قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل السادس عشر

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل السادس عشر

تائهة في دوائر الحياة لا أعلم أين مستقري، ولا ماذا أريد؟
تعلقت بقلب نقي وظننته مرساتي، ثم جرحته بكل قسوة.
تعلقت بطوق المادة وظننته مرساتي؛ فانكسر وهويت منه بقلب محطم، وواقع أليم، وهو الحرمان.
الأن هل ما أشعر به حقيقة، أم أنه من واقع ضعفي؟!
متى، وكيف تملكني حبك؟!

لما مجرد ابتسامة تكون مُسْكِرة، تنقلني من واقعي لعالم الأحلام؟
لكن هذا ليس من حقي فقلبك ملك لأقربهم لقلبي.
ابتعد لا أريد أن أَجرح، أو أُجرح مرة أخرى فقط أريد أن أُلملِم شتات نفسي وأجد مرساتي.

خرجت من غرفتها وألقت التحيه عليهم، ونظرت لهم، صدمت من وجوده أمامها بابتسامته الجذابه التي اكتشفت انها اشتاقت لرؤيتها؛ لا تعلم ما هذا الشعور الذي انتابها هل المسكن مفعوله قد نفذ بهذه السرعة لتعود لها رعشة جسدها؟ أم نظرة عينيه لها هى من قامت بهذا الدور؟!

وقفت ليلى واقتربت منها بابتسامه واسعة، وعلامات التعجب تزين ملامحها أيضاً؛ عندما لاحظت نظراتها ل كريم الذي يقف هو الأخر عيناه تلمع ببريق لم تراه من قبل، وينظر لها باشتياق وكأن بينهم قصة من قصص الحب الأسطورية.
ليلى بابتسامة: إيه يا نوئة هتفضلي واقفة مش هتسلمي؟
ثم احتضنها وهى تردد ألف سلامة عليكي حبيبتي.

ابعدت حسناء نظراتها عنه، واشتعلت وجنتيها من شدة الخجل وهتفت بصوت هامس، ومرتعش: الله يسلمك اتفضلوا
أدرك كريم نفسه هو الأخر، وأبعد نظراته الملتهمة لها، وجلس بهدوء وهو يردد: ألف سلامة عليكي أنسة حسناء.
لم ترفع نظرها له، وظلت ناظرة للأسف وردت: الله يسلم حضرتك يا دكتور، الحمد لله على سلامتك، مصدقتش نفسي لما عرفت إنك بخير الحمد لله.

ابتسم وهتف بصوت هادئ: اه ليلى قالتلي انك افتكرتي إني مت.
رفعت نظرها وهتفت مسرعة: بعد الشر، ثم تداركت نفسها وقالت أقصد الحمد لله انك بخير.
كل هذا كان يحدث تحت نظرات حلمي المتعجبة، والمتفحصة أيضاً لما يدور أمامه، كأنهم لا يدرون بمن حولهم فهتف مقاطعاً لهم بضيق: مش تعرفينا يا حسناء، ولا هتفضلوا تجاملوا في بعض قدامي بدون ما أفهم؟

نظرت لوالدها بإحراج شديد، وقبل أن تتحدث تدخلت ليلى لإنقاذ الموقف: أسفه يا عمي أصل الحكاية أنا دكتورة ليلى اللي حسناء وقعت قدام عربيتي، وده كريم أخويا، وبالصدفة هو دكتور عند حسناء في الكلية، ابنه ساجد والدته متوفية وكان معايا في النادي لما حسناء قابلتني، ووقع في البسين ولولا ستر ربنا، ثم إنقاذ حسناء ليه كان زمانه غرق.
كريم صمم يجي بنفسه يشكرها على إنقاذ حياة ابنه.

هز رأسه بتفهم وهتف: تنوروا في أي وقت يابنتي ومن غير سبب بس استغربت من مقابلتهم وكأنهم يعرفوا بعض، وانتي كده وضحتيلي.
ثم نظر لكريم وقال: مفيش شكر يابني أي حد مكان حسناء كان هيعمل كده، بس إيه حكاية انك مت دي بعد الشر عنك ربنا يحفظك؟

كريم بابتسامة هادئة: شكراً لذوق حضرتك وتفهمك يا عمي، اما حكاية موتي أصل كنت عملت حادث قدام الجامعة، وانتقلت المشفى وبعدها خدت إجازه من الجامعة مرحتش تاني من وقتها، وسافرت ألمانيا لظروف كده وكمان أكمل علاج هناك؛ فالظاهر ان حسناء فسرت ده غلط مش أكتر.
دلفت زينب بتحية الضيوف، ورحبت بهم مرة أخرى وظل كريم مع حلمي، وحسناء مع ليلى، وزينب يتبادلوا أطراف الحديث العامه ثم تذكرت حسناء ساجد فسألت ليلى عن سبب عدم وجوده معهم.

حسناء بلهفه: امال فين ساجد مجاش معاكم ليه ااا أقصد يعني هو وجوري مش قولتي هتجبهم؟
نظرت ليلى لكريم واشارت عليه بيدها وقالت: كريم يا ستي مرضيش هو لسه راجع من السفر النهارده لما حكيت ليه اللي حصل قطع إجازته وجه، ولما عرف انك تعبتي بسبب اللي حصل صمم نيجي، ومنجبش الولاد علشان ميعملوش ازعاج ليكي.

نظرت له بلوم وهتفت: يتعبني ايه بس ده انا اتحسنت لما عرفت ان ساجد جاي مع ليلى.
وجهت نظرها ليلى وسألت: طيب سبتيهم مع مين؟
شعرت ليلى بسعادة لاهتمام حسناء بساجد، ولهفتها التي تظهر في نبرة صوتها، ونظراتها مستحيل يكون هذا مجرد تمثيل بل حب حقيقي فهتفت: متقلقيش انا سبتهم مع طارق هو إجازه النهاردة واسأذنت منه يخلي باله منهم، وقريب هجيب مربية بس هشوف حد أثق فيه الأول.

هزت رأسها بهدوء ثم رددت: كان نفسي أشوفه بس تتعوض.
نظر لها بإعجاب شديد، واضح على كل ملامح وجهه، وسألتها بهدوء ظاهري عكس مشاعره المتأججة بداخله: قوليلي يا حسناء اخبار دراستك إيه، ليلى قالت انك مريتي بظروف أكيد أثرت عليكي.

نظرت حسناء ليلى التي تحدثت مسرعة: قولت لكريم انك مطلقة أصل سألني إزاي حصلت الحادث وهو عارف سواقتي هاديه، وكمان قدام المشفى، ولما قولتله انك كنتي بتبكي ومش مركزة سألني ليه كنتي وحدك، بتبكي، ان كان حازم معاكي وقتها ولا لأ؟ فاضطريت اقوله ان وقتها كان صدمة الطلاق.

ثم مالت ناحيتها وهمست: والله ما قولت تفاصيل متقلقيش دي مش أخلاقي، ولا من حقي بس غصب الكلام خلاني اعرفه بطلاقك بس.

همست لها حسناء هي الأخرى: وهو عرف منين اني كنت متجوزة، وكمان حازم؟
ليلى بهدوء: انا كمان استغربت وسألته نفس السؤال اتردد كده بس رجع قالي انك طالبة متميزة، وانه كان بيحب يسأل عن الطلبه المتميزين عنده وعن اخبارهم
كلام مش مقنع انا عارفه بس مضغطش عليه.

تعجبت حسناء من هذا الكلام، شردت تفكر في عليا لكن قاطعها سريعاً: هو سؤالي صعب كده محتاج كل الهمس ده، أسف لو اتدخلت وفكرتك بحاجه ضايقتك بس حابب اطمن على دراستك دي أخر سنة.

ابتسمت ابتسامه حزينه وهتفت: مفيش نصيب أكمل السنة دي، معلش يمكن تتعوض السنة الجاية.
نظر كريم ل حلمي: وده كلام يا عمي حضرتك موافق تضيع سنه كده؟!
حلمي بقلة حيلة: وانا هعمل ايه يابني ظروفها كده، وبتقول مش هتقدر تجمع اللي فاتها أو تركز فيه.
كريم بجدية: لأ تقدر أنا بكرة هروح اقطع اجازتي، وهتصرف في غيابها بعلاقاتي، واسمحلي بعد إذن حضرتك ابقى أساعدها في تجميع اللي فاتها سواء هنا قدامكم أو في الجامعة قدام كل الناس.

حلمي بتعجب: معقول هتتعب نفسك كده؟
كريم بصدق: تعبها راحة، أقصد يعني دي أنقذت حياة ابني لو ما ساعدتهاش، أساعد مين!
وبعدين دي كانت من أوائل الطلبة في السنين اللي فاتت هى وصاحبتها اللي اسمها...
نظر لحسناء التي فرغ فاها من عدم تذكره لعليا وقال: اسمها ايه صاحبتك اللي كانت بتمشي معاكي دايماً؟

اتسعت عيناها اكثر وقالت بتعجب: انت مش فاكر اسم عليا معقوول؟!
عقد حاجبيه وهتف: عادي يعني انا فاكر ان كان ليكي صديقة وشاطرة بس نسيت اسمها مش أكتر.
قاطعهم حلمي بسعادة: خلاص يابني اللي تشوفه انا موافق بجد متشكر ليك انا كنت بتمنى اليوم اللي أشوفها متخرجة فيه، وانت شكلك محترم ومحل ثقة.

ألقى هاتفه بضيق على سطح المكتب فالهاتف الذي يريد الوصول إليه الأن مغلق؛ مما أكد له شكوكه
ظل يجوب المكتب ذهاباً، وإياباً يحاول الهدوء كي يستطيع التفكير اقترب من الجدار فضربه ضربه قوية بقبضة يده؛ فبالتأكيد كل ما حدث بسبب عدم تركيزه في عمله الفترة الماضية؛ لكن هذا التقصير من الممكن أن يجعله مسؤل عن حياة فرد، فإن تأكد علوان من تلاعب حامد به من الممكن أن يقتله؛ من يستطيع قتل كثير من البشر بسمومه، يستطيع قتل ولده إن شعر بأنه سيقضي عليه.

جلس على كرسي مكتبه، وأمسك هاتفه مرة أخرى، وأجرى مكالمة في محاولة فاشلة للوصول لحامد؛ لكن بلا فائدة هذه المرة أيضاً.
ترك الهاتف، وشبك أصابعه ببعض، واستند بمرفقيه على المكتب ثم أسند جبينه على كفيه، وشرد يتذكر قبل ساعات عندما ذهب للمشفى ليرى من السيدة التي عثروا عليها، وتطلب رؤيته.
دخل المشفى على عجل واستقبله الضابط الذي أبلغه بهذا الحادث، واصطحبه لغرفة العناية المشددة.

الطبيب المسؤل عن الحالة: مينفعش يافندم دي حالتها متأخرة جداً، احنا وقفنا النزيف بس بعد فوات الأوان نزفت كتير وهى ضعيفة جداً، ده غير تشوه وشها
أخرج من سترته البطاقة الدالة على رتبته، وأراها له، وتحدث بحزم: بس هى طالبه تشوفني اقله نعرف هي مين.
هز الطبيب رأسه، ووافق على دخوله دون جدال مرة أخرى.
دلف للداخل واقترب من الفراش، وكسى الأسى ملامح وجهه عندما رأى تشوهها، فلم يستطع التعرف عليها فهتف بهدوء: السلام عليكم مين انتي ياست وليه طلبتي تقابليني؟

ميزت صوته سريعاً فهي لم تستطع رؤيته فجاهدت على خروج صوتها الضعيف، والمتقطع: أم السعد يا سالم بيه.
صدم عندما سمع هذا منها وعلى الفوز علم من فعل بها هذا لكن تعجب لماذا حاول علوان قتلها فهي تعمل لأجله؟!
تلاشت نظرات الشفقة تجاهها فها هي الخائنة أمامه، وهتف بجمود: ليه علوان عمل وياكي إكده.

تأكدت أن سالم علم بس ها فتحدثت بضعف: علشان بس قولتله انك لو قفشتني هعترف من أول قلم، بعت رجالته وراي وعملوا إكده، المهم يابيه أني قلتله إن ست ملك اطلقت، وانك ضربت ست عبير أني استاهل اللي جرالي لاني مجرمة سامحني يابيه خدت جزاني، أبوس يدك خلي أخوي ياجي ياخدني يدفني وسطيهم

كانت تتحدث بصوت متقطع، وشهقات تحاول أن تلقف من خلالها أنفاسها الأخيرة.
سالم مسرعاً يحاول أن يعلم منها أكثر: هو عرف حاجه تاني، متعرفيش حامد اختفى فين، وليه؟

لم تستطع إجابته فقد خرج منها أخر أنفاسها، ولم يعد أصدرها مرة أخرى، ومال عنقها في استسلام
عوقبت في الدنيا بيد من دنست نفسها معه، ورحلت لتلقى حسابها الذي لا يعلمه إلا الله.
أمسك جبينه بأصابع يده، وهز رأسه بضيق فقد رحلت دون أن تفيده بشئ، ثم زفر محاولات الهدوء وخرج وأخبر الطبيب بنيتها، وأعطاه رقم هاتف أخاها كي يحدثه موظفي استقبال المشفى ليحضر و يتتم الإجراءات اللازمة.

وجه حديثه لوكيل النيابه وأعلمه أنها الخادمة التي كانت تعمل لديهم وأنها لا تعلم من الفاعل بها هذا إلا أنهم لصوص فقط؛ أراد أن يقيد القضية ضد مجهول كي يستطيع التفكير فيما هو أنسب للقضاء على علوان
خرج من المشفى متجهاً لعمله، واتجه لمكتب قائده، أخبره بكل التفاصيل التي حدثت، واعترف بخطأه، وقصيره، فقد سمح لمشاكل بيته أن تشتت تركيزه، وطلب الإعفاء من هذه المهمة حفظاً لماء وجهه قبل أن يتم إقصاءه؛ إلا أنه فوجئ برد قائده.

القائد بهدوء: شوف ياسالم أنا معنديش أدنى شك في إخلاصك، ولا في ذكائك، دلوقتي علوان قتل الخدامة اللي هو متخيل انها الدليل الوحيد ضده اللي هيعرفك حقيقته، واكيد هيعرف اننا معرفناش مين حاول يقتلها لأننا هنقيدها ضد مجهول، وحكاية انه عرف بطلاق ابنه لاختك هيفسرها أكيد إن حامد كان بيجاريه علشان معدش يأذي وردة وهى في المستشفى.

قلقك الوحيد لو عرفت إنه كشف حامد بأنه شغال معانا، وده مش هيحصل إلا لو حامد غلط وبين ليه ده، القضية قضيتك وانت لازم تعرف هتحلها ازاي أنا مش عايز رقبة علوان بس، أنا عايز اللي بيحركه.
وقف سالم وأدى التحية لقائده واستأذن بالإنصراف.

عاد من شروده على دق باب المكتب؛ سمح لمن بالخارج بالدخول كان عسكري يحضر له قهوة كما طلب، وضعها أمامه على سطح المكتب وخرج؛ رن هاتفه فأمسكه سريعاً وجد المتصل رقم غير مسجل فأجاب سريعاً.
سالم: السلام عليكم.
الطرف الثاني نبرة هامسة، وسريعة: وعليكم السلام ياباشا أني من طرف حامد بيه.
وقف بتحفز وقال بجدية: هو فين وكيف يديك رقمي؟!

**: مش وقته يابيه المهم هو عايز يوصلك إنه انكشف من أبوه، وبيقولك حرص ومليكش صالح بيه، ولو وردة فاقت راعيها.
قبل أن يرد سالم قطع الطرف الآخر الاتصال، ثم أخرج الخط وقام بكسره، فلم يستطع سالم الاتصال به مرة أخرى.
خرج من مكتبه، ومن المبنى بأكمله والشرر يكاد يتطاير من عينيه، والقلق ينهش صدره، وكثرة التفكير تكاد أن تودي بعقله إلى الجنان.

استقل سيارته، وهاتف ملك.
ملك بنبرة حزينه، وصوتها مشبع بالبكاء: السلام عليكم.
سالم بقلق: مالك ياخيتي بتبكي ليه، انتي فين إكده؟!
جاهدت ملك أن تعدل من نبرة صوتها وهتفت: مهبكيش ولا حاجه ياخوي يمكن برد أو شي، أني عند عليا حدتها في التلفون وعرفت إنها روحت من عندينا فخرجت من الشركة من زمان و جيت على إهنه.

أخرج زفيره المكتوم في صدره بارتياح وقال: خليكي عندك أني جاي أخدكم، وخلي عليا تجهز حاجاتها علشان تاجي معانا البيت، لعند ما تسافر تاني معدش قعاد لوحدها
ملك: بس انت عارف إن عليا مهتحبش إكده.
أغمض عينيه للحظه ثم قال بحزم: مفيش حاجه اسمها مهتحبش أني جاي ياله مع السلامة دلوك.

اغلقت ملك الهاتف وسمعت صوت عليا تخرج من المطبخ، و تتحدث بابتسامه: عملتلك عصير الجوافة بلبن اللي بتحبيه ياملوكة يارب تكوني هديتي شوية.
وضعت ما بيدها على المنضدة، وتناولت كوب العصير وأعطته لملك.

عليا بنبرة حنونة: كل مشكلة وليها حل يا ملك، عمر أنا عارفه هو عمل كده ليه ومن حقه.
ملك بحزن: عارفه إنه ميعرفش إني مطلقه، بس كان نفسي أنا اقوله بعد ما سالم يأذن ليا اعرف أي حد بطلاقي عادي، لكن ده منعني وقالي فترة صغيرة بس؛ إنما يعرف إكده ومقدرتش اتكلم، وكمان يقولي كلكم زي بعضيكم؟

عليا بهدوء: هو معذور يا ملك أصله مر بتجربة قبل كدة وانجرح فيها جامد؛ ثم قصت عليها ما حدث مع عمر من قِبل حسناء.
اتسعت عينها بصدمة وهتفت: سابته بعد كل اللي عمله علشانها ده، علشان واحد أغنى دي إكده قليلة أصل، ولو إنك تزعلي علشان صاحبتك.
تنهدت عليا بحزن وهتفت: حسناء محبتش عمر لو كانت حبته مكنتش اتخلت عنه، ولا حتى حبيت حازم الله أعلم بحالها دلوقتي معاه أنا من وقت ما جيت نسيت تلفوني هناك، ولما جبت الجديد هنا مفيش فيه أرقام، وانا بصراحة من زعلي منها محاولتش اجيب رقمها؛ رغم أنها وحشتني.

ملك بنبرة غيرة: وهو قد إكده كان بيعشقها، امال زعل ليه اني متجوزة، وقال ليه انه رايدني؟
زفرت عليا بضيق ثم هتفت: إيه يابنتي شغلي مخك شوية، هو لو محبكيش مكنش اتنرفز كده لما افتكرك بتكذبي عليه، كمان عمر جرحه من حسناء كان بمثابة صدمة مفاقش منها غير لما قابلك وحس انك هتكوني عوض زي ما قولتلي إنه قالك كده.
هزت رأسها بهدوء وقالت: والعمل دلوك كيف هعرفه الحقيقة.

عليا بهدوء: ملكيش صالح انتي أني هتصرف.
ابتسمت ملك وقالت: تصدقي وحشني حديتك الصعيدي يا مضروبة.
عقدت حاجبيها وقالت بجدية مصطنعة: مضروبة كيف يعني، طب مالكيش حديت وياي تاني.
ضحكت ملك رغماً عنها على طفولتها، وهتفت: طيب ياعيلة، سالم بيقول إنه جاي على إهنه دلوك، ومصمم انك تاجي تقعدي معانا في البيت لعند ما تسافري.

نظرت عليا النافذه مسرعة وكادت أن ترفض؛ لكن صوت بدر وهو يطلب منها الإبتعاد عن الوقوف بها هذه الأيام جعلها تتردد في الرفض.
نظرت ملك موضع نظر عليا وتذكرت حديثها عن المدعو كريم فقالت: اااااه مريداش تاجي علشان سي كريم.
نظرت عليا للأسفل لحظات ثم وقفت مسرعة وهى تقول: لا هاجي معاكم لاني هنا فعلا مش هقدر أذاكر، وامتحاني خلاص قرب، واحتمال كمان أرجع اسكندرية بقى.

يجلس متكوراً يضم ساقيه لصدره، ويلفهم بذراعيه، في زاوية غرفة تكاد تكون حالكة الظلام لولا شعاع من الضوء، المصحوب ببعض الأكسجين القليل يتسللون عبر نافذة عالية إن وقف وحاول لمسها لن يستطيع إلا بأطراف أصابعه فقط.
دموعه تنساب على وجنتيه بخوف من مصيره القادم، جسده يرتعد من شدة إحتياجه لجرعة من المخدر الذي منع عنه، يشعر بحاجته للتقيئ إثر رائحة العرق المنتشرة حوله ممن معه في تلك الغرفة، أغمض عينه وشرد فيما ألى به لهذا الحال بعد الثراء، والرفاهية.

كان في ملهى ليلي مع صديق السوء الذي لا يفارقه.
علي بضيق: هتعمل إيه ياحازم في وضعك ده.
فرك مقدمة رأسه بيده يريد تخفيف ألم رأسه، ثم رفع زجاجة الخمر لفمه، وأنهى ما تبقى بها ثم تحدث بلسان ثقيل، وصوت متقطع: أكيد هيبقى فيه حل؛ هو أكيد هيزهق من طلباتي ومرواحي ليه كل شوية المكتب، والبيت، وهيديني فلوسي، شوفلي بس انت كده حتة مزاج أصل أنا مش قادر.

رفع زاوية فمه بسخرية وهتف: كان على عيني أنا مفيش معايا فلوس مشطب، حتى معرفتش اشرب كاس واحد زي ما انت شايف، وانت شربت الإزازة لوحدك بأخر فلوس معاك، وبعدين انت مين قلك ان عزت هيزهق، يابا ده معاه ثروة كبيرة تحت تصرفه، هو مجنون علشان يديهالك، ده بيرضي ضميره بالقرشين اللي بيدهوملك بطلوع الروح؛ لا وكمان بيهددك إنك لو موافقتش تتعالج من الإدمان، هيمنع عنك المصروف خاالص بعد ما كانت الفيزا معاك بتسحب وقت ما انت عايز المبلغ اللي تحبه.

شعر بالدم يغلي في عروق جسده، والحقد يتصاعد من قلبه حتى تملك من عينيه؛ وقف وهو يتتأرجح يكاد يقع فأسنده علي وههتف بتعجب: على فين كده؟
حازم بغل: لا عاش ولا كان اللي ياخد فلوسي ويتحكم فيا أنا لازم أرجع حقي
زفر بسخرية وقال: هتعمل ايه يعني؟!
حازم: رايح ليه هتيجي معايا، ولا اروح لوحدي؟
علي بقلة حيلة: لا جاي مش هتعرف تسوق وانت كده.

يجلس في مكتبه منهمك في دراسة قضية، دق باب المكتب، ودلف سكرتيره الخاص، وتحدث بإرهاق: أستاذ عزت الوقت اتأخر هو حضرتك مش هتروح؟

عزت وهو ما زال ينظر للملف بيده هتف: القضية دي مهمة ولازم أركز فيها قبل مرافعة بكرة يا عبد العزيز، وميرنا بنتي بأولادها عندنا في البيت مش هقدر أركز.
اتفضل انت روح، وانا شوية وأروح انا كمان.
عبد العزيز بنفي: لا انا مش هسيب حضرتك أنا بس بعد إذنك، هنزل أشتري سندوتشات لأن الساعي روح زي ما قولتله، وأنا مقتول من الجوع، وهجيب لحضرتك كمان.

نظر له بابتسامه، وأخرج أموال من سترته، وأعطاها له رغم رفضه الا أنه لم يجد بديل إلا أن يقبلهم.
هتف عزت ممازحاً: هتفضل تعترض وتضيع وقتي، وكمان تموتني انا كمان من الجوع.
عبد العزيز مسرعاً: بعد الشر عنك يا أحسن أستاذ في الدنيا، هروح بسرعة وارجعلك ان شاء الله.

بعد لحظات من خروج عبد العزيز من المكتب، وصل حازم، وعلي أمام المكتب ورفض علي الصعود معه بحجة أنه لا يريد التدخل؛ لم يلقي حازم باباً لرفضه وترجل من السيارة وهو يتأرجح، فتح له حارس المبنى المصعد، وعندما لاحظ أنه ثمل أوصله الطابق الذي يوجد به مكتب عزت، بعد أن استفسر منه عن هويته وعلم أنه ابن أمين المنياوي وأن عزت المحامي الخاص بهم، ثم تركه وعاد لعمله متأسفاً على حال هذا الشاب.

دلف حازم مكتب عزت دون استئذان، فرفع الأخير بصره بتعجب للحظة ثم زال تعجبه عندما رأى حازم أمامه بهذه الحالة.
عزت بهدوء: تعالى ياحازم اتفضل.
اقترب حازم، جلس على كرسي المكتب فقدناه لا تسعفاه تماماً على الوقوف كثيراً.

دار عزت حول المكتب، وجلس أمامه، وتحدث بهدوء: برده ياحازم مش عايز تتعدل، حرام عليك يابني أبوك كان راجل مفيش زيه في أخلاقه، وشهامته، خليني أساعدك ياحازم اديني فرصة مش هتندم.
اعتدل حازم في جلسته، وقرب وجهه قليلاً من عزت، ثم تحدث بصوته الذي يدل على ثمالته: بقولك إيه أنا مش، عايز حكم ومواعظ؛ أنا عايز فلوسي، وفلوس أبويا فكك من حوار الأب النصوح ده لأنه مش لايق عليك يانصاب، ياحرامي، واديني فلوسي.

صفعه قوية هوت على وجهه جعلت رأسه تستند على سطح المكتب محدثاً فوضى فأوقع بعض الأشياء من عليه، ووقع نظر حازم على ثقالة الورق المصنوعه من الحديد، لم يرفع رأسه، وظل لثواني يستمع لحديث عزت.
عزت بغضب: أنا نصاب يا متخلف؛ أنا اللي بتحايل عليك علشان تفوق وارجعلك حقك، بس الظاهر أنا غلطان أبوك حملني مسؤلية كبيرة أوي وأنا لايمكن أضيع تعبه، وشقاه أنا لو متعدلتش هتبرع بفلوسه كلها زي ما طلب مني للملاجئ، ودور المسنين، والمستشفيات هما أولى من تجار المخدرات، والكباريهات.

تلك الكلمات كانت بمثابة كارت أخضر للشيطان الذي، يتحكم في حازم كي يتحرك فأمسك بثقالة الورق سريعاً، ودون وعي التفت وهوى بها أكثر من مرة على رأس عزت الذي سقط غارقاً في دمائه.
عندما رأى حازم الدماء ارتعش جسده، وأسقط الثقالة من يده، وفر هارباً من المبنى، واستقبل السيارة مسرعاً، وطلب، من على أن يتحرك بسرعة.

في الطريق سأله علي عما حدث فحكى له وهو يكاد يفقد وعيه من الرعب، شعر على بالخطر يحوم حوله فانطلق بالسيارة نحو شقة متطرفه يقضون فيها لياليهم القذارة سوياً لا يعرف مكانها سواهم، ثم تركه فيها وخرج بحجة إحضار بعض الطعام، وبعد بضع ساعات اقتحمت الشرطة هذه الشقة، وألقت القبض على حازم بمساعدة علي، وأثناء التحقيق علم حازم أن عزت نقل للمشفى بواسطة عبد العزيز، وأبلغ الشرطه التي وجدت بصمات حازم على أداة الجريمة، لكن من حسن حظه أن عزت مازال على قيد الحياه فتحولت القضية من قتل إلى شروع في قتل.

عاد حازم من شروده على التصاق أحد المسجونين به، فرفع رأسه ونظر له برعب، ورأه يضرب، جسده ليقتل بعض الباعوض الذي يزاحمهم الزنزانة الصغيرة، فقال له بصوت منخفض: ممكن حضرتك تبعد شوية؟
نظر له المسجون الذي يتسم بضخامة جسده وتحدث بغضب: لا وحياة أمك دي مش التخشيبة اللي بابي جبهالك، مسمعش نفسك.
هز رأسه بنعم فهو الأن في قمة ضعفه وانزوى أكثر على حاله، وصمت.

أشرقت شمس يوم جديد على قلوب عذبتها الأيام منها التائهه التي لا تعلم أين طريق الوصول، ومنهم التي تتمنى شعاع من النور يضئ ظلمة اليأس الممكنة منها، ومنهم التي بداخلها صراع بين اختيارات لا تعلم أيهم الأصح.
استيقظ بدر و توضأ وصلى ركعتي الضحى، وترتدى ملابسه استعداداً للذهاب للمشفى لتحديد موعد العملية؛ ثم الذهاب للجامعة كي يعلم ما هى قصة كريم الصحيحة.

خرج من غرفته ليجد والدته قد أعدت الإفطار وتتحرك بخفه وهى سعيدة فولدها عاد إليها منذ بعد فترة غياب شعرت وكأنها سنه.
اقترب منها بدر وقال بابتسامه ممازحاً إياها: الله الله إيه النشاط، والجمال، والحيوية دي يا أمونة.
ضحكت إيمان وهتفت: يابوي على حديتك اللي هينقط عسل يابدر اتوحشتك كتير ياولدي، ياله اقعد افطر ويانا.
فاطمه بحب: والله عنديكي حق يا إيمان أني حاسه إنك أنت وعليا بعيد عنينا بقالكم سنة، مش شوية ايام.

اقترب منها وقبل يدها وقال انتي كمان وحشتيني ياستي،ثم اقترب من والده وقبل يده باحترام، وحب فربت الأخير على كتفه وهتف: أني خلاص نويت بعد عليا ما تخلص امتحانات نرجع كلتنا الصعيد ونعيش، إهناك مدام دي، رغبتكم.
ابتسم بدر وقال: ان شاء الله يا بابا بس ربنا ييسر لي الأمور واقدر افوق عليا من اللي هي فيه.
عقد حاجبيه وتحدث بلهفه: مالها عليا إيه اللي هى فيه؟
بدر وقد أدرك نفسه: أقصد دوشة المذاكرة عليها ضغط كبير أوي ادعولها.
هز رأسه بتفهم وهتف: طيب ياله اقعد كلك لقمه ويانا.

جلس بدر معهم وتناول بيضه، وقطعة جبن ثم حمد الله ووقف.
إيمان بتعجب: رايح فين ياولدي، و مكلتش ليه أمال أنا عامله كل الوكيل ده لمين انت مدوقتش البطاطس، ولا الشكشوكة حتى.
ابتسم بدر وهتف: الحمد لله يا أمي أصلي مستعجل معلش، السلام عليكم.

خرج بدر واتجه للمشفى وبعد أن قابل الطبيب المختص، وقام بعمل كافة التحاليل، والاشعات اللازمة، جلس معه.
بدر بإرهاق: كل ده علشان العمليه يادكتور؟
الطبيب: كنت حابب اتأكد من وظايف الغدة عندك وما شاء الله كل حاجه عندك تمام جداً،بس زي ما قولتلك عدم تقبل جسمك للنزول أكيد عامل نفسي ليس إلا، وبما إنك مستعجل هنعمل العملية، ها كمان يومين مناسب؟

تنهد بدر، وصمت قليلاً ثم هتف: أيوه مناسب على خيرة الله.
وقف واستأذن في الرحيل، وخرج وهو ينظر في ساعته كي يعلم هل تأخر على موعد خروج مصطفى من الجامعة أم مازال هناك وقت؛ فهو حاول الاتصال به منذ أن خرج من البيت الا ان هاتفه مغلق.
في ممر المشفى تقابل مع حسناء التي فور أن رأته اقتربت منه.
حسناء بابتسامة: بدر إزيك أخبارك إيه؟

نظر لها بدر بضيق وهتف: الحمد لله بخير.
نظرت للأسف ثم تحدثت بهدوء: عارفه إنك مش طايقني، بس معلش عايزه أعرف عليا تليفونها مقفول دايماً ليه عايزاها ضروري.
بدر بهدوء: عليا غيرت رقمها، وبعدين عايزاها ليه؟
نظرت حسناء له لترى ردة فعله فهى تعلم مدى عشقه لعليا، ثم تحدثت بتردد: أصل أنا كنت قولتلها ان دكتور كريم المعيد في كليتنا مات.
نظر لها باهتمام ثم هتف: وبعدين؟!
تحدثت بتوتر: أنا ضميري ميسمحليش أعرف إنه عايش، وكان مسافر، ومقولهاش دي صاحبة عمري.

شعر بجسده يهتز إثر دوار أصابه فكريم بالفعل على قيد الحياه، وأيضاً كان في سفر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة