قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش ف24 طعم الفرحة

رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش كاملة

رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع والعشرون

بعنوان ( طعم الفرحة )

رن جرس الباب ليوقظه من حلم رائع .. شتم فى سره حانقا وما ان هم بالنهوض لفتح الباب حتى وجدها ممددة جواره على فراشهما .. لم يكن حلما اذن بل كان عين الحقيقة .. لقد كانت ليلة عرسهما البارحة وهاهى اجمل عروس نائمة كملاك جواره .. تطلع اليها فى محبة وغلبه الشوق اليها حتى كاد ان يتجاهل طرقات الباب المزعجة متمتعا بقربها .. لكنه ايقن ان امه وامها هما من بالباب فى تلك اللحظة فزفر فى ضيق وجذب نفسه جذبا من الفراش مندفعا لفتح الباب ..

انفرج الباب على زغاريد امهاتهما مما جعله يجفل وقد استفاق تماما فى تلك اللحظة وهما يدفعان بصينية طعام ضخمة للإفطار بين ذراعيه .. تلقاها وتسمر موضعه وكلاهما مندفعتان للداخل مما أورثه الحسرة..
اغلق باب الشقة بقدمه واتجه الى طاولة السفرة ووضع الصينية عليها ..
تطلعت كل ام للأخرى و بدأ الغمز واللمز و هما تتابعاه يعيد مقاعد الطاولة الملقاة ارضا لاستقامتها المعتادة..

هتفت ام زينب متسائلة:- هى زينب لسه مصحيتش !؟
جلس فاركا فروة رأسه وهتف فى سخرية:- اكيد صحيت يا طنط بعد عرض الموسيقى العسكرية اللى انتوا عاملينه م الصبح ع الباب..
انفجرت كلتاهما ضاحكتين .. ليستطرد هو فى مزاح كعادته:- و بعدين حتى لو مصحيتش .. هتصحى حالا دلوقت .. هى تقدر ..
وهتف بصوت جهوري وهو يصفق بكفيه:-يا بنت يا زينبو ..

قهقهت كلتاهما من جديد مع ظهور زينب و هى تندفع من باب الحجرة حتى اصبحت بالقرب من مجلسه مطأطئة الرأس هامسة:- أوامرك يا سى شريف ..!؟..
هتف هو مدعيا الشدة:- الفطور يا بنت ..
قهقهت الأمهات لتشيح زينب بكفها وقد قررت إنهاء دورها الى هذا الحد مندفعة لصينية الطعام:- فطور ايه اللى احضره !؟.. هو فى عروسة بتحضر فطار !؟.. انا رايحة اكل .. انا هموت م الجوع .. مش كفاية كلت الأكل كله ومسبتليش حاجة امبارح ..

انتفض شريف معاتبا:- انا يا ظالمة .. و النعمة يا ماما أديتها حتة من زلمكة الحمامة..
هتفت زينب مدعية المسكنة:- مجوعني يا ماما ..
قهقهت الأمهات لتهتف ام زينب:- كلوا براحتكم يا ولاد.. بالراحة .. و نقوم نعملكم تاني..
هتف شريف مازحا:- تعيش حماتى مسؤلة الدعم الغذائي ..
واستطرد مؤكدا:- بس بقولكم ايه .. انتوا تاخدوا بعض كده وتنزلوا تطبخولنا الأكل الجامد ده تحت .. هنا المطبخ مغلق للطوارئ..

لم تستطع ام زينب إمساك ضحكاتها بينما هتفت ام شريف عاتبة:- والنبى انت قليل الادب ..طب بالعند فيك هنقعد على قلبك فطار و غدا وعشا كمان ..
هتف شريف مدعيا البكاء:- ليه كده يا حجوج!؟.. ده انا زي ابنك برضو !؟.. و استعاد روحه المرحة مهددا إياها:-هتقومى تمشى ولا أفضحك واقول كنت بشوفك مع الحج الله يرحمه بتعملى ايه !؟..

شهقت امه بينما انفجرت زينب وامها غير قادرتين على مغالبة ضحكاتهما لتهتف امه بعد ان تمالكت نفسها:- ياللاه بينا يا ماجدة يا اختى لحسن بقينا عزول .. تعالى ننزل نسمع ام كلثوم ونتذكر الذي مضى ..
توجهتا ناحية الباب وهما تقبلان زينب مباركتان ليهتف شريف مازحا خلفهما:- خلي بالك م الذى مضى يا امي .. لحسن بيقولوا ده خطرع القلب .. و الدكتورة مش فاضية اليومين دول..
هتفت زينب عاتبة:- شريف !؟..

قهقهت ماجدة بينما هتفت ام شريف من بين قهقهاتها:- انا قلت معرفتش اربيك محدش صدقني !؟..
هتف شريف خلفهما بعد ان اصبحتا على اول درج الهبوط:- من قال كده ..طول عمرك كفاءة يا ام شريف .. وعلى يدي.. تربيتك يا غالية ..
واغلق الباب حتى يتحاشى عقاب امه التى انفجرت ضاحكة على افعاله وهى تستند على ذراع ماجدة ام زينب فى سبيلهما للأسفل و التى همست فى سعادة ودموع الفرح تترقرق بمآقيها:- ربنا يسعدهم يا رب ..

اندفع شريف ما ان اغلق الباب تجاه طاولة الطعام .. وما ان هم بمد كفه لقطعة الدجاج التى يفضلها والتى كانت مطهوة بشكل اسال لعابه الا ووجد زينب تتناولها تهم بألتهامها فهتف مغتاظا:- انا عايز الورك المحمر ده مليش دعوة ..
هتفت وهى تنهض مبتعدة تلوح به وقد تناولت منه قطعة بالفعل:- بعينك .. لو جدع تعالى خده ..

هتف فى حسرة:- عيني كانت هتطلع عليه من اول ما الأكل وصل وعملت فيها مؤدب عشان امك موجودة .. انا اللي غلطان والنعمة أدي اخرة الادب واللي بناخده منه.. ضاع الورك يا ولدي ..
قهقهت واقتربت منه تقدم له قطعة الدجاج فى سعادة هامسة:- بالهنا والشفا على قلبك يا قلب زينب ..

هتف متطلعا اليها وقد تناول منها قطعة الدجاج ووضعها جانبا وجذبها لتستقر على فخذه:- صحيح انا قلب زينب !؟..
اومأت برأسها فى إيجاب هامسة بعشق:- قلبها وعقلها وروحها كمان .. زينب مكنتش تعرف انها عايشة قبل ما تقابلك يا شريف بيه..
تنحنح شريف متأثرا لكن غلبه طبعه المرح ليهتف وهو يشير لحجرة نومهما:- طب ياللاه يا بت اسبقيني ع الاوضة .. امشي انجري..
نهضت جاذبة يده لينهض من موضعه لتدفع هى اياه باتجاه الغرفة هاتفة:- انت اللي هتمشي قدامي .. انت مقبوض عليك اصلا ..
توقف ينظر اليها مقهقها وهتف:- أموت فيك وانت حمش .. يا زينبو يا عنييييف ..

تصنعت الجدية هاتفة:- ياللاه قدامى .. رجالة عايزة اللي يشكمها ..
سار امامها رافعا ذراعيه مسلملا لها وهتف قبل ان يصل لعتبة الحجرة:- زنوبة ..
هتفت:- هااااا ..
هتف مشتتا انتباهها:- بصي العصفورة
انتبهت بسذاجة لموضع إشارته ليحملها مندفعا للحجرة هاتفا في مزاح:- عليكِ واحد ..
ارتفعت ضحكاتها الرنانة من جديد تورثه نشوة ما عاد راغبا فى الاستفاقة منها ابدااا …

تحركت لواحظ في تؤدة ودلفت الي غرفة التحقيق توقفت لبرهة حتى امرها المحقق بالجلوس ..اقتربت من مكتبه وجلست في هدوء وما ان سألها المحقق:- ايه علاقتك بصفوت النعماني !؟..
ردت في ثبات:- مفيش يا بيه .. راچل زي اي راچل بياچي الشادر يشوفنا بنرجصوا ونغنوا..
هتف المحقق في سخرية:- وهو انت بتروحي مع اي راجل لشقته زي ما كنتِ بتروحي لصفوت !؟..

تلجلجت لواحظ هاتفة:- لاااه يا بيه .. بس اصلك سي صفوت الله يرحمه كانت يده فرطة ف الفلوس .. وهو اللي جالي تعالي نضفي الشجة وخدي اللي فيه النصيب ..
وادعت المسكنة هاتفة وهى تمسح اثر دمع وهمي عن وجنتيها:- بص يا بيه انا هجولك اصل الحكاية ورزجي على الله ..
هتف المحقق مشجعا:- ايوووه .. انا بقى عايز اصل الحكاية ..

اكدت وهى تهز رأسها ايجابا مستطردة:- اصلك سي صفوت كان طالب يد اخت عفيف بيه وكان التاني بيماطل وبيتحچچ كل شوية بحچة شكل وبعدها سي صفوت جاله انه هو اللي ميشرفهوش يناسبه عشان سمع عن اخت عفيف بيه كلام كِده يعني مش ولابد ربنا يستر على ولاينا يا بيه .. عفيف بيه مسكتش وهدد بجتله جدام النعمانية كلها .. واهم كلهم عنديك يا باشا خلي واحد فيهم يكدب كلامي .. راح سي صفوت خارچ م البلد جبل ما عفيف بيه يطوله .. لكن شكله طاله وعرف طريجه وعمل عملته .. الله يرحمك يا سي صفوت ..

وادعت البكاء من جديد ليهتف بها المحقق متسائلا:- عندك اي حاجة تاني عايزة تقوليها يا لواحظ !؟..
نهضت نافية:- لااااه يا بيه .. اللي اعرفه جولته..
وقعت على أقوالها واندفعت خارج الغرفة ..

انتفض نديم من موضعه خارج باب وكيل النيابة مندفعا باتجاه عفيف الذي خرج بصحبة العسكري الموكل بحراسته وكذا محاميه الذي لم يكن يبدو عليه الرضا ..
سأل نديم في لهفة:- هااا .. ايه الاخبار يا متر!؟..
هز المحامٍ رأسه في قلة حيلة هاتفا:- للأسف معظم الأدلة لابسة عفيف بيه وخاصة الدافع للقتل واللي الكل اكد عليه ..

هتف نديم وعفيف صامت لم ينبس بحرف:- بس يا متر القتيل كان مطعون وهم حتى لو لقوا سلاح عفيف بيه جنب الجثة بس مش هو سلاح الجريمة .. صح ولا ايه !؟..
اكد المحامي:- سلاح عفيف بيه اكد انه كان هناك ف مكان الحادث .. وبعدين سلاح الطعن مفقود حتى مفيش إمكانية نطابق بصمات ونثبت ان بصمات السلاح اللي اطعن بيه القتيل مش بصمات عفيف بيه ..

تنهد نديم في حسرة متطلعا الي عفيف .. ساد الصمت ليهمس عفيف مستأذنا:- ممكن بس يا متر دجيجتين مع الباشمهندس !؟..
اومأ المحام بالإيجاب بينما هتف العسكري بصوت أجش:- بس كِده هنتأخروا .. ياللاه..
مال المحام على العسكري ليضع بكفه حفنة من نقود جعلته يبتلع لسانه ويظل ممسكا بكلبشاته التي تقبض احد اساورها على كف عفيف الذي تنحى جانبا بنديم هامسا في سرعة:- اسمعني يا باشمهندس .. انا سبتك تسمع اللي جاله المحامي عشان تعرف ان عندي حج ف اللي هطلبه منِك دلوجت ..

تطلع نديم اليه في تعجب ولم يعقب ليستطرد عفيف مزدردا ريقه:- اني طول عمري كنت اسمع المثل اللي بيجول اخطب لبتك ولا تخطبش لابنك ..وكنت بتعچب .. اللي هو كيف يعني اروح اجول لواحد تعال خد بتي!؟..بس اني بجولها لك دلوجت يا باشمهندس .. خد اختي وابعد يا نديم .. اسمع .. مد كفك لچيبي وخد الورجة اللي فيه ..

مد نديم كفه لجيب جلباب عفيف ملتقطا الورقة المطوية به وهو لايزل مضطربا من جراء ما يسمعه ليكمل عفيف في عجالة عندما شعر بتململ العسكري:- دي ورچة چوازك العرفي بناهد .. خدها مصر يا نديم .. اكتب عليها رسمي .. وحطها بعينك .. ناهد مينفعش تجعد هنا لحالها وأديك وعيت بنفسك لكلام المحامي اللي بيجول ان الليلة لبساني وانا مش هلاجي احسن منِك يصونها ويحفظها ويراعي ربنا فيها ..

قال نديم اخيرا ما ان تمالك نفسه:- بس يا عفيف بيه .. ناهد اختك غالية .. غالية قووي .. ومش هي دي الطريقة اللي كنت ناوي اطلبها بيها ..
تطلع اليه عفيف مبتسما ليستطرد نديم:- ايوه.. انا كنت عايز اتقدم لها .. بس كنت شايف نفسي مش جدير بيها .. لان ظروفي ..
قاطعه عفيف واتسعت ابتسامته قائلا:- عشان كِده كنت طالب نجلك من النعمانية !؟..

اضطرب نديم ولم يعقب عندما اكتشف ان عفيف كان يقرأ داخله اكثر مما تخيل بينما استطرد عفيف مؤكدا:- اتنجل يا باشمهندس بس خدها معاك مطرح ما انت رايح .. ناهد أمانة ف رجبتك ..هي وكل ما املك ..وانا عِملت لك توكيل بإدارة أعمالي كلها .. التوكيل مع المحامي .. خده منيه .. انا بعد اللي عمله صفوت مبجتش أدي الأمان لحد.. بس انت غير يا باشمهندس .. أمانتي ف رجبتك ..

جذبه العسكري معلنا انتهاء الوقت وانه يجب عليه التحرك بسرعة .. سارعفيف خلفه متطلعا الي نديم واخيرا هتف وهو يختفي بين الجموع خارج مبني النيابة:- الامانة يا باشمهندس ..
تطلع نديم للورقة التي بين يديه وقلبه يضطرب بين جنبات صدره وهو غير قادر على تصديق انه عاد يملك زمام امرها من جديد .. وانه ما بين ليلة وضحاها أضحي المستحيل الذي كان يحلم به واقعا اقرب اليه مما كان يتخيل .. طوى الورقة من جديد وأودعها جيب قميصه متنهدا في راحة ..

اندفع شريف في اتجاه غرفة النوم يرتدي بدلته الميري في عجالة لتلحق به زينب هاتفة في حزن:- ايه يا شريف !؟.. انت لازم تروح ..
اقترب منها هامسا في محبة:- والله غصب عني يا زينب .. ما انت عارفة ده شغلي .. ودي جريمة قتل والدنيا مقلوبة .. ده كويس اني منزلتش من يوم فرحنا ..
واستعاد روحه المرحه مستطردا:- اهو خدنا لحسة من شهر العسل .. اخلص شغلي وارجع ألهطه كله ..

لم تستطع الضحك على مزاحه كالعادة وهى تتطلع اليه في شجن.. جذبها الي احضانه متعلقا بها لتشهق في البكاء قبل جبينها هامسا:- وبعدين بقي يا وزة .. انا اخر حاجة أشوفها منك دموعك بدل ضحكتك الحلوة !؟..
ابتسمت رغما عنها ومسحت دموعها متطلعة اليه ليشاكسها هامسا:- فين بقى سرينة إسعاف قلبي !؟..

قهقهت بضحتها المجلجلة التي يعشق والتي ادرك لما كانت تكتمها دوما ليقول مؤكدا:- السرينة تشيل البطاريات وانا مش موجود .. سامعة يا بنت يا زينبو ..
اومأت مبتسمة ليندفع من الغرفة باتجاه باب الشقة وهو باعقابه هم بفتح الباب لتهتف من جديد:- شريف ..
استدار يتطلع اليها وفتح ذراعيه مستقبلا إياها يضمها اليه في عشق غير قادر على إفلاتها لكنه ابعدها عنه مرغما وقبل جبينها في سرعة مندفعا للأسفل ليودع امه وامها تاركا إياها دامعة العينين تشعر ان الأيام لن تمر ببعده ..

هتفت ناهد في حزم:- انا مش منجولة من هنا.. واخويا هيرچع .. و..
اكد احد ابناءعمومتها الذين اكتظ بهم بهو البيت هاتفا مقاطعا إياها:- تجعدي فين لحالك!؟.. لاااه مفيش الكلام دِه عندينا ..هتاچي تجعدي مع بنات عمك .. وأنا هروح اطلب يدك من اخوكِ ..

تمنت الصراخ بوجهه لان كل هؤلاء المجتمعين لا هم لهم الا الوصول لمال اخيها واتخاذها ذريعة للوصول لغرضهم .. لا يختلف اي منهم عن صفوت الذي تاجر بسمعتها لينل انتقامه من عفيف .. هى ناهد بنت راغب النعماني والتي ما كان احد منهم في عز اخيها بقادرعلى ان يرفع طرفا متطلعا اليها تصبح في تلك اللحظة تُباع وتُشترى ويتجرأ عليها ضباع النعمانية واقلهم قدرا وأحطهم شأنا يحاول نهش ما تطاله يده ما ان غاب عنها ليثها ..

هتفت داخلها في حسرة باكية بدموع لم تكن لتظهرها امام أنظارهم:- واااه يا عفيف .. فينك يا اخوي تشوف بت ابوك بيحصل فيها ايه ..
همت بالهتاف بهم وقد قررت طردهم خارج بيت جدها وليكن ما يكون الا ان ظهور نديم قادما من الخارج هاتفا بصوت ثابت النبرة يحمل قدر لا يستهان به من الصرامة:- مين دي اللي تطلب ايدها من اخوها !؟.. وتروح فين وليه !؟.. ناهد لا هتروح ولا هتيجي .. ولو هتتحرك من هنا يبقي معايا انا وبس ..

تطلعت اليه في صدمة بينما هتف احد ابناء عمومتها صارخا:- كيف يعني !؟.. انت واعي للي بتجوله !؟..
ليهتف اخر ونديم لايزل على ثباته يقف خلفه مناع صامتا بدوره يتطلع إليهم في غضب يود لو يخرج سلاحه ليفرغه بأجسادهم لما رأه من خسة ظهرت ما ان غاب سيده:- انت ايه دخلك بيناتنا م الاساس !؟..
اكد نديم في حزم:- انا جوزها ..

شهق الجمع واولهم ناهد ليستطرد نديم بنفس الثبات:- ايوه جوزها ..كنت طلبتها من عفيف اخوها قبل اللي حصل واداني كلمته بالموافقة ولسه كاتبين الكتاب حالا ومناع كان شاهد ..
واشار لمناع الذي هتف بدوره هازا رأسه موافقا:- ايوه حصل ..

تطلع الجمع لبعضهم البعض في ذهول ليستكمل نديم في هدوء من جديد:- ومعايا كمان توكيل بإدارة كافة أعمال عفيف بيه .. يعني م الاخر كده .. متشكرين جداااا لنيتكم الطيبة .. بس خلاص .. لا ناهد محتاجة راجل .. ولا الارض محتاجة اللي يراعيها ..
نهض جميعهم وكل منهم يهتف في غيظ:- مبرووك ..
ويخرج موليا ليبادرهم نديم هاتفا:- الله يبارك فيكم جميعا وطبعا الفرح يوم ما عفيف يخرج بالسلامة عن قريب باذن الله ...

خلا البيت الا منهما فاقترب نديم منها مازحا محاولا تخفيف التوتر:- مفيش مبروك ..
انتفضت متطلعة اليه ولازالت الصدمة تسيطر عليها وهمست باضطراب:- انت اللي جولته لولاد عمي ده صحيح !؟..
همس نديم مازحا:- صحيح ومش صحيح !؟
سألت في نفاذ صبر:- ايه الفوازير دي .. حصل ولا محصلش !؟..

هتف نديم في جدية مخرجا ورقة جوازهما العرفي ناشرا إياها امام ناظريها:- حصل ده .. اخوكِ رجعهالي وقالي اخدك بعيد ونتجوز رسمي ونعيش مطرح ما هينقلوني .. واضح انه حافظ أهله كويس وكان عارف ان اللي شفته بعيني دلوقتي هايحصل فعلا .. وانك مش هاتبقي ف امان هنا ..
تطلعت اليه هامسة بنبرة مهزوزة:- اخويا جالك كده !؟..

هز نديم رأسه موافقا ولم يعقب بكلمة .. ساد الصمت بينهما للحظات وأخيرا هتفت في نبرة موجوعة:- ناهد النعماني يوم ما هتتچوز هيتكتب كتابها والبلد كلها شاهدة واللي هياخدها هيحط يده ف يد اخوها ف جلب بيت ابوها مش ف الزنزانة ولا بورجة عرفي .. انا عارفة ان عفيف عمل كده من خوفه عليا .. بس انا مش ماشية من هنا ولا هروح بره بيت ابويا ..ولوع الچواز !؟.. عمري ما هشوف الفرح واخويا مش چاري ..

واندفعت مبتعدة تصعد الدرج في عجالة مبتعدة عن محياه حتى دخلت غرفتها وأغلقت بابها خلفها واستندت عليه واضعة كفها على قلبها الذي كان يطرق باب صدرها بعنف ..
وتساءلت ودموع فرح تترقرق بمقلتيها:- هل ما حدث بالأسفل حقيقي ام خيال !؟.. هل هي الان زوجته من جديد !؟... وباختيار اخيها هذه المرة!؟ ..

لا تصدق .. شهقت وبكت في اضطراب فما كانت قادرة على تحديد مشاعرها ما بين حزنها على اخيها وبين سعادتها في عودة نديم مرة اخري الي دنياها ..و ما بين هذا وذاك اندفعت ترتدي سترته في سعادة تضمها في عشق ..
بينما تطلع نديم الي موضع صعودها وتنهد مبتسما وقد أسعده ما قالته فقد كان عزم امره على ذلك بالفعل .. فهو قد اقسم ما ان تسلم ورقة زواجهما من عفيف انه لن يبرح النعمانية مرة اخري الا وهى زوجته امام اَهلها جميعا وبأسلوب يليق بها .. لكن حتى حدوث ذلك هو سينتقل الي المندرة ليكون بالقرب منها حاميا لها حتى اشعار اخر ..

هتف نديم متسائلا وهو يجلس امام طاولة البهو في صحن البيت الكبير:- الفطار فين يا خالة وسيلة!؟..
اندفعت الخالة وسيلة من باب المطبخ حاملة بعض الاطباق ليبادرها هو بمنتصف المسافة حاملهم عنها حتى وضعهم على الطاولة وبدأ في تناول إفطاره قائلا في مودة:- تسلم ايدك يا خالة .. الأكل زي الشهد ..

ردت الخالة وسيلة في محبة:- تسلم وتعيش يا ولدي .. والله نفسك ولسانك حلوين متتخيرش عن الداكتورة ربنا يسعدها مطرح ما هي جاعدة..
ابتسم نديم لقولها لتستطرد متسائلة:- ألا بصحيح .. هى الداكتورة دلال وعيت للي حصل.. ولا معندهاش خبر !؟..
اكد نديم وهو يلوك احدى اللقيمات هازا رأسه نافيا:- لااا متعرفش لسه يا خالة .. حاولت اتصل بها كذا مرة بس الظاهر مش موجودة ف البيت .. هتصل تاني واطمن عليها واطمنها عليا لأني مرحتش فرح الدكتورة زينب بسبب اللي جرى يومها ..

همست الخالة وسيلة وهى تهم بالعودة للمطبخ:- معلوم مدريتش.. اني جولت انها متعرفش برضك ..
وهمست في خبث محبب مبتسمة لحالها:- لو دريت والله لترمح السكة رمح وتاچي .. جلبها هيچيبها وروحها المتعلجة هدلها ..
تساءل نديم:- بتقولي حاجة يا خالة !؟..
اكدت الخالة وسيلة:- لاااه يا ولدي ..مبجولش .. سلامتك ..

عادت الخالة وسيلة للمطبخ لتهل ناهد بأعلى الدرج .. تطلع اليها بطرف لحظه محاولا إظهار تجاهله لطلتها التي خطفت قلبه .. هبطت من عليائها وألقت السلام في هدوء وتوجهت للخارج وقبل ان تخطو خطوة خارج الباب لحق بها معترضا طريقها متسائلا:- على فين !؟..
اكدت في هدوء:- هتابع ارضنا وأشوف ايه المطلوب .. انا مش هسيب مال اخويا يضيع ف غيبته ..
جز على أسنانه حانقا:- وهو انا مش مالي عينك ولا ايه !؟..

هتفت تهادنه:- لاااه .. انا مجصدش ..انت مجامك كبير وإلا مكنش اخويا سلمك حاله وماله ومن جبلهم عرضه .. بس انا عارفة ان الشيلة تجيلة .. وانا بعفيك يا باشمهندس منها .. كفاية اخويا شيلك همي .. اشيل انا هم عفيف وماله ..
تطلع اليها وقد استشعر ان تلك الناهد المدللة التي قابلها يوما ما ووضعتهما الظروف معا قد تغيرت لناهد اخري قادرة على التصرف واتخاذ القرارات .. ناهد انضج عقلا وأصلب رأيا ..

ابتسم رغما عنه وقال:- لما ابقى اشتكي ابقى ساعديني ..
تذكرت ان ذاك كان نفس رده عندما عرضت عليه المساعدة بقيمة خاتمها يوم ان كانا بالإسكندرية والصراحة انه لم يقصر يوما ولم يشعرها ابدا بعجزه عن تدبير احتياجاتها فاضطربت وبلا وعي مدت كفها تعبث بالخاتم بأصبعها فاتسعت ابتسامته عندما ادرك انها ألتقطت الرسالة وهمست بأحرف خجلى ودمع يتأرجح بمآقيها:- كد الجول يا باشمهندس .. وعمرك ما هتشتكي ..

اضطرب بدوره وشعر برغبة عارمة في جذبها بين ذراعيه وتغييبها بأحضانه .. قاوم تلك الرغبة ببسالة وقال بصوت متحشرج يحاول المزاح لتخفيف الاضطراب:- طب اطلعي انجري بقى على فوق .. ومسمعش كلمة خارجة دي تاني ..
زمت ما بين حاجبيها وهتفت بغيظ وقد تحولت في لحظة للنقيض:- انت بتجول الكلام ده لمين !؟.. ليا انا .. انا ..

قاطعها مقتربا منها في مشاكسة:- انتِ مراتي .. والمرة دي بموافقة اخوكِ .. وشهّدت على جوازنا عيلتك كلها .. يعني لو مطلعتيش على فوق دلوقتي ..
هتفت تقاطعه في تحدي:- هتعمل ايه يعني !؟
اقترب اكثر مما دعاها للتقهقر لتصطدم بالحائط خلفها ليدنو منها هامسا بالقرب من مسامعها:- هعمل كتير .. اه انا مش صعيدي .. بس لما مراتي متسمعش كلامي .. اعرف كويس ازاي اخليها تسمعه ...

وتطلع الي عمق عينيها ليتوه بهما للحظات هامسا من جديد:-بس مش بالغصب .. بالرضا والمحبة ...
وبلا وعي منه انحنى مقبلا جبينها قبلة طويلة أودعها شوقا فاض ولولا ذاك الوعد الذي قطعه لنفسه بألا يقربها حتى خروج اخيها من محبسه لكانت الان بين احضانه يطفئ بقربها لهيبا من ليال بعاد طالت وما عاد قادرًا على تحملها ..

تملصت من أسره مندفعة للأعلي وما ان وصلت غرفتها حتى توقفت كالبلهاء تتحسس موضع قبلته بجبينها وكانما ترك اثرا مقدسا هناك تتمنى ألا يُمحى مدى الدهر .. بينما ظل هو يتعقبها بناظريه حتى اختفت وتنهد في عشق هامسا:- امتى يا عفيف تطلع براءة !؟ والله ما حد مستني براءتك قدي ..
واندفع بدوره لخارج البيت ليباشر عمله وكذا يتفقد ارض عفيف التي اصبحت تحت مسؤليته..

دخلت شقتها بعد يوم مضن .. فمنذ انتهاء فرح زينب وهى قررت الانغماس في العمل لعلها تنسي النعمانية وأيامها وسيدها الذي أورثها مجرد التفكير بمحياه سهدا ووجعا لم يعد محتمل .. خلعت حذائها ووضعته جانبا وأخذت تدلك قدمها في إرهاق وسارت حافية القدمين باتجاه المطبخ تصنع كوبا من الشاي.. مدت كفها تفتح المذياع ليتردد صوت المطرب يشدو في طرب:-
يامزوق يا ورد في عود...والعود استوي...
والكحل في عنيك السود ...جلاب الهوي..

همست داخلها:- ااااه .. ليه كل حاجة بتتعمد تفكرني بيه .. مش كفاية قلقي على نديم وانا معرفش هو ليه مجاش الفرح .. وبعدها الأحلام اللي مش راضية تسبني دي!؟..
اغلقت المذياع وصبت كوب الشاي وما ان همت بدخول حجرة نومها الا وعادت مرة اخري للردهة حيث الهاتف الذي اخذ يرن بصوت يؤكد انه قادم من محافظة اخري كادت ان تسقط بعض من الشاي على كفها من سرعتها فتركت الكوب جانبا واندفعت تركض رافعة سماعة الهاتف مجيبة بلهفة:- ألوووو..

تأكدت انه نديم عندما شعرت بتحويل المكالمة ليهتف بدوره:- ألووو .. دلال ..!؟..
هتفت بدورها:- ايووه يا نديم .. انت كويس يا حبيبي .. !؟.. مجتش ليه فرح زينب !؟.. قلقتني عليك..
هتف نديم:- بالراحة يا دلال متتخضيش كده انا كويس وعلى فكرة دي تالت مرة اكلمك ومترديش.. انتِ اللي فين !؟..
هتفت مؤكدة:- معلش يا حبيبي شغل متعطل بقى لأني كنت مشغولة مع زينب زي ما انت عارف .. انت مجتش ليه الفرح !؟..
هتف يطلعها على الامر:- اصل الوضع هنا مش تمام .. صفوت النعماني اتقتل ومتهمين عفيف والحكاية باينها كبيرة ..

هتفت ولم تستطع السيطرة على أعصابها صارخة في صدمة:- بتقول قتل !؟..
اكد نديم:- اه يا دلال .. وامور تانية .. الدنيا ملخبطة ..
هتفت مؤكدة:- طب بص انا جاية .. انا جاية..
هتف في سعادة:- يا ريت يا دلال ..لو تقدري تيجي .. تعالي ..

هتفت دلال تحاول الثبات:- طب يا نديم .. انا هركب اول قطر وجايلكم .. خلي بالك على نفسك يا نديم ..وتعال خدني اوابعت مناع بالعربية ع المحطة ..
هتف مؤكدا:- حاضر يا دلال .. مع السلامة..
اغلقت الهاتف وجلست منهارة على اقرب مقعد وانفجرت في بكاء كتمته طوال حديثها مع اخيها .. هذا هو اذن تفسير أحلامها التي كانت توقظها يوميا مذعورة .. انتفضت تمسح دموعها تسرع الخطى باتجاه حجرتها تجمع حاجياتها لتعود من جديد الي تلك الارض التي ظنت منذ عدة اسابيع انها لن تطأها من جديد ..الي النعمانية ..

اندفعت تزاحم ركاب القطار داخل العربة التى حجزت بها مقعدا فى اخر لحظة فما ان هاتفها اخوها مؤكدا على ضرورة حضورها حتى اندفعت ملبية ..
جلست متنفسة الصعداء وبدأت فى التقاط انفاسها اخيرا وسط هذا الضجيج الذى لايزل دائرا حولها من الركاب ومودعى المسافرين أمثالها وما ان بدأ القطار في التحرك حتى بدأت الأجواء في الهدوء نسبيا ..

سرحت بخيالها من نافذة القطار وجالت بناظريها على تلك الارض الممتدة امامها فى شموخ و قطارها يغوص الى اعماق الصعيد.. ابتسمت فى وداعة وهى تطالع ذاك الجبل الغربى الذى ظهر فى الأفق وتذكرته .. و اتسعت ابتسامتها ساخرة من نفسها وهى تتهكم سرا في نفسها:- تذكرته !؟.. و متى نسيته حتى أتذكره !؟..
وكانت تلك مشكلتها من الاساس ..

دمعت عيناها وقد اقترب خط سير القطار للجبل جعلها تتطلع الى شموخه وكبريائه و تذكرت كيف كان عفيف يقف شامخا لا يهاب شيئا تعلو هامته عزة وأنفة من يدرك انه ذو اصل وحسب وان طباعه المأخوذة من عبق تاريخ ارضه واعتزازه بأصله هى ما يرفع من قدره بين الخلائق ..
انتفضت من خواطرها المتمركزة حوله فى الاساس على نداء جعل ضربات قلبها تتضاعف فى سعادة .. كان ذاك البائع يهتف في انشراح:- چلااااب .. يا هدية الاحبة يا چلاب .. چلاااااب .. يا چلاب الهوى يا چلااااب ..

اندفعت تنادي البائع فى لهفة لتبتاع منه قطعتين ملفوفتين فى ورقة بيضاء .. تناولتهما من يده فى فرحة طفلة نالت ما تشتهي .. وضعت قطعة فى حقيبتها وكادت تقهقه فقد بدأت فى الاحتفاظ بالقطع من ذاك الجلاب مثل ما يحتفظ بها عفيف فى جيب جلبابه ..
بدأت فى تناول القطعة الاخرى فى استمتاع عجيب وهى تتطلع من النافذة على ذاك اللون الأخضر المختلط بدرجات لون تلك الارض الطيبة الممتدة حتى الجبل..

تنبهت لتلك الربتة الخفيفة على ركبتها لتتطلع الى ذاك الطفل الذى انفرجت شفتيه عن ابتسامة محبة ما ان وقع نظرها على محياه ليظهر موضع اسنانه الأمامية فارغا منها مما أورثه مظهرا اكثر براءة واشار فى حياء الى قطعة الجلاب التى تحمل .. قهقهت فى فرحة وحملته لتضعه على فخدها هامسة بالقرب من مسامعه:- انت اسمك ايه بقى !؟..

ابتسم الطفل فى حياء هامسا:- أسمى ثعيد ..
همست متسائلة محاولة كتم ضحكاتها:- انت بتحب الجلاب يا سعيد !؟..
هز الطفل رأسه عدة مرات فى حماسة مؤكدا مما دفع الضحكات لثغرها ليستطرد الصبى معاتبا فى ضيق:- لكن امى مش بتچبهولى عشان سنانى باظت م السكر .
اكدت دلال:- ماما خايفة عليك يا سعيد .. لازم تحافظ على أسنانك ..بس انا هديك حتة عشان احنا بقينا صحاب بس بعد ما استأذن ماما .. ماااااشى ..

ابتسمت ام سعيد معلنة موافقتها والتى كانت تجلس فى المقعد الموازى لدلال ودعت لها ممتنة:- تسلمي .. وعجبال ما تشيلي عوضك عن جريب ..
ابتسمت دلال وهى تلوح لسعيد الذى اندفع فى اتجاه مقعد امه منتصرا فى سعادة لحصوله على قطعة الجلاب واخذ يتناولها فى شره محب بنواجزه مستعيضا بها عن اسنانه الأمامية المفقودة ...

تطلعت دلال الى سعيد للحظة وأشاحت بوجهها في أتجاه النافذة وكادت ان تقهقه فى بلاهة وهى تتخيل عفيف عندما كان طفلا لابد وانه كان يشبه سعيد فاقدا لأسنانه الأمامية من كثرة تناوله الجلاب الذى يحب .. لكن رغما عنها دمعت عيناها عندما تذكرت اين يكون عفيف بتلك اللحظة .. كانت تحاول ان لا تفكر في الامر حد الإنكار فليس عفيف ذاك الذي يُحبس بين اربعة جدران تقيد حرية روحه ..
تطلعت للنافذة من جديد وسالت دموعها وتضرعت في وجع طالبة من الله نجاته ..

عادت من ذات الطريق الذي قطعته باكية منذ عدة اسابيع ظنا منها انها لن تعود مجددا ..
احتضنت عيناها كل التفاصيل التي تعجبت كيف أضحت تحفظها عن ظهر قلبها وكأنها تفاصيل موشومة على جدران روحها ..
هتف مناع بصوت متحشرج تأثرا:- وعيتي يا داكتورة للي حصل لعفيف بيه !؟..بس والله تو ما وعيت لحضرتك حسّيت ان ربنا هيفرچها ..
ابتسمت دلال بشجن لمحبة مناع الخالصة لسيده وهمست:- عفيف بيه هيطلع منها يا مناع .. عفيف لو عملها كان وقف قدام الناس كلها وقال انا خدت بتاري مش هيستخبي زي الجبنا ويدارى ..

هتف مناع مصدقا:- والله صدجتي يا داكتورة.. هو دِه عفيف بيه بالمظبوط ..
هزت رأسها مؤيدة وتطلعت للطريق من جديد وقد اصبحوا على مشارف البيت الكبير ..
اندفعت تركض لداخل البيت ما ان صف مناع العربة جانبا وهتفت في شوق:- خالة وسيلة!؟..
ظهرت المرأة العجوز من داخل المطبخ كعادتها وشهقت في فرحة غامرة:- بتي .. يا حبيبتي .. وفتحت ذراعيها تستقبلها في محبة طاغية مستطردة بصوت يتحشرج بكاءً:- اني جولت لحالي انك هتاچي ميتا ما تعرفي اللي چرى ..

اندفعت دلال تتمتع بالحنان الفطري بين ذراعيها في شوق هامسة والدمع يترقرق بعيونها:- طبعا يا خالة لازم أجي .. مقدرش اسيبكم ف الظروف دي ..
اندفعت ناهد تهبط الدرج ما ان ادركت وصول دلال:- دكتورة دلال ..
وبكت وهى تندفع بأحضانها هاتفة:- شفتي اللي چرى .. عفيف يحصل له كده !؟.. انتِ تصدجي ..
ربتت دلال على كتفها مطمئنة:- والله ليطلع منها .. عفيف بيه طول عمره بيعمل الأصول والواجب ومتأخرش على حد احتاجه ف يوم.. وربنا اكيد هيوقفله عمله الطيب..

همست ناهد متضرعة:- يسمع منك ربنا يا دكتورة ..
همست الخالة وسيلة رابتة على كتف دلال في محبة:- تصدجي بأيه يا بتي !؟..
همست دلال:- لا اله الا الله ..
استطردت الخالة وسيلة في صدق:- دخلتك علىّ دلوجت كني وعيت للغالي بالمظبوط ..
ربنا لا يغيبك ولا يغيبه ابداااا ..
كادت ان تفلت من دلال شهقة باكية متأثرة بكلام الخالة وسيلة دارتها بأحضانها وهى تندفع لاجئة بين ذراعيها من جديد .. وابتهلت في قهر ولوعة هامسة:- يااارب ..

جلس بركن زنزانته يذكر الله بسره نائيا بنفسه عن رواد الزنزانة الذين جاء بهم العسكري امس بساعة متأخرة ..
اغمض عينيه وحاول الانفصال عن ذاك الشجار الدائر بين اثنين منهم يحاول تخيل انه لايزل بين جدران بيت جده اوحتى منطلقا بفرسه بلا وجهة محددة .. تذكر يوم رحيلها وهروبه منها ليجد نفسه متطلعا اليها تغيب .. شعر بنفس الغصة بقلبه فعاد يذكر الله مستغفرا من جديد..
انفرج باب الحبس عن احد العساكر ليلزم المتشاجرين اماكنهم كأن شيئا لم يكن وهتف باسم عفيف فانتفض مجيبا:- انا اهااا .. خير!؟..

دخل العسكري حاملا حقيبة بلاستيكية ضخمة تحمل الكثير من الخيرات تسلمها عفيف في هدوء ووضعها جانبا ليخرج العسكري مغلقا باب الحبس خلفه ..تهامس الرجال وهو يتطلع لمحتويات الكيس بلا اهتمام يذكر ورائحة المأكولات الشهية المنبعثة منه يسيل لها لعابهم..تناول الكيس بهدوء ونهض واضعا اياه وسط الزنزانة قائلا:- بِسْم الله يا رچالة..

انتفض الرجال من مواضعهم منقضين على ما بداخل الكيس يتنازعونه فيما بينهم ليعود هو لمجلسه يركن رأسه على الحائط الرطب خلفه يعاود ذكر الله ..
هتف احد الرجال ساخرا وهو يخرج شئ ما من داخل الكيس البلاستيكي:- ايه دِه !؟.. انفجر اخر ضاحكا بسخرية:- چلاااب !؟..
قهقه الرجال بينما انتفض هو من موضعه مندفعا باتجاه الرجل منتزعا الجلاب من كفه.. صمت الجميع ولم يعقب احدهم على ما فعله بل انهم تجاهلوا الامر تماما وصرفوا أنظارهم لما بالكيس بينما عاد عفيف من جديد يحمل الجلاب بين كفيه .. جلس يتطلع اليه في سعادة فاقت الحد..

هل ما يظنه صحيحا !؟.. هل عادت ..!؟.. وهل هذا الجلاب هديتها !؟.. لا احد يعلم مدى عشقه للجلاب واحتفاظه به دوما في جيب جلبابه إلاها !؟.. كان كشفه لها عن ذلك يومها من الامور التي تعجب منها لاحقا .. كانت الوحيدة التي أزاح امامها الستارعن شخص عفيف النعماني الحقيقي الذي يتداري خلف قناع الصرامة والمفروض والواجب ..

تطلع للجلاب من جديد وتناول قطعة منه لينتشر طعم السكر بفيه مشعرا اياه بسعادة لا توصف لا علاقة لها بطعم السكر بل بطعم الفرحة الذي غمر روحه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة