قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

خيم الحزن على جميع من في الوحدة العسكرية بعد إعلان خبر وفاة الفريق ضياء، ذلك الرجل الذي أسس التشكيل القتالي ودعمه بكل قوة ليثبت كفاءته، ونجح في تحقيق هذا..
لم يتخيل أحدهم أن يتركهم قائدهم المحبوب فجأة، أن يسبقهم الموت إليه، ويلاقي ربه بدعوات صادقة من القلب..
بكوا بحزن كبير على فراقه، وتسابقوا في حمل جثمانه، وتوجهوا به إلى مدافن العائلة ليوارى الثرى...

إنهارت سابين مصدومة حينما تلقت الخبر، بقيت في سكنها صامتة شاردة..
نعم ؛ تعقدت اﻷمور كثيراً معها، وأصبح وجودها في الوحدة العسكرية مهدداً، بل رحيلها صار مُلزماً، فإن لم يكن اليوم سيكون غداً..
تشوش تفكيرها، وأخذت تعيد حساباتها من جديد..

فكرت بمهاتفة مكتب حماية الشهود واللجوء إليه، ولكنها خشيت من اكتشاف مكان تواجدها قبل موعد المحاكمة، وبالتالي سيهدد حياتها ويضعها في موقف خطر، وهي لا تريد تكرار تلك التجربة، أن تعرض من معها أو قريب منها للموت والتهديد بالقتل، خاصة إن كان ذلك الشخص هو من أصبحت تثق فيه وحدث نوع من اﻷلفة بينهما...
تنهدت بحزن، وشردت لتفكر جيداً في حل ﻷزمتها الراهنة...

عاد مسعد وباسل إلى الوحدة بعد دفن الفريق ضياء، وجلسا في مكان شبه خالي.
بقيا كلاهما صامتين لبرهة، عاجزين عن التفكير، فلا أحد يعرف بهوية سابين الحقيقية، ولا بسبب تواجدها..
زفر مسعد بضيق، وأرجع ظهره للخلف، ثم شبك كفيه خلف مؤخرة رأسه..
نظر له باسل بنظرات ثابتة، وسأله بهدوء:
-هنعمل ايه؟
أخذ مسعد نفساً عميقاً، وزفره ببطء، ثم أجابه بإمتعاض:
-مش عارف، أنا دماغي مشلولة!
تابع باسل قائلاً بنبرة حزينة:.

-مكونتش أتخيل ان الفريق ضياء هايموت فجأة كده!
رد عليه مسعد بإقتضاب:
-عمره!
أكمل باسل قائلاً بنفس النبرة المتأسفة:
-ايوه، ربنا يرحمه، حقيقي كان راجل محترم وانسان خلوق
بينما أضاف مسعد بآسى وهو يغمض عينيه:
-يا رب ويصبر أهله
حل الصمت مجدداً بينهما إلى أن قطعه باسل قائلاً بجدية وهو مسلط أنظاره عليه:
-مسعد! احنا محتاجين نشوف صرفة في موضوع سابين!
أرخى مسعد ذراعيه، وفرك طرف ذقنه بحركة ثابتة، ثم رد عليه بخفوت:.

-ايوه، صابرين! حظها نحس!
أوضح باسل قائلاً بنبرة عقلانية:
-مهما عملنا وقولنا محدش هايقبل بوجودها، ومهمتها المزيفة ليها وقت وهاتخلص!
هز مسعد رأسه موافقاً إياه، ورد عليه بإختصار:
-مظبوط
أشار باسل بيده وهو يضيف بنبرة شبه صارمة:
-لازم نشوفلها مكان أمن نوديها فين!
صمت مسعد ليفكر للحظات قبل أن ينطق بحذر:
-ماقداميش غير اخدها عندنا في البيت!

فكر باسل في اقتراحه، ورغم صعوبة تنفيذه أو إقناع عائلته به إلا أنه الخيار المتاح حالياً..
تساءل هو بفضول وهو يتفرسه:
-وهاتقولهم ايه؟
التفت مسعد برأسه نحوه، ونظر له بثبات دون أن تطرف عيناه، ثم أجابه بتنهيدة مرهقة:
-ماهو ده اللي بأفكر فيه، ودماغي مش جيباني لحاجة
هز باسل رأسه بحركة خفيفة وهو يضيف بضيق:
-عندك حق، هو الواحد أصلا عارف يفكر بعد اللي حصل!

ضغط مسعد على شفتيه، ووضع يده على رأسه ليحك مؤخرتها، ثم هب واقفاً، وتشدق قائلاً:
-انا بأفكر احكي مع ابويا يمكن يفيدني بحاجة، هو برضوه عنده خبرة وأقدم مننا!
نهض باسل هو الأخر من مكانه، ووقف إلى جواره، وحدق فيه بنظرات جادة، ثم حذره بتوجس:
-مش لازم حد من برا يعرف يا مسعد، الموضوع فيه خطورة، وإنت المفروض عارف ده
رد عليه مسعد مبرراً وهو يدير رأسه في اتجاهه:.

-ما أنا فاهم الكلام ده كويس، بس على ايدك هنعمل احنا ايه لوحدنا!
مرر باسل يده في خصلات شعره القصيرة، ورد عليه بيأس:
-للأسف معندناش معلومات زيادة عنها! ومحدش هيقدر يساعدنا!
أسند مسعد كفه على كتف رفيقه، وضغط بأصابعه عليه وهو يقول بصوت هاديء:
-وعشان كده فكرت في ابويا!
سأله باسل بفضول:
-طب هاتقوله ايه بالظبط؟
رد عليه مسعد بإختصار:
-هافكر كده!
-تمام..
أضاف مسعد قائلاً بنبرة جادة وهو يشير بإبهامه للخلف:.

-أنا هحاول أخد تصريح بإذن أروح اتكلم مع أبويا، وانت خلي بالك من صابرين!
أومأ باسل برأسه وهو يرد بهدوء:
-ماشي
ثم تحرك بعدها مسعد وهو يفكر ملياً في حل لمشكلة سابين التي حمل مسؤلية سلامتها على عاتقه..
لم يكنْ ليتخلى عنها مهما حدث..
هي باتت إهتمامه الكبير..

لاحقا في المقهى الجديد،
صاح اللواء محمد بتفاخر كبير بعد أن حقق فوزاً جديداً وساحقاً في لعبة ( الطاولة )، ونظر إلى رفاقه بزهو، ثم هتف متساءلاً بتحمس:
-ها دور كمان يا رجالة؟!
رد عليه رفيقه بضيق:
-دي تالت مرة تكسبنا فيها، ماشاء الله مكتسح!
نظر له اللواء محمد من طرف عينه، وسأله بمرح:
-هتحسدني ولا ايه؟
رد عليه رفيقه بعبوس:
-ما أنا قولت ماشاء الله!

في نفس التوقيت ولج مسعد إلى داخل المقهى، وبحث بعينيه عن أبيه بين الجالسين..
جاء النادل للترحيب به، فأشار له بيده ليبتعد..
وما إن وقعت عيناه على والده حتى أسرع في خطاه نحوه..
تفاجيء اللواء محمد بوجود ابنه أمامه بزيه العسكري الرسمي، فصدم من رؤيته، وما أثار ريبته هو حالة الوجوم البادية على وجهه، فتساءل بنزق:
-مسعد! في حاجة حصلت يا بني؟ جاي هنا ليه الوقتي.

رد عليه ابنه بصوت شبه متصلب ووجهه يكسوه تعابير غريبة:
-بابا، أنا عاوزك شوية
هتف رفيق والده بإستغراب:
-مالك يا مسعد؟ كله تمام عندك في الجيش؟
التفت مسعد ناحيته، وأجابه بهدوء حذر:
-تمام، بس محتاج ابويا في كلمتين
أشار له رفيق والده بيده وهو يقول بإبتسامة عادية:
-قوم معاه يا سيادة اللوا، الدور هيستناك، لكن ابنك مستعجل!
وبالفعل تحرك مسعد مع أبيه، وجلس الاثنين على طاولة خالية في أحد الأركان..

حدق محمد في ابنه بنظرات متفحصة دارسة له، ثم سأله بإهتمام:
-خير يا بني؟
اقترب مسعد بمقعده منه، ومال عليه برأسه وهو يجيبه بنبرة شبه منزعجة رغم خفوتها:
-بابا، في مصيبة حصلت!
أرجع أبيه ظهره للخلف، ونظر له بتوجس، ثم سأله بقلق:
-يا ساتر يا رب، ايه هي؟
ضغط مسعد على شفتيه بقوة، ورد عليه بعد لحظات محدودة من الصمت:
-الفريق ضياء مات!
اتسعت عيناه في صدمة، وردد بحزن واضح في نبرته:.

-لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون
هز مسعد رأسه بحركة خفيفة ثابتة تشير إلى ضيقه، بينما تابع والده متساءلاً بفضول:
-طب ومين هايمسك مكانه؟
رد عليه مسعد بتنهيدة مطولة وهو مسبل عيناه:
-المشكلة مش في كده يا بابا
سأله والده بإيجاز وهو ينظر له بإهتمام:
-أومال؟
رد عليه مسعد بتوجس:
-في حاجة تانية أخطر!
ضاقت نظرات والده، وسأله بجدية واضحة:
-ايه هي؟

سرد مسعد ﻷبيه بإيجاز كل ما يتعلق بقضية سابين منذ بدايتها حتى وجودها الحالي في القاهرة، وأصغى له والده بإنتباه تام دون أن يقاطعه..
ثم أردف بعدها مردداً بنبرة رزينة:
-مش قدامك يا بني غير تجيبها عندنا صح؟
أومأ مسعد برأسه وهو يجيبه:
-ايوه..!
زاد عبوس وجهه وهو يوضح له:
-بس مشكلتي دلوقتي في أمي!
هز اللواء محمد رأسه متفهماً وهو يبرر قائلاً:
-عندك حق! أمك مش هتقبل بوجودها كده
أوضح مسعد بجدية:.

-ايوه، ومش هاينفع أقولها السبب الحقيقي
أضاف والده قائلاً بنبرة جادة:
-طبعاً ده لأنه يعتبر سر عسكري!
حرك مسعد رأسه بإيماءة صغيرة وهو يقول بمزاح:
-بالظبط، دي أقل حاجة هتعملها هتذيع اللي هتعرفه مني على أنه خبر عاجل
ثم أكمل قائلاً بسخرية وهو يهز رأسه مستنكراً
-ده أنا مش بأعيد ألاقي فرقة اغتيالات عندنا في الشقة
حدجه أبيه بنظرات محذرة وهو يعنفه بهدوء:
-اتلم يا ولد!

مال مسعد بجذعه للأمام، وسأل والده بجدية وهو يرفع حاجبه للأعلى:
-طب قولي انت يا سيادة اللوا عن حِجة مناسبة أقولها ليها!
أرجع محمد ظهره للخلف، ووضع ساقه فوق الأخرى، ثم إستند بطرف ذقنه على مرفقه، ورد عليه بنبرة دبلوماسية:
-شوف يا بني سيبلي الموضوع ده شوية أمخمخ فيه وأرد عليك
نهض مسعد من على مقعده، وهز رأسه موافقاً وهو يقول:
-ماشي يا بابا، معاك ساعة وترد عليا!

أنزل أبيه ساقه، ونظر له بتعجب وهو يهتف معترضاً:
-نعم؟ ده مافيش وقت!
أشار مسعد بيده وهو يكمل بجدية:
-انا راجع الوحدة هاجيبها وأجي وانت تكون فكرت!
ثم تحرك مبتعداً دون أن يترك الفرصة لأبيه لإعطائه مزيداً من الوقت للتفكير..
صاح فيه اللواء محمد بصوت مرتفع نسبياً:
-يا مسعد استنى!
التفت مسعد برأسه ناحيته، ورد عليه بضيق:
-مافيش وقت يا بابا
أضاف والده قائلاً:
-طب ابقى بارك لاختك، نجحت في امتحاناتها.

تفاجيء مسعد من هذا الخبر السعيد، وابتسم وهو يقول:
-والله، طيب مبروك ليها
نظر له والده بجدية وهو يقول بإلحاح:
-اتصل بيها وباركلها بنفسك
لوى مسعد ثغره وهو يقول على مضض:
-ربنا يسهل، أفوق بس من اللي أنا فيه وبعد كده نبقى نحتفل!
تنهد والده وهو يرد عليه:
-الله يعينك يا رب!

في منزل مسعد غراب،
أطلقت السيدة صفية زغاريد عالية احتفالاً بنجاح ابنتها في الشهادة اﻹعدادية، ثم احتضنتها مجدداً، ومسحت على ظهرها بحنان وهتفت بتفاخر:
-مبروك يا ضنايا، لولوووولي!
ابتسمت لها إيناس وهي تقول بحرج:
-خلاص يا ماما، الجيران كلهم عرفوا
ردت عليها أمها بعدم إكتراث:
-وماله لما يعرفوا، الله مش نجحتي وجبتي 98 % خلينا نكيد اﻷعادي!
أردفت إيناس قائلة بتوجس:
-انا كده هاتحسد؟!

أشارت السيدة صفية بيدها وهي تقول بتباهي:
-أنا هابخرك من شر عينيهم!
ثم وقفت إلى جوار باب المنزل، وأكملت إطلاق زغاريدها بسعادة جلية:
-لوووولوولي، لووولوولي، والناجح يرفع ايده
شعرت إيناس بالحرج من سجية والدتها وفطرتها التي تميزها عن باقي الجيران، ولكن رغم نجاحها الكبير إلا أن سعادتها كانت ناقصة بسبب تأثير ما حدث مع باسل..

هي تذكر نفسها يومياً بوقاحته وإهانته، وسخريته منه حتى نظراته المهينة إليها لم تنساها..
هي لم تخطيء في حقه أو تسيء إليه، بل كانت ضحية خدعة حقيرة ممن ظنت أنها رفيقتها، وهو لم يصدقها بل جعلها مذنبة في نظره وحكم عليها ظلماً..
أفاقت إيناس من شرودها على صوت والدتها وهي تسألها بإهتمام:
-والبت هدير عملت ايه؟
لوت ثغرها بإمتعاض وأجابتها على مضض وقد تحول وجهها للعبوس بصورة ملفتة:
-معرفش وماتفرقش معايا!

تعجبت صفية من رد ابنتها، خاصة وأنها تعرف مدى القرابة بينهما كرفيقتين لفترة طويلة، فسألتها مستفهمة:
-الله، هو ايه اللي حصل، هو انتو اتشاكلتوا؟
ردت عليها إيناس بإنفعال قليل في نبرتها:
-بصي يا ماما معنتيش تجيبي سيرتها لا بحلو ولا بوحش!
زاد فضول صفية لتعرف سبب الخلاف بينهما، ونظرت إلى ابنتها بغموض، ثم سألتها بإلحاح:
-ليه بس؟ في ايه حصل بينكم!
اجابتها إيناس بعصبية وهي تضع يدها على منتصف خصرها:.

-احنا مش بقينا أصحاب، دماغنا مش زي بعض ولا حتى تفكيرنا
مصمصت صفية شفتيها بإستنكار، ورفعت حاجبها للأعلى وقالت بحزن:
-لاحول ولا قوة إلا بالله، ده انتو كنتو زي السمنة على عسل
ردت عليها إيناس بإمتعاض واضح:
-كنا!
ضيقت صفية نظراتها، واقتربت من ابنتها، ثم سألتها بصوت خافت نسبياً:
-طب مافيش أمل تتصالحوا؟
ردت عليها إيناس بنفاذ صبر وهي عابسة الوجه:
-ماما، بأقولك كان في وخلص، انسيها بقى!

أيقنت صفية أنه لا رجاء من سبر أغوار ابنتها لمعرفة حقيقة الجدال مع هدير، ورددت بإستياء:
-طيب خلاص، هاروح أبل الشربات وأفرقه على الجيران!
ثم استدارت عائدة في إتجاه المطبخ وهي تهتف بحماس:
-ربنا يفرح قلبك يا بنتي زي ما بتفرحيني دايماً
تنهدت إيناس بعمق وهي تتمتم بخفوت:
-يا رب.

حزمت سابين حقائبها بعد أن أبلغها باسل بالاستعداد للذهاب..
سيطر عليها شعوراً قوياً بالضياع والخوف، هي عليها أن تواجه مصيرها المجهول بمفردها..
إحساس الأمان والسكينة تلاشى بداخلها، وحل محله الخوف والغربة، ورغماً عنها بكت بقهر..
جلست على المقعد أمام سكنها، وتعابير وجهها ما هو إلا إنعكاس عن حالها...

عاد مسعد ورأها من على بعد على تلك الحالة الواجمة، فانقبض قلبه خوفاً عليهاً، وأسرع في خطواته نحوها وسألها بصوت لاهث ومتوجس:
-صابرين في حاجة حصلت؟
أجهشت بالبكاء أمامه، فاعتصر قلبه آلماً عليها، وسألها بخوف أكبر وهو ينظر إلى وجهها بدقة ليتأكد من عدم تعرض أحد لها أثناء غيابه:
-ردي يا صابرين، في حد ضايقك، ولا عملك حاجة؟!
هزت رأسها نافية، وهمست بصوت منتحب:.

-لا، أنا هاف ( أخاف ) موسأد، أنا مش إعرف آمل ( اعمل ) ايه!
تنهد بإرتياح، وعاتبها قائلاً بنبرة شبه منفعلة:
-يا شيخة وقعتي قلبي، أنا قولت حد ابن **** عمل حاجة فيكي!
لم تفهم معنى سبته، ولكنها هزت رأسها نافية وهي تقول بإستياء:
-نو ( لأ )
تحرك مسعد نحوها، ووضع يده على كتفها، وضغط برفق عليها وهو يقول بإبتسامة هادئة:
-طب اهدي ومتعياطيش، أنا دمعتي قريبة.

ابتسمت له إبتسامة باهتة، ثم تلاشت بعد ثوانٍ معدودة لتضيف بعدها بخوف:
-انا وهدي ( وحدي ) موسأد، no one with me ( لا أحد معي )!
رد عليها معاتباً بمزاح:
-أومال أنا روحت فين؟ مش معقول كل الجسم ده ومش باين، ده أنا حتى لقبي حيطة بشرية!
ابتسمت لدعابته الطريفة، وهمست بخفوت وهي تطالعه بعينيها الدامعتين:
-بس أنا
قاطعها قائلاً بجدية وهو يشير بيده:
-استهدي بالله يا بنت الناس، وقومي هاتي شنطك عشان هاتيجي معايا!

سألته بقلق وبؤبؤي عينيها يتحركان بتوتر:
-هانروح فين موسأد؟
أجابها بثقة وهو ينتصب بكتفيه:
-عندي في البيت!
فغرت شفتيها مشدوهة من كلمته الموجزة، ورمشت بعينيها غير مصدقة ما لفظه تواً:
-هاه!
أشار لها بيده وهو يقول بمرح:
-يالا يا عروسة!
تفاجئت أيضاً من كلمته التالية ( عروسة )، وشعرت بالقلق مما هي مقبلة عليه، وسألته بتوجس أكبر:
-انت قول ايه موسأد؟
هز رأسه وهو يجيبها بغموض:
-هافهمك في السكة.

عضت على شفتها السفلى في إرتباك، وتوردت وجنتيها قليلاً، ودار في خلدها عشرات الأسئلة التي بحثت عن إجابات لها، وكان من بينها هو أن يتقدم مسعد لخطبتها كحل مؤقت لمشكلتها..
لم ترد سابين أن تضيع وقتها في التفكير، وتحركت داخل سكنها، ولكنها التفتت برأسها نحوه لتسأله بهدوء رقيق:
-طب وباسل؟
انزعج مسعد من سؤالها عنه، ونفخ بضيق وهو يجيبها:
-هو مستنينا بالعربية برا!

مطت شفتيها قليلاً، وابتسمت له وهي تزيح العبرات العالقة في أهدابها..
عبس مسعد بوجهه وهو يأمرها بجدية:
-يالا
...
في المقهى الحديث،
أسند النادل المشروبات الباردة على الطاولة وظل الصمت هو سيد الموقف حتى أنهى مهمته وابتعد..
فاستطرد بعدها اللواء محمد حديثه متساءلاً بجدية وهو مسلط أنظاره على سابين الجالسة قبالته:
-بس أنا واثق ان اللي رتب دخولك مصر حد تاني غير الفريق ضياء، صح كلامي؟

أومأت برأسها بإيماءة خفيفة وهي تجيبه:
-ييس ( نعم )، مكتب المباحث الفيدرالية له دور!
هز رأسه معترضاً على إجابته وهو يوضح مجدداً:
-لا مش قصدي، لازم يكون في حد تعاون مع الفريق ضياء عشان يسهلك كل اﻷمور هنا ويرتب وضعك بصورة قانونية، وده مش هايتم إلا من جهات سيادية!
سأله مسعد بإستفهام وهو قاطب جبينه:
-حضرتك تقصد يا بابا إن في حد غير الفريق ضياء عارف بموضوعها؟
رد والده عليه بجدية موجزة:
-ايوه..!

تساءل باسل بغموض وهو يحك طرف ذقنه:
-طب ليه مظهرش وخصوصا إنه أكيد عرف بوفاته؟!
رد عليه اللواء محمد بجدية وهو يشير بيده:
-ممكن مستني يشوف الوضع هيرسى على ايه وجايز مش عاوز يكشف نفسه لحد!
هتف مسعد قائلاً بتوجس وهو يوزع أنظاره بين أبه وسابين:
-بس هي كده حياتها هاتكون في خطر!
ابتلعت سابين ريقها بتخوف، وتوترت قليلاً وهي تتخيل تكرار مشاهد الإغتيال هنا في القاهرة..
أضاف اللواء محمد موضحاً بنبرة رزينة:.

-ده وارد طالما اتعرفت هي مين، لكن طول ما هي مش معروف هويتها هاتبقى لحد ما في أمان!
تساءل باسل بإستفهام بعد أن أدرك قلة حيلته في التصرف هو الأخر:
-طب هنعمل ايه معاها؟
صمت اللواء محمد للحظات، ثم تابع قائلاً بجدية وهو محدق أمامه في الفراغ:
-شوفوا أنا في دماغي فكرة، بس محتاجين لمساعدة حد معانا!

انزعج مسعد مما قاله أبيه، فكون معرفة شخص جديد لتلك المسألة الحيوية يعرضها للخطر المحدق، وهو ليس في حاجة إلى هذا، لذا هتف بنزق وهو يشير بيديه:
-يا بابا ده انت لسه بنفسك قايل لازم الموضوع يكون سري ومحدش يعرف حاجة!
هز والده رأسه إيجاباً وهو يبرر اقتراحه:
-ده صحيح، بس المساعدة دي مهمة عشان تسهل دخولها البيت!
عجز مسعد عن الوصول إلى مقصد والده من هذا الاقتراح، وهتف بإحباط:.

-مش فاهمك بصراحة يا بابا، وحاسس كده إن الليلة كلها هتبوظ!
أخذ باسل نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم تساءل بهدوء:
-ممكن حضرتك يا سيادة اللوا توضح اكتر إنت قصدك ايه بالظبط؟
أضاف مسعد هو الأخر متسائلاً بنبرة ساخرة:
-مين يا بابا اللي انت هاتشركه معانا، اللي عليه العين والنيني!
ابتسم له والده إبتسامة غامضة، ثم أجابه بصوت جاد وهو مثبت أنظاره على ابنه:
-إيناس أختك.

صاح كلاً من باسل ومسعد سوياً و في نفس واحد بصوت مرتفع وقد ارتسمت علامات الذهول و الصدمة عليهما:
-مييييييين...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة