قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي

دقيقة كانت المدة التي أستغرقتها حور لتستوعب ما أخترق اذنيها، فقد كان والدها يخبرها أن شقيقها الاصغر الهارب قد مات...!
قد رحل دون مقدمات، سحبه ملك الموت من مسرح الحياة فجأة...
شعرت بألم عاصي، شعرت بالنصل البارد الذي إنغرز منتصف قلبه ولكن مرتان وليس مرة..!
ودت لو تصرخ، لو تطلق سراح تلك ال آآه المتحشرجة التي يحتجزها قسوة الموقف في جوفها...!

وفجأة ظهر عاصي يمسك بالهاتف وهو يحدق بوجهها الشاحب ثم سألها متوجسًا:
-ما الذي حدث؟ ومَن الذي أتصل؟!
في البداية كانت صامتة، جامدة بطريقة مُقلقة تغطي على اشباح الانهيار التي تحوم في منطلق جوارحها، لتنطق بصوت يكاد يسمع:
-لقد، مات شقيقي أنور!
والصدمة أخذت عاصي هو الآخر، ولكنه امسك بيداها تلقائيًا وهو يسألها:
-مَن الذي أخبرك؟
ارتعشت شفتاها مجيبة:
-والدي!..

سحبها عاصي معه برفق إلى أن جلسا على الأريكة معًا، حينها ضمها لأحضانه برفق، يربت على خصلاتها بحنان وكأنها طفلته، ثم خرج صوته حانيًا، مُطمئنًا وهو يهمس له بأشفاق:
-ابكي، ابكي حوريتي واخرجي تلك الصرخة التي تكتمينها!
حينها بالفعل بدأت دموعها تهبط رويدًا رويدًا، دموع حارقة كانت كالنقاط التي تُوضع على حروف الألم والانهيار داخلها، بدأت تضرب صدره وصراخها المتألم يزداد وهي تردد بهسيس هيستيري:.

-آآآه، لقد مات! مات لا ادري كيف او متى، رحل هكذا دون مقدمات، دون أن اودعه، دون أن احتضنه للمرة الاخيرة، دون أن اخبره أنني احبه كثيرًا رغم كل اخطاؤه، دون أن أخبره أنني أصدق أنه لم يقتل شقيقك عمدًا...
رفعت رأسها تنظر لعيناه وهي تهدر بجنون وكأنها لا تعي ما تقول:
-لقد مات يا عاصي، مات مَن كنت تتمنى ظهوره لتقتله بنفسك رغم اعتراف شقيقك قبل أن يموت أن انور لم يقتله عمدًا...!

تجمد عاصي أثر كلماتها، لم يتوقع أن تعلم ابدًا بما أخبره إياه شقيقه وهو على فراش الموت ولم يُخبر به أي شخص...!
رمش عدة مرات قبل أن يسألها بصوت دون تعبير واضح:
-من أين علمتي ذلك؟
لم تنظر له وهي تتشدق بصوت شارد في ذلك اليوم:.

-لقد سمعتك في اليوم الذي كنت تتحدث فيه مع والدتك بعد أن تزوجتك بفترة قليلة، كنت تخبرها أنك سألت شقيقك هل قتله انور عن عمد ام بالخطأ كما يدعي وأكد هو كلام أنور، ثم بدأت تخبرها أنك لست متأكدًا إن كان شقيقك تحت تهديد ام ماذا لذلك لم تخبر أي شخص بما حدث
ثم رفعت عيناها له، تحدق بعيناه العاصفة برياح الذكريات العاتية، ثم تابعت بنفس النبرة:.

-حينها ادركت أن رفضك القاسي لي حتى بعدما احببتني كان بسبب ما حدث من ضمن الاسباب، لأنك ربما لو صدقت انور شقيقي وصدقت شقيقك لمَ كان مات شقيقك الثاني حسين، رفضك لي كان عقابًا لك قبل أن يكن لي، لذلك كان انتقامك من علي الاكثر شراسة، لأن انور لم يقتل شقيقك حرفيًا بل كان مجرد سبب لموته لا اكثر، رغم أنني حتى الان لا ادري كيف مات شقيقك من الاساس ولكني أثق بكلام انور رغم هروبه الفوري، اثق انه هرب لانه لن يصدقه اي شخص...

كان عاصي يستمع لها بهدوء تام إلى أن قال بجدية:
-هيا انهضي الان وارتدي ملابسك
وبالفعل نهضت حور بسرعة ترتدي اول ما يقابلها...
وبعد فترة قليلة كانوا يدلفان معًا نحو منزل والد حور، رأت حور الجميع مجتمعين ومن ضمنهم علي الذي يبدو أنه أتى من عمله على منزل والده...
ركضت حور تجاه والدها وصراخها الهيستيري يصدح ملطخًا بسواد روحها المتألمة:.

-كيف حدث كيف؟! ألم تكن تخبرني أنه يتحدث مع كل فترة واموره جيده، كيف مات؟ ما الذي حدث له
أمسك ابراهيم يدها بحزم مزمجرًا بصوت لم يستطع إخفاء ترانيم الألم منه:
-حور، يكفيني ما بي! الوضع لا ينقصكِ ابدًا، أنور اخذ جرعة زائدة من المخدرات أدت إلى وفاته، وصديقه مَن اتصل بي يخبرني بذلك ويخبرني بمكانهم لأتي وآخذ جثمان شقيقك!

مهما بلغت قسوة الرجل، مهما كان طبعه حادًا، مهما كان مُجرد من المشاعر الحانية والألفاظ العطوفة، يظل الأبن نقطة تفصل بين عالمان شتان بينهما، كالسماء والأرض..!
بينما في نفس اللحظات كان علي يقف متجمدًا يمنع تلك الدموع عن حريتها بصعوبة، حينها أقترب عاصي منه بتردد يهمس له:
-البقاء لله، عظم الله اجركم
ظهرت شبح ابتسامة على وجه علي الذي همس له في المقابل:
-ونعم بالله، امين.

ودون مقدمات كان عاصي يحتضنه، يربت على كتفه عدة مرات وكأنه يخبره اشعر بك ...
لا يدري ما الذي دفعه لذلك ولكنه شعر أن علي يحتاج تلك الضمة الأخوية وبشدة...
رن هاتف علي فابتعد قليلاً يتحدث في الهاتف مع احدهم بشأن السفر وامور الدفن وما شابه ذلك، بينما اقتربت ريم من حور تسحبها لأحضانها دون أي كلمة...
فأحيانًا تعجز الكلمات عن تأدية الدور المناسب...!
بعد قليل أتى علي ينظر لعاصي ويهتف متعجلاً:.

-لا تجعل أسيل تأتي ولا تخبرها بشيء لحين عودتنا عندما نأتي ب أنور، لا اريد أن تظهر امام الناس كونها زوجتي لاول مرة بدوني!
اومأ عاصي مؤكدًا وبالفعل خلال وقت قصير كان يرحلون لجلب جثمان أنور...
الأيام التالية كانت مُظلمة، كانت قاسية على حور وعائلتها الصغيرة، لم تكن بها شيء جديد او شيء يستدعي الحديث عنه بل كانت قاتلة للروح لدرجة تدعو لأن نسدل الستار عليها تمامًا...!

بعد شهران...
طوال الشهران لم يترك عاصي حور لحظة واحدة، كان جوارها لحظة بلحظة حتى أنه قصر بعض الشيء في عمله، عندما يشعر بقرب انفجار إنهيارها يزرعها باحضانه ليمدها بعض من الطاقة التي تحتاجها...
وعندما تبكي ليلاً يقرأ لها بعض آيات القرآن ويسحبها لأحضانه برفق وحنان يُحسبان له، الشهران كانا كالمجلد الشامل الذي يعطي نبذة مُبسطة عن بحور العشق التي تموج داخل عاصي تجاه حور...!
وفي احدى الأيام...

كان قد وصلا إلى المنزل الذي أجره عاصي ليكون جوار حور في الوقت الذي هربت به، اقترح عاصي ذلك ليصبحا بمفردها بعيدًا عن ضغوطات الماضي التي تذكرهم بمآسيه...!
كانت حور تتحدث مع ريم في الهاتف بينما عاصي يُدخل حقائبهم القليلة...
هزت رأسها نافية وهي تهتف ل ريم:
-لا داعي لتأجيلكما اكثر من شهران آخران يا ريم، سيكون قد مر اربعة اشهر على وفاته وهذا يكفي!
سمعت صوت ريم المعترض بخشونة:.

-لا، ستة شهور جيدين وظافر لم يعترض ابدًا بل وافقني على الفور
همست حور بهدوء حازم بالرغم من تنازع ذلك الألم داخلها:
-الحي أبقى من الميت عزيزتي، وبالتأكيد لن تتوقف حياتنا بل سندعو له كلما تذكرناه ونكمل مسيرة تلك الحياة حتى نلحق به
زفرت ريم بتوتر تخشى قول حور ولو داخلها أنها لا تهتم بحزنهم كون المتوفى ليس شقيقها..!
انتبهت حور لعاصي الذي أنتهى من ادخال حقائبه فقالت لريم بهدوء:.

-سأحادثك مرة اخرى حبيبتي، إلى اللقاء الان
اومأت ريم مؤكدة وكأنها تراها وردت:
-إلى اللقاء
نهضت حور تحدق ب عاصي الذي أتاه اتصال يخص قاتل شقيقه المريض الذي أدخله مستشفى الامراض النفسية عنوة عن أخيه بعد أن اكد له أنه لن يخبر أي شخص بتلك الجريمة...!
ف بقي عاصي يتابع حالة ذلك الشخص مع الطبيب المتخصص حتى يتأكد أنه يؤدي علاجه بالكامل...

في حين أن نهضت حور تفتح حقائبها، اخرجت منها قميص نسائي قصير وضعته على جسدها وهي ترمي نظرة شاملة لنفسها في المرآة...
بغض النظر عن جسدها النحيف وشحوب وجهها الذي يوازي شحوب الموتى في الايام السابقة...
زفرت بصوت مسموع ثم توجهت للمرحاض لترتديه بهدوء تام، خلال الشهران لم يقربها عاصي ابدًا، كان مراعيًا لشعورها وحزنها حتى في قربه منها فلم يحاول، ينتظر عودتها اولاً...

خرجت ثم أسدلت خصلاتها على ظهرها برقة ولم تضع من مساحيق التجميل سوى بعض الاشياء القليلة جدًا..
في تلك اللحظات اقترب عاصي منها بهدوء فلمعت عيناه تلقائيًا بوميض خاص، وميض ينم عن عاطفته المدفونة مؤقتًا وشوقه...!
اقترب منها ببطء امسك كفها البارد لشفتاه ليطبع قبلة عميقة على باطنه ثم نظر لعيناها التي يغرق بها ليهمس:
-حور إن كنتي آآ...

ولكن حور قاطعته وهي تحتضنه، تحتضنه بقوة ثم همست بعمق من اعمق اعمق دواخلها:
-أنا احبك عاصي..
ابتسم بحنان وهو يقترب منها ببطء، ولكنها ابتعدت فجأة وهي تهمس بدلال وتعطيه ظهرها:
-ولكن لا، لم أنس ما فعلته بي، أنت فعلت بي أشياء لم يفعلها شخص يومًا معي ابدًا...!
اقترب منها ببطء عابث يحتضنها من الخلف وهو يتمتم بمكر:
-لا تقلقي سأتكفل بنسيانك، ثم إنك لم تكوني قليلة ابدًا، شهران وانا احاول أن اصالحك بشتى الطرق!

ظهرت ابتسامتها المنتصرة على حبال ثغرها، حينها وبدون مقدمات كان عاصي يلفها له، يمسك وجهها الصغير بين يداه وهو يقترب ببطء منها، شفتاه تعزف ترانيم الشوق لها بكل تمهل وعشق و، ولهفة!..

يوم زفاف ظافر وريم ...
لأول مرة يظهر علي وأسيل في مناسبة سعيدة كبيرة كتلك امام جميع الناس ويُعلنا امام مَن لا يعلم أن اسيل قد تطلقت نهائيًا من ثامر وتزوجت علي وبل أعلنوا خبر حملها، وقد ظهر علي متماسكًا، صلبًا برغم الجروح التي خدشت روحه داخليًا، ولكن كالعادة كانت أسيل اقوى مرطب لتلك الجروح، فالأخرى لم تهمله اطلاقًا بل كانت كظله المرح تحاول أن تخرج الشحنات السالبة التي تعتمل داخله...!

بينما عند عصافير الحب ريم وظافر تقريبًا لم يكن هناك أسعد منهما على وجه الكرة الأرضية في ذلك اليوم...
ريم كانت فرحتها واضحة للأعمى وظافر لم يقل فرحة عنها ابدًا بل أشد...
استقبلها بفستان زفافها الأبيض اللامع، اعطاها مظهر جذاب رقيق فوق جاذبيتها ورقتها المعهودة التي تجعلها كطفلة على عرش قلبه تمامًا كما أطلق عليها...

بمجرد أن اقتربت منه ضمها لأحضانه بلهفة لتتعالى الزغاريد والتصفيق، امسك وجهها برقة ليطبع قبلة حانية على جبينها هامسًا لها:
-مبارك يا زوجتي...
فتبسمت هي بخجل ولم تعلق بل عيناها تعلقت بعيناه الهاردة بمشاعر جياشة تشعرها أنه يود اختطافها من وسط ذلك الحشد الكبير...

كان الجميع متجمع بذلك الزفاف، حور بفستانها الأسود الراقي المطرز برقة عند الخصر وواسع من الاسفل يبرز أناقتها بحجابها الفضي الرقيق ويعطيها ثقة وجمالا...
كانت تسير مع عاصي بهدوء للداخل بابتسامة هادئة سعيدة لسعادة صديقتها وبمثابة شقيقتها ريم...
توجها نحو ريم وظافر يباركا لهم بالطبع ويلتقطا بعض الصور لهم...
فنظر عاصي لظافر بمكر وهو يردد له بصوت أجش خبيث:.

-لا تنسى، لن تحلم بأجازة طويلةلشهر العسل فهناك اعمال سنبدأها معًا تنتظرنا
ضحك ظافر وهو يومئ مؤكدًا له، برغم علاقتهم التي كانت شبه معدومة كون ظافر ليس فردًا من عائلة حور او عائلته بل مجرد زوج ريم، إلا أن الفترة السابقة أتاحت لهم التعارف نوعًا ما وعندما علم ما أصاب ظافر في عمله عرض عليه الشراكة...
اقترب كلاً من أسيل وعلي ايضًا منهما يبتسما بسعادة واضح وضعت لمساتها على وجوههم جميعًا...

ليلتقط لهم المصور صور جماعية خلفيتها سعادة لا أضمن أنها ابدية، ولكنها مطراق طارد للحزن، وجالب للسعادة، للفرح، ولروابط اخرى ستصك ذلك العشق بلعنة اللانهاية إن شاء الله...!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة