قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الحادي والعشرون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

مرت عدة أيام، وسكون حذر تسلل رويداً رويداً إلى تقى أثناء بقائها مع زوجها .. ومع هذا مازالت هناك بقايا هواجس إجبارها على فعل ما لا تريده تطاردها حينما تختلي بنفسها، ولكنها تجاهد للتغلب عليها وإقناع عقلها بإستحالة حدوثه .. وساعدها – إلى حد ما – تصرفات أوس الرقيقة معها ..

كما تابعت حالتها الصحية طبيبة نسائية متخصصة تدعى بارسينيا، ونصحتها بالإهتمام بصحتها أكثر خاصة بعد أن لاحظت ذبولها وضعفها العام، وأيضاً بالمواظبة على المتابعة الاسبوعية والشهرية معها في عيادتها الشهيرة لضمان سير باقي شهور حملها بسلاسة ودون وجود أي عقبات ..

كذلك إستعاد أوس عافيته، وبدء يتماثل كليا للشفاء بعد مواظبة الطبيب مؤنس على مداوته منزليا .. وتابع إدارة أعماله عن طريق حاسوبه المحمول وشبكة الإنترنت، ودائرة اتصالات مكثفة مع مديري مجموعاته ورفيقه عدي ..
حاولت تقى أن تعوض ما فاتها من فروض خلال الأيام الماضية، واستغرقت وقتاً في أداء كل صلاة حتى أنها لم تلاحظ مراقبة أوس لها ..

نعم لقد كان شغوفاً بمتابعة كل تفصيلة تخصها دون أن تدري، وحتى تكون على طبيعتها ..
أسرت عينيه رؤيتها وهي ساجدة تناجي ربها، تبث إليه همومها، وتشكوه بعبرات صادقة ما يضيق به صدرها ..
ود لو كان مثلها .. نقياً، طاهراً، لم تدنسه الذنوب، أو تغرقه الآثام حتى النخاع .. فيبوح بما يكنه في قلبه لمولاه وهو على يقين بالفرج القريب ...
أنشأت تلك التصرفات العفوية صراعاً جديداً بداخله، وأحدث تخبطاً فكرياً مزعجاً زلزل معتقداته الراسخة عن فعل المحرمات بلا ذرة ندم واحدة .. فأصبح مذبذباً، وأدرك – عن إقتناع – فساد حياته اللاهية ...

عادت الخادمة ماريا للعمل من جديد في المنزل، وأشرفت عليها المدبرة عفاف و التي تولت بنفسها مهام إعداد الطعام وطهيه وخاصة لتقى .. وراقبت بسعادة إستقرار العلاقة بين الزوجين ..
أما عندما يحين المساء، فتعود الإثنتين إلى منزليهما ليبقى أوس مع زوجته بمفردهما دون تدخل شخص غريب ..

كانت رهبة تقى تتجسد ليلاً ويزداد فزعها حينما تخلد للنوم في غرفتهما حيث تهاجمها أبشع كوابيسها المتمثلة في هيئة مهاب الجندي المخيفة وما ينتوي فعله بها وبجنينها .. وفي النهاية يضطر أوس إلى قضاء كل ليلة نائماً إما على الأريكة، أو ممدداً على ( لحاف قطني ) موضوع على الأرضية حتى مل ذلك الوضع، وقرر التصرف بحرفية مع تلك المسألة المزعجة ..

اهتم عدي بزيارة ليان مجدداً على فترات منتظمة لتعتاد على وجوده في حياتها، واطمئن من تقارير الطبيب المعالج لها عن تحسن حالتها بصورة كبيرة، وبشره بقرب خروجها من المشفى .. فرقص قلبه طرباً، وبدء يعد العدة لتلك المناسبة الهامة ...

استعانت إحسان بجارة لها لتحضر لها من أحد تجار العطارة وصفة مميتة لإستخدامها مع بطة لإيذائها بشراسة .. وإدعت بالباطل رغبتها في الانتقام من امرأة سيئة السمعة تحاول الإيقاع بإبنها وإفساد حياته الزوجية، فتعاطفت الجارة معها، ولبت طلبها دون أدنى تأخير ...

رتبت هياتم جميع الأوراق والتصاريح الخاصة بزيارة تهاني لناريمان في محبسها بالسجن النسائي، وتم تحديد يوم اللقاء المرتقب بينهما، وأبلغت به تهاني لتستعد في الموعد المطلوب ...

كلف مهاب أحد أتباعه المخلصين بجمع معلومات هامة والتحري بدقة عن تهاني وعائلتها من أجل تنفيذ مخطط شيطاني قد وضع بذوره في عقله ليضمن التخلص نهائياً من ألد أعدائه دون أن يفعل شيئاً واحداً بيده ...

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
إلتوى ثغر إحسان بإبتسامة خبيثة وهي ترفع ورقة مطوية - على هيئة قرطاس - في يدها أمام عينيها الحادتين ..
دققت النظر في تلك الورقة، ولمعت عينيها ببريق شيطاني وهي تحدث نفسها بتشفي:
-هي دي اللي هاتجيب داغك يا بنت ال *** ..!
ثنيت ساقها الممتلئة أسفل فخذها، وتابعت بلؤم:
-ناقص بس أعمل الشويتين بتوعي على الواد عبده، وأجيبه هنا، وبعدها آآ...
قهقهت بصورة مخيفة وهي تهز القرطاس في يدها، ثم أضافت:
-التحويجة هتتكلم!

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
دلفت السكرتيرة إلى غرفة مكتب عدي وهي تحمل في يدها مظروفاً مغلفاً، واقتربت منه لتردف حديثها بنبرة هادئة:
-عدي باشا! الطرد ده جاي لحضرتك مخصوص!
رفع عدي رأسه ليرمقها بنظرات جادة قبل يوميء بعينيه لتضع المظروف على سطح مكتبه قائلاً بنبرة رسمية:
-سيبه وشوفي شغلك
-حاضر يا فندم!

قالتها السكرتيرة وهي تعاود أدراجها إلى خارج الغرفة ..
أمسك عدي بالمظروف، وفضه ليتفقد محتوياته بعد أن أرجع ظهره للخلف في مقعده ..
مط فمه وهو يقرأ بإهتمام ما كُتب في الأوراق .. وتقوس فمه بإبتسامة متهكمة وهو يقول:
-ممم.. حلو أوي الكلام ده كله! اخرتك قربت يا وفيق!

لقد أرسل عدي شخصاً موثوقاً به قبل عدة أيام لجمع معلومات دقيقة عن كل ما يخص الصحفي وفيق وموقعه الإخباري في سرية تامة بناءاً على أوامر أوس الجندي شخصياً حتى يطلع عليها حينما يسترد صحته، فيرد الصاع صاعين لكل من تطاول باللفظ أو الفعل على زوجته ..
ألقى هو بالأوراق على سطح مكتبه في عدم إكتراث، و تابع بتسلية:
-ده انت بنفسك هاتنول شرف مقابلة أوس الجندي! بس مش هاتكون زي أي مقابلة!
شبك كفيه معاً وراء رأسه، وأطلق صفيراً خافتاً وهو يدور بمقعده للخلف ...

في السجن النسائي
جلست تهاني في الغرفة المخصصة لزيارة السجينات وهي تتأمل المكان بنظرات منزعجة، وحمدت الله في نفسها على حريتها التي تنعم بها ..
لم يتوقف عقلها للحظة عن التفكير في سبب رغبة ناريمان في رؤيتها، خاصة وأن الأخيرة لم تفعل سوى كل ما هو سيء في حياتها .. فلم تتوقع حسن نيتها ..
رفعت بصرها في إتجاه تلك المقبلة عليها، وضيقت عينيها لتمعن النظر في ملامحها المألوفة ..
فغرت فمها مدهوشة وقد تعرفت عليها .. وهتفت بلا وعي وحاجبيها منتصبان للأعلى:
-ن.. ناريمان!

لقد تبدل حالها كثيراً، فلم تعدْ تلك السيدة الجميلة المتباهية برقيها وطبقتها الإجتماعية .. بل بدتْ أكبر عمراً، وأكثر شحوباً وإرهاقاً ..
نهضت ببطء من على المقعد الخشبي المسطح، ورمشت بعينيها في عدم تصديق ..
وقفت ناريمان قبالتها، وحدجتها ببقايا نظرات تحمل الكبرياء والعزة، وأردفت قائلة بثبات وهي ترفع رأسها للأعلى:
-هاي يا تهاني!
ردت عليها تهاني وهي تبتسم بسخرية:
-لسه زي ما إنتي!
أجابتها ناريمان بهدوء مريب وهي تجلس على المقعد:
-مافيش حاجة هاتغيرني
سألتها تهاني بحدة بعد أن جلست هي الأخرى:
-طلبتي تشوفيني ليه ؟

ردت عليها بثبات وهي شامخة الرأس:
-لأن مصلحتنا واحدة
هتفت بها تهاني بتذمر وهي تلوح بذراعها:
-ازاي واحدة واحنا بينا مصانع الحداد ؟
ابتسمت لها ناريمان بتهكم مجيبة إياها ب:
-ده كان زمان، لكن دلوقتي احنا مضطرين نسيب أي خلافات بينا على جنب، ونتعاون مع بعض!
سألتها بإقتضاب وهي عابسة الوجه:
-عشان ايه ؟

اخذت ناريمان نفساً عميقاً، وزفرته على مهل، وأجابتها بتنهيدة تحمل الحقد:
-مهاب!
جحظت تهاني بعينيها، وهتفت بصدمة:
-هاه! مين ؟
ردت عليها بنبرة مغلولة:
-ايوه ماتستغربيش!
صمتت لثوانٍ عدة قبل أن تفسر لها قائلة:
-احنا الاتنين غرضنا ننتقم من مهاب، هو استغل كل واحدة فينا عشان مصلحته وبس، وبعد ما خد اللي عاوزه، نسفنا، وزي ما انتي شايفة حالنا الوقتي بقى ازاي!

ردت عليها تهاني بحنق وهي ترمقها بنظرات ساخطة:
-انتي اللي عملتي كده في نفسك!
تشنجت تعابير وجهها المجعدة وهي تادفع عن نفسها قائلة بحدة:
-لأ مش أنا، هو اللي أجبرني على ده!
أشارت تهاني بإصبعها وهي تقول:
-ماتبرريش غلط بغلط، إنتي آآ...

قاطعتها ناريمان بنبرة قوية وصارمة:
-احنا مش جايين نتحاسب على اللي عملته ومش عملته، انتي نفسك طالك من أذاه كتير، وآآ...
-وكفاية إنه حرمك من عيالك
قالت تلك العبارة وهي تتعمد الضغط على كل حرف فيها ليصل مدلولها إلى تهاني التي هتفت بلا وعي:
-انتي كنتي معاه، وساعدتيه على ده، يعني شريكته في الجريمة!
-مممم..

نهضت فجأة عن مقعدها، وتابعت بحنق وهي تحدج ناريمان بنظرات جارحة:
-أنا مش عارفة أصلا ايه اللي جابني هنا اتكلم معاكي، المفروض كنت آآ...
قاطعتها ناريمان بهدوء حذر وهي ممسكة إياها من ذراعها:
-اقعدي واسمعيني، ده مش وقت عتاب بينا!
أزاحت تهاني قبضتها عنها، وهتفت محتجة:
-انتي مفكرة إني جاية هنا عشان أعاتبك ؟! لأ أنا جاية آآ...

قاطعتها مجدداً بنبرة عصبية:
-تهاني اسكتي واسمعيني للأخر، أنا أقدر أقولك على الطريقة اللي هاندمر بيها مهاب الجندي، وتاخدي بإنتقامك منه!
أثارت تلك الكلمات الأخيرة إهتمام تهاني بشدة، وفغرت شفتيها مشدوهة .. فجذبتها ناريمان من ذراعها لتجلس على المقعد الخشبي، وأردفت قائلة بمكر:
-ايوه .. أنا أعرف عنه أكتر من حاجة هو مايتخيلش إني عارفاها
إلتوى فمها بإبتسامة خبيثة، وتابعت بثقة:
-لأ وبالمستندات كمان!
اتسعت حدقتيها أكثر، وتسائلت بصدمة:
-ايه ؟
أضافت ناريمان قائلة بنبرة متريثة:
-ركزي معايا، واسمعيني للأخر، وأنا هافهمك على كل حاجة!

في منزل أوس الجديد
أعدت المدبرة عفاف صحناً مليئاً بالفواكه الطازجة لتقى لكي تتناوله، وبالفعل أمسكت به الأخيرة والتقطت بضع قطعٍ منه لتلوكها في فمها وهي تشاهد التلفاز ..
خرج أوس من غرفة مكتبه وهو يطفيء سيجارته في المنفضة، وتابع حديثه في هاتفه الموضوع على أذنه قائلاً بجدية:
-5 دقايق بالكتير! تمام.

أنهى المكالمة، وأشار إلى عفاف بيده وهو يقول بجدية:
-خلي تقى تدخل الأوضة، في مندوبين جايين الوقتي هيغيروا الانتريه!
عقدت ما بين حاجبيها في استغراب، واعترضت قائلة:
-بس ده لسه جديد وآآآ...
قاطعها بصوت صارم:
-عفاف، أنا مابحبش الرغي الكتير!
هزت رأسها موافقة، ورسمت ابتسامة سخيفة وهي ترد قائلة:
-حاضر .. اللي تؤمر بيه يا باشا!

ابتسم لها ممتناً، وتابعها بنظراته وهي تتجه إلى تقى وتحدثها بخفوت وهي محنية عليها، فإستجابت الأخيرة لطلبها، ونهضت معها في إتجاه غرفة النوم ...
بعد لحظات سمع أوس قرعاً على باب المنزل، فأمر خادمته ماريا بصرامة:
-Open ( افتحي )
-Yes, sir ( حسناً سيدي )
وقفت ماريا أمام باب المنزل بعد أن فتحته، وتنحت جانباً لتفسح المجال لبعض العاملين للدخول بعد أن رأت معهم أريكة جديدة، وغريبة ..

أسند العاملون الأريكة، وأعادوا تنسيق وضعية الصالة، وعدلوا من تنظيم غرفة المعيشة وفقاً لمار رأه أوس مناسباً، ثم تحدث معهم بجدية، ووقع على إيصال ما، وأشار لماريا بيده لتوصلهم للخارج بعدما حملوا الأريكة القديمة ..
أمسك بالهاتف مجدداً، ووضعه على اذنه، وانتظر للحظات قبل أن ينطق بجدية:
-ها يا دكتور مؤنس، عملت ايه ؟
رد عليه مؤنس هاتفياً:
-كل خير، خلاص أنا حجزتلها معاها، اطمن.

أخفض أوس من نبرة صوته وهو يتابع محذراً:
-مش عاوز حد يعرف الموضوع ده
رد عليه مؤنس بهدوء:
-حضرتك متقلقش، كله بيتم في سرية تامة زي ما أمرت
هز أوس رأسه مردداً بجدية:
-عظيم! وانت هتلاقينا في الميعاد هناك
أضاف مؤنس قائلاً:
-في انتظار سيادتك!

رفضت تقى طلب المدبرة عفاف لها بالتمدد على الفراش، وإكتفت بالجلوس على الأريكة الوثيرة، وتحاشت النظر نحوه ..
تعجبت عفاف من الموقف الذي إتخذته، وسألتها بإندهاش ونظراتها الغامضة محدقة بها:
-ليه بس ؟ ده احسنلك يا بنتي
ردت عليها بإصرار وهي تشيح بوجهها للجانب:
-مش برتاح إلا هنا.

وقفت عفاف قبالتها، وابتسمت لها وهي تقول بهدوء:
-المفروض تفردي جسمك عليه، ده انتي في أول حملك وآآ..
قاطعتها تقى بنبرة شبه منفعلة، وقد إكتسى وجهها بحمرة شبه غاضبة:
-ست عفاف الله يخليكي، بلاش تضغطي عليا
أشارت لها بكفها وهي ترمقها بنظرات حانية لتتابع بإهتمام:
-يا بنتي أنا يهمني مصلحتك وعاوزاكي تكوني مرتاحة
زفرت تقى بصوت مسموع، وعقدت ساعديها أمام صدرها لتردد بنبرة معاندة:
-أنا مبسوطة كده.

يئست عفاف من محاولة إقناعها، فهمست بإحباط:
-ربنا يهديلك حالك ويريح بالك!
-تعالي يا تقى!
قالها أوس وهو يدلف للغرفة ووجهه مكسو بعلامات جادة للغاية
نظرت له تقى بقلق، وسألته متوترة:
-ف .. في ايه ؟
أمسك بكف يدها، وأجبرها على النهوض، وأجابها بإبتسامة متسلية:
-متقلقيش، عاملك مفاجأة.

زادت تعابير وجهها إندهاشاً، ولوت شفتيها لتقول بتعجب:
-مفاجأة!
أومأ برأسه إيجاباً ومجيباً إياها بسعادة:
-أها، حاجة هتعجبك!
سألتها بإيجاز وهي تحاول تخمين طبيعة المفاجأة التي أعدها لها:
-ليه ؟
سحبها خلفه وهو يجيبها بمرح:
-تعالي شوفي بنفسك.

خرج الاثنين إلى الصالة الخارجية، وأشار أوس بعينيه نحو أحد الزوايا، فأمعنت تقى النظر في ذلك الإتجاه، ثم رفعت حاجبيها للأعلى، وإنفرجت شفتيها بذهول وهي تهتف قائلة:
-ايه ده ؟ انت وديت الكنبة فين ؟
أجابها بإختصار جاد:
-شلتها خالص
أدارت رأسها في إتجاهه، وسألته بإستفهام:
-طب ليه ؟
رد عليها بمكر وهو يغمز لها:
-دي أحسن لنا احنا الاتنين.

فهمت تقى المغزى من حديثه، وتوردت وجنتيها نوعاً ما بحمرة خافتة، وإزدردت ريقها بتوتر .. ثم سحبت كفها من قبضته، وهتفت بإعتراض غريب:
-لالا .. انا عاوزة القديمة!
اقترب أوس من الأريكة العريضة، وبدء في شرح طريقة التعامل معها وهو يقول بهدوء:
-استني كده وافهمي، دي بتتفرد من هنا وبتبقى أعرض، وكمان آآ...
عقدت تقى ساعديها أمام صدرها، ومطت شفتيها للأمام وهي تتابع حديثه بإهتمام ...
نظرت إليهما عفاف بإستغراب، ولم تستطع حديثها الغامض هذا، فهزت كتفيها في عدم مبالاة، ورددت بخفوت:
-أنا مش فاهمة هما بيتكلموا عن ايه، هاسيبهم على راحتهم وأروح اشوف ورايا ايه!

إستأنف أوس حديثه قائلاً بتمهل:
-وطبعاً زي ما بأدور على راحتك هادور برضوه على راحتي
أرخت تقى ساعديها، وردت عليه بتذمر وهي عابسة الوجه ومشيرة بيدها:
-انت تعبان في ايه ؟ عندك السرير جوا نام عليه براحتك، وانا بأنام هنا!
لوى فمه بإزدراء، وهتف بتجهم:
-يا سلام! أنام جوا!
هزت رأسها بإصرار، ورددت بثبات:
-ايوه!

انفعل أوس نوعاً ما من طريقتها الباردة وعدم المكترثة به، وصاح بصوت غاضب:
-وكوابيس كل يوم والحالة اللي بتكوني فيها، انتي مبتشوفيش نفسك ساعتها وآآ..
إرتجفت تقى على إثر صوته .. وتوترت نظراتها، وبدأت تتراجع للخلف، فتوقف عن إكمال حديثه بعد أن أدرك خطئه، واقترب منها بحذر وهو يعاتب نفسه قائلاً:
-أنا مقصدش، بس صدقيني يا تقى، أنا خايف عليكي، ومش عاوز حاجة تضايقك ولا آآ..
قاطعته بنبرة مرتجفة وهي تشير بيدها:
-أنا ..آآ.. د.. داخلة الحمام!

ثم أولته ظهرها، وأسرعت في خطواتها لتبتعد عنه، فضغط على شفتيه بقسوة، وركض خلفها، ليمسك بها من ذراعها، وهو يهتف بندم:
-تقى استني!
إرتعشت من لمسته، وظلت محدقة أمامها وهي تتنهد بصورة شبه متوترة ..
أدارها أوس في إتجاهه، وإحتضن وجهها بكفيه، وهمس لها بإبتسامة عذبة:
-متزعليش، أنا مقصدش أعلي صوتي!
أجفلت عينيها للأسفل، ولم تطالع وجهه المحدق بها، ورفعت يديها لتزيح راحتيه عن وجهها بضيق، وهتفت بصت شبه مختنق:
-خلاص، أنا عاوزة أخش الحمام
زادت إبتسامته العابثة إتساعاً، وهمس لها:
-مش وإنتي زعلانة كده.

ظل وجهها عابساً وهي تهتف بضجر:
-مش زعلانة!
ثم أدارت ظهرها لتتحرك، ولكنها تفاجئت به يمسك ذراعها، ويجذبها نحو صدره ليضمها إليه، ثم إحتضنها بذراعيه، وأطبق عليها بشدة .. وأسند طرف ذقنه على رأسها، وتابع قائلاً بغصة:
-مش عاوزك تخافي مني، لسه الإحساس ده بأحسه منك يا تقى، أنا اتغيرت كتير، ولسه بأتغير عشانك
ردت عليه بتلعثم:
-أنا .. أنا مش خايفة منك!
تنهد بحرارة وهو يضيف بعتاب:
-لأ يا تقى، مش بالكلام، أنا حاسس بيكي، ونظراتك ليا لما بأعلي صوتي أو انفعل بتأكد شعوري ده.

ابتلعت ريقها بإرتباك واضح من حديثه الصادق، فقد إستشعر إحساسها الذي ينتابها حينما يهتاج، أو تبدو عليه بوادر الغضب ..
أغمضت عينيها، وتنفست ببطء لتسيطر على خوفها المبرر ...
أرجع أوس رأسه للخلف، وأسند إصبعيه على طرف ذقنها ليرفع وجهها نحوه، ونظر لها بأسف، وهو يقول بحذر:
-نفسي تثبتيلي إنك مش خايفة مني!
حدقت فيه بعدم فهمت، وهمست متسائلة بإرتباك:
-ازاي ؟

أثارته عينيها النقيتان للتمتع بهما، وأغرته شفتيها المرتعشتين لتقبيلهما .. وما أجج شعوره هو سكونها في أحضانه ..
فلم يدرْ بنفسه وهو ينحني عليها ليتلمس بفمه شفتيها، ويطبع أول قبلة رقيقة عليهما بعد كل ما مرا به سوياً ..
تفكير جامح دفعه لفعل هذا ليثبت لها أنه لم يعد كما كان ..
ثم أعاد رأسه بحذر للخلف وهو يراقب ردة فعلها بعد أن أبعد كفيه عنها ..
تسمرت تقى في مكانها مصدومة، ورمشت بعينيها في عدم تصديق ..

وتسائلت بإضطراب واضح في تفكيرها، هل توهمت ما فعله تواً .. وأنه حقاً قبلها ؟ والأدهى من هذا أنها لم تصرخ كالمعتاد أو تقاومه، أو حتى تستنكر فعلته ..
عاتبت نفسها بشدة لإستسلامها الغريب والغامض لذلك الإحساس الجامح الذي تخللها فجأة، وإستعمر كيانها ..
اضطراب رهيب أصاب معدتها، وزادها توتراً ..
حاول أوس ألا يترك لها فرصة للتفكير، فأمسك بكفيها، وفركهما بأصابعه، ثم أكمل حديثه بهدوء وكأنه لم يفعل شيء يخجل منه:
-على فكرة احنا عندنا ميعاد مهم النهاردة، ويهمني أوي إنك تروحيه.

إزدردت ريقها، وسألته بنبرة مرتبكة:
-ميعاد ايه ؟
ابتسم لها وهو يجيبها بحماس:
-أنا عاوزك تقابلي واحدة زيك كده هتحبيها أوي أول ما تشوفيها
رددت بصوت متقطع وهي ترمش بعينيها:
-واحدة
أومأ برأسه بخفة، وأطلق تنهيدة مطولة وهو يجيبها بتمهل:
-أيوه، ليان! أختي ..!

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
عادت السكرتيرة مجدداً لغرفة مكتب عدي، ووقفت قبالته لتردف حديثها بهدوء:
-سوري على الإزعاج يا فندم، بس في واحد مُصر يقابل سيادتك أو الباشا أوس، وجه لأكتر من مرة الشركة
عقد عدي ما بين حاجبيه، وسألها بإهتمام:
-مين ده ؟ وعاوز ايه ؟
أجابته بنبرة دبلوماسية:
-هو بيقول إنه كان شغال عند أوس باشا في الأمن، واسمه أحمد!

انتصب عدي في جلسته، وفرد كتفيه وهو يردد بصلابة:
-أحمد! جاي ليه ؟!
-اتصرف معاه ازاي يا فندم ؟
قالتها السكرتيرة وهي تطالعه بجدية
أشار لها بإصبعه قائلاً بصرامة:
-طلعيه يقابلني، بس يتفتش كويس قبل ما يجي هنا
هزت رأسها ممتلثة لأوامره ومجيبه إياه بإيجاز ب:
-حاضر!
انصرفت السكرتيرة من الغرفة، فنفخ عدي من الضيق، وتسائل مع نفسه بفضول:
-ايه اللي جايبه هنا ؟ وهايكون عاوز ايه من أوس ؟

في منزل تقى عوض الله
اعتصرت فردوس الخرقة البالية بعد أن مسحت بها الصالة، فلمحت بطرف عينها زوجها وهو يتجه نحو باب المنزل، فإعتدلت في وقفتها، وتسائلت بإندهاش:
-رايح فين يا عوض ؟
إتكأ على عصاه وتابع سيره بخطواته البطيئة، وأجابها بضجر:
-زهقت من أعدة البيت، فنازل الجامع شوية
مسحت فردوس كفيها المبتلين في جانبيها، وهتفت معترضة:
-نازل، ليه يا راجل ؟ ما انت قاعد هنا!

زفر عوض بضيق، وأكمل قائلاً بإحباط:
-تعبان وزهقان، عاوز اشوف وشوش جديدة
تحركت فردوس ناحية باب المنزل، وتجهمت بوجهها وهي تصيح بتذمر:
-ايه التخاريف دي، انت عاوزني أسيبك تنزل تتوه ولا يجرالك حاجة ومعرفش اوصلك، لأ ياخويا خليك أعد أحسن!
نظر لها عوض بإستغراب، وهتف بصوت متحشرج:
-اتوه، انا رايح بيت ربنا يا ستي!
هزت رأسها محتجة:
-لأ .. مش لوحدك!

-لا حول ولا قوة إلا بالله
قالها عوض وهو يزفر بيأس ..
وضعت فردوس يدها على كتفه، وأردفت قائلة بهدوء زائف:
-يا عوض اسمعني، أنا خايفة عليك، انت بتنسى، وبتعرج وآآآ..
قاطعها عوض بإصرار وهو يبعد يدها عنه:
-حاسبي، بردك مش هاقعد
نفخت فردوس بنفاذ صبر، وأيقنت أن زوجها لن يثنيه عن رأيه أي شيء، لذا سألته بهدوء مصطنع:
-طب قولي هاتعمل ايه في الجامع ؟

رد عليها بإمتعاض:
-هاصلي وأرجع على طول
زمت فمها لتقول على مضض:
-طيب، بس سايقة عليك النبي تاخد بالك من نفسك
-ربنا يسهل، تُوكلنا عليك يا رب
قالها عوض وهو يفتح باب المنزل ليلج إلى الخارج ..

راقبته فردوس وهو ينزل على الدرج بحذر، وغمغمت بتذمر وهي ترفع حاجبيها للأعلى:
-الراجل خرف ولا ايه، هي ناقصة قلق عليه هو التاني!
ثم عادت للداخل مجدداً، وإستأنفت باقي أعمال المنزل من تنظيف وترتيب وكنس ..
دقائق مرت، وإستمعت إلى دقات قوية وثابتة على باب منزلها، فمسحت كفيها في ثيابها، واتجهت نحوه لتفتحه وهي تردد لنفسها بضجر:
-يكونش الراجل رجع في كلامه، وقال يقعد في البيت!
لوت فمها بتهكم وهي تضيف:
-هو عقله فيه أصلاً، يا مهون يا رب!

رفعت فردوس نبرة صوتها وهي تمسك بالمقبض:
-أيوه يا عوض، أنا جاية أهوو!
شهقت مصدومة حينما فتحت الباب ورأت ذلك الرجل المهيب – والبغيض - أمامها .. وكانت على وشك الصراخ مستغيثة بجيرانها حينما ظنت أنه قد جاء للتعدي عليها .. ولكن أوقفها صوت مهاب الغليظ متسائلاً بجمود بعد أن حدجها بنظراته الحادة:
-انتي فردوس ؟

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
إنتحبت إحسان بدموع زائفة وهي تمسح أنفها في طرف كمها، وأخذت تشهق بصوت مكتوم لتثير عطف ابنها الجالس إلى جوارها ..
إمتعض وجه عبد الحق، وربت على ظهرها بحنو، وهتف قائلاً بإستعطاف:
-الله يكرمك يامه، كفاية قطعتي قلبي!
هتفت بصوت مختنق وهي تكفكف عبراتها:
-أل يعني تمر فيك، ما إنت قاطع بيا وسايبني!
رد عليها بتعجب من تصرفاتها الغامضة:
-ليه بس ؟ ده أنا يوم بعد يوم عندك!

ضيقت عينيها قليلاً، وأخفضت نبرة صوتها لتقول بمكر:
-طب يا ضنايا ماتجي تقضي يومين هنا مع مراتك
هتف بها بصوت محتد:
-تاني يامه، مش فضيناه الموال ده، وكل واحد بقى في حاله!
صاحت فيه بصوت شبه منفعل وهي تلكزه في كتفه:
-يا باي، ما اني أعدة لوحدي، ومحدش سائل فيا
رد عليها بضجر:
-هابقى اجيلك كل يوم
لوت فمها لتضيف بعتاب:
-هو انت بتحسب عليا الشوية دول ؟

ثم هزت حاجبها لتقول بتهكم:
-ولا تلاقي المحروسة مراتك موصياك!
هتف عبد الحق بنفاذ صبر وهو يشير بذراعيه:
-يامه أنا مش عاوز مشاكل!
أسندت وجهها على مرفقها وهي تقول بتنهيدة:
-لا مشاكل ولا دياوله، تعالى قضي اليوم هنا وهاتها، وأنا ياخويا مش هاكلمها!
عبس وجهه قائلاً بإعتراض:
-مافيش داعي يامه، انا كده مرتاح!

سألته بخبث وهي ترمقه بنظرات غريبة:
-طيب هافرح بعوضك امتى ؟
نفخ بصوت مسموع وهو يجيبها بضيق:
-لسه بدري يامه
ردت عليه بتهكم وهي تحرك فمها للجانبين:
-بدري ايه بس، ده اللي زيك مراته حبلى في التاني ولا التالت!
تنهد قائلاً بضجر:
-ادعيلنا ربنا يسهل الحال.

لمعت عيني إحسان ببريق شيطاني، وإلتوى فمها وهي تهمس قائلة:
-طب انا عندي تحويجة حلوة قالتلي عليها الولية أم نجاح
قطب جبينه مردداً بإستغراب:
-تحويجة ؟!
إرتسمت إبتسامة ماكرة على ثغرها وهي تضيف بثقة:
-ايوه، دي بتجيب من الأخر!
ضاقت عيني عبد الحق، وزم فمه ليقول بسخط:
-هو أنا بتاع الحاجات دي يا أم عبده.

لكزته في ذراعه، وهتفت بجموح:
-ياض ده أنا عجناك وخبزاك، اسمع مني للأخر!
رد عليها بنفاذ صبر وهو يحك رأسه بضجر:
-قولي يامه، أما أشوف أخرتها معاكي ايه...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة