قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع والأربعون

وصل أمير بصحبة السيدة كوثر وخالد إلى المستشفي، صعدوا ثلاثتهم إلى الطابق المتواجد به غرفة العناية المركزة..
أشارت السيدة كوثر وهي تقول من بين بكاؤها: هو جوه هنا يابني إدخل..
أخذ أمير نفسا قويا وزفره سريعا، ثم دلف وأغلق الباب خلفه، ما إن دلف سيطرت عليه حالة من الذهول، وهو يري ماجد ممدد وكأنه في ملكوت آخر ودنيا أخري!
إقترب منه بخطوات متمهلة وتفوه بخفوت: ماجد..!

تسرب صوته إلى مسامع ماجد الذي جاهد في إخراج الكلام من فاه: آآ أم مير...
هز أمير رأسه وقال مجيبا عليه: أيوة يا ماجد أنا أمير، ألف سلامة، إيه الي حصلك؟
خرج صوت ماجد مرة أخرى كمن يخرج من تحت صخرة: م مش م مهم، ال، المهم إن إنك ت تسامحني، س سامحني يا أمير، آآ أن أنا أذيتك ك كتير اوي و آ...
قاطعه أمير هادئا: خلاص يا ماجد ملوش لازمة الكلام ده دلوقتي!

تفوه ماجد بإصرار: آآ أن أنا بم بموت م مفيش وقت، ل لازم أحكيلك، ع...
صمت فجأة، فإقترب أمير أكثر قائلًا بهلع: ماجد..!
صوت أنفاسه تتسارع، مازال يتنفس، مازال حي، إستكمل حديثه المُنهك: س سامي، ناوي، ي يقتلك، ه هيسمك، أن أنا، إتفقت معاه عليك، وجبتله ال، السم بنفسي، عشان، ك كنت ه هكلم حد م من عندك و، أخليه يحطلك، السم، في القهوة..! و، أن الي، أجرت، ن ناس تقتلك، والرصاصة، ج جت ف أروى..

إتسعت عيني أمير بصدمة جلية، عجز عن الكلام، ألهذا الحد وصلا هما، ألهذا الحد يكرهُ سامي وماجد..!
آفاق من صدمته على صوته الخافت: ب بس ربنا ع عاقبني أآ أشد عقاب، آآ أرجوك س سامحني، و، وبلغ ع عن س سامي ه هو عاوز يقتلك، وبعدين، ي يستفرد، ب أروى مراتك ويقتلها ه هي كمان، س سامحني..

إزدرد أمير ريقه بصعوبة خوفا من أن يصيب زوجته مكروه، ثم حرك رأسه بعدم تصديق وهو ينطق: ليه، ليه يا ماجد، ليه أنا عمري ما أذيتك، يوم ما سجنتك كنت غلطت وتعديت حدودك، شوف وصلت نفسك لأيه، هقولك إيه بس، ربنا يغفرلك يا ماجد!
زفر ماجد نفس قوي وصدره يعلو ويهبط سريعا، أردف بهمس وصوت مختنق: ال، الله يخليك، س سامحني، ق قولي م مسامحك، وخ خلي أروى تس تسامحني، آآ، أبوس ايدك.

أومأ أمير برأسه وهو يضع يده فوق يد ماجد: مسامحك، مسامحك يا ماجد، ربنا يشفيك..
أخذ ماجد يتنهد بإرتياح، ثم قال بتوسل خافت: ه حملك، أمانة، ف فرقبتك..
أمير مستفسرا: قول؟
قال ماجد: آآ أمي، م ملهاش ح حد، أمي، آآ أمانة، ب بوصيك ع عليها، س ساعدها، لو، إحتاجت، حاجة، وس سامحني يا صاحبي، س سامحني..
قال أمير بحزن على حالته: حاضر، حاضر يا ماجد وإن شاء الله إنت هتخف وهتقوم وهتخلي بالك منها، ربنا كبير.

ماجد بخفوت: آ أنا بموت، يا أمير، روح إنت، إطمن على، مراتك، وإبقي تعالي، شوفني..
تنهد أمير بعمقٍ، لقد حزن رغم ما فعله ماجد، ورغم إعترافه له بخطة قتله، إلا أنه إنسان له مشاعر، ولقد حزن على حالته وبشدة!
تركه أمير بعد ذلك وخرج من الغرفة، ليتجه نحو السيدة كوثر التي هبت واقفة قائلة بلهفة: خير يابني قالك إيه، طب هو إتحسن لما شافك؟
لم يعرف بماذا يجيبها، فأردف بتنهيدة طويلة: ربنا يشفيه، ويقومه بالسلامة..

أومأت كوثر برأسها والدموع تنهمر بغزارة لم تتوقف أبدا..
أخرج أمير من جيب بنطاله كارت به رقم هاتفه الخاص، مد يده لها وقال بجدية: ده رقم تلفوني، لو إحتاجتي أي حاجه تقدري تتصلي بيا فورا، وأنا هاجي أشوفه بكرة إن شاء الله تاني، لو حصل حاجة كلميني على طول
أخذته منه بيد مرتعشه، ثم قالت: شكرا يا بني..

تحرك أمير من أمامهم ورأسه ستنفجر، هو حزين، وفي أشد حالات الحزن، لم يتمني يوما أن يري الذي كان صديقه في يوم بهذه الحالة بل ولم ويتمني ل أحد آخر حتى وإن كان سامي، وها هو سامي يُدبر لقتله بالإتفاق مع ماجد وها أمير يسامح ويعفو فيكفيه ماجد ما فيه..

في فيلا كارم، بالقاهرة..
وصلت سهيلة بصحبة والدها وعمها أخيرا..
ترجلت من السيارة وسارت خلف والدها وهي تتلفت يمينا ويسارا!، إنها فيلا تُشبه القصر في الجمال والفخامة كبيرة، كبيرة للغاية وعلي التراث الحديث أيضا..
دلفت خلفه وعينيها تزوغ في جميع الإتجاهات بإنبهار واضح على ملامحها، حيث كانت تحتوي على أرقي الأثاث والديكورات أيضا..
هتف مصطفي متساءلا بإبتسامة: إيه رأيك بقي يا سوسو في الفيلا؟

أجابته بإبتسامة عريضة: جميلة جدا جدا..
إبتسم لها وقال بسعادة: لسه هوريكي المزرعة الي تبعها بس تعالي الاول أفرجك على أوضتك..
سارت معه حتى صعدا الدرج وسارا في الرواق الطويل حتى وصل إلى غرفة بمنتصف الغرف الملاصقة لبعضها، فتح الباب ودلف لتتبعه سهيلة، نظرت إلى الغرفة فعقدت حاجباها بإستغراب فكانت تحتوي على دوميات ولعب كثيرة، حتى الأساس خاصا بالاطفال، بها أرجوحة ومكتب صغير وفراشان للأطفال أيضا...

إبتسم بحزن وعينيه تترقرق بالعبرات: دي كانت الأوضة بتاعتك إنتي وأروي وانتوا صغيرين وده سريرك وده سريرها، ودي ألعابكم. ، كنت بجبلكم كل يوم لعب كتير، كنتوا أغلي ما عندي أنتوا وأمكم الله يرحمها، كنتوا حلم جميل صحيت منه على كابوس، كابوس وحش أوي فضلت أعاني منه طول عمري..

أدمعت عيني سهيلة وإقتربت تعانق والدها وهي تقول بمرارة: إحنا كمان عانينا كتير يا بابا، إحنا كمان كنا بنموت في اليوم ميت مرة، منها لله الي فرقتنا ربنا ينتقم منها..
أبعدها مصطفي عنه قليلا ثم قبلها بحنان أبوي، وأشار إلى الصورة المُعلقة أعلي الحائط وقال مبتسما: الي في الصورة دي أمك سلوي يا سهيلة..
إقتربت سهيلة وهي تتمعن النظر فيها، فكانت إمرآه شابه جميلة تشبها إلى حد كبير إن لم تكن توأما لها..

تفوهت بإسمها: ماما..
ربت مصطفي على ظهرها بحنان: شوفتي شبهك إزاي، كأنها إنتي سبحان الله، الله يرحمها..
أومأت سهيلة بحزن وهي تتابع: الله يرحمها ويحسن إليها!
تنهد مصطفي طويلا، ثم أردف بإيجاز: طبعا الأوضة دي مش هتنفعك دلوقتي أنا جهزتلك أوضة تانيه أحلي بكتير هتعجبك أوي خليتها جنب أوضة الواد سليم على طول!

أنهي جملته غامزا بمرح، ثم قال وهو يتجه إلى الخارج: أنا هروح أغير هدومي إنتي روحي أوضتك هتلاقيها جنب الأوضة أم باب بني أصل أم باب بني بتاعة سليم، الله يسامحه بوظ الديكور خالص..!
خرج من الغرفة لتضحك سهيلة بخفوت وهي تشعر براحة غريبة لم تشعر بها من قبل حنان ودفئ وعائلة وأب حنون، كل هذه الأشياء أسعدتها جدا..

خرجت من الغرفة وسارت بحذر، وقفت أمام الغرفة ذات الباب البني، أصابها الفضول لمشاهدتها، فتحت ودلفت بخطوات حذرة..
غرفة ذكورية بها ديكورات على شكل أسلحة البوليس وصورته تتوسط الحائط بحجم كبير، إبتسمت بخجل وهي تقترب وتتمعن النظر في الصورة، ما أجمله ذلك السليم الوسيم! إنه طويل القامة وقوي البنية له عينان سوداء كلون الفحم مثل لون شعره القاتم، ملامحه رجولية بحتة وسيمة أيضا!

لم تنكر أنها تتمناه وبشدة إنه رجلا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكنها تخشي، تخشي أي صدمة ربما تأتي بعد!..

ظلت أروى تسير في حديقة الفيلا بعد أن أوصلها زياد ورحل بصحبة شقيقته، شعرت بالملل فقررت أن تهاتف شقيقتها سهيلة وهي تتجول في أنحاء الحديقة إلى أن وصلت إلى شجرة كبيرة ضخمة وجلست خلفها..
ليأتيها الرد من شقيقتها بعد دقائق: مساء الخير يا رورو..
إبتسمت أروى وردت بهدوء: مساء النور يا جميل، وصلتوا خلاص
سهيلة مؤكدة: أها لسه واصلين من شوية..
أروى بتساؤل: والقاهرة حلوة بقي ولا إيه؟

سهيلة بتنهيدة: أها حلوة، والفيلا تحفة جدا لما تيجي هتعجبك أوي، أحلي من الفيلا بتاعة أميرك
ضحكت أروى بمرح: ماشي يا سهيلة، ربنا يهنيكي بيها ياختي، قوليلي بقي مالك؟
سهيلة بجدية: مش عارفه يا أروى، مش عارفه مالي ولا أنا عاوزة ايه ولا الأيام مخبية ليا إيه، خايفة أتصدم..
أروى في تساؤل: ليه كده، إيه الي حصل طيب؟
أجابتها سهيلة بضيق: سليم عاوز يتجوزني يا أروى! تخيلي.

هتفت أروى بفرحة: بجد؟ طب وإنتي زعلانة كده ليه بقي؟
زفرت سهيلة أنفاسها وتابعت بحنق: يا أروى تفتكري إنه هيتجوزني عادي كده، إزاي يعني ده أكيد بيشفق عليا أو إن بابا قاله وهو محبش يزعله!

أروى بإعتراض: لا يا سهيلة وهو إيه الي هيجبره على كده، محدش بيتجوز حد شفقه كان ممكن يشفق عليكي من غير جواز يعني يعاملك كأخت وخلاص إنما سليم شكله حبك وجدا كمان أنا من رأيي تسيبك من الكلام الفارغ ده وتعيشي، عيشي حياتك يا سهيلة كفايكي قهر بقي في نفسك حرام عليكي!
سهيلة بخفوت: أنا مش قادرة أنسي الماضي يا أروى بجد مش قادرة وخايفة سليم يعايرني بعد كده!

زفرت أروى وتابعت بنفاذ صبر: بجد أنتي اوفر يا سهيلة، حد يجيله فرصه زي دي ويرفض لا لا حرام عليكي هتخليني اجيلك القاهرة اكسرلك دماغك الناشفة دي!
ضحكت سهيلة رغما عنها: ضحكتيني وأنا مليش نفس
أروى بحزم: بجد يا سهيلة فكري أنا شايفة إن سليم راجل كده وجدع كمان مش أنتي قولتيلي أنه نقذك وعاملك كويس في القسم حتى قبل ما يعرف إنك بنت عمه!
سهيلة بهدوء: ربنا يقدم الي فيه الخير يا أروى، قوليلي إنتي بتعملي إيه كده؟

أجابتها أروى بإيجاز: قاعدة تحت الشجرة، مستنية أمير، راح يشوف واحد صاحبه في المستشفي، تخيلي أمه جات وكان شكلها يعيني يقطع القلب، وعمالة تقول ماجد بيموت..
عقدت سهيلة ما بين حاجباها وتابعت بتساؤل: ماجد؟، ماجد ده صاحب أمير الي كان في فرحك!
أروى بتأكيد: أيوة هو ده!
سهيلة بتنهيدة مؤلمة: أروى فاكرة ساعة ما قولتلك إني بحب واحد وكنت فاكرة إنه بيحبني؟
أروى بإنتباه: أيوه فاكرة إيه الي فكرك بيه دلوقتي.

سهيلة بإبتسامة ساخرة: أهو ماجد ده هو الشخص ده، ومكنتش أعرف أبدا أنه صاحب أمير أو يعرفك، أنا إتقابلت معاه صدفه في الفرح!
أروى بصدمة: بجد! الندل بقي كان بيضحك عليكي! تخيلي إنه خطفني قبل كده، شوفي ربنا عمل فيه إيه!
سهيلة بدهشة: ينهار ابيض خطفك، لا حول ولا قوه الا بالله، يلا أهو أخد جزاؤه ربنا معاه بلاش نشمت يا أروى..
أروى بنفي: مش شمتانة ربنا معاه..

سهيلة بإختصار: طيب أنا هقفل بقي وبكرة نتكلم عشان جعااانة أكل ونوم..
ضحكت أروى بمرح: ماشي تصبحي على خير يا حبيبتي..
أغلقت أروى الخط وظلت جالسة في مكانها تستنشق الهواء..
بينما كان قد وصل أمير في نفس الحين وترجل من سيارته، ثم توجه إلى الداخل وبحث بعيناه عنها فلم يراها ولم يظن أنها خلف الشجرة الضخمة تلك، سار بخطوات سريعة إلى الداخل وقلبه يخفق خوفا عليها ومن أن يكون مسها أي مكروه..

لم يجدها في الردهة فأخذ يركض على الدرج، وصل إلى غرفة النوم فلم يجدها فإزداد هلعا، فإنه علم من زياد أنه أوصلها ورحل..
سريعا عقله صور له اوهام، ربما خُطفت مثلا!
أسرع إلى غرفة عمته وطرق الباب ربما تكون معها، إلا أنه لم يأتيه رد ففتح الباب ببطئ ليجد عمته تغط في سبات عميق!

زفر بضيق وإزداد قلقا، ركض هابطا الدرج مرة أخري متجها إلى المطبخ أيضا لم يجدها، خرج إلى الحديقة وهو على وشك الإحساس بالضياع، كل ما يتردد داخل عقله أن سامي قد خطفها ..

أسرع إلى المسبح ربما تجلس على الحافة وعيناه بدت خائفة أكثر، توقف يلهث بعنف، إلى أن سمع صوتها وهي تدندن، فإنتبه إلى مصدر الصوت وإقترب بخطوات سريعة إلى الشجرة ليجدها تجلس بالخلف، فتنهد بإرتياح شديد وهو يضع يده على جبهته وصدره يعلو ويهبط بحركة سريعة..
بينما هبت أروى واقفة وهي تلمسه متساءلة بدهشة: أمير، مالك يا حبيبي في إيه؟

نظر لها بعتاب وراح يجذبها بعنف إلى أحضانه ومعانقا إياها بقوة حتى شعرت أنها تعتصر بين ذراعيه، إستغربت بشدة، ولكنها صمتت!
سمعته يتفوه بحزم: حرام عليكي يا أروى، حرام عليكي وقعتي قلبي..
أردفت أروى بعدم فهم: أنا عملت إيه والله ما عملت حاجة!

إبعدها عنه قليلًا وراح يطبع قبلة عميقة فوق جبينها، ثم سحبها من يدها ودلف بها مجددا إلى الداخل صاعدا درجات السلم، بينما هتفت أروى بتعجب لحالته تلك: يا أمير في إيه مالك بس!
فتح باب الغرفة وأدخلها ليدلف خلفها ويغلق الباب، ثم جذبها ليجلس ويجلسها بجواره ويأخذها في أحضانه وهو يملس على شعرها، ثم قال بهدوء نوعا ما: مفيش خروج ليكي من الأوضة دي تاني، هقفل عليكي وأنا خارج وأبقي أفتح لما أرجع..

قطبت أروى حاجبيها، ثم رفعت وجهها لتنظر له بضيق وتابعت: هو أنا عملت إيه طيب، أنا زعلتك في حاجة؟
حرك رأسه نافيًا ثم أردف: لا يا أروى، بس الشيطان سامي مش هايجبها البر، وأنا خلاص مضمنش ممكن يعمل ايه، وأنا بقي مش مستغني عنك أبدا!.
رفعت أروى حاجبيها بدهشة قائلة: عمل إيه الزفت ده؟..
أمير وهو يجذبها مرة أخري إلى أحضانه: هحكيلك!..

في المستشفي
ركضت إحدى الممرضات التي خرجت من غرفة العناية تصيح بإسم الطبيب، ليتسرب القلق إلى الجميع، وتهتف كوثر بهلع: في ايه، إبني جراله ايييه؟
ما هي إلا ثوانِ وركض الطبيب تجاه غرفة العناية ودلف بسرعة شديدة فإنتابه القلق وهو يري نبض القلب يتوقف رويدا رويدا..
أخذ يفعل له صدمات كهربائيه ليرتعد جسد ماجد معه ويرتعد قلب الأم التي صرخت من خلف الزجاج..

أخذ الطبيب يسرع محاولة إنقاذه إلا أن الجهاز أطلق صفيرا عاليا معلنا عن وقوف نبض القلب تماما...
أرخي الطبيب يديه وراح يرفع الملاءه على وجهه بأسف، لتلطم السيدة كوثر على وجهها وهي تصرخ بأعلي صوتها: إبني!
خرج الطبيب محاولا تهدئتها وهو يقول بحزن: أنا آسف جدا ده أمر ربنا، ربنا يصبرك..
وقفت تهز رأسها بهستيريه وهي تسمع بكاء إبنتها سلمي، لا، لا، لم يمت، لا لم يرحل..

صرخة تتبعها صرخة لتتعالي صرخاتها لتمزق نياط قلبها: لا ماجد، إبني، إبني..
حزن الجميع بشدة، حاولوا التهوين عليها إلا أنها لم تصغي لهم وركضت إلى الغرفة، لتميل بجسدها على فلذة كبدها تحتضنه بقهر، يكاد قلبها أن ينشق إلى نصفين وهي تهتف بلا وعيٍ منها: ليه، ليه يابني ليه حرقت قلبي عليك ليه يابني، اه، يارب، إبني يارب، قوم، قوم معايا، قوم يابني، قوم يا ماجد..

بكاء وصراخ من حوله، لكنه رحل ويا ليت الصراخ يُرجِعهُ، أمر الله قد نفذ وصعدت روحه إلى بارئها، ويبقي الحزن حين نبحث عن ماذا فعل طوال حياته وكيف سيجيب عندما يسأله ربه عن عمرك فيما أفنيت!، فهل أعدد ماجد ما يجيب به على هذا السؤال..؟!

- أمير إنت لازم تبلغ البوليس فورا!
أردفت أروى بتلك الكلمات..
ليقول أمير بشرود: لازم أمسك دليل، يا إما أبلغ وأستدعي حد ياخد شهادة ماجد يعني يروحله المستشفي..
أروى بخوف: ياريت يا أمير، وبسرعة الله يخليك، لازم المجرم ده يتسجن ويغور في داهية بأسرع وقت، الله يخليك يا أمير بسرعة عشان خاطري، أنت لا يمكن هتخرج من الأوضة إنت كمان إلا لما الزفت ده يتسجن!

إبتسم أمير وهو يتحسس وجنتها برفق: متخافيش يا حبيبي، ده قدر ولو مكتوبلي أي حاجه هشوفها
إندفعت أروى تعانقه بخوف شديد وهي تتابع: لا، لا يا أمير، أنا بحبك أوي، مش هخرجك من هنا أبدا والله هتفضل معايا هنا لحد ما سامي يغور في داهية..
ضحك أمير بمرح، لتوكزه أروى وهي تقول بتذمر: أنت بتضحك وسامي بيخطط يقتلك، ينهاري، ربنا ياخده يارب..

ثم إبتعدت قليلًا لتقبل كل إنش في وجهه، وهي تنطق ببراءة: والله أموت فيها لو جرالك حاجة..
قال أمير من بين ضحكاته: خلاص يا أروى أنا لسه عايش أهو معاكي، متخافيش ربنا موجود يا رورو..
ثم تابع بجدية وهو يلتقط هاتفه: إصبري لما أشوف أخر الأخبار ايه عند الزفت ده!
أروى بتساؤل: هتشوف اخر الأخبار إزاي؟
أجابها وهو يضع الهاتف على أذنه: في جهاز تصنت عنده في المكتب..

في شركة سامي.
جلست هدي أمامه وهي تقول بتساؤل حذر: إيه ده؟
إجابها بإبتسامة شيطانية: ده السم الي جبهولي ماجد، أنا مش عارف الزفت ده راح فين بتصل عليه تلفونه مقفول!
بينما شهقت أروى حينما إستمعته عبر الهاتف، ليشير لها أمير بأن تصمت..
إستكمل سامي والشر يتطاير من عينيه: مش عارف أعمل إيه عاوز أشوف حد يخلصني منه بأسرع وقت..

قالت هدي بهدوء: أنا ممكن أخلصك منه، أنا أعرف واحدة شغالة عنده ممكن نديها قرشين وتعمل الحوار ده..
سامي وقد إرتفع أحد حاجبيه: ودي إنتي تضمنيها؟
هدي بتأكيد ؛: طبعا إومال إيه..
إبتسم سامي وتابع: حلو أوي!.
ثم وضع الكيس الذي به المادة السامة في درج مكتبه، لينهض قائلًا بإيجاز: أنا داخل التواليت، ياريت تعمليلي فنجان قهوة وتجيلي عشان عاوزك في كلمتين!

أنهي كلامه بغمزة من عينه وإتجه إلى المرحاض الملحق بمكتبه، بينما نهضت هدي وأسرعت تفتح الدرج لتخرج منه الكيس، ثم تفوهت وهي تزدرد ريقها بتوتر: أنا هخلص الناس من شرك يا سامي!.
خرجت من المكتب وأغلقت الباب بحذر..
بينما كان أمير يسمع الحوار ويسجله أيضا، وفيما كانت أروى ترتجف بشدة وهي تلتصق به، ليقول أمير بإطمئنان: إهدي يا أروى
أومأت أروى برأسها وهي تزدرد ريقها بخوف شديد...

خرج سامي من المرحاض وهو يُطلق صفيرا عاليا ويترنح بجسده يمينا ويسارا فهو في حالة مزاجية من السعادة حيث أنه يستمتع بأذية الغير..
دقائق ودلفت هدي تحمل القهوة ووضعتها أمامه بتوتر وإرتباك شديدين، فإبتسم سامي بمكر وقال بوضاعة: تعالي بقي!
هدي بإعتراض: لما تشرب القهوة يا حبيبي عشان تصحصح كده!

بالفعل إنصاع لها وإرتشف من الفنجان، رشفة وراء رشفة إلى أن أنهي القهوة بإستمتاع، بينما ظلت هدي تتابعه بعينيها ووجهها يتصبب عرقا، فهبت واقفة بحركة واحدة، وهي تهتف بسخرية: هتوحشني يا سامي، هتوحشني قذارتك وأرفك..
إتسعت عيني سامي الذي شعر بإختناق على الفور وألم حاد في معدته، ليهتف بصرامة: أنتي عملتي ايه!
أردفت هدي بإبتسامة باردة: ريحت الناس من شرك!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة