قصص و روايات - قصص مخيفة :

رواية جواد بلا فارس للكاتبة منى سلامة الفصل الحادي عشر

رواية جواد بلا فارس للكاتبة منى سلامة الفصل الحادي عشر

رواية جواد بلا فارس للكاتبة منى سلامة الفصل الحادي عشر

دارت عيناها بسرعة وهي تفكر فيما يحدث داخل الفيلا الآن. التفتت بحدة تنظر الى الفيلا خلفها ووجهها غارقاً بعبراته. ارتجفت شفتاها بشدة وهي تهمهم: - لا. لا
جثا الحارس على ركبته بجوارها وهو يتفحصها بقلق ويقول: - بتقولى ايه يا آنسة آيات
لم تجيبه آيات ولم تلتفت اليه حتى.

شهقت بقوة ونهضت ترفع طرف فستانها تجرى بأقصى سرعتها في اتجاه الفيلا وقلبها يخفق في وجل. كانت طعنات كعب حذائها على الأرض تشق سكون الليل ويطغى على أصوات الموسيقى المنبعثة من داخل الفيلا. هرولت لتسبق الريح. بل لتسبق الزمن. تساقطت عبراتها الساخنة لتحرق وجهها وكاد قلبها أن يتوقف خوفاً وهلعاً وهي تدعو الله أن تصل قبل أن تُكتب وثيقة اعدامها.

شقت آيات طريقها بين الحضور. كانت الوجوه مبتسمه مبتهجة. بحثت بعينيها عن والدها. أقبلت أسماء نحوها قائله بقلق: - آيات كنتى فين؟
لم تجيبها آيات بل لم تسمعها. جرت في اتجاه حجرة الصالون حيث رأت المأذون جالساً وعلى يمينه آدم وعلى يساره والدها. سمعت أحد أصدقاء والدها من خلفها يقول: - يلا يا عروسة مستنيينك عشان نكتب الكتاب.

وقفت تنقل نظرها بين ثلاثتهم والحكل يختلط بالدموع على وجهها. ارتج قلب آدم هلعاً عندما رآها على هذا النحو. هب والدها واقفاً وقال في هلع: - آيات مالك؟
التفتت تنظر الى والدها وقد بدأت في النحيب مرة أخرى. نظر والدها الى جسدها المرتعش فأحطاها بذراعيه قائلاً بحده من فرط خوفه: - آيات. مالك يا بنتى؟

حاولت التحدث لكن الكلمات خانتها. فقط كانت تبكى وترتجف عانقها والدها وهو يقرأ آيات من القرآن الكريم على مسامعها وقلبه يخفق في هلع. اقترب آدم منها وقد هاله مرآها على هذا النحو. وضع يده على كفتها وهو يقول بقلق بالغ: - آيات ايه اللى حصل؟

رفعت آيات رأسها الموضوع على صدر والدها وانتفضت بعدما رأت يد آدم الموضوعة عليها وابعدت نفسها عن يده وانزوات تدفن نفسها في حضن والدها أكثر وهي تأن ألماُ نظرت الى والدها بعينيها الدامعتين وكأنها ترجوه أن يحميها من آدم. نظر اليها آدم بدهشة وهو لا يدرى ما بها ولما تبتعد عنه. تجمهر بعض الضيوف في حجرة الصالون ونظرت الدهشة والفضول تملأ أعينهم. فأراد عبد العزيز أن يبتعد بها عن عيونهم المتطفلة فقال: - مفيش حاجة يا جماعة. لحظات وهرجعلكم.

جذبها والدها وتوجه بها الى مكتبه لحق بهما آدم وأغلق الباب خلفه. اقترب منها آدم قائلاً وهو يكاد يجن من رؤيتها بهذه الحالة: - آيات قوليلى في ايه. ايه اللى حصل؟
كانت ماتزال تئن بصوت يمزق القلب. وضعت يديها على أذنيها حتى لا تسمعه. أغمضت عينيها حتى لا تراه. تمنت أن يختفى من أمامها. عانقها والدها وعبراته تتساقط من عينيه قائلاً: - يا بنتى. يا بنتى ريحينى وقوليليى مالك.

أنزلت يديها وتشبثت بملابس والدها بعدما كادت أن تسقط أرضاً أجلسها والدها على الأريكة وجلس بجوارها. ذهب آدم مسرعاً لاحضار كوب من الماء. قبل أن يعود التفتت آيات الى والدها. خرج صوتها كصوت الألم. فلو كان للألم صوتاً مميزاً لكان هو صوتها في تلك اللحظة: - مش عايزاه يا بابا
نظر اليها والدها بلهفة ودهشة يحاول استيعاب ما يحدث لابنته مسح على رأسها قائلاً: - مين يا حبيبتى. آدم يا آيات. مش عايزة آدم؟

قالت آيات وسط بكائها: - أيوة يا بابا. ده واحد مقرف
كانت مازالت ترتجف. جلس عبد العزيز بجوارها وقال بلهفه: - احكيلي يا آيات ايه اللى حصل. عملك ايه؟
فى تلك اللحظة حضر آدم ومعه كوب الماء. أشاحت آيات بوجهها عنه بحده وأغمضت عينيها بقوة. نظر اليها آدم بدهشة وحيرة وخوف و ألم. نقل والدها بصره بينهما ثم التفت الى آيات قائلاً بحزم: - قولى يا آيات متخفيش. عملك ايه؟ آدم عملك ايه؟

نظر آدم الى والدها بدهشة ثم نظر الى آيات التي قالت بصوت مرتجف متألم وهي تخشى أن تفتح عينيها حتى لا تراه: - واحدة جتيلى وورتنى فيديو ليهم مع بعض. وقالتلى انه كان خاطب شيرين بنت عمو سراج
تجمد آدم في مكانه وهو يستمع اليها. فيديو. أى فيديو. ظل عقله يعمل بسرعة جنونية. أمعقول أنها بوسى! نظر عبد العزيز الى آدم بدهشة ممزوجة بالغضب قائلاً: - انت كنت خاطب شيرين بنت أخويا؟

قبل أن يتحدث تحدثت آيات قائله بصوت باكى: - قالتلى ان عمو سراج و عاصى نصبوا عليه في فلوس وانه خطبنى عشان يستغلنى. هي قالتلى كده
كانت آيات مازالت مغمضة العينين بقوة. وترتعش كورقة في مهب الريح. أحاطها والدها بذراعيه ونظر الى آدم قائلاُ بغضب هادر: - الكلام ده مظبوط؟ انطق
لم يجيبه آدم بل نظر الى آيات قائلاً: - فيديو ايه اللى وريتهولك؟

صرخت آيات بألم وقد انخرطت في بكاء حار وتضاعفت ارتعاشة جسدها وهي تتذكر ما رأت. كاد عبد العزيز أن يصاب بالجنون هتف في آدم بغضب: - آدم الكلام ده مظبوط. اتكلم
صمت آدم وقد أغمض عينيه بقوة وهو يشعر بأن كل خططه باءت بالفشل. فتح عينيه قائلاً بصوت خافت: - أيوة مظبوط
قال عبد العزيز بغضب ممزوج بالحيرة: - يعني ايه. انت كنت خاطب شيرين بنت أخويا. وأخويا نصب عليك.

ما كاد عبد العزيز ينتهى من جملته حتى هتف آدم ليدافع عن نفسه قائلاً بحده وغضب: - أيوة كنت خاطبها كنت خاطب بنت أخوك. وكنت شريك مع أخوك في مشروع سياحى. ولما لقيتها اتغيرت 180 درجة واتصاحبت على شلة فاسدة وبقت المشاكل تكتر بينا وبعد ما نصحتها مرة واتنين وتلاته بدون أى استجابه فسخت خطوبتى معاها. لكن أخوك المحترم وابن أخوك مضونى على عقود مزورة ونصبوا عليا وسرقوا فلوسى وسرقوا دراسة الجدوى اللى كنت عاملها للمشروع.

ثم قال بقسوة وغضب مكبوت: - ومش بس كده بقيت كل ما أطالب بحقى يبعتولى بلطجية يأدبونى عشان اسكت ولما رفضت اسكت لفقولى قضية واترميت في السجن شهرين
كان يلهث بشدة لكنه أكمل قائلاً: - ومش بس كدة. مش بس طلعت خسران من المشروع لا طلعت مديون كمان ولحد دلوقتى وأنا مديون ولولا ان صاحب الدين وافق انهم يتقسطوا كل شهر كان زمانى مرمى في السجن دلوقتى.

نظر اليه عبد العزيز بغضب واحتقار وصاح: - وأنا وبنتى ذنبنا ايه في شغلك ومشاكلك انت وأخويا وابنه وبنته؟ بتقرب مننا احنا ليه. كنت عايز مننا ايه؟
قال آدم ببرود: - كنت عايز حقى
قال عبد العزيز بغضب: - حقك تاخده من اللى ظلمك. من اللى سرقك. مش من ناس ملهمش أى دخل بالموضوع
قال آدم ببرود وان كان قد بأن يشعر بضعف موقفه: - انتوا اخوات في بعض يعني اللى حصل ده في وشك انت كمان.

نهض عبد العزيز ووقف أمام آدم وهو ينظر اليه بإحتقار قائلاً: - انت انسان خسيس ومعندكش ذرة أخلاق ولا ضمير
صاح آدم بغضب: - أخوك وابن أخوك نصبوا عليا وسرقونى ورمونى في السجن. مين فينا اللى معندوش أخلاق ولا ضمير
صاح عبد العزيز بقوة: - أخويا أنا اصلا متبرى منه لانه نصاب وحرامى. أقولهالك تانى. أخويا نصاب وحرامى. ومشاكله متخصنيش لا من قريب ولا من بعيد.

ثم قال وعلامات الإشمئزاز على وجهه: - خيبت ظنى فيك وأنا اللى فتحتلك بيتي وكنت هسلمك بنتى.

فى تلك اللحظة شعر آدم بشئ من تأنيب الضمير. شعر به وهو ينظر الى آيات التي ألقت برأسها على ظهر الأريكة وقد التفتت الى الجانب الآخر حتى لا تراه. كانت مغمضة العينين. تتساقط عبراتها على وجهها في صمت مزق قلبه. نظر اليها بلهفه وقد أشفق عليها. أشفق عليها مما رأته ومما سمعته. ود لو جلس بجوارها وعانقها وطلب منها عفوها وشرح لها ما عاناه وما أوصله لذلك الطريق بعدما أغلقت جميع الأبواب في وجهه. ود لو شرح لها الظلم الذي تعرض له علها تشفق عليه وتعذره. نظر اليها بألم وهو يتمنى أن يقترب منها ليمسح تلك العبرات المنسابة على وجنتيها. أفاق على صوت عبد العزيز وهو يقول بصرامة: - اتفضل اطلع بره بيتي مش عايز أشوف وشك هنا تانى. والحمد لله اننا لسه على البر وبنتى متكتبش كتابها عليك.

وقف آدم ينظر الى آيات بألم. فصرخ به عبد العزيز بغضب مشيراً الى الباب: - قولتلك اطلع بره بيتي.

بدا وكأن أعصابها الملتهبة لم تحتمل هذا الكم من الصراخ فوضعت يديها على أذنيها وظلت تصرخ بقوة. أرادت أن تهتف قائله: كفى لم أعد أحتمل. لكنها لم تجد كلمات تعبر بها عما تريد. وكأنها طفل صغير لم يتعلم الكلام بعد. ولغته الوحيدة التي يعرفها هي الصراخ الذي يعبر به عما يريد. اقترب منها عبد العزيز بفزع وأحاطها بذراعه قائلاً بصوت باكى: - آيات.

ظلت تصرخ الى أن بح صوتها. تجمعت العبرات في عيني آدم. لأول مرة منذ زمن يشعر بنغزات الدموع في عينيه. اقترب منها آدم قائلاً بألم وبصوت مرتجف: - آيات لو عايزانى أمشى همشى بس اهدى
ما هي إلا لحظات حتى سكنت وقد أغشى عليها بين ذراعي والدها. هتف آدم بقلبه قبل لسانه: - آيات
هم بأن يقترب منها. لكن عبد العزيز قال بقوة وصرامة: - ابعد عن بنتى. امشى اطلع بره يا اما هطلبلك البوليس. سمعت.

انفتح الباب ليدخل أحد أصدقاء عبد العزيز بعدما ارتفع صوت الصراخ حتى أكل الفضول والخوف الضيوف بالخارج. صرخ عبد العزيز في صديقه وهو يشير الى آدم قائلاً: - طلعلى الكلب ده بره. خليه يخفى من أدامى لقوم أقتله.

قبل أن يتجه صديق عبد العزيز الى آدم كان قد غادر بالفعل تشيعه نظرات الدهشة والإستنكار والفضول من الجميع. أسرع وتوجه الى سيارته الواقفة أمام الفيلا. وانطلق بها وأوقفها على بعد أمتار قليلة من بوابة الفيلا. أخذ يضرب بقبضة يده على المقود بقوة وشراسه وهو يلعن هذا الحظ الذي أوصل بوسى الى آيات وقبل لحظات من كتب الكتاب. نعم هي بوسى ومن ستكون غيرها. أراد أن ينطلق الى بيتها ليخرج فيها غضبه وحنقه لكنه أراد أولاً الإطمئنان على آيات المنهارة بالداخل. أخذ ينظر الى الفيلا عله يتبين أى شئ. لحظات و تعالت أصوات سرينة سيارة الإسعاف. قفز قلبه هلعاً. دخلت السيارة الفيلا ليرى النقالة تخرج منها فارغة ثم تعود محملة ب آيات. شعر بقلق بالغ. رأى والدها يصعد معها في سيارة الإسعاف قبل أن تنطلق في طريقها الى المستشفى. أدار آدم المحرك وانطلق بسيارته خلف سيارة الإسعاف.

ظل آدم قابعاً في سيارته أمام المستشفى قرابة النصف ساعة. كان يخشى أن يدخل فيطرده عبد العزيز. لكن قلقه على آيات أخذ يتضاعف الى أن لم يعد يحتمل البقاء داخل السيارة نزل منها وتوجه الى الاستقبال ليسأل عن آيات علم رقم غرفتها والطبيب المشرف على حالتها. سأل عن مكتب الطبيب وتوجه اليه قائلاً بلهفه: - لو سمحت يا دكتور. آيات عبد العزيز حسان اليمانى الحالة اللى جت من شوية عايز أطمن عليها.

سأله الطبيب: - انت قريبها؟
قال آدم بصوت خافت: - خطيبها
قال الطبيب: - عندها انهيار عصبي نتيجة تعرضها لصدمة مفاجئة أو شئ مقدرتش تتحمله. اديناها مهدئ وان شاء الله تبقى كويسة. أهم حاجة زى ما قولت لباباها هي محتاجة راحة تامة وتبعد عن أى حاجة ممكن انها توترلها أعصابها
قال آدم بلهفه: - يعني هتبقى كويسة؟
قال الطبيب مبتسماً: - أيوة متقلقش هي بس محتاجه راحة.

شكره آدم. توجه الى باب المستشفى ليخرج. لكنه فجأة عدل عن رأيه وتوجه بدلاً من ذلك الى غرفة آيات غير عابئ بأمر والدها. طرق الباب ودخل ليجدها بمفردها وسط الفراش الأبيض وقد علقت لها المحاليل. اقترب من فراشها ونظر اليها بألم. كانت ساكنة مغمضة العينين. مسح على شعرها برفق وهو يتمتم: - أنا آسف يا آيات.

كانت نائمة لا تسمع ما يقول لكنه أكمل هامساً بتأثر والدموع تلمع داخل عيناه وهو يمسح على شعرها بيده: - والله ماكنت ناوى أذيكي. آيات لو سمعتيني هتعذريني. آيات أنا مكنتش هسيبك. قسيت على نفسى أكتر ما قسيت عليكي بس غصب عنى
ثم نظر اليها بألم قائلاً: - هتسامحيني مش كده؟ انتى بتحبيني أكيد هتسامحيني
فجأة دخل عبد العزيز ليجد آدم بجوار ابنته فصراخ قائلاً: - انت بتعمل ايه هنا. ابعد عن بنتى يا حقير.

ثم خرج من الغرفة وأخذ يصرخ قائلاً: - نادولى أمن المستشفى بسرعة
خرج آدم من الغرفة وتوجه الى الخارج مسرعاً قبل أن يحضر الأمن. توجه الى سيارته وانطلق بها وهو لا يدرى وجهته.

وقف عبد العزيز يصلى في غرفة ابنته بالمستشفى وقلبه يبكى قبل عيونه. أخذ يتضرع الى الله عز وجل أن يحفظ ابنته ويصرف عنها كيد الماكرين. وينجيها من آدم ومن شره. أنهى صلاته وجلس على أحد المقاعد بجوار فراشها يتلو من كتاب الله بصوت خافت عله يتسرب الى آذانها ويخفف ما بها من هموم. كان يتوقف كل فترة عن القراءة ليتمتم: - حسبي الله ونعم الوكيل. ربنا ينتقم منك.

فزع زياد من الطرقات المتتالية على باب بيته وصوت الجرس الذي لا ينقطع. توجه الى الباب مسرعاً وفتحه وأخذ ينظر الى آدم بدهشة. دخل آدم وتوجه الى أقرب مقعد لينهار عليه. أغلق زياد الباب وتوجه اليه قائلاً: - في ايه يا آدم؟
أخفى آدم وجهه بين كفيه فجلس زياد بجواره وهو يقول بقلق: - ايه اللى حصل؟
قال آدم وهو ينظر اليه: - آيات في المستشفى الدكتور بيقول انهيار عصبي.

هتف زياد: - لا حول ولا قوة الا بالله. ايه اللى حصل. ايه اللى وصلها لكدة؟
قص عليه آدم ما حدث ثم أعقب حديثه بعنف قائلاً: - بنت التيييييييييييييت دى. روحتلها البيت لقيتها غيرت الكالون
قال زياد بإرتياح: - الحمد لله ان ده حصل الحمد لله
نظر اليه آدم بدهشة فقال زياد بحزم: - ربنا ميرضاش بالظلم. وانت كنت هتظلمها هي أبوها
صاح آدم: - واللى حصلى مكنش ظلم؟

قال زياد بحزم: - مش معنى انك اتظلمت يبأه تظلم ناس ملهاش ذنب
تنهد آدم بقوة. بالفعل. بدأ الإحساس بالذنب يتسرب اليه رويداً رويداً. رغم محاولته لمقاومة هذا الإحساس. نظر الى زياد قائلاً وعلامات الألم على وجهه: - متتخيلش كانت بتصرخ ازاى. كانت مغمضة عنيها عشان متشوفنيش يا زياد. كان جسمها بيرتعش بطريقه غريبه. صوت عياطها كان بيقطع في قلبي.

تنهد زياد قائلاً بأسى: - أنا مش عارف عقلك كان فين يا آدم. قولتلك بلاش يا آدم البنت شكلها بتحبك ومش هتستحمل انت عندت وصممت قولت هخليها تسامحنى
قال آدم بغيظ شديد: - ماهى بنت التيييييييييييييت دى لو مكنتش عملت اللى عملته كان الموضوع هيكون أسهل. لكنها وريتها فيديو ليا وليها واحنا مع بعض معرفش صورته ازاى
صمت قليلاً ثم قال: - أكيد عرفت بموضوع كتب الكتاب. وآخر مرة كنت عندها سجلت الفيديو ده.

قال زياد: - وانت كنت عندها امتى
قال آدم بضيق: - أول امبارح. كنت محتاج فلوس وهي دبرتهملى
قال زياد بحده: - مش عارف أقولك ايه. بجد ما عارفه أقولك ايه. انت انحدرت لمستوى صعب أوى يا آدم. عارف ايه الحاجة الوحيدة اللى مصبرانى عليك
لم يجيبه آدم فأكمل قائلاً: - اننا عشرة عمر وانى عارف ان اللى أدامى دلوقتى مش آدم اللى أعرفه. اللى أدامى دلوقتى شيطان.

التفت آدم بحده وقد شعر بقوة الكلمة. فأكمل زياد و هو يشير الى قلب آدم قائلاً: - بس أنا واثق ان هنا لسه في نقطة بيضا. وانها هترجع تكبر تانى وتنور قلبه
تنهد آدم وقد شعر بإرهاق شديد. ارهاق ذهني وبدني ونفسي. ربت زياد على كتفه قائلاً: - قوم ارتاحلك شوية
لم يكن آدم في حاجة للإلحاح. فقد كان في أمس الحاجة للراحة بالفعل. توجه الى احدى الغرف وألقى بنفسه فوق الفراش وأغمض عينيه واستسلم للنوم.

ها هي ترى حلمها مرة أخرى. النجيلة الخضراء التي تتراقص مع نسمات الرياح. والشمس تغرب في الأفق وتزين السماء بألوانها الحمراء والبرتقالية والصفراء. وها هو فارسها مقبلاً على صهوة جواده. في عزم واصرار. وها هي تبتسم وتستعد لإستقباله. تستعد لأن تعطيه يدها ليجذبها خلفه وينطلق بها. لكن ابتسامتها تلاشت والفرحة في عينيها انطفأت عندما اقترب منها الجواد لتكتشف أنه. جواد بلا فارس.

استيقظت آيات فجأة. وهي تنظر الى الغرفة حولها. حاولت أن تتذكر أين هي وماذا تفعل في هذا المكان. شعرت بأنها نسيت الزمان والمكان. شعرت بكل شئ وقت توقف. حتى عقلها. شعرت به وقد توقف عن العمل. فجأة رأت وجه والدها يقترب منها ويتمتم: - الحمد لله. الحمد لله.

نظرت اليه في دهشة. لماذا يبكى. أين أنا. ماذا أفعل في هذا المكان. وأين آدم. كان اسمه هو الشرارة التي أعادت عقلها الى العمل. وأعادت ذاكرتها اليها. آدم. ذلك الحبيب الغارد الذي طعنها وتركها وسط دمائها وأشلائها ورحل. بدأت في النحيب و الأنين. أسرع والدها لينادى الطبيب. ليقدم دواؤه لصغيرته التي تتألم وتبكى قهراً. اقترب الطبيب حاملاً دواؤه. ودت لو صرخت به. لن ينفعنى دواؤك. فجُرحى ليس له علاج. جُرحى لن يندمل أبداً وان مر عليه ألف عام. لا تتعب نفسك أيها الطبيب لن تجد لدائى دواء. دائى هو طعنات غادرة بيد من أحببت. ألمثل تلك الجروح دواء؟! لا تتعب نفسك أيها الطبيب. حتى وإن سكن أنيني وهدأ. فلا تظن أنك نجحت في علاجى وتقديم أسباب شفائي. لأن أنين قلبي بداخلى لن يسكن أبداً. أغمضت عينيها من جديد بعدما سرى المهدئ في أوردتها واختلط بدمائها. أغمضت عينيها لتحلم مجدداً بجوادها الذي فقد فارسه.

وقف عبد العزيز ينظر الى ابنته النائمة بأعين دامعه وقلب مكلوم. تنهد في حسرة وهو يمسح بيده على رأسها في حنان. كانت وغزات الألم في قلبه تتزابد حتى صارت غير محتملة. وضع يده على قلبه ليوقف الألم اللعين الذي تفشى فيه دون جدوى. شعر بالإختناق وبتنميل في أطارفه. ضغط الزر فحضرت الممرضة تلبي النداء. أجلست عبد العزيز بعدما رأت آثار التعب على وجهه. ظل يعتصر صدره بيده وهو لا يقوى على شرح ما به من آلام. أقبل الطبيب ليخبر عبد العزيز بضرورة عمل آشعة على. القلب.

استيقظ آدم على أصوات بالخارج. استيقظ وجلس في الفراش وهو ينظر الى بدلته التي مازال يرتديها و يتذكر أحداث الليلة الماضية والتي تمنى أن تكون كابوساً سيستيقظ منه بعد برهه. نزل من الفراش وتوجه الى الخارج ليجد زياد يعد الطاولة بطعام الإفطار. نظر اليه زياد قائلاً: - انت لسه مغيرتش هدومك. ادخل خد دش وتعالى افطر.

امتثل آدم لكلام زياد الذي أحضر له ما يرتديه. جلس آدم على الطاولة يلوك الطعام في فمه دون أن يشعر بمذاقه. شارداً واجماً متغرقاً في التفكير. قال له زياد: - ناوى على ايه يا آدم؟
قال آدم بأسى ممزوج باليأس: - هعمل ايه يعنى. خلاص كل حاجة ضاعت
نظر اليه زياد قائلاً: - و خطيبتك؟
ابتسم آدم بمرارة وقال: - هي كمان ضاعت. معتقدش انها ممكن ترضى تبص في وشى تانى.

تنهد زياد بأسى وقال بعتاب: - قولتلك يا آدم محدش بياخد من الدنيا كل حاجة. بس انت أصريت على اللى في دماغك
نهض آدم ودخل الغرفة بدل ملابسه فقال له زياد قبل أن ينصرف: - على فين؟
قال آدم وهو يتوجه الى الباب: - على المستشفى.

لم يجد آدم طبيب آيات فسأل احدى الممرضات التي أخبرته أنها استيقظت بالأمس على نوبة عصبية وأن الطبيب أعطاها المزيد من المهدئ وأنها نائمة منذ الأمس. حاول آدم رؤيتها لكنه علم بأن والدها معها في غرفتها. ظل يتحرك في المستشفى بالطير المذبوح. يريد أن يطمئن عليها لكنه ممنوع من رؤيتها. رأى أسماء مقبلة من باب المستشفى بمجرد أن وقع نظرها عليه أقبلت نحوه قائله بلهفه: - ايه اللى حصل ل آيات يا دكتور آدم. من امبارح وأنا مش عارفه أوصلها ولسه عمو رادد عليا من شوية وقالى انها في المستشفى دى.

قال آدم بحزم وهو ينظر الى أسماء: - خليكي معاها يا أسماء متسبيهاش. خليكي جمبها
قال ذلك ثم غادر المستشفى تحت أنظار أسماء المندهشة.

لكن صدمت أسماء تضاعفت بعدما سمعت من والد آيات تطورات ما حدث الليلة الماضية. فتحت فمها في دهشة وهي تنظر الى صديقتها النائمة في أسى وقالت بأسى: - آه يا آيات يا حبيبتى أكيد كان صعب عليكي أوى
قال عبد العزيز بصوت مرهق: - لازم أشتكيه للعميد بتاعه. اللى زى ده ميصلحش انه يكون دكتور في الجامعة. حسبي الله ونعم الوكيل فيه ربنا ينتقم منه.

جلست والدة إيمان في غرفة المعيشة تفصص حبات البازيلاء أمام التلفاز. اقترب منها على وجلس بجوارها وقبل يدها قائلاً: - تسلم ايدك يا ست الكل
ابتسمت والدته قائله: - تعيش يا على
- العريس وأهله جايين بعد بكرة مش كدة
- أيوة أمه لسه أفله معايا من شوية. ربنا يجعله من نصيب أختك يا على
قال على مبتسماً: - متقلقيش ان شاء الله خير. ول كان من نصيبها هتاخده.

صمتت قليلاً وبدا عليه الحرج ثم تنحنح قائلاً: - ماما أنا كنت عايز أكلمك في موضوع
نظرت اليه والدته قائله: - عاز فلوس؟
ازداد حرجه وقال بضيق: - لا يا ماما أنا معايا فلوس
ثم نظر اليها قائلاً: - ماما أنا بصراحة ومن الآخر كده معجب بواحدة من صحاب إيمان وعايزك تكلميها
قالت والدته ضاحكة: - يبأه أكيد سمر
ابتسم على بحرج فقالت والدته بلهفه: - سمر مش كده؟

أومأ على برأسه فقالت أمه بحماس: - يازين ما اخترت دى بت زى النسمة ربنا يجعلها من نصيبك يا على
قال على بقلق: - بصى يا ماما أنا لسه في بداية الطريق وعارف انى هتعب شوية بس بصراحة خايف تضيع من ايدي فعشان كده يا ماما عايزك تكلمى سمر. على الأقل نلبس دبل دلوقتى وأنا ان شاء الله بدور على شغل تانى يكون أحسن من ده
قالت والدته بحماس: - متشلش هم. هتكلم معاها.

قبل على يد والدته بفرح قائلاً: - ربنا يخليكي لينا يا ماما.

عاد آدم الى بيته تتبعه نظرات أمه المتفحصة. اقتربت منه قائله: - في حاجة يا آدم
قال آدم بإرهاق: - لا متشغليش بالك يا ماما.

تنهدت أمه بحسرة وألم وهي ترى ابنها يقصيها من حياته ويخرجها منها. تركته في يأس وذهبت الى المطبخ. دخل آدم غرفته وأغلق الباب. توجه الى فراشه وجلس عليه. كانت علامات الحزن والأسى على وجهه. والحيرة في عينيه. يشعر بأن كل ذلك كابوس وسيفيق منه. لابد أن يكون كابوساً. ليس من المعقول أن يخسر كل شئ. خطته. و آيات. تساءل. تُرى كيف حالها الآن. كيف ستتجاوز صدمتها. أستستطيع نسيانه. بل أسيستطيع هو نسيانها. رغماً عنه شعر بشئ تجاهها. شعر بقلبه يتحرك من سباته ليخبره بأنه مازال فيه روحاً. جذبته برقتها ملكته ببرائتها خطفت قلبه بصدقها ونقائها وحبها الكبير. أحبته حباً يعرف جيداً بأنه لا يستحقه. أكثر ما يؤلمه هي نظرتها اليه التي تشوهت. لم تعد تراه آدم ذلك الرجل الذي كتبت فيه الشعر والخواطر. بالتأكيد تراه الآن شيطاناً. كما رآه أعز أصدقائه. وكما تراه والدته. قطب جبينه في أسى. وترددت أمانيه بداخله. ليتك دخلتى حياتى في وقت آخر وظرف آخر. ليتك دخلتى حياتى وأنا آدم القديم. ليتك دخلتى حياتى قبل أن تتشوه. ما كنت عندها لأفكر لحظة في أن أؤذيكِ. ما كنت عندها سأتركك لتضيعي من بين يدي. برائتك أظهرت لى كم أنا حقير. صدقكِ أظهر لى كم انا زائف. حبك أظهر لى كم أنا حقود. تنهد في ضيق وهو يشعر بغرفته تضيق به. نهض وغادر بيته مسرعاً. تجول في الشوارع بسيارته وعيناه تشعان حيرة وأسى.

اختارت إيمان ملابسها بعناية فائقه واستعدت لاستقبال عريسها ووالديه. جلس الجميع معاً في غرفة الصالون رغم اعتراض على الذي لم يلقى صدى من والديه. لاحظت إيمان منذ الوهلة الأولى ببعد حماتها عنها. كانت تنظر اليها نظرات غير مريحة ولم تبتسم في وجهها ولا مرة. بل لم تبتسم أصلاً ولا مرة. شعرت إيمان بالتوتر وتحولت سعادتها الى خوف وهي ترمقها بنظراتها من حين لآخر علها تجد وجهها وقد لانت ملامحه. انتبهت الى حديث عريسها والذي كان يتسم بخفة الظل. ابتسمت على نكاته وكتمت ضحكاتها على مزحاته. شعرت بالسعادة وهي جالسه تستمع الى الحوار الدائر واهتمام والد العريس بمعرفة بعض التفاصيل عنها ومشاركتها في الحديث. لم يعكر صفوها سوى عبوس والدة العريس والذي لاحظه الجميع. انتهت الزيارة مبكراً بعدما أعلنت والدة العريس أنها ترغب في الإنصراف. نظرت إيمان الى والدتها التي كانت تشعر بالضيق من تقرفات والدته التي تخلو من اللياقة. في الأسفل وبمجرد أن خرجوا من البوابة التفتت والدة العريس الى ابنها قائله بغيظ: - وهي دى بأه اللى عجبتك يا فالح؟

قال العريس: - أيوة
صاحت: - آه يا مرارى يانى. وملقتش غير دى
قال ابنها بدهشة: - مالها يا ماما؟
قالت أمه بحنق وتهكم: - انت مش شايف عامله زى الهضبة ازاى. اتفرج عليها بعد الجواز والخلفة مش هتعرف تدخل من باب الشقة جتك الأرف فيك وفي ذوقك
قال ابنها بضيق: - بس دكتورة ومحترمة وعجبنى شكلها. وكمان أهلها ناس طيبين
قالت أمه بسخريه: - وعامله زى ضلفة الدولاب.

ثم قالت بحماس: - يا ابنى دى خالتك روحية اتصلت بيا امبارح تقولى على حتت عروسة مفيش بعد كده. انت اللى اتسرعت واتسربعت
قال ابنها: - خلاص يا ماما بأه معدش ينفع الكلام ده
صاحت قائله: - معدش ينفع ليه ان شاء الله هو انت كنت اتجوزتها ده مجرد كلام
قال بدهشة: - يعني ايه؟
قالت تشجعه: - يعني تروح تشوف العروسة اللى خالتك روحية جيباهالك
قال ابنها وهو يفكر: - وافرضى بأه معجبتنيش ابقى خسرت إيمان.

قالت أمه بتهكم: - بلا وكسة محسسنى انها السفيرة عزيزة. أقولك يا ابن أمك تعمل ايه. ما تقولهمش انك صرفت نظر لحد ما تشوف العروسة. والله عجبتك يبأه تقول لأهل إيمان انك صرفت نظر ومش مستريح. معجبتكش أهو يبقى مخسرتش حاجة. ها قولت ايه؟
ابتسم ابنها قائله: - فكرة حلوة يا ماما وكدة أبقى مسكت العصاية من النص
قالت أمه بحماس: - وأنا متأكده انها هتعجبك دى خالتك روحية بتقول عليها كلام يشرح القلب.

ثم نظرت حولها قائله بحنق: - يلا من هنا أحسن قلبي اتقبض من ساعة ما شوفت البت دى.

جلست آيات في فراشها تنظر الى الجدار أمامها بعينان ذابلتان من كثرة البكاء. اقتربت منها أسماء قائله بحنان: - ايه رأيك أشغلك التي في نتفرج على حاجة سوا؟
لم تجيبها آيات. فجلست بجوارها على الفراش تنظر اليها بأسى وهي تقول: - آيات. طب اتكلمى. مش أنا صحبتك. قوليلى أى حاجة.

ظهرت الدموع في عيني آيات وهي مازالت تنظر الى الجدار أمامها وتضم قدميها الى صدرها. قالت أسماء بحنان: - عارفه ان اللى حصلك مكنش سهل. بس صدقيني بكره تنسيه
أطلقت آيات آهة ألم ثم بدأت في النحيب بضعف. فحتى البكاء لم تعد تقوى عليه شعرت بأن طاقتها قد نفذت. أو على وشك النفاذ. عانقتها أسماء والدموع تتجمع في عينيها هي الأخرى وهي تقول: - خلاص يا آيات. كفاية عياط بأه.

لم يكن بكاءاً بقدر ما كان أنيناً. حضنتها أسماء الى أن توقفت عن بكائها فابعدتها عنها ومسحت عبراتها وهي تقول بحماس: - والله بكره تنسيه وتنسى كل اللى حصل ولا كأنه دخل حياتك. وكلها شهر وشوية ونمتحن ونخلص من الكلية دى خالص. وننسى سيرتها وكل حاجة عنها.

نظرت اليها آيات بضعف وحزن وأسى. فقالت أسماء بحماس: - بكرة تشوفى وتقولى أسماء قالت. يا بنتى اللى يبيعك بيعيه. ده واحد ميستهلش انك تعيطي عليه أصلاً. هو اللى خسرك مش انتى اللى خسرتيه يا آيات.

ثم قالت: - عارفه لما شوفته في المستشفى قبل ما اعرف الحكاية. كان باين عليه مضايق أوى وحزين أوى. يا بنتى والله هو اللى خسر وندم وزمانه هيموت ويرجعلك. أصلاً عمره ما هيلاقى واحده زيك وهو عارف كده كويس. والله هو اللى خسر يا آيات مش انتى
تنهدت آيات وهي تغمص عينيها تعباً فقالت أسماء بحنان: - نامى شوية يا حبيبتى.

تمددت آيات وقامت أماء بتغطيتها. وجلست على المقعد المجاور لفراشها. أغمضت آيات عينيها علها تهرب من واقعها. فالنوم بالنسبة لها ما هو الا وسيلة للهروب من هذا الواقع الأليم.

خرجت آيات من المستشفى وعادت الى الفيلا. في المساء دخل والدها اليها وابتسم لها قائلاً: - أخبار حبيبتى ايه دلوقتى؟

ابتسمت ابتسامه واهنه. تمنى عبد العزيز أن يسمع صوتها الذي اشتاق اليه طيلة الأيام الماضية. لكن الطبيب أخبره بأنه أمر مؤقت وبمجرد تحسن نفسيتها ستعاود الحديث مرة أخرى. وطلب منه توفير كل سبل الراحة لها وعدم التحدث فيما يزعجها. لذلك كان عبد العزيز يتجنب الحديث عن آدم وعما يخصه. لكن هناك أمر لابد منه. جلس عبد العزيز بجوارها وامتدت يده لتنزع دبلة آدم وخاتمه من أصابعها. ترقرقت العبرات في عينيها لتسقط على وجهها الحزين. وهي ترى الدبلة التي ألبسها اياها طآدم تنزع من يدها. الى الأبد. قال والدها بصوت باكى وهي يمسح بيده على وجنتها: - أنا آسف يا بنتى. كان لازم أهتم بالسؤال عنه أكتر من كده. يمكن لو كنت سألت أكتر كنت عرفت اللى يخليني أرفضه من البدايه. أنا آسف يا بنتى.

ارتج جسدها بالبكاء فضمها الى صدره قائلاً: - مش عايز أشوفك بتعيطى تانى فاهمة يا آيات. كل حاجة هترجع زى الأول وأحسن كأنه مدخلش حياتنا أصلاً. وبعد ما تخلصى امتحاناتك هاخدك ونسافر بره مصر كلها. أى بلد تختاريها نعد فيها زى ما انتى عايزه.

أبعدها عنه لينظر الى وجهها الباكى وهو يبتسم وسط دموعه قائلاً: - شوفى بأه أنا ناوى اخليها رحلة تجنن. وعايزك تستعدى ليها على الآخر. ولو عايزه أسماء تطلع معانا مفيش مشكلة أنا هكلم والدها. وأفسحكوا انتوا الاتنين فسحة تجنن. ها ايه رأيك؟

ابتسمت باتسامه ضعيفة مجاملة لوالدها دون شعور بذرة سعادة بداخلها. فأكمل والدها بحماس مصطنع قائلاً: - عايزك تفكرى من دلوقتى وتشوفى ايه المكان اللى تحبيه تروحيه. هسيب اختيار المكان عليكي أما بروجرام الرحلة فهيكون عليا أنا. اتفقنا؟
أومأت برأسها وهي تمسح دموعها. قبل جبينها قائلاً: - نامى دلوقتى يا حبيبتى. يلا تصبحى على خير.

وضعت آيات رأسها على وسادتها. التي لم تمضى عليها سوى دقائق قليله حتى تبللت بدموعها المنسابه من عينيها دون توقف. تراءت أمام عيناها الفيديو الذي رأته ل آدم. أغمضت عينيها بشدة علها تزيل تلك الصورة من أمام عينيها. لكن هيهات. أخذت تفكر كيف يكون فارسها بتلك الأخلاق المتدنية. كيف لم تراه على حقيقته. كيف ظنت بأنه فارسها الذي تنتظره. كيف استطاع أن يخدعها الى هذه الدرجة. كانت تريد رجلاً يحميها ويحتويها ويحبها ويدافع عنها. لكنها لم تجد أى من ذلك. أفاقت من حلمها على واقع بشع. تذكرت قبلته لها في السيارة. سرت قشعريرة باردة في جسدها. مدت يدها الى فمها تسمحه بقوة وكأنها تحاول ازالة أى أثر لقبلته. وكأنها لا تطيق تلك الذكرى. ظلت تتلوى فوق فراشها وتعالى صوت بكائها. أزاحت الغطاء فجأة ونهضت لتتوجه الى حاسوبها. فتحت صورة آدم لتنظر اليها بتقزز. تلك الصورة التي كانت تجلس أمامها تتأملها دون كلل أو ملل. أصبحت الآن تشعر تجاهها وتجاه صاحبها بالنفور الشديد. مسحت الصورة وكل ما يمت له بصلة. توجهت الى حساب الفيس بوك لتحظره تماماً. وتطرده خارج عالمها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة