قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حملة برعاية الحب للكاتبة سلسبيل كوبك الفصل الخامس والعشرون والأخير

رواية حملة برعاية الحب للكاتبة سلسبيل كوبك الفصل الخامس والعشرون والأخير

رواية حملة برعاية الحب للكاتبة سلسبيل كوبك الفصل الخامس والعشرون والأخير

شعر بيد تداعب وجهه فأبعد وجهه للجهة الأخرى ليكمل نومه و لكنه وجد من تقوم بإزاحته من السرير، نهض رحيم و هو يشعر بالغضب و اعتدل في جلسته ينظر لملاكه المزعج.
رحيم: حابة تزعجيني كل يوم كدة يا ملاك؟
ملاك: النهاردة أول يوم في المدرسة يا سي رحيم و جنابك مش مديني أي اهتمام، و علفكرة الاهتمام مبيطلبش.
رحيم: بجد! طب تعالي هنا.

جذب رحيم ملاك لأحضانه يقوم بإضحاكها حتى تعالى صوتها و دلف مالك لغرفة أبيه يشعر بالغيظ.
مالك: كدة هنتأخر على المدرسة علفكرة.
نهض رحيم يجذب مالك من ثيابه و حمل ملاك على إحدى كتفيه و دلف للمرحاض، غسل الجميع أسنانه و قاموا بغسل وجوههم.
ذهبت ملاك لغرفتها لتبدل ثيابها و كذلك مالك، بينما رحيم ذهب للمطبخ يعد الفطور.
رحيم: يلا يا شباب عشان الفطار.
ملاك: مش ملاحظ إني بنت!

رحيم: بنت مين يا بت ده أنتِ أرجل من كل ولاد دفعتك.
شهقت ملاك بصدمة و هي تشير على نفسها.
ملاك: أنا مش بنت يا بابا.
مالك: سيبك منها يا رحيم، الأكل تحفة.
فُتِح الباب و دلفت فيروز للداخل و هي تنظر لرحيم و ملاك و مالك.
فيروز: صباح الخير.
رحيم: صباح النور يا فيروز.
فيروز: اتفضل حضرتك البس و أنا هجهز اللانش بوكس بتاعهم.
رحيم: تمام.

دلف رحيم سريعا ليبدل ثيابه و يذهب لعمله، قبل أن يخرج القى نظرة على صورة زوجته بيان فابتسم بتلقائية و اقترب من الصور ينظر كيف تضحك ببراءة و حُبّ يشع من عيناها.
ملاك: بابا يلا عشان الباص تحت.
رحيم: طيب يا ملاك.
غادر رحيم غرفته و حمل حقيبة ملاك و ذهب حيثما فيروز و تحدث لها.
رحيم: فيروز جهزي غداء كويس عشان سيادة الوزير و سيادة اللواء جايين زيارة النهاردة.
فيروز: تمام يا رحيم.

غادر كلا من رحيم و أبنائه و استقلوا المصعد، تحدثت ملاك و هي تغمز لأبيها.
ملاك: مش بتفكر تتجوز يا حجوج.
لم يتلفت لها رحيم و غادر المصعد و كذلك ابنه الذي لم يقل عن وسامة أبيه و هدوءه.
رحيم: خلوا بالكوا من نفسكوا يلا.
استقلوا الأتوبيس الخاص بمدرستهم، بينما استقل رحيم سيارته و ذهب لمبنى عمله.
رحيم: أدم ابعتلي ملف قضية رقم 314.
أدم: بدأنا أوامر.

لم ينظر له رحيم و دلف لمكتبه، و ذهب خلفه أدم و هو يحمل الملف الذي طلبه رحيم.
أدم: اتفضل يا فندم، يا رب نكون عند حسن ظن جنابك.
ابتسم رحيم و نظر للملف و أشار لأدم أن يجلس.
أدم: شوف رغم أنه عدى أربع سنين و لكن برضو سبحان الله بكرهك.
رحيم: ليه يا حبيبي و هو حد قالك أنه ناوي اتجوزك، فالمسألة محتاجة قبول!
أدم: يا أخي أنت جبروت، بكرهك.
رحيم: و النبي حبني و النبي حبني يا أدم.

نظر له أدم باشمئزاز و غادر الغرفة، ضحك رحيم بقوة على أدم الذي قام بإنهاء خلافهم منذ أربع سنوات، امتدت يد رحيم نحو الملف الذي بجانبه فلمح صورة بيان التي يضعها على مكتبه و في المنزل لكي يتذكرها دوما.
أغمض رحيم عيناه و أرجع رأسه للخلف و هو يشعر بإنهاك لروحه.

صرخ رحيم بقوة و أعين حمراء تمتليء بالدموع، دلف عمر سريعا و حاول أخذ بيان من رحيم و لكنه رفض و أبى.
عمر: لو عايزنا نلحقها، لو عايزنا نلحقها يا رحيم.

نهض رحيم من موضعه سريعا و هو لا يقوى على العمل أو العيش بحياة طبيعية منذ خمس سنوات.
لملم رحيم أشيائه و غادر المبنى و لكنه توقف عندما استمع لنداء عمر.
عمر: إيه يا باشا ما صدقت تخلص مني و لا إيه؟!
رحيم: و أنت مين قدك يا عمر!؟ حصلت على ترقية.
عمر: ده بفضلك يا رحيم باشا من ساعة أخر عملية.
ابتسم به رحيم و كاد أن يغادر مرة أخرى، ولكنه توقف مرة أخرى عندما استمع لنداء عمر للمرة الثانية.
رحيم: خير يا عمر؟

عمر: يا رحيم بيه كن.
رحيم: شكل الموضوع كبير خليها لما ارجع.
عمر: ترجع فين انت لسة جاي!
غادر رحيم سريعا و استقل سيارته نحو المشفى، و ذهب نحو مكتب الطبيب المعالج.
-أهلا أهلا رحيم باشا.
رحيم: عايز أدخل ليها، و عايز أعرف أحوالها و إيه الجديد و ليه لسة مفاقتش أنا عايز حل للموضوع ده.
-اهدأ يا رحيم باشا، الإصابة بالغة و كمان حصل ضرر بالأعصاب اللي في المخ و القلب كان متضرر.
رحيم: طب عايز اشوفها.

-اتفضل، محدش مانعك.
دلف رحيم لغرفة العناية المركزة بعد أن قام بتبديل ثيابه لثياب معقمة، اقترب منها بخطوات بطيئة ثقيلة على قلبه جلس بجانبها ممسكا بيدها.
اقترب منها يقبّل جبينها بحب ثم قبّل وجنتيها و قد فرت دمعة هاربة من عيناه، أبعد رأسه عنها و قام بمسح دمعته التي سقطت على وجنتها.

كان يجري بممر المشفى بجانبها و هي ترقد على تلك النقالة غارقة بدمائها.
أدخلوها غرفة العمليات سريعا لإخراج تلك الطلقة التي الحقت ضرر بالقلب.
نظر رحيم ليده الممتلئة بدمائها و جلس أرضا يستند على الحائط بضعف، التقطت أخر أنفاسها بين أحضانه شعر بالألم يعتصر قلبه و هو يرى دماؤها على يده لم تجف بعد.

قام برفع يده نحو قلبه و هو يحاول تهدئته، في اللحظة التي سكن قلبها عن النبض مرة أخرى؛ و كأن قلب أبيها شعر بها و بألمها لم يعلم لما اجتاحته فكرة البكاء و قد بكى بالفعل و هو يشعر بالألم يعتصر قلبه بالرغم من بُعد المسافة.
سمر(بقلق): صلاح بيه.

جذبت سمر هاتفها و هي تحاول أن تدلك عضلة قلب صلاح و هاتفت الإسعاف و تم نقل صلاح للمشفى، في اللحظة التي قاموا بها بعملية نقل قلب فلحسن حظ بيان قد وُجِد متبرع بتلك السهولة مقابل مبلغ مالي كبير.
عُولِج كلا من مينا و شحاته و دياب من جروحهم البسيطة، بينما اقترب كلا من مالك و ملاك لأبيهم الجالس أرضا يجاهد كي لا يبكي كالطفل الصغير التائه.

احتضنوه بحنان لم يشعر به من قبل، فهو الذي كان يمنع أن يتمتع بذلك الشعور الدافيء بحضنهم لم يستطع كبح دموعه أكثر من ذلك فبكى بأحضان أبنائه الذين بكوا على حال أبيهم بالرغم من قسوته عليهم.
قام كلا من مالك و ملاك بإزاحة دموع أبيهم.
مالك: متزعلش يا بابا ماما هتبقى زعلانة لما تلاقيك زعلان.
ملاك: هي فين ماما يا بابا؟ هي كويسة صح؟
تمالك رحيم نفسه و أزاح دموعه و نظر لأبنائه بقوة حتى لا يضعفوا مثله.

رحيم: ماما هتبقى كويسة يا ملاك.
مالك: بابا أنت بتحبنا؟
هز رحيم رأسه بالإيجاب و احتضن ابنه مالك و حزن على ما يشعر به، نهض رحيم و دلف للمرحاض و قام بإزالة الدماء من يده و مسح الدموع التي لم تتركه.
تنهد رحيم بألم و غادر المرحاض و انتظر أمام غرفة العمليات في انتظار أي أخبار.
بعد عدة ساعات،
خرج الطبيب و هو يتنهد بعمق و شعر بأنه حقق معجزة، اقترب منه رحيم مسرعا يتسائل عن بيان.

-هي بخير الآن، و لكنها ستظل تحت المراقبة عدة أيام.
شكر رحيم الطبيب و حمد ربه على إبقاء زوجته على قيد الحياة.

عاد رحيم بذكرياته و قبّل جبين بيان و نهض ليغادر و استقل سيارته ليعاود إلى عمله.

-بمكان أخر،
كان يجلس دياب يعمل على إحدى الصفقات بشركة حسام، بعد تلك المهمة المشؤومة فقد أتي محامي حسام بعد أن علم بخبر وفاته و أخبر دياب بوصية حسام قبل سفره، كانت الوصية تنص أن في حال وفاة حسام تُنقل نصف أملاكه لأصدقائه و النصف الأخر لأعمال الخير.
تنهد دياب و هو يتذكر عندما عاد لمنزله كيف بكى على ما حدث به، فتلك المهمة قد أثرت في نفوسهم جميعا.

شعر دياب باليتم الحقيقي في ذلك اليوم، وجد نفسه وحيدا لا أحد برفقته رأى كم كان أنانيا و كم كان سيئا
حزن على كل من فقدهم في تلك المهمة، كيف خُلِق الحب بداخله مرة أخرى و جعلت قلبه ينبض و يشعر بالأخرون و ليس بنفسه فقط.
عاد دياب بتفكيره للواقع و قام بمراجعة الصفقات التي أمامه فهو يريد أن يصبح كما يريد حسام و ابتعد عن جميع ما كان يفعله بعد طرده من عمله.

-في المساء،
كانت تجلس نجدت مع مالك تحاول التحدث إليه و لكنه لم يستطع تقبلها و حبها، فمالك الوحيد المتأثر بغياب بيان عن المنزل و لم يعود لطبيعته و أصبح هاديء كأبيه.
زيدان: ملاك.
ملاك: نعم يا جدو.
زيدان: هو بابا اتأخر ليه!؟
ملاك: معرفش اتصل بيه.
فيروز: أنا كلمته و هو في للطريق.
تركهم مالك و ذهب لغرفته لتأدية واجباته المنزلية، تنهدت نجدت و نظرت لزيدان.
نجدت: أكيد متأثرين بغيابها.

زيدان: إذا كنتِ أنتِ متأثرة.
نجدت: لا متقولش كدة أنا بس صعبان عليا.
نظر زيدان لها بلامبالاة فهي تكذب الآن، عندما عملت بما حدث لبيان شعر بالحزن يسيطر عليها و لا ينكر فالحزن سيطر عليه أيضا.
ربما لم يشعروا بأهميتها لأنها كانت تتواجد أمامهم و تهتم بكل شيء على الإطلاق و لكن الآن فهي غائبة منذ أكثر من خمس سنوات، لقد نضج كلا من مالك و ملاك و أصبحوا بفِكر عالي دقيق يحتاجون أمهم بتلك الفترة الحرجة.

دلف رحيم من الباب و جرت عليه ملاك سريعا و احتضنته، ابتسم لها رحيم و حملها ثم دلف بها للداخل و القى التحية على كلا من نجدت و زيدان.
رحيم: فين مالك يا روحي؟
ملاك: في أوضته بيذاكر.
رحيم: طب و أنتِ مش بتذاكري ليه؟
ملاك: كنت قاعدة مع جدو و تيتة، يرضيك أسيبهم!
رحيم: لا طبعا يا لمضة، يلا اجري ذاكري عشان بكرة الاجازة و هنروح عند ماما.

فرحت ملاك و قبّلت أبيها الذي تركها لتغادر لغرفتها لتذاكر لكي تذهب لأمها بالغد، دلف رحيم ليبدل ثيابه.
طرقت فيروز الباب و دلفت دون أن تستمع لرفض رحيم، استدار رحيم سريعا عندما وجدها.
رحيم: اخرجي.
غادرت فيروز و هي تشعر بالخجل منه فكانت تريد إخباره بأنها مضطرة للذهاب الآن، كانت فيروز صديقة رحيم منذ الطفولة و وافقت أن ترعى أبنائه و مكثت معه مما يقارب خمس سنوات.

خرج لها رحيم بعد أن أبدل ثيابه، بتلقائية نظرت له و تحدثت في داخلها كم يبدو جذاب بنظرها.
رحيم: خير يا فيروز؟
فيروز: هستأذن أنا ضروري لأن ماما تعبانة.
رحيم: تحبي أوصلك؟
فيروز: لا خليك بس ابقى تابعني.
رحيم: تمام.
غادرت فيروز سريعا، و ذهب رحيم لأبيه و أمه يتناولون أطراف الحديث.
نجدت: هي مراتك هتفضل في غيبوبة كدة كتير!
رحيم: معلش أصل الفسحة عاجباها هناك، هو بمزاجها يعني!
نجدت: و الله يا رحيم و بترد عليا كمان!

غادرت نجدت مع زيدان بعد فترة و عاد رحيم لأبنائه ليذاكر معهم و يساعدهم.
زيدان: هتتقبلي مرات ابنك امتى!؟
نجدت: أنا دِ طبيعتي يا زيدان أنا طول حياتي جد مليش في الحب و الدلع.
تنهد زيدان فهي حقا هكذا قد تربت في بيئة صعبة الطباع لا يوجد بها الحب لذلك طباعها حادة.
زيدن: ابنك بيحبها عايزة إيه تاني!؟

نجدت: يتجوز بقاله خمس سنين لوحده و مش معاه حد يأخد باله منه، و كمان هي شكلها هتموت دِ داخلة على الخمس سنين اهو غيبوبة.
شعر زيدان بالضجر من نجدت فهي مهما حاولت التصرف بحنان لا يمكنها، دوما تعقد الأمور بدلا من حلها سوى العمل.

مرت عدة أيام، فاضطر رحيم الذهاب لإحدى مهماته فترك فيروز مع أبنائه.
-في المشفى،
كان يمر الطبيب على غرفة بيان و قد يأس من حالتها فهي على تلك الحالة منذ خمس سنوات.
و لأول مرة منذ سنوات تحرك أصابعها بخمول يسيطر على أطرافها.
اقترب منها الطبيب و أخرج كشاف صغير و فحص عيناه وجد أن عيناها تستجاب للضوء.
اقترب الطبيب و قام بفحص النبض ثم تكلم بجانب أذنها.
-مدام بيان سمعاني! مدام بيان.

حركت أصابعها مرة أخرى، يبدو أنه من الصعب فتح العينان تشعر بالخمول بكل أعضائها و جسدها فهي على تلك الحالة و تلك النومة منذ سنوات، سئم جسدها من الخمول.
فتحت عيناها ببطء شديد استغرقت دقائق حتى تستطيع فتح العين بشكل صحيح.
-مدام بيان سمعاني؟
التفتت له بيان ببطء و نظرت له و اكتشفت بأنه طبيب و من الواضح أنها مشفى، حاولت استرجاع ما حدث و لكنها فشلت حاولت مرة و اثنان و ثلاث حتى استطاعت التذكر.

حاولت النهوض لم تستطع فساعدتها الممرضة و لكن بيان شعرت بالتخدر لا يمكنها تحريك جسدها فتسائلت بيان عن السبب بلسان ثقيل.
بيان: إيه اللي حصل؟ فين مالك و ملاك!
تقدم منها الطبيب و قام بفحصها و دونّ ملاحظاته و قام بسؤالها عدة أسئلة.
-أنتِ مين؟
بيان: بيان.
-متجوزة؟
بيان: اه.
-مين ملاك و مالك؟
بيان: ولادي يا دكتور في إيه!
-لا مفيش حاجة اطمئنان فقط لا غير.
-أنا كنت فقدت الأمل فيكِ.

نظرت له بيان باستغراب و لم تعلق و لكنها شهقت بصدمة عندما أخبرها الطبيب عن غيبوبتها التي استمرت لخمس أعوام.
بيان: أنت عايز تفهمني إني نايمة هنا لمدة خمس سنين!

رحيم: دكتور، لما لم تستيقظ بعد فهي منذ ثلاث أيام هنا.
نظر له الطبيب و تقدم من بيان و قرأ مؤشرات المخ وجد هناك أمرا ما و تفحصها.
-لا أعلم يبدو أنها ليست على مايرام، لقد تمت عملية التبرع بنجاح ما الأمر الآن؟
استدعى طبيب أخر لمناقشة الأمر معه.
-هذا طبيعي لقد نُقِل لها قلب جديد و لا تنسى تلك الرصاصة التي اخترقت قلبها.

طلب رحيم منهما نقلها عبر طائرة خاصة بالمشفى، و بدأ رحيم في الإجراءات لنقلها إلى مصر يريدها العودة إلى الديار.
تم نقل بيان لإحدى المستشفيات المتوفرة بمصر كانت مشفى ذات كفاءة عالية، و اكتشفوا نزيف داخلي لم يتم وقفه فقاموا بإجراء عملية أخرى لبيان.

-استأذنك ابلغ زوجك.
بيان: لا.
بيان: متبلغش حد، متبلغش حد.
ظلت بيان بالمشفى يومان حتى استعادت عفيتها قليلا، سمح لها الطبيب بالرحيل.
اتكأت بيان على عكاز لأن أعصاب رجليها ليست قوية لتحملها فهي منذ سنوات لم تسير عليهما. لقد توقفت جميع أعضاء جسدها لفترة.

غادرت بيان المشفى و هي قلقة حيال أبنائها و أبيها، ذهبت لمنزل رحيم فقد اشتاقت لهم كثيرا و لكنها تشعر بالقلق يسيطر عليها كيف سيستقبلها رحيم، هل نساها؟ أو ربما لم يعد يسكن هنا، لا يريديها؟، تزوج بغيرها؟
طرقت باب المنزل، صُدِمت عندما وجدت فيروز تسائلت بداخلها هل تزوج بأخرى و نساها، لتلك الدرجة!؟
حاولت إخراج صوتها، تعرفت عليها فيروز من البداية فصورها تمليء الجدران.
بيان: منزل رحيم الرفاعي؟
فيروز: اتفضلِ.

دلفت بيان ببطء للداخل و أرجعت شعرها للخلف بتوتر و قلق من الموقف.
بيان: بعتذر بس جاية أشوف أولادي و هأخدهم و امشي علطول، ممكن تناديهم؟
فيروز: مالك و ملاك في المدرسة، اتفضلِ لغاية ما يرجعوا.
بيان: لا شكرا هأجي وقت تاني.
كادت أن تغادر بيان حتى وجدت أمامها أبنائها تعرفت عليهم على الفور رغم كبر سنهم احتضنتهم بحب و اشتياق و بكت.
بيان: وحشتوني أوي أوي.
بيان: حبايب قلبي.

بكى مالك و فرح بشدة و ظل متعلقا بعنق بيان يبكي بفرح لعودة أمه حبيبته.
ملاك: وحشتينا أوي يا مامي.
أزاحت بيان دموع مالك و قبّلته و نظرت لملاك.
بيان: و أنتوا وحشتوني أوي يا حبايب قلب مامي.
بيان: يلا نمشي.
مالك: هنروح فين؟
بيان: ده مبقاش بيتي بعد النهاردة، بابي اتجوز واحدة تانية مينفعش أفضل هنا.
مالك: فيروز مش مرات بابي.
نظرت بيان لمالك بعدم فهم، فقص مالك عليها ما حدث فابتسمت بتلقائية.

مالك: كنا صغيرين و مفيش حد يهتم بينا و مينفعش نفضل في بيت جدو صلاح فبابا كان بيهتم بينا و بيكِ خلال فترة الاجازة و قدم لينا في مدرسة جديدة.
مالك: و جاب فيروز تهتم بينا على ما ترجعي لينا بالسلامة.
ملاك: شوفي يا مامي، بابا معلق صورك في كل مكان ازاي؟
نظرت بيان حولها و ابتسمت بخفوت و هي ترى صورها التي أُلتقطت من قبل تزين الجدران.

ظلت بيان مع أبنائها طيلة اليوم، و لم ترتاح لتلك التي تُدعى فيروز شعرت بيان بالتعب مساءا.
بيان: حبايب مامي محدش يقول لبابي إني رجعت.
مالك: متقلقيش.
ملاك: هنعمله فجأة.
ابتسمت بيان لأبنائها و نظرت للساعة و جعلت أبنائها يناموا لكي يسيقظوا صباح للمدرسة.
فيروز: هستأذن أنا.
بيان: متبلغيش رحيم.
فيروز: تمام عن أذنك.

دلفت بيان بخطى بطيئة و هي تتكيء على العكاز و دلفت لغرفتها لتبدل ثيابها و تنعم بحماما دافيء يريح أعصابها.
صعدت بيان على سريرها لتنام وجدت بجانب السرير صورتها فابتسمت بحب.
هل حقا رحيم أصبح يعرف معنى الحب بعد تلك التجربة التي مر بها؟ شعر مرات عديدة بفقداني لما تلك المرة تبدل هكذا؟
تلك المهمة، التجربة، الحملة أو أيا كان اسم ذلك الشيء الذي حدث لهم فقد غير حيوات الكثير، غير فِكر الكثير.

ربما كلا من شارك في تلك الحملة أعاد التفكير مرة أخرى مع نفسه، لما هو على قيد الحياة؟ ؛ هل ليضيع وقته في أشياء تافهة محرمة كدياب، أو كالذي عاش دوما وحيدا و لكنه شعر بالسعادة عندما توفى بجانب أصدقائه و دفاعا عن ابن صديقه كحسام، أو كذلك الذي عاش طيلة حياته مطارد من قِبل الكثير تاركا أمه تواجه تلك المشاكل بمفردها و بالرغم من ذلك تفتخر به كشحاته، أو كتلك الفتاة التي ظلت طيلة حياتها تتعلق بما يؤذيها كحبها لرحيم و انتهت حياتها في لحظة دون أن تقدم شيء لنفسها.

ربما نحن نظل على قيد الحياة للاستقرار، من منا لم يبحث عن الاستقرار!؟
ماذا أفاد عندما توفت بيان و حينها فقط اعترف رحيم بحبه لها، لِما دوما ننتظر أن نذوق طعم الفقدان لنظهر مشاعرنا الحقيقة التي نخفيها داخل أعماق قلوبنا تلك المشاعر المخفية لا تأذي الأخرون فقط بل تأذي صاحبها أيضا.

لا أفهم لما تلك طبيعتنا كبشر نبخل على أنفسنا و على الأخرين بالمشاعر، هل تشعرون بلذة عند فقدانكم لأحدكم دون إخباره بمدى حبكم له؟
لا أعتقد ذلك، تلك ليست فطرتنا.
كل ما في الأمر يا عزيزي، أريد أن تغير فِكرك نحن لم نُخلق دون قلب و عقل يميز تلك المشاعر التي تسيطر على كيان أرواحنا لكي لا نستخدمها، نحن وُلِدنا لنسعى و نسعد.
لا تكن كما صنعتك الظروف، كن أنت كما تحب أن تكون.
#ليل.

أغمضت عيناها و غفت بعمق شديد، بينما رحيم قد عاد تلك الليلة من مهمته و دلف لغرفة أبنائه يطمئن عليهم و دلف لغرفته يرمى بجسده على السرير و لكنه شعر بأحدهم فنظر باتجاه بيان ظنا منها أنها فيروز فغضب كثيرا و نهض ليوقظها.
انتفضت بيان و أشعلت الأضواء حتى وجدته رحيم فهدئت قليلا، بينما رحيم لم يهدأ تعالت ضربات قلبه بقوة و انفعال.

اقترب منها يتلمس وجهها ببطء كأنه لأول مرة يرى، تأكد أنها ليس بحلم فاحتضنها بشوق جارف و حنان لم تشعر به بيان من قبل.
أحاطته بيان لكنها لم تضاهي قوة رحيم الذي جذبها لتجلس بين أحضانه ينظر لها و كأنها نجمة في السماء وحده من حصل عليها، خجلت بيان من طريقة رحيم و نظراته لها فأغمضت عينها بينما هو قبّل جبينها ببطء.
أغمض رحيم عيناه و جذبها لتنام بجواره و أردف بهمس.
رحيم: مش عايز حاجة تاني غيرك.

نظرت له بيان باندهاش و وجدته يحتضنها بتملك و أغمض عيناه، فاستمتعت بتلك اللحظة و غفت هي الأخرى و لكن كان كابوسها سيء للغاية فاستيقظت بفزع و جذبت كوب مياه من جانبها ارتشفت منه القليل.
نهض رحيم بكسل و جذب بيان له.
رحيم: مالك؟
بيان: عايزة أطمن على بابا عايزة أكلمه يا رحيم.
نهضت بيان و هي تجذب هاتف رحيم تحاول الاتصال بأبيها فهي لا تعلم أين هاتفها و هذا ليس بالوقت المناسب.

بيان(بقلق): مش بيرد عليا و لا حتى سمر بترد.
بيان(بقلق): ليكون حصله حاجة.
نهض رحيم و فتح خزانة الملابس و جذب صندوق وضعه بيد بيان التي لم تفهم ما معناه و لكنها فتحته و أمسكت أول جواب بداخله.
ابنتي الحبيبة بيان، طال الغياب و تعب قلبي معه أشعر بقرب وقتي فلطالما أردت إخبارك بأنني أفتقدك؛ لأنني أحبك بشدة لا تنسيني ابنتي.

سقط الصندوق من يدها و نظرت لرحيم بدموع و أطلقت صرخة قوية باسم أبيها هزت أركان الغرفة فهي لم تفقد أي شخص فقدت أبيها سندها المأوي التي تهرب له من العالم.
سقطت أرضا كأحلامها بلقائه و احتضانه لها و اطمئنانه، جذبها رحيم لأحضانه و هي تبكي بقوة لم تستطع رؤيته و لكن من المؤكد كان مجهد ينتظر لقائها يتمنى لو أن تصيب الرصاصة قلبه هو و ليس قلبها.

لم تتحدث إلى أحد، لم تتحرك من مكانها سقطت مغشيا عليها مرتين، تحتجز نفسها بغرفتها مع جوابات أبيها التي تهز وجدانها كم تشعر بالألم و العجز لعدم تواجدها مع أبيها فترة تعبه فعانى قليلا قبل وفاته و لكنه كان يأتي لها كل يوم يتحدث معها و يكتب لها ذكرياتهم سويا
دلف رحيم الغرفة و جلس أمامها ممسكها بيدها.
رحيم: مش كفاية بُعد يا حبيبتي.

نظرت له بتفاجيء، نعم وجدت أبيها يخبرها بجواباته بتغير رحيم و لكن إلى تلك الدرجة كان يخجل يقول مثل تلك الكلمات لها.
رحيم: و كمان أنا موجود و مالك و ملاك موجودين و هو أكيد هيبقى مبسوط ده زمانه مع طنط و مبسوط أنه خلص من خناقنا اللي مبيخلصش.
بيان: تفتكر بابا يتساهل أنه يموت و أنا مش جمبه!؟

بكت بيان فاحتضنت رحيم الذي تفهم وضعها وحاول أن ينسيها كل شيء بكلماته المعسولة التي اكتسبها مؤخرا من أبيها قبل وفاته حتى يستطيع التعامل معها.

-بمكان أخر، .
كان يهاتف شحاته دياب و يخبره عن موعد قدومه.
دياب: خلاص يا شيخنا عرفت.
شحاته: بتستقل بقدراتي!
دياب: يا عم ما تخلص بقى في شغل واقف بسببك.
شحاته: كله إلا رضاء الحاجة.
نظر شحاته لأمه التي تطوف حول الكعبة سعيدة لأن ابنها حقق لها أمنيتها بأن تحج في بيت الله من فلوس قد اكتسبها من عمل شريف.
فقد عمل شحاته مع دياب و نقل أمه لمنزل بمكان راقي على عكس المكان العشوائي التي كانت تمكث به.

-بمكان أخر،
كانت تجلس تدرس و بجانبها ابنها الصغير يبكي بقوة لأنه سقط و جُرِح، جرت عليه سريعا نور و هي قلقة و قامت بتفحصه و حاول مداعبته حتى يكف عن البكاء.
نور: حبيب ماما خلاص بقى يا حبيبي.
عمر: مالك يا نور؟
نور: رحيم مش عايز يسكت.

تقدم عمر من رحيم الصغير و قام بمداعبته و إسكاته، فكان عمر يحب رحيم الصغير كثيرا و أيضا بات يعترف لنفسه أنه أصبح يحب نور كزوجة منذ فترة، فهو قد تزوجها بعد أن رفضها كلا من زيدان و نجدت و قام بتسمية الطفل على اسمه فمنذ أول لقاء له نع نور قد جُذِب اتجاهه و لكنه لم يبين لأحد مشاعره إلى الآن، يساعدها على التعلم و الحصول على شهادة.
نور: شكرا.
عمر: نور كنت حابب أتكلم معاكِ في نقطة.
نور: اتفضل؟

عمر: مش عايز كلمة شكرا دِ في قاموسك، ده أنا لو بوست رحيم بتقوليلي شكرا ده إيه ده!
تركها عمر و هو يضحك عليها، بينما هي ابتسمت بخفوت و خجل فهي تريد أن تشكره كل يوم و كل دقيقة و كل ثانية و لحظة فهو أنقذها و أنقذ ابنها من الهلاك.

-بمكان أخر،
كانت تجلس بيان بجوار رحيم و هو يباشر أعماله و هي تقرأ إحدى جوابات أبيها و تبتسم تارة و تبكي تارة حتى انتهت من قرأءة واحد منهم.
تقدمت بيان من رحيم الذي جذبها له فاستغربت منه لم تعتاد عليه كذلك، أكمل رحيم ما يفعله على اللاب فتحدثت بيان معه فانتبه لها.
بيان: أنت سايب اللي اسمها فيروز دِ بتعمل إيه هنا!؟
رحيم: اممم، غيرانة!

بيان: لا طبعا، أنا أقصد بقيت كويسة الحمدلله و قريب و هنزل الشغل و هترجع حياتنا طبيعية.
رحيم: تمام يا بيان، سيبيها شوية مع الأولاد لحد ما تخفي و يلا قومي عشان ورايا شغل.
نظرت له ثم للاب و كادت أن تسقطه أرضا و لكنه أمسك يدها و نظر لها بغضب سرعان ما تحولت ملامح وجهه لابتسامه تزين ثغره.
رحيم: اللاب غالي يا بيان اكسري أي حاجة غيره.
بيان(بغيظ): اكسر دماغك ممكن.

رحيم: عايزاني اعمل ايه يا بيان اروح لفيروز صاحبتي اللي راعت ولادك خلال فترة غيابك و اقولها خلاص شكرا لخدمتك.
بيان: انت مش ملاحظ هي بتبصلك ازاي و بتحبك ازاي أنت.
رحيم: مش مهم، المهم أنا بحب مين؟
بيان: مش واثقة من إجابتي يا رحيم.
غادرت بيان الغرفة و هي تستند بعكازها و وجدت أبنائها يعودون من المدرسة جلست معهم قليلا حتى دلفوا لغرفتهم.
طلبت فيروز أن تتحدث مع رحيم على انفراد.

فيروز: هستأذن أنا يا رحيم و مش هرجع تاني حمدلله على سلامة بيان.
فيروز: كنت مبسوطة أوي.
ابتسم رحيم لفيروز و شكرها كثيرا و غادر معها نحو الباب ولكن وجد بيان تقف مع مهند الذي علم بخبر إفاقتها من الغيبوبة.
تقدم رحيم من الباب و جذب مهند من ثيابه بعيدا عن بيان هامسا له ببعض الكلمات الغاضبة و التي تؤمره بأن يبعد عن زوجته.

غادرت فيروز سريعا، دلف رحيم مع بيان للمنزل تحت نظر أبنائهم فتحدثت بيان و هي توليه ظهرها.
بيان: متهور.
رحيم: غير عليا يا رحيم أنت ازاي مش بتغير عليا، و لما أغير ميعجبكيش عشان تعرفي أن العيب فيكِ أنتِ و كل الستات ستات نكدية.
شهقت بصدمة و أشارت بسبابتها على نفسها و هي تحاول أن تكذب ما سمعته.
بيان: بقى أنا نكدية يا رحيم ماشي.

ذهبت بيان لغرفتها و لكنها ذهبت مسرعة للمرحاض تتقيأ بقوة، أغمضت عيناها بألم و تماسكت بالحوض حتى لا تسقط أرضا.
رحيم(بقلق): أنتِ كويسة؟
ابتسمت ملاك و تقدم مالك من أمه.
ملاك: قريب و هيكون في حد يقرفك في عيشتك يا بابا.
نظر رحيم لملاك ثم لبيان التي نظرت للحوض بتوتر و كادت أن تغادر حتى جذبها له و قبّل جبينها بابتسامه تزين ثغره و ثغرها.
رحيم: بحبك.
نظرت بيان أرضا بخجل فكيف له أن يقولها هكذا صريحة أمام أبنائها!

لا تخبيء مشاعرك يا صديقي، فالمشاعر الصادقة أبلغ من أي حديث أخبرني بأنك تحبني أعطيك قلبي حينها.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة