قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع عشر

الإفتقار والحنين، أحيانًا يجعلان من الإنسان شخصًا أعمى.
أصرّ يزيد إصرارًا شديدًا أن يُرافق يونس في اللحاق ب عيسى، بعدما علم بما أصابهُ من نائبة. ف عيسى ليس شخصًا عاديًا بالنسبة لهم، بل إنه رسم بنفسهِ المكانة العُليا التي تليق به، وأثبت جدارتهِ واستحقاقهِ لذلك بفترة وجيزة.

كان يزيد يُصارع السيارات اللاتي تسيرن أمامهِ متجاوزًا أغلبها بسرعات فائقة، وبدون الإكتراث ب أي اعتبار آخر، حتى إنه تعرضّ للسبّ أكثر من مرة نتيجة تهورهِ.
أغلق يونس نصف زجاج النافذة، ل يتفادى ارتطام الهواء البارد ب صفحة وجههِ، وصاح فيهِ: - يابني آدم إحنا بالشكل ده هنحصل عيسى مش هنلحقه!
كان يزيد على قدر عالٍ من البرود وهو يردف ب: - لو مسوقتش كده الغجر اللي سايقين وراك هيحطوا علينا.

انحدر يمينًا لكي يتجاوز السيارة الرمادية التي تسير أمامهُ؛ ولكنها انحدرت هي الأخرى في اتجاهه. اضطر أن يعود إدراجهِ ويحاول تجاوزها من اليسار، ولكنها تحركت معه مرة أخرى. ف نفخ يزيد ب انزعاج وقد انتزع قناع الهدوء ذاك، وضغط على الإضاءة عدة مرات ل لفت انتباهه، ثم أطلّ برأسه من النافذة وهو يصيح: - ما تنجز ياعم ياتيجي يمين ياشمال!
نظر يونس من المرآة الجانبية و: - تعالى كده شوية!

ف انفعل يزيد وهو يقول: - مزنق عليا ابن ال ×××××
وأخيرًا استطاع تجاوز السيارة، فلم يهدأ إلا بعدما صاح أثناء مرورهِ بمحاذاة السيارة: - دي تلاقي أمك اللي جيباهالك!
ف عنفهُ يونس على أسلوبهِ الوضيع في التعامل أثناء القيادة و: - إيه اللي دخل أمه في الكلام؟!، يايزيد خلينا لاميّن نفسنا!

ف استهجن يزيد أخلاقهِ المثالية في مثل تلك الأمور و: - ياعم بلاش الأدب ده هتودينا في داهيه، دي واحدة ست اللي سايقة، يعني لو استنيتها كان زمان المحشي استوى وهي لسه بتفكر تعدي إزاي! دول آخرهم يقعدوا قدام التليفزيون ويدخلوا المطبخ، واحدة زي دي بتعمل إيه السعادي في الشارع وفي طريق سفر زي ده! مرقعة فاضية.

ف اشتعلت رأس يونس، متأثرًا بحديث شقيقهِ السلبي، ولم يتحمل صبرًا أكثر من ذلك: - أقف، أقف على جمب أنا اللي هسوق
ف أبطأ يزيد من سرعتهِ وهو يسير نحو الرصيف بالناحية اليُمنى حتى توقف، وترجل كل منهم عن مكانهِ ليتم تبديل الأدوار، حينئذٍ مرت سيارة الفتاة التي كان يُسابقها يزيد في منتصف الطريق، فتحت زجاج السيارة وردّت له إهانتهُ، حيث قذفت إسطوانة مشروب غازي فارغة على السيارة وهي تصرخ بهِ: - ياهمجي!

انفجر يونس ضاحكًا، بعدما تلقّى يزيد ردًا شرسًا منها على مبادرتهِ ب إهانتها والسخرية منها. لم يستطع يونس كبح ضحكاتهِ الهيسيرية التي سيطرت عليه، حتى اغرورقت عيناه بالدموع. في حين كان يزيد متسمرًا بمكانهِ، تذكر نعت نغم له بنفس الصفة في صبيحة اليوم، ولكن ما أزعجهُ أكثر هو تمادي يونس في الضحك حتى بعدما استقر بمقعد القيادة.

وما أن ضبط انفعالاتهِ وتوقف عن الضحك، نظر ل شقيقهِ وداعبهُ قائلًا: - ما خلاص يايزيد، هتفضل واقف عندك كتير ولا إيه! مكنتش كلمة دي اللي هتهزك
جلس يزيد بجانبه وسأل قبل أي شئ: - هو انا همجي فعلًا؟
بدأ يونس ب قيادة السيارة حينما كان يُجيبه: - أحيانًا
واختتم كلمتهِ ب الضحك، ف تنغض جبين يزيد ممتعضًا وهو يشير للطريق قائلًا ب سخرية: - يلا يايونس سوق وأخلص، أنا متفائل بيك، هنوصل بعد 3 ساعات ان شاء الله!

وبتر الحديث، أو الأحرى إنه اعتكف عنه. ظل محتفظًا بصمتهِ وب سمات وجههِ المُكفهر حتى يصل يونس للمشفى، بينما في الحقيقة عقلهِ قد سافر للبعيد، حيث نغم التي تركها هناك بدون أن يمرّ إليها. انشغل بالهِ بها كثيرًا، وتسائل تُرى كيف حالها الآن.
لم يتركهُ لحظة، وكأنهُ يُعوض حرمان السنوات الماضية، شوقهِ وحنينهِ ل طفلهِ لا توصف ب بضع كلمات، حتى هو لا يدرك الحالة التي دخل فيها منذ أن أصبح مازن في أحضانهِ.

تشبثت عيسى به رافضًا تركهِ بأي شكل، حيث كان مُمددًا بجوارهِ على الفراش في المشفى، أثناء التهاء الأطباء بوضع ذراعهِ اليُسرى في الجبس. يضمه إليه ب عاطفة جياشة، والصغير مُستسلم لوالدهِ استسلامًا عفويًا، نتج من فرط حنينهِ له واشتياقهِ الجارف الذي ضاعفتهُ السنون.
انتهى الطبيب من وضع ذراعهِ في الجبس وابتعد عنه قليلًا وهو يردف: - دلوقتي تقدر تقوم.

ف تسائل عيسى ب اهتمام: - هو الأستاذ اللي اتنقل معايا في الإسعاف وضعه إيه!
ف ذمّ الطبيب شفتيهِ بأسفٍ وهو يفسر الوضع الحرج: - للأسف وضعه صعب وهيدخل عمليات بعد وصول حد من أهله، أنت ربنا كتبلك عمر جديد
ف تنهد عيسى وهو يضم مازن لصدرهِ أكثر وأكثر و: - الحمد لله رب العالمين.

ومرت بمخيلتهِ لمحات قاسية مرّ بها منذ قليل، كان على شفى حُفرةٍ من الموت، كأنهُ رأى عزرائيل بنفسهِ وبهيبتهِ يُرفرف أعلى رأسهِ ليقبض روحهِ. نجا بمعجزةٍ لا يستوعب عقلهِ حتى الآن كيف حدثت، لولا ذلك الشاب الذي كان يقود الدراجة النارية؛ ل أصبح عيسى الآن في خبر كان.
~عودة بالوقت للسابق~.

كان عيسى يركض گالأعمى، لا يرى سوى طفلهِ الذي تفصل بينهما عدة أمتار، بعد بحث طويل وممل لسنواتٍ عِجاف، ها هو أمام ناظريهِ حيًا، حقيقة ملموسة وليست تهيؤات يتخيلها.

لم يرى تلك الشاحنة الضخمة التي يُقبل ناحيتها، ولولا وجود ذلك الشاب صاحب الدراجة ل كان عيسى ميتًا الآن، حيث صدمهُ صاحب الدراجة متعمدًا وكأنه يُبعد به من أمام الشاحنة، بحركة مُباغتة جعلت سائق الدراجة ينقلب رأسًا على عقب فورها وتطاير جسدهِ في الهواء، في حادث جعل أغلب المارّين بسياراتهم يتوقفون، في حين كان عيسى قد سقط على ظهرهِ مرتطمًا بالأرضية الصلبة. كل شئ حدث في غفلة من الزمن، وفي لحظاتٍ عسيرة لم يُدرك أيًا من الجميع كيف مرت، والآن هو هنا، في المشفى.

~عودة للوقت الحالي~
أفاق عيسى من غفوتهِ الشعورية على صوت يونس المتلهف، الذي حضر في زمن قياسي للإطمئنان عليه.
رفع عيسى بصرهِ المشوش صوب يونس الذي اقترب منه متسائلًا: - عيسى! طمني عليك الدكتور بيقول إنك بخير؟
وتفحصهُ بنظراتٍ سريعة وهو يتابع: - أنا مفهمتش حاجه منك في التليفون؟
اغرورقت عينا عيسى وأشار بنظراتهِ نحو الصغير الذي مازال محاوطًا إياه ب ذراعهِ قائلًا بنبرة غلبها الحنين: - إبني، مازن.

انتقلت نظرات يونس على الفور إلى الصغير، هو يعرفه جيدًا، تحدث عنه عيسى مُسبقًا عدة مرات. حتى إن يونس حاول ب وساطة معارفهِ الوصول إليه ومعرفة مكانه من أجل والده، ولكنه لم يجد له أثرًا.
بدأ يونس يفهم شيئًا ف شيئًا وأومأ برأسهِ متفهمًا الوضع: - طب وصلتله إزاي؟
أطبق عيسى جفونهِ بقوة، وطبع قُبلة أبوية حانية على رأس مازن وهو يقول: - صدفة، شوفت إبني صدفة ياباشا.

ثم انتقلت أنظار يونس نحو شقيقه الذي كان يتابع الوضع مذهولًا مما يراه، وأردف ب: - معلش يا يزيد ممكن تاخد مازن وتستنى برا دقيقتين
- آه طبعًا
بسط يزيد يديهِ نحو الصغير مبتسمًا بلطف و: - تعالى ياحبيبي
تمسك مازن بوالدهِ ودفن وجهه في صدرهِ قائلًا ب صوتٍ معترض: - مش هسيب بابا، بابا متسيبنيش تاني زي ما سبتني زمان.

ف انقهر عيسى من المعنى المُجحف الذي تحملهُ كلمات الصغير العفوية، وشدد ذراعهِ عليه وهو يُعاهده ب ألا يُحدث ذلك: - مش هسيبك ياحبيبي، ده انا ما صدقت لقيتك يامازن
انحنى يونس على الصغير، مسح على رأسهِ برفقٍ وتحدث ب صوتٍ رخو: - مازن، بابا عمره ما سابك، دي كانت ظروف وخلاص راحت لحالها. أنا بس عايز أقوله كلمتين في الشغل، ممكن تسمحلنا بدقيقتين بس؟

وزع مازن نظراتهِ بين ثلاثتهم، ثم نهض من مكانهِ وسار ب اتجاه يزيد الذي صاحبهُ للخارج وهو يقول: - تعالى يابطل
خرج مازن من الغرفة، ف وقف عيسى عن جلسته وقد فاضت الدموع من عيناه، غير قادرًا على التحكم فيها: - إبني فاكر إني سيبته، ميعرفش إن أمه خدته من حضني واختفت بيه بعيد عني.

ف تعاطف يونس مع حالهِ المُزري وحاول جاهدًا أن يجعلهُ يهدأ قليلًا: - أهدى ياعيسى متسيبش نفسك كده، هنوصل لحل في الموضوع ده بس خلينا نبعد الولد عن أي مشاحنات بينك وبين أمه
ثم تسائل بعدما تذكر أمرها: - هي أمه فين؟
ف مسح عيسى على وجهه، وقد بدأ يستعيد حالتهِ الصارمة وصوتهِ الأجش: - معرفش، أنت لازم تساعدني ياباشا.

ف لم يتردد يونس لحظة واحدة عن مدّ يد العون له، بل عرض عليه المزيد: - اللي عايزه ياعيسى هعملهولك، قولي بس واعتبره حصل
ف تجلّى الغضب في عيناه الواسعة، والتي تشبهّت ب عيون طير جارح تم طعنهِ غدرًا: - مش هسيب أمه تاخده مني مهما كلفني التمن، لو حياتي، ساعدني ياباشا آخد حضانته منها، وانا هكون مديون ليك طول عمري.

نظر يونس ل ذراعهِ المُصاب أولًا، ثم جاراهُ في رغبتهِ التي طغت عليه و: - خلينا نطمن عليك وبعدها هنعمل كل اللازم، مهما حصل إبنك مش هيفارق حضنك مرة تانية، ده حقك زي ما هو حقها
ف ظهرت بوادر انفعال من عيسى الذي فقد سيطرتهِ على نفسهِ وتجاهل أي شئٍ آخر سوى رغبتهِ المُتشددة والمُصرّة في ضمّ طفلهِ إليه: - مبقاش حقها خلاص، طالما حرمتني منه 3 سنين بحالهم. يبقى هتعيش باقي حياتها تتمنى بس تشوف ضفره.

- طب أهدا دلوقتي، إبنك برا ومستني يدخلك تاني، مينفعش يدخل يشوفك بالشكل ده
ثم تحرك يونس نحو الباب و: - أنا هخرج أخليه يدخلك وأشوف الدكتور يسمحلك بالخروج ولا لأ.

جلس عيسى على طرف الفراش، مستجمعًا بعضًا من ثباتهِ الذي تبدد مع أول إنفعال له، ومنّى نفسهِ ب أيامٍ كُثر معه، س يتلافى فيها كل أخطاء الماضي التي ارتكبها دون وعيٍ، حينما انشغل ب عملهِ ووضع فيه كُل طاقتهِ، مُنتسيًا أن هناك من يحتاج له أكثر من أي شئ آخر في هذه الحياة. س يُكرسّ حياتهِ ل صغيرهِ أولًا، ويليهِ أي شئ آخر، طالما إنه وجدهُ بعد فقدٍ، ف لن يسمح لأي ظرف ب تفريقهِ عنه مجددًا.

فكرة عدم الرد على هاتفها تستحضر فورًا في رأسهِ وجود شئ مُريب يُخيفهُ، عدة أفكار سلبية تخطر على ذهنهِ وتتشعب في مراكزهِ الشعورية مُسببة قلقٍ وتخوّف. انتقل يونس لمحاولة الإتصال ب كاريمان بدلًا من ملك علها تُجيب وتُطمئنه على أوضاعهم، حتى آتاه صوتها الطبيعي للغاية و: - أيوة يايونس، طمني ياحبيبي عيسى عامل إيه دلوقتي؟
ف تنفس يونس وهو يُجيبها ب اقتضاب: - كويس يانينة، هي فين ملك مش بترد على تليفونها؟

- تقريبًا عند نغم فوق وسايبه تليفونها هنا ولا هنا
ف تنهد يونس ب ارتياحٍ، ونظر حيال يزيد كأنهُ يُخبره: - طب كويس، يزيد هيروحلكم عشان يكون معاكم وانا هفضل هنا مع عيسى
ف أومأ يزيد رأسهِ بتفهم، بينما كانت كاريمان تردف ب: - ماشي ياحبيبي، خلي بالك من نفسك
- حاضر، سلام
أنهى مكالمتهِ، ف بادر يزيد قائلًا: - أنا هاخد العربية أرجع بيها، أنت بقى هتعمل إيه؟

نظر يونس في ساعة يدهِ ليجدها تجاوزت الحادية عشر مساءًا و: - هتصرف، هاخد تاكسي أو أوبر مؤقتًا وبعدين هبقى آخد أي عربية من بتوعنا اتحرك بيها.

لمح يونس تلك السيدة الثلاثينية التي كانت تقترب منهم، ف صبّ تركيزهِ معها لتتبين له ملامحها أكثر كلما اقتربت، إنها سهر. زوجة عيسى الذي بحث عنها يمينًا ويسارًا ولم يجدها. تجهم وجهه وأشار ل يزيد كي يذهب: - يلا اتكل انت على الله، مرات عيسى جاية علينا وعايز اكلم معاها كلمتين.

ف لم يلتفت عيسى إليها حتى، أخذ مفتاح السيارة وتحرك لمغادرة القاهرة. لحظات وكانت سهر تقف قبالتهِ، وبصوتٍ عذب رزين أردفت: - مساء الخير ياأستاذ يونس
- مساء الخير
أجابها على مضض لاحظتهُ بسهولة، ف أسبلت جفونها بحرج و: - هو مازن لسه جوا؟

ف لم يجب يونس على سؤالها، وراح يفيض بما يكتمهِ داخله ب صراحة ووضوح: - عيسى هيرفع عليكي قضية ويطالب ب ضمّ الولد، والحقيقة إني مش هتأخر أبدًا في مساندته وانتي عارفه ده معناه إيه
اضطربت سهر وتجلّى القلق والتوتر على وجهها، شحب فجأة مع سماع تصريحهِ، بينما تابع يونس: - معناه إن القضية في جيبي، أكيد فاهمه ده.

ف أجفلت سهر جفنيها وفركت أصابع يدها سويًا وهي تقول: - مازن لسه عنده 10 سنين وحضانته من حقي أنا في حال إننا اطلقنا، لكن أنا لسه على ذمته وده إبني قبل ما يكون إبنه.

ف نفى يونس اعتقادها الخاطئ، والذي شجعها أكثر على فعلتها النكراء في حق عيسى ب حرمانهِ من طفلهِ: - تؤ تؤ تؤ، مش من حقك قبله ولا حاجه، هو من حقكم أنتوا الإتنين مع بعض. انتي عارفه عملتي إيه؟ بدل ما مازن يعرف إنك انتي اللي حرمتيه من حضن أبوه، الولد فاكر إن أبوه هو اللي سابه واتخلى عنه.

تنهدت سهر وهي تبرر موقفها: - أنا كنت بحمي إبني، أنت أكتر واحد عارف عيسى كان شغال إيه وفين ومدى حساسية منصبة، عيسى كان هيموت بدل المرة عشرة، رجعلي مرة متصاب في دراعه ومره في جنبه، وفي مرة كان بين الحيا والموت. لدرجة إن في ناس حاولوا يقلبوا بينا العربية وأنا ومازن معاه، عيسى كان لازم يختار بين عيلته وبين شغله وكان دايمًا بيختار شغله.

ف لم يقتنع يونس ب أحقيّة مبررها ل فعل ما فعلتهُ و: - لو كل ظابط مراته فكرت زيك مش هنلاقي ظباط متجوزين وعايشين حياة طبيعية، واحد كان قوات خاصة وناجح في شغله منتظرة منه إيه ياسهر؟
ف أجابت سهر بكامل اقتناعها: - يهتم بينا، يهتم ب إبنه وبيا، عيسى كان ناسي إن إبنه بيروح مدرسة، متخيل!
- عندك حق، لكن مكنش من حقك تاخديه وتهربي بيه ياسهر.

زفرت سهر بقنوط وقد تأكدت أن حديثها معه لن يُجدي نفعًا، وكادت تتحرك من أمامه لكي تدخل إليهم، لولا إنه استوقفها و: - مازن هيروح مع أبوه لبيته ياسهر، يستحسن متحاوليش تتواجهي مع عيسى دلوقتي، عيسى في حالة ممكن توصله إنه يخسر أي حد
هزت رأسها غير قادرة على اتخاذ خطوة گتلك و: - مقدرش أسيبه، لو سيبته هياخده مني.

ف نفخ يونس منزعجًا من تعاملهم مع الطفل وكأنهُ شئ يُمتلك و: - هو مش شنطة سفر عشان كل واحد يخاف التاني ياخدها، ده إبنه وحقه يشبع منه النهاردة، كفاية أوي إنه كان هيخسر حياتهُ لولا لطف ربنا بيه
ولانت نبرتهِ قليلًا وهو يحاول إقناعها: - أسمعي ياسهر، أمشي دلوقتي من غير ما تظهري قدامه، وأنا أوعدك هخليكوا تقعدوا تتكلموا وتوصلوا لحل عشان مصلحة مازن.

ترددت سهر كثيرًا من القدوم على خطوة گهذه، ولكن تأكيد يونس على وعدهِ لها قد جعل ل اللين مكانٍ: - أسمعي كلامي ياسهر، دخولك دلوقتي هيكبر الموضوع
تراجعت سهر خطوة للخلف، وارتاح داخلها برؤية ذلك الصدق في عيناه. ثم رضخت له في الأخير: - حاضر
تركت ملك كُرات الصوف البيضاء، وشفتيها مُزينتين ب ابتسامة عريضة قائلة: -أول حاجه هعملها من الصوف كوفية ليونس عشان داخلين على الشتا.

كانت نغم تتناول شطائر الدجاج بجانب حِساء كريمة الفِطر الشهير بنهمٍ، بعد قضاء يوم كامل بدون تناول الطعام.
ابتلعت الطعام ثم أردفت ب: - هتبقى مفاجأة جميلة أوي ليه
تفحصت ملك حالتها بنظرات خاطفة وهي ممدة على الفراش وسألتها: - خلاص متأكدة مفيش أي وجع حاسه بيه؟
تنهدت نغم وهي تلوك الطعام في فمها، ثم قالت: - شوية ألم خفيف في رجلي، بس ان شاء الله على الصبح أكون أحسن.

استمعت ملك لصوت أبواق سيارة تعبر بوابة المزرعة، ف هبّت من مكانها بحبور معتقده رجوع يونس في تلك الساعة المتأخرة، نظرت عبر النافذة لترى سيارتهِ. ف ابتهج قلبها وهي تغمغم ب: - معقولة لحق يخلص بالسرعة دي!
هنيهه، وكانت أمانيها وأحلامها تنطفئ بغتةً. حينما رأت يزيد يترجل من السيارة ويغلقها ب جهاز التحكم ويتوجه نحو باب القصر، تهدلت أكتافها ب قنوط، وأجفلت جفونها وهي تردد بهمسٍ: - يعني يونس فضل مع عيسى!

أغلقت ملك الستار وعادت من حيث أتت، تجر خيبة الأمل من خلفها، ف سألتها نغم ب اهتمام: - مالك يالوكا، وشك قلب كده ليه؟
- يونس مجاش، ده يزيد بس
بصقت نغم المياه التي بدأت حديثًا في ارتشافها، وشهقت بذهولٍ وهي تصيح: - يزيد.!
سعلت وهي ترفع صينية الطعام عن ساقيها، وصاحت فيها: - تعالي بسرعة شيلي الأكل ده، بسرعة
ف رفعت ملك الصينية عنها وتسائلت ب استغراب شديد: - في إيه يانغم جرالك إيه فجأة؟

مسحت نغم على فمها بالمنديل لتزيل أي أثر للطعام، وأردفت ب انزعاج شديد: - يزيد لو شافني باكل دلوقتي هيقول عني طفسة، شيلي الأكل ده والنبي
أوفضت ملك نحو الباب كي تُخرج الطعام من هنا فورًا، ولكنها استمعت لصوتهِ الذي اقترب من غرفة ملك التي يجلسون فيها. ف عادت راكضة وهي تهمس ب: - مش هلحق!
وسرعان ما رفعت شراشف الفراش ودست الصينية أسفله. وجلست بالقرب منها وكأن شيئًا لم يكن.

طرق يزيد على الباب، ودخل حينما سمحت له ملك بالدخول. تسلطت عيناه على نغم ليراها في حالٍ أفضل من هذا الصباح التي كانت بهِ متدهورة للغاية، ودنى منها وهو يتسائل بسخرية: - عاملة إيه ياكابتن مصر؟
ف حدجتهُ ب استخفاف و: - شايفني كنت بلعب كورة!
- لأ عيب متقوليش كده، أنتي عديتي لي?يل الوحش يانغم
وزفر متابعًا: - ياريت تكوني اتعلمتي إنك متدخليش في حاجه إنتي مش قدها.

ف أشاحت بأنظارها عنه وهي تُدينه: - ليه مش قدها؟، ما يمكن عينك هي اللي رشقت فيا طيرتني من على الحصان!
تجاهل تمامًا آخر ما قالتهُ، حتى لا ينفتح هذا الأمر في عقلهِ مجددًا ويعاود تأنيب ضميرهِ. وسألها ب اهتمام: - أكلتي حاجه؟
ف أسرعت بالإجابة بدون تفكير: - لأ.

جحظت عينا ملك التي كانت تتطلع لما يحدث ب صمت، ولكنها تداركت أمر نفسها وأسبلت جفونها كي لا ينفضح الأمر. بينما استهجن يزيد ذلك وعبس وجهه فورًا وهو يردد: - إزاي؟ دي الساعة داخله على 2 بعد نص الليل!
ف أردفت مُتصنعة الأرق: - ماليش نفس، عايزة ارتاح لحد الصبح بس عشان أقدر أسافر
لمح يزيد زجاجة المياة الموضوعة بجوارها، ف دنى منها و: - على الأقل فواكه خفيفة، متناميش كده.

التقط زجاجة المياة وسكب منها في الكوب، ثم تركها وتحركت أقدامهِ بعشوائية ليصدم طرف الصينية. تنغض جبينهِ وانحنى نحو الفراش ليستكشف ما هذا!
خفق قلب نغم وتجمدت بمكانها، بينما كتمت ملك فمها لتمنع صوت ضحكتها بعد المأزق الذي وقعت فيه صديقتها بكذبتها. لحظة واحدة وس يكتشف كذبتها، كيف سيكون ردّ فعله؟ هل سيغضب ل كذبها أم سيسخر منها بدون أن يُفوّت تلك الفرصة؟

انتصب يزيد في وقفتهِ حاملًا صينية الطعام، وارتكزت أنظارهِ المصدومة عليها وهو يسأل ب ذهول: - إيه ده.!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة