قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية خط أحمر الجزء الثالث للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل الخامس

رواية خط أحمر الجزء الثالث للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل الخامس

رواية خط أحمر الجزء الثالث للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل الخامس

فتحت عينيها على صوت تعرفه كثيرا فوجدتها شقيقتها الكبرى فنهضت بسرعة على عكس عادتها وارتمت في احضانها وهي تقول بشوق وحنين:
- ياسمين اخيرا جيتي
اجابتها براحة كبيرة وحنين:
- جيت يا حبيبتي ومش هبعد عنك كل ده تاني ان شاء الله
ثم ابعدتها عنها قليلا وضمت وجهها بين كفيها وهي تقول متسائلة:
- انتي كويسة؟
هزت الصغيرة رأسها بالإيجاب واردفت بابتسامة:
- أيوة كويسة و...

وقبل أن تكمل دلف «نائل» إلى الغرفة فاسرعت لتقول بسعادة:
- نائل انت كمان جيت! أنا فرحانة أوي
ابتسم وانخفض بجسده حتى يصبح في مستوى طولها ثم ضم كتفيها بكلتا يديه وهو يقول بحب:
- إحنا اللي فرحانين علشان رجعنالك تاني يا رورو، انتي عاملة أيه، الوضع تحت السيطرة يا سيادة الظابط؟
عادت بظهرها خطوة إلى الخلف وأدت التحية العسكرية وهي تقول بجدية:
- تمام يا فندم، كل حاجة تحت السيطرة.

تعالت ضحكاته وضمها إلى حضنه فاعترضت «ياسمين» على طريقته واردفت:
- أنت بتشجعها علشان تبقى ظابط يا نائل؟
رفع رأسه ونظر إليها ليجيبها بهدوء:.

- طالما دي رغبتها وحلمها مينفعش حد يقف قصادها، كل واحد بيحقق اللي هو عايزه مش اللي أهله عايزينه يا حبيبتي، الواحد لو عنده حلم يبقى حاجة معينة بيبدع وبيتقن شغله فيها لانها كانت حلمه على عكس لو كان دخل حاجة بدون رغبته ساعتها بيبقى كسول ومعندوش الشغف إنه يكمل في الحاجة دي
انخفضت حتى اصبحت في مستواه ورددت بنبرة تحمل القلق قليلا:.

- بس انا خايفة عليها يا نائل، انا كل ما زين بيمشي بفضل حاطة ايدي على قلبي وخايفة عليه بس عارفة إنه قادر يحمي نفسه لكن لو رقية بقت زيه هقلق عليها أوي
مد يده ووضعها على كتفها الأيمن وهو يقول بهدوء:
- حبيبتي اللي ربنا مقدره هيحصل مهما كانت الأسباب، سيبيها على الله هو اللي هيحفظها وهينجيها ان شاء الله
نظرت إلى شقيقتها التي بين يده ورددت:
- يارب.

حضرت «رنة» من الداخل فتفاجأت بشقيقتها في حضن والدتها فاسرعت تجاهها وهي تقول بعدم تصديق:
- تنة! أنتي بجد جيتي؟ أيه المفاجأة دي
تركت «تنة» والدتها وحضنت شقيقتها الصغرى وهي تقول بشوق:
- وحشتيني يا اروبة
ابتسمت واغلقت عينيها وهي تقول براحة:
- وانتي كمان، افتقدتك في البيت والله
تدخلت «اسماء» بعد عدة لحظات وابعدت «رنة» وهي تقول بجدية:.

- خشي جوا يا رنة شوفي وراكي أيه علشان عايزة اتكلم مع اختك شوية
قالت هي معترضة وهي تضرب بقدميها الأرض:
- يووه يا ماما هو أنا لحقت أشبع منها علشان اسيبها!
كررت طلبها مرة أخرى ولكن تلك المرة أكثر حدة:
- بقولك عايزة اختك في كلمتين وبعدين اشبعي منها، هش يلا
- يووه طيب يا ماما.

رحلت «رنة» واصطحبت «اسماء» ابنتها الكبرى إلى إحدى الغرف واغلقت بابها ثم جلست على الفراش أمامها وهي تقول متسائلة:
- اتطلقتوا ليه! اكيد زعلك في حاجة صح؟ قولي وأنا هخلي ابوكي يوريه النجوم في عز الضهر
هزت رأسها بالنفي واردفت بعد أن انهمرت دمعة من عينيها:.

- لا يا ماما هو مزعلنيش بس أنا مقدرتش استحمل الوضع، مش قادرة اقبل ان ليا واحدة شريكة في جوزي، مش قادرة اسمع حكيه طول الوقت عن انجازات بنته اللي أنا مخلفتهاش، مش قادرة استحمل إني الوحيدة اللي حزينة في الليلة كلها، هو سعيد مع مراته التانية وبنته واينعم سعيد معايا بس الاكترية مع بنته وإلا مكانش أصلا اتجوز، أنا لما وافقت ارجعله كنت حاسة إن جوايا حاجة اتكسرت ناحيته بس جيت على نفسي وقولت ابقى عاقلة زيادة عن اللزوم لكن لما تعايشت مع الوضع مقدرتش.

زاد بكائها لدرجة كبيرة وتابعت:
- أنا بني ادمة بحس وكل يوم بتعذب ألف مرة، مقدرتش استحمل وطلبت منه الطلاق ورغم رفضه اصريت وخليته يطلقني وبعدها شافرت علطول، أنا راضية بقضائي كدا لكن مش هتعذب كل يوم على ذنب مش ذنبي
حضنتها والدها وربتت على ظهرها بحنو شديد وهي تواسيها قائلة:.

- معلش يا حبيبتي، ربنا يعوضك ويسعدك، ده اختبار من ربنا علشان يقيس صبرك، حسام أصلا من ساعة ما اتجوز عليكي وهو ميستاهلكيش، مش مبرر إنه عايز طفل يقوم كاسر قلبك، اقفلي صفحته وربنا يحلها من عنده ان شاء الله.

كانت تقود سيارتها عندما رأت هذا الطفل الذي كان يجلس على الرصيف ويسند رأسه على الحائط بينما كانت عيناه مغلقتان، توقفت ووجهت انظارها عليه لثوانٍ عندما شعرت بالحزن على حالته كما لفت انتباهها ملابسه النظيفة وهيأته المرتبة فهو لا يشبه اطفال الشوارع المنتشرين، ظلت لأكثر من دقيقة تحدق به حتى قررت النزول لأخذه ومعرفة سبب جلوسه هكذا وقبل أن تفتح باب سيارتها تفاجئت بسيارة ميكروباص صغيرة وقفت على الطريق أمامه وخرج منها رجل مخيف يحمل الشر بعينه وتوجه إلى هذا الطفل وكتم فمه بيد وبيده الآخرى قام بحمله واتجه إلى السيارة بسرعة شديدة لتنطلق في الحال وسط صدمة «نيسان» التي كانت تشاهد كل ذلك بخوف شديد، ظلت لعدة ثوانٍ بصدمتها قبل أن تتذكر شقيقتها فاسرعت وقامت بالاتصال بها وهي تتحرك بسيارتها خلف هؤلاء المجرمين...

نزلت للأسفل بعدما استمعت لصوت رنين الجرس بعدة دقائق لترى من الذي جاء، وطأت بقدميها إلى الداخل وهي تقول بصوت هادئ:
- ماما، ماما!
خرجت «تنة» من الغرفة لتجد «نيران» أمامها فاتسعت عين «نيران» ورددت بعدم تصديق وسعادة:
- تنة!
انطلقت وحضنتها بقوة ثم ابتعدت عنها وهي اقول بابتسامة:
- حمدالله على سلامتك يا توتي، وحشتيني والله.

ابتسمت «تنة» وربتت على كتفها وهي تقول:
- الله يسلمك يا نيرو والله وانتي اكتر، مبروك على الحمل يا قلبي، ربنا يقومك بالسلامة ويرزقك ببنوتة زي القمر
رفعت أحد حاجبيها وهي تقول بابتسامة:
- أيه ده هو طيف قالك إنه عايز بنوتة ولا أيه؟
ضحكت واجابتها على الفور وهي تشير بيدها:
- مقولكيش ده كان كل ما يتكلم على الجواز كان يقول لما اتجوز ربنا يرزقني ببنت، فانا عارفة رغبته من زمان أوي.

ضحكت نيران وظلت تتحدث معها لبعض الوقت قبل أن تباغتها بسؤالها:
- تنة أنا ملاحظة إن فيه حزن في عنيكي أو معيطة! فيه حاجة حصلت ولا أيه!
صمتت بعد سؤالها هذا ونظرت إلى الأسفل لثوانٍ قبل أن ترفع رأسها لتجيبها الإجابة التي لم تكن تتوقعها:
- انا وحسام انفصلنا، مقدرتش استحمل اتعايش مع الوضع للأسف
تفاجأت مما سمعته واقتربت منها قبل أن تضع كفها على يديها واردفت بهدوء:.

- متزعليش يا تنة، ده نصيب وصدقيني عوض ربنا أجمل بكتير، عيشي لنفسك وبس وسيبيها على ربنا وهتلاقي نفسك فرحانة ونسيتي القديم كله
ابتسمت رغم ألمها وهزت رأسها بالإيجاب وهي تقول:
- هحاول، ربنا يقدرني.

ظلت تتحرك بسيارتها خلف تلك السيارة التي اختطفت ذلك الطفل البرئ ونفذ صبرها من محاولات الإتصال بشقيقتها التي لا تجيب على اتصالاتها، ابعدت هاتفها عن أذنها وتأففت بضجر وهي تقول:
- ردي بقى يا نيران مش وقت مترديش فيه خالص.

على الجانب الآخر تذكرت «نيران» هاتفها الذي تركته بالاعلى فصعدت لكي تجلبه وعندما دلفت إلى غرفتها رأت شاشته مضاءة فأسرعت إليه وحملته لتجد رقم شقيقتها الكبرى، أجابت على الفور وهي تقول مازحة:
- حظك حلو كنت ناسية الموبايل وطلعت اجيبه وإلا كان زمانك بترني النهار كله
رددت «نيسان» بصوت جاد ويحمل القلق الشديد:.

- اسمعيني يا نيران، فيه ميكروباص خطف عيل صغير من الشارع وأنا ماشية ورا الميكروباص ده
اتسعت حدقتيها وهي تقول بعدم تصديق:
- انتي بتقولي أيه يا نيسان! ماشية ورا الميكروباص؟ أنتي بتهزري دول ممكن يقتلوكي، ارجعي وأنا هبلغ سيادة اللواء يكلف حد يوصلهم عن طريق الكاميرات اللي على الطرق
رفضت طلبها بشدة واصرت على متابعة الطريق واردفت بجدية:.

- انا مش هرجع يا نيران واسيب الولد، حرام دول هيقتلوه لما يخطفوه، أنا همشي وراهم واول ما يوصلوا هبعتلك اللوكيشن (العنوان) وتبعتيه ل اللواء أيمن يبعت قوة
- طيب طيب.

انهت «نيران» المكالمة ووضعت يدها على رأسها وهي تفكر في حل لهذا الأمر فحياة شقيقتها في خطر، انتهى بها التفكير بالاتصال باللواء أيمن حيث أخبرته بالوضع فقام هو بتجهيز قوة من رجال الشرطة وابقاهم على استعداد للتحرك فور وصول الموقع من «نيران».

لم تكتفي هي بذلك بل بدلت ملابسها وأخذت سلاحها وانطلقت إلى الخارج بعدما أخبرت «اسماء» بالوضع واستقلت سيارتها وانطلقت وهي تتصل بشقيقتها التي اجابتها قائلة:
- أيوة يا نيران، وقفوا عن بيت وخرجوا طفلين من العربية انا هبعتلك العنوان حالا
رددت وهي تزيد من سرعة سيارتها:
- متتحركيش من مكانك يا نيسان، بلاش تهور والقوة في طريقها ليكي مفهوم!
هزت رأسها وهي تراقب تحركهم واردفت:
- حاضر حاضر.

انهت المكالمة وتابعت مراقبتهم بعدما ارسلت الموقع لشقيقتها والتي قامت بدورها وارسلته للواء «ايمن»، وبينما كانت تراقبهم من بعيد تفاجأت بمن يوجه سلاحه إلى رأسها فتجمدت في مكانها من شدة الخوف وحركت رأسها إلى اليسار قليلا لكي ترى هذا الذي يوجه سلاحه إلى رأسها فوجده هو الذي قام بخطف الطفل منذ دقائق، جف حلقها وابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن يهتف بصوت مرتفع ومرعب:
- انزلي.

هزت رأسها بخوف وترجلت من السيارة بهدوء شديد وهي تنظر إلى الأسفل دون أن تنظر له فردد هو بنبرة تحمل التهديد:
- اتحركي قدامي وأي حركة كدا ولا كدا هخلص عليكي
وجه فوهة مسدسه إلى ظهرها ودفعها كي تتحرك أمامه فاغلقت عينها بخوف شديد وارتجفت أوصالها من شدة الرعب وسارت أمامه وهي تدعو الله بأن تنجوا وأن يمر هذا الأمر على خير...

اقتربت «نيران» من الموقع الذي ارسلته شقيقتها إليها ورفعت هاتفها لكي تتصل بها لتخبرها أنها بجوارها لكنها لم ترد على هاتفها فحاولت الاتصال مرة أخرى ولكن دون رد، أبعدت الهاتف عن أذنها ورددت بقلق شديد:
- مش بتردي ليه يا نيسان! ربنا يستر وميكونش حصل اللي في دماغي.

بدأت تهدئ من سرعة سيارتها عندما اقتربت من هذا المكان وسارت بسيارتها بسرعة هادئة إلى أن لاحظت سيارة شقيقتها من بعيد ولكن لا يوجد بها أحد فعلمت أن شقيقتها في خطر وسلطت بصرها على هذا المنزل الذي تقف أمامه سيارة ميكروباص كما وصفت لها شقيقتها، أوقفت سيارتها ثم أمسكت مسدسها بيدها اليمنى قبل أن تترجل من سيارتها وهي تنظر تجاه هذا المنزل لتدرس الموقف جيدا قبل أن تتجه إليه، تحركت بهدوء وهي تنظر حولها إلى أن وقفت أمام باب المنزل مباشرة ثم اخفت سلاحها وطرقت الباب بخفة لتنتظر عدة ثوانٍ قبل أن يفتح لها هذا المجرم المخيف، نظر لها بتفحص وهو يقول بنبرة حادة:.

- عايزة مين يا ست أنتي
لاحظت «نيران» وجود مسدس بيده لذا إبتسمت وقالت بصوت منخفض:
- أنا آسفة بس عربيتي عطلت هناك كدا ومفيش غير البيت ده تقريبا اللي يعتبر حد قاعد فيه، عربيتي هناك أهي.

خرج ووجه بصره إلى الاتجاه الذي أشارت إليه وبينما كان هو منشغل بالبحث بعينه عن تلك السيارة باغتته ولفت ذراعها حول رقبته من الخلف وجذبته بقوة بينما سحبت مسدسه بيدها الأخرى وضربته بقوة على رأسه ففقد الوعي في الحال، تركته يسقط واتجهت إلى الداخل بهدوء فوجت رجل آخر بأحد الغرف يوجه سلاحه إلى شقيقتها وهو يقول:
- بقى انتي بتراقبينا يا قطة! وعلى كدا بقى أنتي صحفية ولا شرطة.

أجابته «نيران» التي دخلت على الفور واطلقت رصاصة على قدمه ثم ركلت يده بقدمها فطار السلاح من يده:
- هي مش شرطة بس لو عايز شرطة اديني موجودة
انطلقت «نيسان» وحضنت شقيقتها بسعادة وهي تقول بعدم تصديق:
- ياااه أنا قولت مش هعيش تاني، أنتي عملتي كدا إزاي
إبتسمت واجابتها بثقة وهي تمثل الغرور:
- أختك اجدع ظابط شرطة يا بنتي متصغريناش بقى.

ضحكت نيسان وقبل أن تتحدث استمعا الاثنين لصوت طفل من خلفهما فالتفت الاثنين ليجدا هذا الطفل الذي زال مؤثر المخدر من عليه وتحدث بنبرة طفولية:
- انا فين! مين جابني هنا، أنا عايز ماما
اقتربت «نيران» منه وربتت على رأسه وهي تقول بابتسامة هادئة:
- متقلقش يا حبيبي أنا هرجعك لماما.

تركتها شقيقتها واقتربت من الطفل الآخر والذي كان سببا في أن تسير خلف هؤلاء المجرمين، اقتربت منه فوجدته نائما فهو لا يزال تحت تأثير المخدر، جلست إلى جواره ومسحت على وجهه بحب وعلى وجهها تلك الابتسامة التي لم تعرف مصدرها
في تلك اللحظة وصلت قوة الشرطة إلى هذا المكان وتفاجؤا ب «نيران» التي أنهت الموقف بسهولة والقوا القبض على هؤلاء المجرمين...

ضرب الحقيبة الكبيرة المخصصة للملاكمة بكلتا يديه بسرعة وبغضب شديدين فهو لم يكف عن التفكير بما حدث، ظلت يضرب الحقيبة بقوة شديدة إلى أن اقترب منه «رماح» الذي ردد بتعجب:
- مالك يا زين! مشوفتكش متعصب بالشكل ده قبل كدا
توقف عن التدريب ونظر إليه قبل أن يمسح حبات العرق من على جبينه وهو يقول:.

- مش حكاية متعصب يا باشا بس متضايق إن طيف مشي من غير ما حتى يسلم عليا أو يقولنا إنه ماشي، إحنا صحابه بردو
شبك أصابع يديه خلف ظهره واقترب خطوة منه قبل أن يقول بجدية:
- وهو لو مسموح له كدا كان مشي من غير ما ينطق!
إلتفت بالكامل ليواجهه وعقد ما بين حاجبيه بعدم فهم واردف بتساؤل:
- مسموح له! مش فاهم سعادتك
حل عدة يديه واجابه بجدية:.

- أقصد إن طيف اتكلف بمهمة تانية واتطلب منه يمشي في سرية من غير ما يقول لحد وأنا اتكلفت إني اوصلكم الخبر لكل واحد فيكم لوحده علشان سرية المهمة
صمت لحظات لكي يفكر بالأمر ثم ردد بهدوء تلك المرة:
- بس اشمعنا المهمة دي في نفس الوقت وهو متكلف بمهمة تانية هنا! وليه المهمة سرية بالشكل ده؟
إبتسم والتفت استعدادا للرحيل وهو يقول:
- صدقني أنا نفسي معرفش.

تركه وابتعد عنه بينما بقى هو مكانه يفكر في هذا الأمر الغريب والذي لم يكن بالحسبان...

وصلا إلى الشركة ودلفوا إلى الداخل ويديهم بيد بعض وسط إبتسامة الجميع ومباركتهم لهما بالزواج، اتجهوا إلى الأعلى حيث الطابق الإداري وفُتح المصعد قبل أن تنهض «إسراء» التي اتجهت إليهم بسرعة ثم وقفت أمامهم وهي تقول بابتسامة:
- ألف مبروك يا مدام ياسمين، ألف مبروك يا مستر نائل
أجابها الاثنين في وقت واحد وعلى وجههم إبتسامة هادئة:
- الله يسلمك يا إسراء.

ثم تحدثت «ياسمين» وحدها ورددت بتساؤل:
- ها أيه أخبار الشغل في خلال الشهر اللي فات، المفروض يكون حصل حاجات كتير في الفرع الجديد
هزت رأسها بالإيجاب لتؤكد على ما قالته واردفت:.

- فعلا يا فندم والفرع الجديد خلص أول مرحلة منه وده حصل في وقت قياسي زي ما حضرتك امرتي ومن النهاردة هيتم البدء في المرحلة التانية وبالنسبة للفروع اللي هتتفتح في المحافظات جهزت لحضرتك ولمستر نائل كل الأوراق اللي هتحتاج توقيع ومراجعة علشان يتم بدأ المرحلة الأولى فيهم
ردد «نائل» تلك المرة:
- تمام ده بالنسبة للفروع، بالنسبة للمنتجات بتاعتنا بقى هل فيه عجز في حاجة أو فيه شحنات متأخرة؟

هزت رأسها بالإيجاب وأشارت إلى مكتبها وهي تجيب:
- شحنة الشركة السويدية اتأخرت ومفيش أي ايميل منهم عن سبب التأخير وباقي العجز انا طلبته ووصل في شحنات تانية ودول بردو مجهزة تقرير عنهم لحضرتك
هز رأسه بالإيجاب وضع يده على ظهر «ياسمين» وهو يقول بإبتسامة:
- خلاص روحي أنتي يا إسراء وكل الاوراق ابعتيهالنا على المكتب
إبتسمت ورحلت بعيدا عنهم بينما نظر هو إلى زوجته وابتسم وهو يقول:.

- هتلاقيني لاجئ عندك كل شوية في المكتب
اقتربت منه وامسكت بلياقة قميصة واردفت بحب:
- كنت هقولك نفس الجملة دي
وضع يديه حول كتفيها وردد بابتسامة:
- خلاص يبقى تبادل وقت ما توحشيني هاجيلك ووقت ما اوحشك تجيلي
- اتفقنا.

اتجه كلٍ منهم إلى مكتبه بينما كانت تتابع «مايا» ما يحدث من بعيد وهي تضغط بقوة على القلم الذي بيدها فلاحظت صديقتها «سمر» ذلك واردفت بتعجب:
- مالك يا بنتي أنتي هتكسري القلم في أيدك، مالك متعصبة كدا ليه؟
ظلت موجهة بصرها تجاه مكتب «نائل» وهي تصر على أسنانها بغضب شديد:
- ليه تكون كل حاجة ليها هي، ليه طماعة بالشكل ده.

نظرت إلى حيث تنظر ثم وجهت بصرها إليها مرة أخرى وهي تقول بتساؤل:
- قصدك على مين؟
نظرت إلى صديقتها ورددت بتلك النبرة الغاضبة والحاقدة:.

- ياسمين هانم اللي كل ما تعوز حاجة بتاخدها، حتى نائل خدته، نائل كان المفروض يبقى ليا أنا بس مش ليها، خدته مني وأنا زي ما أنا في مكاني مليش قيمة، أكيد طبعا هو لازم يحبها ويروحلها هي علشان هي اللي هترفعه وتخلي ليه قيمة والفلوس تجري في ايده بعد ما كان شغال في الكافيتيريا، مش هيجي ليا أنا اللي كحيانة ومحلتيش غير مرتبي
اتسعت عين صديقتها وهي تحدق بها بعدم تصديق:
- ياااه كل ده في قلبك؟

نهضت من مكانها ووقفت لثوانٍ لتفكر في ما هي قادمة عليه إلى أن اقتنعت وتحركت من مكانها دون أن ترد على صديقتها، اقتربت من مكتب «نائل» وعدلت من هيئة ملابسها ثم طرقت على فصاح هو من الداخل قائلًا:
- ادخل!
فتحت الباب بهدوء وتقدمت إلى الداخل بينما هو تفاجئ بها فردد بصوت غير مسموع:
- يارب ميكونش اللي في دماغي يا مايا وإلا المرة دي هضطر اعمل اللي معملتوش قبل كدا.

تقدمت هي إلى الداخل حتى وقفت أمام المكتب ورددت بابتسامة وصوت متدلل:
- مبروك يا مستر نائل، فرحتلك من قلبي
تصنع الابتسام وهو يرد عليها:
- الله يبارك فيكي يا مايا، عقبالك ان شاء الله
لم تمنع نفسها من نطق تلك الجملة التي كافحت لتكتمها حفاظا على عملها وقالت:
- طبعا كدا مستريح وحققت اللي كنت بتخططله صح؟
عقد حاجبيه بعدم فهم واردف بتساؤل:
- مش فاهم قصدك! أيه اللي كنت بخططله؟

إبتسمت بسخرية وهزت رأسها قبل أن تردد بنبرة ساخرة:
- خطة إنك تستولى على كل حاجة وتوقع الست ياسمين علشان تاخد حتة من التورتة، وانا اللي كنت غبية وبوهم نفسي بأوهام واحلم حلم أنا مش قده، بس ظبطتها صح، مثلت الاحترام لغاية ما وقعتها علشان كدا مكنتش بتدي وش لحد فينا لأنك راسم على الراس الكبيرة.

لم يصدق ما تقوله في تلك اللحظة فهو توقع أن تتمايل عليه كما كانت تفعل بالسابق لكن الآن تقوم باتهامه وإهانته ببشاعة، ألقى القلم الذي كان بيده ونهض من على كرسيه قبل أن يلتف حول مكتبه ويقف أمامها وهو يقول بغضب شديد:.

- أنا عمري ما كنت بالوساخة اللي بتتهميني بيها دي وطول عمري محترم علشان أمي عرفت تربيني كويس مش علشان بخطط لحاجة أما بقى ياسمين فهي الست الوحيدة اللي حبيتها في حياتي وده عمره ما كان تخطيط لأننا مكناش بنطيق بعض من كترة الخناق لكن ربنا كان ليه حكمة وحبينا بعض وهي أغلى من حياتي نفسها، عمري ما كان تركيزي على فلوس أو غيره، أنا ربنا رزقني بكل ده لأني بشتغل وبتقن شغلي ومش حاطط في دماغي حاجة لكن اللي زيك عمرك ما هتوصلي للي أنتي عايزاه ولا هتبقي حاجة كويسة لأنك عقرب بيسم اللي قدامه، بتتمني الأسوأ للناس والاحسن ليكي علشان كدا كل اللي بتتمنيلوا الاسوأ هيبقى أحسن منك.

صمت لبعض الوقت ليفكر في قراره الذي كان على وشك تنفيذه ثم نظر لها وردد بعدم رضا:
- كل ما افكر اطردك من الشركة افتكر امك العيانة وأخواتك اللي بتصرفي عليهم، علشان كدا أنا هسيبك بس مش علشانك، علشان اهلك الغلابة اللي محتاجين لكل قرش، خليكي في حالك وشغلك بدل ما تبقي سبب في تدمير عيلتك، برا، اطلعي برا.

فتح عينيه بصعوبة وفرد ذراعيه في الهواء قبل أن ينظر حوله وهو يقول:
- إحنا وصلنا ولا لسة؟
لم يجيبه «يوسف» الذي كان منشغلا بمشاهدة صوره مع زوجته وعلى ثغره إبتسامة هادئة، اعتدل «طيف» في جلسته ونظر إلى جهاز الأيباد الذي كان بيده ثم رفع بصره وردد بتساؤل:
- باشا هل تسمعني!
أجابه وهو ينظر إلى الصورة دون أن ينظر إليه:
- عايز أيه
رفع أحد حاجبيه بتعجب واردف بتساؤل:.

- هو سعادتك اول مرة تشوف الصور دي ولا أيه؟
ضغط على زر الإغلاق ثم نظر إليه واجابه:
- لما بطلع أي مهمة بقعد اتفرج على الصور دي، اسعد اللحظات اللي قضيتها مع سهوة مراتي، بحس إنها بتديني باور وبتشجعني علشان أخلص مهمتي وارجعلها تاني
ابتسم لكلامه وهز رأسه وهو يقول:
- يااه يا باشا ده أنت طلعت رومانسي وأنا مش عارف
ترك الجهاز الذي بيده قبل أن ينظر إليه ويقول بجدية:.

- بقولك أيه بلاش بينا باشا ورتب، اعتبرنا صحاب وقولي يوسف عادي زي ما هقولك طيف عادي ولا يرضيك اقولك دكتور طيف!
ابتسم بسعادة قبل أن يقول بحماس شديد:
- تصدق أنا بدأت احب الشغل معاك اكتر من المقدم رماح، كان زمانه منزلني 100 ضغط في الطيارة دلوقتي
ضحك بشدة قبل أن يتعدل في جلسته وهو يقول:
- تصدق أنا كمان بدأت أحب الشغل معاك، اجهز يا سيدي نص ساعة بالظبط والطيارة هتهبط.

هبطت الطائرة بمطار نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية واتجها إلى أحد الفنادق الشهيرة بتلك الولاية، جلس «طيف» بالاستقبال واراح ظهره بينما اتجه «يوسف» ليقوم بحجز غرفتين، شعر بالراحة في جلسته لثوانٍ قبل أن يعتدل بشكل مفاجئ وهو يقول:
- احنا هنقعد في فندق! سترك يارب أنا بقيت عندي عقدة من الفنادق.

بحث بعينه عن مكان المصعد وتنفس الصعداء عندما لم يجد أعلاه تلك الجملة الشهيرة فعاد إلى الخلف مرة أخرى وهو يقول:
- يا مستني الراحة في الفنادق يا مستني القرد يرمي الموز وياكل بنادق.

انتهى «يوسف» من كل شئ وعاد إلى «طيف» فوجده نائما في مكانه لذلك اقترب منه وهزه برفق وهو يقول:
- دكتور تامر! دكتور
فتح «طيف» عينه فوجده أمامه مباشرة وقبل أن يصرخ من شدة الخضة كتم «يوسف» فمه حتى هدأ ثم ابتعد عنه وهو يقول:
- هتفضحنا يا عم
نظر إليه بتعجب قبل أن يسأله قائلًا:
- هو أنت عرفت منين إني هصوت؟
ألقى مفتاح غرفته إليه ثم قال بجدية:.

- قرأت كل حاجة عنك وعارف كل معلوماتك، ياريت بقى تركز لأن المهمة يعتبر بدأت يا دكتور تامر
هز «طيف» رأسه بالإيجاب ونهض من مكانه وهو يقول:
- وهو كذلك يا سيف الجندي، يلا بينا علشان جعان نوم
تحركا باتجاه المصعد ووقفا أمامه في انتظاره وأثناء ذلك نظر «طيف» حوله في نظرة شاملة للمكان ولاحظ أحد الأشخاص من بعيد فدقق النظر بعينه لكي يراه جيدا قبل أن تتسع حدقتيه وهو يقول بعدم تصديق:.

- مستحيل!

ياترا طيف شاف مين؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة