قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع عشر

أمَّا بَعد ؛ لَن أُحبَّ أحدًا بعدك.
أمَّا قبل؛ فأنا لم أعرف الحُبَّ إلا بكِ.
طفى بجسدهِ على سطح الماء، ونفض رأسهِ من المياه العالقة فيها. لم يجد سواها ليسدد إليها نظراته العدوانية، ليجدها تكبح ضحكة شامتة ببالغ الصعوبة، بعدما لقى نظير فعلتهِ معها من قِبل كاريمان. في حين آتاه صوتها المحذر: - إياك تعمل كده مرة تانية، أتعلم بقى إزاي تكون راجل شيك في هزارك.

أومأ رأسه بتفهم وكأنه يحاول فقط إصرافها من هنا، حتى تسنح له الفرصة لكي يتصرف معها بحرية، ف تحركت كاريمان بالفعل، حينئذ استشعرت نغم بوادر غدرٍ منه، ف بدأت تتحرك بعيدًا عنه ببطءٍ، حيث تحكمها المياه التي تُثقل حركتها، لكنه كان الأسرع نحوها، وارتفع بجسده ليقفز قفزة يطالها بها. شهقت نغم حينما أحست بيديهِ قد طالتها، وانفجرت ضاحكة بدون وعي منها وهي تهتف: - أنا ماليش دعوة مش انا اللي زقيتك.

أدارها لتكون في مواجهته: - لولا إنك بدأتي ودلقتي عليا أزازة الميا مكنش كل ده حصل.
غطست بجسدها للأسفل كي تستطيع الهروب منه، ف لحق بها مسرعًا قبل أن تفرّ منه، واجتذبها من أسفل الماء نحو السطح، تناول أنفاسهِ بتسارعٍ ليقول: - إحنا مش هنجري ورا بعض في البسين كمان، كده كتير.
مسحت على وجهها الغارق في المياه، وشعرها الذي تشبّع به، وأردفت ب: - كفاية كده، ممكن تسيبني أطلع بقى.

شرد لوهله، تعامد الشمس على وجهها مضفيًا عليه لون كريستالي لامع جعله ينجذب بدون مقدمات، كأنه انخطف على حين غُرة، وهو يرى تأثير لمعان وجهها بالماء، لا سيما شفاها التي تُقطر وكأنها زهرة، يتدلى منها زخّات المطر.

كان يرنو إليها بنظراتٍ غير مسبوقة، أكثر جرأة وأشد تأثيرًا عن سابقتها، وتضاعفت رغبته في النيل من شفتاها اللاتي تُقطر حبات من الندى، متشوقًا لإختبار إحساس جديد من نوعه معها، وعاجزًا عن الإنتظار لأكثر من ذلك. تجرأ وبدأ يدنو برأسهِ منها، ويميل عليها ببطءٍ لم تحسهُ من فرط إندماجها مع نظراتهِ المُسكّرة لحواسها، دفعتهُ لأن يظن إنها قبلت بذلك، وحينما تأهبت شفتاه للقبض على فريستها، تفاجأ بها تعضّ ذقنهِ وتغرز أسنانها فيها، ف انتفض مبتعدًا عنها وهو يصرخ بتألمٍ: - آه. يابنت المجانين! بتعضيني!؟

ف داعبت وجنتهِ ببراءةٍ وكأنها لم تفعل شيئًا، وأردفت بنبرةٍ وديعة لا تناسب أبدًا فعلتها الشرسة: - لأ ياحبيبي، أنا بس كنت بقولك عيب بس بطريقتي.

دفعتهُ بقدر ما استطاعت من قوة، وبرشاقة مفرطة كانت ترفع جسدها على منصة المسبح لتصعد، بدون أن تنتظر الوصول إلى السُلم الحديدي. كاد يقبض على قدمها لولا إنها تفادت ذلك على عجلٍ، وصوتها يصدر ما بين ضحكة رنانة، وبين صرخة خافتة مستغيثة، حتى تأكدت إنها ابتعدت بالقدر الذي يسمح لها الهروب منه. ركضت للداخل وهي تترك آثار المياه التي تتساقط منها من خلفها، حتى وقفت أمام الباب ونادت ب: - ديچا.

لتأتي خديجة إليها على الفور، بينما كانت تلتقط هي أنفاسها بصعوبة: - من فضلك عايزة فوطة أنشف بيها نفسي عشان أقدر أدخل.
نظرت خلفها لتجد يزيد قد أقترب منها بشدة، ف صرخت وهي تسرع بالدخول: - لأ مش لازم، مش هتلحقي تجيبي الفوطة.
وركضت للداخل كي تحمي نفسها من تهورهِ، بعدما منحتهُ فعلتين غدّارتين متتاليتين، بالتأكيد لن يتركها هكذا دون ردّ على الأقل، ف المشاكسة إحدى سماتهم التي لا يمرّ يومًا دونها.

منذ الضُحى، وهي على تلك الوضعية. استغرق الأمر كثير من الوقت حتى بدأت تستعيد وعيها من جديد، حيث مرت عليها سنوات طفولتها كلها گالشريط السينمائي، كأنها عايشتها من جديد بكل مرارها. ما آلمها أكثر، إنها كانت الطرف الذي تم التفريط به دائمًا، فرطت بها منار حينما خانت والدها، ومرة أخرى حين حملت بطفل زنى من غير زوجها، ومرة ثالثة حينما ذهبت للموت غدرًا، بينما لم يفعل إبراهيم سوى التفريط بها دائمًا، كانت الدُمية التي حركها كيفما شاء، حياتها، تعليمها، زواجها، وحتى معاناة ما بعد الزواج. لم يكن مثلًا يُقتدى به في الأبوة، ولم يحاول تعويض ذلك الفقد الذي تسببت به ظروف الحياة العاتية، بل كان حملًا ثقيلًا عليها أيضًا.

طوال ليلها كانت تحتضن دميتها، تلك الهدية الوحيدة التي تبقت من منار، والتي عاشت تُذكرها بماذا تكون هي، هي دُمية.

نهضت ملك عن جلستها، بحثت عن مقص هنا وهناك، حتى وجدت واحدًا صغيرًا. تأملت دميتها، تمعنت النظر فيها، ف منذ هذه اللحظة ستفتقدها. ستعدمها بلا رجعة، ليس فقط كونها هدية من أمها الخائنة، ولكن لأنها تُذكرها بضعفٍ كرهتهُ في نفسها، وتسبب فيما تعيشه من توابعٍ الآن. قصقصت الدُمية أربًا أربًا، وفي كل قطعة تقصها كأنها تشفي منها جزءًا. هذا المشهد ذكرها بلحظةٍ ما، لحظة حرجة قاسية مرت عليها، حينما قصقص زوجها السابق شعرها بشكلٍ مهين، ف امتدت أصابعها تلقائيًا تتحسس شعرها القصير، وقبل أن يُخيم الحزن من جديد على وجهها، كانت تستعيد في ذهنها كيف عالجت كاريمان ذلك الجرح ورتقتهُ. حررت ملك زفيرًا مُعبئًا بهمومها، وتركت ثغرها ينفرج قليلًا بإبتسامة جاهدت لأن تكون مشرقة، بنفس اللحظة التي كان يستيقظ فيها يونس من نومهِ الطويل، وبحثت عيناه عنها ليجدها جالسة هكذا على الأرضية، ف هبّ معتدلًا في جلسته، ونهض صوبها على الفور متسائلًا: - بتعملي إيه ياملك!؟

رفعت بصرها نحوه، وأجابت بيسرٍ غالب على نبرتها، كأن شيئًا لم يكن: - حاجه كان لازم أعملها من زمان.
نظر لتلك الفوضى من حولها، ف فهم على الفور إلام ترمي. مدّ يده لها كي تنهض، ورفعها بخفة كي تسكن أحضانهِ، وأثناء المسح برفق على ظهرها سألها: - ارتاحتي؟

هزت رأسها بصمت، ورفعت بصرها نحوها، گمن تتوق للنظر المطول إليه. منحها إبتسامة أضفت عليه أضعاف من الوسامة، ومرر أصابعه على ذراعها يداعبها بلطافةٍ، وهو يغرق بالنظر في عيناها الحزينة التي سقط صريعها. لم ينطق كلمة واحدة، حتى قطعت هي حاجز الصمت ذلك، بسؤالها إياه: - مش هننزل ليزيد ونغم؟
- تؤ. أنا ومراتي هنتكلم كلام مهم جدًا.
وداعبها أثناء تفحصه لطولها القصير: - أول مرة آخد بالي إنك قصيرة أوي كده!

فنظرت لنفسها بتعجبٍ: - قصيرة!
وقارنت نفسها به وهي تتأمل طوله الفارع: - إنت اللي طويل أوي عليا.
رفعها بذراع واحدة حتى أصبحت رأسها في نفس مستوى رأسه، وضحك ملء شدقيه وهو يتفنن في إنتزاعها من هذه الحالة: - كده محدش أحسن من حد.

لم تفكر إنها ستفعل ذلك، ولكن وسط كل ما يقوم به يونس من مجهود جبار معها، كان عليها أن تخطو هي الأخرى منه. أحنت رأسها عليها، وأطبقت شفتاها برقةٍ على شفتيه تُقبله قُبلة صغيرة، وأبعدت رأسها وهي تردف بخفوت: - شكرًا إنك موجود معايا.

انفرجت أساريره وهو يشعر ببوادرٍ من التغيير فيها، وتمادى معها ليُضيف ليلة أخرى لا تُنسى إلى لياليهم الطويلة، حيث خطى نحو الفراش وهو حاملها، وبصوتهِ المُغرد السعيد هتف ب: - ده يحيى وشه وش السعد علينا بأذن الله.

للتو خرجت من المطبخ بعجلٍ، وهي تتحدث بهاتفها بشئ هام. كان يترقب خروجها، وما أن خرجت حتى أوفض مسرعًا للمطبخ. نظر يزيد من حوله مدققًا، ليرى إنها كانت تصنع (مكرونة بشاميل)، بجانب العديد من الأصناف، بناء على طلب خاص من ملك، بأن تأكل اليوم من صنيع صديقتها. فتح المبرد واستكشف ماذا يوجد به، ليجد (صوص حار جدًا)، يضاف - مخففًا وبحذر - للأكلات. إلتمعت عيناه بشررٍ منتقم، وتناول الزجاجة على الفور وهو يُعجل من حركته، سكب منه كمية وفيرة بداخل طبق السلطة، كي لا يظهر اللون الأحمر القاني بشكل ملحوظ في الطعام. وسرعان ما أعاد كل شئ بمكانهِ، وهرع نحو الباب ينظر يمينًا ويسارًا، ما أن وجد الوضع مناسبًا لإنصرافه خرج مسرعًا قبيل أن تمسك به، وقد باتت خطتهِ الأولى معها جاهزة، وفي إنتظار تأثيرها الحار عليها.

من حفر حُفرة لأخيه؛ وقع فيها.

بعينان گالقناصة، شمل مائدة الطعام الغنيّة بأشهى الأصناف، وكلما تدحرجت نظراتهِ إلى صحن السلطة الخضراء ينتابهُ شعور مُلح بالرغبة في الضحك الهيستيري، لا سيما حينما يتخيل كيف سيكون وقع المفاجأة عليها. حمحم يزيد مبتعدًا عن المائدة لئلا يلفت النظر نحوه، لحين تجمع الجميع وبدأت خديجة تضع الأطباق الفارغة أمام كل مقعد. جلس يزيد قبالتها مباشرة، لكي يرى بنفسه تعابير وجهها مع أول تذوق للطعام الحار، بجواره كاريمان، بينما يترأس يونس المائدة وعلى يمينه زوجته المصون. وضعت ملك كمية لا بأس بها من السلطة الخضراء في صحن يونس، ثم قدمته إليه قائلة: - السلطة بتاعتك يايونس.

تحفزت عينا يزيد، ونظر نحو شقيقه وهو يقترح عليه: - بلاش سلطة، أبدأ بالشوربة زيي، إحنا طول عمرنا بنبدأ بالشوربة.
ف ابتسمت ملك وهي تُعلن تغيير تلك العادة: - دلوقتي يونس بيبدأ بالسلطة زيي.

ف نظر يزيد نحو صحنها ليجدها ستبدأ هي أيضًا بتناول السلطة الخضراء، كبح اعتراضه في نفسهِ ونظر في صحنهِ بإضطراب بدا ملحوظًا بعض الشئ، وانتقلت عيناه ل نغم، ليجدها تتناول من المكرونة خاصتها بنهمٍ، ذمّ شفتيه وبدأ يحتسي حساءهِ، ومع أول ملعقة تناولها اشتعل فمهِ بحرارةٍ شديدة، تضرجت بشرتهِ بحُمرة متأثرة بالطعم الحار، ورفع بصره نحو يونس الذي لم يبدو عليه أي تعابير توحي بإنه تناول طعامًا حارًا. تنحنح يزيد وهو يرتشف جرعة ماء بارد، ثم سأل بجدية: - السلطة حلوة يايونس؟

أومأ يونس برأسه وهو يمضغ الطعام، وما أن فرغ حتى هتف ب: - آه حلوة، هحطلك منها.
وبدأ يضع له كمية في صحن فارغ، وناوله إياه، ف تذوقهُ يزيد بتلهفٍ، فلم يجد به أثر لطعم حار. رفع بصره نحو نغم التي لم تكترث به نهائيًا، وسألها: - انتي اللي عاملة السلطة يانغم؟
ف ناوبت ملك الرد عنها: - لأ أنا.
وابتسمت بمكرٍ عابث وهي تغمز له بنصف عين، بينما أردفت نغم قائلة: - اللي عملتها ملك أكلتها، ف عملت بدالها.

—عودة بالوقت للسابق—.

راقبتهُ ملك خلسة دون أن يشعر، فوجدته يُفسد طبق السلطة الخضراء بوضع كمية كبيرة من (الصوص الحار). اتسعت عيناها عن آخرها في ذهول، وراحت تبتعد على الفور كي لا يشعر بوجودها. ما أن رأته يخرج، حتى هرعت للداخل وتفحصت كل الطعام، ثم ألقت بالسلطة كلها في حقيبة بلاستيكية ثم إلى القمامة، وبدأت تصنع غيرها في الحال، وبعدما تأكدت من إستقرار الأوضاع فيما يخص الطعام؛ أضافت (الصوص الحار) للحساء الخاص ب يزيد، كي يكون له نصيبًا من تذوق هذا الطُعم، ويمتنع عن نصب الفخاخ المؤذية تلك.

—عودة للوقت الحالي—
إستأنفت ملك تناول طعامها، وابتسمت إنذاك بإبتسامة ذات مغزى، حينما سألت بمراوغةٍ: - والشوربة عجبتك يا يزيد؟
تفهم على الفور ما وراء سؤالها، ف أجاب بعنادٍ صريح: - جدًا.
ف أضافت نغم بنبرةٍ متلاعبة، جعلتهُ يُوقن إنها على علم أيضًا بصنيع صديقتها: - بالهنا والشفا.

تابع يزيد تناولها بإجبار نفسه لإنهائها، كابحًا شعور يدفعه لأن ينهض ويترك المائدة كلها لأصلاح ذلك الألم الحارق في جوفهِ وصدره، وأتمّ الأمر كما ينبغي أن يكون، متظاهرًا بفتور شديد، يناقض تمامًا ما يجول بنفسهِ.

أنهى زجاجة المياة الثانية على التوالي، وما زال جوفهِ عطشًا كأنه لم يرتشف الماء قطّ، مسح على جبهتهِ الساخنة مستشعرًا حرارة جسدهِ المفرطة، ثم غادر المنزل كله كي يذهب ب نغم نحو بيتها. جلس خلف المقود، وفتح مُكيف هواء السيارة على آخره، زفر بشئ من الإنفعال حينما كانت نغم تسأله ببراءةٍ مصطنعة: - إنت كويس ياحبيبي؟
ف التفت يرميها بنظرةٍ عدائية، ثم عاد ينظر أمامه قائلًا: - أوي، أنا كويس أوي أوي.

تحكمت بصعوبة في تقاسيم وجهها كي لا يظهر عليه رغبتها بالضحك: - مش باين!
فسألها بثعبانية مراوغة: - بتسألي ليه؟ هو في حاجه حصلت؟
- لأ خالص.
أجابت دون النظر نحوه، هربًا من عيناه التي تفضح أمرها في الحال، ف تلوت شفتيهِ بنزق، وتمتم بخفوتٍ لم تسمعه: - أصبري عليا لما أفوقلك بس. هظبطك صح.
وبدأت السيارة تمضي في طريقها نحو البوابة.

حينئذٍ كان يونس ينظر إليهم من خلال النافذة، وما أن غادروا دخل، مسح على شعرهِ وهو يتناول منشفة زوجتهِ الكبيرة، ثم سار نحو دورة المياة ببطء لئلا تشعر به. كان على دراية بإنها تستحم لإزالة ذلك الوهن عن جسدها الخامل بفعل الحمل، ف استأثر بالفرصة ولم يسمح لنفسه بتفويتها. فتح الباب ودخل رويدًا رويدًا، ف لمح ظلها العاري من خلف الستار الشفاف، صعدت إبتسامة ماكرة على ثغره، ف ترك المنشفة على المشجب وبدأ في نزع ثيابهِ دون أن يُشعرها، وتسلل بهدوءٍ حتى وصل إليها، وعلى حين غُرة كان يضمها لصدرهِ العاري أسفل المياه المتدفقة عليهم من الأعلى. شهقت ملك مذعورة من هول المفاجأة، وسرعان ما تداركت أمر نفسها وهي تتنفس بتسارعٍ قائلة: - خضيتني يايونس!

أحس بحرارتها المرتفعة بين ذراعيه، مما أجج شبقهِ ورغبته فيها أكثر، وراح يهمس بصوتٍ يُلين أعصابها قليلًا: - وحشتيني.
ف ابتسمت والخجل متمكنًا من جسدها المرتجف، وهمست ب: - لحقت! أنا سيبتك من دقايق بس.
شفتاه ألتصقت بأذنها، لتدب قشعريرة عاطفية بأوصالها وهي تستمع إليه: - إنتي بتوحشيني وانتي معايا ياملاكي.

وكأنه لأول مرة يتلمسها، تنتفض وترتجف شاعرة بأقل لمسة منه، وتأثيره يطغى على كافة حواسها المخدرة. گاللحظة الأولى في لقائهم، عظيمة، مبهرة، وخاطفة للأنفاس، يستطيع أن يضمها لعالمه بسهولة.
جسدها ينسجم مع حركات يديه المحترفة معها، وكل عواطفها تنساق خلف مشاعرٍ تلتهب في حضوره، لم يكفي الماء لإطفاء نيران جسديهما، بل كان گالمادة سريعة الإشتعال التي تُزيد من رغبتهم وتُأججها.

توقفت سيارتهِ بذلك الممر الشعبي الضيق، أثناء إنهاءهِ لزجاجة مياة باردة أخرى. نفخ بضيق بعدما أوقف المحرك، ثم هتف ب: - متنسيش تصحي بدري عشان ورانا إجتماع مهم الصبح.
بدأت تقلق حيالهِ، خاصة ما شرب تلك الكمية الكبيرة من الماء، والتي تبدو - ظاهريًا - عدم إيفاءها بالغرض. ذمّت نغم على شفتيها شاعرة بالأسف، وسألته بجدية: - إنت كويس بجد؟ ما تيجي نروح مستشفى أحسن.

فرفض رفضًا قاطعًا: - مش محتاج، حالًا هاخد حاجه للحموضة وكله تمام. يلا إنزلي عشان أتأخرتي.
ختم عبارته وهو ينظر لساعة اليد، ف سحبت حقيبتها دون تعقب، بعدما أحست بالذنب نحوه. ترجلت عن السيارة ووقفت تنتظر إنصرافه، لكنه أشار إليها كي تذهب أولًا: - أمشي إنتي.

مضت في طريقها بغير إنتباه، وهي تلوم نفسها على التمادي معه في المزاح مما أدى به لهذه الحالة، حينها كانت عيناه تصاحبها حتى تصل بسلام لمنزلها، ولم يرتح داخله إلا وهو يتعقب أثرها من مسافة بعيدة ليتمكن من الإطمئنان عليها. من حسن حظها إنه فعل ذلك، وإلا كانت فريسة سهلة الآن لأحد المتطاولين المدمنين. رأى بعينه ذلك الشاب - الغير منضبط - وهو يتطلع إليها بأعينٍ زائغة، وهبطت نظراته حتى لأكثر الأماكن قُدسية وحساسية، ألقى عُقب سيجارته بالأرض، وسار خلفها وهو يتمتم بكلمات متغزلة فيها، ف أسرعت نغم بخطواتها - شبه الراكضة - فرارًا منه، حينها لم يشعر يزيد سوى بالحمم التي تقافزت في صدره، وقد ضاعف ذلك حرارة جسدهِ أيضًا، أحس بقوةٍ غريبة تجتاحه، كأن الأدرينالين قد تدفق في دمائهِ فجأة، وتضاعفت رغبته في تهشيم وجه ذلك الحثالة وتلقينه درس حياتهِ. ركض نحوه حتى وصل إليه، وعلى حين غرة كان يقبض على ثيابه ويجتذبهُ منها ب بربرية متهجمة، وهو يصرخ فيه: - ه ××××××. رايح فين ياض!

انكمشت نغم خلف العمود وبدنها كله يرتجف مرتعدًا، بينما احتد الموقف بين يزيد وبين ذلك الأرعن الذي كافح ليتخلص منه. ضرب يزيد أنفهِ وصدغهِ بقوةٍ، حينما كان ذلك اللعين يستعين ب سكين (مطوة) مدسوسة في جيبه وهو يرميه بسبابٍه النابية: - أنا برضه اللي ××××× يا ××××. أنا هوريك آ ××××××.

صرخت نغم مستغيثة بأي أحد للتدخل بينهما، خاصة مع رؤيتها لذلك السلاح الأبيض الحاد في يد عديم الشرف ذلك، منتويًا إصابة يزيد إصابة جادة تأديبًا له..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة