قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثلاثون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثلاثون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثلاثون

في كل مرة، يسقط قلبي صريع حُبك وكأنها أول مرة.
طيلة طريق العودة بها، كان عقلهِ گالترس لا يهدأ، يفكر فيما حدث، وما سيحدث بعد الآن. إن كانت حياتها قد تعرضت للخطر تلك المرة بسببهِ، فلن يسمح بتكرار ذلك مرة أخرى. لا يعلم ماهية هذا الشعور، هل خوف من مهاجمة مشاعر الذنب تجاهها من جديد، أم هناك دواعي أخرى وراء ذلك.

أوقف يزيد سيارتهِ على الطرف اليميني، والتفتت رأسه لينظر إليها، كانت قد غفت رغمًا عنها، بعد مجهود مرهق طوال اليوم، وانتهاءهِ بحادث كاد يفقدها حياتها. أطال التحديق فيها، ليلمح بوضوح ذلك الخدش الحديث على رقبتها، أبعد ناظريهِ وهو يصرّ على أسنانهِ مختنقًا، وترجل عن سيارتهِ بإنفعال، يراوده مشهد إيجادها بتلك الوضعية المخيفة في سيارتهِ. أخرج سيجارة أشعلها ليحرق تبغها جوفهِ، ولم تتخلى عيناه عن النظر الطويل لها. كالحمل في نومتها، وديعة للغاية، لا يصدق أن تلك هي متعنتة الرأس التي يشاكسها من حينٍ لآخر. تنهد وهو يخفض عيناه عنها، وتمتم مضجرًا: - كل حاجه وليها نهاية يامعتصم، ربنا يعطرني بس فيك وأنا هخلي نهايتك زي ما بيقول الكتاب بالظبط.

انفتح باب السيارة وهبطت منها نغم، انتبه لها، فألقى بصبابة سيجارتهِ مسرعًا، ومضى نحوها قائلًا: - إيه اللي نزلك؟
نظرت حولها تستكشف المكان الذي جلبها إليه، حيث أطل على النيل مباشرة وفي أحد الشوارع النائية، ثم عادت تنظر نحوه قائلة بصوتٍ متحشرج: - إحنا وقفنا هنا ليه؟
فأعاد علبة سجائره لداخل معطفه مبررًا: - كنت محتاج أدخن، يلا أركبي.
واستبق خطوتها، فتح الباب لها بنفسهِ وأشار: - تعالي.

بعينانٍ تبينت فيهما آثار الإجهاد، رمقتهُ بتلك النظرة التي يعرفها جيدًا، نظرة عاشقة لا تنبع سوى من الأعماق، وانبعجت شفتيها وهي تقبل نحوه متمنية بقولها: - ياريتني كنت اتخطفت من زمان، عشان أشوف كل اللطف ده.

لم تطل النظر لعيناه التي تزيد من ربكتها، وتبدد بسحرها الخفيّ حصون شيدتها لمواجهة قلبها المسكون بغرامهِ. تعرجت قليلًا وهي تخطو نحوه، ثم جلست في مكانها ليغلق الباب عليها، طافت ابتسامة كبحها بصعوبة على محياه، حتى أصبح جالسًا خلف المقود بجوارها. تنهد محاولًا إيجاد المدخل المناسب لما سيتحدث عنه، فبادرت هي تزيل عنه عبئ التفكير: - عايز تقول إيه؟

ف أفضى بما يحويهِ صدرهِ دفعة واحدة: - هتعيشي معانا لفترة، يعني تخلي بالك من ملك في فترة النقاهه بتاعتها. انتي عارفه عمليتها كانت صعبة إزاي.
لم تقتنع بمبرراتهِ في فرضهِ عليها بالمكوث لديهم، وقالتها بوضوح: - عشان ملك ولا عشان تحميني؟!، ماانا بقيت مهددة زي زيكم، مش كده؟

أحس وكأنما تلومه على ما تعايشه من أحداث درامية مرعبة، ليس لها أي شأن فيها. أشاح بوجهه بعيدًا غير قادرًا على مواجهتها، وقال إنذاك: - المعنى اللي تحبيه يانغم، اللي يهمني إنك مش هتفضلي في شقتك لوحدك لحد ما آلاقي ال ×××× ده.
ضحكت مستخفة بالأوضاع الراهنة وقالت: - مش محتاجة حماية، واللي حصل مش هيتكرر تاني.

ثم نظرت صوبه لترى تعابير الغضب منها في عيناه، وتابعت تذكر نفسها بحقيقة وضعها المُرة: - أذيتي مش هتفيده، أنا ولا حاجه بالنسبالك يايزيد.
كأنها أزعجته قليلًا، بل أزعجته بشكلٍ مفرط، ليضطر الرد عليها بحزمٍ، قطع أدنى محاولاتها للخلاص من قرارهِ الحتمي: - حتى لو اعتبرتيها كده، أنا قولتها في المستشفى وهقولها تاني، مش هتبعدي من قدام عيني يانغم، وده اللي هيتنفذ.
بدا صوتها منفعل شيئًا ما وهي تسأل: - غصب عني؟

فلم يتزعزع عن موقفه وأزمع عليه بقوة: - آه غصب، الكلام خلص.
وعلى الفور كان يدير السيارة، لكي يستأنف طريقهِ إلى منزلها، كي تضبّ ما ستحتاجه من أغراض ستحتاجها أثناء مكوثها الإجباري في مسكنهم، دون أن يولي اهتمامًا لرأيها بشأن هذا الأمر.

احتوت باقة زهورها البيضاء بين أحضانها، وعيناها مرتكزة على نقطةٍ ما بالفراغ. تشعر إنه كان هنا، كان قريبًا منها لا تفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة، لكنها لم تكن مستفيقة. إنها الثانية على التوالي التي يأتي بها دون أن تراه وتحس وجودهِ، وهذا جعلها تتشكك في الأمر، وتخللها شعور بالريبة. انفتح الباب ببطء وأشرأبت منه كاريمان برأسها لتجدها مستيقظة، فولجت إليها متسائلة: - صحيتي أمتى ياملاك؟

فأجابت ببعض الفتور المتمكن من صوتها: - مش شويه بس.
انتبهت كاريمان لتلك الباقة التي بين ذراعيها، ف ابتسمت قائلة: - يونس ده من شويه عشان يطمن عليكي، لما لقاكي نايمة مهانش عليه يصحيكي.
تلك المرة لم تصدق، ولم تكتم ذلك بصدرها ككل مرة، بل باحت بشكوكها حول الأمر: - عارفه، حسيت بيه. نينة أنتوا مخبيين عني حاجه؟
بزغت ربكة كاريمان على الفور، وفشلت في التغطية على ذلك: - لأ خالص، ليه بتقولي كده؟

تعلقت نظرات ملك الدقيقة على تعابير الجدة التي توترت، وأردفت بنبرة متشككة: - عشان يونس مستحيل يسيبني هنا لوحدي كل ده، إلا لو في حاجه قوية منعته.
وتحولت نبرتها للإستجداء قائلة: - قوليلي الحقيقة يانينة بالله عليكي، يونس حصل معاه حاجه وانتوا مخبيين عني؟
أسبلت كاريمان جفونها، وهي تهزّ رأسها بالسلب: - حببتي مفيش حاجه، هي بس بتكون صدفة. لما بييجي بتكوني نايمة.

زفرت ملك قانطة، بعدما فشلت محاولاتها في التوصل لجذور الحقيقة، فأجبرت حالها على السهو مؤقتًا، حتى تجد الفرصة سانحة لإكتشاف الحقيقة بنفسها. تشبثت بباقة ورودها أكثر، الشئ الذي تركه لها كي يعوض غيابهِ الغير مبرر، مسحت بأطراف أصابعها على البطاقة التي حملت عِطره، ثم اشتمت رائحة يدها، قبيل أن تهمس لنفسها: - إيه اللي خلاك تغيب عني كل ده يايونس؟

كأن قلبها يُحدثها بوقوع أمرٍ، لكن الجميع تكاتف ألا تعرفه، ما أكد لها شكوكها، لمحات مرت بذهنها، عندما أراد يزيد أن يبلغها بأمرٍ ما وهي في حالة غير مدركة، ولكن نغم منعتهُ گعادتها، إذًا عليها ب يزيد، الوحيد الذي لن يخفي عنها الحقيقة، مهما كانت قسوتها.

نظر مليًا، للعكاز الطبي الذي وضعته الممرضة على يسارهِ بناء على طلب منه. ثم تدلت ساقيهِ على الأرض محاولًا بذلك النهوض عن الفراش، واستند على عكازهِ لئلا يترك ثقلًا على ظهرهِ وبالتالي يُثقل الوزن على جانبهِ الذي فرغ من كليتهِ. تنفس بعمقٍ لصدرهِ، وبدأ يخطو رويدًا رويدًا نحو النافذة، وقف هنيهه، يستقبل هواء الليل الدامس في صدرهِ لينعشهُ، ثم عاد إدراجهِ، يسير يمينًا ويسارًا، كتدريب لساقيه على الحركة، حتى يستطع بذلك التصديق على قرارهِ، بمغادرة المشفى.

تناول الهاتف كي يتواصل مع شقيقهِ، وعندما وضعه على أذنهِ منتظرًا الرد، تفاجأ به يدخل عليه الغرفة قائلًا: - أديني جيت بنفسي أهو.
أغلق يونس المكالمة وسأل: - نغم فين دلوقتي؟
- عند ملك بتطمن عليها.
ثم رافقه حتى الفراش كي يُجلسه و: - أنت واقف كده ليه؟
جلس يونس قائلًا بلهجة قاطعة: - لازم أقف عشان أخرج من هنا.
تطلع إليه متفرسًا، وتسائل بفضول: - سيبك مني وقولي هتعمل إيه بعد اللي حصل؟

مسح يزيد بكلتا يديهِ على شعرهِ، وتنهد قائلًا: - نغم هتقعد مع ملك ونينة الفترة الجاية، لحد ما نعرف نمسك معتصم.
ربت يونس على فخذ شقيقهِ، وأكد له بلهجة واثقة: - هانت أوي يايزيد، الأخبار حلوة.
تحفز يزيد لمعرفة تلك الأخبار التي أشار إليها يونس، وبدأ ذلك في قسمات وجهه المتلهفة: - إيه هي الأخبار؟

فلم يخبره فورًا، وفضّل أن ينتهي الأمر أولًا كما يحب: - هتعرف متقلقش، بس كل حاجه ليها وقتها. قريب أوي ولا هيبقى في غالية، ولا هيكون ورانا معتصم.
واشتدت نبرتهِ حزمًا وهو يتابع متوعدًا: - كل واحد هياخد النهاية اللي يستحقها.

ليل طويل ممل، مرّ بصعوبة شديدة، حتى تمكنت من رؤية خيوط الشروق، تخترق بدفئها غرفتها بالمشفى. ترقبت ملك حضورهِ، بعدما طلبت رؤيته شخصيًا وعلى وجه التحديد، هو المفتاح الوحيد والأصدق، الذي سيفتح لها باب الغموض الذي تعيشهُ منذ ليالٍ طوال، حتى إن كان الواقع مجحفًا، هو الوحيد الذي لن يشفق عليها وهو يؤتيها الخبر اليقين حول يونس. نظرت ملك لشاشة هاتفها الذي أحضرتهُ إليها خديجة هذا الصباح، وارتكزت أبصارها على رقم الهاتف خاصتهِ تفكر بترددٍ، هل تحاول التواصل معه أم تنتظر أكثر؟ ازدردت ملك ريقها متحسسة موضع ألمها الذي لم يسكن، ووضعت الهاتف على أذنها تنتظر ردهِ، لم تمر لحظات حتى آتاها صوتهِ الرنان، باديًا فيه لوعتهِ وشوقهِ لسماع صوتها: - ملك! أنتي جيبتي تليفونك منين؟

فأجابتهُ بنفس النبرة المتلهفة المشتاقة: - خليت ديچا تجيبه من البيت، أنت فين يايونس؟
كان ثابتًا، لم يسمح حتى لصوتهِ بالإرتباك وهو يجيبها، كي يكون مقنعًا لها: - جمبك ياحببتي، سامحيني مش عارف أكون معاكي، بس تأكدي إني أقرب لك مما تتخيلي.
فسألتهُ بإلحاح: - وهتيجي أمتى؟ نينة بتقول إنك جيت وأنا نايمة، عايزة أشوفك يايونس.
- حاضر، أوعدك هنشوف بعض قريب أوي أوي.

أنفتح الباب ليظهر رئيس الأطباء من خلفهِ، ف أشار له يونس كي لا يتفوه بكلمة واحدة، واختتم حديثهِ معها بنفس اللحظة: - أديني 5 دقايق وهرجع أكلمك، ماشي؟
رضخت لرغبتهِ دون أن تكلفه عناء الإلحاح، بل إنها بذلك فاجئتهُ وأثارت ريبته: - ماشي، سلام.
وأغلقت على الفور. نظر يونس بإسترابة للهاتف قبل أن يتركه، وأحس بتشككها في أمره. رفع بصره حيال الطبيب، وسأله مختنقًا: - أنا هخرج أمتى؟

فأجاب رئيس الأطباء برسمية جادة: - أستاذ يونس إنت لحد دلوقتي حرارتك مش منتظمة، أتمنى تكون مدرك لخطورة الجراحة اللي خضعت ليها وآثارها اللي ظهرت عليك، دي مكنتش غرزتين في صباعك!
تأفف يونس متذمرًا: - أنا ماليش في القعدة دي، لازم أخرج.
وضع الطبيب المساعد مقياس الحرارة في فمه للحظات، ثم أخرجه ودقق فيه قبل أن يهتف ب: - الحرارة 39.

فأشار رئيس الأطباء نحو المقياس و: - أهو ده اللي بتكلم عنه، حتى حرارة الجسم مش عارفين نسيطر عليها لحد دلوقتي.
ثم وجه حديثه لمساعدهِ: - خلينا نحقنهُ بخافض حرارة دلوقتي.
- ممكن تهدي؟ صدقيني هتحسي بمفعول المسكن كمان دقايق.
قالتها الممرضة ل ملك، حيث تغلب عليها الألم من جديد، واستيقظت مشاعر الألم لتهاجم جسدها من جديد بضراوةٍ. نزحت ملك تلك العبرة الواهية، وأردفت بصوت خافت: - ياريت أرتاح شويه.

طرقت نغم على بابها قبيل أن تدلف، وابتسامتها العريضة لا تفارق محياها وهي تقول: - صباح الخير ياكوكي، عامله إيه النهاردة؟
أومأت برأسها تجيب: - كويسة.
نظرت خلفها، حيث دلف يزيد من وراءها، ونظر نحوها قائلًا: - صباح الخير ياملك، إن شاء الله تكوني أحسن؟
- أحسن.
خرجت الممرضة وأغلقت الباب من خلفها، بينما كانت ملك توجه حديثها ل نغم قائلة: - ممكن تجيبيلي أي حاجه أشربها يانغم؟

تركت نغم حقيبتها، وهمّت للخروج: - حاضر.
أشار لها يزيد بأن تتوقف، وقرر أن يقوم هو بذلك نيابة عنها: - خليكي معاها وأنا هجيب.
فتدخلت ملك قائلة: - أنا عايزاك يايزيد.
وزعت نغم نظراتها القلقة بينهم، وجال بخاطرها إحتمال وحيد، بينما أحس يزيد بنفس الشعور، وتوجس بتخوف من أن تسأله عما يخشاه: - قولي ياملك، نغم مش غريبة! دي أقرب واحدة ليكي.

فبررت ملك رغبتها بخروج نغم قائلة: - وعشان هي أقرب واحدة ليا منعتك تقولي الحقيقة اللي جيت تقولهالي من كام يوم.
لم تنتظر أكثر، وألقت بسؤالها فورًا: - يونس فين يا يزيد؟ إيه اللي حصله وانتوا مخليين عني؟
ارتبكت نغم، وحاولت التدخل لئلا يُفسد يزيد الأمر بإعترافهِ الوشيك: - مفيش أي حاجه ياحببتي، صدقيني هو بخير.

تجاهلت ملك جواب رفيقتها، ومازالت عيناها الدقيقة تنظر لعينا يزيد، التي بدت وكأنها تخبرها بكل الحقيقة كاملة، وأعادت سؤاله: - قول يا يزيد، إنت الوحيد اللي هتقولي هو فين، ولما جيتلي ونغم منعتك عني كنت عايز تقول إيه.؟
تحركت من فراشها بغتة، فأصابتها بوادر ألم مبرح، تآوهت وهي تضع يدها على جانبها من الخلف، فأوفضت نغم نحوها قائلة: - ملك بلاش الحركة المفاجئة دي.

لم تكترث كثيرًا، وسألت بصوتٍ استرعى شفقة يزيد عليها: - أرجوك تقول، يونس جراله إيه؟ إيه اللي منعهُ عني؟
بالرغم من نظرات نغم المتوسلة له، إلا إنه أحس بوجوب معرفتها أمرٍ گهذا، ف حنى رأسه يجيب عليها ببعض الغموض: - اللي منع يونس عنك هو إنتي.
- يعني إيه؟
لم تفهم مغزى عبارتهِ المبهمة، فأعاد صياغتها بشكل صريح وواضح: - يونس هنا في أوضة آخر الطرقة، بعد ما..
انفلت منها آخر خيوط الصبر، وصاحت تسأل: - بعد إيه؟

فأطلق بعبارتهِ لتخرج على مرة واحدة دون التكلف بعنائها: - بعد ما اتبرعلك بكليتهُ.
وكأن الألم ضربها من منطقة لم تكن تتخيلها، فَبات من الأصعب تحمل واقع گهذا. ما افتعله كان كبيرًا على قلبها، لم تستوعبهُ بسهولة، هل حقًا قدم تضحية گتلك من أجلها؟ هل تستحق روحها - التي عافر كي تتشبث بالحياة - هذه التضحية الثمينة منه؟

سحب الطبيب مقياس الحرارة من فمه، ليستكشف ما الذي فعله خافض الحرارة، فوجدها انخفضت ما يقرب من نصف درجة. نظر حيال يونس وقال: - نزلت نص درجة، بس مش كفاية.
نظر في ساعة يده وتابع: - هنقيسها تاني كمان نص ساعة، وفي مضاد حيوي معاده قرب هبعت الممرضة عشان تاخده.
- طيب.

التفت الطبيب ليُصدم بتواجد ملك في الغرفة مستندة على الممرضة التي عاونتها حتى أتت إلى هنا. حدقت عيناه فيها، وسألها بجدية: - حضرتك ممنوعة من المجهود، إيه اللي جابك هنا؟
خفق قلبهِ بقوة، وأشرأب برأسه قليلًا ليرى إن كان ظنهِ صحيحًا، رآها، فأطلق زفيرًا متضايقًا من جوفهِ، حيث نمّت نظراتها عن كشفها لكل شئ. تنحى الطبيب جانبًا، حينما أجابته ملك بصوتها المتحشرج: - هشوفه وهخرج على طول. من فضلك.

ذمّ الطبيب على شفتيهِ، واضطر مجبرًا للخروج. مشت ملك ببطء حتى جلست بالقرب منه، ثم أشارت للممرضة بإمتنان: - شكرًا.
انسحبت من بينهم بهدوء، حينما كانت ملك تعاتبه بنظراتها. تجمعت الدموع في مقلتيها، وهي تجوب بنظراتٍ مدققة حالتهِ، وضعت كفها على يده، فأسرع يونس بإحتوائهِ، وعيناه الشغوفة تتأملان فيها، حتى رمت على مسامعه سؤالها: - ليه عملت كده يايونس؟ ليه عرضت حياتك للخطر بسببي؟

جذب كفها نحوه، وقبّله قبل أن يجيب بصدقٍ: - فداكي أي حاجه ياملك، عشان ترجعيلي كنت مستعد أديكي روحي كلها.
انهمرت الدموع من طرفيها، واجتذبت يدها المتمسكة بيدهِ، ألصقت شفاهها بظهر يدهِ تُقبّله، وظلت على وضعتيها حتى غرق كفهِ بدموعها. انقبض قلبهِ متألمًا لما آلت إليه حالتها، وضغط على أصابعها محاولًا الإعتدال في مجلسه قليلًا: - متعمليش كده عشان خاطري.

رفعت رأسها، وقد تحول وجهها لكتلة من الإحمرار الفاقع، لا سيما أنفها وشفتيها اللاتي تضرجت. تعالت شهقاتها غير قادرة على كبحها، وقالت من بينهن: - أنا كنت هعمل إيه من غيرك، كنت هتموت بسببي؟!
مسح وجهها بيدهِ، وبلمسةٍ رقيقة أعاد خصلاتها المتمردة خلف أذنها وهو يقول: - متفكريش في الإحتمالات دي، خلاص أنا معاكي وهنخرج هنا مع بعض.
جذب يدها، وضعها على صدرهِ وأعلى قلبهِ تحديدًا، ثم أردف: - بس كفاية عياط.

دنت منه، وضعت رأسها على صدرهِ، فأستقبلها ذراعيهِ بإحتضان عاطفي، وذكّرتهُ بتلك العبارة التي قالتها قبيل الحادث، حينما أحست بشئ ما يستعد لمهاجمة سعادتهم: - مش قولتلك مفيش فرحة بتكمل ليا؟
شدد ذراعيهِ عليها، ومسد برفق بالغ على كتفها، قائلًا بثقة: - هتكمل ياملك، وعد مني هتكمل.
وشبك أصابعهِ بأصابعها، وهو يجدد وعودهِ لها: - لسه في حاجات كتير هنعيشها مع بعض ياملاكي.

غطت وجهها في صدرهِ، وجاهدت لتصرف عن نفسها تلك الحالة الحزينة عنها، كي تهنأ قليلًا بعد أيام عصيبة شاقة، قضتها في وحدةٍ وألم، والخوف عليه كانت خليلًا بائتًا معها، لا يفارقها أبدًا.
صفعهُ صفعة، أيقظت نومتهِ المؤرقة. شهق شهقة عالية، ونظر حولهِ لاهثًا ليرى خيالات ضخمة من حوله، وتهدجت أنفاسهِ متمتمًا: - في إيه؟ أنتوا مين؟

أمسك سيد بأذنه يجذبها بعنفٍ جعلهُ يصرخ، وسأله بلهجة خشنة: - أنا هنا اللي بسأل ياقمور.
أفلتهُ وهو يسأل: - قولي بقا، إنت ضربت ليه ست الأستاذة وحطيتها في العربية. هه؟
وحذرهُ قبل أن ينطق كلمة واحدة: - وأوعاك تقولي معرفش؟ الكلمة دي بتزعلني.
ازدرد ريقه بصعوبة، وهو ينظر حوله مذعورًا مما وقع فيه، وقال بصوت متقطع: - مش فاهم، تقصد إيه؟

نظر سيد لرجالهِ من حوله، ثم ضحك مستهزئًا وهو يقول: - بيقولي مش فاهم، طب فهموه أنتوا يارجالة، عقبال ما أشرب حجرين وأرجع.
والتفت موليه ظهرهِ، كي يتلقى ذلك الوضيع ما يستحقهُ من ضربًا موجعًا، سيجعل الحديث على لسانهِ سهلًا ومسترسلًا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة