-تعالي معايا يا مدام، دكتور مؤنس باعتني عشانك، اتفضلي!
هزت رأسها مستسلمة، وشعرت نوعاً ما بالإرتياح لوجود من يرافقها في طريقها ...

مر الوقت بطيئاً على الجميع وهو ينتظرون بالخارج عودة الطبيب مؤنس ليطمئنهم على حال أوس ...
ألصق عدي ظهره بالحائط المجاور لباب غرفة الطواريء، وظل يفرك أصابعه بتوتر .. ووزع أنظاره ما بين الغرفة، والتحديق بالرواق، بينما جلست تهاني إلى جوار تقى، وتطلعت إليها بنظرات إشفاق .. هي تعلم مدى الحيرة التي تعانيها، ومدى التخبط في مشاعرها وقراراتها ..
فهي صغيرة، ساذجة، خبرتها قليلة، بل تكاد تنحسر في نطاق عائلتها والحارة التي تمثل عالمها ..
واجهت الكثير، وتعرضت لصدمات كافية لتدمير أي انسان طبيعي .. ومع هذا تحاول إعادة بناء نفسها ..
مدت يدها لتمسك بكفها المرتجف، وضغطت عليه بأصابعها .. وتمتمت مع نفسها بأسف:
-ومين هايستحمل ده كله ويبقى بخير!

كانت تقى شاردة في عالم أخر خاص بها، من يراها يظن أنها محدقة في الفراغ، ولكنها كانت تتطلع إلى خيال وجه أوس الباكي أمامها ..
لم تره في تلك الحالة إلا حينما كان على وشك الموت في أحضانها، وأفنى حياته من أجلها ...
كان صادقاً في مشاعره، في حبه ..
وهي لم تبادله إلا الكره والبغض ..
خشيت من تكرار التجربة مجدداً، ومن المعاناة التي لا تنتهي ..
غصة مريرة علقت بحلقها، وآلم قوي إجتاح قلبها ..
نعم فتلك المرة هي الجانية ..
هي من أوصلته لتلك الحالة ..

تطلع عدي بعينيه نحوها، ومرر نظراته عليها من رأسها لأخمص قدميها ..
لاحظ تلك الإرتجافة التي تسيطر عليها، وانتبه لجلوسها بقميص منزلي .. فضغط على فمه .. ونفخ من الضيق، ثم تحرك دون أن ينطق بكلمة ..
نظرت له تهاني بإندهاش .. وتسائلت مع نفسها بحيرة:
-هو .. هو رايح فين!
جاءت ممرضة ما إلى تقى وهي تحمل في يدها عبوة من المشروب، ومدت يدها بها نحوها وهي تقول بهدوء جدي:
-اتفضلي يا مدام، اشربي ده
حدقت بها تقى بجمود، ولم تتحرك قيد أنملة ..

أردفت الممرضة قائلة بإصرار عجيب:
-مدام أنا مش هامشي من هنا غير لما اطمن ان حضرتك شربتي العصير ده، اتفضلي!
ربتت تهاني على ظهرها بحنو، ورمقتها بنظرات دافئة وهي تهتف بصوت خافت:
-خديه منها يا بنتي، انتي مش شايفة وشك مخطوف ازاي! يالا يا بنتي ربنا يهديكي
تناولتها منها تقى، وارتشفت منها قدراً قليلاً لتبلل به جوفها الجاف ..

ركب عدي سيارته وصفها بعيداً، ثم أوقفها، وضرب بيده على المقود بعصبية، وأدمعت عينيه بشدة حزناً على رفيقه ..
إنتحب بصعوبة وهو يردد بخوف:
-ليه كده يا صاحبي! ليييييه!
أرجع رأسه للخلف، ووضع يديه على رأسه ليضغط عليها بقوة ..
ثم أخذ نفساً عميقاً، وحبسه في صدره ليمنع نفسه من البكاء ..
انتزع منشفة ورقية من تابلوه السيارة، ومسح بها وجهه، ثم جذب سترة أوس، وتنهد بصوت مرتفع ..
ترجل من السيارة وهو يحمل السترة على ذراعه، ثم عاود أدراجه لداخل المشفى ...

في السوق الشعبي بالحارة
أشارت إحسان بيدها نحو قطعة لحم حمراء بعد أن ظلت تتفحص بدقة ما علقه الجزار من لحوم مذبوحة أمام مدخل محله، وهتفت بصوت شبه آمر:
-اقطعلي من هنا
سألها الجزار بصوت متحشرج وخشن للغاية:
-أخر كلام يا أم عبده
ردت عليه بصوتها الجهوري:
-اه يا بني، أنا أحب أخد حاجتي مشفية!
لوح لها بسكينه الحاد قائلاً بتحذير:
-بس السعر هايبقى أغلى حبتين.

لوت فمها في عدم إكتراث وهي ترد عليه ب:
-وماله، أهم حاجة يبقى فيها لحمة مش شغت وقرف
ابتسم لها مجاملاً، وشرع في قطع اللحم وهو يقول بحماس:
-على البركة!
مرت القابلة أم نجاح من جوار إحسان، فرأتها وهي تتمعن في أوجه المارين بإشمئزاز، فإقتربت منها وصاحت بصوت مرتفع:
-الله، ست إحسان.

إلتفتت إحسان بوجهها نحوها، وهتفت بفتور وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-ازيك يا أم نجاح، عاملة ايه وازي بنتك ؟
ردت عليها الأخيرة بإبتسامة عريضة:
-الحمدلله بخير، نحمده على كل حال، اخبارك انتي ايه ؟ وأخبار سي عبده ومراته ؟
نفخت بضيق وهي تجيبها:
-أهوو .. زي ما احنا
مط أم نجاح فمها لتقول بحذر:
-ربنا يصلح الحال.

فكرت إحسان في أن تستغل الفرصة وتستشف بعض المعلومات منها، خاصة وأن الشكوك كانت تساورها بشدة خلال الأيام الأخيرة، لذا ضيقت عينيها بمكر، وأسندت قبضتها على ذراع أم نجاح، والتصقت بها، ثم همست لها في أذنها بخبث:
-بأقولك ايه يا أم نجاح، عاوزاكي في كلمتين
سألتها أم نجاح بإهتمام وقد سيطر عليها الفضول لمعرفة ما تريده:
-قولي يا اختي!

أشارت بعينيها وهي تضيف بخفوت:
-مش هاينفع الكلام هنا، تعاليلي في البيت
سألتها أم نجاح متوجسة وهي تضع إصبعيها على طرف ذقنها:
-هو حصل حاجة لا سمح الله ؟
هزت إحسان رأسها نافية، وهتفت بغموض:
-لأ .. بس كنت عاوزة استفهم منك عن حاجة كده
تشدقت نجاح قائلة:
-طيب ياختي، هابقى اعدي عليكي على أخر النهار كده.

ربتت على ظهرها وهي تقول بإبتسامة سخيفة:
-هستناكي نشرب الشاي سوا
-بأمر الله، سلامو عليكم
ردت عليها إحسان بإيجاز:
-وعليكم ..!
ثم زاد عبوس وجهها، وأظلمت نظراتها وهي تتابع بشراسة:
-أما أشوف حكاية الولية دي ايه، ما هو أنا الفار مش هايفضل يلعب في عبي وأنا أموت مفروسة ومش عارفة أوصل لحل!

في مشفى الجندي الخاص
عاد عدي من الخارج وهو يحمل السترة ليقف قبالة تقى، ثم مد يده بها نحوها، وأردف قائلاً بصوت هاديء:
-اتفضلي
نظرت له تقى بعدم فهم، فأكمل قائلاً بنفس الثبات:
-ده جاكيت أوس البسيه، مش هاينفع تفضلي كده!
أثار ذكر اسمه قلبها، وزاد من خفقاته .. فمدت يدها المرتجفة لتأخذه منه ..
قربت السترة منها فتسللت رائحته المميزة إلى أنفها ..
فأغمضت عينيها، وقاومت بصعوبة إنسياب عبراتها ...

ارتدت السترة وبدى جسدها ضئيلاً للغاية بداخلها ..
ولكن نوعاً ما شعرت بالأمان فيها ..
خرج الطبيب مؤنس من الغرفة وهو ينزع قفازه الطبي من يديه، فإنتصب عدي في وقفته، وركض نحوه، وسأله بتلهف:
-ها يا دكتور مؤنس! أوس عامل ايه ؟
هبت تهاني واقفة من المقعد، وسحبت يدها من كف تقى، وسارت نحوه وهي تضع يدها على صدرها من فرط التوتر، وحدجت الطبيب بنظرات زائغة وهي تهتف بقلق أمومي:
-ابني!

انتبهت تقى إليهم، وخفق قلبها بدرجة كبيرة، وحبست أنفاسها منتظرة ما سيلفظه فمه ...
أجابهم مؤنس قائلاً بهدوء:
-اطمنوا يا جماعة، الحالة بقت مستقرة
تنهدت تهاني بإرتياح، ورفعت عينيها الدامعتين للأعلى لتقول بإمتنان:
-الحمدلله يا رب، الحمد لله
تنفس عدي الصعداء، ووضع يده على رأسه قائلاً بتنهيدة عميقة:
-ياه، الحمدلله!

أغمضت تقى عينيها، وأرجعت رأسها للخلف، ثم أطلقت تنهيدة مطولة من صدرها المشحون بالمشاعر المتأججة:
-آآآه ..!
سلط الطبيب مؤنس أنظاره على تقى، وصاح بجدية وهو يتحرك نحوها:
-مش حابة تطمني على جوزك يا مدام تقى!
أخفضت رأسها قليلاً، وفتحت عينيها لتنظر نحوه، وهزت رأسها عفوياً وهي تسأله هامسة:
-هو .. هو فاق ؟
أجابها بهدوء حذر وهو يطالعها بنظرات متمعنة:
-لأ .. بس أنا عارف هو أد ايه متعلق بيكي، ووجودك معاه هايفيده في اللحظات دي!

سأله عدي بقلق بالغ في نبرته:
-هو حياته في خطر ؟ قول يا د. مؤنس
ابتلعت تقى ريقها وهي تنظر له بخوف منتظرة بترقب جلي إجابة سؤاله ..
أدار الطبيب مؤنس رأسه في إتجاهه عدي، وأجابه بإحتراز:
-حالياً لأ .. بس العامل النفسي مهم في مراحل الشفاء، ومن اللي أنا شوفته في حالة الباشا أوس وجود المدام معاه هايفيده!
-قومي يا بنتي، خليكي جمبه، انتو الاتنين محتاجين بعض
قالتها تهاني بنبرة صادقة وهي تنظر إليها برجاء ..

أضاف الطبيب مؤنس قائلاً بثبات:
-هو هايتنقل على العناية، وأنا هاطلب من الممرضين يحطوا سرير تاني معاه
ظلت تعابير وجه تقى على حالتها الجامدة .. ولكن لاحت إبتسامة باهتة على شفتيها ..
خشي عدي من حدوث أي تطور، وخاصة فيما يتعلق بمهاب الجندي
فأردف قائلاً بنبرة محذرة:
-تمام يا دكتور، بس يا ريت محدش يعرف بوجود مدام تقى معاه
ابتسم له مؤنس وأضاف بهدوء بعد أن فهم مقصده:
-اطمن!

إستندت تقى بكفيها على جانبي المقعد لتنهض من عليه، ثم سارت ببطء مع الطبيب في إتجاه الممر ...
نظر عدي إلى تهاني، وتنحنح قائلاً بصوت آجش:
-حضرتك اطمني على أوس وأنا هاوصلك على البيت تاني!
أومأت برأسها وهي تجيبه بخفوت:
-ماشي يا بني!

أدخل اثنين من الممرضين سريراً متحركاً إلى داخل غرفة العناية، وقاموا بإزاحة طاولة صغيرة وأريكة جلدية بيضاء إلى خارجها ..
تابعتهما تقى بصمت .. وظلت أنظارها معلقة بالباب في إنتظار دخول أوس ..
إنتبهت هي إلى الأصوات الخارجية التي تقترب من الغرفة، فجفل جسدها، وضغطت على شفتيها بتوتر شديد ..
دلف أحد الممرضين بظهره إلى الداخل ساحباً التروللي الطبي .. وولج معه عدد أخر من الأطباء، فهتف أحد محذراً:
-بالراحة .. خلوا بالكم
تعلقت أنظارها بالتروللي، وحاولت إختلاس النظرات إلى وجه أوس، ولكن كانت أجساد الأطباء تحجب عنها رؤيته ..

هتف الطبيب مؤنس بنبرة رسمية:
-عند 3 ترفعوه على السرير
-تمام
-1، 2، 3
وبالفعل رفعه الجميع معاً، وأسندوه على الفراش ليكمل الطبيب مؤنس عمله معه، وتابع البقية توصيل الأجهزة الطبية به .. وغرزت ممرضة ما أبرة طبية في كفه .. وعلق ممرض أخر المحلول على الحامل ..

وقفت تقى على بعد منكمشة على نفسها تتابع عملهم في صمت .. ولكن قلبها كان ثائراً من أجله .. خاصة حينما وقعت عينيها على وجهه، ورأت جموده الذي أذاب قسوتها الزائفة، وكشف قناع ضعفها أمامه ..
تناست في لحظة جريمته النكراء التي تقف دوماً كحائلٍ بينهما، وإستسلمت لشعورها بصدق توبته .. وبندمه الحقيقي الذي لم يكفْ عن إظهاره لها وسعيه لتعويضها..

اقترب منها الطبيب مؤنس، وأردف قائلاً بخفوت بعد أن رأى نظرات الخوف في عينيها، وحالة الرهبة المسيطرة عليها:
-مش عاوزك تقلقي يا مدام، اللي بنعمله عادي في حالته
هزت رأسها متفهمة .. فأكمل بهدوء وهو يشير بيده:
-حضرتك تقدري تقعدي معاه، والسرير ده عشان لو حبيتي تريحي شوية، وأنا عاوزك تطمني مافيش حد هيزعجكم، أنا منبه على الكل، ولو حصل حاجة احنا هنتصرف
ابتسمت له إبتسامة باهتة، فإلتفت برأسه للخلف، وهتف بنبرة آمرة وهو يشير بكفه:
-اتفضلوا يا جماعة!

نظر لها مجدداً، واضاف بجدية وهو يمد يده بمشروب ما:
-عاوزك تشرب ده يا مدام
رمقته بنظرات حائرة، فبرر قائلاً:
-ده هايفيدك حالياً، اتفضلي ..!
تناولته منه، وارتشفت قدراً قليلاً منه .. فإبتسم لها مؤنس، ثم انضم للبقية ..
بعد لحظات انصرف الجميع من الغرفة، وبقيت تقى بمفردها معه ..
تحركت بخطوات مضطربة نحوه، وسحبت المقعد إلى جوار فراشه ..
جلست عليه وعينيها لم تفارقان وجهه ..

نظرت له بأسف .. وأصغت إلى صوت تنفسه المنتظم ..
مدت أصابعها المرتجفة نحو ذراعه، وتلمست بحذر بشرته الخشنة ..
قشعريرة قوية دبت في جسدها على إثر لمستها له ..
وتنهيدة حارة أخرجتها من صدرها على ذراعه بعد أن أخفضت رأسها نحوه ..
همست له بصعوبة وهي تحاول ابتلاع تلك الغصة المريرة التي تزيد من إختناقتها:
-أنا هنا معاك .. ولوحدنا ..!

أغمضت عينيها، وأسندت رأسها على ذراعه لتتابع بنشيج:
-ولأول مرة أحس .. إني.. إني مش خايفة منك بجد!
تلمست بوجنتها ذراعه، وإختنق صوتها أكثر وهي تكمل بوهن:
-بس مش قادرة أتحمل اللي بيجرى حواليا، حاسة إني لوحدي، انت مش معايا، وأنا .. أنا خايفة أكمل فتروح مني كل حاجة!
رفعت رأسها للأعلى، ونظرت له بأعينيها الباكية، وأمسكت بكفه، ثم نهضت عن المقعد بحذر .. وجلست على طرف الفراش، وتطلعت إلى كفه، وأكملت بنبرة مرتعدة:
-وخصوصاً لو عرفوا بده.

نظرت إلى بطنها، ثم حركت يده الممسكة بها في إتجاهها، ومن ثَمَ أسندتها على بطنها وضغطت على كفه قليلاً بأصابعها المرتجفة لعله يستشعر وجود جنينه في رحمها ..
لم تنتبه إلى عينيه التي كانت ترمشان بوهن متأملة إياها بإشتياق حقيقي ..
ولم يحاول الإنفعال فيخرجها من حالة الصدق الشعوري مع نفسها .. فقد أراد الإستمتاع بوجودها معه، وبقربها منه ..
كانت فرحته الحقيقية حينما شعر بما تحاول إبلاغه إياه ..

رقص قلبه طرباً، وجاهد بضراوة للمحافظة على جموده وسكونه الزائف ..
هي تحمل في أحشائها نطفته التي وضعها جبراً داخلها ..
ويراها الآن تشير إليها دون نبذ أو خوف منها ...
نعم لقد تقبلتها، وإرتضت أن تكون أماً لابنه القادم ...
كانت من أسعد اللحظات عليه ..
ود لو يخرج عن صمته المصطنع ويعلن عن فرحته العامرة بهذا الخبر الذي لم يتخيل حدوثه ...

لقد استمع إلى صوتها الباكي وهي تخبره بحملها وهو يصارع آلامه، فكانت كلماتها كالبلسم الشافي لجراحه الملتهبة .. فسكن وقتها على صوتها، وإرتاحت روحه، وإستسلم لذلك الحلم الجميل ...
إرتسم على ثغره شبح ابتسامة حاول إخفائها قدر الإمكان بعد أن ثبتت شكوكه ..
أغمض عينيه ليتذكر اللحظات السابقة حينما ولج إلى داخل غرفة الطواريء ...

في وقت سابق
أسند الأطباء أوس على الفراش الطبي، وصاح الطبيب مؤنس بتوتر:
-بسرعة، وصلوا الجهاز ب آآ...
لم يكمل جملته حيث تفاجيء بأوس يمسك به من ياقته، ويجذبه نحوه ليقول بصوت ضعيف:
-فين مراتي ؟ عاوزها معايا
حرر مؤنس ياقته من قبضته، ورد عليه بحذر:
-اهدى عشان حالتك، المضاعفات نتايجها وحشة!

همس له بتلعثم وهو يصر على أسنانه بشراسة:
-مراتي .. ح.. حامل!
جحظ مؤنس بعينيه، وربط سريعاً بما رأه على جسدها من إنهاك، ومن حالة عدم إتزان أثناء نقل زوجها للداخل ..
قطع تفكيره صوت أوس وهو يأمره:
-ماتسيبهاش لوحدها، خليها معايا! اتصرف!
هز مؤنس رأساً موافقاً، وتشدق قائلاً بخفوت:
-حاضر .. هاعمل اللي انت عاوزه! اهدى!
تابع أوس بنفس الصيغة الآمرة:
-مراتي تبقى جمبي، هاتها
وبالفعل فكر مؤنس سريعاً في تحضير ترتيبات خاصة من أجل إبقاء تقى مع أوس دون إثارة الشكوك ...

عودة للوقت الحالي
إختلس أوس النظرات إليها بحذر، وتملكه شعوراً عجيباً بالإرتياح ...
أرخت تقى أصابعها عن كفه .. وأسندته إلى جوار جسده بحذر .. وانحنت برأسها على رأسه لتقبله في جيبنه، وهمست له بمشاعر فاجئته:
-أنا جمبك!
شعرت هي بثقل في رأسها، وبصعوبى في فتح جفنيها ..
لذا نهضت عن فراشه، وتحركت ببطء نحو الفراش المجاور لها ..

تمددت بجسدها المرهق عليه، وسلطت أنظارها على أوس ..
زاد ثقل جفنيها .. وإرتخى جسدها نوعاً ما ..وبررت لنفسها أن التعب تمكن من جسدها، وأنهكتها ضغوطات اليوم .. بالإضافة إلى سيطرة هرمونات الحمل عليها ..
قاومت بشدة لتبقى مستيقظة، ولكن لسلطان النوم أثر عجيب ..
فبعد دقائق معدودة كانت تغط في سبات عميق ..

فتح أوس عينيه، وأدار رأسه في إتجاهها، ورسم على محياه ابتسامة راضية وهو يتأمل وجهها النائم بنظرات رومانسية ..
تنهد بإرتياح لأنها لم تشك فيما فعله الطبيب مؤنس من وضع مخدر بسيط لها في المشروب ..
وبحذر شديد نهض من نومته، وإنتزع عن كفه الإبرة الطبية .. وكذلك الأسلاك الموصوله بصدره، ثم أنزل ساقيه للأسفل، وتحرك ببطء في إتجاهها ..
جلس أوس على طرف الفراش، ومرر عينيه ببطء عليها ليمتع نفسه بقربها منه .. ثم مد يده ليتلمس وجنتها الناعمة .. وأزاح تلك الخصلة المتمردة الملتصقة بجبينها ..

مال برأسه عليها ليهمس لها بنبرة عاشقة في أذنها:
-وأنا مش هاسيبك يا تقى!
تمدد هو إلى جوارها، ولف ذراعه حول ظهرها، واقترب أكثر منها ليلتصق صدره بجسدها، ثم رمقها بنظرات والهة، وأكمل هامساً ومتعهداً ب:
-ولا هابعد عنك، ولا عن ... عن ابني ...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة