قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي عشر

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي عشر

بعض الأحلام لا نُحبذ أبدًا رؤيتها، لأنها ببساطة تُشبه واقعنا. ونحنُ لا نرغب بأن نعيش الواقع مرتين.
استيقظت ملك من غفوة قصيرة مؤرقة تمنتّ لو لم تغفوها بعد أن رأت كابوسًا مُزعجًا. ظلت تتلوى على الفراش محاولة تهدئة عقلها الذي هاج بعدما رأت نفسها تسقط بالهاوية ب أيادي لم تراها.
انقبض قلبها واستيقظت وهي تسقط على الأرض، ومنذها وهي تحاول السيطرة على قلبها الذي ينبض بسرعة.

وقفت أمام الشرفة وهي تتحس قلبها الذي يوجعها كلما تنفست. لا تدري ما السبب، ولكنها وخزة لم تزول إلا بمرور الكثير من الوقت.

في منتصف الطريق السريع، وبين صفوف السيارات التي تطير على الأرض بسرعة رهيبة. كان يونس يشق طريقه عائدًا للمزرعة بسرعة فائقة تفوق زويه من السائقين المجاورين من حوله. عقله ليس معه، يأتي ويذهب به منذ أن ترك القاهرة، عيناه عمليًا مرتكزة على الطريق، ولكن علميًا لا يرى سوى المشهد الذي دبرته الصدفة ليراه.
- عودة بالوقت للسابق -
أغلقت المُساعدة الخاصة ب هادي هاتفها وأنصتت ل يونس وهو يملي بياناته: - حسن أحمد.

- رقم تليفون لحضرتك
بحث في هاتفه عن أحد أرقامه القديمة المغلقة حاليًا وأملى عليها. ثم أردف: - ينفع يكون النهاردة
- هرجع للدكتور واشوف هيقول إيه
نظر حوله ثم قال: - طب من فضلك، محتاج أدخل حمام ضروري
أشارت له نحو الرواق الموجود أقصى اليسار و: - أول يمين من الناحية دي.

أومأ برأسه وهو يبتسم وسلك الطريق الذي أرشدتهُ إليه. وبعيناه الثاقبة كان يدرس كل التفاصيل من حوله، مرّ بجوار دورة المياه ولم يدخل، مضى بشكل مستقيم حتى بدأ صوت أنثوى يتخلل سمعهِ. ضاقت عيناه وهو يدقق السمع، واقترب أكثر من الغرفة الأخيرة التي يعلوها لمبة إضاءة حمراء متوهجة. ليسمع ضحكة رقيعة مرفقة بكلمة: - أنت دمك زي العسل يادكتور.

تراجع يونس خطوات للخلف وعاد نحو دورة المياه، دلف وأغلق على نفسه. ووقف يستمع لصوت الباب الذي انفتح ويبدو أن كلاهما خرجا منه. بدأ حوارهم يكون أكثر رسمية مما كان منذ قليل وهو يقول: - المُهدئ يتاخد قبل النوم بنص ساعة، ومتضغطيش على أعصابك كتير الفترة الجاية
- حاضر.

تنهد يونس وهو يفرك عنقه ب انزعاج من فرط حرارة المكان رغم إننا في بوادر فصل الشتاء، وتابع مراقبته. حيث كان الطبيب يتحدث إلى مساعدته: - مريض واحد في الحمام وكان عايز يشوف حضرتك النهاردة
ف عنفّها هادي بدوره: - مش قولتلك مش أي حد يدخل هنا، انتي بتفهمي إزاي!
- آس..
- بس بس، لما يخرج مشيه. أنا مش فاضي النهاردة.

بصق يونس على الأرضية وقد بدأ ينفعل وهو يستمع إلى نبرة صوته التي لم تروق له. وانتظر حتى استمع لصوت صفعة بابهِ.
ف خرج بعدما ضبط سترته، نظر في ساعة اليد وهو يقف أمام المساعدة، وقبل أن تتفوه بكلمة كان يسبقها: - أنا هاجي مرة تانية لأني افتكرت مشوار مُهم
- ماشي يافندم، تحت أمرك.

وخرج. خرج مختنقًا من هواء هذا المكان وكأنه أحس ببواطنهِ إنه نجس، خبيث ولعين. هُنا استُدرجت، وهنا كانت لعنتها بدلًا من أن يكون شفائها، لوهله أشفق عليها، ولحظات أخرى أحس بإنها حمقاء غبية. كيف لم تستطع بحدسها النسائي أن ترى وجهه الحقيقي؟!
ألهذه الدرجة كانت مغفلة، أن سذاجة من الدرجة الأولى والنادرة؟
- عودة للوقت الحالي -.

الخطوة التالية معروفة بالنسبة له، ولكنها تتوقف على عدة نقاط س تُحددها ملك نفسها. أهمها هل ستصدقه أم لا؟
وكأن اليوم يوم حظهِ العَثر، بعدما ظنّ معتصم أن كل الأعراض التي تُعانيها زوجتهِ هي أعراض الحمل، اتضح إنها مجرد تأثير من تغييرات المناخ وتقلباته هذه الآونة.
عبس معتصم أكثر بعدما أبلغته رغدة بسلبية نتيجة تحليل الحمل، وقال بشك راوده: - إحنا بقالنا أكتر من سبع شهور متجوزين، إزاي مفيش حمل لحد دلوقتي!

كانت رغدة مرتخية على الأريكة وهي تنظر للتلفاز بعدم اهتمام و: - عادي، في ناس بتفضل متجوزة بالسنين ومش بيحصل حمل. أنا مش مستعجلة
ف احتد صوته وهو يقول: - أنا مستعجل، خلينا نروح لدكتور نكشف ونشوف إيه سبب التأخير ده
ف اعتدلت في جلستها وهي تحدجه بنظرات غير مفهومة و: - أنا معنديش حاجه عشان أروح لدكتور، بعد ما تعدي سنة نبقى نشوف الموضوع ده.

ونهضت عن الأريكة وهي تتابع: - مش فاهمه سر استعجالك إيه، فجأة كده بقيت عايز بيبي!
ومضت من أمامه لتدخل غرفتها. أوصدت الباب وهي تبتلع ريقها وكأن الجو بات ساخنًا عليها، وضعت يدها على بطنها، وزفرت ب اختناق وهي تهمس: - أنا آسفه، عارفه إن ملكش ذنب، بس انا مش قادرة.

وأطبقت جفونها تستعيد ذلك المشهد من جديد، حينما أبلغها الطبيب بحملها. وإنها ستستقبل وليّ العهد بعد ثماني أشهر من الآن، تثلج جسمها كله مع سماع ذلك رغم توقعه مُسبقًا. ولم تترك فرصة تفكير واحدة إلا وقد قررت قرارها القطعي وهي تقول: - مش عايزاه، أنا عايزة أنزله!

فتحت رغدة عيناها بصعوبة، وكأن ناظريها مشوشين. مشت نحو الفراش واسترخت عليه، وهمست مرة أخرى وهي تُحدث تلك النُطفة التي علقت ب رَحِمها: - سامحني على اللي هعمله، انت متستحقش تعيش حياة كلها صراع زي دي
وختمت على قرارها بدون التفكير في العواقب والتوابع، حتى لم تهتم لحظة إن عرف معتصم بفعلتها ماذا سيفعل؟!

وقف يونس بسيارته في رواق المدخل حينما لمح الطبيب البيطري، وترجل عن السيارة متعجلًا ليتعرف على سبب إجهاد الفرس خاصته وعدم قدرتها على الوقوف.
دنى منه يعاتبه بحدة و: - اتأخرت ليه يادكتور؟
- معلش يايونس باشا عقبال ما خلصت العيادة
زفر يونس وهو يسأل بنفاذ صبر: - طب قولي، ريحان مالها؟
- عندها حُمى الحافر، ودي بسبب أكل الحبوب الكتير ومن غير تدريب. السموم اترسبت في الحوافر ومبقتش قادرة تقف
- وبعدين؟

- أنا حقنتها بمصل، وسيبت علاج لعم مهدي يحطه في الميا اللي بتشرب منها. وبعد يومين هاجي تاني أشوفها
أفسح له يونس المجال كي ينصرف. وسار في اتجاه الإسطبل الخاص به متلهفًا ليراها. ولكنه صُدم، صُدم مع رؤية ملك هنا في هذا الوقت تمسح على رأسه ريحان وظهرها وهي ممدة على الأرضية. أطال النظر لها وهي تمسح عليه بحنو بالغ، ثم أثار انتباهها: - آحم.

التفتت برأسها لتراه، نهضت عن وضعية القرفصاء و بررت وجودها هنا ب: - أنا كنت سامعه صوتها عشان كده جيت اشوفها
- ماشي
واقترب منها. انحنى عليها قليلًا وهو ينظر لحالتها التي أحزنتهُ، بينما كانت ملك تتطلع إليه وهي تفكر، هل تسأله عن اتفاقهم الذي سَيُنفذ بالغدّ أم تصبر على ذلك. وفي أوج تفكيرها كان يونس يقطع عليها شرودها متسائلًا: - أنتي قلعتي الحجاب؟

لحظات صمت كأن سؤاله غير متوقع، ثم قالت: - أنا عمري ما كنت لبساه، ده كان إجباري عليا بعد ما اتجوزت
ف التوت شفتيه و: - يعني بتقولي إنك خدتي حريتك بالكامل! كويس
واستبقها للخروج، ف لحقت به على الفور و: - آ. يونس
توقف واستدار لها وقد خمن ما ستقوله، لتردف هي: - أنت كنت قولتلي إمبارح إنك آ..
- أنا رجعت في كلامي.

تلجّم لسانها، وشُل عقلها للحظات وهي تستوعب ما قيل توًا. حتى هو صمت كي يترك لها مساحة التفكير التي ستمكنها من الرد، ازداد فضوله ليعرف رد فعلها، ف إذا بها تقول بعدما عبست: - يعني إيه! انت فاكرني عيلة صغيرة عشان تاخدني على قد عقلي
- انتي فعلًا عيلة صغيرة، لو معرفتيش تميزي اللي قدامك ده جنسه إيه وملّته إيه يبقى انتي فعلًا صغيرة وهبلة كمان.

ارتفع حاجبيها بذهول من إهانته لها، وصاحت فيه بقلة حيلة: - أنا غلطانة إني آمنت ليك وصدقت إنك ممكن تساعدني، طلعت شبه بابا وشبه محمد وكلكم شبه بعض
عقد ذراعيه خلف ظهره وهو يرمقها بنظرات حادة لجلجت من ثقتها المهتزة بنفسها وقال بنبرة خشنة: - مين هادي؟ أهله فين ومين! متجوز ولا لأ! بيعمل إيه! تعرفي أي حاجه من دي؟

قطبت جبينها وهي تجفل نظرها عنه، ثم أجابت بثقة لا تعرف مصدرها: - هادي مش متجوز، وأهله آ، مش عارفه هما فين؟ عمره ما جاب سيرتهم
ف ضحك بسخرية وهي يقول: - هو فعلًا مش متجوز، هو مُطلق
شهقت بخفوت وهي تحملق فيه: - مطلق! بس هو مقاليش كده، قالي انه متجوزش قبل كده و..
- اتجوز 5 مرات وكلهم طلقهم.

كأن الصدمة گالصخرة الثقيلة التي حطّت على لسانها فلم تستطع التحدث بكلمة واحدة، بينما تابع هو قنبلة مفاجآته التي جاءها بها: - أبوه مسجون بتهمة شروع في قتل بسلاح أبيض وأمه متجوزة راجل تاني، واحدة من زوجاته خلعته وواحدة تانية بينهم قواضي نفقة وعندهم طفلة
مال برأسه يمينًا وهو يسأل ب استخفاف: - مين ده اللي عايزه تروحي له ياملك؟
وصاح فجأة: - مين!

انتفضت أثر صوته، وقلبها حتى الآن مغلف بالسم الذي لم تُشفى منه بعد، مازالت فريسة لحُب توهمت به، رافضة سماع شئ يُدينه، ولذا صاحت فيه هي الأخرى: -أنت بتكذب عليا، ملقتش قدامك حاجه تانية تمنعني بيها إني أمشي من هنا غير إنك تعيشني في كابوس إنه ضحك عليا
ف ابتسم بسخرية وهو يشير للمحيط: - أنا مش مضطر أعمل ده، كده كده إنتي مش هتخرجي من هنا. مش هتسيبي هنا طالما أنا مقولتش ده.

ضاقت عيناه متحمسًا لأن يعقد معها اتفاق، وبالفعل عرض ذلك عليها: - أنا هثبتلك إني صح، مش عشانك. تؤ. ده هيكون عقابك على اتهامك ليا بالكذب. إنك تعيشي بعذاب إنك كنتي مخدوعة.
أنا هعمل معاكي deal اتفاق، وانتي مجبرة تنفذيه بالحرف، طالما أنا كذاب، عينك هتكون أصدق مني.

عيناها المغلفة بطبقات القهر والضيق، لن ينساها. ولكنه لن يلين إلا بعد أن تعود لرشدها، بعد أن يعاقبها كما قال، تجاهل أي شعور بالشفقة حيالها الآن، ورضخ لتفكيره الذي قاده نحو طريق سيؤدي بها للحقيقة.
كان صباح رطب، هادئ. جلس يونس يحتسي مشروب عُشبي دافئ بجانب سيجارته وهو يقرأ أحد الكُتب التي تتناول علم النفس بشكل مُفصل، هذا المجال الذي درسهُ بالخارج وأسهم في تشكيل شخصيته الحالية بشكل كبير.

كان متمعن القراءة شديد التركيز، إلى أن قطعت ملك تركيزه بعدما طرقت على باب غرفة الجلوس، ف رفع بصره ناحيتها.
الآن يرى أنثى، حرفيًا أنثى جميلة. لم يراها هكذا منذ أن أتى بها إلى هنا. الثوب الكلاسيكي الغير متكلف وشعرها الذي اهتمت بتصفيفه فأصبح ب قِصره أجمل من كونه كان طويل. لم تستخدم من أدوات الزينة سوى طلاء الشفاة الوردي الرقيق، ومسحت أسفل عينيها بالسائل الخافي للهالات السوداء.

وقفت على الباب وهي تحمل حقيبة صغيرة، وأردفت: - أنا جاهزة
شملها بنظرة واحدة، ثم عاد ينظر للكتاب وهو يقول متعمدًا مضايقتها: - طلعتي بتعرفي تتشيكي! ياترى ليه كلفتي نفسك كده!
فلم تُبدي انزعاجها و: - عادي
ترك الكتاب ودعس بقايا سيجارته ثم نهض، وضع يُسراه في جيبه و: - اللي قولتلك عليه هتنفذيه بالحرف، مفيش كلمة تنقص ولا كلمة تزيد. يعني ياريت متشغليش دماغك
ف انفعلت وهي تقول: - أنا مش غبية عشان تفهمني كذا مرة.

ف ابتسم بسخرية و: - واضح إنك مش غبية خالص، عشان كده هتاخدي أكبر قلم في حياتك بعد ساعتين من دلوقتي
- آ..
فقاطعها و: - مش لازم تردي وتزعقي وتتعبي نفسك، هتحتاجي للطاقة دي لما نرجع
ومرّ من جوارها بينما كانت هي متصلبة في مكانها، فتوقف عن السير ونظر نحوها وهو يقول: - المفروض أشاورلك على الطريق ولا أمسك إيدك وأوجهك بنفسي زي العيال الصغيرة؟

تشنجت وهي تسير نحوه حتى تجاوزته، ثم مشت ب اتجاه الباب وقد وصل غضبها منه لذروتهِ، في حين كان هو يسير بخلفها متأملًا مشيتها الغريبة وهي منفعلة هكذا، منع ضحكة من التسرب إلى وجهه. وضبط تعابيره حتى يُنهي هذا الأمر، اليوم. وبعدها ينظر في أمر مشيتها المتشنجة الغريبة تلك.

انتظر يزيد بالخارج في العيادة الخاصة للطبيب الإستشاري المتخصص في أمراض الصدر والرئتين. حيث نقل عمهِ إبراهيم على الفور بعدما سمع من عاملي متجره عن حالته الصحية المتدهورة منذ فترة، فلم ينتظر وتحدث إلى الطبيب على الفور ليذهب به إليه.
خرج المُساعد أولًا، ثم سمح له بالدخول: - الكشف خلص، تقدر تدخل
دخل يزيد وهو ينظر للطبيب بترقب، وسأل: - ها يادكتور، إيه الحكاية؟

أجفل الطبيب رأسه وصرّح ب: - هي مجرد شكوك، لكن قوية. أستاذ إبراهيم عنده سرطان في الرئة، وأكيد هو عارف ده
تجمد يزيد بمكانه وعيناع عالقة على الطبيب، بينما تابع الأخير: - وزيادة احتياط مني هكتبلك على شوية تحاليل وآشعة لازم تتعمل. بناء عليها لازم نحجز أستاذ إبراهيم في مستشفى عشان يبدأ العلاج الكيماوي
حانت من رأسه إلتفاته نحو غرفة الكشف وارتكز ببصره عليها وهو يردد غير مصدقًا: - عارف!

- أكيد عارف، نوعية المُسكنات اللي بياخدها بتأكد إنه عارف
خرج إبراهيم وهو يسير ببطء، وقال بسئم: - أرتحت لما جبتني عند الدكتور يا يزيد؟ يلا بقا رجعني المحل عشان سايبه لوحده
نهض يزيد وسحب الورقة التي كتبها الطبيب، طواها ودسها في جيبه و أردف: - ورانا مشوار مهم الأول
فتح له الباب بينما كان يسأل: - تاني! يابني أنا كويس صدقني
- لأ ياعمي، مش هصدقك.

خرج إبراهيم وهو من خلفه، ف استوقفه يزيد وهو يسأل: - انت عارف إن في أي وقت ممكن يجرالك حاجه، عشان كده سيبت ملك مع يونس؟! عشان مش ضامن إنك تلحق تتصرف
أطرق إبراهيم برأسه، ولم يود التحدث عن الأمر. مشى بدون أن يُجيبه، ف لحق به يزيد و: - كنت هتخبي علينا لحد أمتى!
- يزيد أنا مش قادر اتكلم، وصلني ياأما هاخد تاكس وامشي
- لما نعمل الأشاعات والتحاليل ياعمي.

ف اعترض إبراهيم ولكن يزيد لم يوليه فُرصة لذلك: - مفيش اعتراض، أركب لو سمحت
ف شدد عليه إبراهيم وهو يضغط على ذراعهِ: - ملك مش هتعرف يا يزيد
أظهر يزيد ترددًا حيال طلبه، ف عاد إبراهيم يؤكد على حديثه: - لو قلتلها اعتبر إن عمك مات
ف أجفل الأخير بصره و: - ماشي.

استقر إبراهيم بمكانه، بينما كان يزيد گالترس. لا يتوقف عقله عن التفكير فيما حدث، قد تتغير كل الأمور بعدما علم بمرض عمهِ المُميت، بل سيتغير بالفعل ولا وجود للإحتفالات حتى.
تأفف هادي بقنوط وهو ينهض عن مكتبه، نظر للساعة للمرة الخامسة على التوالي وغمغم بسخط: - مش فاهم ليه يعني نتقابل في العيادة في عز الصبح واضطر آجي أفتح بنفسي! وكمان تتأخري عليا كل ده!

استمع لصوت الجرس، ف أسرع يخرج من الغرفة كي يفتح لها الباب بعدما اتفقت معه بالأمس أن يتقابل معها اليوم في وضح النهار بمقر العيادة الخاصة به. وما أن رآها، حدق فيها للحظات. هذه المرة الأولى التي يراها بهذا الجمال وهذه الإطلالة المميزة، وبدون حجاب أيضًا. انبعج فمه ب ابتسامة مسرورة متلهفة، وتناول كفها ليسحبها إلى الداخل وهو يردد: - ملك! انتي اتغيرتي خالص، إيه الحلاوة دي.

ف رسمت أمامه وجهًا سعيدًا وهي تقول: - كان لازم شكلي يتغير بعد ما حياتي اتغيرت
صحبها للغرفة الخاصة به ل استقبال المرضى، أو الفرائس خاصتهِ بمعنى أدق وأشمل. وقال: - بس التغير حلو أوي، مكنتش أتوقع إنك جميلة كده بشعرك
ابتمست بتكلف غير متحملة تلك اللعبة السخيفة التي وافقت على ممارستها و: - بتحبني ياهادي؟

ف تنهد وهو يمسح على وجهها بلطف أربكها، ضرب حصونها. وجعل قلبها يتحرك من مكانه يرجو منها الإستستلام له في الحال، دنى بخطوات جعلته شبه ملتصق بها وقبل أم يُعانقها أردف بصوت يجبرك على تصديقه: - بحبك أوي
وضمها إليه متابعًا: - دلوقتي مفيش جوز تخافي من خيانته، انتي حرة نفسك.

ارتجفت أوصالها وهي تحس بدفء صدره المنبعث نحوها، وارتخت أعصابها التي كانت تحاول متكبدة العناء التحكم فيها. وقالت بصوت ضعيف: - أنا كمان بحبك، أنت كنت حبل النجاة اللي بيشدني كل ما أغرق. وجودك صبرني على عذاب شهور، أنت الحاجه الوحيدة اللي كانت حلوة في حياتي الفترة اللي فاتت.

أحست به سيتمادي، أولًا ألصق شفاهه برأسها يُقبلها، ثم أذنها. ل تدب رعشة خفيفة داعبت حواسها، ف انتشلت نفسها على الفور واندفعت تقول بدون أي مقدمات: - إحنا لازم نتجوز بعد ما العِدة بتاعتي تخلص
سحبته من ذروة شبقهِ بها نحو طريق آخر جعله يرمقها مذهولًا، لحظات والتفت يوليها ظهره وهو يقول: - مرة واحدة كده؟ مش لما نتعرف على بعض كويس
- إحنا نعرف بعض من أربع شهور وأكتر، وبعدين انت لسه قايل إنك بتحبني!

جلس ونظر نحوها بفتور لا يناسب تلهفه عليها منذ دقائق، ثم أردف: - بحبك، بس مش معنى كده إننا نحكم على علاقتنا بالموت
تنغض جبينها بعدم فهم، تركت الحقيبة على الطاولة، وتسائلت: - موت!
- طبعًا موت، الجواز ده كلمة فاشلة أطلقها كل اتنين عايزين يعيشوا علاقة قدام المجتمع ومتكونش منبوذة منه. مش معنى إن كل الناس بتعمل كده إحنا كمان نعمل كده!

حدقت فيه غير مصدقة ما يقول، كإنها ترى إنسان آخر غير ذلك الحنون الذي أحبته ووقعت في عشق رُقيّهِ ورقته معها. وسرعان ما أردفت محاولة تجاوز صدمتها: - ده مكنش كلامك ليا و..
- لأ لأ لأ، أوعي تقوليني كلام مقولتوش. أنا عمري ما قولت هتجوزك، ولا قولتلك اطلقي من جوزك عشان تبقي معايا. انتي اللي عملتي كل ده ب إرادتك اللي انا زرعتها جواكي.

ابتلعت ريقها محاولة إيجاد ما يقال في مثل ذلك الموقف الذي لا تُحسد عليه. ولكنه استبقها متابعًا: - أنا كنت القوة الخفية اللي كانت بتحركك، أنا اللي خليتك تتمردي على الظلم والعنف اللي كنتي عايشة فيه وخلصتك من جوزك بأيدك انتي. لكن مقولتش هتجوزك.

كأن صدرها ضاق عليها لم تعد تتحمل حتى غاز الأكسچين الذي تتنفسه، ولكنها ما زالت تعافر كي تُبرئه أمام نفسها و: - صحيح ان وجودك في حياتي نفعني وقواني، بس انا قويت عشان نكون مع بعض. عشان أعيش الحياة اللي استاهلها معاك، مش عشان أكون عشيقتك!
كان فتورهِ قويّ لدرجة لم تتحملها هي وهو يقول ردًا عليها: - مسمهاش عشيقتي، أسمها حبيبتي. أنا مستعد نكمل طول العمر سوا، لكن..

فقاطعته وهي تضحك بسخرية: - لكن من غير جواز!
- بالظبط
ضحكت، ضحكت ضحكًا كثيرًا بعدما انتصر يونس عليها وتذكرت كلماته الموجعة التي لم تشعر بها سوى الآن، ستعيش الألم والعقاب الذي تستحقه، بل أضعافهِ أيضًا.

سحبت حقيبتها غير قادرة على كبح الضحك الذي استبدلته بدلًا عن البكاء والصراخ، وعيناه تنظر إليها بشدوه من صدمتها. حتى عندما خرجت من الغرفة كان صوتها بازغًا، في حين كان يُتمتم: - هترجعي تاني، مش هتلاقي غيري يكون حُضن ليكي.

هبطت ملك الدرج وهي تستند على الدرابزون، ساقيها رخوتين غير قادرتين على حملها. ورويدًا رويدًا كانت تترك جسمها حتى جلست على الدرج، خرج الزفير من صدرها وكأنه دخان يخنق روحها. وبأصابع مرتعشة أخرجت الهاتف الصغير من الحقيبة وبدأت تضغط على أزرارهِ. وضعته على أذنها وقالت بصوت مبحوح: - يونس، تعالى خُدني، أرجوك خرجني من هنا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة