قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخمسون والأخير

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخمسون والأخير

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخمسون والأخير

استمرت الأجواء الحماسية واللطيفة في حفل الزفاف، وتوالت الفقرات تباعاً، واستمتع الجميع بما يقدم فيها.
رفضت سابين القيام بالحركة الشهيرة من تبادل لقيمات قالب الحلوى لخجلها من الحاضرين، واكتفت بإطعام مسعد في فمه.
ولم يرغب هو في اجبارها على فعل ما تخجل أو تتحرج منه، ونفذ ما تريده بصدر رحب، بل على العكس تناول لقيمة كبيرة من قالب الحلوى ليضيف جو من المرح والخفة.

وبالطبع كان العبوس وعدم الرضا رفيقان للسيدة صفية وهي تراقب المشاهد الدائرة بنظرات محبطة..
فهي من جهة غير متقبلة لزيجة ابنها الغريبة، ومن ناحية أخرى حانقة على ابنتها لرفضها الزواج من باسل ؛ ذلك العريس المناسب.
لم تفارق مقعدها، ومررت أنظارها على أوجه الحاضرين بفتور وعدم تركيز..
راقبها زوجها متعجباً من تصرفاتها المبالغة، ولم يعقب، فهو لا يريد إفساد فرحة ابنه..
هتفت هي فجأة باستياء:.

-مش خسارة باسل يضيع مننا!
رد عليها بإقتضاب:
-النصيب يا صفية، وبنتك حرة تختار اللي عاوزاه!
ألحت عليه قائلة بضجر:
-ما تكلمها انت، وتحاول تقنعها!
رد عليها بنبرة دبلوماسية:
-مافيش غصب في الجواز، وأنا عودت ولادي على كده، ولو هي مش موافقة بيه خلاص!
رمقته بنظرات ساخطة، وتمتمت بإمتعاض:
-هو أنا هلاقيها منك ولا من بنتك أم دماغ ناشفة!

على الجانب الأخر، خرجت إيناس من المرحاض بعد أن تأكدت من ضبط ثوبها، وتعديل الناقص في زينتها..
سارت في الرواق بخطوات شبه سريعة، كادت تتعثر في مشيتها حينما ظهر أمامها باسل فجأة في طريقها قائلاً:
-إيناس!
حافظت على اتزانها، ونظرت إليه بجمود مرددة:
-افندم
ابتسم لها قائلاً برجاء:
-مش ناوية تحني عليا وتديني فرصة؟
ارتبكت من سؤاله هذا، وأظهرت انزعاجها من طريقته، وتحركت للجانب قائلة بعبوس:.

-ماينفعش اللي بتعمله ده!
تحرك ليقف قبالتها ويسد عليها الطريق محاصراً إياها في أحد الأركان، و هاتفاً بيأس:
-هاعمل ايه؟ ماهو أنا هاموت وأعرف ردك!
زفرت منزعجة منه، وحاولت الابتعاد عنه، فلاحقها مكملاً حصاره، وهمس قائلاً:
-باحبك يا إيناس، والله العظيم باحبك ومن زمان!
اضطربت أنفاسها، وتوترت من اعترافه الصريح بحبه لها، نظرت في عينيه مباشرة عقب جملته الأخيرة، ورأت لمعانهما الصادق..

بادلها هو نظرات عميقة، وهمس بصوت رخيم:
-ردي عليا وآآ..
أربكها صوته وأنفاسه الحارة التي تلفح جبينها،
، فردت بإضطراب:
-أنا نفسي مش عارفة عاوزة ايه!
ضيق عيناه، وسألها مستفهماً:
-بمعنى؟
أخفضت نظراتها عنه، وهمست بتلعثم:
-متلخبطة، مش عارفة أكرهك ولا آآ...
لم تستطع أن تكمل عبارتها، فمشاعرها نحوه في صراع كبير، وإحساسها المتناقض يربكها أكثر..
سألها بفضول بعد أن طال صمتها:
-ولا ايه؟

رمشت بعينيها بتوتر، واضطربت دقات قلبها نوعاً ما..
توسلها قائلاً باستعطاف محاولاً استجداء قلبها ليرق نحوه:
-ايناس، بلي ريقي بكلمة، طمنيني بس!
ردت عليه بصوت خفيض محاولة الهروب من حصاره:
-اديني وقتي!
بدا مهتماً بكلماتها الموجزة، وحدق فيها بجدية..
ابتلعت ريقها، وأكملت بحذر:
-أنا مش هاخد قرار من غير ما أفكر كويس!
سألها بإلحاح بعد أن فشل في الحصول على اجابة واضحة منها:
-وهاعرف ردك امتى؟

هزت كتفيها نافية مجيبة إياه:
-مش عارفة!
سألها مجدداً بنبرة محبطة:
-طب يعني في أمل ولا لأ؟
أجابته بغموض وهي تتحاشى النظر إليه لكي لا يكتشف ضعفها:
-جايز
اقترب أكثر ليحاصرها، وحدق فيها بنظرات أكثر قوة، وهتف بإصرار:
-ريحيني لو سمحتي، قوليلي إن في أمل وأنا هستناكي إن شاء الله 100 سنة، بس اطمن!
خجلت من اقترابه المهلك لكل شيء، وردت عليه بتوتر شديد:
-ربنا يسهل!
سألها بتهكم قليل:
-ده رد، ولا وعد، ولا ايه بالظبط؟!

ردت عليه بحذر:
-كل اللي أقدر أقولهولك إنه جايز يكون خير!
لم يقنعه ردها، وبدا شبه متعصباً وهو يكمل:
-وجايز لأ!
ردت عليه برقة
-تفاءل بالخير!
ورغم غموض عبارتها الموجزة إلا أنه أعطته بصيصاً من الأمل، فهتف بنزق وقد لمعت عيناه بعشم واضح:
-بجد؟ قصدك آآ..
قاطعته قائلة بجدية قبل أن يكمل جملته:
-واصبر عليا، وزي ما جرحتني زمان أكيد هاتعرف تراضيني و توصل لقلبي ازاي!
هتف بحماس وقد تهللت أساريره:.

-ده أنا هاعمل المستحيل عشان ترضي عني ومش هافارقك للحظة!
ردت عليه ساخرة:
-هتلزقلي يعني
أومأ بعينيه قائلاً بثقة:
-مش بعيد! ممكن تلاقيني البودي جارد بتاعك
مطت فمها لترد بنعومة:
-مممم، دواعي أمنية برضوه؟
غمز قائلاً بمرح:
-لأ ومشددة كمان!
بات اقترابهما وحديثهما الهامس غير لطيف للأنظار، وربما مثيراً للقيل والقال، لذا برفق دفعت إيناس باسل من صدره بكفها متنحنحة بخجل:
-احم، طيب عن اذنك!

استجاب لدفعتها الرقيقة وتراجع للخلف، وسألها مهتماً:
-استني بس، مش عاوزة تعرفي جايبلك ايه؟
تسمرت في مكانها، والتفتت للجانب لتنظر إليه، وردت بتلعثم:
-آآ، ده، ده أنا نسيت الموضوع!
ابتسم قائلاً بغرور:
-عموماً أنا حطيت العلبة في عربيتكم، شوفيها ومستني رأيك!
رغم الفضول الذي يقتلها لمعرفة ما الذي أحضره لها إلا أنها جاهدت لتبدو غير عابئة بهديته، وردت عليه بعدم اكتراث:
-آآ، بعدين، عن اذنك!

سد عليها الطريق مجدداً ليسألها بجدية:
-ثانية، أومال انتي عزمتي البتاع اللي اسمه وائل؟
رمقته بحدة وهي تجيبه بعبوس:
-لو سمحت متقولش عليه كده!
اغتاظ من ردها عليه، وهتف بإنفعال قليل:
-بتدافعي عنه!
ردت عليه بنبرة حادة وقد اشتدت تعابير وجهها:
-لأ مش بأدافع، بس مأحبكش تهين حد أعرفه!
سألها بعبث خفي وهو يدنو منها:
-طب تحبيني أعمل ايه؟

ارتبكت من نظراته الوالهة ونبرته الغير معتادة عليها، ووجدت صعوبة نوعاً ما في إيجاد الكلمات المناسبة للرد عليه، فتابع بتنهيدة تحمل الأشواق نحوها:
-نفسي أقرب منك أكتر وآآآ...
أدركت أنه يتعمد التأثير عليها وتوتيرها، فابتلعت ريقها، وهتفت بصوت شبه مضطرب:
-هه، آآ، عن اذنك، هما بيسألوا عليا برا!
تنحى للجانب مشيراً بيده لها
-اتفضلي!
ثم لاحقها بنظراته حتى اختفت من أمامه.
حدث نفسه بارتياح واضح في نبرته:.

-أخيراً، في بصيص أمل في الخطوبة دي، الحمدلله!

أوشك حفل الزفاف على الانتهاء والجميع في غاية السعادة..
حتى أن السيدة صفية قد بدأت تتخلى عن تجهمها قليلاً، واندمجت للحظات مع ابنها مسعد حينما دعاها للغناء معه.
طلب هو مسبقاً من منسق الحفل إضافة أغنية ( ست الحبايب ) للاحتفاء بها، وغير في كلمة ( حبيبة ) لتصبح ( صفية ) وأدى الأغنية بعد تعديلها بصوته.
لم تتخيل أن يفعل لها هذا، ويعطيها مساحة من الإهتمام في حفله.

أدمعت عيناها تأثراً، فانحنى ليقبلها من جبينها مدندناً:
-يا رب يخليكي يا أمي يا ست الحبايب يا صفية
ردت عليه بصوت شبه باكي:
-حبيبي يا مسعد!
توقف عن الغناء ليحدثها بحنو:
-عاوز أشوفك فرحانة بيا! متحرمنيش من اللحظة دي وخصوصاً النهاردة
ردت عليه وهي تمسح عبراتها:
-والله فرحانة يا حبيبي!
سألها بهدوء:
-طب وآآ، وسابين؟
ردت عليه بتنهيدة متريثة:
-ربنا يهنيك مع عروستك
-حبيبتي يا صفية!

قالها مسعد وهو يحتضنها بسعادة لتكتمل باقي فرحته..
صفق الحضور لهما، وتعالت الصافرات والزغاريد مجدداً، وأكمل منسق الحفل باقي الفقرات..

في سيارة باسل،
انتهى الحفل على خير، وركب مسعد سيارة باسل إلى جوار عروسه، وأوكل إلى أخته الصغرى مهمة مراقبة ورعاية الصغيرة جينا
هتف قائلاً من نافذة السيارة مشيراً بكف يده:
-مش هوصيكي يا نوسة!
أومأت إيناس برأسها متفهمة:
-اطمن جينا هتبات معايا في الأوضة!
أضاف قائلاً بجدية:
-اقفلوا الباب عليكوا بالمفتاح، جوز المتحرشين دول ما يقربوش منها!
كتمت ضحكتها بصعوبة وهي ترد:
-قصدك سيف وفارس؟
أجابها بضيق:.

-ايوه، أنا مقلق منهم، دماغهم مش مريحاني، والبت هبلة وبتروح مع أي حد يقولها اجيبلك شيكولاته وأوديكي لبابا!
هزت رأسها بالإيجاب وهي ترد عليه:
-حاضر، اطمن!
شدد عليها مؤكداً:
-أمانة عليكي، مش عاوز كوارث، حافظي عليها دي أمانة!
طمأنته إيناس بهدوء:
-حاضر والله، ركز انت مع عروستك، وإن شاء الله خير!
لوحت بيده مودعة إياه، وقبضت على الصغيرة جينا بكفها جيداً..

رأها باسل وهي تتحرك مبتعدة عن السيارة، فأسرع خلفها سائلاً إياها:
-مش هتركبي معانا؟
التفت برأسها نصف التفاتة، وردت نافية:
-لأ، أنا هاركب مع بابا وماما!
حرك رأسه قائلاً بإيماءة خفيفة:
-طيب!
أولاها ظهره ليتحرك، ولكنه تذكر شيئاً، فاستدار برأسه نحوها قائلاً بابتسامة:
-ماتنسيش العلبة!
لم ترد عليه واكتفت بالإبتسام، ثم تركته وتحركت نحو سيارة عائلتها..
وقف باسل إلى جوار سيارته، وهنأ العروس قائلاً:.

-مبروك يا سابين، ربنا يسعدك!
ردت عليه برقة:
-ثانكس!
هتف مسعد بتلهف:
-اطلع يا باسل مش هنقف طول الليل هنا، يالا يا بني!
رد باسل ضاحكاً وهو يدور حول سيارته:
-حاضر
ثم أقل العروسين إلى منزل الزوجية ليحظيا معاً بأول ليلة خاصة بهما...

لم تمكث إسراء بالمنزل بسبب انشغال زوجها بأعماله وودعت والديها قبل رحيلها.
تذمر ولديها من انصرافهم، فقد فسدت سهرتهما مع الصغيرة جينا.
هتف فارس بضجر:
-أنا عاوز أنام عند تيتة! ودوني عندها
ردت عليه إسراء بهدوء:
-وقت تاني يا حبيبي، بابا مش فاضي!
عبس سيف بوجهه، وهمس لأخيه بإمتعاض:
-مش هانشوف المزة ولا نلعب معاها!
رد عليه فارس بتبرم:
-خالك آر فيها
وافقه أخيه الرأي قائلاً:
-اه..

تساءلت إسراء عن حديثهما الهامس قائلة بفضول:
-بتقولوا ايه؟
رد فارس بتجهم:
-مافيش
أشارت بعينيها قائلة بصوت آمر:
-طب اقفل الشباك عشان أبوك هيشغل التكييف!
رد عليها بتبرم:
-طيب.

في منزل مسعد غراب،
صعدت إيناس أولاً للمنزل وهي تحمل الصغيرة جينا على كتفها بعد أن غفت في الطريق خلال رحلة العودة للمنزل، وكذلك العلبة، ثم أسندتها برفق على فراشها، ودثرتها جيداً، وأخفضت الإضاءة بالغرفة.
بدلت ثوبها بمنامتها، وجلست على طرف الفراش الأخر، و تفقدت بتلهف كبير محتويات العلبة.
فتحتها بحذر، ونظرت إلى ما بداخلها بدقة.

وجدت فيها ثوبا صيفيا جميلا من اللون الأصفر يصلح للسهرات المسائية الخفيفة، مطبوعا عليه نقوشات طفولية بسيطة ومبهجة فأعطته مظهرا أنيقا..
ابتسمت بسعادة وهي تتحسس ملمسه الناعم، ثم تفاجئت بوجود حقيبة يد صغيرة تلائمه موضوعة أسفله.
شهقت مصدومة، وتابعت افراغ محتويات العلبة..
وجدت أيضاً حلياً تتماشى مع الثوب، وحذائاً مفتوحاً من الخلف مقاسه مناسباً لقدميها..

لم تتوقع أن يهاديها باسل أشياءاً باهظة كتلك. هو برع تلك المرة في انتقاء ما تعشقه الفتيات.
سيطر عليها إحساساً غامراً بالسعادة لكونه فكر فيها كأنثى، ودت لو كانت في مكان مفتوح فتهلل بصوت مرتفع وتصرخ بفرح، لكنها حافظت على هدوئها حتى لا ينفضح أمرها.
ثم وجدت في قاع العلبة ألبوماً صغيراً يضم صورهما التذكارية التي التقطاها سوياً مع البطريق فضحكت عفوياً وهي تستعيد في ذاكرتها ذكرى هذا اليوم.
حدثت نفسها بفرح:.

-مجنون! مافيش أجن منك!

في منزل سابين،
أوصل باسل العروسين إلى منزل الزوجية، وانتظر خارج البناية حتى ولجا للداخل، ثم انصرف بعدها.
أصر مسعد على حمل زوجته بين ذراعيه وهو خارج من المصعد، ورفض اعتراضها على فعلته قائلاً بمرح:
-ده انتي خف الريشة يا حبيبتي!
عضت على شفتها السفلى قائلة بخجل رقيق:
-بليز موسأد!
-والله ما هايحصل!

وبالفعل دخل منزلهما وهو ضاماً إياها إلى صدره، ثم صفق الباب بقدمه، وتحرك بها نحو الصالة، وانزلها برفق لتقف على قدميها، ولكنه لم يحررها، وظل مطوقاً خصرها بذراعه.
تأمل وجهها بنظرات ممعنة، ورفع كفه للأعلى ليتلمس وجنتها الناعمة بإشتياق..
همس لها بتنهيدة حارة تعبر عما بداخله من مشاعر فياضة:
-أخيرا اتقفل علينا باب واحد!
تورد وجهها بالكامل، وزاد لهيب بشرتها، وردت عليه بصوت خفيض للغاية:
-أوه!

هتف مازحاً مبتسماً لها:
-لأ مش وقت أهات وتصاعيد، احنا عاوزين نخاوي البت جينا!
أطرقت رأسها حياءاً، وردت بخجل جلي:
-موسأد!
زادت الحماسة به، وارتفعت نسبة الأدرينالين بدمائه، كم اشتاق لتلك اللحظة، كم انتظرها طويلاً، والليلة تتحقق..
هتف مقلداً نبرتها الرقيقة:
-موسأد، قوليها تاني وتالت وعاشر
ارتبكت أكثر، وحاولت التحرر منه، لكنه ظل متمسكاً بها، محدقاً في جمالها، وهمس من بين أسنانه بنبرة رومانسية:.

-بأحبك يا صابرين!
وضع يده أسفل ذقنها ليرفع وجهها إليه ليتمكن من النظر في عينيها..
أسبلت سابين عينيها نحوه، وردت برقة مغرية:
-وأنا آآ..
سألها بصوت خافت دون أن يبعد نظراته العاشقة عنها:
-انتي ايه؟
ردت عليه بهمس مثير:
-آآ، Me loves you!
همس مازحاً:
-النبي عربي يا صابرين
ابتسمت بخجل، وردت – بلكنتها الغريبة، وبنعومة أججت مشاعره المشتاقة أكثر:
-أنا حبك موسأد.

شهق غير مصدق ما لفظته تواً، لقد اعترفت بحبها، وحظى أخيراً بحبيبه فؤاده.
هتف بإنفعال متحمس وهو يضمها إليه:
-الله، قوليها كمان يا شيخة!
ردت بهمس مغري:
-حبك موسأد
مال برأسه عليها ليقبلها قائلاً:
-وأنا بأموت فيكي يا صابرين!
وقبل أن يحصل على قبلته الأولى منها، قرع الجرس بقوة، فتجمد في مكانه، والتفت ببطء برأسه ناحيته صائحاً بغضب:
-وده مين الرزل الغتيت ابن ال *** اللي جاي السعادي!

تمكنت سابين من التحرر من قبضتيه، واتجهت نحو غرفة نومهما..
اكفهر وجهه بشدة، واكتسى بعلامات الإنزعاج والعصبية، ثم تحرك صوب باب المنزل متساءلاً بحنق:
-انتي مستنية حد؟!
ردت عليه سابين بنبرة عالية من داخل غرفتهما:
-نو ( لأ )، أنا مش إعرف حد موسأد!
تمتمت من بين أسنانه متوعداً بشراسة ومهدداً وهو يضع يده على مقبض الباب:
-اومال هايكون مين، وقعة أهله سودة إن شاء الله!

فتح الباب وكان على وشك الاشتباك مع من يقف بالخارج، لكن تصلبت ملامحه، وتجمدت يداه وهو ينظر بصدمة إليهم..
وجد أمامه رجالاً يرتدون ثياباً عسكرية ومنتصبين الجسد..
ازدرد ريقه بتوتر، ووزع أنظاره بينهم..
هتف أحدهم بنبرة رسمية:
-المقدم مسعد محمد غراب
هز رأسه بالإيجاب وهو يرد:
-ايوه!
تابع الضابط العسكري قائلاً بجدية:
-في استدعاء لسيادتك
اتسعت حدقتيه مصدوماً، وهتف بعدم استيعاب وهو يشير إلى نفسه:
-أنا.

رد عليه الضابط بنفس النبرة الجادة:
-ايوه، ولازم ترافقنا حالاً، المسألة مهمة وسرية!
استشعر مسعد خطورة الأمر، فالضباط هيئتهم توحي بالجدية التامة، وحاول الاعتراض على ما قاله أحدهم مردداً بإرتباك:
-بس، بس النهاردة ليلة فرحي وآآ...
قاطعه الضابط بصوت جاد وصارم:
-يا فندم دي دواعي أمنية، وماينفعش نتأخر، القائد منتظر سيادتك!
ضغط على شفتيه قائلاً بإحباط:
-قولتلي بقى دواعي أمنية!

هز رأسه مستنكراً فساد ليلته، وغمغم مع نفسه بتحسر:
-يا ميلة بختي، متشكر يا حاجة صفية، دعواتك وصلتني!
حاول أن يضبط انفعالاته، ويمنع نفسه من البكاء أسفاً على ضياع ليلته هباءاً، وردد بصوت شبه مختنق:
-طيب هاستأذنك هابلغ المدام وأغير هدومي وأحصلك!
أشار الضابط له بهدوء:
-اتفضل يا باشا!
ولج مرة أخرى لداخل غرفة النوم، فوجد سابين تجلس على طرف الفراش بثوبها.

لاحظت هي العبوس وحالة الشحوب المسيطرة عليه، فانتفض قلبها فزعاً، وهبت من مكانها واقفة لتسأله بخوف:
-في ايه موسأد؟
رد عليه بحزن واضح وهو يسحب ثيابه العسكرية من خزانة الملابس:
-خدي بالك من نفسك يا صابرين!
تسارعت دقات قلبها أكثر، ووقفت خلفه لتسأله بصوت شبه لاهث:
-انت رايح فين؟
رد عليها بغموض وهو يرمقها بنظرات أسفة:
-بيقولك دواعي أمنية!
لم تفهم ما الذي يقصده، فسألته مستفهمة أكثر:
-هاه، ايه؟

وضع هو يده على كتفها ليضيف قائلاً بسخرية مريرة:
-وقبل ما أنسى يا ريت تبقي تحكي لأحفادنا عني، ده إن لحقت أشوفهم!
انحنى ليقبلها من وجنتيها قبلتين سريعتين، وهتف مودعاً إياها:
-سلام يا صابرين
انفرجت شفتاها مصدومة مما يحدث، واستغرقها الأمر لحظة لتستوعب أنه سيرحل ليلة عرسهما بالفعل..
ركضت خلفه بثوب زفافها قائلة بعدم تصديق:
-موسأد wait ( انتظر )!
تمتم هو بحسرة وهو يتجه نحو باب المنزل:.

-أل جت الحزينة تفرح فخدوها في دواعي أمنية...!

لاحقاً، قضت سابين أول شهر عقب ليلة زفافها بصحبة الصغيرة جينا بعد أن تغيب زوجها مسعد في مهمة سرية وطارئة..
أشفقت صفية عليها لكونها عروس لم تحظَ بالسعادة مع زوجها، وظنت أنها حسدت ابنها وتمنت له الشر خاصة بعد ابتعاده مجبراً عن زوجته، فحاولت تعويضها مؤقتاً عن غيابه بمعاملتها بالحسنى، واكتشفت أنها كانت مجحفة بحقها، فهي شابة طيبة وخلوقة، لا تحمل في قلبها ضغينة لأي أحد.

شعرت سابين خلال تلك الفترة بالجو الأسري الحقيقي، وبالدفء العائلي واستطاعت أن تتأقلم بسهولة وسط عائلتها الجديدة. وانتظرت بتلهف عودة زوجها إلى أحضانها.
وبالطبع لم يختلف حاله عنها، لقد كان يحترق شوقاً للعودة إليها..
نداء الوطن منعه، ومع ذلك تعهد لها بتعويضها عما فات بأجازة مميزة لن يقاطعهما فيها أي أحد.

تعلمت سابين قواعد الطهي من السيدة صفية، وعاونتها في إعداد الكثير من الوجبات الشرقية الأصيلة.
انتهت هي من تجهيز ( الملوخية )، وأخرجت شهقة رقيقة وهي تلقي بباقي وصفتها بداخل الوعاء، فنظرت لها صفية بتعجب، وهتفت قائلة:
-زعقي شوية وانتي بتشهقي عشان تطلع حلوة وتربط!
ردت عليها سابين بنعومة:
-اوكي
استمعت كلتاهما لصوت قرع الجرس، فلكزت صفية زوجة ابنها في ذراعها آمرة إياها بجدية:.

-روحي شوفي مين على الباب، ولو بتاع الزبالة قوليله يستنى!
أومأت سابين برأسها بإيماءة خفيفة، ثم ولجت خارج المطبخ وهي تجفف يديها في المنشفة القطنية الصغيرة.
فتحت الباب غير متوقعة وجود زوجها الغائب أمامها.
اتسعت مقلتياها بصدمة، وانفرجت شفتاها بسعادة ظاهرة..
هتف مسعد قائلاً:
-وحشتيني يا غالية!
تهدجت أنفاسها، ونهج صدرها صعودهاً وهبوطاً، وألقت بنفسها سريعاً في أحضانه قائلة بتلهف:.

-موسأد، miss you so much ( افتقدتك كثيراً )، وهشتني ( وحشتني )
ضمها بقوة إليه، ورد عليها بإشتياق:
-مش أكتر مني يا صابرين!
صاحت صفية متساءلة بصوت عالٍ وهي تتجه للصالة:
-مين يا سوسو؟
تنحت سابين للجانب لتكشف عن وجود مسعد، فارتخت أسارير والدته، وصاحت بصدمة وهي تسرع في خطواتها نحوه:
-مسعد، ابني!
ولج لداخل المنزل، وضمها إلى أحضانه وقبلها بإشتياق من وجهها وأعلى رأسها قائلاً:
-ماما.

بادلته الأحضان والقبلات الأمومية قائلة:
-يا حبيبي يا غالي، حمدلله على سلامتك!
انحنى ليقبلها من كتفيها، وهتف بإبتسامة عريضة:
-الله يسلمك يا أمي، أخباركم ايه طمنوني عليكم؟
أجابته بنبرة دافئة:
-احنا كويسين يا حبيبي!
ثم سألته باهتمام:
-ها، جيت امتى؟
رد عليها بمرح وهو يوزع أنظاره بينها وبين زوجته:
-لسه جاي طازة!
هتفت صفية بحماس وهي تغمز له:
-والله انت ابن حلال، وحماتك بتحبك، مراتك هي اللي طابخة بنفسها!

ارتفع حاجباه للأعلى غير مصدق ما قالته أمه تواً، وسلط أنظاره على سابين متساءلاً بإندهاش:
-ايه ده، انتي بتطبخي؟!
ردت بخجل وهي ترمش بعينيها:
-يعني شوية!
هتف مهللاً وهو يتجه نحوها:
-مش مصدق والله!
انكمشت على نفسها في حرج من نظراته المشتاقة لها، لم يختلف إحساسها عنه، ولكنها كانت خجولة من وجود والدته معهما، فأطرقت رأسها للأسفل، وأبعدت نظراتها عنه..

دقق مسعد عينيه فيها، كم يتوق شوقاً لضمها إلى صدره، والإرتشاف من شهد الحب معها..
قطعت صفية حبل أفكاره العابث قائلة:
-اه دي بقت لهلوبة وست بيت شاطرة، وعلمتها إزاي تلف المحشي وتسلق البط وتحمره وآآ...
لم يدعها تكمل جملتها للنهاية حيث صاح بجدية عجيبة:
-طب يا ماما عقبال ما تعبي إنتي الأكل هاخد مراتي في مشوار!

شهقت سابين بخجل شديد حينما وجدت مسعد يجذبها من كف يدها نحو باب المنزل، ونظرت له مصدومة من فعلته المباغتة..
تساءلت صفية بذهول وقد ارتفع حاجبها للأعلى:
-مشوار ايه السعادي؟
التفت برأسه نحوها ليجيبها بمرح وهو يغمز لها:
-جرى ايه يا حاجة؟ ده أنا بأقول عليكي أم المفهومية كلها، هانروح خمسة سياحة!
فهمت هي ما يرمي إليه، ورغبته في الانفراد بزوجته، ومع ذلك عنفته برفق قائلة:
-يا واد اتلم!

حاولت سابين سحب يدها منه، فقد كانت ترتدي ثيابها المنزلية بالإضافة إلى ( مريلة ) الطهي، وهتفت بتوتر وهي ممسكة ببنطالها القطني:
-موسأد استنى my clothes ( ملابسي )!
حدق في ثيابها بنظرات خاطفة، ورد غير مكترث:
-مافيش وقت، انا عاوزك كده!
اعترضت قائلة بقلق وهي تسير مجبرة خلفه:
-بس آآ...
رد عليها مقاطعاً إياها بمزاح ساخر:
-يالا يا صابرين، بدل ما نلاقي الحرس الجمهوري طابب علينا!

استمال باسل عقل إيناس بمداومته على اثبات تغير تصرفاته للأفضل، وأصبحت هي شبه متيقنة أن ما فعله معها منذ سنوات كان بدافع الغيرة العمياء وليس كما ظنت وأوهمت نفسها أنه تحقير لشأنها.
وبدأ التقارب الفعلي بينهما، وكانت تنتظر بشغف مفاجأته الغير متوقعة لها..
تأكدت من تعلقها به رويداً رويداً، وأجلت إعترافها بحبها له حتى تحين اللحظة المناسبة..

وفضلت أن تكون في ليلة زفافهما حينما تصبح زوجته، فيدرك وقتها أنه حصل على مراده بمثابرته معها.

بعد مرور عام،
أنجب كلاً من مسعد وسابين طفلة صغيرة تشبه والدتها كثيراً في ملامحها الجميلة، واقترحت هي أن يتم تسميتها ( صافي ) تيمناً بوالدة زوجها، وكطريقة دبلوماسية منها للتقرب منها خاصة حينما عاملتها بكل ود وألفة بعد اتمام زواجها من ابنها وتأكدها من صدق مشاعرها نحوه..
فرحت صفية بالتسمية، وحازت الرضيعة منها على كل الإهتمام والحب، ولم تختلف معاملة جينا عنها، بل نالت كل العاطفة الطيبة من الجميع..

كما اتفق الاثنان على إبلاغ جينا بحقيقة نسبها وإخبارها عن عائلتها الأصلية حينما تبلغ من العمر سناً مناسباً ليمكنها من تفهم واستيعاب الأمر لتعي دور أمها الهام كصديقة وفية لرفيقتها في أحلك أوقاتها العصيبة...

تقدم وائل لخطبة أماني بعد اعتراف الأخيرة بحبها له وتعلقها الشديد به..
لم يتخيل أنه يبادلها نفس الشعور دون وعي منه خاصة أنه كان مهتماً بها هو الأخر، ولكن لإصراره على الارتباط بإيناس فلم يكن يرى غيرها، وما إن أعطى نفسه الفرصة للتقرب من أماني حتى تأكد من وجود إحساس نحوها، بالإضافة للتفاهم الكبير بينهما فيسر إرتباطهما سريعاً.

وأخيراً استطاع باسل بعد صبر طويل ومحاولات مضنية أن يكتسب ثقة إيناس من جديد وينال موافقتها على الزواج منه خلال هذا العام المنصرم..
لم يتورع في الحصول على قلبها، فهو يستحق تكبد العناء للظفر به..
كما دعمها في دراستها. وأعاد ثقتها بنفسها، ودوماً يُطري عليها بالمديح والكلمات المحفزة الداعمة لها.
أشعرها بأنوثتها، وبكونها مختلفة عن بقية النساء فهي تتربع بحبه لها في عرش قلبه.

أهداها متعلقات نسائية محببة كالعطور وأدوات التجميل والمفكرات والأقلام المميزة، ففرحت بإهتمامه بالتفاصيل الصغيرة.
لم يترك شيئاً تذكر اعجابها به إلا وسعى لإحضاره لها حتى لو كلفه الكثير، فكل ما يهمه هو أن يراها سعيدة وابتسامتها مطبوعة على ثغرها.

شجعها على الاجتهاد أكثر في دراستها الجامعية، وكان يبحث بنفسه عما تحتاجه من برامج تدريبية ومهارية لتنميتها عقلياً وفكرياً فاستطاعت أن تحصد ثمار تعبها، وحصلت على نتائج عالية في الامتحانات.
وبالطبع كانت فرحة السيدة صفية تصل لعنان السماء لتحقق المراد وارتباط ابنتها به في النهاية.

في إحدى قاعات الأفراح،
انحنى باسل برأسه على إيناس ليقبلها من جبينها بعد أن عُقد قرانهما، ونظر لها مطولاً بنظرات شغوفة متلهفة، ثم طوقها بذراعيه من خصرها، وتمايل معها بحركات خفيفة وثابتة خلال رقصتهما الهادئة..
همس لها قائلاً بعذوبة ممتعاً عيناه بالتحديق في قسمات وجهها:
-خلاص بقيتي مراتي واتجوزنا
ردت عليه بنعومة رقيقة:
-أها!
همس لها بتنهيدة تحمل الحب والرغبة في تذوق طعم السعادة معها:
-بأحبك يا نوسة!

شعرت بالحرج من أسلوبه المتغزل علناً أمام معارفها، وهمست له بخجل:
-عيب يا باسل، الناس بتبص علينا!
رد عليها غير مكترث:
-كبري منهم، سيبني أعبر براحتي عن اللي جوايا!
تلفتت حولها بحذر وهي تهمس:
-مش وقته!
نظر مباشرة في عينيها، وهتف بإصرار:
-ده هو ده وقته!
بادلته نظرات متعمقة، فأكمل بنبرة متيمة ممرراً عيناه على تفاصيلها:
-أنا بأعشقك بكل تفاصيلك! بشعرك المنكوش، بلاوية بوزك لما حد يعصبك!

ارتفع حاجبيها للأعلى مستنكرة ما قاله:
-نعم!
ابتسم مكملاً بمرح
-حتى بحواجبك ال 88 دول!
حذرته قائلة بجمود جاد:
-انت بتغلط على فكرة!
رد عليها مطلقاً تنهيدة متعبة:
-دوختيني وراكي السبع دوخات يا بنت الناس!
أسبلت عيناها، وردت بثقة:
-بس أستاهل صح؟
أجابها بهدوء وهو يعمق نظراته فيها
-اه!
ساد الصمت بينهما ولكنه كان صاخباً تتحدث فيه الأعين والقلوب والمشاعر وكل ذرة في خلايا جسدهما..
قطع تواصلهما صوت باسل متساءلاً بمكر:.

-مش ناوية تقوليلي حاجة؟
قطبت جبينها وهي تطالعه بنظراتها متساءلة:
-ايه؟
أجابها بصوت رخيم:
-أنا اعترفتلك بحبي مليون مرة، مش ناوية تقوليها مرة، بلي ريقي بكلمة واحدة بس!
أطرقت رأسها قليلاً، وضغطت على شفتيها محرجة..
تابع هو قائلاً بمزاح:
-ها، أبو الهول نطق وانتي لسه!
جابت بأنظارها أرجاء القاعة من فوق كتفه الأيمن، وابتلعت ريقها بتوتر كبير..

هي تحبه حقاً، وخططت لإعترافها له بهذا مسبقاً. لكن تنفيذ الأمر على أرض الواقع مربكاً بشكل كبير.
ضغط عليها قائلاً بإلحاح:
-قولي بقى!
همست بتلعثم وهي ترمش بعينيها:
-باحبك
هتف فجأة بصوت متحمس أحرجها:
-ياه
اضطرب جسدها، وتوترت، وهمست بحرج بائن وهي تنظر في أوجه المتطلعين فيهما:
-ششش، الناس هتاخد بالها!
لم يهتم بما يقوله الحضور عنهما، وهتف بسعادة:
-أخيراً قولتيها!
توسلته بحرج:
-باسل، اركز، الكل بيبص علينا.

ضمها أكثر إليه، وقرب رأسه إليها ليقول بتلهف:
-مش قادر، هاتجنن ويتقفل علينا باب واحد وناخد راحتنا سوا!
اشتعل صدغيها بحمرة طاغية من مجرد التفكير في تلك الليلة، وهمست متوترة:
-الله! انت آآ..
لم تكمل جملتها للنهاية فقد انضم إليهما مسعد، والذي وضع يده على ظهر رفيقه محدثاً إياه بمزاحه المعتاد:
-ها يا عريسنا، خلاص دخلت القفص برجليك، ومش مع أي حد!
استدار باسل برأسه نحوه، ورد عليه مبتسماً إبتسامة عريضة:
-ايوه!

غمز له مسعد قائلاً:
-مش هوصيك، انت أخد توأمي الصغير
التفت باسل نحو إيناس ليرمقها بنظراته الرومانسية، ورد عليه بنبرة والهة:
-مش محتاج توصيني على قلبي!
ربت مسعد على ظهره بقوة أكبر قائلاً بعبث:
-ماشي يا عمنا، الله يسهله!
غمز له باسل قائلاً بنبرة ذات مغزى:
-ويسهلك!
وجه مسعد حديثه إلى أخته الصغرى مهنئاً إياها:
-مبروك يا نوسة!
ردت عليه مبتسمة:
-الله يبارك فيك يا مسعد!
أضاف قائلاً بتسلية:
-عاوزك تطلعي عين أخينا ده.

ضحكت قائلة بمرح:
-حاضر
عاتبه باسل قائلاً بعبوس زائف:
-بقى كده!
رد عليه مسعد قائلاً:
-يا سيدي بأناغشكم شوية!

في إحدى الطاولات القريبات من مقعد العروسين..
-مبروك يا صفية، بنتنا اتجوزت
قالها اللواء محمد لزوجته وهو يلف ذراعه حول كتفها
منعت نفسها من النحيب قائلة:
-الحمدلله، مش مصدقة إني شايفاها بفستان الفرح
أكمل قائلاً بهدوء وهو يهز رأسه بحركة خفيفة ثابتة:
-صبرتي ونلتي يا ستي!
حركت رأسها موافقة إياه:
-ايوه، عقبال ما نجوز عيالهم!
رد قائلاً بنبرة شبه متعبة:
-يا مين يعيش!
التفتت لتنظر إليه قائلة بود ودفء:.

-ربنا يديك الصحة ويخليك لينا
ابتسم لها مردداً بصوت حاني:
-ويديمك في حياتي يا أم العيال!
تبادلا نظرات تشير إلى عمق الحب والمودة من خلال الرابط الزمني الذي جمعهما منذ عقود.

عاد مسعد إلى زوجته التي كانت تقف في الخلف مصفقة بيديها على أنغام الموسيقى.
تأملها للحظات، هي كما رأها أول مرة، جميلة رقيقة مميزة، تخطف الألباب، وتسرق القلوب..
كانت متألقة بثوبها الأسود، محافظة على رشاقتها، وتورد وجنتيها..
هي كفينوس تغلفها هالة من الجمال والبراءة.
تنهد بحرارة تذيب الجليد..
نعم هو يعشقها حتى النخاع، مازال متيماً بها، غارقاً في حبها الفطري.

وقف إلى جوارها بعد أن أشارت إليه ليقترب منها، ومال عليها ليحدثها بمزاح:
-نسناسة وبسلة اتحطوا في قفص واحد، تفتكري هايخلفوا ايه؟
نظرت إليه بعتاب قائلة برقة:
-موسأد، إيب ( عيب )! دي سيستر ( أختك )
أثارت نبرتها رغبته فيها، وألهبت مشاعره للتمتع بحب عاصف معها، لذا بلا تردد قبض على كف يدها، وجذبها بعيداً عن الزحام هامساً بلؤم:
-بلا سيستر بلا عيب، تعالي احنا نشوف اللي ورانا!

حاولت مجاراته في حركته السريعة قائلة بإرتباك بعد أن فهمت ما يريد:
-موسأد، مش ينفع نسيب فرح ونمشي
رد عليها بثقة وهو يجذبها إلى خارج القاعة:
-لأ ينفع!
تساءلت بتوتر وهي تسير خلفه:
-نو ( لأ )، وال kids ( الأطفال )؟!
رد عليها غير مهتم سوى بوجودهما معاً:
-العيال مع أمي، هي ملهية بيهم!
هتفت متسائلة بقلق وقد انعقد ما بين حاجبيها:
-طب هانقول ايه للفاميلي؟

توقف في مكانه، والتفت نحوها ليطالعها بنظرات عابثة ومغترة، ثم أجابها بنبرة واثقة للغاية وقد زادت ابتسامته اتساعاً لتبرز نواجذه:
-الرد موجود يا حبيبتي، ( دواعي أمنية، ومشددة )...!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة