قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الأول

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الأول

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الأول

قبل إسبوعٍ من الآن..
في مدينة الأسكندرية..

تطايرت الستائر البيضاء الرقيقة بِقُوة أثر الرياح الشديدة التي هبت فجأة في المكان مع ضوء الشمس الدافئ الذي تسلّل من خلف النوافذ المفتوحة على مصراعيها أضاء الغُرفة الواسعة التي بِـ حجم ثلاث غُرف فارغة عدي من الأعمدة الخشبية المُعلق عليها جميع لوحاتهِ التي أنهي رسمِها بِـ إحترافية ودقة غير مُتناسي الحُب والسعادة من كُل قلبة فـ الرسم حياته وقد جعلهُ عملهُ لأنهُ لا يوجد مايُناسبهُ أكثر من الرسم سوى الرسم!.

انفرجت شفتاه عن ابتسامة هادئة عندما شارف عن إنهاء اللوحة الأخيرة الخاصة بِـ حبيبته وزوجتهِ وإبنه خالتهِ أجمل إمرأة رآها بِـ حياتهِ فهو محظوظ بها وبِوجودها معهُ يعشقها مُنذ ولادتِها ولا يتخيل حياتهِ من دونها قط فهي أسرته بفيروزتيها، عشق•~..

اليوم هو من المفترض أنهُ أهم يوم بِـ حياتهِ لأنهُ موعد إفتتاح معرض اللوحات الخاص به وبالطبع ستكون اللوحة التي تحمل وجهها الجميل هي ملكة جميع اللوحات فلا شيء يُضاهها جمالاً بالنسبةِ لهُ فهي الأجمل على الإطلاق كما يراها..

وقف عن المقعد الخشبي وهو يبتسم بِـ فخر و عينيهِ مُعلقة على اللوحة ثم مطّ جسده وهو يحرك منكبه العريض يتثائب لِـ ينسدل شعرة البُني الذي كان يعقده فـ أعاد لملمته كـ ذيل حُصان وسار في الغرفة حافي القدمين بِطوله الفارع عاري الصدر وبنطاله المُمزق المليء بالألوان المختلفة أثر الرسم..

باعد بين الستائر بيديهِ الصلبة المُتسخة بِـ ألوان قوس قزح السبع ووقف يُراقب السماء الصافية وهو يضع يديه بِـ جيب بنطاله أخذاً شهيقاً طويلاً من هذا الهواء النقي يملأ به رأتيه في هذا الوقت من الصباح الباكر تحديداً الآن في العاشرة صباحاً فـ أنقى هواء يُمكنك إستنشاقه هو في هذا الوقت بالتحديد قبل أن ينتشر الناس في الأرجاء..

عاد أمام اللوحة من جديد ووقف واضعاً يديه بـ خصرهِ ينظر لها بتركيز وهو يُضيق عينيهِ فـ هُناك شيئاً ناقصاً ولا يعلم ماهو!

تنهد و مُقلتيه تمر على اللوحة بدءًا من غُرتِها المُنسدلة على جبهتها إلي عينيها المُغلقة التي رسمها بِدقة جاعلاً من لون تبرجها الخوخي الذي يتذكره جيداً بارزاً مع أهدابها الطويلة وهي تنظر إلي الأسفل غير مُظهره عينيها الآسرة حتى تورد وجنتيها وشفتيها المُمتلئة و كتفيها العاريين من ذلك الفستان الأسود كُل شيء كان مُماثلاً لها تماماً مِثل هيئتها في ذلك اليوم، يوم عقد قِرانهما لكن هُناك ماهو ناقص بها ومُتأكد من هذا!.

قطب حاجبيه بانزعاج وأبعد تلك الخصلة المُزعجة إلي الخلف و مازال يُحملق في اللوحة بضيق حتى إبتسم عندما نظر إلي أنفها، بالطبع هذا هو قِرط أنفها الفضي الذي لا تتخلي عنهُ هو ماينقُص اللوحة..
جلس على المقعد و إلتقط الفُرشاة الخاصة به من بين الكثير منهم وبدأ برسم ذلك القِرط بدقة وهو يقف على ركبتيه ويكاد يُعانق اللوحة من كثرة قُربهِ منها...

إنتهى منها بعد نِصف ساعة تقريباً ثم سقط بِجانب المِقعد زافراً بِإرهاق وإستلقي قليلاً كي يُريح جسدهُ وغفي مكانهُ وهو يُردد بِنفسه أنهُ سيذهب إلي غرفتهِ سيذهب قبل أن يغفو حتى غفي! فهو مُنذ أمس يجلس أمام تِلك اللوحة حتى ينتهي منها وقد إنتهى حان وقت الراحة الآن قبل المساء..

فتح عينيه بتثاقل عندما شعر بِأنامل رقيقة تسير على صدره بِنعومة وحركات دائرية فابتسم بحنان وفتح عينيهِ أكثر يتأملها بِـ عشق فـ مالت وقبلت جبهته بحنان وهي تبتسم لِـ يرفع يده ودفنها بشعرها وطبع القُبلة خاصته على شفتيها وهو يُداعب شعرها بِأنامله بنعومة مُنغمساً في قُبلتهُ وهو يُحاوط خصرها باليد الأخرى رافضاً فصل القبلة وإلتقاط أنفاسه فهو يموت كي يحصل على مثل تِلك القُبلة من ثغرِها الصغير المُثير لأن والدتهُ لا تتركهُ معها فوق الخمس دقائق وحدهما بسبب عقد قرانهما تظن أن جاسم سيتهور قبل الزفاف الذي لا ترضي عشق أن يتم الآن مهما حاول معها ترفض ولا يعلم لما؟!

فصل القبلة وهو يلهث والإبتسامة لا تفارقه لتضرب صدره بغيظ وهي تنظر له بضيق جعل من ملامحها الناعمة أكثر طفوليه ورقة فـ ضحك بِصوت رنان وهو يُقرب رأسها لِـ تستقر علي صدرهُ وهتف بحنان بالغ وهو يُقبل جبهتها: بحبك، إبتسمت إبتسامة خادعة وأخذت تُربت على صدره بشرود ثم سألتهُ فجأة وهي ترفع رأسها له: إنت نايم وسط الكركبة دي ليه؟ نسيت المعرض؟

قهقهة وهو يُداعب خصلات شعرها وقال بهدوء: لأ منستش بس كُنت بريح نفسي شوية بسبب اللوحة اللي سهرتني طول الليل..
سألته باهتمام وفيروزتيها تتجول على اللوحات تبحث عن تِلك التي أتعبتهُ لكنها لم تجدها: فين اللوحة دي بقي؟
إبتسم وقرص وجنتها وقال بِحماس: دي مفاجأة هتشوفيها بليل جاهزة؟
أومأت بسعادة وقالت بابتسامة وهي تثني ساقيها و إعتدلت جالسة أمامه: طبعاً جاهزة وحضرت الفستان وكُل حاجة إنت هتلبس بدلة لونها إيه؟

تصنع التفكير قليلاً ثم قال وهو يهز كتفيه: سوده كالعادة هيكون لونها ايه يعني؟
تحمحمت ثم اقترحت عليه: بلاش أسود أنا فُستاني لونه إسود إيه رأيك في الأزرق بيبقي حلو في البِدل!
سألها بتعجب وهو يتوسد يديهِ ونظرهُ مُعلق عليها: المفروض نكون لابسين زي بعض وإنتِ فُستانك أسود ليه عايزاني ألبس أزرق؟!

ربتت على لِحيته الشائكه الغير مُنمقة وقالت بابتسامة وتعلم أنه سيفعل كما قالت قبل قليل: خلاص يا حبيبي براحتك إلبس اللي إنت عايزه أي حاجه عليك بتبقى حلوة أصلاً..
ضحك وهو يهز رأسه مُحدقا بالسقف فـ تِلك اللئيمة تعلم تأثيرها عليه جيداً وأنه سوف يُطيعها عاجلاً أم أجلاً هي فقط تتحدث وهو يُنفذ حتى إن لم يقتنع بما تقول ليتها فقط تفعل معه مثلما يفعل هو وتستمع لما يقول..

أخرجهُ من شرودة قولها بعبث وهي تُمرر يدها على ذقنهِ: مش هتقوم تحلق ذقنك وتظبط نفسك وتفطر عشان الوقت؟
أومأ وهو يبتسم: هقوم أهو هي الساعة كام؟
سألته وهي تبتسم: تخيل كده؟
صمت ونظر لها بتعجب وقال بتردد: ايه؟ بقينا بُكرة ولا ايه؟
ضحكت وهزت رأسها: لأ، لسه الساعة واحده
إنتصب جالساً لِـ يفهم الآن سبب أن عينيهِ مازالت تحرقهُ فهو من قلة النوم: يا قادرة حرام عليكِ هموت وأنام سبيني شوية!

هزت رأسها وهي تقطب حاجبيها: لأ، يلا قوم عشان تفطر وتفوق خالتو خلصت الأكل خلاص..
تنهد وسألها بِحزن: بردة مش عايزه تناديها بِـ ماما؟
تنهدت بِحزن مُماثِل وبررت له بِأسف: عارف إنه صعب عليا يا جاسم! خايفة أخسرها زي ماما خليها خالتو زي ما هي أحسن..
أومأ لها بتفهم ثم سألها بتردد: طيب مش ناوية توافقي عشان نعمل الفرح؟

زفرت وهي تبعد خصلاتها خلف أُذنها وقالت بضيق: جاسم إحنا إتكلمنا في الموضوع ده كتير وقولت نأجلها شوية إنت مستعجل ليه هو أنا هطير؟

تنهد وهو يُبلل شفيته السُفلية بطرف لِسانهِ وقال بِـ حُب: لأ مش هتطيري بس أنا عايزك تبقي جنبي وفي حضني مش كُل واحد في أوضة! أنا مش عارف ايه السبب اللي مخليكِ رافضة أوي وكده و مخوفك من الجواز بس كل اللي أعرفه إني أكيد مش هجبرك علي حاجة إنتِ مش عايزاها ولا مستعجل على حاجة أنا بس عايزك جنبي فيها مشكلة دي؟!
تنهدت وهزت رأسها وقالت بهدوء: لأ، مفيهاش مُشكلة بس أنا مش جاهزة!

ضحك بِسخرية وهو يهز رأسه ثم سألها باستنكار: وإنتِ من إمتي كُنتِ جاهزة ياعشق؟ قبل الخطوبة مكنتيش جاهزة وقبل كتب الكِتاب مكنتيش جاهزة و دلوقتي قبل الفرح مش جاهزة والفرح هيتعمل زيه زي الخطوبة وكتب الكتاب السؤال هنا بقي إنتِ مجبورة؟ بتعملي كُل ده غصب عنك؟ مش عايز اني؟ لو مش عايزاني قولي لكن متعلقنيش بيكِ أكتر، وترك الغرفة وغادر بِعصبية بسببها..

ضمت قبضتها بضيق وهي تقضم شفتيها بِقوة وعقلها المشوش لم يتوقف عن التفكير ووضع الافتراضات والتوقعات لما سوف يحدث لو تركتهُ وكثير من الأشياء التي تؤلم رأسها..
زفرت بضيق ثم تركت الغُرفة وهي تتأفف بسبب ضيقهُ منها فهو معهُ حق بِكل ما قالهُ..

أبعد شعره خلف أُذنه وهو يتناول الطعام لِـ تجده صرخ بها فجأة بـ عصبية لأول مرة وكأن المُناقشة لم تنتهي بعد: أنا مُرتبط بيكِ بقالي خمس سنين ونص ده غير إني إبن خالتك وعرفاني من قبلها كل ده و لسه معرفتنيش وخايفة تتجوزيني؟
تنهدت روحية والدته وهي تنظر له بعدم رضي ثم قالت بهدوء: تاني ياجاسم! إحنا مش قولنا تستحمل السنة ونص اللي فاضلين عشان جامعتها مش سهلة ومش هنخليها تخيب على الآخر صح ولا ايه؟

ترك ما بيده بـ عصبية مُضاعفة وقال بِحدة: ياريتها الجامعة أنا كُل ما أكلمها في الموضع آخر حاجة ممكن تفكر تقولها إني هعطلها عن الجامعة مش بتقول جامعة نهائي وده أصلاً مش عُذر أنا قولت إني مش هعطلها بأي شكل من الأشكال أبداً و انتوا مش مصدقين! في كتير بنات غيرها متجوزين ومن سنه أولي و عادي لكن إنتوا اللي مأڤورين الموضوع أوي كإني هحبسها و هقعدها جنبي! على العموم براحتك ودي آخر مرة هكلمك فى الموضوع ده هو والحجاب عشان انتِ مش طفلة!

هربت ضحكه خافته من بين شفتي والدتهُ لِـ تتحول لِـ عدة ضحكات رنانة شاركتها بها عشق وهي تنظر في طبقها دون أن تري تعابيره الحزينة التي تُحدق بهم ثم سألهم باستنكار: إنتوا بتضحكوا؟!
صمتت روحيه وقالت باعتذار: آسفة ياحبيبي بس إنت كُل مرة بتقول كده و يومين بالظبط وبتفتح الموضوع تاني!

رد بحزنٍ مُضاعف: عشان بحبها بعمل كده! ولو هي بتحبني مش هتتصرف بالطريقة دي! أنا أعرف إن أي واحدة بتحب واحد بتبقى عايزة تفضل معاه طول العمر و مستنية اليوم ده بِفارغ الصبر وبتتمناه مش زيك أنا مش شايف منك أي حاجة تدل على سعادة ولا حتي حماس! ترك الملعقة من يده ثم وقف وقال بهدوء: شبعت، و تركهم وغادر..

تنهدت روحية بِحزن وهي تهز رأسها ثم نظرت إلى عشق وقالت لها بأسف هي الأخرى: متزعليش منه ياحبيبتي إنتِ عارفة هو بيحبك أد إيه؟ أحكيله وقوليله ايه اللي مخوفك ومانعك من الموافقة وإنتِ عارفه مفيش حد أحن من جاسم عليكِ هيفهمك و هيسمعلك زي كُل مرة، هو بيحبك ومهما زعل هيروق لما تِكلميه، أومأت وهي تتنهد بتعب ثم قالت وهي تُمسد جبهتها: عارفه والله ياخالتو كُل اللي قولتيه مظبوط لكن إلا في الموضوعين دول بيبقي واحد تاني مش بيقبل النقاش و ردّه دايماً جاهزة ومُقنع ومش بعرف أعمل ايه معاه في الوقت ده فـ أروح متخانقة وأسيبه وأمشي عشان ينسى!

في القاهرة...
أطلقت تنهيدة حزينة من بين شفتيها الرقيقة وهي تنظر تجاه النافذة الخشبية المُتهالكة التي سوف تسقط فوق رأسها وهي تُصلي فروضها أسفلها يوماً ما! تضم ركبتيها إلى صدرها بصمت تُفكر بِحياتها ومستقبلها المجهول معرفتهُ..

طرقت الباب بِخفة ثم دلفت والدتها ذات الوجه البشوش الحنون التي تتحمل كل المُعاناه مع والدها وما يفعلة بها فقط من أجلها هي! تُفكر في اليوم الذي ستتزوج به كي لا ينظر لها زوجها بتلك النظرة المُتدنية لِـ كونها إبنه إمرأة مُطلقة بالتأكيد لن تسلم من كلماتهِ اللاذعة في حقها وهي لا ذنب لها بِكل هذا فلتتحمل قليلاً فقط فهي معقود قِرانها الآن على قُصيّ رشدان إبن عمِها وأوشكت على الزواج منهُ بقي القليل فقط..

جلست مُقابلها على طرف فِراشها القاسى وسألتها بحنان وهي تُربت على وجنتها: مش بتذاكري ليه يا حبيبتي؟
إبتسمت جـنّـة بنعومة رغم حُزنها العميق و قلبها المُحطم وإنكسارها وقلة حيلتها فهي أمام والدتها كيف لن تبتسم!
قالت بنعومة وهي تتحرك ثم عانقت والدتها مع قولها بخفوت: النهاردة أجازتي مفيش مُذاكرة.

إبتسمت والدتها وقبلت رأسها التي أراحتها على صدرها ثم قالت بتردد: قُصيّ برا وعايزك عشان هتروحي معاه حفلة زي ما بيقول!
رفعت رأسها ونظرت إلي والدتها بِـ تلك الفيروزتين الدامعة تتوسلها أن يتوقفوا عن فعل هذا بها لكن لا أحد يشعر..

هزت حنان رأسها بأسي ثم قالت بحزن وهي تكوب وجهها بين يديها: جـنّـة يا حبيبتي أنا عارفة إنك مش عايزاه ومش بتحبيه! صحيح أبوكِ مش بيهمه غير الفلوس عشان يستفاد من الجوازة دي بس أنا مش عايزه غير مصلحتك لازم تعيشي مِرتاحة وتحققي كل أحلامك وتلاقي حد يبقي في ضهرك مش حد يقطمه زي أبوكِ صدقيني قُصيّ مش أحسن واحد في الدنيا بس الأفضل ليكِ غيري نظرتك وفكرتك عنه وحبيه هتحبيه صدقيني هو مش وحش للدرجادي إنتِ اللي مش بتدي نفسك فرصة!

سقطت عِبراتها وهي تنظر إليها ثم قالت بحرقة: يا ماما سُمْعته وحشة ومش مُحترم هو صحيح في مميزات كتير بس مش ده اللي إتمنيته ده مش هيبقي زوج صالح ياماما ده فاسد وأكبر دليل علي كده إن بابا كل ما يتكلم يريميلة قرشين يسكِّته بيهم كإنها عضمه! ماما أنا بالنسباله واحدة شاريها مش هيعاملني أبداً على أساس إني غالية ومش بعيدة عليه يضربني لو سألته إنت رايح فين!، ثم سألتها بقلب مدمي وهي تشهق: هو ده بابا بجد! يعني أبويا الحقيقي مش جوزك؟

نظرت لها حنان بتعجب وسألتها باستنكار: ايه اللي بتقوليه ده؟
شهقت وهي تقول بتحشرج و صوت مبحوح: عشان دي مش مُعاملة آب لِـ بنته! ليه بيعاملني كده عملت ايه أنا عشان يكرهني بالطريقة دي؟ ليه عُمره ما قالي كلمة حلوة! ولا خدني في حضنه! حتى لما بنجح بحس إنه بيضايق ليه؟ ليه جوزني بالعافية وفرضة عليا ليه كُل ده أنا لو بنته بجد مش هيعمل معايا كده ليه حرام عليه!.

عانقتها والدتها بِقوة وهي تبكِ معها بأسي وأخذت تواسيها بحزن وهي تربت على شعرها البُنّي اللامع: ربنا يهديه يا حبيبتى إدعيله يمكن ربنا يسمع منك، ثم انتقلت بيدها إلى وجنتِها الناعمة وربتت عليها بحنان وتابعت: عشان كده بقولك إتجوزي قُصيّ لأن أي حاجة هتحصل معاكِ مش هتيجي حاجة قُدام أبوكِ وكلامة السّم يلا قومي قابلية وشوفي هتعملي ايه واديله فُرصه كل الناس بتتغير..
هزت رأسها وقالت بسخرية: إلا الرجالة!

لملمت شعرها الغزير الطويل كـ كعكة ثم أدخلت طرفها داخل عبائتها البيتية من الخلف العباءة التي لا تملك سواها هي و واحدة مُطابقة لها بلون مختلف فقط ثم إرتدت حِجابها وخرجت لهم مع والدتها..
وقف قُصيّ وصافحها بابتسامة مع سؤال عن حالها بِرقة: عاملة ايه يا جـنّـة؟

أومأت بصمت ولم تنبس ببنت شفة ثم جلست على الأريكة بجانب والدها لِـ تجده لكزها بِـ مِرفقة بِـ ذراعها بِقسوة ألمتها وزجرها بعنف: اتنيلي قومي اقعدي جنب جوزك قاعدة جنبى ليه؟، أومأت وهي تبلع غصتها قابضة على طرف عبائتها بِقوة ثم وقفت وجلست بجانب قُصيّ بهدوء وهي تحني رأسها دون التحدث تتحكم في رغبتها في البُكاء الآن..

قطع هذا الصمت قول قُصيّ باحترام مُصطنع يعلمهُ مسعود جيّداً: أنا جاي أخد جـنّـة معايا حفلة هتبدأ كمان كام ساعه هاخدها و هرجعها تاني بنفسي متقلقش ياعمي..
فكر مسعود قليلاً باقتضاب وظل صامتاً جعل قُصيّ يصك أسنانهِ بغضب فمن يظُن نفسهُ كي لا يُوافق؟ سيأخذها رغم أنفه!
سألهُ بتهديد وصل له: ايه ياعمي مش موافق ولا ايه؟
تحمحم مسعود وقال بوجوم: ماشي بس متأخرهاش الحفله دي فين؟

كذب بِكل هدوء: في التجمع مسافة السكة مفيش قلق..
أومأ بعدم رضى لِـ يرفع قُصيّ الحقيبة التي كان يضعها بِجانب قدمهِ ثم أخرج منها فستان من اللون الأسود ورفعة أمام جـنّـة وتحدث بابتسامة: ده جبتهولك عشان الحفلة ومعايا لون تاني أزرق تختاري منهم اللي يعجبك..
إلتمعت عيناها ببريق يعلمه جيداً بريق الإعجاب، لقد أعجبها فهو يعلم أنها تُحب اللون الأسود..

إبتسم قُصيّ وهو ينظُر إلي ملامحها النقية ونظراتِها المُتسائلة البريئة وحرك يده كي يضعه بين يديها وقبل أن يتحدث تحدث مسعود بتهكم: هتلبس الإسود ليه الحزينة على عُمرها خليها في الأزرق أحسن بلا قرف..
قلب قُصيّ عيناه بضيق وسألها ضارباً بِكلامه عرض الحائط: هتختارى ايه؟
قالت بِنبرة مُرتجفة وهي تبلع غصتها بِألم وقد امتلأت فيروزتيها بالعبرات: الأزرق زي ما قال بابا..

تنهد قُصيّ وأعاد بِرفق وهو يمسك راحة يدها بين يديه يُداعبها بإبهامة بخفة: الأهم رأيك إنتِ مليش دعوة بيه!
أومأت وهي تقضم شفتيها مانعة بكائها ثم قالت بثبات: الأزرق عجبني هلبس الأزرق..
أومأ قُصيّ بتفهم وهو ينظر إلى الفستان المُحتشم الأسود بِإحباط فهو كان يُريد أن يرتديانِ مثل بعضهم البعض أسود لكن لايُهم..
قال بهدوء وهو ينظر إلى ساعتهِ: ممكن تغيري وتجهزي عشان نلحق؟
سألته حنان بتعجب: مش قولت مش دلوقتي؟

إبتسم ورد بهدوء: إنتِ عارفة إنها مراتي وأنا راجل أعمال كبير وناس كتير عايزين يتعرفوا على مراتي لازم نروح بدري شويه ممكن؟
أومأت حنان وهي تبتسم ثم أخذت الفُستان وأوقفت جـنّـة وأخذتها إلى الداخل كي تتجهز..

بعد بعض الوقت..
خرجت عليه بطلتها الملائكية وهي تحني رأسها كـ عروس خجولة تقبض على يد والدتها بِقوة و إرتباك لا تُريد أن ينفرد بها وحدهما في أي مكان لكنهُ نجح بإخراجها معهُ مُجدداً فـ تِلك ليست المرة الاولى وتشُك أنه كان عاجزاً عن هذا سابقاً هو فقط لم يكن مُتفرغاً لها في الفترة الأخيرة لهذا تأخر تلك المرة..

تقدمت وهي تزدرد ريقها بِحلق جاف ثم رفعت رأسها لِـ يدق قلبهُ بعُنف داخل قفصهُ الصدري حسناً هو لم يتوقع كُل هذا القدر من الجمال فهي أميرة ولا يُجب أن تُعامل سوي على هذا الأساس!

لم يعلم أنها بذلك الجمال! رغم أنه مُدرك تمام الإدراك أن خلف ذلك الثوب الهفهاف الواسع جسد منحوت وقوام مُهلك لا يُقاوم ولن يكذب هذا ما يجعله يتشبث بها لتلك الدرجة كي يحصل عليها فـ الفتيات ذات الأخلاق الحميدة أصبحوا نادرين في تلك الأيام ولن يُفرط بها مهما حدث سيظل مُتمسكاً بها حتى النهاية..
وقف أمامها ولا يعلم لما الأجواء أصبحت حارة فجأة هكذا لما؟

تأملها عن قُرب ولا يعلم لما تلك الرغبة المُلحة التي أصبحت تضايقه في الفترة الأخيرة مُطالبة بـ رؤية شعرها الذي أخفته تحت حجابها الكريمي الذي ارتدته بأناقة ووضعت قليلاً من كُحل عيناها ومُملع وردي خفيف يكاد لا يُرى بسبب تورد شفتيها الطبيعي ووجنتيها الخوخيتين التي قرصتهم بيدها كي تزداد إحمراراً! تعلم أن هذه حماقة لكن هي ليست مثل جميع الفتيات بِـ طبيعة الحال! لا تملك أموال كي تشتري مُستحضرات التجميل الجيدة باهظة الثمن كـ الجميع في مثل سنِها فهي حُرِمت من كل شيء وبالكاد تذهب الجامعة بِـ شِجاراً كُل يوم مع والدها الذي لا يتركها تهنئ بحياتها!.

لكنها مؤمنه وقنوعة وتعلم أن الله سيعوضها عن كُل هذا قريباً فهي لا تتوقف عن التضرع له وطلب المُساعدة والعون والقوة منه..

رمش بِـ أهدابهِ عندما رآها ترمش ببطء ورقة وكأنها تُخبرهُ إن كان يستطيع فعل هذا بـ رقة مثلها أم لا؟ حملق بِـ فيروزتيها بتيه مُراقباً إهتزاز مُقلتيها بتوتر ويدها التي تعرقت من الخجل وتعجب لِهذا التطابق الذي يراه بهما هاتين الاثنتين وكأنهما توأم! وقع نظره على خط فكها الحاد كـ إحدى عارضات الأزياء ثم ذقنها الصغيرة وأنفها يا إلهي ينقُصها فقط قِرط كي تكون مِثلها تماماً..

لن يكذب فهو قابل عشق قبلها! لم يكن يعلم بوجودها من الأساس سوى صُدفة كريهة يتمنى أن تنمحي من ذاكرتهِ...

في عزاء والده تحديداً كان يجلس بكل هدوء لِـ يجد مسعود يأتي ركضاً بِـ ملابسة البالية المُتسخة يهتف بأعلى صوتٍ يملكة بِـ إبن أخي إبن أخي ! كاد يكلمهُ بسبب الإحراج الذي سببهُ له أمام زملائهِ المرموقين ويلقيه في الخارج لكنهُ تأكد أنه عمهُ حقاً وهذا لم يزِدهُ سوى مقتاً لهُ فـ نيتهِ السيئة بيّنه وحاجتهِ إلى الأموال نُقشت على جبينه!.

كان قُصيّ رافضاً دخولهِ حياتهُ في البداية لكنهُ عرض عليه جـنّـة أخبرهُ أنهُ يملك فتاة جميلة ستعجبهُ ؛ شك في بادئ الأمر لكنهُ صدقه في النهاية لأن والده حدثهُ عنهم من قبل لكنهُ لم يعبأ بهم! ولما سوف يعبأ بهم وهو لا يعرفهم من الأساس؟!
هو لم يُخطط لأي زواج، كان يُخطط للتقرب منها والتعرف عليها والتسلية قليلاً ثم يتركها مثلها مثل غيرها ولم يهتم بِـ عمهِ فهو من عرضها عليه والأموال ستعجلة يصمت!

في النهاية هو لم يملك أي نيّه صافية جيّدة اتجاهها لكن عندما رأها إحدي المرات أمام جامعتها وسار خلفها حتى المنزل عزم علي أن يتزوجها لِـ تكتمل مُفاجأتة عندما ذهب لهم رآها! لقد أصابهُ الذُهول وكاد أن يضحك ويخبرها أن تتوقف عن المُزاح وتلك الدراما الهزيلة لكنها لم تكن عشق لقد كانت جـنّـة!

لايعلم سبب تشبثه بِـ جـنّـة وعدم تخلية عن عشق لا يعلم يُريد الاثنتين ؛ لا يستطيع أن يحيي مع واحده دون الأخرى لِـ سبب يعجز عن فهمه ولا يُريد هو هكذا بِخير لا مُشكلة لديهِ بما يحدُث!
أخرجه من شروده صوت مسعود الساخر القاسي كـ قلبهِ تماماً: إيه يا إبن أخويا هتفضل ساكت كده كتير؟ قولتلك إتجوزوا أحسن!

نظر له قُصيّ وقال بابتسامة جعل قلبها يتوقف من الذعر: قُريب أوي هنعمل الفرح متقلقش يا عمي الباقي ليها في الجامعة تكمِلة معايا يلا بينا ياجنتي؟، ومد يده لها، نظرت لها بتردد لِـ بعض الوقت ثم رفعت نظرها له وهي تقطب حاجبيها غير مُتجاهلة إبتسامتهٍ التي لم تُريحها بتاتاً وذلك المكر الخفي الذي لم ينجح بِـ إخفائه وهو يتفحص وجهها نزولاً إلى جسدها فهي ترتدي تلك الملابس خصوصاً كي تحمي نفسها من أعين أمثالهِ الوقحة لِـ تجد نفسها تتزوج بِـ واحداً منهم يا إلهي هذا ليس عدلاً!

أخذت شهيقاً طويلاً ثم وضعت يدها بين يديهِ وذهبت معهُ وقلبها يرتجف من الخوف فهي لا تشعر معهُ بالأمان بتاتاً..
توقف بالسيارة داخل حي راقي وترجل وتركها وحدها لِـ تتعجب ثم راقبت سيرة من النافذة بتفكير لِـ تُلاحظ ملابسة العادية بالتأكيد سوف يُبدل ثيابة لكن لما لم يأخذها معه؟ أليست شقته وستكون شقتها هي الأخري؟!

هزت رأسها بضيق ثم أسندتها على النافذة وهي تقبض على الحقيبة اللامعة المتماشية مع ثوبها بِقوة مع قضم شفتيها بتفكير فهي لا تعرف كيفية التصرف معه ولا مع غيرة هي جاهلة بكل شيء عن الجنس الأخر!

غفيت محلها عندما شعرت بالنعاس بسبب إستيقاظها كُل يوم فجراً ولم تنتبه عليه عندما عاد وهو يرتدي حِلته السوداء الرسمية بأناقة لِـ تنتشر رائحة عِطرة الرُجولية الطيبة في السيارة وصلت إلي أنفها جعلتها تقطب حاجبيها بخفة وهي تهز رأسها لكنها لم تكن واعية..

في مجموعة شركات المنشاوي..
زفرت ليلي وهي تضع سماعة الهاتف على أُذنها تستمع إلى قول مساعدتها في الخارج: مدام ليلي مدير مجموعة الناجي وصل..

تنهدت وقالت بفظاظة: إتصرفي ومشية قولي إني مشيت من نُص ساعة والمرة الجاية يبعت المُساعد بتاعه أحسن مايتعب نفسه كده!، ثم أغلقت الهاتف وهي تتأفف من ذلك الثقيل الذي لايتركها لقد تقدم وطلب زواجها ورفضت لما كل يومين تجدهُ أمام المكتب يُريد الحديث بِـ حجة العمل المُشترك هل تنهيه معه إذاً كي يتوقف عن الإتيان إليها؟

إلتقطت هاتفها عندما وجدته يهتز لِـ تبتسم بحنان عندما وجدت المُتصل إبنتها فـ تحدثت بابتسامة حنونه: حبيبه مامي عاملة ايه؟
ابتسمت نادين بنعومة وتحدثت بنعاس: الحمدالله يا مُزة مستنياكي عشان إتأخرتي!
إعتدلت ليلي بِـ جلستها وسألتها بِسعادة: إنتِ رجعتي؟
أومأت نادين بِـ رأسها وهي تبتسم كأنها تراها ثم قالت: جيت الفجر وكنتي نايمه متتأخريش بقي عشان في ضيوف جاية!

دارت ليلي بالمقعد وهي تضع ساق فوق الأخري وسألتها بِـ ضيق: مين؟
صمتت نادين قليلاً ثم قالت بتردد: عمّار يا مامي كلمتك عنه وهو جي يقابلك النهاردة..
مسدت ليلي جبهتها وهي تزفر بعدم رضي لِـ تتحدث نادين بحزن: مامي عارفة إنك مش عايزة تجوزيني أي حد بس عمّار مش أي حد ومُتأكده إنه هيعجبك إنتِ وعدتيني انك هتقابليه و تديله فُرصة وهو جاي النهاردة!

تنهدت ليلى وقالت لها بِـ قلة حيلة كي لا تحزِنها: حاضر يا حبيبتي هقابله بس عشانك أنا بَكْره الصعايدة وإنتِ عارفة وهفضل أكرههم وده مش هيتغير يلا باي باي أشوفك في البيت..

ردت بِـ إحباط إستشعرته ليلى: باي باي، كادت تغلق لكن قول ليلى بحنان أوقفها: بحبك، أبتسمت بسعادة وقالت بِـ رقة: وأنا بموت فيكِ يا مُزة متتأخريش وهاتي آكل أنا جعانة وهستناكي، ثم أغلقت الهاتف كي لاتعترض عن الأكل الجاهز من الخارج لأنه مُضر وهي لاتتوقف عن طلبه أثناء غيابها..

تنهدت وأخذت حقيبتها مع الهاتف ثم أرتدت نظارتها الشمسية وتركت العمل كي لا تتأخر عليها لأنها تُريد التسوق وشراء بعض الفساتين الرقيقة من أجلها هي وفتاتها ثم الطعام و إلى المنزل مُباشرةً..
ترجلت من المصعد وهي تبتسم بهدوء إلى العاملين لديها، فتحت باب السيارة بهدوء لِـ تجد يد خشنة أغلقتها فـ رفعت نظرها بضيق لِـ تجده يقف أمامها يبتسم بهدوء ثم سألها بِـ رقة: عامله ايه يا ليلى..

تطاير شعرها أثر الهواء فـ أبعدته خلف أُذنها وهي تزفر ثم قالت على مضض: الحمد الله ياسعيد كويسة..
أومأ وهو يبتسم ثم قال بِنبرة حنونة: يارب دايماً يا ليلى، وإلتفت لِـ يغادر لكنها تحدثت بأسف وإحراج عندما رأت طريقتهُ الجيّد معها عكس ما تفعل هي جعلته يتوقف: آسفة عشان خليت السكرتيرة تكذب عليك وتقول إني مش موجوده..

إبتسم وتحدث بهدوء وهو ينظر إلى عينيها الناعسة مُباشرةً المختبئة خلف النظارة وكأنهُ يراها: ولا يهمك، على العموم هي كان عندها حق مش هتعب نفسي تاني وهبعت المُساعد بتاعي، مع السلامة، وتركها نادمة وغادر..

أدارت مفتاح السيارة وهي تتنهد بضيق فهو جيّد معها وهي السيّئة معهُ، يبدو من ملامحهُ أنه يُحبها حقاً لكنها آسفة لا تُحبه ولا تُريد الزواج من جديد! هي حتي لا تعلم ماذا يفعل المتزوجين كي تتزوج بسبب تقدمه لها بتلك السهولة!
تحدثت الفتاة التي تُدِير متجر الملابس الراقية: أهلاً وسهلاً ليلي هانم شرفتينا المكان نور..
إبتسمت ليلى بِـ رقة وهي تومئ: ميرسي، أنا محتاجة كام فستان كده..

أومأت لها وهتفت بإحدي الفتيات العاملات كي تأخذها إلي محل ما تُريد..
هتفت الفتاة باحترام: إتفضلي يا ليلى هانم، أومأت وذهبت معها لِـ يتحرك وهو يحدق بِـ قوامها الممشوق قائلاً إلى صديقة بِـ مكر: تعالى نشوف ليلي هانم دي مين؟.
أمسك آدم ذراعة وقال بضيق: أقف يا عم ليلى ايه دلوقتي و إنت جاي بالجلابية كده!

رفع عمّار حاجبيهِ وقال وهو يحرك منكبه العريض بِـ ثقة واضعاً إبهامه بِـ فتحه جلبابه من على الصدر: مالها الجلابية؟ بتتريق على الزي الرسمي بتاعي؟
تنهد آدم وقال له بسخرية: ماهو مش لازم تلف بيه في القاهرة وفي مكان زي ده كمان هيبصولك بصّات مش تمام..

شخر بِسخريه وهتف بتهكم: ليه قالع ملط ولا لابـ، وتوقف عندما مرت من جانبهِ عاملة وهتفت بفظاظة: لو سمحت وسع ولو مش هتشترى أخرج بدل ما إنت عامل زي الهجمة وسادد الطريق كده؟

رفع حاجبيه وهتف بضيق: وإنتِ مالك يابت إنتِ؟، رمقته بِـ بنظرة مُحتقرة من أعلاه لأخمص قدمية وكأنها تقف مع كُتلة قمامة ثم تركتهُ وغادرت فـ جذبها من ملابسه، لِـ تصرخ بذعر عندما حاوط منكبها من الأمام وأخرج مسدسه من جيب جلابيته التي لا تعجبهم ووضعه على جانب جبهتها وسألها بتهكم: بتبصيلي كده ليه يابت إنتِ إنتِ عبيطة ولا مستغنية عن روحك؟

لعنة آدم ثم أمسك يده وهو يُحاول إبعاده عنها: بطل جنان وسبها يا عمّار الأمن جيلك دلوقتي..
قهقه بسخرية وهتف بِحماس وهو يحدق بِـ بقية الفتيات صديقاتها المجتمعين حولهُ بخوف: أهلاً وسهلاً يتفضلوا و اللي هيعرف يخرجني يفرجني.

زفر آدم بنفاذ صبر وصرخ به: عمّار إنت مش في الصعيد هنا ورجالتك هتجيلك سيب البتاع ده؟، ثم إعتذر إلي الفتاة التي كانت تبكِ بخوف وهي على وشك فقدان الوعي وجسدها ينتفض بين يديه: متخافيش ده كان بيمثل دور صعيدي في مسرحية و إندمج بس ده مفيهوش رُصاص متخافيش!
هتف عمّار بسخرية وهو ينظر له: والبطلة كانت أمك صح؟
تأفف آدم وهدده بضيق: لو مبطلتش اللي بتعمله ده الله همشي..

أغمض عمُار خضراوية بنفاذ صبر وهو يهز رأسه للجانبين مطرقعاً عظامة جعلها تخافه أكثر وهي تنتحب فابتسم وهمس بأذنها بعد أن أنزل المسدس: يلا تعالي عشان إنتِ اللي هتساعديني في اللبس!
توقفت وقالت بِنبرة مُرتجفة و مازالت تشهق: يـ، يـ، ـنفع واحده غيري؟
قهقه بصوت مُرتفع خشِن بث الرُعب بداخلها أكثر ثم نظر إلى صديقاتها وسألهم بنبرة مستفهمة بِـ غرور وكأنه مالك المكان: حد هيساعدني؟

إبتعدوا خطوة إلي الخلف بتردد لِـ يزداد ضحكاً ثم حاوط كتفها وسار معها إلى الداخل وهو يرفع جلبابه بيده الأخرى مُبرزاً بنطالة الأبيض الصوف بِـ ثقة وكأنه أحدث صيحات الموضة هُنا..

قطبت حاجبيها وهي تخلع الفستان الذي كانت تقيسه عندما سمعت تلك الضجة والصوت المرتفع في الخارج فـ تحركت ووقفت خلف السِتارة العازلة وحدثت العاملة باستفهام وهي تمسك طرفها من جانبٍ واحد فقط غير مُنتبه إلي الجانب الآخر الذي أظهر جسدها من الخلف لمن يدلف إلى هذه الغرفة: هو في ايه؟

قالت إحدي الفتيات بخفوت وهي تتلفت حولها: ده واحد صعيدي همجي متجنن برة وطلع المسدس وكـ، وصمتت عندما لمحته يدلف فـ وقفت باستقامة ونظرت أمامها وهي تحمحم وكأنها رأت المُدير، لِـ تهز ليلى رأسها بِـ ملامح مُقتضبة فهي تكرههم بِـ شده..

ذهبت الفتاة تجاه البِذات الرسمية فـ تحرك خلفها لكنه توقف عندما لمح ذلك الجسد الحليبي الظاهر أمامه بكل حرية وهو ليس ملاكاً لن يبعد نظره عنها وملابسها الداخلية الوردية تظهر له على ذلك الجسد بتلك الطريقة!، أخذته قدمهُ إلى هُناك وهو يبتسم بِـ عبث...

شهقت بِـ خضة وهي تخفي جسدها عندما سمعت تلك النبرة الخافتة الممزوجة بالمكر وكأنه همس لِـ تسمعهُ هي وحدها بصيغة السؤال: ايه يا ملبِّن هو الجاموس الأبيض وصل هنا إمتي؟
اختبأت تخفي جسدها وهي تحوطة بقوة تلعنهُ وهي تتنفس بعنف ثم همست بغضب: إنت اللي جاموسة يا جلنف..
=: لو سمحت مِن هُنا ده مكان السيدات!
إبتسم عمّار وهو يُحدق بغرفة القياس بتركيز ثم قال إلى الفتاة: إستني مراتي جوا!

نظرت له بتعجب وقالت بنفي: لا حضرتك غلطان دي مش مراتك! حتي لو هي لازم تفضل هنا إتفضل لو سمحت..
كاد يرفض لكن آدم تقدم وأخذه من يده كـ الأطفال وهو يقول بِنفاذ صبر: خلص هو انا مش ورايا غيرك؟، ثم تركة وانتقى له حِلة رسمية سوداء وألقاها بِـ وجهه و هتف بضيق: خلص أدخل إلبس ولو عايز تقول حاجة قولها وإنت جوا يلا..

سأله آدم بِـ ضيق عندما ألقي عليه ملابسة من الداخل: طالما إنت عارف إنك جي تتنيل هتقابل ناس جيت باللبس ده ليه؟
رد قائلاً بٍـ قلة حيلة: الحج متولي ياعم كان ماسك فيا لأخر لحظة عشان كان في مشكلة وكان عندنا صُلح وزي ما إنت عارف أنا الوريث كان لازم أتقدر جنبه لحد ما يخلص وبعدين أمشي ومكنش في وقت للكلام ده!

تنهد آدم وقال بكل صراحة: طيب متعملش كده تاني وتعالي بهدوم زي الناس! إحنا هنا بنستحقاركم وبقولهالك واضحة وصريحة!
قهقه عمّار بسخرية وسأله: ليه إن شاء الله عملنا بيبي في الأرض زحلقناكم ولا ايه؟
زفر آدم وهتف بإزدراء: الله يقرفك ياشيخ إنت ولسانك الزفر ده؟ إنت مينفعش معاك غير قُصيّ بتتكيفوا مع بعض أشكال
ضحك عمّار وقال عافياً عنهُ من لِسانه اللاذع: مش هجرحك عشان إنت حساس بس قولي حضراتكم بِـ تستحقرونا ليه؟

قال آدم بامتعاض: عشان واخدين نُص البلد والحكومة النُص التاني و إحنا نصقف هنا!
ضحك عمّار وهو يخرج ثم توقف أمام المرآة يُطالع هيئته ؛ فإن الفتاة معها حق هو كـ الهجمة! مشط شاربه الكثيف بذلك المشط الصغير الذي أخرجة من جيب صدريته جعل آدم يضحك وهو يُراقبه حتى إنتقل ومشط ذقنه الكثيفة بتركيز..

رفع عمّار حاجبه الأيمن المُنقسم تاركاً فراغات خالية من الشعر بسبب إصابته به مرة عندما تهور وتشاجر مع أحدهم! فتح أزرار قميصه الأمامية وهو يُحرك يدهُ ببطء بسبب القميص الذي يكاد يتمزق أثر التصاقه على عضلات صدره الصلبة بشدة وعروق يديهِ البارزة بطريقة ملفتة للنظر حتى من خارج القميص!.
تحسر آدم وهو يُراقبه ثم نظر إلى نفسهِ وقال بحزن: إنت عملتهم كده إزاي يا عمّار حرام عليك..

قهقه عمّار وهو يرتدي السترة وتفحص آدم بِـ خصراوية وهو يضحك ثم قال بفظاظة: كده حلو ماشي معاك يا فرفور سِبنا إحنا مش بتكرهونا عايز تعرف ليه؟ لأ و بتقولوا نكت علينا كمان! ده من قهرتكم مننا يا شحاتين..
عانقة آدم بقوة: أنا مش بكرهك إنت صاحبي بحبك..
دفعه عمّار عنه بضجر وقال بسخط: القميص هيتفرتك متخلنيش أتحرك كتير وأسكت..

ضحك آدم وهو يتفحصه عندما إنتهى مُراقباً تلك الجاذبية القاتلة التي لا يُنافسهُ أحداً عليها فـ ذراعه بحجم فخذ آدم النحيل، حتى شعره الذي يرفعه للأعلى دوماً جميل، ففي أغلب الأوقات يتناسى جميع من يعرفهُ كونهُ صعيدي بسبب لهجتهِ العادية مثلهم وتصرفاته بِلباقة خلافاً لبعضهم..

هو تربي في القاهرة تقريباً لأن والدته من هُنا وقد وقعت بفخ والده الذي أحبتهُ بالصدفة وهو فعل المثل وتزوج بها لِـ ينجب ذلك الـ عمّار الذي أخذ جمال والدته وشخصية والده..

لكنها لم توافق علي جعله يتعلم هُناك أو يختلط بهم كثيراً كي لا يمتلك نفس تلك الرأس اليابسة منهم ومع هذا وبالرغم وجوده وتعملة هُنا إلى أن الدم الذي يسري في عروقه دم صعيدي حار وتلك الرأس المتفتحة هُنا تنغلق عندما يضع قدمة هُناك بمنزله، ولهجته التي يراها معوجة هُنا تعتدل هُناك أيضاً وتلك الملابس المُعاصرة تتحول إلى ملابسه الرسمية هُناك، وهي عباءته والأقرب إلى قلبه، عمّار هو ذلك الشخص الذي تربى على أخذ كل ما يريد ومهما كان صعباً، شخصيته حادة ولا يستمع لأحد! سوف يجعلك تظن أنه اقتنع بحديثك ثم يفعل ما يُريد وكأنه يُخبرك بطريقة غير مباشرة أن تضع رأيك بمكانه ولا تتحدث معه من جديد، رجولي، رجولي، رجولي بطريقة بحتة، جسده يضخ رجولة دون أدنى شك! رؤيته تثير نفس من تراه من النساء فمن تراه مرة لن تنساه أبداً! لديه جاذبية عند سيره تستطيع قتل قلوب العذاري..

ثقيل ثقيل ثقيل لا يتحدث مع أحد بِـ راحة سوى مع القليل فقط ولا يُسلم وخاصتاً إلى إمرأة رُبما لا ينظر لهم بتدني لكنه لا ينظر لهم أيضاً و يسيل لُعابة عليهم وكأنه رأى حلوي! لا، لا يستسلم بسهولة وخصوصاً أمام ملذاتهِ رُبما ينظر ثم يتواقح لكن لا يتعدي هذا لأنه يظن أنهم لا يستحقون أكثر من هذا! هو ليس سهلاً بتاتاً ولن يكون..

ماكر، ماكر، ماكر، هو من يمتص العالم المكر منه وكأنه إبن الثعلب نفسه لا لا بل والد الثعلب! متهور ولا يُفكر عندما يتخذ قرار حتى لو خطأ هو شخصية لن تفهمها رغم كل هذا!

تنهد وأخذ زجاجة عِطر بعد أن قرأ إسمها أولاً يتأكد من تلك الماركة التي لا يستخدم غيرها وأغرق بها جسدة ثم وضع قليلاً على راحة يده وقام بتمريرها على ذقنه وشاربه بيده الصلبة ذات العروق البارزة دوماً وقال لِـ آدم الذي ينظر له باستفهام: ده عشان البوس بس..
قهقه آدم وسأله: هتبوس مين النهاردة؟

هز كتفيه بِـ قلة حيلة وقال: مش عارف أهو الاحتياط واجب وكمان هقابل نادين النهاردة عشان نتفق وأخلص من الحوار ده عشان أبويا هياكل دماغي عايزك تخلف عايزك تخلف عايز اشوف ولادك!.
نظر له آدم بعدم فهم وسأله باستنكار: يعني إنت مش بتحب نادين؟

قوس شفتيه مُفكراً قليلاً وهو يقطب حاجببه لِـ يبرز عِرق جبهته من الجانب وهو يقول: مش بحبها ومش بكرهها ممكن أكون أُعجبت بيها لما شوفتها في شرم ولما اتكلمت معاها ولقيت عندها أستعداد طلبتها ووافقت وهقابل أمها النهاردة بس
تنهد آدم وسأله عندما جلس يرتدي حذائه اللامع: طيب وهى هتتحمل؟
قطب عمّار حاجبيه ثم رفع رأسه وسأله بأعين تقدح مكراً: تتحمل ايه بالظبط؟

لكم آدم كتفه بقوة وهتف بغيظ: مش قصدي اللي في دماغك يا أوسخ خلق الله! قصدي إنكم بتحبوا العزوه وكل شوية عيل عيل عيل والبنات هنا مش حِمل كده تلاقيها بتفطر كورن فليكس و تتعشى إندومي هتعمل معاك ايه!
هز رأسه وقال بلا مُبالاه: هي اللي وافقت عليا وبعدين انا مش هخلف غير من اللي هحبها بس لكن أي حاجة ثانية شكليات!

فعاد يسأله بعدم فهم: طالما كده هتتجوزها ليه؟ أستني لما تحب واتجوز مش تلعب بِـ بنات الناس وخلاص وخصوصاً دي أنا شوفتها مرة في صورة وشكلها رقيقة جداً ومش وش بهدلة فكر قبل ما تروح يا عمّار..

زفر وقال له بضيق: إيه الفيلم ده؟ أنا كنت لسه هقولك إفرض حبيتها هي خلاص كل حاجة هتنتهي مش لازم أقرب عشان أعرف أتعامل؟ وبعدين مين قلك إني هحب يعني ده كلام بريح بيه الزبون لما أحب أخلف أتجوز كده لكن لو عليا أنا مش عايز أشوف سِحنتهم النحس أصلاً! بس بيني وبينك هي مش وحشة شغال يعني وياريت كتب كتاب عشان اخد راحتي يا الله!

هز آدم رأسه بيأس فهو لايفكر سوى بكل شيء وقح مثله ثم قال: يلا طيب عشان أجيب تالين من الجامعة إتأخرت عليها..
أومأ ووقف ثم أعاد زجاجة العطر محلها فاستوقفة سؤال آدم المتعجب: ايه ده انت مش هتاخدها؟
هز رأسه نفياً وتركه وتقدم مع قوله بسخرية: مش إحنا لينا نُص البلد؟ دي من النص بتاعي أخدها وأدفع ليه؟
زفر آدم ودهس ملابسة الملقية أرضاً بغضب كـ الأطفال وتقدم هو وأخذها ثم سبقه إلى الخارج..

توقف كي يدفع الحساب لِـ يمتلئ المكان بِـ رائحته الطيبة مع تقدم ليلى كي تفعل المثل أيضاً..
إبتسم بعبث عندما وجد الفتاة نفسها تقف تنتظره كي يدفع ؛ نظرت له بتعجب ولم تتعرف عليه سوى عندما سمعت صوت ضحكته الخشِنة وهو يضع أمامها الوريقات المالية مع قوله: الحساب وخلي الباقي عشانك هتيلك بيه أرواح، وتركها وغادر وهو يضحك..

قبضت على الأموال بِعنف و اكفهر وجهها من الغضب لِـ تسألها ليلى بتعجب عندما لاحظت شرودها: مالك سرحانه في ايه؟
تنهدت وقالت بسخط: في اللوح اللي لسه ماشي إلهي يُقع يارب..

ضحكت ليلى وهي تعطيها بطاقتها الإئتمانية ثم أخذتها وغادرت بعد بعض الوقت وقامت بشراء طعام سريع مثلما طلبت قطتها الصغيرة ثم توقفت أمام إحدي المتاجر وجلبت لها بعض المقرمشات وبعض المياه الغازية لِـ يقم البائع بإعطائها بعض السكاكر بطعم النعناع بما تبقى لِـ تبتسم له ثم تركته وغادرت..

أخرجت مفتاح السيارة ووقفت أمام الباب من جهة الطريق وهي تنحني كي تفتحها بعدم تركيز بسبب إنشغال قبضتها الأخري بكل تلك الحقائب..
كان يقود سيارة الدفع الرُباعي خاصته السوداء وهو يحدق في المرآة الخارجية من خلف نظارته الشمسية بتركيز لِـ يبتسم بعبث ثم رفع قدمة قليلاً عن المكابح لِـ يسير ببطء جعل آدم يتعجب ثم سأله: إنت ماشى براحة ليه؟ وبتنفخ ايدك ليه؟ بردان؟

ضحك عمّار ورفع نظارته فوق رأسه ثم قال بِنبرة ذات مغزى وهو يُراقب ذلك الجسد الممتلئ من المرآة ثم أخرج رأسهُ وذراعهُ وهو يُضيق عينيهِ بـ مكر..
صرخت بألم ممزوج بتفاجئ وهي تسقط الحقائب من يدها ووضعتها على فمها بأعين جاحظة عندما شعرت بتلك الصفعة التي هويت على مؤخرتها كـ سوط قاسي شلّ حركتها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة