قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع

لقد ارتفعنا كثيرًا، لا تُفلت يدي الآن.
سيكون السقوط قاتلًا بهذا العُلوّ.!

هذه الطاقة السلبية التي تحولت لأخرى عدوانية أغشت بصرها، وكأن كل تلك التراكمات قد تكاثرت عليها لتنتج تلك الحالة. لم تكن شاعرة بنفسها، حيث تغلب عليها شعور الوجع المقهور هذه المرة، وفشلت في كتمانه لأكثر من ذلك. أطلقت تهديدها المتوعد بتهورٍ وبدون أن تكترث لتوابعه، فوجدت يونس هو أول من واجهها، وقد عقد العزم على أن ينهي هذا الهراء والجدل السائدين بينهما: - ملك. بلاش تخريف وكلام فاضي، يزيد مكنش أكتر من كاتم للسر.

وكأن تصديق ذلك كان غاية في الصعوبة عليها، هي تبحث عن جاني كي تحاسبه، ولكي تفرغ فيه كبتها، لهذا استصعب عقلها تقبل تلك الحقيقة: - السر اللي بتكلم عنه ده دمرني، حول حياتي كلها لجحيم. وشيلني مسؤولية ذنب مش بتاعي.
لم يخفي عنها تأييده لموقفها ودعمه لها، ولكن بدون أن يمس رد فعلها شقيقه الوحيد: - عارف، عارف إنك عانيتي ولسه بتعاني، بس يزيد كمان ملهوش ذنب.

لم يرق ل يزيد ذلك الأسلوب المستجدي في التحدث حول أمرٍ يخصه، ف تدخل بحزمٍ معلنًا إنه لا يكترث لها أو لرد فعلها بتاتًا: - لأ سيبها براحتها، لو عيزاني أوصلها كمان لحد القسم بنفسي أوصلها.
واتقدت نظراته وهو يرمقها بحنق شديد متابعًا: - وتبقى تقابلني لو قدرت تثبت حاجه.
والتفت ليغادر من هنا بدون أن يمهلها فرصة الرد، مجتذبًا معه نغم التي حاولت إيقافه: - يزيد الكلام مش كده، أهدى وخلينا نقفل الموضوع ده.

حينما هدرت ملك بصوتها فيه، كأن عنادها قد اشتد وتضاعف: - البوليس بقى يبقى يثبت هو.
تفاجئت بيدّ يونس التي اجتذبت معصمها، وبصوته الأجش الذي تعالى وهو يؤكد على دعمه ل يزيد: - مش هتقدري تعملي ده وأنا موجود، هتلاقيني في وشك ياملك.

رغم تلك القوة الزائفة التي جاهدت لإقناع الجميع بها، إلا أن لمعان عيناها المملوءة بالدموع نفت ذلك، خاصة حينما تبدلت الوداعة والنعومة واللطف منه، وظهر وجه آخر سيحارب الدنيا في سبيل شقيقه. أحس يونس بضرورة إيقاف تلك المهزلة قبل أن تطال نتائجها السلبية أخيه، فلم يجد سوى إتخاذ بعض من الحزم منها، علها تعود لرشدها. حدجته بنظرةٍ مستضعفة، وانتشلت معصمها من يده عنوةً لتركض إلى الداخل بدون أن تلتفت. بقيت عيناه عليها إلى أن غادرت نهائيًا للأعلى، وفي نفسهِ شئ يؤنب ضميره، يوخزه لتعامله معها بذلك الشكل، لكنه كان مجبرًا على ذلك. انتقلت عيناه حيث شقيقه الذي تحركت سيارته للتو كي يغادر، وأحس كأنه بقى بين المطرقة والسندان، مطرقة زوجته الضحية التي لم تنال من الدنيا إلا أسوأها، وشقيقه الذي لم يفعل سوى الصمت. الصمت التام.

هي أيضًا بقيت في الوسط، الحيرة تملكت من فكرها الذي بقى منشغلًا على رفيقتها. نظرت بطرفها لترى الغضب مسيطرًا على وجهه المتجهم، ف كزت على أسنانها بتوترٍ قبل أن تقتحم صمته قائلة: - متزعلش، ملك كانت حياتها صعبة أوي يا يزيد والله، أنا شاهدة على كل حاجه.

لم ينبث بكلمة واحدة، وظلت عيناه المحتقنة تتابع الطريق الذي يلتهمه بسرعة، ف أجرت محاولة أخرى علّه يستجيب إليها ويغادر صمته: - حتى عمي إبراهيم الله يرحمه ظلمها، طبيعي تشوف موقف زي ده منها في لحظة زعل وصدمة.
ظنته سينفجر فيها على الأقل، لكن لم يحدث، وهذا نا أرعبها أكثر: - يعني عايزة أقول آ..
- نغم!
قاطعها مناديًا بدون أي انفعال، ف ردت على الفور: - نعم.
ف هتف بهدوءٍ مثير للريبة: - ممكن منتكلمش.

ف استجابت لرغبتهِ على الفور: - ممكن.
ووضعت يدها على كفهِ المتحكم في عجلة القيادة، ف ترك يُسراه تحرك العجلة وأطبق بيُمناه على يديها يضمها برفقٍ حاني، ليحس دفئًا تتوق إليه نفسه، وسط زوبعة من البرودة القارصة نهشت فيه.
وفجأة، وبدون أي مقدمة تسبق جملته، هتف متسائلًا: - جعانة؟
ارتفع حاجبيها في دهشة من سؤاله المباغت، والذي أيقظ جوعها النائم بأحشائها: - إيه!

استدارت رأسه نصف استداره ليعيد صياغة عبارته: - أنا جعان وعارف إنك جعانة، نروح ناكل إيه؟
كأن شهيتها انفتحت على الفور، ف هتفت بدون أن تختفي تلك الوداعة الناعمة من ملامحها: - اللي هتاكله هاكل منه.
أُضيئت شاشة الهاتف برقم كاريمان، ف تجاهل مكالمتها الواردة إليه بتعمدٍ، لأنه على دراية كاملة بما تريد التحدث عنه، وتابع حديثه حول الطعام: - اتفقنا.

هبطت خديجة على الدرج وعلامات الخيبة مرسومة على وجهها، هزت رأسها بالسلب وهي تنظر بإتجاه كاريمان، ثم هتفت ب: - محتطش في بوقها لقمة من الصبح، الفطار والغدا وحتى العشا شيلتهم زي ما هما بحالهم.
تنهدت كاريمان متضايقة، وهي تقبض بقوةٍ على عصاها: - كده كتير، مينفعش أسيبها في الحالة دي.

ف تدخل يونس رافضًا تقديم كاريمان المعونة لها: - محدش هيتدخل يانينة، ملك هتختار بنفسها هي عايزة إيه وتنفذه، وليها مطلق الحرية في ده.
ف افترضت كاريمان الإفتراض الأسوأ: - أفرض فعلًا بلغت عنه؟
قطب يونس جبينه شاعرًا بالضيق يغزو مشاعره، وأردف مجيبًا بثباتٍ على شفى حفرة من الإنهيار: - براحتها، ساعتها أنا هعمل اللي عليا تجاه أخويا الوحيد وهدافع عنه ولو بدمي.

وارتفعت عيناه الحزينة للأعلى، وهو يتابع بصوتٍ خفيض: - أتمنى تختارني، تفكر فيا أنا المرة دي وتختار رضايا.
~على جانب آخر~.

أكثر من نصف ساعة كاملة، وهي تنظر لثوب الزفاف التعيس مثل صاحبته، حيث رافق إرتدائه ذكرى سيئة للغاية، ذكرى لن تُمحى من ذاكرتها مهما حيت. جمدت مشاعرها قليلًا مقارنة بالصباح، كأنها سكنت قليلًا، ولكن ما زال داخلها يعجّ بالرماد الساخن الذي ولّدتّه نيرانها الحارقة. نهضت عن جلستها وتناولت فستانها، ثم وضعته في علبته الضخمة وأغلقتها جيدًا. وضعت المعطف عليها وتناولت العلبة ثم خرجت، خطت للأسفل بخطواتٍ تدري جيدًا إلى أين الذهاب، حتى وصلت للأسفل. شعر بها يونس، ف تسلل خلسة لمراقبتها بحذر، بدون أن يتدخل بأي مما تقوم به. رآها ترمي بفستاتها في صندوق القمامة الضخم بالخارج، ووقفت أمامه هنيهه كأنها تودعه، أو ترثي حالها أمامه، ثم شرعت تخطو نحو البوابة بخطى ثابتة، وبدون أن تنظر خلفها لمرة واحدة. أراد أن يذهب من خلفها، أن يلحق بها ويرتق بيدهِ تلك الفتوق التي فتحها الماضي المخزي؛ لكنه قرر أن يترك إليها قرارها، لن يكون حائلًا دون تنفيذ ما ترغب فيه، وحتى وإن كان قرارًا ظالمًا. تعقبتها عينهِ بتركيز حتى خرجت من البوابة، حينما كان مهدي يتطلع إلى حزنهِ البيّن في عينيه، وسأل: - مروحتش وراها ليه؟

زفر يونس وصمت لثوانٍ، ثم هتف ب: - المرة دي مينفعش يا مهدي، لو مجتش منها يبقى ملهاش لازمه.
وظلت عيناه عالقة على البوابة وهو يهمس بتضرعٍ متخفي: - أرجعي ياملك، أرجعي عشاني.
لم يترك التأمل، ومضى الوقت منتظرًا أن تعود إليه ولا تخيب أمله، أن تغفر خطأ لم يكن ذنب لأي منهم، وأمله فيها لم ينقطع، رغمًا عن عقله الذي حدثهُ بإنها لن تعود.
الحُب هو أن تُرهقان بعضكما، لكن لا أحد يتخلّى.

لأكثر من ساعتين متتاليتين، وهي تقف بنفس البقعة، دون حراك، ودون أن تهتم بالنظر من حولها. عقلها مُغيب، وتلك الكلمات - التي تلقتها من رئيس المباحث - تُصدع أذنيها مع تكرار سماعها، الحقيقة المؤلمة التي توارت عنها لسنواتٍ قد تبينت بجميع دلائلها.

أمام عينيها يافطة القسم الذي حضرت إليه، وترى نصب عينيها المجندين أمام البوابة، تقدم ساقٍ وتؤخر أخرى، لا تستطع التجرؤ على الدخول والإبلاغ عنه، ليس فقط لأجله، وإنما السبب الرئيسي هو يونس، رفيق روحها والحبيب الوحيد لقلبها، لا تقوَ على خذلانهِ أو التسبب في إحزانهِ، هي تعلم مدى تعلقه به، ولذلك تستثقل فعلها. لامت نفسها مستشعرة ضعفها البغيض في عدم إتخاذ قرار، ومن ناحية أخرى بدأ بدنها يرتخي أكثر من اللازم، بعد المجهود المضاعف الذي أجهدت به نفسها. بقيت حلقة المتاهة مغلقة وهي داخلها، لا تعرف أي طريق تسير فيه، تائهة وكأنها في بلدٍ غريب، لا تفهم المحيطين بها ولا يفهمونها.

منذ خروجها لم تعد، حاول كبح رغبته الشديدة في الإطمئنان عليها، لكنه في الأخير رضخ أمام رغبة قلبهِ المتعلق بها. ترك يونس هاتفهِ بعدما باتت محاولته للوصول إليها للمرة العاشرة بالفشل، وارتكزت عيناه على البوابة ينتظر حضورها، أو وصول أي خبر يخصها إليه؛ لكنه لم يأتي. دعس يونس آخر سيجارة في المنفضة الممتلئة بالأعقاب، وتناول علبته لتناول أخرى ف وجدها فارغة تمامًا، قذفها بإنفعال وهو يهبّ واقفًا من مكانه، حينما مهدي يتطلع إليه مراقبًا لحاله الغريب، لم يكن إنسان متوتر بهذا الشكل من قبل، ولكنه أصبح كذلك. رنّ هاتفه فنظر إلى شاشته بتعجلٍ، ثم نفخ منزعجًا وهو يتمتم: - مش وقته يا يزيد.

تمالك نفسه قبل أن يجيب بشئ من الإقتضاب: - أيوة.
فوجد السؤال المباشر يتوجه إليه: - ها، بنت عمي بلغت عني ولا لسه؟!
لمح في صوته نبرة تهكمية ساخرة، جعلت الغضب يُغشي بصرهِ لوهله، ف اندفع بصياحٍ متشنج: - ما تبطل بقى يا يزيد! أنا صحيح نصرتك المرة دي بس مش معناه إنك صح. متضغطش عليا لو سمحت أنا دلوقتي مش مستحمل.
أحس يزيد بوجوب إنهاء سخريته المفرطة، وتحول صوته لجدية فورية: - آسف، قصدي هي عاملة إيه دلوقتي؟

فكان تلقائيًا في جوابه: - معرفش.
قطب يزيد جبينه مشدوهًا من ذلك الجواب الغامض: - يعني إيه؟
فصاح يونس به بدون وعي: - يعني معرفش، بقالها أكتر من 5 ساعات برا والساعة داخله على 1 نص الليل ومعرفش عنها حاجه. كده ارتحت.
وأغلق المكاملة فورًا بدون أن ينتظر رد منه، تناول مفاتيح سيارته بعدما نفذ صبره، وهتف ب: - مش قادر أتحمل القاعدة دي، لازم أشوف حل.
تدخل مهدي وهو يلحق به قبيل إنصرافه: - هتروح فين بس يابني!

لم يجبه، فقط ترك مكانه مهرولًا، وكأنه أحس بوجوب إنصرافه الآن، ثمة شعور مرتعب اقتحم نفسه بقوةٍ، وكأنما أصابها مكروه أو وقع بها شيئًا، ف أحس بها خليل روحها في الحال، فلم يتردد قلبه في السعي لإغاثتها.

لم يكن الوصول إلى هنا صعبًا عليها، إلى تلك البقعة التي شهدت على هذا الحادث المروع، هُنا دفن إبراهيم سوءَة زوجته، ودفنها معها. هنا اعتقد إنه نهاية الطريق، وإنها الوسيلة المُثلى للتخلص من آثار جريمته للأبد. نظرت ملك نحو تلك الحفرة العميقة المحاطة بكردون لمنع الوصول إليها، وتخيل ذهنها ما حدث بتلك الليلة تفصيلًا، ليزداد ضيق صدرها، گمن اعتصر قلبها وما زال يضغط ويضغط متعمدًا أن يُدميه. أطرقت نظراتها المنكسرة، وهنا حطّ على ذهنها تلك الذكرى السيئة المهينة، حينما وقعت في خطأ قديم وهرع قلبها المحروم يخضع لمشاعرٍ كاذبة، ظنت إنها الحب الذي نشدته، ولكنه ما كان سوى خطيئة شنيعة في حق نفسها. كادت تشبه والدتها، وكانت ستلقى نفس المصير، لولا يونس الذي انتشلها من الضياع، ووهبها قلبه وحبه وعاطفته وحتى حنانه. أطبقت جفونها لتترقرق دموعها بصمتٍ أرهقها، رفعت كفها لتنظر إلى تلك الأقراص العلاجية المُخفضة لضغط الدم، وقد بدأت شياطين رأسها تسيطر على عقلها، لتخطو بقدميها نحو الموت، لتتخلص من ذلك العبء الثقيل عليها، من حياتها البائسة وحظها التعيس، وحتى يتخلص المحيطين أيضًا من همها الذي لا ينتهي أبدًا. تصاعدت الفكرة في رأسها، واندفعت الدماء تسري ركضًا في عروقها وكأنها تحفزها للإقدام على الإنتحار، توزعت نظراتها ما بين تلك الحفرة البعيدة وبين السم الموجود بين يديها، وبقى بينها وبين الموت بضع خطواتٍ قلائل.

على بُعد أمتار، كان ريان يصفّ سيارته ويترجل عنها، تنهد بقنوط والتفت ينظر إلى زوجته ليهتف ب: - أهي الأرض ياستي، بقت عامله زي البيت الوقف لحد ما المباحث توصل للحقيقة.
تجولت كارمن بنظرات خاطفة من حولها، وحاولت تخفيف الوضع الراهن عليه، رغم ضيقها هي أيضًا: - مش مهم يتأجل شوية، المهم المشكلة تتحل.

والتفتت عيناها تلقائيًا لتلمح ذلك الظل، تنغض جبينها وهي تتحرك قليلًا لتتمكن من الرؤية، وهتفت متسائلة: - ريان، شايف اللي انا شيفاه هناك؟
نظر بإهتمام حيث تنظر هي، ولم تقل دهشته عنها: - مين دي! وبتعمل إيه هنا دلوقتي!
- مش عارفه.
رأتها تسقط فجأة، وجسدها ينطرح أرضًا، ف شهقت بفزعٍ وهي تدفع ريان كي يذهب إليها بسرعة: - ياخبر! ألحقها بسرعة ياريان!

وركض كلاهما في نفس اللحظة نحوها للحاق بها، قبل أن يتطور الوضع إلى ما هو أسوأ من ذلك.
أصبح الصباح، لكن الدنيا ما زالت مظلمة في عينيه. سيفقد عقله - إن لم يكن بالفعل قد فقده -. بعد محاولات متعددة وبحث دام طوال الليل لم يتوصل لأي شئ يخصها، حتى تمكنت الظنون السيئة من عقله، وأصبح يلوم حاله لأنه تركها تذهب بمفردها، معتقدًا إنها ستعود لا محاله.

أغلق يزيد هاتفه بعد إجراء مكالمة هاتفية، وذمّ شفتيه قبل أن يهتف ب: - لازم يمر 24 ساعة عشان نقدر نعمل بلاغ.
- أنا السبب.
قالها مؤنبًا ضميره، والرعب المخيف متمكنًا من حواسهِ كلها، ولم يكفّ عن التجول هنا وهناك بتوترٍ ورهبة، متابعًا: - مهما حصل مكنش لازم أسيبها تمشي.
وصاح فجأة: - نسيت إنها مجنونة وممكن تأذي نفسها بأي شكل.

حاول يزيد تهوين الأمر عليه، رغم مخاوفه هو أيضًا: - مش وقته يايونس، خلينا نوصلها وبعدين لوم نفسك براحتك.
~على جانب آخر~.

ذلك الضوء الذي تسلط على جفونها المغلقة، ولمسات الريح على جلدها البارد، وصوت صرير الباب الذي أعلن عن دخول أحدهما. كل تلك عوامل ساعدت على إثارة منبهات الأعصاب لديها، ف بدأت تضغط بكل قوة على حواسها لتفيق. فتحت ملك جفونها ببطء، لترى ظلالًا مشوشة من حولها، ف أطبقتهم من جديد وهمست ب: - يونس!
فآتاها ذلك الصوت الأنثوي العذب الذي لم تتعرف عليه: - حمدالله على سلامتك.

فتحت عيناها من جديد، لترى تلك السيدة التي ترتدي ملابسًا رسمية تنتمي للمشفى، وراحت عيناها تنظر في المحيط بعدما تمكن القلق من مداركها: - في إيه!
فأجابت الممرضة: - كنتي تعبانة جدًا لما جابوكي أمبارح، واحنا عملنا الفحوصات والتحاليل اللازمة وكله بخير. أسم حضرتك إيه؟
فخرج صوتها ضعيفًا: - ملك.
- أهلًا يامدام ملك.
اندفعت ملك لتنهض من مكانها، ف أحست بدوار يغلف رأسها: - أنا لازم أمش، آه.

أجبرتها الممرضة بلطف لتمكث مكانها محذرة: - خليكي مكانك، مينفعش تقومي فجأة كده.
تنفست ملك بمعدل أسرع: - لازم أمشي دلوقتي، يونس زمانه قالب الدنيا عليا.
ف نبهت عليها الممرضة: - لازم حد ييجي ياخدك من هنا مينفعش تخرجي لوحدك، عشان لا قدر الله لو دوختي ولا حاجه.
توترت ملك مع تصور حالة الفزع التي قد يكون زوجها فيها، وأردفت بإصرار: - مش مهم، بس لازم أروح لجوزي.

ثبتتها الممرضة بمكانها، ثم سألتها: - انتي مش خايفة على نفسك ولا إيه؟ لو مش خايفة على نفسك خافي على البيبي.
گالتي أصابها جمودٍ شلّ حواسها، وتدلت شفتيها ببلاهه محاولة إستيعاب الصدمة التي تلقتها للتو، ف ابتسمت الممرضة لإنها أول من زفّ إليها الخبر السعيد، وهتفت بتحمسٍ: - مكنتيش تعرفي إنك حامل ولا إيه؟

تلقائيًا مدت يديها نحو بطنها بغير تصديق، وهتفت بصوتٍ متهدج وأنفاس تكاد تنقطع من فرط سرعتها: - حامل! أنا حامل؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة