قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الخمسون والأخير

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه الجزء 1 بقلم منال سالم

رواية خطأ لا يمكن إصلاحه ( رفقا بالقوارير ) الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل الخمسون والأخير

في القرية السياحية
انتبهت نيرة وهي تسير على الطريق بدراجتها أن هناك سيارة ضخمة قادمة في اتجاهها تسد عليها الطريق، ولأن الطريق كان منحدراً فكانت مسألة الضغط على مكابح الدراجة لتفادي الاصطدام أمر شبه مستحيل...

تملك الرعب والخوف الشديد من نيرة خاصة أنها أدركت ان السائق مشغول بأمر ما وغير منتبه للطريق
-نيرة بنظرات رعب: لألألأ.. ايييه ده، السواق ده مش في وعيه ولا ايه، انا.. انا كده هالبس فيه وش..!.

اعتدل مروان في مقعده وتفاجيء باقتراب فتاة ما من السيارة بسرعة رهيبة، ضغط بكل قوة على مكابح السيارة، ثم أدار عجلة القيادة على جانب الطريق كي يتفادى الاصطدام بها، ولكن للأسف أدار المقود في نفس الاتجاه الذي حاولت نيرة أن تتجه إليه لكي تتجنبه.. وهنا حصل الاصطدام، ولكن بدرجة أقل...

ارتطمت دراجة نيرة بمقدمة سيارة مروان، فسقطت نيرة فوراً على الأرض ومن فوقها دراجتها..
ترجل مروان من السيارة مسرعاً والقلق يبدو جلياً عليه ليطمئن على الفتاة ويعتذر لها عما حدث...
كانت نيرة توليه ظهرها، ولكنها انهالت عليه بالسباب اللاذع قبل أن يقترب منها حتى مما اضطره للوقوف بعيداً عنها والتراجع عن قراره بالاعتذار و...
-نيرة بغضب عارم: انت متخلف، وحيوان، لو مش عارف تسوق يبقى متركبش عربيات من الأصل.. يخربيت اللي علمك السواقة وجابلك العربية من أساسه.

-مروان بضيق وهو يعقد ساعديه أمام صدره: تصدقي بالله أنا كنت ناوي أتأسفلك ع اللي حصل، بس بعد اللي قولتيه ده أنا غلطان اني مسوتكيش بالأسفلت..!

صدمت نيرة من الصوت الذي سمعته، لقد خفق قلبها فوراً واضطرب لسماع ذلك الصوت الذي اخترق قلبها قبل أذنيها.. لقد عرفته على الفور، لقد استطاعت أن تميزه قبل ان تراه، إنه هو.. إنه مروان..
ارتعدت نيرة في نفسها، كانت تخشى أن تضعف حينما تراه، ظلت تتوعد لنفسها أنها سوف تريه ما لم يراه في حياته، لن تحن إليه، ستجعله يعاني الأمرين معها.. ولكن ما حدث هو العكس تماماً... خفق قلبها بقوة، تسارعت أنفاسها، بدأت الحمرة تكسو وجهها
-نيرة في نفسها: لأ مش ممكن.. مش معقول.. ده... ده هو.. استحالة! طب.. طب ازاي؟

لم تجب نيرة على مروان رغم استطاعتها هذا بكل بساطة، وإنما صممت وظلت مولياه ظهرها ونثرت شعرها القصير على وجهها كي يعطيها غطاءاً أكثر حتى لا يتبين ملامحها، ووضعت نظارتها الشمسية لتخفي وجهها، ثم حاولت النهوض والتحرك بسرعة بعيداً عنه رغم اصابتها بالجروح السطحية وكدمة بالقدم..

تحاملت نيرة على نفسها ونهضت ثم أطرقت رأسها وهي تمر بجواره، وسارت مبتعدة عنه
تفاجيء مروان بردة فعلها الغريبة، فقد كان يمهد لنفسه معركة التراشق بالألفاظ، ولكن صُدم وعلت الدهشة وجهه حينما رأها تبتعد بكل بساطة وكأن شيئاً لم يحدث.. فقط تركت دراجتها أسفل عجلة سيارته ولم تأخذها معها...
-مروان متسائلاً في نفسه وهو فاغر فاه: هـاه.. ده ايه ده؟ هي مشت ليه؟ بجد حاجة غريبة! أنا ماشوفتش كده في حياتي..!.

مال مروان ناحية سيارته وبدأ في ازاحة الدراجة من أسفلها بتمهل، ثم وضعها بجوار الرصيف
في تلك الأثناء كانت فاطيما قد وصلت تقريباُ إلى المكان ولاحظت وجود دراجة نيرة بحوزة شخص ما يحاول اسنادها بجوار الرصيف.. فضغطت على مكابح الدراجة، وبكل خفة نزلت منها وتوجهت إليه و...

-فاطيما بقلق: هو ايه اللي حصل هنا
-مروان وهو يوليها ظهرها مسنداً الدراجة: مافيش حاجة
-فاطيما وهي تنظر للدراجة: دي العجلة اللي كانت راكباها ناروو، هي بتعمل ايه هنا؟.

أدار مروان رأسه ناحية فاطيما، وبدأ يشرح لها ما حدث، صدمت فاطيما حينما رأته أمامها، ورغم مرور ثلاث سنوات إلا أنها تعرفت إليه بكل سهولة.. بلى إنه مروان صديق الطفولة...
ورغم حديث مروان الجاد مع فاطيما، إلا أن الابتسامة قد علت وجهها، تعجب مروان من حال تلك الفتاة الصغيرة و..
-مروان بدهشة: هو أنا بقول حاجة تضحك لا سمح الله
-فاطيما بابتسامة: لأ.

-مروان: اومال أنا شايف انك مبسوطة باللي حصل
-فاطيما: أنا فعلا مبسوطة بس مش عشان كده
-مروان: اومال؟
-فاطيما: عشان أنا شوفتك
-مروان بضيق وحدة: نعم؟ ايييه ياختي؟

-فاطيما: مش معقول معرفتنيش
-مروان: وأنا هاعرف واحدة ادك منين ان شاء الله، ده أنا أخلفك؟
-فاطيما مدعية الحزن: اخص عليك، نسيتني، ماشي يا مروان
-مروان والدهشة تعتريه: كمان عارفة اسمي!

-فاطيما: اه طبعاً عارفاه، انا زعلانة انك معرفتنيش، أنا توتا
-مروان: توتا مين؟ انا معرفش توت ولا برقوق
-فاطيما مبتسمة وهي تخبط بكفها مقدمة رأسها: أه صح، أنا غيرت اسم الدلع بتاعي من زمان، أنا طمطم يا مروان..!
-مروان فاغراً فاه: ايييه؟ ميين؟
-فاطيما: أنا طمطم اخت ندى ونيرة الصغيرة.

وكأن شيئاً ما ثقيلاً قد هبط فجأة من السماء على رأسه ليعيد إليه ذكريات سنين قد مضت في لحظة واحدة و..
-فاطيما مكملة: مش ممكن تكون نستني؟ ده احنا كنا اصحاب أوي.

أمسك مروان بذراعي فاطيما يهزها بقوة ليتأكد أنه لا يتوهم و..
-مروان: مش ممكن، انتي طمطم
-فاطيما: أه والله، صحيح أنا شكلي اتغير شوية، وطولت حبة، بس أنا لسه زي ما أنا.

تدفقت المئات والمئات من التساؤلات إلى رأس مروان في لحظة واحدة، أراد هو أن يعرف من فاطيما كل شيء صار لهما منذ 3 أعوام حتى الآن...
-مروان متسائلاً: طب.. طب انتي بتعملي ايه هنا؟ وجيتوا امتى من السفر؟ وأبوكي فين؟ و.. ونيرة عاملة ايه؟

-فاطيما: كل دي أسئلة.. يااااه، ده أنا مش هالحق أجواب عليها كلها
-مروان: أنا عاوزك أطمن عليكو وأعرف انتو فين دلوقتي
-فاطيما: احنا اعدين في دبي، وحالياً انا اعدة في القرية هنا بصيف
-مروان: لـ... لوحدك؟
-فاطيما: طبعاً لأ.. مع مامي واختي
-مروان بقلق: هــاه.. أختك آآآ...

خشى مروان أن ينطق باسم نيرة أمام فاطيما فينفضح أمره..
-فاطيما بعفويتها المعتادة: نارووو، قصدي نيرة اللي انت كنت ماسك العجلة بتاعتها من شوية.

كانت المفاجأت والصدمات تتوالى على رأس مروان الواحدة تلو الأخرى... لم يكن يخطر بباله أبداً أن من كان يحدثها قبل دقائق معدودة هي نيرة، تلك الفتاة الغاضبة الحانقة ذات الشعو الأسود الغجري القصير، لقد ارتاب من أمرها حينما انصرفت فجأة قبل أن تكمل الشجار معه..
-مروان بعدم تصديق: مش معقول!.

خمن مروان أن نيرة قد تعرفت عليه، وبالتالي أسرعت بالابتعاد عنه حتى لا يتعرف هو الأخر عليها..
-مروان في نفسه: أكييييد هي عرفتي، ايوه، أنا كنت شاكك ان في حاجة مش مظبوط من الأول.

ندم مروان لأنها كانت أمامه ورحلت فجأة دون سابق انذار، وهو فشل في الاحساس بوجودها حوله، وأنه لم يستطع أن يتعرف عليها...
-مروان بلهفة: يعني انتو لسه أعدين هنا في القرية
-فاطيما: أه، هنقعد حوالي اسبوعين هنا
-مروان: اسبوعين بس
-فاطيما: أه، وبعد كده هنسافر
-مروان: طب انتو أعدين فين بالظبط يا طمطم
-فاطيما: يااااااااااه، من زمان محدش ناداني طمطم
-مروان: ده أنا ههريكي بالاسم ده، بس قوليلي الأول انتو أعدين في شاليه ايه ولا أوضة رقم كام؟

-فاطيما: لأ احنا أعدين في شاليه رقم ((..)) هتلاقيه موجود جمب البحر
-مروان: اوك... أنا هابقى أشوف هو فين بعدين، المهم انكو موجودين
-فاطيما: أه.. بجد أنا مبسوطة اني شوفتك أوي يا مروان
-مروان: أنا بقى مش عارف أوصفلك احساسي الوقتي عامل ازاي يا طمطم..
-فاطيما: مبسوووط طبعاً.

-مروان: مبسوط دي كلمة ماتوصفش اللي جوايا
-فاطيما متسائلة: بس غريبة ان ناروو سابت عجلتها ومش
-مروان بارتباك: آآآ.. عادي يعني
-فاطيما: لألألأ مش عادي، ده انت مش عارف نارووو، يااااني لو حد جه جمبها، دي ممكن تولع فيه وفي المكان والموجودين فيه، أصل ناروو بقت صعب أوي
-مروان: أها.. وايه كمان؟ قوليلي.

حاول مروان أن يستشف أي أخبار عن نيرة وما يخصها من خلال حديق فاطيما المفصل عنها.. لقد كانت فاطيما تحدث بصراحتها ( كالعادة )، ولم تبخل على مروان بأي شيء...

في الشاليه
عادت نيرة إلى الشاليه وهي في حالة نفسية ومزاجية سيئة، كان من الممكن أن تتحمل الآلم العضوي، لكن الآلم النفسي هو خارج قدرتها على الاستحمال...

ظلت تسب في نفسها وتلعن حظها العثر الذي فر منها هارباً حينما التقت بمروان.. كانت قد تدربت مع نفسها مئات المرات أمام المرآة على المواجهة الحاسمة معه، ولكي تضمن قدرتها على مواجهة مروان بكل قوة حينما تشاء الأقدار أن يلتقيا.. ولكن للأسف كل هذا انهار فقط أمام صوته الذي أذاب كل شيء...

لم تستطع أن تواجهه، فرت من أمامه، ارتعدت من أن يعرفها.. رغم أنها كانت تتمنى مثل ذلك اللقاء.. حاولت نيرة أن تسيطر على مشاعرها، وتذكر نفسها بما صار مع عائلتها بسببه...

بدأت رويداً رويداً تستعيد هدوءها.. بدأت تفكر كيف ستكون خطواتها القادمة، وماذا ستفعل حينما تلاقاه مرة أخرى؟ ولكن في النهاية كان الأمر شبه محسوب بالنسبة لها.. هي لن تترك الفرصة له لكي يسيطر عليها وعلى حياتها وحياة أسرتها من جديد، هي ستكون أقوى منه ولن تنهار أمامه.. ستجعله يدفع الثمن غالياً فهو قد أخطأ في حقها خطأ لا يمكن إصلاحه ولا حتى نسيانه ولو مر عليه عشرات السنين...!

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة