قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

برزت عروق إيناس المحتقنة بالدماء الغاضبة بوضوح وهي تنظر بنظرات مشتعلة إلى رفيقتها هدير التي أوقعتها في مكيدة محكمة..
صاحت بها بصوت هادر وهي تهزها بعنف:
-ازاي تعملي فيا كده؟
أزاحت هدير قبضتيها عنها، ونظرت لها ببرود، ثم تحركت مبتعدة لخطوة قبل أن تجيبها بجمود:
-عادي
صرخت فيها إيناس بإنفعال وهي تتحرك لمواجهتها:
-بتقولي عادي، بالبساطة دي!
ثم قبضت على ذراعها، وأكملت بصوت هادر:.

-انتي وديتني في مصيبة، ده باسل يا هدير، انتي طلعتيني زبالة قصاده
التوى ثغر هدير بإبتسامة غير مكترثة زادت من استفزاز إيناس، فهتفت بنبرة مغلولة وقد احتقنت عيناها بطريقة مخيفة:
-انتي، انتي مش عارفة هو ممكن يعمل فيا ايه؟ ده أقل حاجة ممكن يعملها إنه يقول لمسعد
لكزتها هدير بكوعها لتحرر قبضتها، وهتفت بعدم مبالاة:
-متصدعنيش بقى! محسساني إنه آآ..

لم تكمل جملتها حيث هوت إيناس على صدغها بصفعة مفاجئة وقوية، ومن ثم صرخت فيها بإهتياج:
-دي أقل حاجة تستحقيها مني، إنتي استحالة تكوني صاحبتي أو بتتمنيلي الخير، إنتي شر!
صدمت هدير مما فعلته بها، ووضعت يدها على وجنتها لتتحسس موضع الألم، وتلون وجهها بحمرة مريبة، ثم صاحت بعدم تصديق وهي ترفع حاجبيها بإستنكار:
-انتي بتضربيني يا إيناس؟!

مدت إيناس ساقها بحركة بارعة لتلفها حول ساق هدير، فأوقعتها أرضاً، ثم جثت فوقها، وهتفت بتوعد:
-ده أنا هاموتك! انتي مش عارفة عملتي فيا ايه
وبالفعل انهالت باللكمات عليها، وحاولت خدشها في عنقها بأظافرها، وقاومت الأخيرة ضرباتها قدر المستطاع، وصرخت متأوهة:
-آآآآه، طب والله ماسيباكي، وهاتشوفي
جذبتها إيناس من خصلات شعرها بعنف، وتابعت بصوت محتد:
-منك لله يا شيخة، خدي.

صاحت هدير بصراخ، وأصيبت إصابات مباشرة في عينيها وفمها، ونزفت من أنفها، وهدرت بتهديد صريح:
-آآي، اوكي يا إيناس هتشوفي، والله لأوريكي
لم تعبأ بها إيناس بل أكملت ضربها، ونظرت لها بإستهزاء وهي ترد عليها بسخط:
-اكتر من كده ايه!
وما إن أفرغت شحنة غضبها فيها حتى نهضت عنها، وبصقت عليها لتقول بتقزز:
-دي أخر مرة أعرف واحدة زيك!

ثم لملمت أشيائها، وطرحت حقيبتها على كتفها، وركضت مبتعدة عنها وهي تحاول الصمود لكي لا تنهار باكية..
تأوهت هدير بأنين واضح، وبدى وجهها متورماً للغاية، فتلمسته بحذر، وضاقت نظراتها وهي تتوعدها:
-وأنا هادفعك تمن ده غالي!

لم يصدق باسل أذنيه عقب تلك المكالمة..
استغرقه الأمر عدة لحظات ليستوعب أن الأخت الصغرى لرفيقه المقرب كانت تتحاذق عليه وتشاغله كأي فتاة لعوب..
كور قبضة يده بحنق، ثم ضرب بها بعنف على الحائط المجاور له..
تحرك مسعد صوبه، ونظر له متعجباً من حالة العصبية البادية عليه، وسأله بإبتسامة مرحة وهي يغمز بعينه:
-ايه، الجو مزعلك ولا ايه؟

التفت باسل برأسه نحوه، ونظر له مطولاً دون أن ينبس ببنت شفة، فقد كان في موقف حرج..
تردد في إخبار مسعد بالهوية الحقيقية للمتصل المزعج، فهو لا يضمن عواقب المسألة إن عرف أنها أخته إيناس.
لاحظ مسعد شروده، فسأله مجدداً بإهتمام وهو يتفرس ملامحه بدقة:
-ايه يا عم باسل، إنت سرحان كده في ايه؟
ضغط باسل على شفتيه بقوة، وأخذ نفساً عميقاً حبسه في صدره المشتعل بالنيران المستعرة، ولم يجبه.

انضمت سابين إليهما وتساءلت بغرابة وهي توزع نظراتها بينهما:
-في ايه؟
-في حاجة حصلت؟
قالها مسعد وهو يضع يده على كتف زميله، فانتفض الأخير من لمسته، وظهر على وجهه علامات الإنزعاج..
نفخ باسل بضجر، وأجابه بصعوبة وهو يحاول الحفاظ على نبرة صوته المنفعلة:
-مافيش
سأله مسعد بفضول وهو يحاول التحديق به:
-يعني معرفتش مين اللي قرفاك؟
جمد باسل تعابير وجهه، وأجابه بإقتضاب:
-لأ..!
ثم صمت للحظة قبل أن يكمل بتوعد خفي:.

-بس هحسابها كويس لو وصلتلها
أومأ مسعد برأسه موافقاً إياه ليضيف:
-أكيد طبعاً، أقل حاجة تجيبها تحت آآ...
لم ينتبه باسل إلى بقية حديث رفيقه فقد شرد في التفكير في الأسباب التي دفعت إيناس لإرتكاب تلك الحماقات التي أوقعتها في المحظور، واعتصر عقله لإستنتاجها، لكنه لم يجد إجابة مرضية له..
تابعت سابين ذلك الحديث بينهما دون أن تفرض نفسها وتتدخل في الحوار، وأخذت تتلمس بحرص بالغ الكدمة البارزة في وجهها..

وفجأة هتف باسل دون وعي:
-مسعد، أنا رايح مشوار وراجع تاني!
رفع مسعد حاجبه للأعلى، وتساءل مندهشاً من تصرف رفيقه الغريب:
-مشوار، ازاي؟ ومن غير تصريح؟
أجابه بغموض دون أن يبدو على وجهه أي تعبير:
-حاجة مستعجلة كده هاشوفها
هز مسعد رأسه بحركة ثابتة وهو يتمتم بخفوت:
-أها
تساءلت سابين بإهتمام وقد لاحظت التغيير البادي عليه:
-باسل، إنت go where ( إلى أين تذهب )؟
أجابها بإختصار:
-حاجة افتكرتها، مش هتأخر!

أردف مسعد محذراً وهو يشير بيده:
-ماشي، بس خلي بالك لو اتكشف إنك مش موجود من غير آآ...
قاطعه باسل قائلاً بجدية:
-أنا هاظبط الدنيا، متقلقش!
مط مسعد فمه ليقول بجدية:
-طيب، وأنا هتابع معاك
لوح له باسل بذراعه وهو يستدير بظهره قائلاً بإيجاز:
-تمام، سلام
تابعته سابين بنظراتها إلى أن اختفى، والتفتت برأسها ناحية مسعد لتسأله برقة:
-هو ماله موسأد؟
انزعج قليلاً من اهتمامها به، وأجابها على مضض:.

-مش عارف والله، وبعدين مالناش إحنا دعوة، خلينا في الوحمة بتاعتك
وضعت أناملها عفوياً عليها، وهمست بصوت شبه متآلم:
-أوه!

سارت إيناس هائمة على وجهها تفكر في الكارثة التي حدثت معها..
لم يتوقف عقلها للحظة عن التفكير في طريقة للخروج من هذا المأزق الحرج.
فقد عجزت عن إيجاد أي مبرر مقنع ينفي عنها تلك التهمة الباطلة..
كانت تود العودة إلى منزلها، والتفكير بصورة عقلانية فيما حدث، لكنها لم تستطع بسبب الدرس الخصوصي الهام الذي حان موعده.
ومع هذا جلست شاردة أثناءه لا تعي كلمة واحدة مما يقولها المعلم.

فشاغلها الأكبر، وما يخيفها أكثر، بل ما يرعبها على الإطلاق هو ردة فعل باسل تجاه ما حدث..
رسمت في عقلها عدة سيناريوهات متوقعة، وكلها كانت تنهي بجريمة قتل!
لاحظت رفيقاتها شحوبها، وعدم تركيزها، فتساءلن خلسة عما بها، فبادرت هند متساءلة بهمس:
-مالك يا نوسة؟ إنتي مش مركزة معانا من الصبح
نظرت لها من طرف عينها بنظرات خاوية، وأجابتها بإقتضاب وهي عابسة الوجه:
-مافيش!
عضت على شفتها السفلى وهي تسألها بفضول أكبر:.

-حد زعلك؟ طب انتي شوفتي هدير وآآآ...
احتقنت عيني إيناس إلى حد كبير عقب ذكر اسم من أذتها، وبدت قسماتها شبه متشجنة بفعل تأثير فعلتها النكراء، ورغم هذا كافحت بصعوبة لتحافظ على هدوئها، فهي لم تردْ إثارة أي بلبلة..
لذا ضغطت على شفتيها بقسوة، وردت عليها:
-لأ..
زادت هند من محاصرتها بالأسئلة، خاصة أن تصرفات إيناس كانت مريبة للغاية، وتساءلت بصوت خفيض:
-بس إنتي آآ..
قاطعهما صوت ذكوري صارم وهو يشير بيده:.

-ركزوا يا بنات معايا، الجزء اللي جاي مهم!
-حاضر يا مستر!
قالتها هند بإبتسامة مصطنعة، بينما استمر الوجوم ظاهراً على ملامح وجه إيناس...

في المشفى العسكري،
خرج الطبيب من غرفة الطواريء وهو عابس الوجه، ثم اتجه إلى أحد القادة المتواجدين بالممر حتى وقف قبالته، فاستطردت حديثه قائلاً بجدية:
-للأسف الفريق ضياء مر بأزمة قلبية حادة، واتحط في العناية المركزة
ارتسمت علامات الصدمة بوضوح على وجه القائد، وهتف بذهول:
-ايه؟ أزمة قلبية!
تابع الطبيب قائلاً بنفس النبرة الجادة:
-الزيارة ممنوعة عنه الفترة الحالية لحد ما تستقر الحالة.

رد عليه القائد العسكري متساءلاً بريبة:
-بس هو مكانش بيشتكي من حاجة!
أوضح الطبيب قائلاً بنبرة رسمية:
-مش عارف التفاصيل الصراحة، بس أنا ببلغ حضرتك من وقع كشفي عليه
هز القائد رأسه بتفهم وهو يقول بهدوء حذر:
-شكراً يا دكتور، واكيد لما هايفوق هانفهم اللي حصل
-أكيد
قالها الطبيب وتحرك عائداً إلى غرفة الطواريء ليتابع عمله..
شبك القائد العسكري يديه معاً، وحدث نفسه بقلق:.

-في حاجات كتير هتتأثر بمرضك يا سيادة الفريق، وأولها آآآ...
صمت ليأخذ نفساً عميقاً، ثم لفظه دفعة واحدة ليردد بعدها بتوجس:
-ربنا يستر!

في الوحدة التدريبية،
استأذنت سابين لتعود إلى سكنها لترتاح قليلاً بعد الذي تعرضت له، وكذلك لتعالج تلك الكدمة الموجعة بما معها من أدوية ملائمة، في حين توجه مسعد للصالة الرياضية ليمارس تدريباته اليومية ويحافظ على لياقته العالية..
في نفس التوقيت، وصلت أنباء إصابة الفريق ضياء بأزمة قلبية إلى الجميع، وسادت حالة من الحزن بينهم، خاصة أنه من سعى جاهداً لتأسيس هذا التشكيل القتالي المميز..

كان مسعد ممسكاً بإحدى الرافعات المعدنية حينما وصله الخبر، فإنهار على قدميه مصدوماً وملقياً إياها بعدم إهتمام وهو يردد غير مصدقٍ:
-مش ممكن، الفريق ضياء!
وضع يديه على رأسه، وضغط عليها بقوة، وحدق أمامه في الفراغ بذهول..
تساقطت حبات عرقه بغزارة من جبينه من فرط المجهود أولاً، ثم من تأثير الخبر الصادم
هز رأسه مستنكراً وهو يتابع بصدمة:
-يادي الكارثة، ازاي ده حصل؟ ده كان لسه كويس ومكلمني!

نهض عن الأرضية، وجمع متعلقاته في حقيبته الرياضية، وأكمل بجدية:
-لازم أروح أطمن عليه بنفسي! مش ممكن أعرف ومسألش
ثم ركض مسرعاً إلى الخارج وهو يلقي بحقيبته على كتفه، ولكنه تسمر في مكانه فجأة بعد أن تذكر وجود سابين معه في الوحدة، فزم فمه بإمتعاض وهو يحدث نفسه بضجر:
-طب وصابرين، هاعمل معاها ايه؟ ما هي معايا على نفس الخط، هي جاية بتوصية منه، والمفروض تعرف باللي حصل!
اتسعت حدقتيه بهلع وهو يفكر بصوت مسموع:.

-بس ممكن يمشوها بعد اللي حصل؟ ماهي جاية بأوامره، ومحدش هايقبل إنها آآ، مش ممكن! معتقدش!
ركل الأرضية الإسفلتية بقدمه وهو يكمل بضيق:
-بس لو حصل، يبقى كده المهمة بالكامل فكست! الخبيرة هاتطير ترجع بلدها، وأنا هاتسوح، والفريق ضياء يتحال على المعاش، سترك يا رب!

في منزل مسعد غراب،
اتجهت صفية نحو باب المنزل لتفتحه بعد أن سمعت دقاته عليه، قطبت جبينها بإستغراب وهي ترى باسل أمامها، فسألته بقلق:
-باسل، خير يا بني؟ مسعد ابني جراله حاجة؟
رسم على ثغره ابتسامة هادئة وهو يجيبها:
-اطمني يا طنط، هو كويس!
ارتبك قليلاً وهو يتابع بهدوء:
-ده، ده بالأمارة باعتني أطمن عليكو
زادت ابتسامتها السعيدة إتساعاً، وهتفت بإمتنان:.

-كتر خيرك يا ضنايا، مكنش في داعي تتعب نفسك، كفاية مكالمة منك!
ثم أضافت قائلة بعد أن عبست بوجهها:
-أو حتى تقول للواد ده يتصل بأمه يسأل عليها، ولا زي تملي بينسى أهله لما يروح الوحدة
دافع باسل عنه قائلاً بإبتسامة مهذبة:
-معلش، ضغوط عندنا وكده!
وضعت صفية يدها على ذراع باسل، وصاحت بنبرة دافئة:
-ربنا معاكو ويحميكو.

فرك باسل طرف ذقنه بحركة عصبية، فقد جاء هنا إلى غرض أخر غير السؤال المزيف عن أحوال العائلة، ولكن عليه أن يتقن دوره جيداً حتى لا يثير الريبة..
اختلس النظرات من حوله بحذر، وتساءل بهدوء مصطنع:
-أومال سيادة اللوا كويس؟
أومأت صفية برأسها إيجاباً وهي تجيبه بحسن نية:
-اه يا حبيبي، هو بخير
ضاقت نظراته وأصبحت أكثر حدة وهو ينتقل للسؤال الأخر، فهذا هو سبب مجيئه المفاجيء..
فتساءل بتركيز وعيناه مسلطتان عليها:.

-وآآآ، وإيناس تمام؟
هزت رأسها بخفة وهي تجيبه:
-اه، هي لسه برا!
ثم تابعت ردها وهي تشير بيدها:
-عندها درس في عمارة 45 اللي ورانا، شوية وهترجع
تحولت نظراته للقتامة، وكز على أسنانه ليقول بهدوء كان بالغ الصعوبة:
-أها، عارفها!
ثم رسم تلك الابتسامة السخيفة على ثغره وهو يكمل:
-يالا ربنا ينجحها
رفعت صفية عينيها للسماء لتقول بتنهيدة:
-يا رب يا بني! البت دي بتتعب أوي
رد عليها بتهكم:
-أه، واضح!

تجمدت تعابير وجهه، وأضاف بصوت آجش:
-طيب يا طنط، أنا هستأذن
رفعت حاجبها للأعلى مستغربة من ذهابه المفاجيء، واستنكرت قائلة:
-الله! هو انت لحقت يا باسل؟!
رد عليها بصوت فاتر:
-معلش، يدوب ألحق أخلص كام حاجة كده وأرجع الوحدة!
هزت رأسها متفهمة وهي تقول بخفوت:
-طيب يا حبيبي، خلي بالك من نفسك
أولاها ظهره وهو يرد بجدية:
-إن شاء الله، سلامو عليكم
-وعليكم السلام!

قالتها صفية وهي تودعه، ثم مصمصت شفتيها لتتمتم مع نفسها بتنهيدة إرتياح:
-فيه الخير والله!
هبط باسل عن الدرج بخطوات أقرب إلى الركض، ثم استقل سيارته التي صفها أمام مدخل بناية رفيقه، واتجه بها إلى الطريق الجانبي حيث العقار الأخر لينتظر إيناس هناك...

فهو لن يمرر ما حدث منها مرور الكرام ودون محاسبة، ولن يهدأ حتى يفهم سبب جموحها الغير عقلاني معه، فليس معنى إختياره لعدم أخبار رفيقه بما فعلته أخته الصغرى ألا يتهاون في حقه
ترقب خروجها من مدخل البناية بنظرات متوعدة وهو جالس في مقعده بالسيارة..
وما إن لمحها تلج للخارج، حتى تحولت تعابير وجهه للشراسة، ونظراته إلى الإظلام، و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة