قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث

عينانا والفُراق يتشابهان، أراك رغم الغياب، رغم الألم يحضرُني العتاب، أكان قصدًا منك أم أن هُناك أسباب، يُخبرونني بأنك ما عُدت هنا، وانا والله لا يُرضيني الغياب. فهلا أتيت إليّ من جديد، فقلبي بغيرك لا يجد الأنيس...

أوقف السيارة أمام مبني مركز الشُرطة (القسم)، اصرت مُني علي ملازمته حتى يطمئن قلبها برؤية (فداء)، ترجلا خارج السيارة علي عجالة من أمرهما. ذأب سالم في خطواته إلى الداخل يتلفت حوله بقلقِ ليجد أحد العساكر يقف علي مقربة منه وبنبرة متلهفة تابع: بقولك أيه يابني، كان في خناقة من ساعة كدا. بنت مع شباب. ما تعرفش ألاقيهم فين؟

العسكري وهو يوميء برأسه إيجابًا: موجودين في مكتب حظابط فايز، أخر الطُرقة دي علي إيدك الشمال.
هزّ سالم رأسهُ عدة إيماءات خفيفة، سارت مُني بجواره تستتبع خُطواته تضع كفها علي قلبها من فرط الخوف وبنبرة قلقه تابعت: أنا خايفة علي البنت أوي يا سالم.

ربنا يستر، بعيد الشر عنها.
تنحي سالم يسارًا ليجد ذاك المكتب المقصود، طرق عدة طرقات سريعة علي الباب عندما استغرب من غياب (الصول) المُختص بحراسة الغرفة، أتاهُ صوت أحدهم يهتف بصرامة: أدخل.

أدار مقبض الباب حتى فتحه، رفع عيناه إلى داخل الغرفة يتفحص الوجوه الموجودة بها ولكنه لا يستطع إحصاء عددهم، وهنا هتفت مني بعويلِ وهي تنظُر إلى فداء المُقيدة من قبل مجموعة من السيدات العاملين بالمكان: بنتي يا سالم؟، إنتوا بتعملوا فيها أيه؟
فايز وهو ينظُر ل سالم وكأنه وجد طوق النجاه له: إنت والد البنت دي؟
فداء متصنعة البكاء: بابي إلحقني ضربوني.

هرولت مُني ناحيتها ثم صرخت بالسيدات حتى يبتعدن، لينصعن لرغباتها بأوامر صادرة من (فايز )، قامت مُني بإحتضانها وهي تمسح علي خُصلات شعرها، تابع فايز ما تفعلهُ هي، تلك المُتوحشه تُجيد تمثيل دور البراءة الآن، أزاح القماشة المُبلله الموضوعة علي إحدي عينية طوليًا حتى جانب فمه الذي إنتفخ من لكمتها لهُ وبنبرة مُغتاظة تابع: بنتك هتبات في الحبس هنا لحد ما تتعرض بُكرا علي النيابة، ووريني هتخرج منها إزاي.

رمقه سالم بعينين جاحظتين مشوشتين من منظرهُ المشوة، سار ناحية ابنته ليجدها تنظُر ناحية الضابط بعينين حادتين وما أن إقترب والدها منها حتى تابعت بحُزن وهي ترتمي بين أحضانة: بابي. احبسه يا بابي، إنت قاضي وعندك كُل الصلاحيات، وبعدين دا ضربني.

إندهش سالم مما قالتهُ ليرفع وجهها إليه ويبدأ في فحص كُل تفصيلة بوجهها بإمعانِ بالغٍ، لم يكُن فايز بأقل إندهاشًا كيف لهذة الشرسة؟ أن تكون ابنة أحد القُضاة؟!، وهنا تابع سالم بنبرة مُرتاحة قليلًا: مافيش في وشك أي حاجة يا بنتي. ضربوكي إزاي!

نهض فايز من مكانه، ثم أشار بإصبعة السبابة إلى وجهه تارة وأُخري إلى أحد العسكري الذي يجلس في زاوية من الغرفه يستعيد إتزانه ليردف بنبرة مُتألمة: يعني دي شكل واحدة إتضربت، يعني انا والراجل الغلبان دا شفاف؟! ولا إنت مش ملاحظ وشي يا باشا.

فغر سالم فاهه وقد إتسعت حدقتا عينية زاوية مُنفرجة، كانت لا تزال تلقي بوجهها بين أحضان والدها لترمقه بنظرة متوعدة وهي تعض علي شفتها السُفلي بتهديد، ابتعد سالم عنها قليلًا وبنبرة مصدومة تابع:
بنتي هي اللي ضربتك كدا؟

فايز بغيظِ ونبرة مُتألمة: تخيل؟ دي مش معقولة. عاملة زيّ الطور الهايج حضرتك، ضربت رجالة القهوة وضربتني وضربت الراجل الغلبان دا اللي بيجري علي عيال، شاطته برجليها لزقته في الحيط جاله إرتجاج في المُخ، وياريت إكتفت بكدا بس، دي قطعت شعر الصول فوزية وسُهيلة يادوب قيدوا حركتها بالعافية.

فداء وهي تبتعد عن والدها وبنبرة جامدة هتفت وهي تقترب منه: هو في ظابط اسمه فايز وصوله اسمها سُهيله؟، وبعدين انت هتعمل عليّا ظابط.
سالم بنبرة صارمة: فداء، تعالي أقفي هنا.
إنصاعت فداء لأوامر والدها، سار سالم ناحية العسكري الذي يجلس إلى مقعد خشبي في زاوية ما، ربت علي كتفه تأسفًا منهُ ومن ثم إقترب من فايز وراح يقول بنبره أسفة: أنا مُتأسف لك يابني والله، حقك علي راسي.

فايز بتساؤل وحيرة وهو يضغط علي كدمته بألمِ: إيديها تقيلة أوي يا باشا، انا مصدوم إنها بنت حضرتك.

سالم وهو يربت علي ظهره بخفة: انت مصدوم من ساعة بس، أما أنا مصدوم من ساعة ما خلفتها.
فايز وهو يُعازيه بحُزن: كان الله في العون يا باشا.
في تلك اللحظه فُتح الباب من جديد، دلف قُصي داخل الحجرة يحمل سلسلة ذات سُمك عريض، وبنبرة ثابتة تابع: وأدي الجنزير. جبته من مخزن القسم، وأبقي وريني بقي هتفكي نفسك إزاي!

استدار سالم ناحية مصدر الصوت حتى تقابلتا أعينهما، قطب سالم ما بين حاجبيه في إستغراب من وجود ابن صديقه داخل أحد الأقسام خاصة بعد صدور قرار توقفه عن العمل، فيما رمقه قُصي بإندهاش وراح يقول بإستغراب: عمي سالم؟، منور القسم يا معالي القاضي، خير كدا؟
سالم يبادله إبتسامة هادئه: إزيك يا قُصي يابني. مافيش يا سيدي جاي أشوف المصيبة اللي بنتي عملتها المرة دي.

قُصي بعدم فهم مُتابعًا: لا سمح الله، بنت حضرتك هتيجي الأماكن المشبوهه دي تعمل أيه؟، سالم العامري ما يجيبش غير ملكات، علي العموم إنت قولي أيه مشكلة بنت حضرتك وأنا بنفسي هحلها.

رمقتهُ فداء بنظرات ثابته وهي تضع كفها حول خصرها فيما إبتسم فايز ببلاهه وهو ينظُر ل صديقه بإشفاق، تنحنح سالم قليلًا قبل أن يُشير إلى ابنته قائلًا: ما هي دي بنتي يابني!
ذم قُصي فمه بإستنكار، وقف قبالة سالم ومن ثم أردف بنبرة هادئه: بعيد الشر عن بناتك يا عمي.

فداء وهي تصرخ به غيظًا: ما تقولش ل بابي، يا عمي!
رمقها قُصي بشدوه، تارة ينظُر لها وأُخري لوالدها ومن ثم تابع بتساؤل مصدوم: اللي سمعته دا صح يا عمي؟، مصاصة الدماء دي بنتك؟
فداء بثبات: أيوة يا عنيا.
سالم وهو يلتفت ناحيتها ناظرًا بوعيد: فداء. مش عاوز أسمع صوتك خالص، مفهوم؟
سالم وهو يعاود النظر إلى قُصي مُجددًا ثم أردف بثبات: أيوة يابني، هو إنتوا ما عرفتوش من البطاقة بتاعتها ولا أيه؟

فايز بغيظِ: ما رضيتش تسلمها وخبيتها ف ال. ال.
قُصي وهو ينظُر لصديقه بتحذير: بلاش نُدخل في تفاصيل، الله لا يسيئك.
سالم بنبرة أسفه: أنا بعتذر منكم يا ولاد، فداء بس عصبية شوية.

اسمعي يا لذوذه، عشر دقايق وهكون في شركتك، وياريت مُرتبي يكون موجود كامل يا مودموزيل هانيا. أوكي؟!

أردفت (عنود) بتلك الكلمات في ثبات وهي تضع الهاتف علي أذنها وتسنده بكتفها أثناء وقوفها أمام المرآه تتفحص شكل الثوب عليها، أنهت الاتصال دون أن تستمع لرد الفتاة ومن ثم ألقت الهاتف علي منضدة الزينة وبمرح منها إلتفتت لتواجه شقيقتها التي نظرت إلى الثوب بإعجابِ ولمعة عينان لتردف عنود قائله بحنوِ: أيه رأيك فيه؟، لو عجبك، ف أكيد عليكي هيكون بنفس الشكل.

بيسان بفرحة: حلو أوي يا فروليتي، بس تفتكري هيعجبه هو!
نزلت عنود بعينيها إلى الثوب ترمقهُ بوجومِ، رفعت بصرها إلى الكومودينو المجاور للفراش ومن ثم سارت إليه بخطى وئيدة حتى أمسكت بعبوة الدواء بين أطراف أصابعها، لوت بيسان شدقها بإمتعاض وراحت تقول بحُزن أثناء اقتراب شقيقتها منها: مش بحبه يا عنود، الدوا دا طعمه مُر، إنتوا ليه مش مصدقين إني كويسة؟!

جلست عنود القُرفصاء أمامها، مدت يدها تلتقط كف شقيقتها ومن ثم رفعته إليها تطبع قُبلة حانية في باطنه لتردف بهدوء: مصدقاكي يا عُمري. بس إحنا بننفذ كلام الدكتور، علشان تبقي أحسن.

تركت كفها بهدوء وراحت تفتح عبوة الدواء حتى التقطت منه كبسولة صغيرة، لتتناولها بيسان منها ثم تبتلعها بإستسلام، استقامت عنود في مكانها من جديد وبنبرة حانية تابعت: بصي، هخرج لحد الشركة وهرجع لك فورًا. مُراد هيكون جنبك وبإذن الله في مرافق جديد هيكون معاكي من بُكرا، ويارب فيدو ما تطفشه.

بيسان بتساؤل: بلاش تروحي شركة البنت دي تاني، لو محتاجة فلوس أطلبي من بابي!
عنود بإبتسامة شاردة: بابي عُمره، ما خلانا محتاجين ل فلوس. بس عودنا دايمًا نشفق علي اللي تفكيره بحجم نملة. مش هتأخر عليكي.

مالت قليلًا ما ان انتهت من كلامها، ثم طبعت قُبلة مُطولة علي جبين بيسان وبعدها ترجلت خارج الغرفه...

أنا أسف يا عمي علي سوء التفاهم دا، تحب أوصلكم بعربيتي؟!
أردف قُصي بتلك الكلمات في ثبات وهو يقف أمام باب القسم الخارجي، فيما تابع سالم بإمتنانِ: شُكرًا يابني تعبناك معانا. هستناك بُكرا ضروري علشان موضوع الشراكة دا.
تنحنح قُصي قليلًا ليقترب من أذن سالم وبنبرة ثابتة تابع: بنت حضرتك التانية، بنفس الفصيلة دي؟
سالم كاتمًا ضحكته: لأ، شتان يابني.

قُصي وهو يتنشق الهواء داخلهُ بإرتياحِ: الحمدلله. اتطمنت إني مش هرتكب جريمة في حد، سبحان من صبرني وجعل نَفسي طويل عليها.

قطع حديثهما صوت فداء الباكي وهي تضرب بقدمها الأرض وكذلك تمسح وِجنتيها بحُزنِ، قطب قُصي ما بين حاجبيه فيما تابعت مُني التي سبقت شقيقها بالسؤال: في أيه يا بنتي مالك؟
فداء وهي تفتعل البُكاء حيث تنظُر صوب والدها بعتابِ: الماتش ضاع عليّا. سامعة يا عمتو إحنا كسبنا، أغاني الزمالك إشتغلت أهو.

قُصي بفرحة: الحمدلله.
فداء وهي تنظُر له بفرحة عارمة: إنت زملكاوي؟
قُصي بثبات: أه زملكاوي جدًا كمان.
مدت فداء يدها ناحيتها كي تُصافحه وما أن امدها هو الأخر حتى أبعدت يدها وهي تمسح أنفها بمنديلها قائله بنبرة باكية فيما تابع قُصي بغيظِ متوجهًا بحديثة إلى والدها: بتعيط تاني ليه دي؟

فداء بحُزن: أصلي بحب الأغنية دي وكان نفسي أغنيها معاهم. راية في البلكونه، شاره علي العربية، زملكاوي وعيلتي كُلها زملكاوية، بس أنا عيلتي كُلها أهلاوية ياسطي يرضيك حتى سُلم كمان. دايمًا قاتلين الفرحة جوايا ومغلوبة علي أمري.

قُصي بنبرة مصدومة: مين دي اللي مغلوبة علي أمرها؟ وحالات العظام والإسعافات الأولية اللي جوا دي تبقي أيه؟

أسرعت فداء بالإقتراب منهُ ومن ثم ضربت علي صدره بقبضتها وهي تقول بتفاخر: صحة ياسطي.
قُصي وهو يكور قبضة يدهُ بغيظِ: ربنا يديمها.
سالم بتساؤل: أمال فين (منير ) يا فداء؟
فداء وهي تنتوي له الشر: قالي هروح أجيب محامي وما جاش. بيتخلي عني؟
سالم ضاحكًا: ما هو اللي اتصل ب مني، شكلهُ تعب من كُتر البهدله معاكي. إركبي ياختي، إركبي.

اتجهت صوب الباب بإندفاعِ جارف لم تهتم بهتاف السكرتيرة بها، فهي تلك العنيدة التي عندما تغضب تنسي هوية الواقف أمامها ويكُن همها فقط الثأر، قامت بفتح الباب علي الفور، رفعت أحد حاجبيها بثبات، فيما رمقتها (هانيا) بنظرة تحدِ لتردف بسخرية من خلف مكتبها: أهلًا بمصممتنا المُميزة!، أخبارك أيه من غير شُغل؟

سارت عنود بقوامها الممشوق في تفاخر ناحية المكتب ومن ثم جلست إلى المقعد المقابل لها تضع قدمًا فوق الأُخري وبنبرة باردة تابعت: مش شغلك يا إنتِ، ها! فلوسي جاهزة؟
هانيا بسخرية: أيه؟ للدرجة دي، إنتِ في حاجة ماسة للفلوس؟ ليكون حضرة القاضي فلس.

أطلقت عنود ضحكة عالية علي حديثها، جدحتها بنظرة ثابتة وبنبرة أكثر إستفزازًا تابعت: الفلوس اللي عند بابي ما بتخلصش، ولو خلصت كبريائنا ومركزنا بيرفعونا.
رمقتها هانيا بنظرة يتطاير منها الشرر، قامت بإلتقاط بعض النقود من درج مكتبها ومن ثم وضعتها علي المكتب لتقول بنبرة مستلذه بما تفعل: الفلوس أهي. بس يا تري هتقدروا تجيبوا علاج أختك الغلبانة دي إزاي؟!

نهضت عنود من مكانها علي الفور، ألتقطت المال بين كفها ومن ثم استدارت حتى أصبحت تقف أمام هانيا مُباشرة. بدأت في نزع المبلغ من المظروف لتبدأ في نثره علي رأس هانيا ببرود صقيعي وهي تقول بنبرة جامدة: بغض النظر عن إنه مُرتبي وحقي. بس أي حاجة تلمسها إيدك القذرة دي، أقرف امسكها، أنا أوزنك فلوس يا هانيا، وبالنسبة لأُختي ف ورحمة مامي. اسمها ما ييجي علي لسانك، لأقصهولك، ومن ثم استأنفت وهي تضع إصبعها السبابة جانب رأس هانيا قائله بسخرية: you understand me or not.

( فهماني ولا لأ؟! ).
تجهمت معالم وجه هانيا لتنتصب واقفه في مكانها ومن ثم صرخت بنبرة عالية تستدعي فيها رجال الأمن بالشركة وما أن إمتثلوا لأوامرها حين تواجدوا داخل الحجرة حتى تابعت بنبرة صارمة: خرجوا البنت دي برا؟
إتجه أحدهم إليها، بدأ في الاقتراب منها فيما عادت عنود للوراء ثم أردفت بنبرة تحذيرية: أوعي تفكر تلمسني يا بني آدم إنت!، وإلا هوديكم في ستين داهية.

وقف الرجل ينظُر لها بترددِ فيما سارت عنود صوب الباب في ثبات بعدما إستعادت كبريائها لنفسها من جديد وقبل أن تخرُج إلتفتت تنظُر ل هانيا بإزدراء وبنبرة تنافسية تابعت:.

أوعي تكوني فاكرة إنك إنتصرتي علي عنود العامري يا مودموذيل هانيا! إفرحي بس بهدوء، علشان الهزيمة جايه قُريب. هخليكي تكرهي اسم عنود وتشوفيني في أحلامك، نهايتك مش علي إيدي، نهايتك إنتِ اللي هتحطيها لنفسك. علشان الغيرة بتاكل في صاحبها بالبطيء.

يا مامي. أيه دا يا مُراد؟
أردفت بيسان بتلك الكلمات في صدمة وهي تنظُر إلى تسريحة شعرها بالمرآه فيما تابع مراد بثقة لا مُتناهية: دي قُطط، شكلك بقي أيه، زيّ القمر يا بيسو.
حدقت بيسان إلى صورتها المُعاكسه بالمرآه وهي تري رأسها قد تكدس بخُصلات علي شكل دوائر في كُل زاوية به، عبست في غيظِ قائله: تصدق أنا الغلطانة إني قولت لك، سرحلي، وهقول ل (فيدو ) يا مراد، ماااشي.

مراد بضحكة مكتومة: هو أنا يعني كُنت سرحت ل بنات قبل كدا!
في تلك اللحظه سمعا صوت أقدام تطأ الدرج، وقد أدركا مجيء الجميع بالفعل. أطلت فداء أمامهما فيما تابعت بيسان بلهفة: فيدو، إنتِ كويسة؟ الشباب الوحشين دول عملوا لك أيه؟
مراد مُضيقًا عينية ليقول بنبرة مُترقبة: تؤ. يا بنتي لأ، السؤال مش كدا، المفروض تسأليها. الشباب عاملين أيه؟، إغماءات عادية ولا في حد دخل العمليات؟

فداء وهي تمسك ياقة قميصها بأطراف أصابعها في تفاخر: علمت عليهم كُلهم بالبواني والشلاليت. ما رحمتش حد أقسم بالله، لأ وكمان ظباط.

مراد بصدمة: إنتِ فرحانة كدا ليه؟، يا جبروتك. ظباط؟
في تلك اللحظه، أمدت ذراعها ناحيته ثم جذبته إليها من ياقة قميصه وبنبرة ظفر تابعت: نيهاهاهاي. قفشتك، النهاردا ما هزيتوش جبال ولا تلال حتي. دا أنا هنفخك.
مُراد وهو يحاول إنتزاع نفسه منها ليهتف بفزعِ: يا ماما. إلحقيني!

إستطاع التخلص منها ليهرول صوب الباب وكذلك تبعته هي نفخت في كفها المتكور ومن ثم أنزلته علي عُنقه من الخلف تقول بسعادة: الله حلو القفا دا.
مراد وهو يترجل خارج الباب بتأوه وإستغاثات فيما رفعت فداء كفها لتضرب مُجددًا حتى وجدت والدها يسد الطريق عليها. أخفضت كفها جانبها ومن ثم رمقته بنظرة هادئة وصوت خفيض: مش عارفه مُراد خايف من أيه كدا؟، شكله شاف صرصور ولا حاجه؟

وضعت بيسان يدها علي فمها تكتم ضحكتها، فيما تابع سالم بنبرة صارمة: لينا كلام كتير أوي الصُبح. ويالا إتفضلي نامي دلوقتي!
بيسان بتلعثم: بابي. عنود خرجت، بس هي مش هتتأخر. جالها مُكالمة من الشركة وراحت تقابل هانيا.

فداء بغيظِ: من غير ما تقولي، دا انا هنفخها.
سالم وهو يطبق أصابعه علي أُذنها: أنا الأب مش إنتِ يا بلاء ووباء مُنتشر في القصر، أكيد ربنا بيختبر صبري بيكي.

فداء بضحكة بلهاء: صبري مين؟ نيهاهاهاي، إنتِ تعرفي حد اسمه صبري يا بيسو؟!
قطع حديثهما في هذه الأثناء دلوف مُني التي هتفت بنبرة غلبت عليها السعادة الشديدة: سالم؟ لسه قافله حالًا مع (يامن) وقالي إنه حجز التذاكر ونازل مصر بُكرا. لأ وكمان قالي التذاكر ذهاب بس.

سالم وهو يربت علي رأس شقيقته التي ألقت بنفسها بين أحضانه: الحمدلله يا مُنمن، ربنا يفرح قلبك دايمًا ويفضل جنبك وتفرحي بيه.

مني بنبرة باكية: وحشني أوي يا سالم.
تأثرت فداء من حديثها، حين إتجهت إلى عمتها تربت علي ظهرها بحنو بالغٍ فتقول: ربنا يرجعه بالسلامة يا عمتو، ويبارك لك فيه.
بيسان تؤمن علي حديثها: أمين.

( في أحد الفنادق ب فرنسا )، أحكم غلق حقيبة سفره بهمة شديدة، قام بوضعها جانبًا بس أن تأكد من عدم نسيانه لشيء. تنهد بعُمق وهو يرفع بصره إلى ذاك البرواز الذي يضم صورتهما معًا. حدق به لدقائق قليلة ومن ثم إستدار يقف أمام النافذة الزجاجية وراح يتذكر أحد المشاهد التي جمعتهما قبل عشرة أعوام:
فلاش باك، غمضي عنيكي. جايب لك حاجه هتعجبك أوي.

أردف يامن بتلك الكلمات في حماسة ولهفة شديدة، كانت تجلس إلى أحد المقاعد الخشبية بحديقة القصر وقد نكست ذقنها أرضًا ناظرة للأسفل حتى حجبت خُصلات شعرها الحمراء الحريرية قدرته علي رؤية هذه الدموع التي تنساب علي وِجنتيها، تعجب يامن من صمتها هذا، جثي علي ركبته وبدأ في إزاحة خُصلاتها عنها وبنبرة قلقه تابع: بيسان، إنتِ بتعيطي ليه؟

رفع وجهها إليه مترقبًا إجابتها لتقول هي بنبرة باكية بالكاد تُسمع: أنا بحبه أوي يا (يامن)، وعارفه إنه بيحبني كمان. بس هو دايمًا شايف إني هادية ما بعرفش أعبر عن حُبي، دايمًا عاوزني أتجنن معاه في كُل حاجه، أحيانًا عنده حق، انا شخصيتي هادية بطريقة مُمله. بس حاولت أتغير ومش عارفة، لكن أنا بحبه.

قبض يامن علي القلادة بين يده بقوة ثم أخفاها سريعًا في جيب بنطاله، افتر ثغرهُ عن إبتسامة مكسورة لم تصل إلى عينيه ومن ثم امسك كفها حتى وقفت قائلًا: مين فيكم بيحب التاني أكتر؟
سارت بيسان بجانبه لتلتفت إليه وبنبرة مُتحيرة تابعت: مش عارفة!
يامن وهو يرمقها بحنو: لأ. لازم تعرفي يا بيسان، أوعي تكوني إنتِ الطرف اللي بيحب أكتر، صدقيني هتتوجعي وأوي كمان.
Back، علي فين كدا إن شاء الله؟!

أردف فايز متوجهًا بالسؤال إلى صديقه الذي إتجه صوب سيارته يفتحها، إلتفت قُصي لهُ وبنبرة ضاحكة تابع: إنت منظرك جاحد أخر حاجه. روّح يابني نام، أنا عندي سهرة.
فايز وهو ينظُر له بلوّم: تاني سهرة يا قُصي؟، يابني إرحم نفسك من المُستنقع دا، إنت بتستفاد أيه لمّا تقضي مع كُل واحدة ليلة؟

قُصي وقد عبرت قسمات وجهه عن الضيق الشديد: فكك من أُم الإسطوانة المشروخة دي بقي. أولًا انا ما بضربش واحدة منهم علي إيديها. كُل واحدة بتسلم نفسها بمزاجها طالما هتقبض، أنا مش كسبان أوي وبردو مش خسران.

فايز وهو يضرب جانبة الأيسر في خفة: لأ خسران يا قُصي، خسران دينك. وخسران نفسك، وما تنساش الأهم، مراتك هتكون إمتداد لأفعالك.

قُصي بضحكة ساخرة: إنت شكلك إتجننت، مين دا اللي هيتجوز أساسًا. وسبق وقولت لك أنا ما بضربش حد علي إيدهُ، هم كمان عاوزين دا.

فايز بضحكة هادئه: مسيرك هتحن لبيت وعيلة، وحُضن واحدة بتعشقها، ساعتها هتحس بحلاوة الحلال وإختلافه. ربنا يهديك يا صاحبي. أنا ماشي علشان اتدشدشت النهاردا.

مالك يا عنود في أيه؟
أردفت فداء بتلك الكلمات وهي تنظُر إلى شقيقتها التي ألقت حقيبتها أرضًا ثم جلست إلى طرف الفراش تنتحب بإختناقِ، تبادل كُلًا من بيسان وفداء نظرات تساؤلية، سارت فداء إلى شقيقتها لترفع وجهها الباكي إليها وبنبرة حانية تابعت: مين زعلك؟
عنود بشهقات مُتقطعة: أنا كدا خلاص حلمي راح مني؟، انا بحب شغلي يا فداء، انا حاسه إني عاجزة وكُل الدُنيا ضدي.

فداء وهي تمسح دموعها بأطراف أصابعها: بعيد الشر، عنك. إنتِ مافيش أقوي منك، انا مقدرة حبك ل شغلك. بس صدقيني فترة وهتعدي وهتلاقي اللي يقدر موهبتك ويحترمها.
بيسان بحُزنِ: ماحدش هيقدر حُبنا لأي حاجه عاوزينها، ما بابا دايمًا ضد إبراهيم رغم إني بعشقه.

إلتفتت إليها عنود في يأس من شقيقتها التي مازالت بعالم خيالاتها وأوهامها، رغم مُحاولاتهم المُضنية لإرجاعها إلى عالمهم، ف قلوبهم تتأكل لرؤية لحظة من الماضي كانت هي فيها بخير، سارت عنود ناحية شقيقتها ومن ثم قبضت علي ذراعيها تنساب الدموع من عينيها بغزارة وراحت تهزها بقوة قائلة بمرارة: فوقي بقي لنفسك يا بيسان، بابا مش رافض إبراهيم. إبراهيم أصلًا مات. مات من زمان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة