قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثلاثون والأخير

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثلاثون والأخير

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثلاثون والأخير

أوقف مصطفي سيارته أمام المنزل وامتدت يده إلى مسدسة بتجهم، بملامح جحيمية، فـ آدم قادم مع تالين في الطريق وسوف يستقبلهما.
توقفت يداه في الهواء عِندما صدح صوت هاتفه.
تأفف بغضب وهدر بنفاذ صبر: أيوه يا سالي! قُلت هجيب شنطة هدومي وجي إسبقيني على المطار سلام.

أغلقت الهاتف بابتسامة ماكره وهي تسند حافة الهاتف أسفل شفتيها، وعيناها تشِع بالخبث، تفكر في خطتها التي لن تفسد، وهي ترفع حاجبها بانتصار، تطرق بكعب حذائها فوق الأرضية باستمتاع ثم سحبت حقيبتها وذهبت إلى المطار تنتظره هُناك.
تمتمت شهيرة باستنكار وهي تترك قدح القهوة من يدها: إزاي يعني الشيك مفيهوش رصيد؟

هتف الطبيب بغضب وهو يقود بعصبية في طريقه إلى منزلها: زي الناس، إنتِ معندكيش فلوس ونصبتي عليا بعد ما عملتلك اللي أنتِ عايزاه بس أنا مش هسكت وهقول لولادك كُل حاجة وبعدين هبلغ عنك.
هبت واقفة وصاحت بتهكم وثبات لايدل على خوفها الداخلي: تبلغ عن مين يا مزور! إنت اللي هتروح فيها.

ضحك بخشونة وهتف بخسة وعيناه تتسع بانفعال: هنروح مع بعض لأن أنا سجلت كُل المكالمة اللي دارت بينا عشان عارف إن الناس اللي زيك مالهاش أمان.
تسارعت أنفاسها بثوران وأغلقت الهاتف في وجهه وصرخت بجنون وهي تقذفه على طول ذراعها: الحقير، الحقير..

غلت الدماء في عروقها ورنين كلماته ترن داخل أذنيها فأطبقت على كفها بقوة وأخذت تضرب راحة يدها وهي تقول بهيستيريا: يعني ايه مفيش فلوس؟ يعني ايه؟ الفلوس فين؟ مصطفي! مصطفي فين؟

توقف آدم أمام المنزل ثم أطفأ مُحرك السيارة ونظر إلى تالين بتأمل للمرة الأخيرة وقلبه لا يطاوعه على تركها تعود إليه وهو لا يستحقها، يقرع كالطبول بعنفوان متسببا في ألامٍ مبرحة كأن أحدًا يضربه بمطرقة على قفصه الصدري وهو يُراقب ذهابها. ، لكن تتبقي لديه غصة قلق تأزمه ولا يعرف مصدرها، خائفا من تركها لكن يجب عليه تركها، لا يملك حلول فالمياة يجب أن تعود للسريان في مجراها الطبيعي.

ابتسمت في وجهه بإشراق رغم شحوب وجهها، ممتنه لوجوده ومساعدته إليها ثم ترجلت من السيارة وسارت إلى المنزل بخطواتٍ متباطئة وهي تحاول الإتزان أثناء سيرها دون ترنح، فهي مازالت ضعيفة وفقدت الكثير من الوزن وأضحت أكثر هشاشة.
ترجل بسرعة من السيارة وهتف بإسمها بتلهف كـ طفل تم تركه من قبل والدته في منتص الطريق: تالين.

استدارت على عقبيها تنظر إليه وهي تبعد شعرها إلى الخلف، فركض إليها باندفاع وضمها إلى صدره بيدية الإثنتين بقوة، مطلقا أنفاسه الحارة بارتجاف وعينيه تدمع، بروحٍ معذبة رافضا تركها تذهب من بين يديه.
تبسمت بجانب أذنه وهي ترفع يدها إلى ذراعة تمسدة برقة هامسة بنعومة: مش هتدخل معايا؟
همس بصوتٍ معذب وهو يغمض عينيه بألم دافعا بها إلى صدره بقوه آلمتها: هيبقى صعب عليا اسيبك لو دخلت.

أومأت بتفهم وهمست بامتنان: عمري ما هنسى اللي عملته عشاني أبدًا يا آدم ولا هنساك شكرا.
أطلق آهه متألمة وهمس بصوتٍ مكتوم وجِل وهو يفصل العناق كابحًا دمعاته: هتوحشيتي، ولثم جبينها برقة بالغة لم تكن محسوسة وكأنه طبعها على الهواء وليس جبينها.
تهدل ذراعيه بجانبه بانهزام مراقبًا دخولها إلى المنزل وعقله وقلبه يصرخان باهتياج ورفض لكنهُ لم يستمع، بل عاد إلى سيارته يبكِ بانكسارٍ وحده.

كان من المفترض أن يزجر والدته ويحرجها أمامهم بقوله أنه من يُريد خطبتها ويحبها، رُبما تحدث مشكلة بسيطة بعد قوله، ورُبما أهلها لا يوافقون عليه لكنها في النهاية لم تكن لتتزوج من مصطفى، هو من آثر الصمت وامتنع عن المواجهة وطلب حقه حتى تم سلبه منهُ وأضحي هو السيء المُخرب، فضّل أن يحصل عليها بالطريقة الخطأ وظن لوهلة أنه سينجح لكن كل شيء انقلب رأسا على عقب وحدث ما لم يحمد عقباة.

الإختيار كان بين يديه من البداية، والسعادة كانت تلوح في الأفق أمامه، لكن فضّل إختيار الطريق الصعب بدلا عن التخلي والمضي قدماً.
رفع رأسهُ من فوق المقود بحالة مزرية وهو يبكِ بقهر ثم أدار المحرك و وهو يمسح وجنتيه بـ كُم سترته بخشونة وتحرك بالسيارة وهو يُراقب الطريق برؤية مشوشة فنظر من النافذة على حين غرة ليجذب انتباهه مرور سيارة الطبيب بجانبه بطريق معاكس لهُ.

أوقف آدم سيارته ونظر عبر المرآة الخارجية يُراقب مايحدث خلفه فوجده يتوقف أمام منزلهم ثم ترجل وجلس على مقدمة السيارة وأخرج هاتفه وهو ينظر إلى باب المنزل بإغراء راغبا في الدخول، وكما يبدو أنه يحاول التحدث لأحد من عائلته.
ساور آدم الشك وهو يحدق به وبتصرفاته المثيرة للريبة! فترك السيارة بشك وتقدم منهُ دون تفكير.
ـ محتاج حاجة يادكتور؟
سأله آدم بعد أن توقف أمامه.

أنزل الطبيب هاتفه وهتف بثبات انفعالي: الصراحة يا آدم ومش هكذب عليك جي أخد حقي اللي والدتك مش راديه تدهولي.
إنقبض قلبه بخوف وهز رأسهُ بعدم فهم وسأله مشدودًا: حق إيه؟
ركضت شهيرة مهرولة إلى مصطفى عِندما رأته يصعد الدرج أوقفته بقولها بهيستيريا: مصطفي أستني يا مصطفى فين الفلوس؟ حسابي فاضي فين الفلوس؟
زفر مصطفي بضيق وقال بلا مبالاة وهو يتخطاها: هبقي أشوف الموضوع ده بعدين أنا مسافر دلوقتي وجى اخد هدوم.

أمسكت ذراعه بقوة مانعة إياه من التحرك خطوة واحدة للأمام وصرخت به بجنون: يعني ايه تشوف بعدين؟ فين فلوسي؟
زمجر بغضبٍ سافر وصرخ بها بالمثل: شوفي فلوسك بتوديها فين الأول وراجعي فواتيرك وهبقي اتصل بالبنك اشوف ايه الموضوع وسيبيني بقي اخد الهدوم و أغور قبل ما أرتكب جريمة.

تفاقم الغضب داخلها وقبل أن تتفوه بحرف قاطعهم جرس الباب، واستدار مصطفي واتجه ناحيته كي يفتح بتجهم ينذر بالشر، ودمائه تغلي والحقد يتلألأ في عينيه.
إبتسمت تالين في وجهه بنعومة بعد أن فتح ليرد ابتسامتها بصفعة قاسية وهو يكشر عن أنيابه سقطت على وجنتها إلتف إثرها وجهها للجهة الأخرى دوت إثرها صرخة كتمها بجذبها من شعرها بعنف ودفعها للداخل بهمجية أسقطها على وجهها لتدوي صرختها المتألمة.

تقدم منها بابتسامةٍ موحشة وصدره ينقبض وينبسط بعنف، ونسي الباب مفتوحا.
تأوهت باكيه وهي ترفع جسدها بضعف تستند على راحتي يديها المرتعشتين بقوي خائرة وقلبها يتقافز هلعا داخلها زاحفة إلى الخلف بجزع وهي تضم قدميها، تناظر تقدمة منها برعب وشحوب سيطر عليها أذهب بلون بشرتها تماما.

هدر بنبرة جهورية وهو يركل بطنها بكل قوته جعلها تتلوى صارخة: ليكِ عين تضحكِ في وشي بعد اللي عملتيه ياخاينة يا(، ) فين الـ (، ) هقتلكم مع بعض هو فين؟
عجزت عن التحدث والآلام المبرحة تمزق بطنها، تحاول التحرك والابتعاد باستماتة عاجزه عن التقاط أنفاسها بشكلٍ طبيعي وعيناها لا تتوقف عن ضخ الدموع، وصدرها ينتفض وجسدها متشنج من الألم، والدماء الدافئة بدأت تتساقط من بين قدميها معلنة عن خسران جنينها.

شهقت شهيرة بقوة وهي تشاهد ابنها بذعر حقيقي خوفا من غضبه الأعمى، فهي لا تُريد موتها هي!
تقدمت منهُ بتوجس من أجل تهدئته لتفزع وتتمنع عن التقدم عِندما رفع تالين من شعرها بقوة لتستقر أمامه
كالذبيحة بجسدها المرتخي وذراعيها المتهدلان دون مقاومة، وعينيها بالكاد تفتحهما بصعوبة.
لم يتأثر، ولم يرحم ضعفها ولم يعبأ بصوت أنينها المُعذب بل سألها وهو يلطم وجنتها: فين آدم؟

هزت رأسها للجانبين بأنفاس ثقيلة وهي تغمض عينيها بضعف مستسلمة إلى الظلام واللاشعور الذي ابتلعها.
جأر بغضب ودفعها من يده بطيش فاصطدمت رأسها بحافة الطاولة الزجاجية وسقطت أرضا دون حراك وباتت تنزف من مكانين.
في الخارج..

لم يبصر أمامه من الغضب بل لكمه بعنف وأحكم مسك رأسهُ من الخلف وضرب جبهته في مقدمة السيارة وهو يجأر متحدثا بجنون وهو يسحق رأسه سحقا في السيارة بقوة حتى سالت الدماء من جبهته: يا إبن الـ (، ) ده أنا هوديكِ في ستين داهية يا إبن الـ(، ).

توقف لاهثا وجبينه يتفصد عرقا وهو يعقد كلا حاجبيه مستهجنا حاله وقبضته كأنها زرعت في رأسه لا يريد تحريره لكن أفلته واتسعت عيناه وتنفس وهو يهز رأسهُ بقوة وكأنه تذكر ما يضمره مصطفي إليه، هو وتالين، تالين. تالين.
ركض إلى الداخل وسرعته تضاهي فهد بينما الطبيب سقط أرضا يسعل باختناق وهو يتأوه.

لطمت شهيرة وجهها وهي تهرول وجثت أمامها صارخة بهلع وهي تحدق في جسدها الراقد دون حراك: قتلتها؟ قتلتها يا مصطفي ووديت نفسك في داهية؟

نظر مصطفى إلى بقعة الدماء أسفل رأسها بعينين غائرة إهتزت باضطراب وقلبه يخفق بعنف، ترنح في وقفته بأعصابٍ تالفة وأصفر وجهه وشحب، فهو لم يقصد، كان غاضباً فقط، إرتجفت يديه وحوّل نظراته عنها وحملق في حافة الطاولة الزجاجية التي تلونت بلون أحمر باهت كوجهه أثبتت له مافعل، فهو أضعف من أن يقتل.

ركض إلي الأعلي بسرعة كي يأخذ الحقيبة ويغادر نهائيا دون عودة أثناء محاولات شهيرة المستميتة كي تجعلها تستفيق بخوف وهي ترتجف: تالين، فوقي، فوقي يا تالين، هتبقي كويسة فوقي، أنت غبي، أنا مقولتلكش عشان تقتلها هي يا غبي! هتفضل غبي مبتفكرش لحد إمتي؟، إنت مبتردش عليا ليه؟

عقبت قولها برفع رأسها تنظر إليه بسأم لتتجمد الدماء في عروقها، وتوقفت عن التنفس عِندما أبصرت آدم يتقدم بترنح، يجر قدميه خلفه بصعوبه كأنه شُلَّ وعينيه غائرة متسعة معلقة على تالين منفصلاً عن العالم دون أن يرف له جفن أو يحيد بنظره عنها قط.
سقط على ركبتيه أمام جسدها وجال بنظراته عليها دون أن يسعفه عقله في الاستيعاب، لقد كانت معهُ من دقائق بخير إنهُ يتوهم فقط.

تساقطت عبراته بألم وشهق بقوة شاعرًا بأن قلبه سيتوقف في أي لحظة، لايمكن أن يحدث هذا، يموت معها إن ماتت.
هزّ رأسهُ بأسي وهدر بقهر وهو يضع رأسهُ فوق صدرها: تـالـيـن، تـالـيـن، آآآآآآآه.
انتفضت شهيرة إثر صوته المُفزع و أشفقت عليه لأول مرة، فحركت شفتيها تطمئنه عليها وتواسيه: آ، آدم، يا حبيبي هتبقى بخير.
أسود العالم من حوله، وغامت عينيه مع وعيه في سواد حالك وهو يستذكر قولها لمصطفى ؛ هي السبب.

رفع رأسهُ إليها لتسقط جالسة محلها بفزع حقيقي وانقبض قلبها وانبسط وهي ترى موتها المتجسد في مقلتيه الجاحظة الدامية بلا أدني شك.
هدر بوحشية وهو يقترب منها ومقلتاه تقدحان حقدًا وصدره يهتز باهتياج: أنتِ، أنتِ، السبب..
هزت رأسها نافيه بهيستيريا وهي تزحف بجسدها إلى الخلف برعب هامسة بنبرة مرتعشة: لـ، لـ، لأ، أنا، أنا، أنـ..

ولم يشعر بنفسه وهو يهجم عليها سطحها وجثم فوقها وأطبق بكفيه على رقبتها وأخذ يخنقها بكل ما أوتي من قوة بـ غِل مُخزن لديه، حتى إحمر وجهه ونفرت عروقة وتعرق بغزارة وهو يصر على أسنانه وإبهامه يضغط، ويضغط بإصرار، بعقلٍ مُغيب تماما.

حركت يدها تضرب ذراعه بضعف بعينين جاحظتين دامية وقدميها تتشنج، بأنفاسها المسلوبة، وفمها الفاغر بقوة وهي تلفظ كلماتها الأخيرة بصعوبة وصوت مبحوح علهُ يُحررها: تـ، تـ، الين، عـ، عـا، يشة.
لم يسمعها، بل كان يسمع صوت لهاثه فقط. ، ارتكزت بعينيها داخل عينيه وتوقفت عن المقاومة وسقطت يديها بجانبها مُعلنة إنتهاء حياتها.

رفع كفه عنها بتجهم وهو يتصبب عرقًا محملقا في وجهها الأزرق وكتفيه يرتفعان بعنفٍ ولم يكتفي بعد، لن يندم بتاتا تستحق الموت، تغمره راحة لا توصف بموتها، لكن قلبه يحترق، يحترق ويموت ببطء.
سقطت الحقيبة من يدِ مصطفى وهو يحدق بهما بصدمة وجحوظ ويكاد يغشى عليه من المنظر، أصدرت صوتًا مدويًا جذبت إنتباه آدم.

استدار برأسه مبتسماً بوحشية وأجرام في وجهه وهو يلهث كان مُخيفًا كأن خللا ما أصاب عقله. ، وقف ومن دون سابق إنذار أمسك بالمزهرية من فوق الطاولة وقذفها على رأسهُ تهشمت بها.

انحني مصطفي متأوها وهو يضع راحة يده في جانب رأسهُ يكتم خط الدماء الذي بدأ بالسيلان، وامتدت يده إلى الحقيبة لتجحظ عيناه عِندما رأى آدم يفصل السلك عن الهاتف الأرضي وقام بلهفة حول كفيه وتقدم منهُ بملامح إجرامية ولا ينوي سوي خنقه مثل والدته.

تنبهت حواس مصطفي وتناسي ألمه البسيط أمام ماسيحدث إليه إن ظل مصدوم متيبس محله، تشجع وأمسك الحقيبه وركض إلى الخارج لكن آدم حاصره ووقف أمام الباب وهو يرفع السلك أمام وجهه.
عاجلة مصطفى بقذف الحقيبة الصلبة عليه بقوة أجفله أصابت رأسه ويديه جعلته يترنح ويسقط على ركبتيه متأوهًا، ليركض مصطفي ويأخذها سريعا من الأرض ثم دفعه من أمام الباب بلهاث وخوف وهو لا يستوعب كم المصائب ولاذ بالفرار إلى المطار.

وقف آدم وهو يضع كفه المرتعش فوق جبينه المجروح وتحرك للإندفاع خلفه لكن تمنع لأجل تالين، فلن يتركها تموت.
هرع إليها وحملها بين يديه المرتعشتين وهو يهتف بإسمها بهيستيريا أثناء ركضه إلى سيارته: تالين، تالين، فوقي.
حطها على المقعد الخلفي برفق وهو يذرف الدموع ثم أستقل مقعده وقاد إلى المستشفى الأقرب إليه.

تعجب الطبيب من رؤيه تالين وهو يحملها بتلك الحالة المزرية بالتأكيد سيأخذها إلى المستشفى، وقبلها فرار شقيقة بحقيبته وذهابه بسرعة البرق، حك طرف ذقنه بحيرة بملامح مستفهمة فضولية ثم أخرج الهاتف من جيب بنطاله وهو يثبت قميصه الذي خلعه ووضعه فوق جبهته المدمية لأنه لن يذهب دون أمواله.
حادث الشرطة بتردد بسبب إعتداء آدم عليه وهو يسير إلى داخل المنزل يتفحصه، ناظرًا حوله بتوجس وريبة.

وجد الباب مفتوحًا على مصراعيه، فتقدم بابتسامة تلاشت وحل محلها الفزع تزامن مع وصول الرد عليه بصوتٍ عملي جاد..
فأتته فرصته ولن يغلق في وجه الشرطة بخوف بل رد عليهم بأعين متسعة وهو يحدق بالجثة والدماء القانية: عايز ابلغ عن جريمة قتل وعارف فين المجرم.
وصل آدم إلى المستشفى دون أن يفتعل أي حادث رغم حالته، أوقف السيارة وحملها وركض بها إلى مدخل الطوارئ وهو يبكِ كالأطفال صائحًا باستغاثة: الحقوها، الحقوها..

هرولوا إليه بالسرير المتحرك عِندما أبصروا حالتها والدماء التي أغرقته، فوضعها برفق وراقب ركضهم وذهاب الطبيب خلفهم مهرولا وهو يقيس نبضها بتركيز.
أدخلوها غرفة العمليات سريعًا وذهب الطبيب خلفهم لكن أوقفه آدم عِندما جثي على ركبتيه وأمسك قدمه وترجاه بحرقة: متخليهاش تموت عشان خاطر ربنا، بالله عليك أنقذها بأي طريقة أنا مش هقدر أعيش من غيرها.

أومأ الطبيب على عجله وهرول خلفهم وتركه يبكِ وحده وهو يسند رأسهُ على الحائط وضم قدميه إلى صدره وأخذ يضرب رأسهُ في الحائط بأسي لائما نفسه أشد اللوم بسبب ما حدث، تعود بخيرٍ فقط و سيتركها للأبد تحيا بسلام.
عادت الدماء تسقط من جبهته في خطٍ مستقيم دون أن يشعر، لا يحس بأي ألم سوى قلبه، أنهك من هذه الحياة وكفي.

مرت الساعة عليه كـ دهر وهو يجلس ينتظر خبر إما سيفجعه وينهي حياته أو سيرد إليه روحه من جديد، والدماء تكاثرت على ملابسه وأضعفته.
ركض الممرضات في الممر هُنا وهُناك بأكياس الدماء يجعله ينتفض من الرعب.
خرج الطبيب من الغرفة، فهب واقفًا بلهفة وهرول إليه قبل أن يقترب هو يسأله بهيستيريا وهو يجفف عبراته بيده المرتعشة: كويسة، ها، بقت كويسة؟

نظر إليه الطبيب نظره لم يتمنى رؤيتها ولا سماع ما يصاحبها قط، أبعد شعره إلى الخلف يشد عليه بقوة وملامحه تتقلص والحرقة تجتاح عينيه، وشفتيه ترتعشان منتظرًا سماع خبر موتها.
كاد الطبيب يتحدث لكن توقف وعقد كلا حاجبيه وحدق خلف آدم بتعجب جعله يلتفت بارتياب.
ـ إنت آدم المنصوري؟
سأله الضابط بجدية.

ابتلع ريقه بصعوبه وهو ينظر إلى ثلاثتهم بوجه باهت كان رابعهم الطبيب الذي لوح إليه وهو يبتسم ومعالم وجهه توحي بالألم لا غيره، حدق بالأصفاد المعلقة في جيب أحدهم غير قابلا فكرة السجن وجعله مجرمًا، لن ينتهي الحال به في السجن بتاتا لن يحدث هذا.
ارتجل آدم وقال بثبات انفعالي: أنا مصطفي مش آدم.
اختفت ابتسامة الطبيب وهتف بانفعال: لأ كذاب ده آدم وأنا متأكـ..

حدجه الضابط بنظره أسكتته جعلته يبتلع لسانه ووقف يستمع لقوله: فين بطاقتك.
سار آدم بتباطؤ وهو يحك مُنحدر أنفه قائلا بهدوء: في العربية تحت هنزل اجيبها، وعقب قوله بدفع الطبيب وركض وفر هارباً من وسطهم.
صرخ الضابط بهم بحدّة: امسكوه و وأوعي يهرب.
ركضوا خلفه بسرعة وخلفهم الطبيب دون أن يتخلى عن قميصه الذي يثبته فوق جبهته قط، حتى أنهُ نسي أن يُضمد الجرح وهو هُنا.

نظر خلفهُ وهو يلهث بقوة دون أن يتوقف عن الركض أو يلتقط أنفاسه لثانية واحدة فقط، لايعرف أين يفر!
قطع الطريق دون تفكير عِندما رأي إقترابهم منهُ بسيارة الشرطة وصدوح إنذارها الزاعق، فتحفز وتابع الركض دون توقف وهو يتلافى السيارات برشاقة حتى أصابه دِوار مفاجئ جعله يترنح وسط الطريق، لم تسعفه حركته كثيراً فصدمته سيارة أُجرة عن طريق الخطأ، لم تكن مسرعة كثيرا والضربه لم تكن عنيفة كذلك.

تدحرج على الطريق وإستقر جسده على الأرض دون حراك، لثوانٍ قليلة قبل أن يطرف ويفتح عينيه بضعف بما بقي لديه من وعي والدماء تزايدت وأصبحت تقطر من رأسهُ وليس جبهته فقط أغرقت وجههُ، تحامل على نفسه واستند على كفه وهو يحس بتهشم عظامة. ، تداخلت الأصوات وعلا صوت الأبواق المزعجة وتخلل من بينهم صوت أبواق الشرطة التي تقترب وهذا ما حثه على المقاومة والمغادرة فلن يأخذ ثوانٍ قليلة قبل أن يتم القبض عليه.

ركض إليه السائق العجوز بأسف يساعدة في الوقوف ونيته أخذه إلى المستشفى والتوسل ألا يشكوه للشرطة مهما تطلب الأمر.
سار آدم بترنح والعالم ينقلب فوقه رأسا على عقب وهو يفتح عينيه بصعوبة، برؤية مشوشة، يمسك برأسه بيديه الاثنتين والدماء تسيل بغزارة، و البرودة تجتاح أوصاله بسبب نزيفه و نقص الدماء لديه، يحس بأن رأسه تم سحقها بصخرةٍ تم قذفها عليه مراتٍ عديدة.

تنبض، تنبض بقوة كأن أحدهم يدق مسمار في جمجمته، دخل إلى سيارة الأجرة التي ضربته وأستقر جسده بعظامة المهشمة فوق الكرسي ورأسه ساقطة فوق كتفه وأنفاسه تخرج بتقتر ونبضاته تبطئ بتمهل وتباطؤ مثل تباطؤ قيادة السائق العجوز.
شعر باستدارة السيارة كي يذهب به إلى المستشفى، فرفع رأسهُ بوهن وهمس بشفتين مشققة جافة: مـ، ش، هروح، المستشفى.

هتف الرجل مستنكراً حالته: انت حالتك صعبة يابني هتموت من النزيف! لازم تروح مستشفي.
امتدت يداه ببطء ورفعها على المقود بجانب يد السائق وهمس بثقل مهددًا بضعف: هـ، بلغ، عنك، لو روحت المسـ، تشفى.

وسقطت يده وأغلق عينيه بضعف وهو يوشك على فقد الوعي وأنفاسه بالكاد تخرج، يحث نفسه على عدم الإنهيار حتى يصل لبر الأمان، تاركا الرجل العجوز يفكر بقلة حيلة وقلبه لا يطاوعة على تركه بتلك الحالة، لكن في النهاية هذا إختياره، فهو ليس بقدرته تحمل خسران سيارته التي تطعمه كي يدفع تعويض ولا أن يخسر رخصته، سيفعل لهُ مايشاء.
غير وجهته وأبتعد عن تلك المنطقة نهائيا، وأضاعته الشرطة.

سأله باستفهام بعد أن طال تجولة في الطريق دون أن يعرف إلى أين: أوصلك فين يا إبني! إنت متجوز طيب معاك تليفون اتصل بمراتك؟ أخوك! أمك! أبوك! أي حد.
بكي بصوتٍ مبحوح وهمس بنبرة تمزق نياط القلب: مليش حد.
هتف بأسف وهو ينظر إلى حالته بتفحص: لا حول ولا قوة إلا بالله ملكش أصحاب؟

عمّار غادر، وقُصيّ رُبما غادر البلده الآن أيضا، وهاتفه تركه في السيارة ولا يملك من يذهب إليـ، توقف عن التفكير وأخذ رنين كلمات لمار ذلك اليوم يرن داخل أذنيه ( قاعدة في الدور التالت الشقة اللى على اليمين.
في الدور التالت الشقة اللى على اليمين.
الدور التالت الشقة اللى على اليمين.

ضحك وهو يومئ بقوة وقال وهو ينظر إلي وجهها الباسم: الدور التالت الشقة اللى على اليمين عرِفت خلاص، هبقي اجي اغير لك الامبوبه، )
همس بجفنين ثقيلين: عـ، عرفـ، ت، هـ، ر، وح، فين.
بعد مرور دقائق وليس كثيرا توقفت السيارة أسفل البناية التي تقطن بها لمار وبدأت مهمته الأصعب، وهي الخروج والصعود إليها.
سأله الرجل بتأنيب ضمير: محتاج مساعده يا إبني؟

لم يرد عليه بل سار بترنح وهو يطوح بجسده يمينًا ويسارًا كالثمالى، ومن حظه التعيس الذي يصاحبه وجد المِصعد معطلا، فاضطر لأخذ الدرج وصعد زحفًا وليس على سيرًا على الأقدام، يقاوم فكرة التوقف والاستسلام للراحة، فكانت دمعاته تسيل ممتزجة بدمائه وهو يتمسك بالدرابزون بيديه الملطختان بالدماء دافعًا بجسده بما يملك من جهد كي يصمد ويصل..

أكثر ما يُخيفه بعد كُل هذا المجهود أن يصل ولا يجدها وتكون قد عادت إلى منزل والدها، سيموت وحده في الأعلى إن حدث هذا.
أغلقت لمار حقيبتها وهي تميل عليها وشعرها متهدل فوق كتفيها يتراقص بانسيابية وعيناها تذرف الدموع بأسف دون توقف، ستفتقدهم جميعاً، إنها تحبهم ولا تريد الاختفاء والخروج من حياتهم بتلك الطريقة، لكن إن ظلت لن يكون هذا جيّد بتاتًا، ستضيع في المنتصف.

محت عبراتها وأبعدت شعرها إلى الخلف وحزمت أمرها وحملت حقيبتها وسارت إلى الخارج بوجه باهت مرهق وجفنان متورمان.

تممت على الشقة ثم أغلقت الأضواء وفتحت الباب لتشهق بفزع وتتوقف قبضته آدم في الهواء. ، شملته بنظراتها بذعر وهي تضع يدها على قلبها المنتفض بهلع من هيئته المخيفة وملابسة الممتلئة بالدماء ووجهه! تاركة حقيبتها تسقط، حتى شعره التصق في بعضه بسبب الدماء، لم تتبين إليه معالم سوي عند إبتسامته الشاكره لوجودها، التي أبرزت أسنانه الملونة بالأحمر قبل أن يسقط في حضنها.

وصل مصطفى إلى المطار بأعصابٍ تالفة وهو يكتم الجرح في رأسهُ بكفهُ، يقود بيدٍ مرتعشة وقلبه لا يتوقف عن الخفقان بعنف، وهو يتلفت حوله بخوف من أن تكون الشرطة تلحق به.
أوقف السيارة عِندما أبصر سالي تقف في الخارج في وسط الطريق وتستند على سيارة الأجره، ترفع نظارتها الشمسية فوق شعرها وترتدي حقيبة الظهر فقط، مضجرة أيما اتضجار تعقد يديها أمام صدرها بضيق جلى منتظرة وصوله كي تنفجر به وتبدأ وصلة التقريع!

صف السيارة وسط السيارات سريعا وأخذ أوراقه وجواز سفره وهرول إليها بحقيبته يجرها خلفه بأنفاس متلاحقة بوجه مصفر واضح كمن ارتكب جريمة، وهو فعلا ارتكب جريمة هذا آخر ما يذكر أنه فعله.
كادت تصرخ لكن سألته بقلق وهي تنظر إلى قميصه المتلون بالدماء من على كتفه: مالك حصل إيه؟
قال بعجله وهو يمسك كفها وجر حقيبته بيده الملطخة بالدم الجاف: مفيش يلا بسرعه لازم نسافر.

أوقفته بتذمر وهي تضغط على كفه: إستني بس شنطتي في التاكس لسه، وبعدين عربيتك هنسيبها هنا؟
صرخ بها أفزعها وهو ينظر داخل سيارة الأجرة: أيوه هسيبها مش عايزها وليه سبتي شنطتك؟
نظرت إليه بلوم، ليقضم شفتيه بعصبية ويحط حقيبته أرضاً ووقف بجانبها باقتضاب يلهث بانفعال ينتظر عودة السائق قبل أن ينفجر بها.
سألها وهو يمسد جبهته بعصبية: فين السواق وبردو سبتي شنطتك ليه؟

بررت بحزن وهي تبعد شعرها خلف أذنيها: مش عارفة حصلو ايه تعب فجأة وجري وقال رايح الحمام بسرعة واستناه مش هيتأخر.
أومأ وهو يصر على أسنانه بغضب ضاغطا على فكه بعنف، فإحتضنت يده بنعومة وقالت بإبتسامة وهي تحثه على التحرك برقة: أنا هستناه هنا وهحاسبه وأنت أدخل الحمام نضف قميصك وجرحك يكون هو رجع.

أومأ وسار إلى الداخل يفعل ما طلبت وترك الحقيبة معها دون أي تخوين، وهو يهدئ من روعه قليلا، فلا أحد يعرف أنه سيسافر، سيبحثون كثيرًا وعِندما يصلون سيكون هو يحلق في السماء.
حدقت في ظهره والخبث يشع في عينيها، ورفعت حقيبته على مقدمة السيارة وقامت بفتحها وهي تبتسم بخسة.

سارا معًا في الداخل بعد دقائق جنبا إلى جنب، وكل واحدًا منهما يجر حقيبته حتى توقفا أمام نافذة جواز السفر، تقدمت سالي أمامه أولا وأنهت تفقد بياناتها بخير ومرت بظفر وهي تلقي عليه نظرة عابرة أخيرة مودعة.
أعطي مصطفى جواز سفرة إلى الضابط لتظهر بياناته أمامه على الحاسوب، عقد كلا حاجبيه ونظر بينه وبين الحاسوب ثم طلب منهُ بهدوء دون شوشرة وهو يرفع سماعة الهاتف الأرضي: أقف على جنب كده لوسمحت.

سقط قلبه بين قدميه وسأله بشحوب: ليه في حاجة؟
ابتسم في وجهه وقال ببساطة: لأ دي حاجة روتينية وبسيطة جداً متقلقش.
أومأ بقلق وهو يتلفت حوله باحثًا عن سالى بناظريه ليبصرها تقف بعيدًا تستعد للذهاب، وهي تنظر إليه بنظرة عابرة ثم هزت كتفها بقلة حيله وهي تضم شفتيها وتخطته كأنها لم تعرفه يوما وذهبت إلى طيارتها، وهو سيذهب بلا عودة.

عقد كلا حاجبيه واستنكر تصرفها ولم يكد يتحرك ويعيد السؤال فوجد الشرطة خلفه، قاموا بتفتيش حقيبته، تزامن مع جحوظ عينيه وهو يشعر بيديه تُقيد خلف ظهره والأصفاد الحديديه تكبله.
تبادل الرجلان النظرات وهما يحدقان في الحقيبة ثم أخرجا من وسط ثيابه
كيسين كبيرين مملوءان بذلك المسحوق الأبيض المسمى بـ الكوكايين.

أخذ وجهه في التوهج والتلون جعل نفسهُ محلا للشك أكثر وهو لا يستوعب ما يراه، هزّ رأسه بهيستيريا وصرخ بنفي وهو يقسم بانفعال أثناء جرهم له بعيدًا عن الزحام كي لا يصنع جلبه وسط الناس: والله ما أعرفش حاجة عنهُ والله معرفش حاجة! أنا راجل أعمال محترم ومسافر أجازة مع مراتي ومعرفتش الهيروين ده جه منين؟ يا باشا والله أنا برىء!
توقف الضابط قبل أن يبتعد كثيرا وسأله بجمود: فين مراتك دي؟

قال بتلهف وهو يلهث وأمل يتجدد داخله أنه سينفذ من هذا: سالي السويسري عدت قبلي وهنسافر المالديف، والله دي الحقيقة مش بكذب.
تركه الضابط وعاد إلى ضابط الجوازات وسأله باهتمام: هاتلي بيانات الست اللي كانت قدامه.
أومأ ونقر على لوحة المفاتيح الخاصة بالحاسوب بتركيز من خلف نظارته الطبية وقال: أسمها بلقيس يا فندم ومسافرة لندن و..
أومأ وقاطعة بسؤاله الآخر بعجلة: في بيانات بإسم سالي السويسري!

أومأ وبحث عنها ثم قال بعملية: في وأخر سفرية كان من سنة ذهاب بلا عودة.
ـ وريني صورتها وصورة بلقيس كده.
أومأ بطاعة وجعله يلقي نظرة على بيانات المسماة بسالي بتدقيق، حتى أنها ليست متزوجة، إنه يكذب كي يهرب.
نظر إلى صورتها بتركيز ورأي بلقيس، فلم يجد أي تشابه بينهما في الشكل بتاتا ولا تطابق في المواصفات، فأومأ وتركه وعاد أدراجه إليهم وقال بسخرية.
ـ هاتوه يلا.

أمرهم وسار مبتعدًا، ليتوسل مصطفي وهو يُجر خلفهم على أطرافه كأنهم يسوقونه إلى الإعدام، يكاد يبكِ من القهر لأنها حطمت قلبه قبل مستقبله: أنا برىء والله برىء معملتش حاجة مش أنا!
لكن لم يستمع إليه أحد يظنون أنها قصة مختلقة كي يتهرب، لقد تم تقديم بلاغ ضده وتزويدهم بكل المعلومات عنهُ المصحوبة بصورته، فتم توزيعها على الجميع كي لا يفر.

الشعور الأبشع من الخيانة هو الظلم أن تكون بريئًا ويتم إتهامك بجريمةٍ بشعة لم تفتعلها، كما فعل مع تالين تمامًا.

الآن وبعد أن تم إمساكه بتهمة لم يفعلها يخاف أن يتم اتهامه بقتل والدته بدلا من آدم إضافة لأنه أمام العدالة شخص فاسد يعمل في اتجار الممنوعات، وعقل شقيقة إجرامي ويستطيع تلفيق أي أوراق كي يتهمه بقتل والدته لأجل طلب الأموال كي يخدم تجارته، ويتبقى تالين، إنه يحمل ثلاث جرائم، كما يظن وسيتم إعدامه أو سيقضي بقية حياته بين أربعة جدران حتى يتعفن في السجن.

استدار جاسم بسيارته عازما على العودة إلى الإسكندرية، متقبلا وضعه وخسارتها بحسرة مبتلع غصته المريرة، فهي بالتأكيد ذهبت الآن ولن يصل إليها في حياته.
سار بهدوء وهو يستعيد ذكريات طفولتها معهُ حتى كبرت لتخونه دمعاته وتتدافع للتساقط حزنا عليها، فهو سيجن إن لم يجدها ويخبرها الحقيقة ويواسيها ويبدأ معها من جديد.

إستنشق ما بأنفه وهو يضم شفتيه المرتعشتين رافضا خنوعه وتقبل خسارتها، صدح صوت رسالة نصيه تجاهلها لوقتٍ حتى يفيق من ذكرياته ثم رفع الهاتف وتفقدها ليوقف السيارة بضغط المكابح فجأة كادت السيارة التي خلفه تصطدم به.
ابتسم بإشراق وتهللت أساريره عِندما رأى ذلك العنوان وجملة أن عشق متواجدة هُناك تزين الرسالة، إن قلبه يرقص فرحًا، والمكان ليس ببعيد سيذهب إليها.

وصلت عشق إلى البناية المطلوبة، ترجلت من سيارة الأجره وركضت إلى الطابق الثاني مباشرةً وهي تلهث وتبكِ بأنفاسٍ مُتقطعة.
وضع سامي الحبوب المخدرة في فمه بإفراط وابتلعهم بالخمر وملامحه تتقلص ضاما شفتيه بتلذذ بسبب حرقة المشروب الذي يروقه، وخلع كنزته وقذفها على الأريكة، وجلس ينتظرها وأخيرًا سينالها دون تدخل قُصيّ.
طرقت الباب بقوة وهي تهتف بإسمه بلوعة: قُصيّ إنت جوه؟ قُصيّ افتحلى.

ولبي سامي النداء وفتح إليها الباب بإبتسامة مُرحبة، عاري الصدر يرتدي فقط بنطاله المنزلى القطني.
كتمت أنفاسها وشحب وجهها وتبدلت اللهفة لخوف وزاعت عينيها وهي تعود خطوة للوراء بجزع وقلبها يقفز هلعا داخلها، والخطوة الثانية كان يمسك بساعدها وجذبها للداخل وصفق الباب بقدمه.

دفعها لداخل غرفة الجلوس المبعثرة التي يوجد بها أريكة وحيده توضع في بجانب الحائط وفوقها ملابسه مقذوفة بإهمال، ومنضده دائرية صغيرة فوقها طبق فواكه زجاجي ومدية حاده فوقه، وعلبة التبغ خاصته وقداحة، وطاولة كبيرة وضعها ملاصقة للحائط بإهمال لأنه لا يستخدمها، وبجانبها خان يزينه تمثال صلب وضع بجانبه زجاجة الخمر خاصته، وفي المنتصف يفترش الأرض بساط متسخ ونافذه مفتوحة على مصراعيها تضيء الغرفة.

هتف بنبرة تشي بالسعادة: نورتيني والله.
ظلت متيبسة محلها بوجه ممتقع مخفضة الرأس وهي تفكر بعجز في المصيبة التي أوقعت نفسها داخلها، فسامي لن يرحمها.
قهقهة بصوتٍ مقزز يصيب بالقشعريرة والنفور وتقدم من الخان وأفرغ إليه كأس خمر بينما يقول بحاجب مرتفع وهو يلتفت إليها بزاوية: نبدأ بحقيقة قُصيّ الأول ولا خالتك؟

التفتت إليه مشدودة وهي تعقد كلا حاجبيها ليستدير بجسده وتابع بعبث وهو يشملها بنظراتٍ وقحة تُعريها جعلتها تشمئز وهو يمرر لسانه فوق شفتيه ويقلب الكأس بين يديه: ولا نبدأ بالأجمل؟ نبدأ بـ إيه بس قوليلي؟
بلعت ريقها بحلق جاف وحافظت على ملامحها الجامدة أمامه كي لا يظن أنها تخشاه، فإبتسم بجانبيه وهتف وهو يضم شفتيه باستمتاع: متهيألى نبدأ بخالتك لأن شكل قُصيّ حبك بجد وفهمك على كُل حاجة وساب الأهم.

لم تتبدل ملامحها ولم تطالبه بالقول لكن عيناها كانت تترجاه كي يتحدث ويبوح بما هو مُخبأ.
ـ ليه ياعشق حبتيه هو؟ ليه؟

سألها فجأة بلوم وهو يتقدم منها جعل من مقلتيها تهتزان بخوف وهي تعود إلى الخلف بجزع ليستطرد بألم لم يليق به بتاتًا مستنكرًا: ليه قُصيّ وأنا كُنت قدامك قبله؟ ليه هو ياخد عقلك وقلبك وجسمك وأنا لأ؟ وبعد كل اللي عمله ولسه بتحبيه وجاية تطمني عليه! ليه محبتنيش الحب ده ليه؟ ليه مدتنيش نُص الحُب ده ولا رُبعه حتى؟ طب ليه محبتنيش زي جاسم! ليه بتكرهيني أوي كده؟

أنهي قوله الأخير بأسي وهو يقذف الكأس من يده بجانب قدمها فتهشم ولوث المشروب حذائها، مع إنتفاضتها وترنحها في وقفتها، تكتم أنفاسها من الخوف وجسدها يرتجف، محافظة على صمتها وهدوئها منكمشة على نفسها لأنها لو تحدثت لا تعرف ما قد يفعله بها!

رفعت نظرها إليه بأسف وهي تفرك قبضتها المتعرقة في بعضها لينفجر ضاحكًا بسخريةٍ خسيسة وهو يقطب كلا حاجبيه في وجهها هازًا رأسهُ بيأس بسبب طيبة قلبها قائلاً بلذاعة: صدقتيني؟ هحب واحدة رخيصة سلمت نفسها لراجل تاني ليه؟
نظرت إليه بشراسة وعمدت على طريقتها الأسهل في إثارة جنون أي رجل وبصقت في وجهه باشمئزاز،.

فقبض على ذراعها بقسوة وهزها بين يديه بعنف صارخا في وجهها بتهكم أمام نظراتها الفزِعة وقلبها الهلِع: خالتك الجميلة اللي بتعزي إبنها اوي كده هي السبب في موت أبوكِ وأمك، وهي السبب في دخول قُصيّ حياتك، هي اللي دمرت حياتك.

اهتزت مقلتيها، وأدمعت عينيها المتسعة وهزت رأسها بنفي، وهمست بشفتين مرتعشتين متحدثة بصعوبة وهي تخفض رأسها بصدمة: هـ، هي، بتكرهني، بـ، س مش، أوي. كده، هي، هي، مش مؤذية للدرجادي وبتعرف ربنا.
ضحك مجلجلاً حتى أدمعت عينيه ورائحة فمه الكريهة إثر المشروب تتسرب إليها هامسًا بانفعال وعيناه متسعة بمبالغة كأنه يحادث طفلة: لا هي قتلت عشان الحُب، وأنا قتلت عشان أخدك وهاخدك.

سقط قلبها بين قدميها، وتلفت أعصابها وحركت ذراعها تحاول التملص وعبراتها تتساقط بخوفٍ منهُ وذعرٍ ليضحك بجنون وعيناه تحدجانها بشهوة مقرفة: أنا اللي قتلت شاهي، ولو مخدتكيش هقتلك إنتِ كمان فاهمة؟ هقتلك.

صرخت بإستغاثة كتمها بقبلة شهوانية عنيفة همجية وهو يدفع بها إلى صدره، ويديه تزحفان إلى خصرها يلمسه بقوة ويضغط عليه بخشونة، فتحركت بعنف بين يديه وبيديها تضرب صدره الصلب دون أن يشعر وقلبها يكاد يتوقف من الخوف.

رفعت ركبتها وضربته بين قدميه بشحوب وهي تجد صعوبة في التنفس بسبب شفتيه القذرة فابتعد وسقط متأوها وهو يلعنها، مسحت شفتيها بعنف وهي تلتقط أنفاسها بلهاث، وبصقت عليه وهي تنحني تلتقط قطعة زجاج تابعة للكأس المهشم ووقفت تهدده بشراسة بأنفاس متسارعة وهي تفرد ذراعها المرتعش أمامها وقطعة الزجاج تلمع: هقتلك لو قربتلى فاهم ولا لأ؟

ضحك بخشونة وعاد يقف بثبات أمامها ببنيته القوية التي تستطيع سحقها سحقًا، وتقدم منها وجبينه يتفصد عرقًا، وعينيه تتفرس جسدها بنظراتٍ داكنة لا تنم على أي خير البتة.

عادت إلي الخلف بلهاث وهي تلوح بقطعة الزجاج بطيش، فأمسك كفها يعتصره بين قبضته جعلها تتأوه، وباليد الأخري صفعها بقسوة وجذبها من شعرها خلفه بعنف ودفعها أمامه كالعبدة فاصطدمت بالخان بقوة، وتبعثر شعرها وغطي وجهها. ، تطاير بعضه إثر أنفاسها العنيفة التي تخرج من أنفها المنتفخة وشفتيها المرتعشة
أمام وجهها، وظهرها يعلو ويهبط بعنف، لتبصرالتمثال أمامها مباشرةً.

قست ملامحها وأمسكت بالتمثال دون تردد والتفت صارخة وهي تقذفه على طول ذراعها فانحني بسرعة بديهية ثم إرتفع وزمجر بغضب وهو يلطم وجهها ودفعها بذراعيه من كتفيها أسقطها فوق البُساط على وجهها وهو يبتسم بانتصار، منتشي سعيد والعرق يتدفق أكثر لديه، والحرارة تصهر جسدة.
أخرجة من زخم متعته طرق الباب وصوت جاسم القلق: عشق إنتِ هنا يا عشق.

اتسعت عينيها بانفعال، واطمئن قلبها قليلا وصرخت تستغيث به وهي تشهق: إلحقني يا جاسم إلحقني.

ورفعت جسدها بسرعة وهي تتنفس بثوران وشعرها يشوش عليها الرؤية، زاحفة إلى الخلف وهي تحرك راحة يدها فوق البساط تبحث عن أي شيء كي تضربه به وتلهيه عنها وعيناها معلقة عليه، فدهس كفها الأيمن ساحقّا إياه أسفل قدمه الحافية وهو يحركها يمينًا ويسارًا بـ غِل جعل صرخاتها تتعالى ويجن جنون جاسم في الخارج ويبدأ بكسر الباب بقوة دفع جسده.

صرخت بحرقة وهي تحاول سحب يدها لكنهُ كان يضغط بقدمه بإصرار هادرًا من بين أسنانه بغلظة: حبيب القلب جه، كُنت عايز اخدك بالحب والراحة بس منفعش معاكِ، يبقي هقتلك.

شهقت وهي تهز رأسها وأخذت تضرب ساقه بيدها اليسرى بانهيار كي يتحرك لتبصر المدِّية على حين غرة بجانب عينيها، حركت رأسها مباشرةً تنظر بجانبها كي تتأكد وهي تقضم شفتيها بعُنف كي تتحمل الألم لتبصرها تُزين الفواكة، وكم كانت مُثيرة لامعة ستخلصها من معاناتها.
امتدت يدها واختطفتها بعينان باردة وقامت بتمريرها خلف ساقة بقوة كأنها تقطع لحم بدون خبرة تسببت في جرح غائر يحتاج للكثير من الغرز.

توقف وترنح إلى الخلف وهو يقطب جبينه وملامحه تتقلص بألم بتباطؤ كأن الألم لا يجتاحه بسرعة منتشي من الحبوب، كانت هي قد وقفت وعادت إلى الخلف بخوف وفردت ذراعيها بالمدية تهدده بها بإنهاك وضعف ويدها الأخري تبعد خصلاتها المتشابكة بهيستيريا وهي تئن بسبب كتم شهقاتها وعبراتها تنهمر بغزارة، ويدها ترتعش بشكلٍ مُلفت مثير للشفقة، وعينيها تحرقانها والرؤية مشوشة بهمها وهي تنظر إلى الباب برجاء كي ينفتح، فهي لاتستطيع الصمود أكثر من هذا أمامه.

جأر وركض إليها بتعرج باسطًا كفه بشدة بعقلٍ مُغيب بغشاوة تسيطر عليه.

تنبهت حواسها وضمت قبضتها المتعرقة فوق المُدْية وبثانية دون أن تعي ماحدث ولا الهواء الذي ضرب جسدها فجأة، كان يطبق على عنقها بقوة يخنقها بكل ما أوتي من قوة ونصف جسدها يخرج من النافذة مُعلقًا إياها في الهواء بأعين حمراء دامية داكنة من فرط الغضب وعرقه مستمرًا في التدفق بغزارة وتركيزه يتلاشى، وضربات قلبه تقوي وتؤلم تجعله يخنقها بقوة أكبر.

لوحت بيديها بيأس كمن يحاول السباحة دون الغرق، تحاول رفع قبضتها والوصول إليه لقتله وهي تفتح فمها بقوة وتحرك شفتيها بصعوبة عاجزة عن التنفس والحديث في آنٍ واحد بأعين جاحظة بلون الدماء تكاد تسقط من محجريها، بوجه مختنق مزرق كالأموات، تشهد لحظاتها الأخيرة على يد الحقير القذر أمامها، تحاول باستماتة لكنهُ يلصق قدميه على قدميها مثبتا إياها على الحائط من الداخل ونصف جسدها يعلقه في الخارج اعجزها.

كادت الباب ينخلع وعلا صوته جذب انتباهه فإرتخت قبضته قليلًا عن عنقها الموصوم بأنامله ونظر خلفه بعدم تركيز وهو يضيق عينيه بدون وعي وملامحه تتقلص بألم مضاعف يحس بأن قلبه يكاد ينفجر، فرفعت كفها بتوحش عِندما سنحت لها الفرصة وغرزت المُدْية في رقبته.

حرر رقبتها واختفي بياض عينيه خلف جفنيه وسقط جسده مصطدم في الأرضية بعنف، وتهاوت هي من النافذة، من الطابق الثاني قبل أن تخرج صرختها عِندما انتبهت، تزامن مع كسر الباب ودخول جاسم.
جحظت عيناه وإنخلع قلبه وصرخ بذعر وهو يمد كفه كأنهُ سيمسك بها: عـشـق!
ثقلت أنفاسه ووضع يده على قلبه الخافق بعنف وجسده يتهاوى مستنداً.

على الباب بتعب و مقلتيه تتحرك يمينا ويسارا بزيغ مع رأسهُ مستنكراً ما رآه أيما إستنكار، إنهُ يهذي، يهذي.
تقدم وهو يغرز أنامله في قلبه وعيناه تدمعان، ليته يستطيع نزع هذا القلب المتصدع كي يرتاح. ، لقد تدمر وتم هزمه ويعترف بهذا.
تعثر في جثة سامي وسقط بجانبه على ركبتاه ليجهش في بكاءٍ مرير حارق من أعماقه يمزق نياط قلبه عاجزًا عن الوقوف مجددا، فماذا سيري إن أطل من النافذة ماذا سيري؟!

شهقت جـنّـة ووضعت يدها على فمها بأعين متسعه وهي تقذف الأموال إلى السائق وترجلت وركضت إلى عشق.
جلست أمامها بأعين دامعة وهي تضع يدها على فمها بصدمة ومقلتيها تجيل على جسدها الراقد بلا حراك والدماء تسيل من أسفل رأسها.

سقطت عبراتها لكن ليس حزنًا ولا أسفًا عليها، بل كان لأجل بشاعتها التي أدركتها اليوم، هي فقط ظنت أنه سيغتصبها لأن هذا المتوقع منهُ كي يحصل عليها أخيرا كما تمني، وكي تحرق هي قلب قُصيّ عليها، لم تظن أن تصل للقتل!
لحتك إطار سيارة قُصيّ في الأرضية بعنف وتوقف مع توقف قلبه عن النبض لوهلة يستوعب المنظر القاتل!

سقطت يديه عن المقود وتهدلت بجانبه مبصرا إياها من خلف زجاج السيارة وجـنّـة تجلس أمامها بسكون، مدركاً أنه أتي مُتأخرًا.
ألقى نظرة عابرة على غرام بصمت وهو يُكذب عينيه، فكانت منغمسة في اللعب في هاتفه ولم تنتبه لأي شيء.

فك حزام الأمان بيدين مرتعشتان وترجل بتعثر من السيارة، وسار يقدم قدم ويؤخر الأخري، قدميه ثقيلة كأنه يجر أطنان حديدية خلفه، يجد صعوبة في الوصول إليها دون أن يقف يملي عينيه من هذا المنظر الذي لا يجد من هو مسئولا عنهُ سواه، يشعر وكأن جـنّـة تجلس تنتظره فقط كي تخبره بتشفي إنظر إلى ما آل عليه الوضع بفضلك.

توقف الزمن به وتباطئت نبضاته وهو يقترب منها أكثر، يحس بأن قدميه لم يعد لهما من موطئ صلب، أثلج قلبه كـ جثة هامدة وهو يراها، عشق لن تتركه في نهاية المطاف وتموت فهذا ليس عدلا!، حياته ستكون خرابا.
سقط على ركبتيه أمامها وهو يحرك شفتيه مع رأسهُ بعجز والكلمات مختنقة في حلقه دون أن يصدر صوتا، ومقلتيه تشملها من أعلاها لأخمص قدميها مئات المرات.

انسلت عبرة ثمينة من بين جفنيه وهو يخفض رأسهُ عليها وامتد كفه إلى وجنتها الشاحبة يتحسسها ببطء مراقبًا شحوبها وسكون ملامحها، مدركًا أن خطبا ما أصاب قلبه ولن يعود كسابق عهده.
وضع كفه أسفل رأسها المدمية ورفعها إلى صدره يضمها بعذاب كاتما شهقاته المقهورة ويده تلتف حول جسدها المرتخي تشتد عليه وهو يهتز بها بحسرة.
كان يعرف أن مشكلةً ما ستحل، لكن ليس عشق، ليس عشق.

أسند جبينه فوق جبينها وأخذ يمسح على شعرها المُنساب الممتزج مع الدماء وعينيه مرتكزة على عيناها المغلقة باستسلام هامسًا بوجل وعيناه تفيض من الدمع: عشق، أنا حبيتك بجد.
اجهشت جـنّـة فى نوبة بكاء شديدة وهي تعتصر رأسها بقوة سائلة قُصيّ بنشيج وندم: ماتت؟ ماتت يا قُصيّ؟
حدجها بعينيه الحمراء وهو يضم جسد عشق بنظرة أرعدت دواخلها جعلتها تتمنى الانسلال و الانزواء وحدها بعيداً عن الجميع.

شهقت وتمتمت لنفسها بعدم تصديق وهي تبتسم في ذهول: يعني أنا بقيت قاتلة؟ قتلت اثنين! بقيت قاتلة؟
تلت قولها بوقوفها وهي تبكِ بانهيار مترنحة في وقفتها وهي تطالعه للمرة الأخيرة بوداع وحنين إليه قبل أن تركض مبتعدة عنهُ، عن الجميع، الذهاب لمكانٍ بعيد، أبعد ما يكون، مكانٍ لا يجدونها فيه.
ومن حظه السيء أن غرام رأتها تركض.

أمسك بكفها ورفعه إلى شفتيه يقبله وهو يوصد جفنيه يسترجع ذكريات السنوات السابقة معها وإبهامه يتوقف على عرقها النابض في رسغها لتُرد إليه الحياة ويتفجر الأدرينالين داخل جسده، ويضحك بعدم تصديق وهو ينظر إلى وجهها بلهفة في نفس الوقت الذي سمع به صوت اصطدام سيارة بأحدهم.
رفع رأسهُ و...
ـ قُصيّ، قُصيّ، أيها الـ، يا إلهي إلهمني الصبر، قُصيّ أيها المحتال أستيقظ.

همهم وهو يحرك رأسهُ منغمسًا في النوم بأريحية فوق الشيزلونج الطبي لتصرخ به طبيبته الشقراء الروسية أفزعته: قُصيّ أنت تنام كل مرة عند الجزء المشوق قم الآن هيا الفضول يقتلني..
فتح عينيه بانزعاج وهو يتثاءب وأغلقها في نفس الوقت بسبب الضوء متمتا بالروسية بامتعاض: أنتِ لا تتوقفين عن الثرثرة كـ جميع النساء لا فرق بينكن.

أفرغت إليه قدح قهوة بنفسها وهي ترفع نظارتها الطبيه فوق شعرها الذهبي المسترسل بتركيز وقدمتها إليه زافرة.
خلع معطفه الثقيل وسترته وأبعد الوشاح عن رقبته ووضعهم بجانبه وفتح أزرار قميصه الأسود العلوية وهو يبتسم بلطف ثم أخذ منها قدح القهوة وهو يخفض رأسهُ يستنشق رائحتها المتصاعدة بمتعة متمتما بابتسامة مشاكسة: تصنعين القهوة بنفسك! هذا لطيف.

ناظرته بغيظٍ وجذبت مقعدها الجلدي وجلست أمامه واضعة ساق فوق الأخرى وهي تفرد ظهرها وترفع رأسها بشموخ وتحدثت بجدية وهي تعتصر القلم في أناملها: قُصيّ أنت تأتيني مُنذُ أربعة أشهر تتحدث كما تشاء حتى تكتفي وتذهب دون أن أسألك شيء، لكن اليوم لن أصمت أنا سأسل وأنت من ستجاوب بكل صدق ووضوح فهمت؟

قهقهة وهو يضع قدح القهوة من يده وقال باسمًا وهو يتمدد ويتوسد ذراعية بأريحية كأنه يجلس في منزله: حسنا موافق، اليوم لكِ، لكِ أن تسألِ ما شئتِ.
ابتسمت برضا وتحمحمت وسألته بهدوء: اكمل بقية القصة؟
سألها بتعجب وهو ينظر إليها: أي قصة؟ لقد إنتهت.
ردت مستنكرة وهي تهز رأسها: كيف إنتهت؟ ماذا حدث بعد هذا؟ من صدمت السيارة؟ وعشق! وتالين! وجـنّـة! وآدم! وجاسم وكـ..

أوقفها بقوله وهو ينتصب وأخذ يتجول في الغرفة: تمهلي أيتها الطبيبة، لا تنفعلي سأخبرك ماحدث بهدوء.
أومأت وسألته بحماس وهي تلتف برأسها تنظر إليه: حسنا ماذا حدث بعد هذا؟

تنهدت من أعماقه وبدأ يتحدث وهو يجلس على المقعد المقابل لمكتبها وامدد قدميه فوق المنضدة وحدق في السقف بشرود: تركتُ عشق في اللحظة التي اكتشفت بها أنها حية وركضتُ إلى الطريق، تراءى لي أن غرام ركضت خلفها فخشيتُ أن تكون هي من صدمتها السيارة لكن لم تكن.
ـ إذا هل كانت جـنّـة؟
سألت وهي ترفع كلا حاجبيها.

نفي وهو يبتسم وعاد مهرولا وتمدد مجددًا أمامها: لا لم تكن إحداهن بل كانتا سيارتين اصطدمتا ببعضهما البعض، وغرام كانت في السيارة منغمسة مع الهاتف لا تدري مايحدث حولها، فعدتُ إلى عشق مهرولا لكنني لم أجدها بل وجدتُ سيارة وليد تبتعد بها.
هتفت بانفعال وهي تقذف القلم من يدها بعصبية مستنكرة قوله: وهل تركتها؟

برر بعجز وهو ينتصب جالساً: كِدتُ ألحق بهما لكن توجب عليّ الصعود لأري ماحدث في الأعلى، كُنتُ أستطيع اللحاق بهما بعد هذا لكن أتتني مكالمة لمار تخبرني عما حدث لآدم ولم أستطع تركه والمضي قدما! إنه شقيقي وليس صديقي كي لا ألتفت إليه؟ كان وحيد لكن عشق لم تكن وحيدة.

تمتمت بعصبية مفرطة وهي ترفع قبضتها أمامها: حسنا كان يُمكنك أن تطمئن عليه وبعدها تذهب إلى عشق؟! كيف تركت مصر وتابعت حياتك بتلك السهولة؟ هذا تصرف حقير؟
لم يستطع كبح ضحكاته الرجولية التي ترفرف القلب فضحك وحذرها بعبث: أيتها الطبيبة أري أن عاطفتك غلبت عليكِ وجعلتكِ تتخلين عن أخلاق المهنة وتقومين بشتم مريضك؟

تنفست بعنف وهزت رأسها ببطء وهي تغمض عيناها تهدأ من روعها لأنه هو من يجعلها تفقد صوابها وليس العكس!، وهتفت بتريث وهي تأخذ شهيقا طويل: حسنًا حسنًا أكمل.
قهقهة وهو يراقب ملامحها المنزعجة وتابع بأسف: آدم ظل غائبا عن الوعي يومين كاملين ولم أتركه، حاولت أن أصل إليها بعد اليومين كما تقولين لكن وليد أخذها وغادر مصر بكاملها وبالتأكيد لم أركض خلفها، تمنيت لو أذهب لكن لم أستطع ولأسبابٍ كثيرة.

سألته وهي تعقد يديها أمام صدرها: وهل قضيت اليومين مع لمار؟
ـ لا بل مكثت أنا في المستشفي وطلبت منها الاعتناء بغرام فقط لأيام.
سألته باهتمام وهي تطرف بأهدابها الطويلة وعيناها البندقية الثاقبة تخترقه: كيف كانت مقابتلك معها هذه المرة كيف شعرت؟ هل رفرف قلبك جوارها كما أخبرتني من قبل؟

ضحك وهو يمسد جبينه وأجابها بابتسامة وقدحيّ القهوة خاصته تلمع: أيتها الطبيبة أن قلبي يُرفرف إن رأيتُ طعامي المفضل فهذا شيء وارد الحدوث!
ابتسمت بالمثل وقالت وهي تهز كتفيها: أنت مُحق وهذا لأن المرأة بمثابة طعام شهي للرجل صحيح!
سألها بعدم فهم وهو يضيق: ماذا تقصدين بهذا القول؟
سألته بمكرٍ مباشرةً دون مراوغة وابتسامة معبرة تعلو محياها: هل أحببتَ لمار؟

عقد جبينه وتبدلت لأخري رافضة كأنهُ لم يمر عليه شخصاً بهذا الأسم لتبدل سؤالها مرواغة: حسنا مَن مِن الثلاثة التي أحببتها أكثر جـنّـة أم عشق أن لمار؟
أنهت قولها وهي تضيق عينيها جعلته يبتسم متعجبًا عفويتها المسلية وتفاعلها معهُ خلافا لمَ سمعه عن الأطباء وهدوء أعصابهم وجديتهم في العمل.

أجابها بدون تفكير وهو يبتسم بجاذبية: بالطبع جـنّـة، لقد كانت حُبي الأول، كانت الأولي في كل شيء، هي من منحتني غرام ألطف فتاة في العالم وأجمل ما حدث في حياتي. ، رُبما لم تكن تُريدها وتشاجرنا وأخذت حياتي مُنعطف آخر بسببها لكنها أتت في نهاية المطاف، ولأجل غرام أستطيع التغاضي عن أي فعل غبي متهور صدر عنها، إنها أم طفلتي في النهاية وهذا يشفع لها، أشفق عليها أكثر من ضيقي منها.

سألت وهي تميل برأسها إلى الجانب: وأين هي الآن؟
تنهدت وأجابها وهو يخلل أنامله في شعره الذي استطال أكثر: لن تصدقي لكنني حقا لا أعرف، هي ركضت ذلك اليوم ولا أعرف أين ذهبت، لكن أتمني ومِن صميم قلبي أن تكون ندمت وتسعى للتغيّر أو حتى تذهب لتلقي العلاج كي تصبح شخصًا أفضل.
رفعت حاجبها وتساءلت بفضول: وهل إن اصحبت مثالية كما تتخيل ستقبل بعودتها؟

قهقهة وهو يُمرر كفه على ذقنه الطويلة التي زادت من وسامته الآسرة باستمتاع نافيًا بجمود: بالطبع لا فأنا لن أثق بها مهما حييت، لقد تعلمت الدرس جيدًا.
ـ حسنا وعشق؟

ابتسم وعاد للتمدد والاسترخاء هاتفًا بابتسامة مميزة والبريق يتلألأ في عينيه وهو يحدق في السقف البني: عشق، إنها الوحيدة التي تستطيع احتوائي، معها تذهب جميع همومي وأحزاني، لم أحبها لأنها جميلة، ولا لأنها رائعة في الفراش لا، إنها تملك قدر من الحنان أعجز عن وصفه ولا أقدر على الإستغناء عنهُ، كانت تُغزي به روحي الخاوية دون أي مقابل، هي الوحيدة التي أعطتني أكثر مما أخذت، أكثر من أي إمرأةٍ أخري، كانت فقط تريد حبي ليس أكثـ..

قاطعه سؤالها بشك كأحد المحققين وهي ترفع سبابتها أمام وجهه: أكثر من أي أمرأة! كان من الممكن أن تقول جـنَّـة لكن قُلت إمرأة هذا يعني أنهن أكثر من إثنتين يعني أنها لمار صحيح؟
استنشق ما بأنفه بتأثر وهو يخفي عينيه بذراعة هامسا بصوتٍ مهزوز غليظ: أكادُ أبكِ وأنتِ تقولين لمار مجددًا!
أشفقت عليه ونظرت إليه بحزن وطلبت بلطف: لا تبكِ.

افترت شفتيه عن ابتسامة هادئة أبرزت أسنانه ناصعة البياض دون أن يبعد ذراعة عن عينيه متمتما بطاعة: حسنًا لن أبكِ.
أومأت وهي تحدق به وانتظرت ثوانٍ قبل أن تهم بسؤاله: ولمار؟
هزّ رأسهُ وقال بنبرة عادية: مابها لمار؟ لقد رأيتها آخر مرة في المستشفى اطمأنت على آدم وغادرت ولم أرها بعد ذلك اليوم!
ردت بتعجب وهي تنزل ساقها: هذا فقط؟ أنت تحدثت عن جـنّـة وعشق أطول ولمار هذا فقط!

أجابها بكسل: وماذا من المفترض أن أقول؟
قالت بنفاذ صبر مُزِج بإصرار: أنا أُريد مقارنة بين الثلاثة الآن، أخبرني عن شعورك عِندما تكون بالقُرب من كل واحدة منهن، أريد أن أعرف وتوقف عن المماطلة والمراوغة!

تنهد بتعب وقال تحت تأثير ضغط نفسي جسيم متأثرًا: كما أخبرتك جـنّـة كانت الأولي وكانت كل شيء بالنسبةِ إليّ، حتى أتي وقت تبدلت فيه أولوياتها وإنشغلت مع والدها وأهملتني وبالكاد كُنا نخوض محادثة معًا قبل أن تنام وتتركني مُستيقظ وحيدًا، عِندها لم تأنس وحدتي سوي عشق، لم اتمني يومًا أن أخوض كُل هذا أو تتطور علاقتها وتأخذ هذا المنعطف قط، لكن كُنتُ أحتاجها معي ولم أستطع التوقف أو الإبتعاد حتى أتي الوقت لأبتعد، وأخبرتها بما حدث وابتعدت هي وغدوت وحيداً مجدداً، فوجدت لمار في حياتنا جميعاً فجأة وليس حياتي فقط، لن أكذب وأخبركِ أنني لم أهتم لا بل إن شيء جذبني إليها من الوهلة الأولى التي وقعت عيناي عليها، في هذا الوقت فكرت كمراهق وظننتُ أنها الثالثة التي ستعوضني، لكن الغريب أنني لم أفكر بها كزوجة ولا حتى عشقية، لم يخطر على عقلي أي شكل من أشكال العلاقات معها! أحسست أنها ستفهمني وتفك رموز شخصيتي عِندما نظرت إليها، كان شعورًا عابراً وتأكدت أنه ليس بمحلة عِندما أخبرتني في السيارة أن أتوقف عن إظهار نفسي كشخص حقير. لأنني وفي الحقيقة حقير فعلا!

ضحك وتابع بصوتٍ رقيق وهو يتذكر جمالها: إنها طيبة وأكثر هشاشة من الاثنتين، لطيفة وشخصيتها ساحرة لا تقاوم، دافئة وتكاد تكون منعدمة الوزن و..
أفزعته بتدخلها وقطع وصله حديثه بانفعال وعينا متسعة: توقف، توقف، كيف عرفت أنها تكاد تكون منعدمة الوزن؟ هل حملتها؟
سألها بتفاجئ وهو ينتصب جالساً: ألم أخبرك بهذا؟
ردت بحاجبين مرتفعان: لا هيا أخبرني.

ابتسم وهتف كي يحبطها وهو يُراقب حماسها المُشع لمعرفة ماحدث: لا تتأملي كثيراً أيتها الطبيبة، إنه يوم عقد قران عمّار لعبنا الأوراق معا لعبة لا تعرفينها أنتِ ولن أطول الشرح، فقط من شروط اللعبة إنني إن خسرت أسحب ورقة، وألبي إليها جميع طلباتها بالعدد الموجود داخل الورقة، وهي لم تطلب الكثير مازحتني وطلبت أن أحملها لأنني طلبت منها نفس الطلب عِندما خسرت وتراجعت وهي تراجعت لكنني لم أتراجع بل ركضت خلفها في أرجاء المنزل وحملتها فقط هذا.

انفعلت ولفظت بضيق: هذا فقط أُريد تفاصيل؟
ضرب كفيه معًا مستنكرًا أسألتها وتفاعلها المحايدة إلى لمار وأردف متعجبًا: لقد بدأت أشك أن لمار شقيقتك!
ضحكت وهي تخلل أناملها في خصلاتها الذهبيه وأردفت بتبرير: معك حق أنا متعاطفة معها، حسنا أنا متعاطفة مع جميع النساء وليس هي فقط.

وهو أراحها وقال ماحدث وهو يبتسم: حسنًا توردت وجنتيها وخجلت وطلبت أن أنزلها وأنا شعرت بقلبي ينتفض داخلي فقط هذا ماحدث، كادت ترد لكنه أستطرد وهتف بشرود: أتعرفين ما الفرق بين الثلاثة؟

هزت رأسها نافية مشدودة مترقبة إجابته وسكتت ليجيبها بقدر معرفته بالثلاثة: عِندما أهملتني جـنّـة عشق عوضتني عنها وأكثر حتى بتُّ لا أرغب جـنّـة مجددًا، وعِندما تركتني عشق وقابلت لمار وجدتُها هي من تحتاج إلى من يحتويها، إنها ليست بخير بسبب زواجها الذي فشل، لقد كُنا ضائعين، أنا كُنت أحتاج لمن يحتويني وهي كانت تحتاج لمن يربط على قلبها ويخبرها أن لا بأس، فالعلاقة بيننا لن تكون عادلة، انا أحتاج وهي تحتاج فمن سيعطي إذا؟ أنني وبدون مبالغة تم استنزاف جميع مشاعري وطاقتي ولا أقدر على خوض أي علاقة جديدة، فإن هي أعطتني وبالتأكيد ستفعل لأن معظم النساء تمنح في أقصي مراحل ضعفها، إنها بطبيعتها تظل تمنح دون مقابل لأنها أُم لكن ليس الرجل، وهذا ظلم لا أستطيع تقبله، هي لا تستحق شخصًا مثلي بتاتا لا تستحق.

ـ إذا هل أستطيع أن أطلق على علاقتك بها أسم الحب الذي لم يكتمل؟
نفي باسمًا: لا بل الحب الذي لم يبدأ.
ابتسمت وسألت مستفهمة: لقد قُلت أنها طلبت من آدم الزواج وهي تعرف أنه لن يُبادلها الشعور نفسه فما المانع من علاقتكم إذا؟
ضحك وقال بغرور: أنا شخص عادل لا أحب عدم التكافؤ فلا أُفضل أن تكون مُستهلكة وتمنح كل ما لديها في العلاقة وأنا لا.
هسهست بغضبٍ مكتوم: تتحدث عن العدل بثقة وأنت لم تكن عادلا مع عشق؟

برر بقوله وهو يهز كتفيه بنظرات ناعسة: علاقتي بها كانت خطأ من البداية فكيف أكون عادلا؟ فكره اقترابي منها وحدها لم تكن عدلا! فلا تقارني.
أومأت وهي تفكر في سؤالا آخر كي تقذفة: حسنا ما أخبار تالين؟
ضحك وهو يمسد جبينه ولفظ بازدراء: تمنيتُ لو أنها ماتت لكان حال آدم أفضل الآن.
ـ ولمَ؟

زفر وقص عليها بانفعال: حُبها العقيم هذا هو من دمره، آدم لم يكن يوما بهذا الهدوء ولا الحزن المستعمر قلبه وحياته، لقد جعل منهُ الحُب قاتلا وفي النهاية وبعد هذا الصراع تستيقظ أميرتنا النائمة لا تتذكره!
قالت بتفاجئ: ماذا؟!

تابع بسخط: نعم فقدت الذاكرة، هي كادت بالفعل أن تموت من كثرة النزيف لكنهم أنقذوها في اللحظات الآخيرة وفقدت الطفل بالطبع لكن المشكلة لم تكمن هنا، بل بعد أسبوعين أثناء فحصها إكتشفوا أنها لا تذكر شيء، كان هذا جيد بالنسبة إليها لأنها لم تستحق، وكان نعمة كذلك أن ما حدث معها انمحي وفرصة لتبدأ حياة جديدة، لكن بالنسبة لآدم كان هذا أسوأ من خبر موتها، إنها لا تذكره ولا تذكر أنها تزوجت حتى! تم حذفه من رأسها وهذا غير مقبول لديه!، ومازاد الوضع سوءا أنها وأثناء فترة علاجها كانت تستلطف الطبيب اليافع الذي يفحصها كل يوم وتتسامر معهُ، آدم كاد يجن ويفقد عقله بسبب رؤيتها مع الطبيب سعيدة، حاول بكل جهده أن يجعلها تحبه أو يبعدها عن هذا الطبيب لكنه فشل وهي اتخذته صديق فقط لأنها وبسبب حالتها إضطر أن يخبرها أنهما صديقان دراسة ولهذا يقف بجانبها ويساندها وهي لم تفكر به بغير طريقة، ستسألين هل ندم بسبب كذبته؟، لا بل كان يضرب رأسهُ في الحائط قهرًا بسبب مصداقيته، كان من المفترض أن يخبرها بأنه زوجها، حبيبها، خطيبها، أي شيء لكنه يظل يعود إلى نقطة البداية!، تعلقه بها كان أسوأ من تعلق طفل بوالدته.

همست بأسف: أنا أحزن عليه هذا الفتى إنه ليس محظوظا البتة.
عدل قولها بابتسامة مبتسرة وهو ينزل قدميه أرضًا وأصبح مقابلها: إنه ليس فتي بل رجل وصل لسن الثلاثين والحب جعل من قلبه يشيخ كـ عجوز تخطي التسعون.
ـ وأين هو الآن؟
ضحك وهو يتذكر ما فعل به وقال بسعادة: لقد قُمت بخطفه وأتيتُ به إلى هُنا.
قالت بذهول: حقا إنه هُنا؟

أومأ وهو يبتسم وقال بأسى: إن تركته بمصر لكان ارتكب جريمة أخرى وقتل ذلك الطبيب، فتشاجرت معهُ وأخبرته أنني سأغادر دون رجعة وفعلت وقمت بخطفة بعدها.
ضحكت وقالت براحة: هذا لطيف فأنا أحببته ولا أريد له الحزن واحتجاز نفسه بين طيات الماضي، إنهُ يستحق بداية جديدة.
أومأ موافقا وسألها وهو يحمل سترته مع معطفه ووضع وشاحه حول رقبته كي يُغادر: هل بقيت أسئلة سأغادر؟

أوقفته بابتسامةٍ بلهاء وهي ترفع كفيها أمامه كي يقف وسألت بإصرار متعجبة: لا لن تذهب اليوم لم أنتهي بعد والأسئلة مازالت كثيرة! فماذا حدث بجثة سامي؟ ومصطفى هل خرج من السجن؟ وجثة والدته هل استطاعوا معرفة أن آدم هو القاتل الحقيقى من بصماته؟ وجاسم كيف تقبل موت عشق ووالدته في آنٍ واحد؟ والأهم العقل المدبر حبيب أين هو؟ وخالة جـنّـة الهاربة؟ ورد فعلك عِندما علمت أن ريمة المسؤولة عن موت طفلك؟

قهقهة وهو يهدئها وترك الملابس من يده وجلس: تريثي تريثي سأخبرك، أولا خالة جـنّـة قدمت كل الأدلة التي جمعتها إلى الشرطة، وأصبح حبيب مطلوبا دوليا بسبب توريطة في بعض الأعمال المشبوهة وإجراء بعض الجراحات لتغيير الوجه وانتحال شخصيات مهمة دون أن يدري أحد، لقد أضحى هاربا يختبئ كالفئران دون أن يرى للشمس ضوء، لا يتحرك هُنا أو هُناك لأنه أصبح أشهر من مايكل جاكسون نفسه وسيتم القبض عليه في أي وقت يظهر. ، وحنان أصبحت تعيش معي أنا وغرام وريمة.

أما سامي فتم غلق القضية وتقيدها ضد مجهول، لأنني أخذت السكين التي تحمل بصمات عشق ونظفت الشقة قبل وصول الشرطة وذهبت، وجاسم لم يذكر عشق في أي شيء، فقط قال أنه أتي لزيارة إبن عمهُ وكسر الباب لأنه قلِق من عدم رده فوجده ميتاّ، وجيرانه رغم سماع صرخات عشق لم يتحدثوا لأنهُ كان كالهم يطبق على صدرهم بسبب مكوثه في العمارة وجلب العاهرات معهُ كل ليلة، فكان مصدر نجاسة ودنس من وجهة نظرهم وتم التخلص منهُ بظفر، لكن بعد تشريح الجثة إكتشفوا أنه تعاطي كثير من المخدرات وقلبه توقف رُبما تزامنا مع غرز السكين في عنقه، ففي الحالتين هو ميت.

أما مصطفي فأنا ذهبت إليه كي أطلب منهُ الإعتراف بقتل والدته وتبرئه آدم.
رفعت حاجبها ونعتته باستياء: أنت وقح وبارد!

امتقع وجهه وضم جبينه بتجهم وسألها باستنكار: وهل تظني أنني سأترك صديقي يدخل السجن حتى وإن استحق هذا؟ أعرف أنه لا يحق لبشر الحكم بالموت على أحدٍ لكنها استحقت الموت، ظلمت آدم كثيرًا وهو لم يحرك ساكنًا، دمرتهُ وحطمتهُ و ظل صامدًا، لكنه أكتفي وهذا أجلها وكان سينتهي بـ آدم أو بغيره!، لكن الغريب أنه وافق بسهولة بشرط أن آتي إليه بـ سالي المحتالة كي يتم تبرئته من المخدرات وأقوم بزجها بالسجن بجانبه ووافقت.

ـ والبصمات كيف تخطيتم هذا؟

ضحك وقال باحتقارٍ شديد: ذلك الطبيب المُزور القذر إنه لا يملك صفة واحده جيدة سوي أن لديه صداقات وعلاقات وطيدة ومن ضمن أصدقائه كان الطبيب الجنائي وتم تبديل البصمات بكل سهولة ويسر، وبحثت عن سالي ووجدتها فهي أغفلت الكثير وكالعادة تركت خلفها دليل ووجدتها من خلاله لكن لم أمسك بها أو أعيدها لسببين، الأول أن آدم رفض وأخبرني أنه سيكون من الهيِّن أن يظل داخل السجن لأن الطعام مجانا هناك وإن خرج وهو مفلس سيشحذ وهو لن يعطيه فلسا واحد، والسبب الثاني أنني رأيت الغدر في عينيه، وأخطأ عِندما أخبرني أن أجعلها تبرئه، فإن قامت بتبرئته من المخدرات فما دافعه كي يعترف على نفسه عوضا عن الفرار؟ هل يعشق شقيقة إلى هذه الدرجة كي يفديه! إنه غدار كوالدته ويستحق.

وريمة حسنًا هذا كان صعب ولم أتوقع لكنها فعلت هذا بدافع الخوف ظنت أنها ستخسرني إن علِمت أنها تذهب إلى جاسم فقامت بهذا الفعل كي تلهيها فقط، وأنا عاقبتها ولم أحادثها لشهرين متتابعين.
قالت ببعض الاستخفاف: وهل هذا يكفي؟

أومأ وهتف مؤكدا بحياد عقلاني: بالطبع يكفي، فعندما تأتيني كل يوم طوال الشهرين تطلب السماح وهي تبكِ من الندم فهذا يكفي، أنا لا أفضل العُنف الجسدي إنه يجعل من الشخص أكثر عصيانا، وأكثر عُنفا، وأكثر عِندًا دون فائدة، لكن الألم النفسي وقعه مدمر ويأتي بفائدة دائما.
توقف وابتلع ريقة بحلق جاف وقال وهو يمسد حلقه: لقد جف حلقي من كثرة الحديث أُريد مياه.

ابتسمت وتحركت إلى مكتبها تطلب مياة من مساعدتها في الخارج كي تأتي إليه بكوب مياه مُثلج، ليصدح صوت رنين هاتفه.
إبتسم وقام بالرد على شقيقته بحنان: خير يا وِش الخير؟
ضحكت ريمة برقة وهي تراقب غرام من خلف الزجاج وهي تلعب في الثلج في الخارج مع صديقها: أنت فين في حد جِه مخصوص عشان يشوفك.
ابتسم وسألها بمكر: واحدة ولا واحد؟

قلبت عيناها وقالت بسخرية وهي تلتفت تنظر إليها وهي تجلس على الأريكة مع حنان ترتشف معها مشروب دافئ: واحدة طبعا يا قُصيّ هو في حد بيعبرك غيرهم؟!
همهم وهو يأخذ المياة من الفتاة بابتسامة لطيفة ثم قال قبل أن يرتشف: عرفت عنواني منين وهل أنا أعرفها أو أنتِ تعرفيها؟ مين يابت؟!
ضحكت بصخب وهي تترنح في وقفتها قائلة بهدوء: لأ مشوفتهاش قبل كده بس أنت تعرفها أكيد يعني متتأخرش بقي بيدرو هنا بيلعب مع غرام.

ضم قبضته على الكوب بقوه هتف بسخط: أُم الواد الملزق اللي مش لاقي حد يلمه ده بكرهه ولو جيت لقيته هدفنه في التلج براحتك بقى.
أغلق الهاتف بضيق طغى على ملامحه فسألته الطبيبة بقلق: هل أتاك نبأ سيء؟
رد بمقتٍ شديد وهو يهز رأسهُ: لا بل ابنتي تلعب مع فتى أشقر لا أحبه ولا أحبه أشقر قبيح.

خيم الصمت لثوانٍ قليلة في الغرفة قبل يرمش وينظر إليها بطرف عينيه فوجدها تنظر إليه باقتضاب وحاجبيها مرتفعان بشدّة فهتف بابتسامة لطيفة متوترة: لم أقصد الإهانة أنا أحب النساء الشقراوات فقط وليس الرجال.
هتفت بنزق وهي تعود للجلوس أمامه: لا يُهم فأنت وقح ومن أول مقابلة أدركت هذا من طريقة حديثك لا تكترث أكمل.

وضع الكوب من يده وإرتدي سترته وفوقها المعطف وهو يتنهد وتابع: جاسم إختفي، لم أراه من ذلك اليوم، لكن المثير أن من أشهر إنتشرت صور تخص لوحات حزينة سوداء وأخرى غير مفهومة ومبهمة على مواقع التواصل الإجتماعي أثارت ضجة، وبعدها تم فتح معرض في كندي يضم تلك اللوحات، والمريب أن صاحب اللوحات كانت هويته مجهولة بناءا على طلبه هو، وريمة تهتم بالرسم وتحبه فطلبت أن تذهب لزيارته فلم أستطع أن أرفض! ذهبنا وإستمتعنا وفي آخر خمس دقائق فقط أبصرت ريمة لوحة جعلتها تصرخ أفزعتني وأفزعت الجميع، سألتها ما الخطب فقالت أن تلك اللوحة خاصة بجاسم رأتها عِندما ذهبت إليه، رسمها ورفض بيعها وإسم اللوحة ريمة تخص فتاة ريفيه رقيقة، أدركت وقتها أنهُ هو ويختبئ من البشر أجمع، يُعبر عن أحزانه عن طريق الرسم فهو عالمه، الشيء الوحيد الحقيقي في حياته، يرى أن الإختفاء والإنزواء بعيدا والرسم أهون من التعاطي مع بشر، لأنه في الحقيقة فقد حبيبته ووالدته، وسامي كان بمثابة شقيق فلم يبقي لديه أحد، أردت أن أخبره بطريقة غير مباشرة أن عشق حية لكنه أتقن الإختباء ولم أستطع تقديم أي أساعده.

تنفست الصعداء بقوة متأسية على حالته ثم سألت: تبقي صديقك الآخر وزوجته وإبنتها ماذا حل بهم؟
ضحك وتهللت أساريره بخلاف ملامحه المقتضبة وهو يتحدث عن الآخرين، وقال بسرور وهو يعود للتمدد بأريحية والبسمة تشرق وجهه: حسناً، تمنيت لو أخطف عمّار وأتي به هو الآخر لكنه سعيد مع عائلته وسيأتيه طفلا ويصبح أبا قريبا فلم أرد انتزاعه منهم لأنني أملك قلبًا رقيقًا.
ضحكت وقالت بإبتسامة سعيدة: إنه جذاب ويستحق هذا.

رفع كلا حاجبيه وهتف بنزقٍ: إنه يُحب زوجته بجنون لا تفكري.
سألته برغبةٍ شديدة وحماس: ألن تجعلني أقابلهم؟ أتوق لرؤيتهم جميعا حقًا.
قهقهة ونفي بقوله وتابع بعدها: لا لن أفعل، ونادين تلك القصيرة سعيدة تسافر هنا وهناك ولا تستقر في بلد أكثر من شهر.
ـ ألن تقابل رامي؟

ـ لقد حادثتها بشأنه يوم عقد قران عمّار لكنها رفضت فكرة الإرتباط وأخبرتني أنها صغيرة لتحمل تلك المسئولية وتفضل السفر عن الارتباط في هذا الوقت، رُبما بعد أن تكتفي فيما بعد تفكر!
ـ حسنا أخبرتني أن هناك سر بينكما؟

قهقهة وقال ببساطة وهو يتذكر ذلك اليوم: إنها تُريد أن تفتح حساب بإسم عمار وليلى على مواقع التواصل الاجتماعي كي ترفع عليه صورهما معًا بشكلٍ يومي دون أن يعرفان، وطلبت مساعدتي وتزويدها ببعض المعلومات عنهُ وصوره أيام دراسته وهو شاب، وهي تحادث ليلى وتأخذ منها صور تجمعها معًا بشكلٍ يومي، وفعلتها القصيرة وقامت بفتحها وتخطت النصف مليون متابع إلى الآن.

ضحك واستطرد بتسلية: فقط لا أستطيع تخيل شكل عمّار عِندما يري نفسه هو وليلى يا إلهي سيعلق نادين على باب منزله، إنه يغير عليها بجنون، لقد سألته عن حالها من باب الإطمئنان فقط فقام بشتمني وكدت أخسر أذني، فلو علم أن نصف مليون يشاهدون صورها وهُناك من يتغزل بها في التعليقات سيبحث عنهُ ويحرقه حيًا.
قهقهت بخفة وسألته: وهل والديهما هادئين وحياتهما خالية من المشاكل؟

تنهدت وهو ينتصب جالسا وقال بتفكير: لا أعرف هما هادئان إلى الآن، رُبما يضمران لهما الشر وربما لا!، لا أعرف، لكن عمّار من شهر تقريبا أخذ ليلي وسافر كي يقضيان شهر عسلٍ جديد وأخبرني أنه لن يعود من دون آسر سيجلبه معهُ هذا فقط.
ـ وأين عشق الآن؟
اختلج صدره وقال وهو يحك طرف حاجبه: إنها مع وليد أعرف البلد التي توجة إليها لكن لا أعرف مكانه تحديدًا.
سألته بتعجب: ألا تُريد أن تعرف؟
رد بجمود: لا.

عادت تسأل بذهول: ألا تريد رؤيتها؟
رد بجفاء: لا
سألت بسأم وهي تمسد جبينها: ألا تخاف أن تحب وليد؟
أضحكه قولها بشدّة حتى ظنت لوهلة أنها أخبرته شيء فكاهي وليس سؤال!
فهتف بشرود وهو يعقد جبينه: أظن أن عشق بعد الذي حدث معها أصبحت تكره جنس بني آدم أجمع وليس أنا فقط، لا أشك بتاتا في رغبتها في قتلي الآن.
طرفت بأهدابها وسألت بعدم فهم: هل هذا يعني أن قصتكم إنتهت هُنا؟
قال بجهل: رُبما نعم و رُبما لا.

تأففت وطفح الكيل بها وهتفت بانزعاجٍ شديد: أنا لا أفهمك ولا أفهم ما تريد؟!
مسح وجهه بكفه بعصبية ووتيرة أنفاسه ترتفع هادرا بانفعال: أظن أنني آخر شخص ترغب عشق في رؤيته الآن، يُجب أن أتركها لكي تتعافى من جراحها أولا، ولا أعرف إن كُنت سأعود إليها يوما ما أم لا!، فأنا سئمت النساء وأرغب في قضاء العشر سنوات القادمة من عمري دون نساء، فقط إبنتي وشقيقتي وأنتِ أيتها الطبيبة المثيرة.

أنهي قوله بإبتسامة عابثة وهو يراقص كلا حاجبيه لتضحك بخفة وتسأله بفضول: وماذا إن عادت كي تنتقم وتدمر حياتك كما فعلت أنت؟
أجابها بصدق وجدية وعيناه تسودان بقتامة: إن أرادت الإنتقام مني سأتركها تفعل ما تشاء بل وسأساعدها كي تشفي غليلها طالما الإنتقام متعلقًا بي، أما إن مسّت ابنتي أو شقيتي بسوء أقسم أنني سأجعلها تري الجحيم على الأرض، فلن يكون ما حدث معها نقطة فيما سأفعله بها.

عقدت يديها أمام صدرها وهي تتنهد بعمق وسألته وهي تخترق أعماقه بنظراتها المدققة: قُصيّ أنت تملك وجها آخر ربما الأسوأ على الإطلاق لكن لم يراه أحد صحيح؟
ابتسم بجانبيه وهتف ببرود وهو يقف: إقتربي من عائلتي وسترينه.
رفعت نظراتها إليه وسألته وهي ترمش: أنت؟ كيف أصبحت الآن؟
أجابها بإبتسامة لم تتخطى شفتيه وهو يدس يديه في معطفه: جيد كما ترين وسأعود إلى المنزل الآن فهناك ضيفة تنتظرني.

سار خطوتين لتستوقفه بسؤالها المتعجب وهي تقف خلفه: ألم تقل أنك سئمت النساء؟
استدار على عقبيه وهتف مؤكدا وهو يضيق عينيه بمكر، يرفع طرف شفتيه بجانبية ومقلتيه تشملها من أعلاها لأخمص قدميها: بالطبع سئمت لكن السئم لايذهب سوي بإمرأة أيضًا، رُبما تكون شقراء!
رفعت كلا حاجبيها وراقبت نظراته العابثة وإبتسامته اللعوب وهو يلتفت لتهمس بصوتٍ كان مُرتفع أسمعه: أنت حقير لعوب!

استدار بجسده بعد أن وضع يده على المقبض وصرح بثقة ووضوح: نعم وهذا سر انجذاب النساء لى..
تأففت وتقدمت من مكتبها متجاهلة إياه وهي تهز رأسها بيأس لتسمع صياحة من خلفها بنبرة متسلية: سأعتبره إطراء أيتها الشقراء، وتذكري أن بداية اللعنة دائما ما تتمثل في إمرأة.

وصل إلى المنزل بعد دقائق متحمسًا، يُريد معرفة هوية تلك الضيفة، صف السيارة أمام المنزل ودخل مهرولا وقدميه تصدر صوت إثر الثلج ليستوقفه الطفل ذات الخصلات الذهبية يضحك وهو يركض خلف غرام، عضّ قُصيّ على شفتيه سحقها سحقًا ثم ركض خلفه وركل مؤخرته أسقطه على وجهه في الثلج.
ركضت إليه غرام وساعدته في الوقوف وهي تتذمر بحزن: بابي متعملش كده في بيدرو!

غمغم قُصيّ وهو يراقبهما يقفان بجانب بعضهما البعض باقتضاب وتركهما ودخل إلى المنزل.
خلع حذائه وهو يتأفف من شدة البرودة وتقدم من غرفة الجلوس وهو يبتسم ليفغر فمه عِندما أبصرها تجلس وسطهم تبتسم في وجهه بلطف فتمتم بتفاجئ وعدم تصديق: بتهزري!
ضحكت بنعومة وركضت مندفعة إلى أحضانه بقوة، لتلتف يديه حولها وهو يضحك هاتفًا بسرور: وحشتيني.

البشر..
البشر لا يتوقفون عن الوقوع في الخطأ قط
والقصة لم تنتهي بعد
وهذه ليست النهاية
بل إنها البداية.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة