قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية دمية على مسرح الحياة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن

رواية دمية على مسرح الحياة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن

رواية دمية على مسرح الحياة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الثامن

كانت جالسة على الفراش صامتة بينما تختلس النظر على والدتها الواقفة أمامها تتحرك يمينًا ويسارًا حتى قتل هذا الصمت صريخ فريدة وهي تتوقف عن الحركة تحدق بها: -
- مروان يامريم، مروان أنتِ ناسية إحنا هنا ليه وبنعمل أيه؟ أه صحيح وهتفتكرى أزاى ما أنتِ نسيتى كل حاجة. كل حاجة حتى والدتك نسيتيها.

همهمت بوجه عابس وكأنها أجرمت: -
- يا ماما أنا...
صاحت بوجهها مُنفعلة وتقول: -
- أنتِ تخرسي خالص مش عاوزة أسمع صوتك، وتعملى حسابك خطوبتك على غيث بعد يومين فاهمة.

أتسعت عيناها على مصراعيها بصدمة ثم وقفت من مكانها وقالت بأعتراض: -
- خطوبة مين؟ لا يا ماما أنا مش هتخطب لواحد معرفهوش خالص ولا بالطريقة دى أنا مش لعبة حضرتك هتحركيها زى ما تحبي.

نزلت بصفعة قوية على وجهها بأغتياظ شديد الآن طفلتها تعارضها ولأجل من لأجل أعداءها، وضعت يدها على وجنتها التي توردت من الصفعة بينما دمعت عيناها باكية ؛ مسكتها من ذراعها وضغطت بقبضتها عليه بقوة وعيناها تبث لها شرارة غضب مُتمتمة لها بنبرة قاسية: -
- هتتجوزى وغصب عنك وإلا يا مريم مروان اللى فرحانة بيه دا هنسفه بأيدى وأخليكى تبكي على بدل الدموع دى دم فاهمة.

دفعتها بقوة لتسقط على الفراش متألمة من ذراعها بعد أن جرحه أظافرها القوية ودموعها تنهمر على وجنتيها بوجع تشعر بألم تمزق قلبها لا تعلم سببها أحقًا أحبته وتكن مشاعر له بقلبها ؛ دفنت رأسها في الفراش لتخفي دموعها وتكتم صوت شهقاتها به حتى لا يسمعها أحد...
تركتها فريدة كما هي دون أن ترمش لها عين وهي ترى طفلتها تتألم وخرجت مُستاءة من تقرب أبنتها من عدوها.

كان يقف بغرفة مُصدومًا من ما حدث فأين كان عقله ليطلبها للزواج؟ أحقًا جن عقله ليرغب بزواجها وهو يعلم بأن والدتها تسعى للأنتقام منه هو وعائلته أما أنها سكنت قلبه بعفويتها وروحها المرحة التي ظهرت في الأوان الآخير، لكن ما يؤلمه في الحقيقى أنها ستكون لآخر وهو على يقين بأنها لا تعرف من خطيبها وأن كل ذلك من تخطيط والدتها. ظل هكذا ساعات كثيرة يفكر بما يُحدث وماذا يجب أن يفعل أيعلن الحرب هو بالهجوم على والدتها أم يبقى هادئًا حتى تدمرها بيدها ؛ خرج من غرفته مُشتاطًا غاضبًا وأثناء مروره من أمام خروجتها سمع صوت بكاءها وشهقاتها العالية فأغمض عيناه بضيق وأكمل نزوله في حين قلبه يخبره بأن يذهب لها...

كانت تقف بشرفتها تحاول تهدأ نفسها لكى تتوقف عن البكاء فظلت تنظر على السماء العتمة كعتمة حياتها تسائلت بماذا تقصد والدتها؟ وما سبب مجيئهم إلى هنا؟ وماذا فعلوا بهم؟ حاولت فهم أو البحث عن أجابات أسئلتها فنظرت إلى الأسفل بيأس فهى لا تستطيع العثور عن أى شيء برأسها الفارغة، رأته بالأسفل يقف هناك حائرًا وخائب الظن مهمومًا وكأن هموم الحياة بأكملها وقعت على عاتقه وقد تسقطه بأى وهلة.

ركضت سريعًا إلى الخارج وكأنها نسيت حديث والدتها وتهديدها أو بالأحرى تناسته، كانت تركض كطفلة صغيرة عثرت على والدها أخيرًا بينما عادت دموعها تذرف مُجددًا...

أستدار لكى يدخل إلى الداخل هاربًا من هموم قلبه وألمه بالعمل لكن توقفت قدمه حين رأها خلفه تأتى نحوه ركضًا فظل ينظر عليها وهي تركض حافية القدمين حتى وصلت أمامه فأختبأت بأحضانه مُحاوطة خصره بكلا ذراعيها مُتشبثة به بقوة وكأن تريد أن تخترق صدره وتختبيء بين ضلوعه القوي حتى لا يستطيع أحد أذيتها، حرك ذراعيه بتردد وبطيء شديد حتى وصلا للأعلى وتردد أيلمسها أم لا يجاوبها وينفر منها بالنهاية أستسلم لرغبة قلبه ووضع ذراعه خلف ظهرها والآخر خلف رأسها يمسح على شعرها بحنان حتى سمعها تغمغم بصوت مبحوح من شدة البكاء: -.

- أنا مش عاوزة أتجوزه، أنا معرفهوش ومعرفش ليه مامى بتكرهك كدة
أبعدت رأسها قليلًا للخلف بينما يديها كما هما حتى تستطيع النظر له وسألته: -
- أنت عملتلها أيه يا مروان؟ ليه بتكرهك
وضع يديه بجوار رأسها بحنان وقال: -
- أنا معملتش حاجة، عمتى سابت مصر من عشرين سنة كان عندى عشر سنين تفتكرى أيه اللى ممكن طفل عمره عشر سنين يعمله.

تنهدت بأختناق حتى شعر بنفسها الدافيء يداعب عنقه البارد وقالت: -
- بس هي قالتلى مش هتجوزنى ليك وأنك لو قربت منى هتنسفك أكيد حصل حاجة.

قصت عليه حوارها مع أمها، تنهد بأختناق وهو يعلم أن فريدة تنتقم منه على جريمة لم يقترفها ولا يعلم عنها شيء أكثر ما يعرفه الجميع ولكن كيف سيخبر هذه الطفلة بتلك الجريمة التي تسببت بها زوجة والده لحتمًا ستكرهه أو سترغب بالأنتقام منه مثل والدتها ومثل ما كانت تريد وترغب قبل الحادثة، أبعدها عنه بينما حدق بعيناها صامتًا وتناول يدها بين كفيه الكبار وسألها بهدوء: -.

- مريم أنتِ عاوزنى أمنع الخطوبة دى؟ لو قولتى أنك مش موافقة وعاوزنى أمنعها حتى لو غصب عن عمتى هعمل كدة، وعاوزك تتأكدى أنى هقدر أعمل كدة ؛ أنتِ لسه متعرفيش أنا مين وسلطتى ومكانتى وصلت لفين، أنتِ لو طلبتى القمر اللى فوق دا هتلاقيه قدامك في لحظتها.

همهمت بوجه عابس مُستاءة وحائرة قائلة: -
- تفتكر هقولك أوقف ضد مامى، مقدرش أنت محتاج تكسب محبتها مش عداوتها اللى واضح أن في عداوة كبيرة بينكم أنا معرفش سببها.

سألها بجدية وهو يحدق بعيناها الدامعتين: -
- أنتِ بتحبنى يامريم؟ لو أجابتك اه يبقى متسألنيش هعمل أيه؟ لأنى مش عاجز لدرجة أنى أضيع حبيبتى من أيدى.

أخفضت رأسها للأسفل بضعف تخشى أن تخبره بأنها حقًا تكن له مشاعر ويفعل ما يجبر والدتها على تنفيذ أنتقامها به، وتخشي أن تكذب عليه فتفقده للأبدًا ؛ ظلت تنظر للأرض حائرة وهو يرى حيرتها على معالم وجهها ووضع يده أسفل رأسها ليرفعها للأعلى ليلتقي بعيناها ويقرأ جميع الأجابات بها حتى لو لم تنطقها، ظل صامتًا مُنتظرة جوابها ولم تجيب عليه حتى تبسم لها أبتسامة يائسة وحزينة ثم جفف لها دموعها بأنامله وقال بهدوء عكس براكين النار المُشتعلة بداخله: -.

- مبروك يا مريم...
جهشت في البكاء وهو يبارك لها زواجها من رجل آخر فصاح بوجهها غاضبًا: -
- بتعيطى ليه دلوقتى؟ حيرتنى معاكى أقف وأقول لا مش عاجبك أسكت وأحط ملح على قلبي مش عاجبك، أعملك أيه؟

تذمرت عليه بأهتياج هاتفة: -
- أنت بتزعقلى ليه.
أستدارت لكى ترحل غاضبة منى حتى أستوقفها بيده حيث مسكها من معصمها برفق وأدارها له يتطلع لملامح وجهها ثم جفف لها دموعها واضعة قبلة على عيناها بتشبثت بيده بضعف.
كانت تقف بشرفة غرفتها وذلك اللقاء تحت أنظارها يشعل في نار غضبها أكثر فأتاها صوت سليم من الخلف يقول: -
- بلاش الخطوة دى، مريم بتحب مروان بجد
أجابته وهي تحدق بهما في الأسفل بلهجة غليظة: -.

- وعشان بتحبه لازم أفرقهم، مريم مُستحيل تكون لمروان مستحيل تكون نقطة ضعفي في القصر دا اللى مروة تستخدمها ضدى فيما بعد أو تعمل فيها اللى عملته فيا؛ أنا بحمي مريم من شر مروة ونار القصر دا مش بأذيها.

- لا بتأذيها، لما تجوزيها رجل أكبر من أبوها نفسه يبقي بتأذيها، لما تجوزيها رجل أنتِ عارفة كويس هو شغال في أيه، وأتجوز كام مرة واللى أكيد مريم هتحصل كل واحدة أتجوزها يبقي بتأذيها
قالها سليم بأنفعال سافر دون الأنتباه للرسميات أو مع من يتحدث حتى أستدارت له وقالت بجدية وعدم أهتمام بحديثه: -
- روح جهز نفسك يا سليم عشان خطوبتك أنت وسارة بعد بكرة مع مريم.

تركته ودلفت إلى غرفة النوم، زفر بضيق من عنادها كأن الأنتقام أعماها حقًا ثم خرج غاضبًا من الجناح لا يشعر بالسعادة بخبر خطبته من محبوبته فكيف له أن ينال السعادة وأخته الصغرى على وشك القتل بتلك الرصاص المصوبة نحو قلبها في مقتل...

في الصباح
كانت تنهدم حقيبتها وتجمع أغراضها لكى تخرج حتى سمعت بعض طرقات على باب غرفتها ثم ولج مروان إلى الداخل وسألها بجدية: -
- أنتِ خارجة يا ريما؟
أومأت له بنعم دون أن ترفع نظرها له ثم مرت من جواره لكى ترحل لكنه أستوقفها بيده حين مسكها من ذراعها بأغتياظ وقال بشراسة: -.

- على فين؟ هتقابلى مين النهاردة عشان يرجع بمصيبة؟ يا ترى المرة دى هترجعى بمراتى في أيدك وجوزك زى ما جوزتى مريم لواحد مُتخلف من قبل ما يأخد القلم أعترف عليكِ.

نفضت ذراعها من قبضته بأشمئزاز وقالت: -
- أيه اللى بتقوله دا هي خلاص طقت منك؟ ولا ست مريم كلت دماغك زى قلبك
مسكها شعرها من خلف رأسها بقوة بأغتياظ وقال بتهديد: -
- تانى مرة لما تتكلمى مع أخوكى الكبير تتكلمى بأدب وتنسي شوية تربية الحوارى اللى عيشتى فيها دى، أنا عاوزك تقعدى هنا زى الهواء الشفاف محسش به لا تفكرى بغل وحقد ولا تقلى أدبك فاهمة وعمتك وبناتها خرجيهم برا حساباتك يا ريما.

تألمت من قبضته وهي تضع يدها على يده خلف راسها تحاول أفلات شعرها من قبضته وقالت بأستفزاز تثير غضبه أكثر: -
- بدل ما تتشطر عليا وجاى تعمل رجل عليا روح أعمل رجل على عمتك اللى هتجوز حبيبتك لعدوك اللدود وهتحط صبعك تحت ضرسه بعد ما تديله نقطة ضعفك.

تركها بصدمة وأتسعت عيناه بذهول، فرت هاربة بعيد عنه تلتقط أنفاسها؛ فسألها بفضول: -
- قصدك أيه؟
ضحكت ساخرة عليه وقالت بتهكم تثير غضبه وتألم قلبه: -.

- أيه هي الملاك البريء اللى وقعتك في حبها مقالتكش مين العريس، بس مش مشكلة أوفر عليك وأقولك أنا حتى أقهرلك قلبك شوية، مريم هتتجوز غيث عارفه ولا أعرفهولك وعارف هو مين وبيشتغل في أيه ولا أعرفك دا كمان وعارف هو عنده كام سنة بلاش بقي كل دا عارف هو هيعمل أيه ساعة ما يعرف أن اللى معاه هي حبيبة عدوه اللى كل شوية ينتصر عليه هتبقي عامل زى الكرة الشارب في رجله عشان بس حبيبتك عنده وتحت سيطرته، وأقولك على اللى يقهرك أكتر وأكتر أن كل دا تخطيط من فريدة اللى جاي محموق عليها أوى كدة ومريم مش فاقدة الذاكرة وعملت كل دا عشان توقعك في حبها وتسيطر عليك، بمعنى كلهم عمولك لعبة بين أيدهم وأنت أهبل بتصدق الدمعتين اللى بتنزلهم قدامك والضحكتين اللى تسحرك بيهم.

صُدمت بصفعة قوية على وجنتها منه تحمل كل الألم التي تسببت بها له في تلك اللحظة، وضعت يدها على وجنتها بصدمة من أنفعاله عليها حتى صرخت بوجهه قائلة: -
- بتمد أيدك عليا يامروان عشان خاطرهم، عشان خاطر ناس بيكرهوك، هتخسر أختك اللى من لحمك ودمك عشان ناس بتضحك عليك وبيستغفلوك فوق يامروان.

جذبها إلى صدره يطوقها بحنان مصدومًا بكل كلمة قالتها وكيف وقع بفخهم وهل حقًا مريم لستُ فاقدة الذاكرة وكل ذلك أكاذيب، أجنت عمته لتزوجها لذلك الرجل الملعون.
أجهشت في البكاء بين ذراعيه وجسدها مُنتفض من البكاء فوضع قبلة على رأسها بحنان وأستدار لكى يرحل يخفى عنها تلك الدمعة التي زارت عينه...

خرج من غرفتها مُشتعلًا مُتجهًا إلى غرفتها بأغتياظ ودلف إلى الداخل فوجدها نائمة في فراشها كالملاك الصغير لم يتوقع بأنها تفعل كل هذا به تقدم خطوة واحدة نحوها لكن أوقفه صوت سارة من الخلف تقول: -
- مروان، بتعمل أيه هنا؟
أستدار لها بضيق فوجدها تقف مع سليم ومعهما رجل غريب آخر لا يعرف من هو فقال بجدية: -
- مفيش، مين دا؟
أجابته بقلق ووجه عابس مُستاءة: -.

- دكتور، مريم فضلت تعيط من وجع رأسها وأغمي عليها. أتفضل يا دكتور
تناسي كل كلمة تفوهت بها أخته بعد حديثها عن مرض حبيبته الصغيرة، خرج للخارج ينتظر خروج الطبيب ومعاه سليم، كان يتفحص ملامح وجهه والقلق الذي أعتله خوفًا على محبوبته ؛ أراد أن يخبره بما تخطط له فريدة لكنها عنيدة كما ورث فتاتيها العناد منها وستعتبره خائنًا لها ففضل الصمت، خرج الطبيب من الغرفة وأسرع له بهلع يسأله عنها: -.

- خير يا دكتور طمنى؟ مريم مالها؟
- دى أعراض جانبية طبيعية بعد أصابتها وخصوصًا انها بتمر بزعل وضيق
قالها وهو ينظر في الأشعة الخاص بجراحتها وأصابتها وأخبرهم بأن هذا الألم من الممكن أن يكون بسبب عزيمتها على أستعداد ذاكرتها المفقودة فهى ترهق عقلها بهذه الطريقة فتتسبب بالألم لرأسها وكأن ما حدث الأن حدث ليخبره بأن أخته تكذب عليه بشأن مرضها، نزل مع الطبيب و سليم لم يدخل ليطمئن عليها...

مر اليومين بسرعة البرق.

وكأن القدر يرغب بقتلهما سريعًا كانت تجلس بغرفتها أمام المرآة وبعض الفتيات يزينوها لتصبح عروس لرجل آخر غير حبيبها كانت تتطلع لصورتها بالمرآة صامتة وكالوردة الذابلة مُستسلمة تمامًا لما يفعلوا بها، كانت الفتاة تضع لها مساحيق التجميل لتخرج من تحت يدها أميرة جميلة فاتنة وأخذتها الآخرى إلى غرفة الملابس لكى تساعدها في أرتدى فستانها ومعاهما مساعدتها ؛ كانت حالتها على عكس حالة أختها التي تغمرها السعادة فهى ستصبح ملك لحبيبها وحدها. فكانت تتزين وتفعل كل شيء بسعادة ووجهه مُبهج بينما تدندن بأغانى رومانسية...

كما والدتها قاسية لتفعل الخطبة بمنزله حتى تكسر قلبه وتقهره حد الموت وهو يري حبيبته بجوار رجل آخر وليس بأى رجل بل عدوه كما علمت صباحًا...

في الأسفل.

كان بغرفة مُكتبه متأنق ببدلته الرمادية وقميص أسود حتى دلف عاصم يخبره بوصول الضيوف وأن سيارة غيث دلفت من بوابة القصر الآن ودقائق وسيكون أمامهما. هندم ملابسه بوجه مُقنع بقناع القوة حتى لا يظهر له بأنه أخذ قطعة من روحه أو بالأحرى أخذ روحه بأكملها ثم خرج من الغرفة يستقبل الضيوف مُرحبًا بهم مع أبتسامة مزيفة يستطيع فعلها حقًا حتى دلف غيث ومد يده له يصافحه بأبتسامة جانبية أنتصار رافعًا حاجبه له وقال بغرور: -.

- مر وقت طويل يامروان بيه
- مهما طال الوقت لينا لقاء ياغيث باشا
قالها بكبرياء بينما نظر ليده الممدودة ووضع يديه بجيبه بغرور متجاهلًا يديه فضحك غيث ساخرًا عليه ثم أغلق قبضة يده ساحبها لجانبه ليتقدم خطوة نحوه يعانقه هامسًا بأذنيه مُستفزه: -
- اللقاءات هتكتر من النهاردة خصوصًا لما تكون حبيبة القلب بين أيدي ومش أى دا قلب مروان بيه أبو الغيط.

قالها ولم يترك له مجال للجدال فأبتعد عنه وولج إلى الداخل مصافحًا فريدة المُبتسمة له وتاركه خلفه بصدمة قوية أصابته شلت جميع أطراف جسده من أين يعلم بأنه يحبها إذا كان هو نفسه لم يعترف حتى الآن بحبه لها أم تجرأت فريدة على أخباره بأنها تعطيه قلب مروان عدوه بين يديه حتى يفعل به ما يشاء فتسائل أى أم هذه تقتل أبنتها بنفسها...

قطع صدمته نزول سارة مُرتدية فستانها الأحمر الطويل بقفول الصدر وعاري الظهر بينما شعرها مسدول على ظهرها وعلى رأسها تاج من الألماس رقيق والبسمة تزين شفتيها وعيناها تلمع ببريق السعادة بصحبة أختها تلك النجمة المنطفئة والوردة التي قطفتها والدتها من البستان حتى ذبلت مُستسلمة للموت بدون ماء، كانت مُرتدية فستان سيموني اللون طويل وله ذيل من الخلف بكم شفاف يظهر عنقها وذراعها من أسفله وشعرها ملفوف على شكل وردة وعليه بعض الفصوص التي تزينها وحول عنقها سلسلة رقيقة مُرتدية كعب عالى كما كانت نحيفة رغم جمالها كانت بالفعل أميرة وهبطت على قلبه لكن سرقها القدر منه، حاول قدر الأمكان الثبات وعدم أظهار ضعفه وما يحدث بقلبه بينما هي كانت تبحث عنه بنظرها حتى وجدته هناك بعيدًا يقف وبجواره عاصم حزين رغم أناقته فأشاحت نظرها عنه حين وصلت إلى غيث الذي لمس يدها ووضع قبلة عليها لتشعر بالأشمئزاز منه فجذبت يدها منه ليبتسم بخُبث عليها ويلتقط يدها مُجددًا يضعها في ذراعه ويذهب بها. شعرت بحزن حبيبها على عكسها فسألته بفضول: -.

- مالك يا سليم أنت مش فرحان عشان أتخطبنا
وضع قبلة على جبينها بحنان وقال بغزل: -
- إحنا هنهرج أكيد فرحان، دا القلب كله أنت ياقمر أنت. يالهوى يا ناس على العيون الزرقاء دى ياخراشي.

قوست شفتيها للأسفل بحزن وقالت مُستاءة: -
- أمال مكشر ليه؟
- بصي على مريم وهتعرفي أنا مكشر ليه، مريم مكسورة يا سارة ومجبورة على دا، تعرفي دى أكتر لحظة أتمنيت فيها أن مريم تستعد الذاكرة وترجع قوية مكانتش هتفضل قاعدة كدة
قالها وهو يدير رأسها تجاه أختها لتتلاشي بسمتها بشفقة على أختها...

أخرج علبة قطيفة زرقاء من جيبه وفتحها لترى بها خاتم خطبتها وكأنه بتلك اللحظة غرس خنجر مسموم بقلبها وسلبها روحها بتلك اللحظة رفعت نظرها باحثة عنه حتى تقابلت عيناهما بينما إلتقط غيث يدها بين كفه ليضع بها خاتم خطبته ويعلن للجميع بأنها ملكه.

كان يقف بعيدًا وخلفه بخطوة يقف عاصم يتأمل ملامحه بأستياء وشفقة عليه وهو يقف هنا عاجزًا يرى حبيبته ذاهبة لآخر فهو حقًا وقع في غرام هذه الفتاة وكل تصرفاته توحي له بذلك بأن هذا الجبل الصامد وقع في حب فتاة لم تكن له كالذي يقع في حب نجمة السماء وهو يعلم بأنه لن يطلها ولن يصل لها يومًا، والذي وقع في غرام وردة يعلم بأن غيره من سيقطفها...

كان يقف صامتًا واضعًا يديه بالجيب ينظر عليها وهي تجلس بجوار ذلك الرجل ويضع دبلته في بنصرها الذي يدل على ملكيته لها وهي ناظرة عليه بعينين حزينتين دامعتين تريد الركض له ويأخذها بعيدًا، تريده أن يحارب لأجلها لكن من عدوه والدتها هل ستقبل بأن يعلن الحرب ضد والدته ويتخذها عدو له لا لن تقبل فقبلت الصمت والخضوع عن الحرب والعراك...

أنتهى اليوم ببطيء شديد كأن القدر يرغب بألم قلوبهم أكثر وأكثر، صعد إلى غرفته وهو يحرك رابطة عنقه لكى تخلص من هذا الأختناق الذي أستحوذ عليه ؛ ولج إلى غرفته مُنهكًا مُستديرًا ليصعق بصدمة وجودها بغرفته بفستان خطبتها لن ينكر بأنها جميلة كالأميرة وزادت جمالها مع مساحيق التجميل وذلك الفستان كما تلك الفتاة عنيدة ومتمردة حين أجبرتها والدتها على الخطبة أتخذت العناد سلاحها ورفضت الحجاب وتنازلت عن كل شيء ترغب بها فحين أجبرت أنطفت الحياة بعيناها وأصبحت عتمة مُظلمة وأنطفئت رغباتها بأى شيء، أقترب منها بخطوات ثابتة يتأملها بجسد مُنهك من الألم بينما هي كانت تسرع بخطواتها نحوه حتى وصلت أمام ولم تعطيه فرصة لنطق حرفًا واحدًا فأطبقت شفتيها على شفتيه وأنهمرت دموعها التي حاولت حبسها طيلة اليوم مع تلك القبلة الحزينة فشعرت بيده تحتضن خصرها ويقبض قبضته عليها بأحكام مُتجاوبًا معاها فأبتعدت عنه تلتقط أنفاسها واضعة جبينها على جبينه ويديها بجوار عنقه وقالت هامسة له بنرة دافئة رغم حزنها: -.

- مروان أنا بحبك
كان صامتًا يستنشق عبيرها فهو لا يعلم متى ستسنح له الفرصة ليستنشق عبيرها أو يقترب منها مرة آخرى بل حتمًا القدر أخبره بأنها لن تكون له ولن يقترب منها مُجددًا، قال بشغف وبنرة عاشقة: -
- وأنا بحبك يامريم بحبك وعاوزك بس قوليلى أعمل لو هتوافقى أنى أقف ضد فريدة هقف وهعلن الحرب عشانك.

- لا لا لا لا يا مروان دى أمى يامروان والخلاف بينكم كبير لوحده مش محتاج أنك هتزوده.

قالتها بحزن بينما تمسك يديه بين كفيها الصغار الناعمين فوضع يده الآخرى فوق كفيها وأنحنى واضعًا قبلة على كل كف منهما بحنان ودفء فجذبت يديها منه ليستقيم ظهره رافعًا نظره لعيناها وكانت تبث له نظرة ضعف وحزن ممزوج بجرح كبير يظهر بملامحها ؛ جذبها من معصمها بقلب مجروح إلى صدره ليعانقها فعانقت بضعف وبدأت تجهش في البكاء بين ذراعيها ليكن ذلك عناق الوداع وقتل حبهما الذي بدأ ينمو ولم يطول فحكم عليه بالموت قبل أن ينضج...

دلفت إلى غرفة طفلتها صباحًا ودهشت حين وجدت الغرفة فارغة ولم تجد أبنتها بها كزت على أسنانها وخرجت مُشتاطة غاضبة مُتجهة إلى غرفته وهي تعلم بأن أبنتها أصبحت ضعيفة الشخصية وبالتأكيد ركضت له فتحت باب الغرفة بأنفعال وصعقت حين وجدت أبنتها بغرفته بالفعل نائمة على فراشه بفستانها كالطفلة الصغيرة رغم برائتها كانت ملامحها حزينة حتى في نومها أستدارت مُستاءة لتجده يقف أمام المرآة يربط رابطة عنقه مُستعد للذهاب إلى العمل فصاحت بوجهه قائلة: -.

- هي حصلت لكدة يا مروان؟ وصلت معاك لهنا
أستدار لها وهو يأخذ جاكيته ببرود وأقترب منها ثم قال هامسًا لها: -
- بنتك بتخاف منك يافريدة هانم، ويوسفنى أقولك أنك بدأتى تخسري بنتك ومتخافيش أنا مش عيل صايع هيضحك على بنتك، أنا رجل يافريدة هانم وملمستش بنتك ونمت في المكتب مع أن أنتِ والحيوان اللى أتلمتى عليه عقابكم أنكم تخسروا مريم بس زى ما روحتى قولتله بالظبط أنا مش هأذي حبيبتى بأيدى عشان روحى فيه.

تقدم خطوة للأمام ثم توقف مرة آخرى وقال بتذكر: -
- اه صح وكمان أعرفى حاجة مهمة أن اللى مصبرنى عليكم لحد دلوقتى مريم الملاك اللى هناك دا عاوزك تتفرجى عليها وهي نايمة وتأكدى أن لحظة ما مريم تقولى أحمينى منهم هعلن الحرب ومش هتقدرى على حرب العاشق يافريدة يوم ما يتجرح...

تركها وخرج من الغرفة بصدمة من قسوة حديثه ومن فعلت أبنتها التي جعلت تتوقف هنا وتستمع له بنبرة غروره وهو يتحكم بها ويستفزها هكذا ويجرؤ على تهديدها.

في شركة أبو الغيط
دلفت مليكة لغرفة المكتب بسعادة تغمرها فهى اليوم ستبدأ حياتها المهنية والعملية حياة جديدة تحلم بها دومًا لكن لم تكتمل سعادتها حيث وجدته هو ذلك العاشق الذي أخبرها بأن خطبته غدا فكزت على أسنانها بأغتياظ منه وقالت: -
- أنت بتعمل أيه هنا؟ أنت...
تبسم لها بغرور وقال: -
- مديرك يا أنسة مليكة، أتفضلى أرتاحى.

زفرت بضيق من رؤيته وجلست على المقعد أمام مكتبه ووضعت حقيبتها بقوة على الطاولة حتى فزع من غضبها تلك وكتم ضحكاته على تمردها الطفولى...

كان جالسًا بمكتبه يقلب ببعض الأوراق بدقة حتى ولجت السكرتيرة له بهدوء وتقدمت نحو مكتبه بينما هو جالسًا عليه ويباشر عمله بتركيز حتى توقفت أمام المكتب وقالت برسمية: -
- أنسة ني?ين برا وبتقول عاوزة حضرتك في موضوع ضرورى بخصوص الحادثة
رفع نظره لها بذهول وأتسعت عيناه على مصراعيها وكيف لأبنة عمه بأن تعلم شيء عن الحادثة فأومأ لها بالسماح لدخولها وترك القلم من يده مُنتظر دخولها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة