قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة بكامل فصولها

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

كانت بدور تمشى على البحر وحدها بعد ان تركتها نوران لتذهب وتطمئن على سليم، التفتت تنظر الى البحر الذى تعشقه، تتأمل أمواجه الهادئة، تلك الأمواج التى لطالما ضمتها فى صغرها، تلك الأمواج التى حملت دائما بقايا ذكرياتها، كم تتمنى لو تعود تلك الأيام، حين كانت صغيرة، كان أكبر همها آنذاك هو أن تقنع والدها كى يأخذها الى الملاهى، أو تقنعه بالذهاب الى الأسكندرية فى الأجازة الصيفية كى تزور عائلة عمها..،

أو بالأحرى كى تزور حبيبها نزار، لتمر الأيام وتكبر الهموم ويصبح الآن جل همها، أن تنسى ذلك الحبيب، تنسى حياة بأكملها، أغمضت عينيها تتساقط دموعها لتفتح عينيها بقوة حين تناهى الى مسامعها صوت تعرفه جيدا يقول بحدة:
كنتى فاكرة انى مش هعرف مكانك، مش كدة يابدور؟
التفتت الى صاحب الصوت لتتسع عيناها بصدمة وهى تتأكد أنه هو وأنها فعلا تراه، لتقول بخوف:
نزار !

اقترب منها تتطاير شرارات الغضب من عينيه ليمسك ذراعها قائلا فى قسوة:
بتهربى منى يابدور، أنا، نزار العدوى، مراته تهرب منه وتستخبى عند ناس غريبة، هى دى آخرتها يابدور، بتهربى من جوزك حبيبك، للدرجة دى هنت عليكى؟

أفاقت من صدمتها على كلماته التى أثارت بداخلها كل مشاعر الغضب فى قلبها لتضحك بسخرية وسط دهشته من رد فعلها والذى لا يشبهها مطلقا، لتنفض ذراعها من يده وتدفعه بيدها فى صدره قائلة:
بدور اللى كانت بتحبك وعايشة عشان تسعدك ماتت يانزار

أصابته الصدمة من كلماتها لتدفعه مرة أخرى قائلة بغضب:
ماتت مع كل جرح جرحتهولها، مع كل اهانة وكل قلم أخدته منك
لتدفعه بقوة أكبر حتى انه اضطر للتراجع خطوة وهى تقول بمرارة:
ماتت يوم ما شافت خيانتك بعنيها، يوم ما قتلت ابنها بايديك، بدور ماتت، فاهم ماتت، ماااااتت

لتنهار أرضا، فلم تعد قدماها قادرتان على حملها تضعفها آلامها وذكرياتها، تبكى فى لوعة يشهد عليها نزار الذى وقف جامدا لا يدرى ما يفعل وهو يراها منهارة على هذا النحو

غافلين عن ذلك الرجل الذى يقف بعيدا شاهدا عليهما، تمتلئ عينيه بالدموع شفقة على تلك الرقيقة التى عانت الكثير مع ذلك الرجل الواقف بجمود أمام انهيارها، يود لو يذهب هو الآن ويرفعها من على الأرض ليضمها الى صدره يحتوى ذلك الألم المحفور على ملامحها ويوقف انتفاضتها التى أشعلت كيانه حزنا عليها، ليقبض على يديه بقوة، يمنع نفسه بصعوبة عن فعل ذلك.

اقترب منها نزار ومال يلمس كتفها ليدرك زين أن أحلامه من حق رجل آخر حتى وان كان نذلا لا يستحقها، كاد أن يبتعد لولا أن رأى انتفاضة بدور ونهوضها ليقترب منهما بسرعة...قالت بدور بكره:
ابعد ايدك دى عنى ومتلمسنيش بيها تانى، انت ايه ياأخى؟، قلتلك خلاص كرهتك وكرهت لمستك لية، اخرج من حياتى بقى..
عاد الغضب الى ملامح نزار وهو يراها تبتعد عنه، تسرع فى خطواتها ليمسكها من ذراعها بعنف يوقفها قائلا بحدة:
اقفى هنا، رايحة على فين؟
التفتت اليه قائلة بغضب:
قلتلك متلمسنيش، انت ايه مبتفهمش؟

اشتعل الغضب بعينيه ورفع يده لتغمض بدور عينيها تنتظر صفعته لتنتظر وتنتظر دون أن يصفعها، لتفتح عيونها ببطئ وتنظر الى ذلك المشهد الذى أثار دهشتها فبينها وبين نزار وقف زين يمسك بيد نزار المرفوعة بقوة مانعا اياه من صفعها، يتبادلان نظرات الكراهية والتحدى، يسود الصمت بينهما والذى لم يقطعه سوى زين الذى أنزل يد نزار قائلا فى صرامة:
أظن مش من الرجولة انك تمد ايدك على واحدة ست

جز نزار على أسنانه قائلا:
وانت مالك انت، بتتحشر ليه بين واحد ومراته؟
قالت بدور بسرعة:
جوازنا انتهى يانزار، ويا تطلقنى ياهرفع عليك قضية طلاق يانزار، وانت عارف أد ايه قضية زى دى ممكن تأثر عليك وعلى شغلك

نظر اليها نزار بغضب قائلا:
بقى كدة يابدور؟، ماشى، بكرة تندمى، أنا همشى، بس موضوعنا منتهاش، الظاهر انك نسيتى جوزك يبقى مين، ولازم أفكرك..
أشاحت بنظراتها بضيق ليلتفت مغادرا بعد أن رمق زين بنظرة غاضبة ليلتفت زين على الفور الى بدور قائلا:
انتى كويسة؟

أومأت برأسها ايجابا وهى تأخذ نفسا عميقا، تتمالك به نفسها، فمازالت ترتجف من أثر مواجهتها مع نزار، ليلاحظ زين ارتجافتها ويخلع جاكت بذلته مانحا اياها لتنظر اليه بدهشة ويقول هو بارتباك:
الجو برد عليكى، البسيها هتدفيكى

أخفضت نظراتها المرتبكة من اهتمامه لتأخذها منه شاكرة اياه بصوت ضعيف مرتبك، ارتدتها، ليبتسم هو ملاحظا خجلها، ثم تنحنح قائلا:
لو تسمحيلى اوصلك عشان أتأكد انه مش هيتعرضلك تانى؟
أومأت برأسها دون أن ترفع عينيها اليه ووجنتيها تحمر خجلا، لتصير أجمل، ويدرك هو أن كل محاولاته لمقاومة مشاعره وتجنبه رؤيتها منذ أتى الى القرية قد باءت بالفشل وأنه وقع فى غرامها وبشدة

بحثت نوران بعينيها عن سليم حتى وجدته فى ذلك الركن البعيد من حمام السباحة، يجلس على كرسى ممدد، يستند بظهره اليه، يلبس نظارته السوداء ويضع يده على عينيه لتقترب منه حتى أصبحت أمامه تتأمله بحب، حاجبة عنه أشعة الشمس، ليرفع يده عن عينيه، قائلا:
نوران !
ابتسمت برقة قائلة:
نفسى أعرف بتعرفنى منين؟ أنا قلت من البرفيوم بتاعى، وعشان كدة محطيتوش، عشان أتأكد من ظنى، لكن بردو عرفتنى، ازاى بس؟ مش عارفة

ابتسم وهو يعتدل ليمد يده ويأخذ بيدها وهو يجلسها بجواره ليرفع يده ويمررها على وجنتها قائلا بحنان:
الأول كنت بعرفك من صوت خطواتك فعلا والبرفيوم بتاعك، ما هو الأعمى بتكون حواسه التانية أقوى بكتير، عشان تعوضه عن عينيه، بس تعرفى يانوران أنا مبقتش اعرفك من خطواتك ولا حتى من ريحتك، أنا بقيت بعرفك بده

وأشار الى قلبه، لتتسع عينيها من اشارته، ترى هل أحبها مثلما تحبه، أيثلج قلبها ويطمئنها بكلمات عشقه؟، ليستطرد قائلا:
قلبى بيرتاح أوى لما بيحس بيكى جنبه، بطمن، بحس بشعور غريب مبحسوش غير فى وجودك

ابتسمت بحنان، ربما لم يقولها لها صريحة ولكن تكفيها كلماته لتمنحها الأمل فى أن يصرح بحبها ذات يوم، فكلماته تعبر عن حب وليد، سيكبر فى يوم من الأيام، ربما ذات يوم يعشقها مثلما عشق نور، اقتربت منه تضع يدها على قلبه قائلة بحنان:
ربنا يخليلى قلبك ويخليك لية ياسليم

ربت على يدها المستكينة على قلبه بحنان، ليعقد فجأة حاجبيه ويظهر على وجهه الألم، وهو يمسك رأسه بقوة، قالت نوران بجزع:
مالك ياسليم.فيك ايه؟
قال سليم فى ألم:
صداع رهيب بيجينى فى الفترة الأخيرة، لو سمحتى يانوران، كوباية مية وحباية مسكن بسرعة

أومأت برأسها بسرعة قائلة وقد أقلقها شحوبه:
ثوانى أجيبهملك..
لتنهض مغادرة بسرعة ولكنها مالبثت أن توقفت تستدير اليه تتأمله للحظة، ينتابها القلق عليه ليقول هو بصوت متهدج من الألم يحاول أن يبث الطمأنينة فى قلبها وقد شعر بقلقها وخوفها من تركه وحيدا:
أنا كويس يانوران، روحى هاتى المسكن، وأنا هبقى تمام، متقلقيش ياحبيبتى

أومأت برأسها، لتبتعد بخطواتها المسرعة ليطلق سليم آهة ألم كان يكتمها حتى لا يصيب نوران بالقلق فهو يعلم كم تعشقه وتخاف عليه، وكم أصبح بدوره يعشقها حتى أنه كان يحاول جاهدا أن لا يظهر ألمه الذى أصبح يراوده مؤخرا حتى لا يسبب لها القلق، ولكن اليوم ألمه ازداد حتى أصبح لا يحتمل، ربما وجب عليه أن يزور الطبيب حتى يطمئن على حالته، فقد أصبحت حياته مهمة منذ أن عرف ملاكه البرئ، حبيبته وزوجته،،، .نوران

اقترب شهاب بهدوء وخطوات خفيفة من زوجته ضحى الشاردة وهى تقلب محتويات الإناء فى هدوء، غافلة عن ذلك الذى يراقبها منذ دقائق، يتأمل بعينيه جمالها الخلاب فى عشق، يلاحظ شرودها وتقليبها فى اناء لا يوجد به سوى الماء، تاركة عيدان المعكرونة جانبا، ليذهب إليها ويحملها فجأة مسببا لها الصدمة لتصرخ بفزع ثم تدرك أنه حبيبها شهاب وهى تسمع ضحكاته الرنانة تطرب أذنها وتنسيها تلك الأذمة القلبية التى كاد أن يسببها لها لتقول باابتسامة:
ماشى ياشهاب، بتخضنى، طب نزلنى وأنا أوريك..

ابتسم وهو ينزلها ويلفها لتواجهه دون أن يخرجها من محيط ذراعيه ليرفع يده يزيح خصلة شعر شاردة من على وجنتها ويرجعها خلف أذنها يتأمل ملامحها بعشق قائلا:
نزلتك أهوو، هتورينى ايه بقى؟

تأملت ملامحه التى تعشقها لتشعر بجفاف فى حلقها، مررت لسانها على شفتيها، تشعر بجفاف حلقها، تحاول أن تخرج صوتها الذى أضاعته متابعة شهاب لحركتها تلك، ليتغير لون عينيه وتزداد قتامة، وهو يهبط بشفتيه يلتقط شفتيها فى قبلة رقيقة وكأنه يستطعم شفتيها المزينتان بأحمر شفاه وردى، جعلاه يشعر بأن مذاقهما خمر أسكره، ليبتعد عن شفتيها ببطئ ناظرا الى عينيها الناعستين الجميلتين واللتان تنظران اليه بوله ليقول بهمس:
لو مبطلتيش تبصيلى بالشكل ده يبقى انتى اللى جيبتيه لنفسك ياضحى..

ابتلعت ريقها وهى تحاول أن تتمالك نفسها من تلك المشاعر التى اجتاحتها لتقول متلعثمة:
وانت لو، مبطلتش تلمسنى بالشكل ده الأكل هيتحرق ومش هتتغدوا ياحبيبى..
ليطلق شهاب ضحكة عالية أثارت دهشتها وهو يمسك بيدها ويوجهها الى الموقد قائلا:
وهو فين الأكل ده ياحبيبتى؟
نظرت الى الوعاء الذى تغلى به المياه بدهشة ليستطرد شهاب مبتسما وهو يقرصها بخفة فى وجنتها:
مين اللى واخد عقلك ياقمر؟

تنهدت قائلة:
بدور ياشهاب، قلقانة عليها. ونفسى أشوفها..
مال عليها يقبل وجنتها برقة ثم قال:
بس كدة، ليكى علية أخلص كل الشغل اللى ورايا النهاردة، ونسافر لهم الصبح علطول..
ظهرت الفرحة على ملامحها لتقول بسعادة:
بجد ياشهاب؟

ابتسم لفرحتها الطفولية قائلا بحنان:
بجد ياقلب شهاب.
لتسرع وتقبله على وجنته قائلة فى سعادة:
انت أحسن زوج فى العالم ياشهاب.
ليبتسم شهاب وهو يغلق الموقد رافعا اياها وسط دهشتها قائلا:
أنا بقول نطلب أكل جاهز النهاردة.
لتكتم ضحى ضحكتها وهى تدفن وجهها فى عنقه، فحبيبها مجنون وهى تعشق جنونه

قالت أريج فى غضب:
يعنى هيكونوا راحوا فين، سافروا فين من بدرى كدة؟
أجابها محدثها قائلا:
مش عارف ياهانم أنا سألت البواب عليهم وكل اللى قالهولى انهم سافروا بعد الفجر علطول.
قالت أريج بحدة:
ما أنا مشغلة معايا شوية أغبية، قلتلك خلى واحد واقف أدام البيت ال ٢٤ ساعة

لتزفر محاولة أن تهدئ من نفسها، ثم قالت بصرامة:
عموما مش مهم، ما هم أكيد هيرجعوا، خلى حد يراقب البيت ال ٢٤ ساعة وأول ما يوصلوا بلغونى، مفهوم؟
قال محدثها بهدوء:
مفهوم ياهانم.
لتغلق الهاتف بغضب وهى تنظر الى صورة شهاب الموضوعة أمامها قائلة:
هتروح منى فين ياشهاب، أنا وراك والزمن طويل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة