قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثلاثون والأخير

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثلاثون والأخير

كان في غرفته يمارس بعض التمارين الرياضية كما طلب منه طبيبه، ويضع الإسطوانة التي أهدته إيها ريم في مشغل الإسطوانات، ويستمتع بكلمات تلك الأغنية التي مست قلبه بشدة، وتجعله في كل مرة يعيدها يشعر، وكأنه مراهق في بداية حياته، تداعبه مشاعر جديدة على قلبه.

لقد اشتاق لها بالرغم من رؤيتها قريباً، لقد انتظر طويلا عمر بأكمله قبل أن يمس الحب قلبه، والأن ظهرت تلك الحبيبة لتخطف أنفاسه، عقله، وقلبه في آن واحد.

أوقف ممارسة الرياضة، واتجه لفراشه وجد يديه تمتد تلقائيا تحت الوسادة والتقط رسائلها، التي لا تفارقه نهائيا، فتح أول رساله، تجولت عينيه على كل كلمة بشوق وفجأة شعر برغبة ملحة لسماع صوتها.

وجدت ريم هاتفها يضيء؛ فنظرت للشاشة، وتسارعت دقات قلبها بسعادة كما اعتادت أن يحدث لها منذ أن هاتفها بعد إستماعه للأغنية التي أهدته إياها، وأعلن عن عشقه لها، وأنها فتاة أحلامه التي أنقذته؛ كما أنقذ الأمير الأميرة النائمة؛ لكن هذه المرة الأميرة هى من قامت بذلك الدور، وأنه مستعد لتقديم أي إثبات على مدى صدق كلامه؛ فطلبت منه أن يعطي نفسه فرصة لا يراها، ولا يهاتفها؛ كي يتأكد إن كان شعوره حب، أم تعود، أو امتنان فقط؛ فامتثل لرغبتها متيحاً لنفسه تلك الفرصة، وهذه هى المرة الأولى بعد هذه الفترة التي لم تتجاوز أيام قليلة.

ابتسمت، ثم تمتمت بخفوت، وتوتر: حازم ! ياترى سبب اتصاله هيكون ايه؟!
ياترى هيفرح قلبي، ولا هيكسره؟
إنت حب سنيني يا حازم، ياارب متخذلنيش.

بمجرد رؤيته أول ثانية معلنه عن قبولها الاتصال قال بشوق: وحشتيني أوي يا ريم،
اذدادت دقاتها أكثر حتى هيأ لها أنه سيستمعها، ولونت حمرة الخجل وجنتيها ولم تجد عون من صوتها أن يخرج.

ردد قائلا بتعجب: ريمو روحتي فين كده؟!
تحدثت بصوت مرتعش من شدة سعادتها: إحم موجودة
ابتسم عندما تخيل شكلها خجلة، وهتف مداعباً: طب ساكتة ليه؟
تمتمت بهدوء، وابتسامة: مش عارفة أقول إيه.
حازم بهدوء: تعرفي يا ريم، أنا مستغرب نفسي.
ريم بتعجب: ليه؟!

تنهد حازم، وهتف: لأني اتبدلت من إنسان عديم الفايدة، وقاسي، ومبيهتمش بحد غير نفسه لدرجة إني ظلمت الإنسانة اللي اتجوزتها بمنتهى الوحشيةبدون ما تأذيني؛ ربنا يسامحني على اللي عملته فيها. ودلوقتي بقيت إنسان قلبه مبهدله، وكل همي دلوقتي أثبت نفسي علشان أكون جدير بحبك، وكمان جدير بثقة والدك، بس تعرفي ان كان عندك حق في طلبك مني إني متصلش ابعد فترة أفكر.

توترت ريم مرة أخرى، وهتفت: بمعنى؟!
ابتسم، وهتف: بمعنى إني أنا نفسي كنت خايف أكون متعود على كلامك اللي بيشجع، أو أكون ممتن لوالدك علشان ساعدني؛ بس لما مكلمتكش، ولا شوفتك حسيت بحاجة عمري ما حسيتها.
ابتسمت، وتمتمت بخفوت: احساس إيه؟

حازم بصدق: حسيت إني ناقصني حاجة، وكمان صورتك مفرقتش خيالي ولو لحظة، سواء وانا في الصيدلية بحاول أرتب طلباتها، أو في البيت بعمل رياضة، أو حتى وانا نايم بحلم بيكي، وعلى فكرة حلمي بيكي مش جديد الجديد هو إن الملامح وضحت بس؛ لكن قبل كده كنت بحلم بيكي بصورتك واحنا صغيرين بس برده الملامح مكنتش واضحة أوي لأني كنت ناسي شكلك بسبب البعد.

ريم بصدق: وانا بقى عمري ما نسيتك ولا يوم، ولا لحظة حتى وانا بعيدة.
رد حازم بلهجة من عزم على شيء ما: ريم تتجوزيني؟

دق قلبها دقات سريعة متتالية، شعرت بقلبها سوف يخرج ويطير محلقًا من شدة سعادتها: انت بتقول ايه؟
زينت شفتيه الابتسامة هو يقول: هجي دلوقتي اطلب ايدك من عمي، هو اتصل عليا النهاردة الصبح، وقالي انه هينتظرني علشان عايزني في موضوع، وانا كنت مهدتله قبل كده، وقالي لو انتي موافقة هو معندوش مانع؛ فاضل بس يسمع موافقتك منك، ونحدد ميعاد للخطوبة.

ردت بنبرة خجولة خافتة: هتكلمه دلوقتي، بلاش جنان ياحازم، استنى بس.
حازم مسرعاً: أنا فعلاً مجنون بيكي ها استنى إيه تاني يامنقذتي؟
قالت برقة: منقذتك إيه بس، أنا كنت مجرد سبب ربنا حطه في طريقك؛ لكن انت من جواك كويس، وظهوري كان علشان أقولك أنت مبقتش لوحدك.

- وعشان انا مش عايز اعيش يوم لوحدي تاني، عايز الانسانة الوحيدة اللي آمنت ان جوايا لسه في بقايا انسان صالح، عايزها تبقا شريكة حياتي، تبقا ام أولادي، نعجز مع بعض.
دمعت عينيها وهي تسمعه، بح صوتها عندما تكلمت: وانا كمان، دي كانت امنيتي الوحيدة، ومن زمان والله.

_ وعشان كده بقول خلاص مفيش تفكير، ولا خوف، ولا تردد تاني،هاجي لبابا في ميعادي معاه بعد شوية،واشوف عايزني في إيه، وبعد كده هكلمه على طول تمام؟
ابتسمت، وهتفت: اللي تشوفه.
حازم بضحك: الله بقى على حبيبي المطيع.

عندما أغلق الهاتف معاها، اتجه خزانة ثيابه ثم فتحها على مصراعيها واختار منها ما سيرتديه، وبعد أن تمم على مظهره، توجه للخزانة مرة أخرى، وأخرج منها صندوق صغير من الخشب عليه قفل صغير، أخذه، وجلس على فراشه، وقام بفتحه بمفتاح لا يفارق سلسلة مفاتحيه.

وقعت عيناه على ورقة أمسكها بيد مرتعشة بعض الشئ، وقبل أن يفتحها تذكر والده، وهو يعطيه الصندوق بعد وفاة والدته، وقال له أنها من طلبت أن يكون لك، وأنها لا تريد أن يفتحه إلا عندما يدق قلبه بالحب يوماً ما.

فتحها بعيون تلمع بالدموع، وهو يتذكر صورة والدته، وحديثها معه دائماً قبل أن تتركه يكره هذه الحياة دونها؛ حتى ظهرت في حياته ريم.
تحركت عيناه على كلمات خطاها قلب والدته، قبل قلمها.
(حبيبي حازم
أنا طلبت من بابا يقولك إنك متفتحش الصندوق ده إلا يوم خطوبتك على اللي قلبك دق ليها، وده لسببين

أولهم إن لو بتفتحه لوحدك بدوني دلوقتي؛ يبقى ربنا أراد ليا إني مكنش موجودة وقتها في الحياة؛ فحبيت أكون جمبك حتى لو بكلامي، وأقولك ألف مبروك يا نور عيوني، كنت بتمنى أكون معاك، وأشوفك عريس زي ما كنت دايماً بحلم من وانت صغير؛ بس معلش بابا جمبك، واللي اختارها قلبك هتكون معاك بدعيلك من قلبي انها تبقى بنت كويسة تحبك من قلبها، وبوصيك عليها كمان.

ثاني سبب إني حبيت أسيب ليها ذكرى مني، وعارفة إن لسة بدري على اليوم ده والموضة بتختلف؛ بس اتمنى انها تقبلها كهدية، وتحتفظ بيها، مش لازم تلبسها هتلاقي في الصندوق علبة قدمها ليها، وقولها دي هديتي ليها، وربنا يسعدكم يا حبيبي، و هقولك لأخر مرة مع السلامة يا حزومة)

قام بتقريب الرسالة من فمه، وقبلها فتبللت من دموعه التي تجري على وجنتيه، ومد يده يمسك إطار موضوع على الكمود بجانب فراشه به صورة لوالديه وهو يتوسطهم، وقربها أمامه، وهتفت محدثاً إياهم: أنا أسف غلطت في حقكم كتييير أوي، وبالذات انت يا بابا حقك عليا، عارف إن ندمي متأخر بس أنا هحاول أكون زي ما اتمنيتوا، وهخلي كل أهلي يفتخروا إني ابنكم، كنت بتمنى تكونوا معايا.

قبل الصورة، وأعادها مكانها، ثم نظر للصندوق مرة أخرى، وأخرج منه العلبة، وقرر أن لا يفتحها إلا أمام ريم؛ فلتكن مفاجأة لهم معاً.
نهض من مكانه، ودلف المرحاض ليزيل أثار بكاؤه بالماء، ثم خرج من الغرفة متجهاً لسيارته؛ كي يفعل ما عزم عليه.
يجلس في مكتبه شارد الذهن، يمسك بين يديه مجموعة من الأوراق ينظر لهم، ويحدثهم كأنهم أشخاص أمامه.

مكنش قدامي حل غير إني أعمل كده؛ علشان قلبي يستريح من قلقه، دي بنتي يعني أه صديقي أمني أمانة، ووصاني على حاجة؛ بس لو إني أكسر الوصية في سبيل إني أطمن على ريم؛ يبقى كان لازم أعمل كدة.
سامحني يا أمين كان نفسي أنفذ وصيتك للأخر؛ بس دي ريم يا أمين، وأكيد لو كنت موجود معايا مكنتش هتزعل.

دق باب غرفة المكتب؛ فهتف أذناً لمن بالخارج بالدخول؛ فدلفت ريم والسعادة تشع من وجهها، وهتفت: حبيب قلبي قاعد لوحده ليه في المكتب، النهاردة الجمعة غريبة انت مش بتشتغل النهاردة.

ابتسم عزيز، ونظر لها بإعجاب، وهتف مداعباً لها: سيبك من قاعد ليه والكلام ده إيه الشياكة دي، انتي كدة هتغطي على جمال الورد اللي عندك.
ابتسمت ريم، وهتفت بدال، وتفاخر مصطنع: طول عمري قمر في عيونك الحلوين يا حبيبي.
ضيق عينيه، وهتف: بت يابكاشة انتي شكلك عندك طلب، وبما انك متشيكة أوي كدة يبقى عندك خروجة وعايزة فلوس صح.

قبل أن ترد دق باب الغرفة، وأذن عزيز لمن بالخارج بالدخول، وكانت الخادمة التي هتفت: عزيز بيه الأستاذ حازم برة وعايز يقابل حضرتك.
نظر لابنته بعينٍ ضيقة: اااه الشياكة دي كلها علشان عرفتي انه جاي صح؟ مش قولتي مش هكلمك الفترة دي.

ريم مسرعة: ما هو فكر يابابا، وحب يعرفني وصل لإيه؛ فكلمني، وعرفت انه جاي، أرجووك يا بابي لو سمحت بلاش تبين قلقك منه، وكمل بقى طريقك اللي بدأت معاه انك تديله الثقة، وصدقني قلبي بيقولي انه اتغير بجد.

هز رأسه بموافقة، وهتف: ربنا يقدم اللي فيه الخير يا حبيبتي، ممكن لما يدخل تستأذني لأني حابب نكون وحدنا؟
ريم بهدوء: حاضر يا أحن، وأحسن أب في الدنيا كلها.
نظر للخادمة، وهتف: خليه يتفضل هنا يا عديلة.
دق حازم باب المكتب، ودلف هاتفاً: السلام عليكم.

أشار له عزيز بابتسامة: وعليكم السلام تعالى يا حازم يابني اتفضل.
صافحه حازم، وعلى وجهه ترتسم ابتسامة واسعة، وعيونه تلمع بأمل لحياة جديدة يتمنى أن يبدأها.
أدار نظره قليلاً لريم التي خفق قلبه منذ المؤهلة الأولى لدخوله المكتب عندما رأها تقف بجوار والدها، وهتف بنبرة بها شوق، وإعجاب: إزيك يا ريم أخبارك.

ابتسمت ريم، ونظرت الأسفل، وردت بصوت منخفض: الحمد لله بخير، بعد إذنكم هروح أجبلكم حاجة تشربوها، حضرتك قهوة يا بابا أنا عارفة ميعادها، وانت يا حازم تحب تشرب إيه.

هتف بهيام، وكأنه تناسى وجود عزيز: أي حاجة من إيديكي أكيد هتبقى حلوة.
خجلت بشدة عندما سمعت صوت والدها: إحم طيب يا ريم اتفضلي حبيبتي.
توتر حازم، وحك جبينه بأصابعه، وهو يبعد نظره سريعاً بخجل.

خرجت ريم، وأشار عزيز لحازم بالجلوس، وأمسك الأوراق التي أمامه، والف حول المكتب ليجلس أمام حازم، وهتف: أكيد يا حازم بتقول أنا طلبت انك تجيني ليه؟
حازم بهدوء: قلقان بس أكون زعلت حضرتك في حاجة؛ لكن حضرتك تأمر وانا أجيلك في اي وقت، يمكن اقدر أعمل معاك اللي معملتوش مع والدي الله يرحمه.

نظر له عزيز يحاول أن يستشف صدق حديثه، فقلبه يصدق؛ لكن عقله يحذره؛ فربت على قدم حازم بحنان، وهتف: لا متقلقش؛ بالعكس كل كلامك، وكمان التزامك في الصيدلية اليومين اللي فاتوا مفرحني جداً؛ بس النهاردة جايبك علشان أرجعلك حقك، وكل فلوسك اللي كانت أمانة عندي، ومن هنا ورايح انت حر التصرف فيهم، واتمنى تفضل زي ما انت علشان خاطر حلم والدك الله يرحمه.

على عكس المتوقع من حازم؛ فمن المفترض أن يحلق قلبه من فرط سعادته الآن؛ لكنه شعر بوخزة حزن تجتاح كيانه؛ فقد فهم لما هذا التصرف؛ فهتف بهدوء، ونبرة منكسرة: ليه يا عمي كدة؟ أنا عارف إن ده علاقة بكلامي مع حضرتك عن ريم، وإنك خايف أكون بقرب ليها علشان أخد فلوسي.

حق حضرتك متثقش فيا، أنا مش زعلان من كدة؛ علشان كدة أنا أسف اني اتسرعت واتكلم مع حضرتك في الموضوع ده؛ بس أرجوك يا عمي بلاش موضوع إنك ترجعلي الأملاك دي دلوقتي، أنا ما صدقت إن ربنا فوقني، وخرجني من اللي كنت فيه، ياعمي ده لو كان بعد الشر حصل لحضرتك حاجة كان زماني اتعدمت؛ يعني كل أملاكي، وحياتي كمان ميسووش حاجة قصاد اللي حضرتك قدمته ليا، ولو حكاية حبي لريم هتزعلك مني، أنا مش هاجي هنا تاني، وأوعدك مش هحاول أشوفها، ولا أكلمها تاني، لعند ما اثبت نفسي، وأكون جدير بثقتك، وأكون جدير بإني اكون زوج ليها.

عزيز بهدوء: إهدى بس يا حازم، انت ابني وهفضل معاك دايماً؛ وبصراحة أنا مذهول من ردة فعلك، أنا تخيلت إنك هتفرح بإن فلوسك هترجع لك، وتتصرف فيها براحتك، أنا فعلاً تفكيري كان إني أفك عنك أي قيد علشان انا عايز لو ارتبطت ببنتي ميبقاش ارتباط لسبب سواء مادي، أو حتى شعور بامتنان، عايز ارتباطك بيها يكون حب، واهتمام علشان تصونها؛ لأني لايمكن هسمح إنها تتأذي.

بمعنى إنك ابني، وابن صديق عمري، وأخويا؛ بس أكيد مش هكون حابب قلب بنتي يتكسر.
حازم بهدوء: أوعدك ياعمي إن لو كانت ريم من نصيبي هصونها، وهسعدها بكل الطرق، وده والله مش امتنان، ولا شعور بالعود، لأ ده أقسملك يا عمي إنه شعور عمري ما عرفته إلا معاها، وهو الحب، وأسف على صراحتي الذايدة.

كنت بتمنى أبدأ طريقي وهى جمبي، ونمشيه سوا بس علشان قلق حضرتك خلاص إديني فرصة، وانا هثبتلك إني اتغيرت فعلا، وأرجوك خلي الفلوس زي ما هي معاك، ولو احتاجت حاجة هطلبهازمن حضرتك، زي ما كنت بعمل مع بابا الله يرحمه.

ابتسم عزيز، وأعاد الأوراق للمكتب، وهتف: وانا حالياً سعيد جداً بكلامك ده، وفلوسك في الحفظ، و مشوارك مش ريم بس اللي هتمشيه معاك، لا كلنا معاك وحواليك، هنعمل فترة خطوبة لعند ما تخلص علاجك، وتخلص امتحانك السنة الجاية، وبعد كدة الفرح إن شاء الله.

نهض حازم من مكانه، واحتضنه بقوة، ثم هتف بسعادة: حضرتك بتتكلم جد يا عمي؟ والله أنا مش عارف أقولك إيه، أنا أنا أسعد واحد في الدنيا.
ضحك عزيز، وهتف: إهدى يا مجنون هتخليني اغير رأيي.
رفع يده في حركة استسلام، وهتف: لااااا أرجوك أنا هسكت أهو.
عزيز بضحك: أيوه كدة شاطر،تعالى بقى نطلع برة نعرفهم أخر الأخبار، ونشوف المشروبات الجملي دي مجتش لعند دلوقتي ليه.

خرجا سوياً؛ فوجدا ريم، ووالدتها تجلسان في الردهة، وعلى وجه ريم علامات القلق؛ كمن ينتظر نتيجة اختبار الثانوية؛ أنا والدتها كانت تنظر لها بتعجب؛ فضحك عزيز، وهتف ممازحاً: عارفة ان ده ميعاد القهوة يابابا، وانت يا حازم تشرب إيه، فين ياست ريم؟

ضربت ريم جبينها بكفها بخفة، وهتفت: أوبس، والله يابابا نسيت أصلي... يعني...
ضحك والدها، وهتف: طيب انتي، وعقلك مش معاكي، ومامتك كمان فين؟
ضحكت والدتها، وهتفت: أنا لسه راجعة من برة حالاً، ولقيتها قاعدة هنا فسألتها فيه إيه قالت إن حازم معاك جوه، ويادوب هسألعا قدمت ضيافة انتوا خرجتوا.
عزيز بابتسامة: كويس انك نسيتي يا ريم علشان عايزين نشرب دلوقتي الشربات بدل القهوة

ارتسمت ابتسامة واسعة على فم ريم، وهتفت والدتها بتعجب: شربات!
عزيز بهدوء: حازم طالب إيد ريم إيه رأيك.
ابتسمت والدتها، وهتفت بسعادة: ودي محتاجة رأى أكيد موافقة، وهيبقى ابني زي ما بعتبر إيهاب جوز ميرنا بالضبط.
نظر عزيز لريم، وهتف: وانتي يا ريمو أنا عارف طبعاً رأيك؛ بس حابب اسمعها قدام حازم.
نظرت للاسفل بخجل، وهتفت: اللي تشوفه حضرتك يابابا.
عزيز بابتسامة: على خيرة الله، ألف مبروك يا حبايبي.

ضمتها والدتها بسعادة، وباركت لها؛ ثم تحدث حازم بسعادة: اسمحلي يا عمي أقدم لريم هدية ماما الله يرحمها، كانت معايا من يوم ما اتوفت، و النهاردة بس أول مرة افتح الصندوق على حسب رغبتها؛بس محبتش أشوف الهدية إلا معاكم هنا.

دمعت عين والدة ريم، وهتفت: الله يرحمها كانت روحها فيك يا حازم، وفضلت تحلم باليوم اللي تشوفك فيه عريس بس أمر الله.
عزيز بهدوء: اتفضل يا حبيبي.
أخرج حازم من سترته علبة طويلة من القطيفة الزرقاء، واقترب من ريم حتى أصبح مقابلاً لها، وفتح العلبة؛ فوجدوا بداخلها عقد رفيع من الألماظ، ينم شكله عن ذوق رفيع.

هتف حازم بحب: ماما كانت خايفة ذوقه ميعجبكيش أو إنه يكون موضته راحت؛ فقالتلي أنها بتتمنى تقبليه؛ حتى لو هتحتفظي بيه بس مش هتلبسيه.
ابتسمت ريم، ودمعت عيناها، ونظرت لوالديها، وهتفت: بعد إذنك يابابا ممكن ألبسه دلوقتي.
عزيز بابتسامه: لبسه لعروستك ياحازم، وكده يبقى ناقص الدبل وبس.

هز حازم رأسه برفض: لا طبعاً يا عمي بعد إذنك ريم تستحق تختار شبكتها بذوقها، وبعدين دي هدية ماما؛ لكن الشبكة هديتي أنا.
والدة ريم بدموع: طول عمرها مامتك ذوقها يجنن ربنا يرحمها لبسه ليها حبيبي.

ألبسه إياها، وهو يكاد يطير فرحاً كما هو حالها أيضاً، وهتف: أوعدك يا ريم قدام أهلك، اللي هما بقوا أهلي انا كمان إني هحاول قد ما أقدر أسعدك، واكون الزوج اللي حلمتي بيه، واني أكون قد ثقتكم فيا.

تجلس عبير، ومعها ملك في غرفة عاليا ينظرون لها نظرات مختلفة
فعبير تنظر لها بسعادة، ودموع الفرحة تملأ عيونها وهتفت: ألف مليون مبروووك ياختي، متعرفيش أني حاسة بإيه دلوك، والله كاني هطير من فرحتي.
احتضنتها عاليا وأدمعت عيناها: عارفة ياعبير انتي حاسة بإيه يا حبيبتي ربنا يباركلي فيكي، بس تعرفي كان نفسي أوي ماما، وبابا الله يرحمهم يكونوا معايا في التوقيت ده.

انسابت دموع عبير حتى عانقت ثغرها المبتسم، وهتفت: ربنا يرحمهم، هما أكيد حاسين بينا، وبتهايألي مكنوش هيطمنوا علينا قد دلوك أني مع ولد خالي حب سنيني، واللي دلوك شايلني في حباب عنيه، ومحتار يفرحني إزاي، وانتِ مع ولد عمك اللي عشقه كان باين عليه من وهو لساته صغير، أني متوكدة إنه هيجاهد علشان يسعدك زي ما بيعمل طوالي.

ابتسمت عاليا هى الأخرى، وهتفت: الظاهر كلكم كنتوا شايفين حب بدر ليا، واني الوحيدة اللي كنت غبية، وعايزة أهرب من الحب، والسعادة دي.
هتفت ملك بسعادة: ألف مبروك يا حبيبتي، مش قولتلك بدر بيحبك، وانتي كل كلامك وتصرفاتك كومان كانت بتقول إنك بتحبيه، بس بتكابري.
نظرت لها عاليا، وهتفت مبتسمة: الله يبارك فيكي ياقلبي، ومبروك ليكي انتي كمان عمر انسان محترم جداً، وهيشيلك في عنيه.

وقفت عبير، وهتفت: اسيبكم ترغوا مع بعض، واطلع علشان أمي نوارة متبقاش محروجة برة، وكومان اساعد مرت عمي اللي وحشتني في تحضير العشا.
عاليا، وملك في آن واحد: استنى هساعدكم.
ابتسمت عبير، وهتفت: لا العرايس ليهم تكريم عندينا خليكم عارفة انكم اتوحشتوا بعض، لما نخلص هنادم عليكم، وبعدين الجو برة جميل أوي كله فرحة إكدة، والله تعب الطريق راح كأنه مكنش، ولا مرت عمك إيمان حسيت كأنها هيطلع ليها جناحات ياعاليا.

ضحكت عاليا، وهتفت: أيوة صح هى حبيبتي فرحانة أوي علشان بدر، ومتقلقيش على طنط نوارة معاها زمانها اندمجت معاها، ومع ستي، ومقضيها دعاء لينا، وتهاني، وأفراح.

تركتهم عبير، وخرجت من الغرفة، والسعادة تداعب قلوبهن جميعاً.
التفتت عاليا لملك؛ فوجدت ها تنظر لها بتساؤل؛ فابتسمت، وهتفت: عارفة دماغك فيها إيه عايزة تعرفي إزاي وافقت على بدر، وازاي تفكيري اتغير، وكريم نسيته ليه صح؟
هزت رأسها بنعم، وهتفت بفضول: أيوه طبعاً، إيه اللي حوصل؟!

استلقت عاليا على الفراش، متكأة على ذراعها الأيمن واشارت لها أن تستلقي بجواره؛ ففعلت ذلك، متكأة على ذراعها الأيسر لتكون مواجهة لها، ونظرت لها باهتمام.
هتفت عاليا باختصار: كل اللي حصل إني عرفت فين الحب الحقيقي، وفين الحب الإفتراضي.
عقدت حاجبيها، وهتفت: عرفنا ان بدر الحقيقي، والتاني كان افتراضي زي ما بتقولي، بس بردك مش هسيبك غير لما تقولي كيف وصلتي لده؟!

روت لها عاليا ما حدث معها منذ أن وصلت من الصعيد حتى اكتشفت الوهم الذي عاشت فيه، واكتشفت ان حب بدر مُترسِخ في قلبها منذ الطفولة؛ لكنها ام تعي معنى هذا الحب الحقيقي إلا بعد صدمتها التي تعرضت لها.

نطقت ملك بذهول: معقووول كل ده حصلك، ومعقول كريم اللي كان في الصعيد كان من خيالك؟!
والحقيقي طلع بيحب حسناء مش انتي، لا وانتي كمان بعد صدمتك تفوقي، وتعرفي ان كلام الكل صح، وانك بتحبي بدر بس في صورة كريم، طيب الحمد لله إن الفكرة اللي في عقلك اتصلت، و فهمتي إن الحكم على الناس ميبقاش بالمظهر وبس.

بس تعرفي يا عاليا والله لو حد غيرك بيحكيلي الكلام ده يمكن مصدقوش. انا لما حكيتي ليا عن كريم ده معرفاش ليه مفرحتش إكده؛ لكن دلوك أني فرحتي بقيت فرحتين.

عاليا بضحك: أيوه ياستي هنياله فرحانة بينا، وفرحتك الكبيرة ب سي عمر؛ بس اكتر حاجة مفرحاني في موضوعك انتي وعمر هو انك هتبقى هنا معايا، وكمان جه نقل سالم هنا أجمل خبر فرحني علشان عبير، وأخيراً اتجمعنا.

ملك بهيام: عمر ده أجمل هدية من عليا ربنا بيها.
اعتدلت عاليا وحركت ذراعيها كأنها تعزف كمان وصحبتها بصوت: تيراررااا إيه يا ست ملوكة الرومانسية دي كانت مستخبية فين؟!

ملك بضحك: كنت بوفرها للي يستاهلها، وأهو جه والحمد لله، تعرفي خطوبتنا كانت ولا في الأحلام رغم إنها كانت في البيت، وعلى الضيق، بس كانت فرحتي متتوصفش، مكانش ناقصني غير وجودك معايا.

ضربت عاليا رأسها بكفها بخفة، وهتفت: أه صحيح من شوية حسناء كلمتني، وقالت إن كريم راح لباباها وحكاله كل حاجة تخصه، وبينله إنه بيتمني تكون حسناء من نصيبه، ولما باباها قالها انهم هيتجوزوا على طول بعد العدة لأن مينفعش خطوبة خلالها كلمتني علشان تعرف إزاي خطربتك تمت وانتي كمان لسه في فترة العدة؟

ملك بسعادة: أهم حاجة قولتيها قبل ما اجاوبك ان حسناء وكريم خلاص هيتجوزوا، وانتي مزعلتش لما عرفتي ده يبقى فعلا فوقتي بجد، وانا إكده أرتاح علشان مضايقش لو صدفت وعمر قابل حسناء.

عاليا بهدوء: وحتى لو مكنش ده حصل يا ملك أنا واثقة جداً في عمر، وحبه ليكي باين في كل تصرفاته، وأوعي تحطي في بالك انك مجرد مسكن أو أنك مكان جرح لأ لانه لو كان لسه بسحب حسناء كان حاول يرجعلها مجرد ما عرف انها اطلقت؛ بس ده محصلش، ها قولي بقى انتوا أكيد مكنتوش تعرفوا إن الخطوبة كده غلط صح؟

ملك بهدوء: لأ عارفين أكيد، وعمر بالخصوص لأنه محامي، وبيحب القراءة في كل المجالات وبالذات في الدين؛ بس سالم كلم عمر في يوم، ودخلوا المكتب، وغابوا جوه، وبعدين لما خرجوا عمر كان شكله زي العيل الصغير اللي جاله هدية بيحبها، وفرحان بيها، وفضل يومها يضحك، ويهزر مع الكل، ولما جيت أوصله عند الباب، وهو مروح، قالي إنه أسعد واحد
في الكون باللي عرفه، ومشي بسرعة من غير ما يفهمني.

روحت لسالم، وقولتله يفهمني اللي حوصل، وإيه سر الفرحة اللي عمر فيها دي من وقت ما اتخدت معاه.

قالي إنه كلم عمر إنه عايز يعمل لينا خطوبة علشان أهلنا هناك يعرفوا، واللي مش هيحب ياجي الفرح يبقى فرح معانا هناك، عمر قاله انه طبعاً هيكون سعيد بكدة، و يتمناه بس الشرع بيمنع حتى الخطوبة في فترة العدة.

سالم مكنش عايز يقوله الحقيقة، ويخليها مفاجأة ليه؛ بس في نفس الوقت انتي عارفه الناس عندنا بيهتموا ازاي بالتفاصيل، وحديت الناس بعد ما نسيب البلد كان لازم يكون زين مش يقولوا خد اخته المطلقة، ولزقها لحد في اسكندرية، أو أنه ساب البلد علشان اخته أطلقت وميعرفوش السبب كان لازم إشهار اني اتخطبت، وحكاية حكم الشرع مش مهم الناس هيقولوا إيه المهم اننا عارفين اننا بينا بنعمل الصح وبس؛ فقال لعمر إن جوازي متمش، وانه كان على الورق بس، وحكاله ظروف اللي خلت حامد يتجوزني من الأول.

سالم قالي إنه شاف عمر وقت ما سمع الحديت ده كان عقله هيطير من فرحته، وقام وفضل يحضن في سالم، ويبوس في رأسه، ويقوله انت أحسن ظابط، وأخ، وصديق في العالم كلاته.

ولما هدا شويه قاله إن إكده الخطوبة ممكن تتم عادي؛ لأن حكم الشرع انقسم في الحكاية دي لفريقين من العلماء
منهم من قال ان العدة تتوقف على إتمام الزواج، ومنهم اللي قال ان العدة تقع بمجرد حدوث خلوة فقط يعني يجمعنا مكان واحد حتى لو الجواز متمش، وأن مدام فيه اختلاف يجوز اننا نتبع أي رأي فيهم.

عاليا بسعادة: وانتي اساسا لا حصل إتمام جواز، ولا حتى خلوة لأنك قولتي انه كان بينام في اوضة تانية، أو بيسهر طول الليل بره ويرجع الصبح، وانتي برة الأوضه، وسواء ليكي عدة أو لا فهى مجرد خطوبة وبس صح كده؟

هزت رأسها بنعم، هتفت بضحك: صوح يا أذكى اخواتك،سالم قال خلينا في الأمان عقبال ما نستقر إهنه يكون باقي ال ثلاث شهور خلصوا، ويبقى احنا عملنا بالرأيين.
احتضنتها عاليا مرة أخرى، وهتف: مبروك علينا يا قلبي ربنا يسعدنا، واااو هنبقا جيران كمان يا ملوكة انا متخيلتش اني احس بكل السعادة دي في يوم.

ملك بسعادة: واني كومان ياعاليا، والله رغم كل الحزن اللي مريت بيه كنت حاسة ان ربنا هيريح قلبي في وقت ما، وأكتر حاجة مفرحاني اوي أمي اللي اتغيرت معايا للأحسن ٣٦٠ درجة، زي ما يكون لما حست اني هروح منيها فاقت، وغيرت معاملتها معانا اني، وعبير كومان.

عاليا بسعادة: الحمد لله يا قلبي.
ملك: هقوم بقى اقعد، معاهم شوية على ما سالم، وعمر يرجعوا مع بدر، وعمي من بره.
عاليا بضيق مصطنع: ايوه سي بدر ما صدق سالم يكلمه يقوله انكم وصلتوا، وجه بسرعه وصلكم فوق هنا، وخد سالم، وعمر وراحوا لعمي تاني عند والد ميرفت.
عقدت حاجبيها، وهتفت: وانتي ايه مضايقك إكده؟!
معقول انهم مع أبو ميرفت.

هزت رأسها بالنفي، وهتفت بخجل: لا بس بدر البدور وحشني
ضحكت ملك بصوت عالي حتى وضعت يدها على فمها كي تخفض منه، وهتفت: والله ووقعتي ياعاليا، والله انتي عجيبة.

ضربتها عاليا بخفة، وهتفت: على فكرة بقى، ولا عجيبة، ولا حاجة، طول عمره بيوحشني، وطول عمري بخاف على زعله بس دماغي اللي كانت غبية، وياله بقى من هنا بطلي رخامة، هذاكر شوية صغيرين عقبال ما يوصلوا وعلشان نسهر سوا.

تركتها ملك، وخرجت، وجلست هى على مكتبها وأمسكت دفتر الرسم الخاص بها، ومزقت جميع الصور الخاصة بكريم، ولم تتخلص من الورق المقطع؛ فقد فضلت أن تتخلص منه أمام بدر، ثم تنهدت بارتياح، وشرعت في المذاكرة لفترة دامت ل الساعة، والنصف، ثم استمعت لصوت الباب يعلن عن وصول حبيب عمرها كما أطلقت عليه بينها، وبين نفسها؛ لأنه حبيبها منذ أن بدأ عمرها.

نهضت مسرعه، وقامت برفع ذراعياها للأعلى، و للجانب كحركه لاستعادة نشاطها، وتحركت مسرعة نحو خزانة ملابسها أخرجت فستان باللون الأزرق، ويتوسطه حزام أبيض، وارتدت حجاباً من اللونين معاً، ولم تضع أي من لمسات الزينة سوى الكحل فقط.
وقفت تطلع لنفسها في المرآة، وضعت يدها على قلبها في حركة تلقائية تريد بها تهدأة دقاته، وهتفت محدثة صورتها: مالك يا عاليا إيه الحالة اللي انتي عايشها دي، معقول كنتي عايزة تحرمي نفسك من كل الفرحة دي، معقول كل الحب ده جواكي وكنتي بغبائك عايزة تربطي نفسك بحد تاني.

أغمض عيناها، وتنهدت بارتياح، ثم فتحتهم وهتفت مبتسمة: الحمد لله إنك فوقتي قبل فوات الأوان.
ألقت لنفسها قبلة، وسمعت صوت جدتها تنادي، عليها؛ فخرجت والسعادة تعانق قلبها الصغير.

لا تعلم لما يداعبها شعور الخجل هكذا؛ فهذا البيت هو نفسه البيت الذي قضت به سنوات كثيرة منذ أن جاءت إليه من بلدها، وهؤلاء هم أهلها التي عاشت بينهم بكل حرية، وهذا هو بدر الذي كانت تطلق عليه منذ أيام قليلة لقب أخ؛ لكن منذ أن صرحت بمشاعره أمامه، وهى تشعر بأحاسيس غريبة، وجميلة في آن واحد.

خطت خطوات هادئة، وهى تتلاشى أن تقع عينيها عليه كي لا تفقد توازنها، ويسيطر عليها الخجل أكثر من ذلك.
ألقت التحية على الجميع، ورحبت بسالم، وعمر بابتسامة هادئة.

لم تعي لنظراته المعجبة بشدة بها، وكأنه يراها لأول مرة؛ بالفعل هى أول مرة يراها وهي حبيبته وملكه فقط، كم تمنى هذه اللحظات، وكتب في انتظارها الأشعار، ولم يتخيل أن تتحقق، وتتحول لواقع.

كاد كامل أن يتحدث؛ لكن صوت إيمان قاطعه هاتفة بسعادة: يا أهلاً وسهلاً بجوز بتي الكبيرة كيفك ياسالم معلهش كنت بجهز العشا مجيتش رحبت بيكم على طول.
سالم بابتسامه: أهلا بحضرتك يامرت عمي، بكفاية مقابلتكم الزينة، واستقبال عمي، وستي و تسلم يدك مقدماً ياست الكل.

إيمان: كيفك ياعمر ياولدي ألف مليون مبرووك ربنا يتمم فرحتكم على خير، ومعاك فرحة صاحبك.
وضع عمر يده على صدره كتحية، وهتف بابتسامه: الله يبارك في عمرك يا خالتي.
إيمان بهدوء: العشا جاهز على السفرة يا حاج كامل.
نهض كامل، وهتف: ياله ياجماعة اتفضلوا البيت بيتكم.

بعد فترة أنهوا طعامهم، وجلسوا في غرفة استقبال الضيوف، ونادت إيمان على عاليا فذهبت لها داخل المطبخ؛ كانت تعد القهوة.
عاليا بهدوء: بتنادي عليا يا طنط.
إيمان بفرحة: أيوه ياقلبي.

نظرت لها بعيون تملؤها السعادة، وهتفت: بسم الله تبارك الله طول عمرك قمر يا عاليا بس النهاردة جمالك مضاعف في عيني، شوفي من إهنه ورايح متقوليش ياطنط دي، أني قولتلك قبل سابق قوليلي ياما أول ما جيتي إهنه بس محبيتش اغصب عليكي لما مقولتيهاش؛ لكن دلوك انتي بتي بحق، وحقيق يعني بتمنى اسمعها منيكي.

ابتسمت عاليا بهدوء، وهتفت بخجل: حاضر ياماما.
اقتربت منها إيمان، وضمتها بحنان، وهتفت: يحضرلك الخير، والسعد يا حبيبتي.
حملت بين يديها صينية عليها أكواب القهوة، وناولتها ل عاليا، وهتفت بسعادة: خدي يا عروستنا يا قمر اية دخلي القهوة لعمك جوة، زمناته بيتحدت مع سالم في جوازكم.

اشتعلت وجنتيها بحمرة الخجل، وأخذت منها، واتجهت نحو غرفة الضيوف بخطى هادئة للغاية، وعيون ناظرة للأسفل، عندما رأها كامل هتف: وأهي عروستنا جت أهي تعالي يابتي
تبعتها إيمان، وفاطمة، واجتمع أ جميعاً في الغرفة.
قدمت عاليا لهم القهوة، وكاد أن تخرج إلا أن عمها اوقفها بقوله: مفيش حد غريب يابتي تعالي.

نظر لسالم وجده متعجب بعض الشئ من كلامه؛ فهتف: شكلك مستغرب حديتي يا سالم ياولدي؛ بس هقولك عاليا بتي، واني في مقام ابوها الله يرحمه؛ وانا أخوها الكبير، وأي عريس جاي لعاليا لازم الموافقة تكون شورة بينا، واني أكيد موافق على العريس اللي متقدم ليها، لسه بس رأيك.

نظر سالم مسرعاً نحو بدر؛ فهو يعلم مدى حبه ل عاليا؛ فوجده مبتسم؛ ففهم ما يقصده كامل، وقبل أن يتحدث أكمل كامل حديثه: بدر ولدي رايد يتجوز عاليا ويكمل نص دينه.

اتسع فم سالم معلناً عن ابتسامة سعادة نابعة من قلبه، وهتف: شوف يا عمي حضرتك اللي مربي عاليا، ومن حقك لوحدك تقرر زواجها لأن أني واثق إن مفيش حد هيخاف عليها قدك، وأن كان حضرتك بتاخد رأيي باعتباري في مقام ولدك، واخوها الكبير؛ فأكيد مفيش حد هيصونها، وقدرها زي بدر، فلو هى موافقة يبقى ألف مليون مبروك يا عمي، ربنا يسعدهم.

كامل بهدوء: أني سألتها قبل ما اكلمك؛ بس هنقول تاني قدامكم
نظر لعاليا التي ظهر على فمها ابتسامة خفيفة، وختف: ها يا عاليا يابتي موافقة ومقتنعة، أوعى تفكري انه علشان ولدي ممكن أزعل لو غيرتي رأيك انتي بتي زي ما هو ولدي، واللي يهمني راحتك؛ فقولي رأيك من غير خوف.

ابتسمت عاليا، وهتفت بهدوء، وخجل: ربنا يبارك لي في عمرك يا بابا، اللي تشوفه حضرتك.
كامل بضحك: طالما فيها بابا يبقى زغردوا يابنات فرحونا بقى.
علت الزغارديد وهنأ الجميع بعضهم، ووقف بدر، وهتف: بعد إذنك يابابا، وانت كمان ياسالم أنا مش عايز خطوبة.
نظر له الجميع بذهول، وبالأخص عاليا؛ لكنه فاجأهم بأنه أخرج من سترته علبة من القطيفة، وهتف: عايز فرح على طول ويكون ده بعد شهر من أخر يوم في امتحانات عاليا ممكن؟

تنهد الجميع، وعادت الابتسامة لوجوههم، وهتف كامل: ماشي واني موافق وانت رايك ايه ياسالم.
سالم بابتسامة: إيه رأيكم يكون الفرح جماعي لعمر، وملك، وعاليا وبدر، ويكون تاني يوم من انتهاء عدة ملك.
وافق الجميع على هذا الرأي، وهتف بدر: طيب اسمحولي بعد إذنكم ليا طلبين حالياً.
ضحك سالم، وهتف بنزاح: أاااه طلباته كترت ياعمي بقول نفركش.

ضحك كامل، وهتف: بلاش ياولدي شوف وشه قلب إزاي خاف على روحك يا حضرة الضابط.
سالم يصطنع الخوف:عندك حق يا عني، دي عينه هطلع شرار، اتفضل يا بشمهندس بدر طلباتك أوامر.
ابتسم بدر، وفتح العلبة التي بيده، وهتف: اسمحولي أنا اشتريت دبلتين مؤقتاً، وحابب نلبسهم دلوقتي، وأن شاء الله اول ما عاليا تخلص امتحان نخرج كلنا، وتختار الشبكة اللي هي تحبها ممكن.

كامل بموافقة: طبعاً يا ولدي، حتى تبقى خطيبتك رسمي.
بدر بهدرء: طيب بعد إذنكم ممكن ننزل أنا، وعاليا نتمشى شوية؛ لأنها أكيد الأيام الجاية مش هتكون فاضية، وانا كمان مش هعطلها علشان الامتحانات، هى بتحب تروح على البحر، وانا بتمنى البسها الدبل دي هناك ممكن؟

كامل بهدوء: ماشي أني معنديش مانع؛ بس متعوقوش، ولو مفيش عندك مانع ياسالم يا ولدي خلي عمر، وملك يخرجوا يتهوا معاهم، وأديكم إكده، ولا إكده مبيتين إهنه معانا زي ما قولتلك عقبال ما تجهزوا شقتكم براحتكم.

حك سالم مقدمة رأسه فعادتهم لا تسمح لهم بخروج قبل الزواج؛ لكن عمه كامل من الواضح تأثر بعيادات أهل الإسكندرية؛ فهتف: طيب إذا كان إكده نخرج معاهم أني، وعبير كومان أهو نشم هوا نظيف على البحر.

هتفت نوارة بابتسامه: ومتشلوش هم مروان هو في حضني على ما ترجعوا بالسلامة.
قبل الخروج استأذنت عاليا، وأحضرت حقيبتها التي وضعت فيها شيئاً ما، وهتفت: انا جاهزة
خرج الجميع وسعادتهم عنوان نظراتهم، وصلوا عند الشاطئ، وكل منهم سار بجوار حبيبته، على مسافات ليست بالبعيدة، ولا بالقريبة من بعضهم

عندما شعر بدر أنه ابتعد قليلا عن البقية، أو بمعنى أدق سمحوا له بالابتعاد قليلأ؛ لكنهم مازالوا في مجال الرؤية.
أوقف عاليا، ووقف أمامها وأخرج من سترته العلبة التي كانت من القطيفة الحمراء، وفتحها أمامها، نظرت لها عاليا؛ فوجدت بداخلها الحلقتان واحدة من الذهب، والأخرى من الفضة.

ابتسمت، ونظرت لبدر بحب فوجدته يمسك الحلقة الذهبية، وهتف: الدبل دي معايا من سنين كتير، أوي يا عاليا، ومنقوش عليها اسامينا،وكنت بحلم باليوم اللي ممكن نلبسها لبعض، كنت بتمنى الحلم يبقى حقيقة علشان كدة اشتريتهم، وكنت كل يوم لازم أفضل أبص ليهم، واكلمهم، وكأني بعبر ليهم عن حبي ليكي.

جثى أمامها على ركبة، ومستند على قدمه الأخرى، ومد يده لها وهو يهتف: أميرتي تسمح لي أحقق حلمي؟

لم تتخيل أن يشعر قلبها بكل هذه السعادة؛ فابتسمت، ومدت يدها المرتعشة له؛ فأمسكها مسرعاً، و ألبسها الحلقة الذهبية، وقبل كفها برقة، ونهض يمد لها الحلقة الأخرى؛ فأمسكها، وألبسته إياها في إصبعه، وهتفت: بدر أنا مش قادرة أوصفلك أنا فرحانة إزاي في اللحظة دي؛ قد كده كنت عامية، ومش قادرة أشوف حبك؟!
قد كده بغبائي فسرت اهتمامك، ولهفتك أخوة؟!
أنا بجد أسفة على كل لحظة جرحتك فيها، وكل دقيقة فكرت في حد تا...

قاطعها بدر، بوضع يده على شفتيها، وهتف بهدوء: ياريت منتكلمش في اللي فات، خلينا نفكر في اللي جاي، وبقولك وانا متأكد إن مهما كانت فرحتك؛ مش هتكون قد فرحتي بيكي، وأوعدك إني أعمل المستحيل علشان أسعدك، وأول حاجة إني كنت كلمت دكتور علشان أعمل عملية تساعدني أنزل وزني علشان...

قاطعته عاليا هذه المرة هاتفة: لا مفيش عمليات، مش، ممكن أوافقك على كدة.
بدر بتعجب: بس انتي كنتي نفسك اني أخس.
عاليا بصدق: ده قبل ما أفهم الحب صح، ده أيام ما كنت سطحية وبحكم بالمظاهر، وبس أنا كل اللي يهمني دلوقتي هو ده.

قالتها، وهى تشير بإصبعها إلى قلبه ثم هتفت مكملة حديثها الذي أطرب قلبه: أما تنزل وزنك أو لأ ده يرجع لك انت بس بدون عمليات، وكمان بأكد لك إنك علمتني معنى الحب الحقيقي يابدر، وانت اللي خرجتني من وهمي، أنا بحبك يا بدري.
فتح ذراعيه في الهواء وهتف بصوت عالي: يااااااااه أخيراً يا روح بدرك نطقتها، بحبك ياعالياااا بحباااااااك.

عاليا بضحك: صوتك عالي يامجنون استنىدبس عايزة أوريك حاجة، أخرجت من حقيبتها علبة وفتحتها؛ فنظر لها بدر وجد قطع من الأوراق ممزقة؛ فسألها بتعجب: إيه ده؟

عاليا بهدوء: ده حبي الافتراضي كل الصور اللي رسمتها لكريم قطعتها، و عايزاك انت تطيرهم في الهوا علشان يبقي ده نهاية الوهم.
اتسعت ابتسامة بدر، وأمسك العلبة منها، وأخرج قصاصات الورق وقام بنثرها في الهواء، وهو يهتف: بحبك بحبك بحبك يا عاليا ااا.
ثم وقف، ونظر لها في عينيها بحب؛ فأخرجت من الحقيبة ورقة أخرى مرسوم عليها رسمة؛ فنظر لها، و جدها قد رسمته هو، وهى بجواره بفستان زفاف، وكتبت فوقها الحب الحقيقي.

أخرجهم من عالم الهيام الذي ذهبوا له سوياً صوت تصفيق سالم، وعبير، وملك و صافرات أطلقها عمر عندما اقتربوا منهم.
فنظروا لهم، وهم يضحكون، و اقتربت ملك، وعبير من عاليا يرون الحلقة الذهبية التي زينت إصبعها، واختضنوها مهنئين لهم، و متمنين حياة سعيدة تجمع قلوبهم جميعاً.

في نهاية رحلتي الطويلة مع أبطال روايتي اللي كل واحد منهم ليه حكايته المميزة، وكل واحد فيهم بطل أول للرواية أحب أقول حاجة صغيرة.
الحكم بالمظهر أكبر خطأ ممكن يرتكبه إنسان في حق نفسه؛ لأن الجوهر هو الباقي، و القشرة الخارجية مهما كانت براقة سيأتي عليها ميعاد، وتصدأ، أو تتساقط، وتظهر على حقيقتها.

أتمنى أكون وصلت فكرتي بسهولة، وتكون الرواية خفيفة على قلوبكم، وهادفة.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة