قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

رواية حورية بين يدي شيطان للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

في ظلمة الليل...
كانت أسيل متسطحة على الفراش كالجنين، نامت من كثرة الأرهاق والبكاء رغمًا عنها، خصلاتها البنية ترتمي على الوسادة جوراها ويداها تشتد على الغطاء الذي يُغطيها بأهمال...!
دلف علي إلى الغرفة بهدوء تام دون ان يُصدر اي صوت، وقف على عتبة الفراش يحدق بظهرها الملتوي وخصلاتها الشاردة، ليمد يده ببطء متردد يتحسس خصلاتها برقة، ولكن فجأة وجدها تستيقظ لتنتصب جالسة تصرخ فيه بقلق:.

-ألم اخبرك ان تبتعد عني؟! اتركني وشأني..
عادت ملامحه من سفرة واجمة شاردة لملامح خشنة وحادة وهو يُلقي بكلمات كالسوط على مسامعها:
-سأتركك لا تقلقي، ولكن بعد ان يتم ما اتيت لاجله...
سألته بخوف:
-وماهو؟
بدأ يفتح ازرار قميصه ببرود قاصدًا إرعابها، ببطء مُقلق وهو يهمس لها ؛
-أتيت لأتمم زواجنا، لان طليقك المصون طلب مني ان ينتهي ذلك الزواج بأسرع وقت، فهل انتِ مستعدة يا عروس؟!..

وبعد أيام معدودة...
ليلة خطبة ريم صديقة حور وعقد قرانها...
كانت تجلس شاردة، شاردة في صديقتها التي لم تستطع التواصل معها منذ ان تزوجت!..
اصبح تشعر بالوحدة تقتلها ببطء، والفراغ يستوحش حياتها شيءً فشيء...!
نظرت حولها لتنتبه للشيخ الذي قال بهدوء:
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير.

لتصدح الزغاريد لتعبأ المكان، بينما هي تتنهد بصوت مكتوم وهي تحدق ب ظافر ابن خالها الذي وافقته على اقتراحه المتهور من اجل ان يحصل على حضانة طفله عمار من طليقته...
لا تدري ما الذي جعلها توافق على الزواج الصوري المؤقت ذاك، ولكن لربما لانها لا تريد لعمار ان يحيا بلا أب كما عاشت هي خاصةً مع ام مثل زوجة ظافر السابقة!..

بدأ الجميع يتحدث في شتى الامور، حينها بدأ ظافر يقترب منها ببطء، لا يصدق أن طفلته الحبيبة اصبحت زوجته، ملك له، تحمل اسمه ولا غيرها!
نعم طفلته، طفلته التي تربت على يداه منذ كانت عشر سنوات حينما توفى والدها، ولم تنفصل عنه حتى بعد زواج والدتها من والد حور الا حينما اصبح عمرها عشرون عامًا فأصرّت والدتها على أخذها لتعيش معها في بيت زوجها الجديد والد حور ...

اصبح جوارها تمامًا، فهمس عند اذنها متعمد لمسها بشفتاه:
-مبارك يا زوجتي، مبارك أنتِ لي!
حاولت رسم ابتسامة سمجة حتى لا تلفت انظار الجميع لها، ثم همست بحدة:
-ابتعد عني يا ظافر، أنا لستُ امك او ابيك او امي او زوج امي حتى تقنعني انك رأيتني زوجة مناسبة هكذا فجأة فأتيت لخطبتي! كلانا يعرف انه زواج مؤقت حتى يعود عمار لك فقط...!

اومأ ظافر برأسه دون ان يجد ما يستطع قوله، بينما داخله يحترق، يحترق بقسوة عندما يتذكر انه مجرد زواج صوري مؤقت!
بعد فترة بدأ الجميع يغادر، ليقترب زوج والدتها والد حور منهم مغمغمًا بجدية:
-نحن سنصعد لأعلى، ونتركك تجلس مع زوجتك قليلاً بمفردكما يا ظافر، بالمناسبة والدتك ووالدك ايضًا سيبيتون هنا الليلة بعد اصرار زوجتي، وبالطبع انت ستغادر!

هكذا كان ابراهيم الجبوري، فظ خشن، يلقي ما بصدره في وجه مَن امامه دون تردد!
اومأ ظافر موافقًا بهدوء:
-بالتأكيد يا عمي، لا تقلق انا اعرف الأصول جيدًا
اقتربت منه والدته لتهمس لهما بابتسامة صادقة:
-اسعدكما الله يا اولادي..
ثم غادرت مع البقية لتصبح القطة في عرين الاسد رسميًا...!
حينها إلتفت ل ريم التي تنفست بصوت مسموع وهي تردد بحنق:
-واخيرًا انتهت تلك المسرحية!
ثم التوت شفتاها بابتسامة صغيرة متهكمة وهي تردد:.

-كدت اصدق اننا متزوجان فعلاً، تمثيلك رائع يا ظافر! احسنت
ثم نظرت له مكملة بلا توقف:
-ولكن أ تعلم، اشعر ان والدتي لم تقتنع بفكرة زواجنا ولكنها خضعت لرأي عمي ابراهيم كالعادة، أيًا يكن، ما حدث حدث وانتهى
تثرثر وتثرثر بلا توقف، بينما هو شارد بدنيا اخرى غير التي تحوينا، عيناه تراقب حركة شفتاها التي تستفزه ليُقبلها...!
وبالفعل لم يُحرك عيناه عن شفتاها وهو يهمس:
-ريم، هل يمكنني فعل شيء؟!

لا تعرف ان كان سؤال او مجرد اخبار ولكنها اومأت ببلاهه:
-نعم ولكن...
ولا يوجد لكن في قاموس ظافر المتلهف الذي بلحظة كان يُثبت وجهها بيداه ليلتقط شفتاها في قبلة شغوفة ليُحقق اول حلم تمنى تحقيقه عندما تصبح ملكه...!
وهي كالصنم بين يداه تحاول استيعاب ما يحدث واسكات تلك الفراشات التي تطير بمعدتها...

قطع قبلتهم اللاهبة صوت هاتفه وهو يرن، ليلعن ظافر بصوت مسموع وهو يترك شفتاها قصرًا، ثم همس قبل ان يبتعد تمامًا بأنفاس متقطعة:
-اعتذر يا طفلتي لم استطع الصمود
اخرج هاتفه لينهض وهو يجيب ببضع كلمات مختصرة اخرها رده السريع قبل ان يُغلق:
-حسنًا حسنًا انا قادم الان يا لينا...

ثم نظر لريم التي كانت مبهوتة مكانها تحدق باللاشيء، ليهمس ببضع كلمات هي حتى لم تنتبه لمحتواهم جيدًا ولكن يبدو انه كان يخبرها بمغادرته وبالفعل غادر هكذا!
تركها كالمنبوذة ليلة كتب كتابهم ليرى احدى عشيقاته!..

بعد فترة كبيرة تحديدًا في منتصف الليل...
سمعت ريم طرقات بطيئة على الباب فنهضت بهدوء لتترك الرواية التي كانت تقرأها ثم ارتدت اسدال بعشوائية و اتجهت للباب لتفتحه...
وما إن فتحته حتى شهقت بعنف وهي ترى ظافر امامها، تراجعت على الفور عندما رأت مظهره الذي تعلمه جيدًا وتعلم انه ثمل حينها...!
فهمست بتوتر خشية ان يستيقظ اي شخص:.

-ماذا تفعل هنا الان يا ظافر؟! ألم يخبرك عمي ابراهيم انك لن تبيت هنا! هيا عود لمنزلك
لم يرد عليها ظافر بكلمة واحدة وإنما سحبها من يداها الصغيرة للداخل وهو يغلق الباب بصمت...
صعد بها حتى غرفتها فأدخلها اولاً ثم دخل خلفها ليُغلق الباب ببطء بينما هي تبتلع ريقها بتوتر..!
بدأ يقترب منها فتذكرت على الفور ما حدث في الصباح ليتلعثم لسانها اكثر وهي تقول:
-لماذا آآ، تقترب هكذا؟! وما الذي ف، فعلته في الصباح!

اخذت نفسًا عميقًا عندما وجدت نفسه ملتصقة بالحائط ولا يوجد مفر من يداه التي احاطتها، ليرفع عيناه ببطء ثقيل يهمس لها:
-ماذا فعلت؟! أ تقصدين أني قبلتك؟ نعم..
ثم رفع حاجباه بسخرية يتابع:
-كنت ثمل لم اكن واعي لمَ فعلته...
ثم اقترب مرة اخرى جدًا حتى بدأت انفاسه الساخنة تضرب وجهها الشاحب بقوة، ليردف:
-والان ايضًا انا ثمل، لذا توقعي مني اي شيء! مثلاً أن اقبلك مرة اخرى.

ومن دون مقدمات وجدها تدفعه بعنف بعيدًا عنها وهي تزمجر فيه بعصبية واضحة:
-ابتعد عني، لا أطيق رائحة الخمر والنساء التي تفوح منك!
ثم تقوس فاهها بتهكم قوي:
-يبدو ان احدى عشيقاتك لم تتحمل فكرة أنك ستتزوج فدعتك على الفور لتُعيد امجاد الماضي معها ربما تعود لعقلك...!
بدأت تفرك جبينها بتوتر عندما لاحظت نظراته المشتعلة التي استوطنها الغضب محاطًا بالجنون خاصةً عندما استطردت:.

-لا ادري ما الذي اصابني لأتزوج من زير نساء، بل وكان متزوج سابقًا وانجب ايضًا! وفارق السن بيننا ماشاء الله عشر سنوات..! أي جنون ذاك الذي اوقعت نفسي به، اتمنى ان اغمض عيني وافتحها لأجد ان ذلك الكابوس انتهى!
ثم تركته لتركض خارجة من الغرفة قبل ان يفتك بها كما تخبرها ملامحه..
وبمجرد ان خرجت ضرب هو المزهرية الصغيرة الموضوعة لتسقط متهشمة ارضًا يليها همسه الحاد كالذبيح:.

-بسببك، بسببك فقط تزوجت لأبتعد عنكِ وبسبك ايضًا اصبحت زير نساء، فقط لأنساكِ وابتعد عنكِ كما امرت والدتك، ويا ليتني استطيع، ليتني استطيع ان ابيت بأحضان النساء مرتاح البال لا احترق شوقًا لكِ!

بدأت حور تتململ في الفراش بكسل، فتحت عيناها السوداء الكحيلة ببطء ليهاجمها ضوء الشمس الذي اخترق غرفتها...!
نهضت تجلس وهي تضم ركبتاها لصدرها، عيناها مسلطة على اللاشيء!
لا تدري كم يوم مر على زواجها اللعين ذاك، ولكنها باتت تشعر أن الايام لا تسير، القافلة لا تسير ومَن بالقافلة متحطم تمامًا...!
بالرغم من استسلامها له في تلك الليلة، إلا انها كانت كفاجعة احتلت منتصف حياتها..

نظرت للباب المُغلق عليها، فهو هكذا في كل مرة يخرج ثم يُغلق الباب عليها!..
وفجأة وجدته يفتح الباب ويدلف دون ان ينظر لها، كادت تنهض وهي تنطق بصوت مبحوح:
-هل يمكنني الخروج للحديقة قليلاً، اصبحت اشعر بالاختناق من تلك الغرفة
قالت اخر حروفها وهي تسرع في خطواتها لتصل للباب، ولكنه بات حلم مقتول في مهده عندما قبض على يداها بقوة وهو يقول:
-لا، ليس اليوم!
سألته بحروف مرتجفة نوعًا ما:
-لماذا؟!

حينها جذبها ببطء يُقربها منه، حتى تقابلت عيناه مع حلكة عيناها وهو يخبرها:
-صراحةً استسلامك تلك الليلة جعل من الامر شيء عادي بين اي زوجين، وهذا لم يعجبني اطلاقًا!
اهتز فكها بعنف وهي تحدق بالحقد الذي يُغلغل الشفقة بقلبه، ثم همست بصوت شارد وكأنها تحدث نفسها:
-أ تعلم لمَ استسلمت لك يا عاصي؟!
رماها بنظرة مستفهمة، لتكمل هي:
-لاني لا اكرهك، لا اكره لمستك، لا اشمئز منك كما يجب!

تجاهل كلامها الذي يُزيد من طرب الشياطين داخله بغباء منها ودون ان تشعر لتشعره انه لم يؤلمها كما اراد...!
ليتابع وهو يقترب منها جدًا مغمغمًا بنبرة فاح منها الحقد:
-لذلك افكر في اعادة تلك الليلة ولكن بالطريقة الصحيحة التي تُشعرك انكِ تكرهيني فعليًا...!

لحظات مرت كانت بعثة من الزمن تُسرق فيها العقول والشعور، لتظل القلوب صريعة النسور!..
طرقات عالية على الباب كانت مُنقذة لها، جعلت عاصي يبتعد قليلاً ليجيب بصوت اجش:
-مَن؟!
ردت الخادمة باحترام:
-انا فاطمة يا باشا، الهانم أمرتني ان اخبرك ان الغداء صار جاهزًا!
اومأ عاصي ببرود وكأنه يراها:
-حسنًا قادم...

عاد ببصره ل حور، حور التي كانت باردة، شاحبة وكأنه سلب منها روحها بكلماته السابقة، كلماته أماتت شيء داخلها، شيء كان يختبئ ولكنه غرز له سكين قاسي بروده سَن قسوته اكثر...!
ليفك يداها ببرود هامسًا:
-هذه المرة أنقذك الحظ من بين يداي، ولكن في المرة القادمة لا أعدك بذلك..

وعندما كان يفك قيدها كانت أنفاسه تصفع صفحة وجهها الشاحب، وكأنها تُحيه بلهبها، وبمجرد أن فك قيدها وجدها تدفعه بسرعة لتنسحب من اسفله وهي تنهض متمتمة بصوت يكاد يسمع:
-شكرًا يا عاصي، اعدك ان ابدأ في كرهك، ومن التو واللحظة!
ثم استدارت لتركض للمرحاض، تحبس نفسها داخله، لا تتخيل ما كان سيحدث...!
يا الله، لو تبدل المستقبل بالحاضر، لتبدل قلبها ب قطعة بالية فقدت اتصالها بالعالم الطبيعي...!

بعد دقائق معدودة سمعت طرقات على الباب وصوته الخشن يردد:
-لن انتظر سموك اليوم بأكمله!
فتحت الباب ببطء لتجده يحدق فيها بترقب، يراقب حركات وجهها الصغير الذي شحب وبقوة، حتى عيناها الحمراء بلون الدماء...!
فخرج السؤال تلقائي منه:
-هل انتِ بخير؟
ابتسمت بسخرية واضحة وهي تخبره:
-يبدو أنني لن اكون بخير الا اذا ابتعدت عنك
لا يدري ما الذي جعله ينطق دون ان يفكر بتلاعب تلك الحروف بفاهه:
-كاذبة!

كادت تتوتر، تتراجع عن خطوة دفاعها لاول مره، ولكنها استعادت ثباتها بسرعة وهي تتهكم:
-ومَن ادراك انني كاذبة؟! اصبحت لا اطيق المكان الذي تتواجد به أنت..
وبلحظة حدث كل شيء، كان يجذبها من يدها دون مقدمات حتى اصطدمت بصدره، وافكاره في تلك اللحظات ترميه من بئر لآخر اشد انحطاطًا منه...!
وهي حاولت إبعاده في البداية، ولكن كالعادة بدأت ترتجف بخفة بين ذراعيه، وكأنها تثبت له انها بالفعل كاذبة!..

بعد لحظات من الصمت المشحون ابتعد ليتركها تلتقط انفاسها المتبعثرة بينما يقول هو بمكر قاسي على كرامتها التي كانت تحاول احياءها:
-هذا ما ادراني، يا مدام، ارتجافتك وكأنك ترتمين بأحضان حبيبك، او كأنني اموت شوقًا لكِ فترتجفين تأثرًا بهجومي!
لم تجد ما تقوله، وايضًا تلك المرة انقذتها الطرقات الهادئة على الباب، ليفتح عاصي الباب وهو يزمجر بحدة:
-ألم أقل أنني قادم؟
أحنت الخادمة وجهها بحرج وهي تهمس:.

-اعتذر سيد عاصي، الهانم هي من أمرتني
تخطاها عاصي وهو يتجه للأسفل بخطى سريعة لتتبعه حور وهي تتأكد من حجابها الصغير، وصلا الى طاولة الطعام لتتحدث والدة عاصي بهدوء:
-كل هذا الوقت لتأتي يا عاصي؟!
حاول رسم ابتسامة هادئة وهو يقول:
-اعتذر يا امي..
ثم اشار لحور ان تقترب، اقتربت بسرعة تنوي تقبيل يدها ولكنها ابعدت يدها بعنف وهي تصرخ:
-ابتعدي لا تحاولي لمسي حتى! وتأتين لتقبلي يدي بكل وقاحة...

تراجعت دون ان تنطق بحرف، عيناها ثابتة على الارض وكأنها هي فقط مَن لا تهدر كرامتها وكيانها بعنف...
لتسمعها تكمل بحدة عالية:
-من أتى بتلك الفتاة الى هنا يا عاصي؟
رد بهدوء تام يليق به كالفهد:
-أنا مَن أتيت بها
حينها أنفجرت وهي تسأله بانفعال لم يجعل لمحة من ملامحه الجامدة تهتز ولو للحظة:
-لماذا؟! لماذا يا عاصي وأنت تعلم أنني لن اجلس معها على طاولة واحدة ابدًا
اومأ مؤكدًا ثم اردف بجدية:.

-اعلم يا أمي، وانا لم اجلبها لتشاركنا الطعام بل...
حينها إلتقت عيناه العاصفة بعينا حور التي بدأت تهتز بعنف في مدارها وكأنه يُسقط حمم بركانية عليها...!
ثم تابع ببرود قاسي:
-بل احضرتها لخدمتك، لأنني اعطيت جميع الخدم اجازة، وحان دور فاطمة فقط، ستخبر حور كل شيء عن المطبخ والخدمة وستغادر هي ايضًا!
حينها بدأت نشوة الانتصار تغزو كافة ثنايا والدته وهي تهمس:
-يعني احضرتها هنا حتى تصبح خادمة لدينا؟!

اومأ عاصي مؤكدًا دون ان يحيد ببصره عن تلك التي إلتمتها الصدمة بين بقاعها فلم تعد قادرة على تحرير الحروف من بين شفتاها حتى...
جلس عاصي بكل هدوء على طاولة الطعام ثم بدأ يتناوله وهو يشير لوالدته:
-هيا تفضلي بالجلوس يا امي..
ودون ان ينظر لحور مرة اخرى كان يردد لها بجمود:
-وأنتِ انصرفي الى المطبخ حتى ننهي طعامنا ثم تعالي لنرى ما نريد وما سنأمركِ به!

لم تملك سوى أن تومئ دون ان تنطق بحرف ثم استدارت تتجه للمطبخ...
لاول مرة تشعر بهذا الشعور، تشعر بالذل، بالمهانة والحقارة، مرارتهم لاذعة وبشدة لدرجة انها لا تستطيع ابتلاعها وكتمانها!..
مرت دقائق لتسمعهم ينادونها كالخادمة تمامًا، وما إن اقتربت منهم حتى وجدت والدته تأمرها بترفع:
-احملي تلك الاطباق وحضري لنا القهوة، يا ويلك إن كانت باردة او ليست مضبوطة حينها سأسكبها بوجهك المقزز هذا!

لم تفعل سوى ان حملت الاطباق، ولكن يداها كانت ترتعش، ترتعش بألم مُخزي وهي تمتثل لاوامرها التي لا تسحبها سوى لوادي واحد الذل ...
سقط الطبق من يدها دون ان تشعر ليتهشم ارضًا، حينها تعالى صراخهم القاسي خاصةً عاصي الذي دفعها بعنف من امامه وهو يزمجر فيها بعصبية:
-حتى حمل الاطباق لا تفلحين فيه! اتمنى ان اجد لكِ شيء جيد تفلحين به، لم تستطيعي الوصول لمستوى الخدم حتى!

سقطت ارضًا تتأوه بألم واضح عندما انغرزت زجاجة صغيرة من الطبق بيدها، كانت تحاول كتمان دموعها قدر الإمكان، لن تسمح لهم أن يروا دموعها مهما كان الثمن!..
ولكن الامر فاق احتمالها عندما نهض عاصي ليسير مغادرًا وفي طريقه كان يدفعها بقدماه، حتى كادت تسقط ممسكة بقدمه، كالعبدة تمامًا عند اقدام سيدها...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة