قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والثلاثون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والثلاثون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والثلاثون

إن الحياة فرصة، الهناء بها فقط لمن اقتنصها.
سماع حقائق گتلك كان كفيلًا بزرع الفزع في نفسها، ليس على نفسها فقط، بل عليه أيضًا، وعلى نغم التي لم تفقه من الأمر شيئًا. محاوطتهم بالثعالب البشرية الغادرة جعل حالتها المعنوية تزداد سوءًا، ولا سيما تلك اللعينة التي تتصيد أقرب الفرص للقضاء على يونس.

أبعدت بوجهها عنه، بعدما اكتسى بالحزن، في حين كان يحاول يونس إسترضائها قائلًا بلطف: - صدقيني مفيش حاجه هتحصل تاني، الشرطة بتدور عليها وهي دلوقتي بقت مستحيل تقدر تتحرك بحرية، يعني هتتمسك هتتمسك.
تجلّت معالم الذعر على نبرتها الواهيه، وهي تكافح ألمين، ألمها الجسدي الحي، وألم روحها المرتعبة: - الست دي بعتت رجالتها للمزرعة عشان يقتلوني، تخيل لو كنت إنت موجود كانوا هيسيبوك!؟

فتنهد مجفلًا أنظارهِ المتحرجة عنها، وقال نادمًا: - ياريتني كنت أنا اللي موجود مش إنتي.
- كفاية تحمل نفسك الذنب يايونس، أنا مش بفكرك باللي حصل، أنا خايفة يتكرر تاني والمرة دي يصيب فعلًا.
ربت على كفها برفق، مراعيًا وجود الأبرة الطبية التي تمد بدنها بالغذاء، وأردف بثقة: - مش هيحصل، متخافيش. وبعدين وجودي في المستشفى مش حماية ليا ياملك.

لم تتراجع عن إصرارها في مكوثهِ هنا، وأزمعت على ذلك بقوة: - برضو لازم تفضل موجود لحد ما تتعافى خالص، أنا مش مستغنية عنك.
فأراد أن يوجه الموضوع لمنحنى آخر، علها تتناسى هذا الأمر، وسألها بصوتٍ تغلب عليه الحنين إليها: - خايفة عليا؟
ارتجف قلبها رجفةٍ، وإلتمعت عينيها ببريقٍ حزين وهي تجيب بصدقٍ: - طبعًا خايفة عليك، أنا ماليش غيرك يايونس.

وانزلقت عبرة من طرفها وهي تتابع بتحسرٍ: - خايفة إنت كمان تروح مني زي ما كل حاجه بتضيع من إيديا.
إمتُقِع لون وجهه مع رؤية دموعها، وأوفض ناحيتها يمسح على وجهها بكلتا يديهِ، مؤكدًا على إنه لن يتخلى بهذه السهولة عنها: - أروح إزاي بس وأسيبك لوحدك؟

وبدأ يروي العبارات الإيجابية على مسامعها لتهدأ روحها المُعذبة، التي لا تلبث أن تهدأ حتى تهب عليها العاصفة من جديد: - إنتي هتفضلي معايا لحد ما نعجز سوا، أنا وإنتي وأولادنا. في حياة جميلة أوي مستنيانا ياملك، أوعدك.
واحتضن رأسها مُلصقًا إياها بصدرهِ، خلل أصابعهِ في شعرها يمشط خصلاتهِ برقة، واستطرد: - بحبك ياملاكي.

غرزت أصابعها في قميصهِ، وأطبقت جفونها محاولة أن تتناسى مخاوفها المسيطرة عليها، آمله أن ينتهي كل ذلك في لمح البصر، لتغلق عيناها وتفتحهم فتجد نفسهما منفردين في منزلهم، متخطين بالحُب كافة الصعاب.

الخروج من هنا بعد كل تلك المعارك كان أشبه بالفرار من الحرب، بعدما لقنت نغم ل يزيد درسًا لن ينساه، وفعلت به ما لم تفعله غيرها، وهي تحت تأثير الذعر والألم. خرج يزيد بعد أن أفلتتهُ نغم أخيرًا، كانت ثيابهِ الفوضوية على غير وضعيتها، تنفس بصعوبة وهو يرفع بصرهِ، ليتفاجأ بشقيقهِ أمامه مباشرة، يرنو إليه بنظرات شامتة، قبيل أن يهتف مستخفًا: - إيه اللي جرالك يافخر العرب! كنت باشا من شويه إيه اللي حصل؟

نبرة السخرية التي استشعرها يزيد في صوت أخيه جعلته يمتعض أكثر، وهو يشيح بوجهه عنه، في حين تابع أخيه: - بصراحة أنا كنت جاي وناويلك على نية.
ثم ضرب على كتفهِ، وتابع بصوتٍ حمل بادرة ضحك: - بس في ناس بتخلص حق ناس، كفاية عليك اللي أخدته جوا.
ثم تسائل مستثيرًا غيظهِ: - هما أتنين ولا أكتر؟
تجهم وجه يزيد، وعلى صوته قائلًا بحزم: - يونس.!

أومأ يونس رأسه متفهمًا، واستطرد قائلًا: - خلاص خلاص فهمت، هما أتنين. واحدة في إيدك وواحدة في كتفك. بس هي وصلت لكتفك إزاي؟!
تقوست شفتي يزيد، كابحًا عصبيتهِ من الطفو على إنفعالاتهِ، وأردف بإستهجان: - ده أنت هنا من بدري بقى؟!
- الحقيقة آه. والحمد لله إني حضرت الحفلة من أولها.
وضرب بخفة على وجهه قائلًا: - تعيش وتاخد غيرها يا زوو.

لوح له قبل أن يوليهِ ظهره لينصرف، وبقى يزيد صامدًا بمكانهِ. تحسس يدهِ بأصابعه، ثم نظر لأثر أسنانها المحفورة في جلدهِ بوضوح شديد، اكفهر وجهه وهو يكور قبضتهِ ويُبعدها عن مركز بصرهِ، وغمغم بتبرم: - ده انتي هتتنفخي يانغم، أصبري عليا بس، تقومي بالسلامة وأنا هطلع العفاريت على جتتك.
إندفع وهو يفتح الباب، وأطل عليها بنظراتٍ حانقة قبل أن يردف بإنفعال: - يلا عشان نمشي من هنا، ولا مطولة شويتين؟

فصاحت الطبيبة تتدخل بينهما قائلة: - مطولة إيه من فضلك خدها من هنا وكفاية كده، أنا أول مرة أشيل غرز بالشكل ده.
فركت نغم وجهها قبيل أن تنحني قليلًا نحو الحذاء، فشلت في إغلاق رباطتهِ، فتعالت شهقاتها ومازال البكاء مسيطرًا عليها، وغمغمت بكلماتٍ مبهمة غير مفهومة. ذمّ يزيد على شفتيهِ، ودنى منها متسائلًا بقنوط: - بتعيطي تاني ليه دلوقتي؟! إنتي لو بنتي مش هتعملي فيا كده!

أشارت برأسها نحو الحذاء، وأردفت بصوتٍ متقطع: - مش عارفه أقفل ال shoes.
صفق يزيد كفًا بكف، ثم أشار لها لترفع ساقها: - أرفعي رجلك على السرير.
رفعت ساقها رويدًا رويدًا حتى مددتها على الفراش، ف اجتذبها يزيد ببعض الحِدة كي يعقد رابطة الحذاء، فصرخت عاليًا: - آآآه، حاسب.
لم يكترث بها، وصبّ تركيزه في إغلاق الحذاء حتى ينصرف بها من هنا في أسرع وقت.
انتهى، ف ابتعد للوراء وهو يشير لها: - يلا.

وقفت على ساقها، واستبقت خطواتهِ ببطءٍ متعرج، مجاهدة لمقاومة ذلك الألم الذي يضرب بقوة ساقها، داعية أن ينتهي بأسرع وقت.

استغل بعض الوقت، للقيام بالتسوق من أجلها ومن أجل تلبية إحتياجاتها، فبدأ بإبتياع ملابس تناسب مكوثها في المشفى لفترة، لا سيما إنه شدد على الأطباء ضرورة إبقائها حتى إنتهاء نقاهتها، لئلا تغامر بأي مجهود قد يؤدي بها لمنعطف سئ في حالتها. انتقى منامة شتوية ثقيلة، مُبطنة بطبقات سميكة للتدفئة، بدأ يتفحص المقاسات الخاصة بها ليستكشف ما إن كانت مناسبة لها أم لا. إقتربت منه إحدى العاملات في المتجر، وسألته بتهذيب: - بتدور على حاجه معينة؟

فأجاب وهو يشير للطاقم الذي انتقاه: - عايز مقاس أصغر من الترنج ده.
تناولته العاملة ونظرت لرقم القياس، ثم أردفت: - ده مقاس L، معقول هتحتاج أصغر؟
فأجابها واثقًا: - آه، عايز S. هي رفيعة جدًا وده هيكون كبير عليها.
- تحت أمرك.

وتحركت من أمامهِ لتلبي رغبته، حينما اتجه هو لإختيار أشكال أخرى من الثياب. تتبعتهُ أعين النسوة في المتجر، ما بين إعجابٍ، إنبهار، ودهشة. تطلعنّ إليه بتفرس، كأنه الوجه النادر من العملة الغير موجودة، وطائفة قد انقرضت من بني جنسهِ من الرجال. تعالى تهامزهنّ عليه، ما بين الآراء الحاقدة على سعيدة الحظ التي يملكها، وبين أخرى متمنية رجلًا مثيله. تتبعتهُ إحدى العيون، حتى توصلت لخاتم الخِطبة في يُمناه يزينها، ثم تمتمت بصوتٍ خفيض: - يابختها، هي قاعدة في البيت وهو بينقيلها حتى الهدوم!

تلوت شفتي الأخرى وهي تردف ب: - مش عارفه بيلاقو رجالة زي دي فين!
كتمت ثالثتهن ضحكتها وهي تترقبهُ بنظرات فضولية، ثم أردفت بسخرية: - ده حتى الهدوم الداخلية هيختارها بنفسه، يا بختها بيه.
ترك يونس حمالة الصدر متحرجًا، وحمحم وهو يحيد ببصرهِ المستحي عنها، حتى عادت العاملة إليه وهي تجلب طلبه: - ده المقاس اللي طلبته يافندم، آخر قطعة منه.

هزّ رأسه متفهمًا، ثم أشار نحو هذا القسم الحريمي بدون أن ينظر، وقال: - في واحد أسود هناك، ياريت لو تشوفيلي أصغر مقاس منه برضو، وبعدها هاخد طقمين كمان.
- حالًا.

طقطق أصابعهِ متحمسًا من تخيل وقع مفاجئتهِ عليها، إنه أمر بسيط لم يكلفهُ سوى بعض الوقت الذي خصصهُ لها، ولكن بالنسبة إليها ستكون قيمة معنوية كبيرة للغاية، س تُسعدها بشكلٍ؛ وكأنه أحضر لها العالم ليكون بين يديها. لاحظ تلك النظرات من حوله من النساء، الذين امتلأ المتجر بهن، بينما كان هو الرجل الوحيد بالمكان بالإضافة لعامل المحاسبة، عدا ذلك غطى على المكان التواجد الأنثوى بالأكثر؛ لكن هذا لم يعينه بمثقال ذرة، ودقق بكامل تركيزه على ما ينقصها، حتى يتمم مهمتهِ على الوجه الأكمل.

أوقف السيارة أمام بوابة الشركة، والتفتت رأسه تنظر صوبها، ليجدها بالفعل غاصت في نومٍ عميق، ببراءةٍ شديدة وكأنها لم تفعل شيئًا منذ قليل. تلوت شفتيهِ مستنكرًا، وتمتم بخفوت لم يصل لمسامعها: - ياتنام ياتاكل ياتنام ياتاكل، مش فاهم إيه اللي مصبرني كل ده عليها!
طرق بأصابعهِ على كتفها، وأردف بصوت مرتفع: - قومي يانغم إحنا مش في رحلة.

فتحت عيناها الناعسة تنظر نحوه، ثم أطبقتهم من جديد وهي تردد: - سيبني شوية والنبي.
تجهم وجهه قائلًا: - أسيبك إيه إحنا وصلنا قدام الشركة!
استجمعت تركيزها وهي تنظر نحو الشركة حتى تأكدت من صدقهِ، ثم اعتدلت في جلستها وهي تقول: - وإيه اللي جابنا هنا مش كنت هتوصلني عند نينة!
- في أوراق محتاجة توقيعي هخلصها وننزل. يلا انزلي.

ترجل هو أولًا، في حين كانت هي تترجل ببطءٍ يناسب حالة ساقها المتعرجة. وقف أمامها منتظرًا، حتى أصبحت قبالتهِ، فأغلق السيارة وناول أحد أفراد الأمن مفاتيحها: - وصلها للجراچ لحد ماأخلص.
- حاضر يافندم.

سار أمامها بدون أن يعبأ بخطواتها البطيئة، وحينما نظر جواره لم يجدها، فنظر خلفه ليراها تبعد عنه بضعة أمتار. زفر متوقفًا عن السير حتى أصبحت قبالتهِ، ف ابتسم بسماجةٍ يقول: - لو قلتي مش قادرة أمشي كنت سيبتك في العربية.
ف سخرت منه وهي تذكره قائلة: - عشان ترجع المرة دي تلاقيني مقتولة بجد!

احتقن وجهه، مع كل مرة تذكره فيها بذنبهِ، بينما هو برئ مثلها. أشار لها كي تستبقه، ف مدت يدها تتأبط ذراعه قائلة: - كده أفضل، على الأقل متحسش بالملل وانت مستنيني!
حدقت عيناه الناظرة ليدها المتمسكة بذراعهِ، ثم رفع بصره المستهجن إليها هاتفًا بنزق: - يعني عشان مستناش معاليكي أدخل بيكي الشركة بالمنظر ده! الموظفين يقولوا إيه لما سيادتك داخله وشابكة إيدك في دراعي!

سارت وهي تجتذبه برفق، وأردفت بفتور: - مش مهم الموظفين، المهم أنا دلوقتي.
نظرت في ساعة يدها وتابعت: - ده معاد القهوة بتاعتك، عقبال ما تخلص توقيعك هكون أنا عملت فنجانين قهوة.
ثم ابتسمت وهي ترنو إليه بوداعةٍ مستطردة: - أعتبرها قهوة صلح عشان اللي صدر مني غصب عني في المستشفى.
ارتفع حاجبيه بغير تصديق إنها اعترفت بخطأها، وأرادت تلافيه أيضًا. ومضى في طريقه معها منشغلًا بتفكيره في مبادرتها: - غريبة!

لاحظت نغم نظرات الجميع الفضولية، التي كانت تتبعهم بذهولٍ وتعجب، ف لاحت ابتسامة عريضة على ثغرها، شاعرة ب اقتراب تحقيق مبتغاها، إن شعر بها فقط، ستغدو كل الأشياء جميلة، وستعيش ما حلمت به ليالٍ طويلة. لم تتوقف عن محادثته لئلا يشعر بما يدور من حوله من همساتٍ، متابعة حوارها الرقيق: - مفيش حاجه غريبة، إنت اللي مش عايز تشوف الإنسانة التانية اللي جوايا.

وصل بها أمام مكتبهِ، ف سحب ذراعهِ مبتسمًا بلطافة ليست معتادة عليها، وأردف ب: - أوعي تكوني فاكرة إنك أذكى مني يانغم، أنا سيبتك تتباهي قدام الموظفين اللي هيعملوا مننا حكاية تسمع في الشركة بمزاجي بس.
وداعب وجنتها بأصبعيه متابعًا: - متعمليش كده تاني ياسكر. ماشي؟!
تجاوزها ودخل مكتبهِ، تاركًا إياها باهتة الوجه، مذهولة من مسايرتهِ المتعمدة لها، ثم نفخت بتذمر وهي تغمغم ب: - مفيش حاجه بتتعدل أبدًا، أوف.

تضرج وجهها بحُمرة مستحية، حينما رأت حمالات الصدر التي توارت بداخل الحقائب، وسرعان ما أغلقت الحقيبة وهي تُبعد عيناها عنه متسائلة: - إنت اللي أختارت الحاجات دي!؟
فأوفض يجيبها: - لأ مش أنا، أنا أختارت الأسود بس والباقي خليت واحدة من ال store تختار هي.
كتمت ضحكة بداخلها، وتجولت عيناها بين الحقائب بسعادة وهي تردف: - تعبت نفسك ليه يايونس؟ دي حاجات كتير جدًا.

جمع الحقائب من حولها أثناء حديثه: - لبسك كله في المزرعة وأنا مش هعرف أجيبه دلوقتي، هتحتاجي تستخدميهم الفترة الجاية.
تبين في حديثه التلميح لإستمرارية وجودها هنا لفترة، فتسائلت بتوجسٍ: - هو أنا هفضل هنا كتير.

فصارحها كي تكون الأمور متيسرة بالفترة القادمة: - لسه شوية عشان تخرجي من هنا. إنتي مش عارفه أد إيه وضعك كان خطير ياملك، جسمك فقد كليتين وأتزرعله كلية جديدة كليًا، أكيد هتحتاجي تفضلي تحت الرعاية فترة كويسة.
إنهدم أملها بالعودة للمنزل خلال أيام، فعبست وهي تردد قائلة: - كنت عايزة أكمل علاج في البيت!
- مينفعش، كده أحسن وهنكون مطمنين أكتر.

وضع الحقائب في الخزانة الخشبية الصغيرة، ثم عاد إليها: - هي نغم فين يايونس، كلمتها مردتش؟
- أكيد يزيد روحها البيت.
طرقات على الباب أعقبها فتح يونس له، ليجد عيسى أمامه: - إيه؟
فأجاب عيسى: - في حاجه كده وصلنا ليها.
أومأ يونس برأسه متفهمًا، ف ابتعد عيسى من أمام الباب والتفت يونس إليها يستأذنها ببعض الدقائق: - ثواني ياحببتي وراجع.
تسلل القلق إليها، فأردفت بتلقائية: - أنا بقلق لما بشوف عيسى كده، في إيه؟!

ف ابتسم في وجهها وهو يدنو منها، مسح على شعرها وهو يطمئنها قائلًا: - متقلقيش على الفاضي مفيش أي حاجه. هرجعلك على طول.
وهمّ بالخروج، وقف قبالة عيسى فناوله الأخير ورقة مطوية وهو يقول: - غالية في الساحل، أرقام العربية بتاعتها عدت من الكارتة بقالها أكتر من 20 يوم، يعني قبل الحادثة.

ضغط يونس على ذاكرتهِ قليلًا، ليستعيد في ذهنه الأماكن التي تملكها هناك، ولكنه لم يتوصل لأي شئ. حضر في عقلهِ توًا أمر زُهدي الذي كان مثيرًا لشكوكه دائمًا، فأقترح عليه: - طب ما تشوفلنا زُهدي كده ياعيسى، يمكن يوصلنا لحاجه!
ثم نفخ متذمرًا وهو يسترسل في حديثه: - أنا عايز أخلص بقا من الموضوع ده، عايز أفوق لملك وللبيت الجديد.

وأفصح عن الرغبة التي تلوذ لها جوارحهِ: - عايز أتجوز ياعيسى. هو النحس راكب الموضوع ليه؟
منع عيسى تسرب ضحكة منه، وحاول بث الأمل في عيون ربّ عمله: - كل حاجه هتتصلح ياباشا، بس أصبر شوية.
تنفس بقنوط، وتجاوز عن ألمه الذي بدأ يظهر فور انتهاء فعالية مسكن الألم: - أديني صابر.
إلتهى بالأحداث بدون أن يتذكر حكائة عيسى التي فُتحت حديثًا، فراح يسأله بحرج منه: - حقك عليا نسيتك وسط كل اللي كنا فيه، سهر ومازن فين؟

تلوت شفتي عيسى حين ذكرهم، وأردف ب: - في البيت، كل يوم بروح أطمن عليهم وأكفي احتياجاتهم وأقفل الباب وأمشي. مش مطمنلها وحاسس إنها هتغدر تاني.
- معتقدش، سهر ندمت فعلًا وأنا حسيت ده منها لما شوفتها في المستشفى.
ثم اقترح عليه: - أديها فرصة تانية ياعيسى.
تجهم وجه عيسى فجأة، وأظلمت عيناه متذكرًا كل تلك الآلام التي عانى منها، وهو يبحث عن طفله طوال ثلاثة أعوام ماضية: - أبدًا ياباشا، أبدًا.

فتراجع يونس عن فكرته، ما أن رأى تلك التعابير طفت على ملامحه فجأة: - خلاص أهدا، اللي تشوفه.
أظهر عيسى عدائًا واضحًا، وهو يتوعد لها: - هديها درس عمرها ما هتنساه في حياتها، وبعدها أفكر هي تستحق فرصة تانية ولا لأ.
لم يستغرق الأمر منه وقت طويل، أشرف سيف على تجهيز كل ما يحتاج لتوقيعه، ثم وقف على رأسه كي يبلغه بكافة التطورات: - وللأسف معرفناش نوصل لحاجه، المباحث بتدور عليهم وأول ما يكون في خبر هيبلغونا.

ترك يزيد القلم ورفع بصرهِ نحو سيف قائلًا بإمتعاض: - اللي يدخل الشركة بالسهولة دي ويتحرك زي ما هو عايز وكمان ياخد تليفوني يبعت منه رسالة ده حد عارف مداخل ومخارج الشركة كويس ياسيف، لكن عرف منين إني نسيت تليفوني هو ده مربط الفرس.
وضع سيف أمامه ملف آخر: - فعلًا، اللي دبر اللعبة كان دارس كويس أوي.

دلفت نغم وهي تحمل فنجان القهوة خاصتهِ، ف أقبل عليها سيف وتناوله منها بحركة لطيفة قائلًا: - عنك انتي يانغم، سلامتك ألف سلامة.
ف ابتسمت نغم بمجاملة وهي تتركه له قائلة: - الله يسلمك ياسيف، تسلم يارب.
- إرتاحي أنتي، الباشا لو عايز حاجه أنا هعملها.
كان يزيد يتطلع إليهم مترقبًا ما يدور، ولم يتحمل لأكثر من ذلك ما يراه من ملاطفة بينّة، وتدخل قائلًا: - آه وبعدين يعني!

عاد سيف إليه، ووضع القهوة أمامه بدون أن ينبث كلمة واحدة، بينما خرجت نغم على الفور وتركت لهم مساحة من الخصوصية. تناول يزيد قهوته، كاد يتذوق مرارتها اللذيذة، إلا أن عبارة سيف استوقفته: - لطيفة نغم، مش كده؟
رفع يزيد بصرهِ المتهكم نحوه، وسأل ساخرًا: - خير ياسيف بتدور على عروسة؟
ف ضحك سيف بعدما أجفل بصره وقال: - يعني، مش بالظبط. هي بس إنسانة تلفت نظر أي حد.

ذمّ يزيد على شفتيهِ، خافيًا امتعاض كاد يبزغ على تعابيره: - والله! مخدتش بالي الحقيقة.
- إنت مش بتركز في الحاجات دي ياباشا، إنما أنا بحب التفاصيل.
همهم يزيد بنفاذ صبر، وأرخى ظهرهِ المتقلص على المقعد قائلًا: - هممم، وإيه كمان ياسيف، كمل يابابا وقول كل اللي في نفسك.
تحرج سيف من الإفصاح عن أفكارهِ، ف فضّل إبقاء الأمر طي الكتمان حتى يرى بشائرهِ بنفسه: - ولا حاجه، ربنا يعمل اللي فيه الصالح للكل.

ثم فتح ملفًا آخر وهو يردف: - إحنا محتاجين توقيعك وتوقيع يونس باشا على التفويض ده.
ترك يزيد قهوته التي لن ينعم بها، وقد فسد مزاجهِ غلى حين غُرةٍ، ثم وضع توقيعهِ بدون تركيز، فآتاه سؤال سيف: - سيادتك هتحضر فرح رضوى؟
لم يكن يزيد في حالة تركيز كافية، فتنغض جبينه متسائلًا: - رضوى مين؟
- رضوى السكرتيرة السابقة ياباشا، فرحها بعد بكرة!

لم يكترث يزيد بأمر حضور الزفاف كثيرًا، وأفصح عن ذلك بقوله: - مش هكون فاضي.
وانتبه أخيرًا بإحتمالية حضور نغم لذلك الزفاف، ف أعاد النظر نحو سيف متسائلًا: - إنت هتحضر!؟
ف انبعجت شفتيه بإبتسامة طفيفة: - آه، هي مشددة علينا كلنا لازم نروح.
فأخفض يزيد أنظاره، وطرق بأصابعهِ على سطح المكتب وهو يتمتم بخفوت: - وهي رايحة طبعًا، عظيم.

نهض يزيد عن جلستهِ، وسحب هاتفه وهو يقول: - إبقى أبعت التفويض اللي محتاج توقيع يونس على البيت. أنا ماشي دلوقتي.
فسأل سيف بإستغراب: - دلوقتي؟
لم يجبه يزيد، وأوفض بالخروج من هنا قبيل أن تطبق عليه أنفاسهِ أكثر وأكثر، بعد تلك المحادثة السخيفة التي عاشها منذ قليل، والتي لعبت في إعدادت إنضباط أعصابه بشكل ملموس ومرئي..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة