رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل العشرون
لم يكن الخذلان بالشئ الهيّن، بل يكون بمثابة تحطم لا يُسمع ولا يُري، شئ يُحَطم داخلك، مشاعر تتفتت من الصدمات، حياة بدون حياة، وقلبٌ بلا روح، وطريق بلا هوية، كالسعي بلا حُلم، وطرقات بلا طارق، وإنسان بلا هدف.
كانت تجلس بغرفتها تكتب ما يجيش بصدرها ودموعها تسبقها على صفحات وجهها الأبيض الذي تحول إلى اللون الأحمر من كتمانها لبكاؤها، صارعت لتخرج تلك الأفكار عن عقلها، لكن وصلت إلى نقطة ما، نقطة فاصلة بحياتها، ألا وهي عشقها له، لم تكن تعلم بذلك إلى الآن، لكنها اكتشفت ذلك مؤخرًا عندما تركها وحيدة دون سند ودون صديق ورفيق و. وحبيب!
اعترفت الآن لذاتها ولكن بعد فوات الأوان، لا تعلم متي سيعود، هو متغيب عنها وعن مهاتفتها منذ اسبوع، أمن الممكن أن يكون قد ملَّ منها! لم يظل يحبها! اسيحب غيرها! عند تلك الفكرة اشتعلت عيناها بالحقد فمسحت باقي دموعها المتعلقة بأهدابها المبللة بخفة ثم وقفت وارتدت ثيابها بإصرار واضح مستعدة للهبوط للأسفل.
انتقت آيات ملابسها ونظرت لنفسها برضا تام وراحة، كانت ترتدي دريس من اللون الأسود ومزين ببعض النقوش من اللون الأخضر الغامق متداخلة باللون الأبيض وحجاب طويل يصل لما بعد خصرها من الخلف، ولما بعد صدرها من الأمام وكان باللون الزيتي الذي عكس لون عيناها الزرقاء لتكون متداخلة بين اللونين الأزرق والزيتي.
لم تشعر بالراحة كالآن، راضية عن ذاتها وعن ثيابها غير مواظبتها على جميع فروضها أيضًا، نظرت لذاتها بالمرآة الكبيرة التي تتوسط غرفتها وقامت بإرتداء حجابها بالطريقة التي علمتها إياها ضحي، كم تشكر الله على وجود صديقة مثل هذه في حياتها!
جميعنا نحتاج إلى الصُحبة الصالحة، صُحبة إذا وقعنا في الذنب تمتد أياديهم لينتشلونا من الخطأ، صُحبة تُجَرِدُنا من حياتنا السابقة ونبدأ حياة جديدة خالية من المعاصي، صُحبة تهول لنا الذنب وتيسر لنا الدين، صُحبة بعيدة كل البُعد عن آثام الشيطان ووسوسة إبليس، صُحبة محصنة بذكر الله ورسوله، صُحبة تسحبنا إلى الجنة.
كل ذلك جال بخاطرها واقنعت نفسها به، نظرت لنفسها برضا وزفرت بتوتر طفيف، فهذه أول مرة ترتدي تلك الثياب أمام عائلتها، متلعثمة وخجولة كخجل طفل صغير يرتدي ثياب العيد لأول مرة، نظرت لنفسها مرة أخيرة واستعدت للخروج.
خرجت من غرفتها في طريقها للأسفل حيث تجمعهم حول مائدة الإفطار، كيف سيكون ردة فعلهم يا تُري! وصلت للغرفة وترددت في الدخول من شدة الخجل، هي اليوم متأخرة ساعتين ليس كعادتها ولكن التجمع في عائلتها يستمر طوال اليوم خاصة اليوم هو الخميس.
طرقت الباب بخفوت ثم دخلت عليهم واضعة وجهها أرضًا قائلة بحرج: سلام عليكم.
نظر إليها الجميع ثواني وتحولت معالم وجوههم إلى الصدمة، كانت أول من تنتبه للأمر هي والدتها فريدة التي ذهبت إليها بسرعة تنظر إليها بفرحة عارمة وهي تحتضنها بشدة لتقول بسعادة: زي القمر يا حبيبة قلبي، كنتي قمر وبقيتي قمرين يا روحي.
التمعت عينها بالدموع وهي تستمع لردة فعل والدتها وبادلتها الإحتضان بحب وفرحة شديدة، كذلك ذهب إليها والدها وأجمل ما رأته بعينه هي نظرة الفخر التي يحدجها بها، احتضنها كذلك، كما فعلت صديقتها وابنة خالتها آية التي باتت قريبة منها بشدة هي الأخرى، كانت تمدحها وهي تتحدث بفرحة شديدة وكل هذا وآيات كانت تنظر للأسفل بخجل من مدحهم لها.
لم تلاحظ تلك النظرات التي كانت تنظر إليها بوله وعشق تام، نظراته ثُبتت عليها لا يمكن إزاحتها بعيدًا عنها! يا الله ما هذا الذي تفعله به! أيجب عليه الإستمرار بخطته وهي أمامه بتلك الهيئة الملائكية!
رفقًا بي يا مالكة القلب والوجدان، رفقًا بقلبٍ قد تخطي حدود العشق ليصبح اسيرًا لتلك العينان، قد سنحت لي الفرصة لتركك ولكن اكتشفت خطأي وعدت بندمان، صادق من قال أن الحب قاتل ولكن يجهل لمشاعر الأمن والأمان.
وضع يده موضع قلبه وجده ينبض بعنف يكاد يهلكه، بينما هي حتى الآن لم تلاحظه ولكن لا تعلم لما تشعر به الآن! رفعت نظرها لوالدتها لتتحدث بخفوت: يزن فين يا ماما!
يزن راح الشركة من بدري وخد ضحي معاه يا حبيبتي.
اومأت لها وكادت أن تذهب من أمامهم ولكن لمحت طيفه. نعم إنه هو، من آرق نومها وجعلها حبيسة لغرفتها لأيام عديدة حزنًا عليه، جالت عيناها بلهفة عليه وذهبت إليه مسرعة بعدما صعد رنين هاتف آية فذهبت للإجابة عليه وكذلك باقي أفراد العائلة التي ذهبت لإستكمال جلستها.
وقفت أمامه وهي تتحدث بفرحة عارمة: مراد جيت امتي!
بصعوبة بالغة استطاع أن يتمالك ذاته ليجيبها ومازالت نظراته مثيتة عليها: م. من شوية كدا.
تراقصت السعادة بعينها لتجيبها بفرحة عارفة وهي تقف أمامه مباشرة: هييييه واخيرًا، كنت مفتقداك أوي يا مراد.
تذكرت ما حدث بينهم فدمعت عيناها وهي تنظر للأسفل بحزن متشدقة بمرارة: أنا اسفة بجد يا مراد، مكنتش عارفة انا بعمل ايه، جرحتك وجرحت نفسي ومكنتش عارفة انا بعمل ايه والا بفكر ازاي. معرفتش دا غير لما سافرت وقتها حسيت إن فيه حاجة نقصاني.
ضرب بتخطيطه وأفكاره وحديثها عرض الحائط وقام برفع وجهها بأطراف أصابعه ليظهر له عيناها المليئة بالدموع ليقول هو بهمس عاشق: وحشتيني أوي يا يوتا.
مسحت دموعها بأصابعها الرقيقة وهي تبتسم بخجل لتردف بترقب: يعني انت مش زعلان مني!
تؤ مش زعلان، قولتلك إني مش بزعل منك ابدًا انتِ بنتي.
فتح ذراعيه على مصرعه يحثها على إحتضانه كعادتهم وهم صغار لتفرك يدها بتوتر بالغ وتهتف بتلعثم: بص هقولك حاجة. ضحي قالتلي مينفعش حد يقرب مني وهو من محارمي.
لتبرر بسرعة قائلة: انا عارفة إنك مش غريب وإنك أقرب حد ليا حتى من نفسي بس هي قالتلي مينفعش.
نظرت له بترقب عله يغضب أو يعنفها ولكن وجدت بسمة رضا على وجهه لينزل ذراعيه وهو يبتسم براحة لصغيرته التي أصبحت ناضجة كفاية لمعرفة الصحيح من الخطأ وهو يومأ لها بهدوء قائلًا: ضحي معاها حق يا يوتا.
ابتسمت بسعادة ثم قالت بفرحة عارمة: طيب تعالي نقعد في مكانا وتحكيلي عملت ايه هناك ويومك كان عامل ازاي.
يلا يا هبلة.
صدحت ضحكاته عندما رأي تذمرها وسار بجانبها ليجلسوا في مكانهم المفضل ويروي لها ما تود معرفته حتى يعود له يزن ويخبره سبب دعوته له الأن بالتحديد.
لوجهك كل الحُب وتحديداً عيناكِ.
ترجل من سيارته وهي خلفه تتابع السرح الكبير الذي أمامها، لم تكن تتوقع أن شركته بهذا الجمال وبكل تلك المساحة الشاسعة! كانت حوائط الشركة من الخارج من الزجاج العازل اللامع بشدة فكان يعكس اشعة الشمس المنبثقة عليه ليعطيه مظهرًا خلاب للغاية.
كان يتابع عيناها التي تصرخ بإعجاب فذهب وأمسك يدها ليقول بمشاكسة: انتِ مبصتليش البصة دي!
افاقت من شرودها لتضحك بخفوت لمزحته قبل ان تجيب: شركتك جامدة موت.
تصنع الخوف وهو يرفع كفه أمام وجهه قائلًا: قل اعوذ برب الفلق.
نظرت له بطرف عينها بضجر فسحبها خلفه وهو يضحك عليها بيأس تاركًا الحرس ينظرون لبعضهم ببلاهة، أرئيس عملهم يمزح بل ويضحك ايضًا! ما هذه المزحة بالطبع تخيلوا هذا من الإنهاك!
دلف للشركة بغنهجية ينظر للجميع بطرف عينه يري إذا كان هناك أي تقصير أم لا، فوجد الجميع يعمل على قدم وساق بجدية وآلية شديدة، بينما ضحي كانت مازالت تتابع رؤيتها للمكان وهو يمسك بيدها كالطفلة الصغيرة تمامًا، وصلوا للمصعد الخاص به تحديدًا ليدلفوا إليه ويضغط على بعض الأزرار حتى شعروا بتحرك المصعد للأعلي.
كانت تدندن بفمها فلم يستطع سماع ما تقول ليقترب من وجهها بعبث مردفًا: بتغني إيه يعسل!
توقفت ونظرت له بغيظ قائلة: إيه عسل دي! انت بتكلم بنت اختك!
احاطها من خصرها مقربًا إياها منه بشدة وهي يتحدث أمام وجهها: أحلي بنت اخت في الدنيا كلها.
اسبلت عينها إليه ولرجولته الجذابة الساحر هاتفة بدون وعي: يخربيت حلاوتك، الحلاوة دي كلها ليا لوحدي!
قهقه عليها ويضع وجهه بعنقها محتضنًا إياها متشدقًا بهمس رجولي يسحرها: ياما نفسي افضل كدا في حضنك العمر كله يا ضحايا.
لم تعير حديثه انتباه إنما ردت قائلة: يزن انا قلقانة.
خرج من أحضانها ممسكًا يدها برفق وهو يقول بتعجب: قلقانة من ايه يا حبيبتي!
رددت هي وهي تضع يدها اسفل ذقنها وكأنها تفكر في شئ غاية في الخطورة: بقيت رومانسي زيادة عن اللزوم والصراحة الجو دا بيقلقني.
نظر إليها بإستنكار وتوقف الحديث الذي كان سيطمئنها به وتلاشت ابتسامته ليحدجها بإشمئزاز دافعًا إياها بعدما انفتح المصعد على مصرعيه ليخرج هو منه دون الحديث بأي كلمة بينما هي نظرت له بغيظ وهي تردف: وانا عملت ايه للمعاملة دي يعني الله!
خرجت خلفه مسرعة حتى تستطيع اللحاق بخطواته الواسعة ورأته يدخل مكتبه ولكن مهلًا! من تلك البهلوانة التي ترتدي ثياب ملتصقة بجسدها بطريقة مخجلة بل وتدخل خلفه! اتسعت حدقتيها بغضب هاتفة وهي تجز على اسنانها: دا انتِ ليلة ابوكي سودة النهاردة.
ثم هرعت إليها ودخلت خلفهم لتسمع اروي بصوتها الرقيق المدلل وهي تقول: اي اوامر تانية يا يزن بيه!
لتجيبها هي بحدة افزعت تلك التي كانت تعطي لها ظهرها وهي تقول: الأمر لله وحده يا قمورة. ومالك يختي عمالة بتتسهوكي كداا! ولا انتي عندك اللوز وانا مش واخدة بالي!
نظرت لها أروي بغضب ولم تعلم من هي وما الذي ادخلها دون استئذان بثيابها المحتشمة تلك لتحدجها بقرف من رأسها لأخمص قدمها وهي تهتف بإشمئزاز: انتِ مين، ومين اللي سمحلك تدخلي هنا يا فلاحة انتِ!
كادت أن تجيبها ولكن صدح صوت يزن الغاضب بشدة واقفًا مكانه بغضب ثم أكل خطواته وهو يقف أمامها بعينان ينطلقان منها الشرر وهو يصرخ عاليًا: اررررروووووي! احترمي نفسك واعرفي حدودك كويس وانتِ بتتكلمي مع حرم يزن الراوي، انتي فااااااهمة ولااااا لااااأ.
فزعت اروي من صراخه بها بتلك الطريقة وامتلأ قلبها بالحقد تجاه ضحي فودت أن تهجم عليها الآن لتريها من هي، لكن إذا فعلت هذا بالتأكيد ستخسر حياتها على يد هذا الملقب بالشيطان، لتومأ مسرعة وهي تبتلع ريقها بصعوبة وتخرج من المكتب نهائيًا بعد أن قالت معتذرة رغمًا عنها: انا، انا اسفة يا. يا يزن بيه مكنتش اعرف.
بعد أن خرجت مهرولة نظر يزن تجاه ضحي ليجد عيناها مليئة بالدموع ليسب آروي سبابًا لازعًا في سره ويذهب إلى ضحي محاوطًا وجهها بين يده قائلًا برقة: ممكن اعرف حبيبتي دلوقتي بتعيط ليه!
ارتعشت شفتيعا كالأطفال لتردف بحزن: عشان شتمتني بنت بياعة البليلة دي، اومال لو مكنتش لاقية قماش عشان تكمل لبسها كانت هتعمل ايه!
ضحك بخفة ليحاوطها بين ذراعيًا وتستغل هي فرصتها وتدسر نفسها داخل احضانه ليتسمع صوته يردف بشرود: هتاخد عقابها بس كل بأوانه. انا محتاجها دلوقتي.
خرجت من احضانه بعنف وهي تلوح بيدها أمامه لتتحدث بردح: نعمممم نعمممم يا عنيااااا ودي محتاجها في ايه إن شاء الله!
دُهش من تحولها وحاول كتم ضحكته حتى لا يغضبها أكثر ليردف بهدوء مصطنع: محتاجها في شغل يا ضحي. انتِ فهمتي ايه بس.
امممم شغل.
قالتها بشك وهي تحدجه بنظراتها المشتعلة لتضع يدها على خصرها متشدقة ب: طيب انا عايزة اشتغل معاك.
رفع حاجبه بإستنكار وهو يحدجها بنظرات ساخطة فبررت هي قائلة: على فكرة بقا على فكرة يعني انا بتكلم إنجليزي ولا انجلينا جولي.
مط شفتيه بإعجاب واضح لها وقرر الإستمتاع قليلًا فنظر إليها ببرود ثم عاد إلى مكتبه جالسًا على مقعده ثم أمسك قلم بين يديه وظل يلفه حول اصبعه وهو يردف: اممممم بتتكلمي انجليزيييي.
ثم سألها على غفلة مردفًا: What should you do if a customer speak with you rudely
(ماذا يجب عليكي أن تفعلي إذا تحدث معكي أحد العملاء بطريقة وقحة؟ )
صدمت من سؤاله السريع لها ولكنها رفعت رأسها بكبرياء وهي تقول: I fine thank you
(انا بخير شكرًا. ).
لم يتمالك ذاته بل قهقه عاليًا وهو يستمع إلى أجابتها الحمقاء والتي تقوله بثقة عمياء وكأنها ولدت في أحد المدن الأجنبية، بينما هي اشتعلت بالغضب وذهبت إلى مهرولة لتقف أمامه وهي ترفع يدها أمام وجهه قائلة بتحذير: ما هو انا هشتغل معاك يعني هشتغل معاك.
بإنجليزي أبلة ألفت دا!
ضحك مرة اخري عاليًا وهو يجدها تكاد تقتله من الغضب فصاحت بغضب وصوت عالي رغمًا عنها: ما هو انا مش هسيب البت الحيزبونة دي تشتغل عندك وانا يا فرحتي قاعدة في البيت مش دريانة باللي بيحصل.
زجرها بعنف ليصدح صوته بغضب: صوتك يا ضحي احسنلك عشان متندميش.
علت وتيرة أنفاسها وعادت للخلف بغضب بعدما كانت تقف أمامه ورغمًا عنها دمعت عيناها ليتشكل حاجز من الدموع على مقليتها، ليزفر هو بضيق من صراخه عليها ولكن ماذا يفعل! فأكثر ما يشعل فتيل غضبه هو الصوت العالي وهي فعلت ذلك.
وقف محله وتقدم منها بينما هي عادت للخلف وكادت أن تخطو للخارج لكنه أمسك بيدها مسندًا ذقنه على كتفها وهو يقول بحب لا يظهر إلا معها: متزعليش مني بس انتي عصبتيني، انتي عارفة إني بكره الصوت العالي وانا اتضايقت لما عليتي صوتك.
لم تجبه له ظلت رأسها منكسة للأسفل بحزن شديد، لا تعلم لما تتحكم بها مشاعرها تلك الأيام بشدة، لم تكن هكذا من البداية، بل كانت فتاة قوية لا تهاب شيئًا تأخذ حقها بلسانها وتهين من أمامها، لكن الآن يحيط بها هالة من الهدوء وتحزن سريعًا وهذا يضايقها كثيرًا.
عندما لم يسمع منها رد رفع وجهها بأنامله فوجدها تنظر إليه بجمود ليقبل وجنتها وهو يقول بأسف: خلاص بقا متبقيش قفوشة كدا.
ربعت يداها أمام صدرها بينما لم تجبه أيضًا ليزفر بضيق ولكن تحولت نظراته للخبث وهو يحيط خصرها بقوة لتشهق هي بفزع تحاول أن تبعده عنها ولكن قد تملك منها وانتهي الأمر ليردف بمشاكسة: يبقي انتِ زعلانة وانا لازم اصالحك.
كادت أن تتحدث ولكن قاطعها هو ليعتذر ولكن على طريقته الخاصة والمفضلة له.
ثم ماذا؟ ثم إنكَ الجنة وما بها مِن نعيم.
بعد محادثة رضوي الأخيرة معه شعر بالقلق الشديد واصبح ذهنه شارد للغاية، لايعلم لما لا يشعر بالطمأنينة من تلك المقابلة وهو الذي كان يتلهف شوقًا لرؤيتها، ولكن الآن! يشعر بالتناقض تمامًا.
حاول بث الراحة لعقله عله يهدأ من التفكير قليلًا ثم ذهب من مكتبه ووجهته هي قصر الراوي حيث تقبع هي.
مر حوالي نصف ساعة حتى وصل إلى هناك فهبط من السيارة التي استأجرها ثم ولج للداخل ولكن شعر بإنقباضة قلبه! وضع يده موضع الألم ثم توقف محله وشرد قليلًا ولكنه حسم أمره وأخذ نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل وأكمل طريقه للداخل فوجدها جالسة في الحديقة المقابلة لشرفة غرفتها ويبدو على ملامحها الشحوب.
أيا قلبٍ وجد رفيق الروح والفؤاد، استتركه يذهب حين وجدناه! هل من حقه الحزن والشقاء، هل عليه تحملنا والبقاء! أم يذهب ليري حياته والعناء!
كانت شاردة حزينة تحاول تنقية كلماتها حتى تمليها عليه وتذهب بسرعة من أمامه حتى لا ينكشف ضعفها.
أحست به حولها، أغمضت عينها فمازال طيفه يحاوطها في كل مكان، كيف عليها مواجهته الآن! وقف أمامها بقلب يطرق من الفزع من هيئتها ليقول بقلق: مالك يا رضوي فيكي إيه! وليه طلبتي تقابليني دلوقتي!
نظرت له بعشق جارف يزداد يومًا بعد يوم، ولكن الآن كُتب عليه الإنتهاء من قبل حتى بدايته لتقول بصوت متحشرج: ساهر انت بتحبني!
نظر إليها بغرابة متحدثًا بإستنكار: بقا انتِ جايباني على ملا وشي عشان تسأليني السؤال دا!
هزت رأسها بالنفي ومازالت تنظر لعينه بقوة مردفة: ساهر جاوب على سؤالي لو سمحت. بتحبني!
رغم غرابته من سؤالها ولكنه أجابها بصدق واضح وعينان تنطقان بالحب: وعمري ما حبيت ولا هحب قدك يا رضوي.
اغمضت عيناها بقهر مرددة في نفسها: سامحك الله يا أمي، لكنها قالت بجمود عكس الحالة التي تلبستها: يبقي لازم تسبني يا ساهر.
صمت. صمت. صمت.
ينظر إليها كأنها كائن غير بشري غريب، يقوم بإعادة جملتها بعقله عله يجد تفسير لحديثها ولكن لم يصل لشئ، أتقول أتركني! بكل تلك البساطة! بالطبع هي تمزح.
خرج صوته ساخطًا وهو يردف بمزاح: وهو دا وقت هزار يا رضوتي!
كم ارادت في تلك الأثناء احتضانه بشدة والبكاء حتى تنتهي من ألم قلبها، كم تود أن تخبره بأنها لا تمزح! كم تود أن تخبره بأحاديث طويلة ولكن قد فات الأوان.
حاولت إخراج صوتها طبيعيًا ولكن رغمًا عنها خرج مبحوحًا نتيجة كتمانها لبكائها فقالت بإرتعاشة: اللي سمعته يا ساهر. لازم تسبني. مش هينفع نكمل مع بعض.
اقترب منها مسرعًا ممسكًا إياها من زراعيها بحنان مردفًا بلهفة: رضوي حبيبتي انتِ بتقولي ايه!؟ انتي اكيد بتهزري صح.
هبطت دمعة وحيدة على وجهها لتجيب بمرارة: للأسف مش بهزر يا ساهر. انا وانت مش طريق بعض.
انتيييييي بتقووووولي اييييييه!
صرخ بها بهياج بعد أن دفعها فاصتدمت بجزع الشجرة الذي خلفها مما سبب لها ألم بالغ ولكن ليس أكثر من ألم قلبه المحترق الآن!
لم تستطيع الحديث بل اكتفت بالبكاء ليذهب هو اتجاهها ويمسكها مجددًا من ذراعيها ثم تحدث بنبرة راجية متألمة: قوليلي. قوليلي إن دا كدب وإنك بتهزري مش اكتر، انطقيييييي
نطق الأخيرة بصراخ عندما لم يجد إجابتها.
انكمشت على نفسها بذعر وتحدثت بشهقات متعالية: اف. افهمني يا س. ساهر.
افهممممم ايييييييه! انتي خليتي فيهاااا افهمممم!
صرخ بها بهياج ليكمل بصراخ وصوت عالي مرير: انااااا جييييت على نفسييي بدللل المرررة اتنين وتلااااتة عشااااان خاااااطر. جيت على كرااااامتي كتير اوووي عشاااان خااااطرك بردو. كنت نااااوي اسيبك وامشييي بعد ما عملتيني لعبة مع صحااابك بس مهنتيش علياااا، كنت ناااوي اعذبك بس مقدرتش اشوووف دمووووعك، كنت عااايزك في حضني، كنت عااايز اشوووفك مبسوووطة حتى لو على حسااابي اناااا. سبت بيتي وجيت هناااا عشاااانك. سبت حيااااتي علشاااانك، وانتي تقوليلي لااازم نسيب بعض! انتي اكتر واحدة انااانية شوفتهااا في حياااتي، اكتر واااحدة هفضل اندم طول عمررري إني حبيتهاااا في يوم من الأياااام، افرررحي يااا رضوي هسيبك عشان تنبسطي، هسيبك علشاااان ترتاحي مني ومن قرررفي وتعيشي حياااتك اللي انتي عااايزاااها بعيد عني.
انتهي من صراخه المؤلم ولم ينتبه لتلك الدمعة الحارقة التي سقطت على وجهه، ظل صدره يعلو ويهبط أثر صراخه، شعر بالألم يعتصر قلبه ورغبة عارمة في البكاء الآن، ذهب من أمامها قبل أن يضعف مجددًا وتركها تنظر له بصدمة.
تصنمت محلها ولم تقوَ على الحديث أو حتى الدفاع عن حبها، حديثه جعلها تشعر بأنها دنيئة بدرجة كبيرة، ولكنها كانت تحميه من تلك التي تسمي بوالدتها! ماذا كان عليها أن تفعل! أتظل مرتبطة به حتى تأتي والدتها بيوم من الأيام وتبعث له من يقتله! ام تبتعد عنه وتنكوي بنار الهجر والفراق!
جلست على الأرض العشبية الخضراء وسمحت لذاتها بالإنهيار، لم تستطيع التحمل بعد الآن، قلبها يكاد يخرج من محله من شدة الألم، روحها تكاد تصعد للسماء، ودموعها قاربت على الجفاف، ليتها كانت طائر يحلق في السماء لتبتعد عن الجميع.
ظلت جالسة وقت ليس بالقليل تبكي بهستيريا على حظها العثر، وضعت يدها على وجهها وهي تصرخ من البكاء، لن تستطيع العيش بدونه، لقد تعلمت قواعد العشق على يده هو، ماذا عليها أن تفعل الآن!
وبصعوبة كبيرة وقفت محلها تشهق بصوت عالي حتى تحاملت على نفسها وصعدت لغرفتها لتكمل بها وصلة البكاء الأليم وحديثه لا يفارق اذنها.
و أعرفُكِ صَلبةً سَتَتخطِّينَ هذهِ الأيام بِسلام.
لكي تربح في الحرب يجب على عقلك أن يوازن تفكير الجيوش التي أمامك وإلا ستخسر بجدارة.
كان بيبرس يجر طوني خلفه ومازال فاقدًا للوعي أمام الرئيس الذي نظر له باستغراب ليسأله مردفًا بحدة طفيفة: ما الذي فعلته بيبرس! الا تعلم أن طوني هو إحدي رجالنا المخلصين.
لوي شفتيه بتهكم صريح ليردف بخبث: طوني هو الجاسوس المزعوم سيدي الرئيس.
ماااذااا!
نطق بها بصدمة ليؤكد له بيبرس حديثه: نعم سيدي، لقد سمعته ليلة أمس يتحدث بصوت خفيض مع احدهم وعندما اقتربت سمعت حديثه بأنه سيقوم بتخريب الشحنة المهربة إلى مصر.
التمعت عين الآخر بالغضب ليقف محله بحدة وهو يمسك سلاحه، وفي نفس الوقت كان طوني يبدأ بإستعادة وعيه فظل يفتح ويغلق بعيناه حتى اعتاد على الإضاءة ليري الرئيس وبجانبه بيبرس فتحدث بسرعة مستغلًا الوضع: سيدي، بيبرس هو...
صمت عندما صرخ به الآخر بغضب جحيمي وعينان شيطانية هادرًا: اخرررس أيهاا الوغد. لقد وثقت بك وجعلتك أحد رجالي المخلصين وفي المقابل تقوم بخيانتي!
نظر له الآخر بفزع وهو يهز رأسه بالنفي وكاد أن يتحدث فقاطعه الرئيس مرة أخري بفحيح: عقاب الخائن الموت، وهذه نهايتك طوني.
ثم قام بإطلاق النيران على رأسه مباشرة ليقع اسيرًا في الحال تحت نظرات بيبرس الخبيثة والشامتة.
حدجه الرئيس بجمود وهو يضع سلاحه جانبه ويجلس على مقعده الوثير مرة اخري فأردف متسائلًا: هل تجهزت للهبوط إلى مصر!
نعم سيدي. طائرتي بعد اربع ساعات تمامًا.
حسنًا اذهب.
ذهب بيبرس من أمامه وهو يرمق سلاحه الذي بجانبه بنظرات متوعدة متشدقًا: قريبًا سأفرغ سلاحك اللعين في رأسك اللعينة أيها الوغد.
End Flash Back.
فاق من شردوه على سؤال جيسيكا القائلة: هل حدثت يزن الراوي؟
اجابها وهو يومأ بهدوء ساندًا ظهره على الأريكة بأريحية: نعم وسنذهب لمقابلته غدًا، لقد أخبرته بوجودنا بمصر وحجزنا لأحد الفنادق.
جلست بجانبه وهي تردف بقلق: اشعر بإحساس سئ. لا أعلم ولكني خائفة وبشدة.
اعتدل وأمسك بيدها بحنان ثم قبل كفها بعمق لتتوتر هي من لمسته فهتف مطمئنًا وهو يبتسم ابتسامته المهلكة: لا تقلقي، كل شئ سيكون على ما يرام.
هزت رأسها بالإيجاب ليكمل هو بخبث: عند انتهاء هذه المهمة سأفكر بالزواج قليلًا.
لا تعلم لماذا احست بالضيق لتقول متسائلة: هل عثرت على فتاة احلامك؟
مممم يمكنك قول نعم.
سحبت يدها من كفه بضيق لتردف وهي تتمدد على الفراش تستعد للنوم: حسنًا افعل ما شئت.
قهقه بمرح لتنظر له بضيق ولكنه يعلم لذلك أحب إغاظتها قليلًا فيبدو أن تلك الفتاة شغلت جزء كبير من عقله وربما. قلبه!
ذهب إليها ليتمدد بجانبها فأعطت له ظهرها ليديرها رغم إعتراضها ثم أخذها بأحضانه لينعم بدفئ احضانها وبعد بضعة دقائق ذهبوا في ثبات عميق.
(دي عادات وتقاليد ملناش دعوة بيها )
بعد عودة يزن وضحي من الشركة وبالطبع لم تخلو من المناوشات بين ضحي ليزن ومشاكستها الدائمة له التي كان يتقبلها بقلبه بصدر رحب، صعدوا إلى غرفتهم فتمددت ضحي على الاريكة متحدثة بإنهاك: اااه انا تعبت.
ابتسم يزن نصف ابتسامة لم تصل لعينه وهو يقوم بتبديل ثيابه لأخري مريحة وهو يقول: وانتي عملتي حاجة!
مش كنت باخد بالي منك عشان الحيزبونة اللي عندك متسرقكش مني!
اكمل ارتداء ثيابه ليجذبها من على الاريكة ويستند بجبهته على رأسها وهو يتحدث بهمس: محدش يقدر يسرقني منك يا ضحايا، عشان بإختصار انتي مالكة قلبي ومحدش عرف يسرقني غيرك انتي.
ابتسمت بسعادة لتحيط بوجهه مردفة بعشق: انا بحبك اوي يا يزن.
ويزن بيموت فيكي وف تفاصيلك كلها.
لتبدأ هي هذه المرة بتقبيل وجنته بعمق وهي تغمض عينها استمتاعًا لقربه ومن ثم دسرت وجهها بعنقه فأحاطها من خصرها وهو يتحدث بمشاكسة: شكلنا اتعلمنا قلة الأدب بسرعة.
تحدثت وهي مازالت على وضعيتها تلك قائلة: احلي قلة ادب دي.
قهقه بصوت عالي وهو يدسرها داخل أحضانه بشدة ليردف بخبث: هعلمك البوسة التانية قريب اوي يا ضحايا.
ضربته على كتفه بخجل وخرجت من أحضانه ذاهبة للمرحاض لتبديل ثيابها لتهتف: يا قليل الادب، هدخل اغير عشان ننزل نتعشي.
مش عااايزة مساااعدة.
هتف بها بصوت عالي حتى تسمعه من الداخل لتقول بغيظ: بس يا سااافل.
انتهت من ارتداء ملابسها لتلج للخارج فوجدته بإنتظارها ليمسك يدها ويهبطوا للأسفل فوجدوا جميع العائلة متجمعة عدا ساهر ورضوي بالبطع.
سألت ضحي عن اخيها بعد تقبيلها لجبين والدتها بحب فأجابوها بأنه لم يأتي حتى الآن من الخارج، اومات لهم ثم شرعت بتناول طعامها بنهم واضح ليردف يزن بتسلية: براحة على الأكل هيقولوا عليكي مفجوعة.
نظرت له بغيظ وكادت أن تجيبه ولكن دخلت الخادمة قائلة وهي تنظر لها بإحترام: ضحي هانم والد حضرتك برا وطالب يشوفك!
ماذا! والدها القاسي تذكرها الآن! عن أي والد تتحدث! تحدثت بصدمة وهي تسألها: بابا!
اومأت لها الخادمة بهدوء ثم ذهبت من أمامها بعد أن استأذنت بإحترام، نظرت ضحي لوالدتها فوجدتها مشدوهة هي الاخري، فيبدو أنها لم تكن وحدها الصدومة هنا.
امسك يزن بكفها البارد متشدقًا: لو عايزاني اجي معاكي هاجي.
نظرت له برجاء فهزت رأسها بنعم ليبتسم لها حتى يطمئنها ثم سحبها خلفه للخارج بعد أن رمق حماته نظرة مطمئنة هي الاخري لتنظر له بإمتنان ويكمل هو طريقه للخارج.
وصلوا لردهة المنزل فوجدت والدها يقف ينتظرها بملابسه المهترئة وهو ينظر للقصر بنظرات متفحصة مدروسة، لينظر لها بعد أن وقفت امامه بجمود ظاهري ومن داخلها قلقة وخائفة للغاية فهي لم تنسي ما حدث بالماضي حتى الآن لتتحدث بجمود: جاي ليه!
رمقها بعتاب مصطنع قائلًا بحزن: تؤتؤ حد يكلم ابوه كدا! اخس عليكي زعلتيني.
ضغطت على يد يزن الممسكة بيدها لتكمل حديثها قائلة: معرفتش بردو جاي ليه.
نظر حوله وللقصر ومن ثم نظر لزوجها الذي يرتدي ثياب بيتية ولكن يظهر عليها الثراء الفاحش ليردف: بقا عايشة في الابهة دي كلها انتي وامك وسايباني في الخرابة اللي عايش فيها دي!
عند هذا الخد ولم تحتمل فتحدثت صارخة: الخرااابة دي انت اللي عملتهااا، كااان ممكن نبقي احسن من كدا لو كنت بطلت القرف اللي بتشربه دااا. كانت هتبقي حياتنا احسن مليون مرة من دلوقتي، كنت هتبقي اب ليا مش واحد بيرجع وش الفجر سكرااان وبينزل فياا ضرب واهانة وذل.
هاج عليها ليقاطعها صارخًا: دلوووقتي بقيت انا الوحش، دلوقتي بقيت اناا اللي مستهلش! مسألتيش نفسك ايه اللي وصلني للحالة دي بعد ما كنت احسن اب في الدنياا! هاااا ردي عليااا.
صمتت ولم تجبه بل ظلت تفكر بحديثه بصدمة، نعم فكان والدها بالنسبة لها الأب المثالي كان يغدقها من الحنان والحب ما يكفي لأعوام حتى وصلت لسن العاشرة، من بعدها وتغيرت معاملته كليًا معها ومع اخيها ولم تكن تعلم ما السبب.
قاطع تفكيرها وهو يكمل بألم وصراخ مرير: اكييييد مفكرتيش ليييه، بس داا كله بسبب امك ال، كل داا بسببها انا كنت شايلها في عينااا وبحبها حب أي ست تتمناه. بس هي عملت اييييه هاااا! خانتني!