رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الثالث والعشرون
بين ليلةٍ وضحاها باتت أسيرة لرجالٍ كثيرة أحاطت بها، أوقعت نفسها في مأزق؟ نعم. أغمضت عيناها برعب عندما شعرت بفوهة السلاح تقترب من رأسها أكثر، وصوت مقيت دائمًا ما كانت تشمئز عند سماعه يهتف بفحيح:
والله زمان يا بنت شاهين؟ دا أنا فضلت أدوَّر عليكِ كتير بس ملقتكيش، وكأن الارض انشقت وبلعتك! بس شوفي سخرية القدر؟ أنتِ اللي جيتيلي لحد عندي.
ظنها ستخاف وتنكمش على نفسها، كان يستعد بأن يرى نظرات الذُعر والهلع مُرتسمة على عينيها، لكن ما قابله هو البرود والقسوة، ضحكة ساخرة تشكلت على ثُغر يمنى، تبعها ضحكاتها العالية التي رنت صداها في أرجاء الشركة الصامتة بسكون مُخيف، سيطرت على ذاتها قليلًا، وبقوة معهودة نبعت تدريجيًا منذ الصِغر أردفت بقسوة:.
جيالك بمزاجي يا صادق، بس المرادي مش جاية لوحدي، أنا جايبة معايا إعصار هيدمرك أنت وأمثالك، ورحمة أبويا أنا اللي هخليك تبكي بدل الدموع دم، هخليك تتحسر على الأُوبهة اللي أنت عايش فيها دي هشوفك وأنت بتترجاني زي الكلب ومش هشفق عليك حتى لو مُت قدامي، هتكون كلب ذليل حقير مش لاقي اللي ينقذك من الدمار اللي جايباه معايا.
احتدت عينيّ صادق بغضب شديد مُرعب، وعلى بغتة أنزل سلاحه واقترب منها مُمسكًا إياها من خصلاتها لتقوم بإرجاع رأسها للخلف تلقائيًا بألم، شعرت بشفتيه تلمس شحمة أُذنها، تبعه صوته الهامس بفحيح: أبوكِ كان زيك كدا بالظبط، قبل ما نقتله.
قال الأخيرة ببطئ تلذذ به وهو يُتابع معالم وجهها التي تتحول للحقد، ورغم الخطر المُحيط بها من كل جانب؛ تحدثت بقوة نابعة من دواخلها: عارف يا صادق؟ حتى الموت مش هخليك تتهنى بيه.
ألقت بحديثها في وجهه مُحدجة إياه بشماتة، لتجد أن حديثها قد جاء بمنفعة عندما اشتدت قبضته بالضغط على خصلاتها بغل، كانت تتألم وتشعر بأن رأسها يكادُ أن يُخلع من محله، لكن لذة الإنتصار تفوقت على آلامها وهي تراه بهذا المظهر المُثير للشفقة.
فتح فمه في نية للحديث، لكن قاطعهم ذلك الصوت العالي القادم من آخر الرواق، دفعها صادق لرجاله ليكتفون حركتها بينما هو استدار لمصدر الصوت، ليجد بأن رجاله مُمسكين بدخيل حاول الدخول إلى الشركة في الخفاء، فتحت يمنى عيناها بصاعقة وعدم تصديق وهي تُردد اسمه: يحيى؟
كان يحيى يُقاوم الرجال بكل قوته، لكن ما إن رآها واستمع لندائها؛ حتى ابتسم ببلاهة رافعًا كفه لتحيتها: هاي يا بيبي.
أنت إيه اللي جابك هنا يا يحيى؟
تسائلت يمنى بصدمة، ليُجيبها يحيى بهيام وكأنه لم يُقسِم منذ عدة سويعات قليلة على تركها: قلبي يا بت هو اللي جابني هنا.
تشنج وجه الجميع باستنكار وتلقائيًا استدار صادق ل يمنى مُتحدثًا لها باستنكار: أنتِ جايبة معاكِ واحد أهطل عشان يحب فيكِ؟
طالعته يمنى حاقدة عليه، ثم حوَّلت أنظارها ل يحيى مُتشدقة بغيظ: عاجبك كدا شمتت فينا اللي يسوى واللي ميسواش؟
سدد لها صادق نظرة نارية تكاد أن تحرقها حية، وكالعادة هي لم تُبالي، وزَّع نظراته على رجاله قبل أن يأمرهم بصرامة يشوبها الغضب: خدوا الإتنين دول على المخزن ومش عايز شوشرة.
اعترض يحيى بعصبية أثناء مُحاولته للفكاك من بين يديّ الرجال: لأ أنا محدش ياخدني على المخزن.
قطب الجميع جبينهم بتعجب ساخر، ليُكمل يحيى حديثه الأبله قائلًا بغرور: أنا اللي هروح لوحدي.
انتفض من مكانه عندما استمع لصوت صراخ يمنى التي كادت أن تُشَل من برودته: يا يحيى أقسم بالله هتموتني مشلولة، أنت بتقول إيه بالله عليك؟ أنت عايز تجلطني! قول متتكسفش!
جعد يحيى جبينه بضيق من صراخها عليه بتلك الطريقة، ثم تشدق مُعاتبًا إياها: على فكرة أنتِ كائن مش سالك عشان كدا ربنا مش مباركلك في حياتك، يعني أنقذتك مرتين وأنتِ معندكيش دم ولا بتحسي؟ دا بدل ما تقوليلي شكرًا يا راجلي وتاج راسي؟
لم يتحمل صادق مشاجراتهم التي أصابته بالصداع، لذلك صرخ بحراسه الذين يُتابعون حديثهم بإستمتاع: انتوا واقفين كدا ليه؟ بقولكم خدوهم على المخزن.
خضع الحُراس لحديث رئيسهم، فسحبوهم أثناء تكتيفهم وأدخلوهم قِصرًا للمخزن الكبير المُجاور للشركة، والذي يضعون به كل الأدوية، وبخبرة واضحة أبعدوا بعض الصناديق الكرتونية المُتراصة بإنتظام ثم انحنى واحدًا منهم يفتح الباب الذي أسفلها بعد أن أبعد عنه الغُبار، دلف نصف الحُراس وكلًا من يحيى ويمنى خلفهم، وتبعهم النصف الآخر ليمنعوا هربهم.
أجلسوهم أرضًا بعنف مما جعل الغضب يتشكل بحدقتاهم، وبعدها أسندوا ظهورهم ببعضهما البعض وبدأوا بربطهم بالحبال الغليظة، قاوم يحيى في البداية لكنه خاف أن يمس يمنى أي سوء بسبب تهوره، لذلك صمت وسيلجأ فيما بعد للخطة البديلة.
انتهوا من ربطهم ثم ساروا للخارج صاعدين للدرجات التي تؤدي إلى الأعلى عائدين مثلما جاءوا، اغلقوا الباب بإحكام من الخارج ولم يتبقى سوا صوت تنفسهم العالي، تحركت يمنى في مكانها بعنف تُحاول الفكاك من أسرها لكن لم تستطيع، استمعت لصوت تأفف يحيى والذي لم يتحدث بأي كلمة على عكس عادته منذ أن رحل الرجال، لذلك سألته بحذر: فيه حاجة يا يحيى؟
أجابها يحيى بما جعلها تتصنم في مكانها من صدمتها: مش كانوا ربطونا في وش بعض أحسن؟ لازم يربطونا من ضهرنا يعني؟
صرخ بألم عندما نكزته يمنى بعظمة كوعها بعنف في جانبه، وبعدها صاحت به بصراخ: يا قليل الأدب يا مش محترم، والله أنا كنت مخدوعة فيك وفكراك طيب وعلى نياتك، دا أنا طلعت بالنسبالك ملاك.
إلتوى ثغره بسخرية بعدما تحولت نبرته للجدية وبعض من الألم حاول مُداراته: آه ملاك فعلًا، أنتِ اللي زيك ميعرفش حاجة عن الوجع ولا كسر الخواطر يا ملاك يا بريء.
استشعرت يمنى الحزن في نبرته، لكنها لم تُعقب، بل شردت بحديثه وهي تبتسم بألم وسخرية من القدر، هي بالفعل لم ترى الألم، هي رأت والدها يُقتل أمام عيناها فقط ليس إلا، وتلقائيًا تسللت الدمعات إلى عيناها، وبدأ الألم يتشكل على محياها، هي مُتألمة، مشاعرها قد استُنزفت قديمًا ولا تستطيع المُخاطرة به، يحيى بالنسبة لها هو الجزء اللطيف في يومها، إن أقحمته في حياتها سيكون بخطرٍ ومن المؤكد بأنها ستخسره في رحلة انتقامها، وهذا أبعد ما يكون عن تفكيرها.
أسندت رأسها على ظهره وأغمضت عيناها بإنهاك، شعر بها جواره، اطمئن قلبه بوجودها لكنه لا يستطيع نسيان ما قالته، حسنًا يحيى لا تكن غبيًا، فلولا حديثها الغريب وتصرفاتها المُتناقضة لما راقبتها طيلة الليل شكًا وخوفًا من تهورها، فمنذ احتضانها له على الشاطيء وهو شعر بشيءٍ غريب بها، وكأنها تُودعه أو ما شابه، لذلك قرر المكوث داخل سيارته أمام منزلها، وبعد مرور أكثر من ساعتين وجدها تهبط من المنزل وهي تتلفت حولها تتأكد من عدم مُتابعة أحدهم لها، ولحُسن حظها قد رآها هو وتبعها لهُنا.
أرجع رأسه للخلف مُستندًا على رأسها أثناء همسه بجُملة واحدة مُتألمة وصلت لمسامعها: ربنا يسامحك على وجع القلب دا.
ورقة وقلم يا ست الكل وسجلي طريقة عمل البيض بالسطرمة على طريقة الشيف قاسم طاحون.
قهقهت أهلة عاليًا على طريقة تحدثه، فقد بدأوا منذ عدة دقائق بعمل طعامٍ لهما بعدما بدَّلا ثيابهما لأخرى مُريحة، ارجعت خُصلاتها المُنسابة خلف أذنها ووقفت جانبه تُراقب طهيه للطعام، استنشقت الرائحة بتلذذ قبل أن تقول بإعجاب: واو ريحة الأكل تُحفة.
رفع رأسه عن الطعام ثم غمز لها قائلًا: ولسه لما تدوقي طعمه، حكاية.
اتسعت ابتسامتها تدريجيًا، فاستغلت هي الوقت وهي تسأله بإهتمام: هو أنت بتعرف تطبخ؟
أومأ لها بالإيجاب وهو يُقلب البيض واضعًا عليه قطع من البسطرمة بعد أن قطَّعها بعناية، وبعد تشدق مؤكدًا: بعرف أعمل أي حاجة تتخيليها، بيض بالبسطرمة تلاقي، مكرونة بشاميل تلاقي، رقاق باللحمة تلاقي، محشي ورق عنب وبتنجان شغَّال، بقولك يا بنتي اللي معاكِ دا شيف وأنتِ مش مصدقاني.
فتحت عيناها بإنبهار وهي تسأله بحماس: إيه دا بتعرف تعمل محشي ورق عنب؟
أومأ لها مُؤكدًا حديثها، تبعها بضحكات خفيفة صعدت من فمه جِراء دهشتها التي أثارت ضحكاته، انتهى من طهي الطعام ثم نقله لصحنٍ آخر بارد، وبعدها جلب خبز ووضعهم على الطاولة التي تتوسط المطبخ، جلس كلاهما على المقاعد، فتناول قاسم رغيفًا من الخبز ثم قدمه لها قائلًا: خُدي دوقي بقى وقوليلي رأيك.
نظرت للخبز الذي بين يده بتردد واضح، وبحرج تشدقت قائلة: بُص متزعلش مني، بس أنا مش بحب آخد أكل من إيد حد.
وبنفس الإبتسامة الهادئة سحب يده بالخبز مُجددًا وكأن شيئًا لم يكن، هو يُقدِّر ويحترم مرضها كثيرًا ويعلم عواقبه وأعراضه أيضًا، لذلك أردف بهدوء: ولا يهمك، خُدي أنتِ بإيدك وقوليلي رأيك.
بادلته ابتسامته بأخرى مُمتنة، هي لا تستطيع صُنع طعامها بذاتها، لذلك كانت والدتها مَن تصنع الطعام للجميع، وبالطبع كانت تُجبرها بإرتداء قُفازٍ في يدها عند صُنعها للطعام ووجودها بالمنزل، أما أثناء عدم تواجدها فهي تفعل ما تشاء دون الحاجة للقفازات، طالما هي لم تراها تطهيه أمامها، مثلما فعل قاسم منذ قليل! عندما أخبرته بأن يرتدي قُفازًا من البلاستيك ويبدأ بطهي الطعام، ورغم تعجبه رضخ لطلبها بالأخير.
بدأت بتذوق الطعام وهو يُطالعها بترقب مُنتظرًا رأيها، أغمضت عيناها بتلذذ من مذاقه، خاصةً بأنه يضع عليه الكثير من الكاتشب والمايونيز كما تُحبه تمامًا! ابتلعت ما بفمها ثم تشدقت بحماس: طعمه جامد وتحفة أوي بجد.
تنفس الصعداء وكأن أنفاسه كانت مُتوقفة على رأيها، تشكلت ابتسامة واسعة على ثغره ثم أردف بغرور وهو يُعدِّل من وضعية ثيابه: دي أقل حاجة عندي على فكرة.
وبعبث اكتسبته منه مؤخرًا، غمزت له بمشاكسة قائلة: كفاءة.
انطلقت ضحكاته تعلو في الأرجاء وهي شاركته في الضحكات، لكن ورغم ذلك أردف بضجر بعد أن توقف وإلتقط أنفاسه الهاربة: هو شكرًا ليكِ وكل حاجة. بس متقوليش الكلمة دي تاني عشان بتاعتي.
قهقهت بخفة وهي تَلوك قطعة من الطعام داخل فمها، ثم أجابته بتريث: هفكر بس موعدكش.
طالعها بحنق لسرقتها للقبه العزيز، وبعدها استمع لها وهي تُعاتبه بضيق: وبعدين أنت مبقتش تقولها ليا ليه؟
تحولت نظراته للخبث وهو يتسائل: وهو أنتِ بتحبيني أقولهالك؟
أجابته بصراحة: آه جدًا، بحس بجُرعة إنيرجي غريبة كدا.
خلاص هقولهالك على طول يا. يا كفاءة.
قال جُملته مُنهيًا إياه بغمزة من عيناه العابثة، لتتسع هي ابتسامتها بسعادة غير معلومة! وكأن بحديثها معه تنسى هويتها الحقيقية مع ماضيها، وتُصبح هي أَهِلَّة الطفلة الناضجة التي لا يعوقها أرق ولا ألم.
ظلا يتسامران لبعض الوقت في مواضيع عِدة، وأخيرًا انتهيا من طعامهم بعد فترة قصيرة، حملت أهلة الأطباق ووضعتها بالحوض، وساعدها قاسم في حمل البقية كذلك، غسل يده بعناية، كذلك هي دلفت للمرحاض وغابت به لفترة حتى تسنح لها الفرصة لغسل يديها بقوة، ثم خرجت له وهي تُجفف كفيها بالمناديل الورقية الجافة، توقفت فجأةً وهي تستمع لصوته المُتسائل بهدوء: متوضية؟
طالعته بتعجب وبعدها أجابته بتردد: لأ. ليه؟
خرجت ضحكة طفيفة من فمه وهو يُجيبها مُمازحًا: عشان لما نموت؛ نموت على وضوء. أكيد عشان نصلي يا أهلة يعني.
حمحمت بخفوت وهي تُرجع خصلاتها للخلف كحركة تلقائية عند توترها، ثم أجابته بخفوت: أصل. أصل يعني بقالي كتير بقطَّع في الصلاة ومش منتظمة.
ليه؟
سألها بتعجب، لتنظر له بإستنكار وكأنها تقول له حقًا؟ فهم نظراتها فتنهد بعمق قبل أن يتجه نحوها، ثم أمسك بكفها ساحبًا إياها نحو غرفة المعيشة (الصالون)، ليجلس هو ثم أجلسها بجانبه ومازال يُحافظ على كفها يُحيطه بيده، ضغط عليه بخفة قبل أن يبدأ حديثه قائلًا بإبتسامة طفيفة:.
ماما ربنا يشفيها دايمًا كانت تقولي مهما عملت من ذنوب وكبائر؛ سيب بينك وبين ربنا باب مفتوح عشان تعرف ترجع ليه من تاني، وأنا على قد ما أقدر حاولت أحافظ على الباب دا، ومن حظي اخترت أهم باب وهو باب الصلاة، أنا إنسان، يعني طبيعي هغلط وهعمل ذنوب وهتوب، وعارف إني بعمل ذنوب كبيرة، هل دا معناه إني أنسى صلاتي وأنسى حق ربنا عليا؟ دا الفرق بين المُسلم والكافر هي الصلاة يعني مينفعش أسيبها بأي شكل من الأشكال، حتى لو كنت إنسان سيء وبعمل كل حاجة وحشة في الدنيا، بحاول وبجاهد نفسي وبعافر شيطاني إني أرجع لربنا من تاني.
مهما كانت ذنوبي؟
مهما كانت ذنوبك وخطاياكِ، مهما كانت درجة جهادك ومُعافرتك، مهما كانت قوتك وضعفك، اقفي قدام ربنا وصلي وادعيله إنك تبطلي الذنب اللي أنتِ كارهاه، وصدقيني ربنا مش هيرد إيدك فاضية، ربنا بيقول في كتابه العزيز ادعوني أستجب لكم، قوليله يارب أنا مش عارفة أبطَّل الذنب الفُلاني كرهني فيه، ومع إلحاحك وثقتك في إستجابة ربنا لدعائك؛ هتلاقي إن أُمنيتك تلقائيًا بتتحقق، المهم متسيبيش صلاتك، مهما كانت ذنوبك كتيرة وكبيرة.
عضت أهلة على شفتيها تُفكر في كل كلمة في حديثه، هي بالفعل ابتعدت كثيرًا عن خالقها، حتى أنها لم تُصلي أو تركع ركعة واحدة منذ أمدٍ بعيد، وتحديدًا بعد قتلها ل رفعت الأرماني، حينها وسوسها شيطانها وانقبض قلبها عندما توصلت إلى فكرة أن صلاتها لن تُقبل منها مهما فعلت، لذلك لجأت إلى أبسط الحلول وتوقفت عن أداء فريضتها، تسللت القشعريرة لجسدها، كما أنها أحست بأن أنفاسها على وشك الإنقطاع، وحديث قاسم يتردد في أذانها دون إنقطاع.
كان قاسم يُراقب إنفعالاتها، وبسبب عدم مقدرتها على البكاء فردات فعلها تظهر واضحة على جسدها، أغمضت أهلة عينها بخوف، خوف من حديثه وضالتها هي! لقد وقعت في فخ ذنبها، والآن جاء قاسم لتنوير بصيرتها، شعرت بكفه يمر ببطئ صعودًا وهبوطًا على جانب وجهها، تلاه همسه الخافت بحنان:.
مش بقولك كدا عشان تخافي، أنا كلامي ليكِ عشان تتعظي وتفوقي، فوقي يا أهلة قبل فوات الأوان، الدنيا دي مش دايمة لينا، احنا كلنا هنا ضيوف وهنمشي تاني، مش عايزين نمشي قبل ما نتوب ونندم في الآخرة.
فتحت عيناها وحوّلت أنظارها إليه قائلة بتيهة: أنا. أنا خايفة.
لم يتردد لحظةً واحدة في جذبها لأحضانه، وهي انصاعت خلف شعورها بالراحة، حيث يستوطن رأسها أحضانه وتشعر بدفئ جسده يُحيطها، وللعجب هي لم تشمئز منه مثلما كانت تفعل من قبل؟ وكأنه بحديثه الهاديء يُربت على قلبها بحنان! حنانٌ يُنسيها مَن هي أو ماذا كانت، هو مُختلف، وهي تُحب إختلافه.
مسد على خصلاتها بحنان، ثم أخرج من فمه بضعة كلماتٍ كانت كالبلسم على جروحها: أنا مش عايزك تحسي إنك تايهة، أنا يمكن أكون مش إنسان مثالي بس هحاول أخليكِ أحسن مني، أنتِ تستاهلي تكوني بخير، تستاهلي تكوني أحسن من كدا وتعيشي حياتك طبيعية، وأنا هساعدك في دا، عايز بس ثقتك فيا ومش عايز حاجة تاني غيرها.
خرجت من أحضانه ناظرة له بتوتر، ثم تشدقت بتوتر: أنا واثقة فيك.
اتسعت ابتسامته بسعادة، وازدات أكثر عندما لاحظ إحمرار بشرتها بخجل واضح، ليُمسك هو خديها قارصًا إياهم بمرح: ياختي سُكر بتتكسفي؟
نفضت يده بضيق زائف ظهر على وجهها، ثم هبت من مكانها متشدقة بكلمات جعلت السعادة تغزو قلب كليهما ثم فرت من أمامه هاربة مُتجهة للمرحاض: إيه التصرفات دي أنت شايفني طفلة قدامك؟ وسَّع بقى عشان هروح أتوضى.
راقب أثرها بإبتسامة طفيفة، قبل أن يهمس لذاته بدون وعي: طفلة غبية بس لطيفة.
ادخلي يا طاهرة. ادخلي يا ربة الصون والعفاف. ادخلي يا شريفة.
تلك الكلمات صعدت من فم رائد الذي كان يصرخ وهو يضرب على وجنته بضربات خفيفة أثر عدم تصديقه مما حدث منذ قليل، اقترب منه لواحظ عدة خطوات؛ ثم ضربته على وجنته بكف يدها المُجعد وهي تصرخ به: صوتك ميعلاش عليا يا قليل الأدب.
أغلق رائد باب المنزل بقوة حتى لا يستمع الجيران لوصلة الردح التي سيبدأها للتو: بتضربيني يا لواحظ؟ بتضربيني يا ستي؟ إيش حال ما كنت جايبك من الكباريه!
استمع كلاهما لصوت مُنصدم يأتي من جانبهم وهو يُردد كلمته الأخيرة: كباريه؟
هرول رائد لوالده واضعًا يده فوق كفه قائلًا بنواح: تعالى شوف أمك يابويا. هتجيبلنا العار وهي خلاص رجليها والقبر. لقيتها بترقص في الكباريه يابا. يا شرفك اللي ضاع يا رائد. ستك هتقفل ملف جوازك يا رائد. هقول للناس إيه بعد كدا؟ هقولهم ستي رقاصة؟
صمت قليلًا يستجمع شتات نفسه، ثم نظر جانبه ليجد والدته وشقيقته يُطالعانه بإستنكار لما يفعل، لم يُعير لنظراتهما أي إهتمام، بل أكمل سخطه على أفعال جدته: طيب مش مهم أنا. طب والبت الغلبانة دي؟ لما حد يجي يتقدملها ويسأل عن أصلها وفصلها! هيلاقوا ستها رقاصة! أختى هتبور يا ناس! أختي أنا هتبقى عانس! يختاي يختي يختي يختي، آاااه.
قطع حديثه أثناء وضعه ليده على رقبته بألم، استدار للخلف ليجد والده يصرخ به بنفاذ صبر وغضب: يخربيت اللي جابك اترزع بقى قرفتني.
أنهى صراخه على ابنه العاق كما يقول، ثم استدار لوالدته سائلًا إياها بدهشة وعدم تصديق: الكلام اللي حيوان دا بيقوله ياما صحيح؟
تشنج وجه رائد بإستنكار لسبِّه دون أن يفعل شيء، فتح فمه للتحدث ثم صاح به بولولة: يابا بقولك جايبها من على المسرح، كانت بترقص على أغنية سألت كل المجروحين، دي حتى مش بتستنضف في الأغاني، حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا، وقفتوا حالي ووقفتوا زهرة شبابي.
لم يستطيع محروس التحمل، فصاح به بصراخ وهو يدفعه مُجلسًا إياه على الأريكة بعنف: يا أخي ربنا يوقف نموك يا بعيد إخرس بقى.
ولثاني مرة يستدير محروس لوالدته التي تُطالع الجميع بإستنكار وكأنها المجني عليها وليست الجانية، ثم سألها بنفاذ صبر: ياما الله يكرمك رُدي عليا. بقى دي تصرفات...
قاطعه رائد مرة أخرى والذي وقف مُقتربًا منهم وهو يُصيح بهم: يابا بقولك...
أمسكه محروس من ياقة ثيابه يهزه بعنف وقد أعمى الغضب عيناه: عليا الطلاق يا ابن ال لو ما خِرست خالص ما أنت بايت فيها الليلة دي يا تربية نتنة.
عاد رائد للخلف مُحدجًا الجميع بنظرات حانقة، ثم ربَّع ذراعيه مُقررًا مُراقبة الو1ع بصمت وبكل هدوء وإحترام.
استدار محروس لوالدته للمرة التي لا يعلم عددها، ثم تحدث بعصبية مُفرطة: ما تتكلمي ياما ساكتة ليه؟
صاحت به لواحظ بغضب مُماثل له وبصوتٍ عالٍ يظهر به السخط واضحًا: اتكلم معايا عِدل يا تربية ديرتي!
تشنج وجه الجميع بإستنكار، لتتسائل سهيلة بصدمة: ديرتي! اتعلمتيها منين دي يا ستي؟
أجابتها لواحظ وهي تلف خُصلة من شعرها حول إصبعها: من واحدة صحبتي في الكباريه.
لطم محروس على صدره وهو يُردد خلفه بعدم تصديق: صحبتك وكباريه!
وقف أمامه رائد واضعًا يد فوق رأسه، وباليد الأخرى يضرب على يده المُستقرة فوق رأسه، تزامنًا مع هبوطه وصعوده بحركات باتت بهلوانية إلى حدٍ كبير، وكأنه قردًا حصل للتو على ثمرة الموز خاصته!
كتمت سهيلة ضحكتها بكف يدها بصعوبة، ف رائد كان مظهره مُضحكًا للغاية، وكل ذلك كان يفعله بصمت ودون التحدث حتى لا يتسبب في طلاق والدتهم، بينما لواحظ صاحت ب محروس مُستنكرة: آه صحبتي، واعمل حسابك أنا مش هتجوز عشان طالبين شغل في الكباريه لآنسات غير متزوجات، وأنا قدمت واتقبلت.
اقترب منها محروس قائلًا بلهفة يرجوها: ياما أنتِ زعلتي مني ولا إيه؟ دا أنا كنت بدَّور عليكِ عشان أقولك إني موافق على الحاج عبدالقادر الفكاني، اتجوزي أبوس إيدك.
نفضت لواحظ يده عن خاصتها ثم صاحت به مُستنكرة: أتجوز دا إيه؟ أنت عايزني أضيَّع مُستقبلي الفني.
هز رائد كتفيه بدلال كحركة تدل على الرقص، ورفع كل يد على حِدة يضرب إبهامه بسبابته (صاجات)، وكل هذا كان صامتًا أيضًا، وكأنه يقوم بشرح الحديث لأُناس لا يفقهون ما يدور حولهم، طالعه والده بغضب جامح، ليُحمحم هو ويعود لحالة الهدوء مرة أخرى.
اقترب محروس أكثر من والدته يُحاول إرجاعها عن قرارها: ياما أنتِ بتقولي إيه بس؟ عايزة تشتغلي رقاصة على آخر الزمن؟ عايزة الناس تاكل وشنا؟
أجابته لواحظ ببرود وهي تنفخ في طلاء أظافرها الغير موجود من الأساس بتكبر زائف: أنا قُولت كلامي ومش هكرره تاني يا مُسعد، تشاو يا بيبي.
أردفت بحديثها ثم تركتهم ينظرون لأثرها ببلاهة وعدم فهم، وضع محروس يده على قلبه مُرددًا حديثها بألم: مُسعد؟ وتشاو؟ وبيبي؟ آااه قلبي.
هرعت إليه چيهان بهلع تسنده قبل الوقوع، لتسأله فزعًا من حالته: يالهوي الراجل بيفطس مني، مالك يا محروس؟
أجابها محروس بصوتٍ واهن: أمي عايزة تشتغل رقاصة يا چيهان، يا جواز يا رقص يا چيهان.
ربتت چيهان على كتفه مُرددة بمواساة: متخافش ياخويا. تلاقيها بتقول أي كلام زي عادتها وهتنساه مسافة ما تنام وتصحى.
خُديني على جوا بعيد عن العاق ابن ال اللي شايفني بموت قدامه وهو قاعد يطفح ولا همه.
حُشِر الطعام بفم رائد وهو ينظر ل محروس بوجه مُملتيء أثر الطعام المحشور داخل فمه، طالعه محروس بإشمئزاز ثم دلف للداخل مع چيهان الذي طالعت ابنها بقرف لإحزانه لزوجها، وما إن دلفا للداخل وأغلقا الباب خلفهما؛ حتى أطلقت سهيلة لضحكاتها العنان تنطلق في الأرجاء.
اقتربت من السُفرة التي يجلس عليها أخيها، ثم جلست على النقعد الذي أمامه تتحدث بحالمية: تخيل ياض يا رائد إن ستك تشتغل رقاصة فعلًا!
توقف رائد عن تناول الطعام وابتسامة بلهاء تتشكل على ثُغره، وبعدها تحدث قائلًا: ياه. وأنتِ تبقي الفتَّاحة وأنا الطبَّال وهنكسب دهب.
صفقت سهيلة بيدها بحماس، ثم اردفت بعينٍ تلتمع بالشغف: خلاص. من بكرا الصُبح نقنع بابا أنا وأنت.
عادةٌ ما يحتاج المرء إلى السكون، الراحة، والإطمئنان، إن امتلك ثلاثتهم فكأنما امتلك الدنيا وما فيها من خيرات، ذلك الشعور الذي يتسلل بخبث إلى الفؤاد ما هو إلا نتيجة لصبرٍ وجهد جاء بعد عناء، أتى بعد شقاءٍ أرهق الوجدان والفؤاد، أحيانًا يحتاج المرء إلى البوح بما يضيق به صدره، ولن نجد الشخص المُناسب سوى المولى عز وجل.
كانت أَهلة تطلق العنان لقلبها بالدُعاء، اليوم وبعد أيام كثيرة ها هي تجلس بين يدي خالقها تشكو له عن ويلات ما رأت، قلبها يرتعش رهبةً، ويديها ترتجف خوفًا، وجسدها يحثها على الإستكمال.
سمع الله لمن حمده.
جُملة خرجت فاه قاسم الذي يأخذ دور إمامها، لتُصبح هي خلفها تنطق هامسة بكل ما تدعوه.
ربنا لك الحمد والشكر.
قالتها هي، وكم شعرت بالإحتقار لذاتها، هي تركت نفسها لوسوسة شيطانها، أرادت الدنيا الفانية ونسيْت الآخرة الدائمة، أغمضت عيناها بألم وداخلها يتسائل بإرتعاش. هل المولى سيغفر لها خطاياها؟
اللهُ أكبر.
وكأن جوابها حضر في الحال، عندما ارتفع صوت قاسم يُذكرها بقدرة المولى عز وجل، رددتها خلفه براحة ورغبة عارمة تدعوها للبكاء، وكالعادة لا تستطيع، وتلك المرة سجدت وأغمضت عيناها تدعو ربها بصوتٍ هامس مُرتعش، ظلت تدعوه كثيرًا، وكأنها وجدت ملاذها بعد تيهتها، كانت الراحة تقبع بين يديها وخصيصًا داخل قلبها، ولكم أرادت أن تظل هكذا مدى الحياة!
مر الوقت وهُم على الحال ذاته، هو أمامها وهي خلفه تستغيث بقلبها، حتى انتهوا من صلاتهم، استدار لها مُتربعًا ثم سألها بابتسامة خافتة: حاسة بإيه؟
ضغطت كفيها ببعضهما، ثم أجابته شاردة: مرتاحة.
ربنا يديم الراحة على قلبك دايمًا.
رفعت أنظارها إليه وظلت تُطالعه لبعض الوقت ولم تتحدث، دخل حياتها وجلب معه الراحة والإطمئنان، يفعل ما بوسعه لجعلها سعيدة، تسلل شعور غريب يُدغدغ قلبها عند وجوده، فباتت مُحتارة، أتُكمل طريقها الواعر ثم تبدأ بخطوة العلاج، أم تُكمل انتقامها وتبدأ بعلاجها معًا؟
تفتكري أول طفل لينا هيبقى ولد ولا بنت؟
فتحت عيناها على آخرهما وهي تسعل بشدة، بينما هو صعدت ضحكاته عاليًا من ردة فعلها المُبالغ بها بعض الشيء، ظل هكذا لعدة ثوانٍ يضحك بلا توقف، ملامحها المُذبهلة تجعله يفشل في إيقاف ضحكاته، وبعد محاولات عديدة نجح أخيرًا، فتحدث هو بأنفاس مُنقطعة ببراءة: مالك تنحتي كدا ليه؟ دا أنا حتى كنت بهزر معاكِ.
نظرت له بتشنج وتلقائيًا صاحت به بإستنكار: وحياة أمك؟ احنا هنستعبط يا قاسم؟
وتلك المرة كانت الصدمة من نصيبه هو، فتح فمه ببلاهة ثم كرر كلماتها بتعجب: وحياة أمي! وأستعبط! ويا قاسم؟
طالعته بتحدي وملامح مُتشنجة، فما كان عليه سوى أن يقف على رُكبتيه مُقتربًا منها حتى بات أمامها مُباشرةً، ثم أمسكها من مقدمة ثيابها يهزها: أنتِ قد الكلام اللي أنتِ قولتيه من شوية دا؟
أزاحت يده بعناد ثم أجابت بسوقية: أيوا قده، ولو عايز تسمع زيه قولي وأنا أسمعك.
دفعها من كتفها بخفة لكنها وقعت للخلف على أثرها: طب متزوقيش عشان مزعلكيش.
احتدت عيناها بغضب من فعلته الغير مقصودة، وبحركة غير متوقعة اعتدلت فجأة ثم قفزت فوقه غارزة أسنانه داخل كتفه جعلته يصرخ بها بألم: آاه يا بنت العضاضة يا خمامة، وربنا ما أنا سايبك النهاردة.
قالها وهو ينقض عليها هو الأخر حاملًا إياها من خصرها، ثم دفعها بقوة على الأرض وهو فوقها، وبالطبع قوته الجُسمانية فاقتها بمراحل، تنفس كلاهما بعنف وخاصةً هي، حاولت التحرك لكنه يُكبِّل حركة يدها بيده، وجسدها بقدميه، اقترب منها هامسًا لها بشر: عارفة عقاب اللي أنتِ عملتيه دلوقتي دا إيه؟
أجابته بشجاعة وأعيُن تلتمع بها الإنتصار لرؤية أثر أسنانها على ثيابه الفاتحة: لأ مش عارفة، أحب أعرف.
تحولت عيناه من الشر إلى الخُبث الشديد وهو يُجيبها: بوسة من الخَد دا، وبوسة من الخد التاني عشان ميزعلش.
يا مصيبتي!
قالتها بعدم تصديق وصدمة، ثم حاولت الفكاك من أسره حتى صرخت بغضب عندما بائت جميع محاولاتها بالفشل، كتم قاسم ضحكاته التي كادت أن تنطلق رغمًا عنه، ثم تشدق بجدية شديدة: متحاوليش يا آنسة أهلة، أنتِ غلطتي ولكل غلط عقاب، سيبيني أشوف شغلي.
تحركت بعنف وهي تصرخ به: شغل إيه يا قاسم بقولك سيبني، والله هرجع عليك لو قربت مني أنا مش ضامنة نفسي.
نظر إليها قليلًا مُفكرًا، قبل أن يتحدث قائلًا: هسيبك بس بشرط.
ضيقت عيناها وهي تسأله بترقب: شرط إيه؟
وبعبث غمز لها وهو يقول بمزاح: تديني حب أكتر، أديك شوق يا سُكر.
عضت على شفتيها لكتم ضحكاتها التي كادت أن تنفلت، ثم أومأت قائلة بخفوت: حاضر هديك اللي أنت عايزه بس ابعد عني.
وبالفعل ابتعد عنها قاسم جالسًا بجانبها بعد أن اعتدلت في جلستها، نظرت له بغيظ من طرف عينها ثم تشدقت بحنق: على فكرة أنت بتستقوى عليا ودا ظُلم مش عَدل.
شهق بصدمة مُشيرًا لذاته بصدمة: قصدك إن أنا ظالم؟
ردت عليه بنفس الصدمة: مَعاذ الله، مين قال كدا بس!
نظر إليه قليلًا ثم ضحك بخفة، وهي ابتسمت تهز رأسها بيأس من أفعالهم الطفولية، لم تكن لتتخيل بأنها ستعيش يومًا كتلك الأيام التي تعيشها الآن، لكن كل شيء تغير فجأة بين ليلةٍ وضحاها، تغير بشكل يُثير، السعادة!
جاء يومًا جديدًا بأحداثًا جديدة وربما بمصائبٍ جديدة!
بيبة. يا بيبة. بسكوتة اصحي بقى عايزة أوريكِ حاجة في غاية الخطورة.
كان صهيب يُدلل حبيبة النائمة بعمق مُلتمسًا جانب وجهها بخفة أزعجتها، جعدت جبينها بضيق ثم أردفت بصوت ناعس: يا صهيب سيبني أنام شوية بقى.
سحب صهيب الغطاء من على جسدها ثم تحدث بعناد: قومي بس محضرلك مُفاجأة حلوة.
فتحت عين واحدة من عينيها ثم تسائلت بترقب: بجد؟
قهقه بخفة أثناء اقترابه منها ليطبع قُبلة خفيفة على وجنتها وهو يؤكد لها حديثه قائلًا: آه بجد يا روحي. يلا قومي بقى لحد ما آخد شاور وبعد كدا هوريكِ المفاجأة.
اعتدلت حبيبة من مضجعها وهي تفرك عينيها بنعاس، ثم أردفت بصوت متحشرج: حاضر صحيت أهو.
اقترب منها صهيب مُحتضنًا إياها، يهتف لها بحب وكأنها طفلته: أشطر وأجمل بسكوتة.
أغمضت عينيها براحة من وجوده ولم تتردد للحظة واحدة في مُبادلته لهذا العناق اللطيف، ابتعد عنها صهيب قارصًا إياها من وجنتها بخفة وهو يقول: يلا قومي بقى وبطلي كسل، وأنا خمس دقايق هاخد شاور وألبس وجايلك.
أومأت له بأعين مُلتمعة مُحدجة بأثره الراحل، ثم وقفت من مضجعها مُرتبة الفراش بعناية وكذلك رتبت الغرفة بنظام، استمعت إلى صوت جرس الباب وتلقائيًا اتجهت لفتحه بعد أن تأكدت من إحكامها لروبها الطويل حول خصرها، فتحت الباب لتتصنم محلها عندما وجدت أمامها يقف اثنان من أسوأ كوابيسها، أنس وريماس؟