قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش ف13 بين ذراعيه

رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش كاملة

رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث عشر

بعنوان ( بين ذراعيه )

اندفع لتلك الردهة المفضية الي غرفة الأطباء والتي طرق بابها ليسأل عنها لكنه لم يجدها .. فقد كانت تمر على بعض مرضاها ...
اخذ يجوب المشفى باحثا عنها فليس لديه الوقت الكاف وهو يود رؤيتها قبل ذهابه الى النجع بعد انتهاء إجازته..
اخيرا لمح طيفها وهى تدلف الى احدى الحجرات فاندفع خلفها في رعونة هاتفا:- دكتورة زينب ..

توقفت مصدومة من رؤيته ورسمت على وجهها جدية حاولت اصطناعها وهى تراه يسرع الخطى الى موضع انتظارها اياه وتلك الابتسامة الباشة على وجهه تدفعها رغما عنها لتبتسم فى حبور عجيب كأنما هى عدوى لا يمكن تجنبها .. لكنها امسكت بالباقى من ثباتها و هى تهتف:- خير يا حضرة الظابط!؟..الوالدة بخير!؟..

اكد هاتفا والابتسامة لم تفارق محياه:- اه يا دكتورة الحمد لله بخير .. دي حتى بتسلم عليكِ وبتقولك تسلم ايدك .. قلبها دلوقتي لا بيأخر ولا بيقدم .. بقت دقاته مظبوطة ذي الساعة ..
ابتسمت رغما عنها وطأطأت رأسها تحاول مداراة تلك الابتسامة واخيرا هتفت:- طب الحمد لله .. يا رب دايما بخير .. عن اذنك ..
هتف معاتبا:- عن اذنك ايه !؟.. يعني انا جاي لكِ مخصوص يبقى ده كرم الضيافة بتاع الدكاترة !؟..

هتفت زينب في حنق:- بقولك ايه يا حضرة الظابط واضح انك مش لاقي حاجة تتسلى بيها ف اجازتك.. بس للاسف انا مش تسلية ولا عندي وقت اسلي سعادتك .. عن اذنك ..
وهمت بالاندفاع مبتعدة الا انه هتف متحسرا:- طب مع السلامة و اشوف وشك بخير بقى .. اصل مسافر دلوقتي النجع .. تحبي أوصل حاجة للدكتورة دلال !؟..
توقفت زينب مستديرة تواجهه من جديد هاتفة في تساؤل:- انت مسافر دلوقت !؟..

اومأ برأسه ايجابا في ضيق لتعود ادراجها اليه مرة اخرى امرة:- طب اتفضل معايا عشان اديك جواب تديه لدلال ..
همس شريف في سعادة:- ربنا يخليلنا الدكتورة دلال اللي خلتك ترضي عننا ..
هتفت متسائلة رغم انها سمعت ما كان يهمهم به:- حضرتك بتقول حاجة !؟..
رد هو في عجالة:- لا بقول كويس انك هتبعتي معايا جواب للدكتورة.. تلاقيها وحشتك ..
و همس لنفسه:- عقبالي يا رب ..

هزت هى رأسها في تأكيد وسار جوارها في شرود يتأمل محياها تحاول ذاكرته تشرب تفاصيل تلك الملامح وقسمات ذاك الوجه الذي سيحرم رؤياه حتى يحين موعد إجازته القادمة ..
دلف خلفها للحجرة وجلست هى خلف مكتبها وجلس بدوره قبالتها لتندمج هى في كتابة خطابها و يندمج هو في التفرس فيها واخيرا ناولته اياه داخل احد مظاريف المشفى ..

مد كفه يلتقطه فى مرح هاتفا:- من يد ما نعدمها ..
ونهض مستطردا:- اشوف وشك بخير بقى ..
هتفت في نبرة محايدة:- مع السلامة يا سيادة النقيب ..
هتف مازحا قبل ان يغلق الباب خلفه مودعا:- اهو انا كنت جاي عشان اسمع بس الكلمتين دول ..
واستطرد بنبرة جادة كانت غير معتادة منه:- مع السلامة يا دكتورة..
واغلق الباب في هدوء .. ليتركها نهبا للفكر والخواطر حول ذاك الذي ظهر في غفلة من الزمن ليقلب اتجاه بوصلتها حتى ولو حاولت ادعاء العكس ..

شعرت باختناق عجيب يتملكها فأغلقت باب غرفة الكشف بعد ان تأكدت انه لن يأتيها مرضى بعد تلك الساعة ..
أحكمت ضم شال امها حول كتفيها و تحركت باتجاه الطريق الترابي الضيق الذي ينحدر لقلب النعمانية .. كانت تشعر ان السير قليلا قد ينفعها في تخفيف وطأة ذاك الشعورالداخلي الخانق والذي لا تعلم له سببا محددا .. تركت قدميها تقودها للطريق وقررت ان تستمتع فقط بعبق ريح العصاري
الندية المحملة بأريج الغيطان البعيدة المختلطة بثرى الجبل العتيق هناك ..

لم يكن في مخططها ان تقابل احدهم و خاصة انها علمت ان شريف لم يعد بعد من إجازته وهى في الاساس لا رغبة لها في ادارة حوار مع اي من كان .. تشعر برغبة عجيبة في البقاء وحيدة ..
لكن يبدو فعلا ان ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فلقد سمعت نداء ما باسمها .. تطلعت حولها في تيه حتى وقع ناظرها على الدكتور طارق طبيب الوحدة الصحية..

ابتسمت في رسمية متجهة الي حيث يقف عند مدخل الوحدة لا تعرف هل هو في سبيله للدخول ام الخروج منها .. هتف مرحبا:- اهلًا يا دكتورة .. مالك !؟..
هتفت متعجبة:- هو انا باين عليا قووي كده!؟..
ابتسم طارق مجيبا وهو يعدل منظاره الطبي في حياء:- مش قووي متقلقيش .. بس خير!؟.. و استدرك متنحنا:- ده لو جاز ليا اني اتحشر واسأل .. لو مكنش يضايقك ..
ابتسمت في شجن:- لا ابدا يا دكتور.. بس حاسة ان الامور مش ماشية تمام ..

اشار لها لتجلس بداخل الوحدة على احد آرائك انتظار المرضى فلبت في سعادة حتى لا تقف بالخارج فيلمحها احدهم او حتى يرها عفيف نفسه وهى في غنى عن ما قد يحدث بعدها ..
هتف متسائلا:- امور ايه اللي مش ماشية تمام !؟.. امور شخصية !؟..

كان سؤاله يتجه وجهة هى لا ترغبها على الإطلاق فحاولت ان تعيد الحوار لمساره الاول هاتفة:- الامور المهنية هنا ف النجع مش اكتر .. لسه الجواز العرفي عشان التحايل على شهادة التسنين شغال ولسه الختان رغم توضيح بعض إضراره في اصرار على إجراءه .. وفيه وفيه .. اللستة لسه طويلة للاسف .. ده كله هيتغير امتى!؟.. و ازاي !؟.. اذا كان اصحاب الشأن مقتنعين بصحة اللي بيعملوه !؟.. انا فعلا مش مستوعبة ازاي اهل يعرضوا بناتهم لكوارث ذي دي عادي كده والاسم انهم بيعملوا كده حماية و سترة ..

وقصت له ما حدث مع نادية وبراءة و زيارتها لأم حبشي ..
تبسم طارق هاتفا:- كل ده يا دكتورة و بتقولي انك مش حاسة انك بتعملي حاجة !؟..
صدقينى انتِ بتهزي جبل من تقاليد وعادات ارسخ من الجبل اللي انت شيفاه ده ..
واشار للجبل الغربي على مرمى البصر مستطردا:- وده عايز عزيمة واصرار اشد صلابة من الصخر .. وانتِ قدها وقدود يا دكتورة ..

ابتسمت في امتنان ونهضت محيية:- متشكرة يا دكتور .. انا شكلي كنت محتاجة أتكلم مع زميل يقدر ويدرك حجم المعاناة اليومية اللي بعيشها مع الستات عشان أقنعهم بالمناسب والأصح عشانهم ..
ابتسم طارق بدوره:- تحت امرك يا دكتورة ف اي وقت .. و اعتبريني صديق مش مجرد زميل .. دي حاجة هتسعدني جدا ..
هزت رأسها في تفهم وانسحبت بهدوء خارج الوحدة ..

سارت بضع خطوات وتناهى لمسامعها صوت عربة عفيف من البعد .. كانت تعتقد انها تقترب فتوقفت للحظات تمد ناظريها متوقعة ظهوره الا انها ادركت ان العربة تبتعد وان عفيف قد مر من هنا ..
هل رأها يا ترى !؟.. دار السؤال بخاطرها لكنها لم تقف كثيرا عند البحث عن اجابة ..

اما هو فقد رأها بالفعل .. كان يتعقبها منذ خروجها من البيت الكبير .. كان على مقربة منها لكنها لم تع ذلك .. وعندما رأها تقف مع طارق جن جنونه لكنه لم يستطع ان يحرك ساكنا فلقد اكتفى من افعالها وما عاد قادرًا على كبح جماح انطلاقها وكبت حريتها.. هى كالفراشة وهو ود لو كان ذاك اللهب الذي تقترب منه صاغرة مرحبة .. لكنها للاسف فراشة عمياء تتجه للعتمة متجاهلة دفء الضي وحرارته غاضة الطرف عن وهجه .. لذا تجاهلها و سار بطريقه مبتعدا ولم يكن يدرك انه اول من سيحترق بذاك اللهب الذي يحاول تجاهل ندائه لفراشته ..

تثاءب في تكاسل متطلعا الى تلك التي كانت تجلس قبالته على الأريكة الضيقة هناك .. كان يحاول جاهدا ان يتجاهل ذاك الشعور الذي بدأ في النمو تجاهها وما عاد قادرًا على وأده .. لا يعلم منذ متى بدأ ذاك الكامن في أعماقه في الظهور من مكمنه الا عندما ظهر بالفعل مشرأبا برأسه من بين كوامن روحه.. تنحنح لا ليستدعي انتباهها بقدر رغبته في اخراج نفسه من أتون خواطره التي اصبحت بالفعل تنحى منحن خطر في الآونة الاخيرة واخيرا هتف بصوت يكسوه المرح المصطنع:- ايه رأيك ف خروجه وتمشية ع البحر !؟..

هتفت في سعادة:- صحيح !؟.. يا ريت ..
ثم استدركت:- لكن انت لسه يا دوب طالع من دور برد شديد .. لحسن تتنكس ..
هتف مؤكدا:- لا متقلقيش .. انا كويس و هتقل ف اللبس .. و بيني وبينك .. انا زهقت قووي م الرقدة والحبسة ف الأوضة دي ..
هتفت توافقه:- عندك حق ..
اكد هاتفا وابتسامة على شفتيه:- طالما عندي حق يبقى ياللاه بينا ..

نهض في اتجاه حقيبته واخرج ملابسه و هتف في حرج:- ادخلي غيري هدومك ف الحمام وانا هغير هنا ..
اومأت دون ان تتفوه بحرف حرجا ودخلت للحمام بالفعل .. أنهت تبديل ملابسها لكنها لم تجرؤ علي الخروج من الحمام حتى هتف هو من خارجه متعجلا إياها ..
توجها نحو احد السنترالات وطلب رقم بيت ابيه وانتظر بفارغ الصبر ان ترفع دلال سماعة الهاتف حتى يطمئن قلبه الا انه كما المرة السابقة لم ترد .. زفر في ضيق كان ظاهرا عليه بوضوح عندما غادر الكابينة لتساءله رغم علمها:- برضو مردتش عليك!؟..

اومأ برأسه مؤكدا وهتف في حنق:- مش من عادتها انها تبقى بره البيت لفترات طويلة كده !؟.. انا قلقان فعلا عليها ..
هتفت تطمئنه:- يمكن عشان انت بعيد عنها بجت بتشتغل فترات اطول !؟..
هز رأسه غير مقتنع بتلك الحجة:- يمكن ..
هتفت ناهد مستوضحة:- طب هى ملهاش اصحاب أوليكم جرايب تسأل عندهم !؟..

هتف نديم مؤكدا:- ملناش قرايب لكن ممكن تكون عند زينب .. دي صاحبة عمرها .. ووالدتها ذي امنا وياما وقفت جنبنا بعد وفاة امي .. بس انا بقالي سنين من ساعة ما دخلت الكلية لا رحت عندهم ولا اتصلت بتليفونهم .. نسيت الرقم للاسف..
تنهد في خيبة وحاول اعتصار ذاكرته لكنه لم يفلح ..

تحركا صوب البحر واستنشقا عبق ريحه الفريدة المحملة بعشق الحرية .. الان هما امامه وجها لوجه .. بصلابته وعنفوانه و رقته ولينه .. عبا من هوائه النقي ملء رئتيهما وزفراها انفاس حارة بحجم مواجع روحيهما ..
سادهما الصمت فلم ينبس احدهما بحرف واحد .. حتي همست هى في صوت متلجلج متسائلة:- يا ترى عفيف عامل ايه ف المصيبة اللي وقعناه فيها دي !؟.. ويا ترى ممكن يسامحني !؟..

انسابت العبرات السخينة على خدها مناقضة لنسمات البحر الباردة .. تطلع نديم اليها و همس متسائلا:- مش عارف .. انتِ اللي تقدري تجاوبي ع السؤال ده لانك اخته و اكتر واحدة تعرف تحدد ردود افعاله ..
همست ساخرة في مرارة:- ردود افعاله!؟.. انا مبقتش عارفة احدد اي حاچة ..بس بعد اللي عملناه ده عفيف لو شافنا جدامه دلوجت هتكون نهايتنا چتت مرمية ف البحر ده .. في امور عفيف مبيتفاهمش فيها .. برغم انه متعلم ووصل لدرچة علمية كبيرة الا ان الطبع غلاب وامور الشرف دي بالذات مفيش فيها نقاش من اساسه ..
تنهد نديم هاتفا:- عنده حق ..

هتفت متعجبة:- عنده حج !؟.. انت اللي بتجول كده !؟..
اكد هاتفا بحنق:- اه انا اللي بقول كده ..
هتفت في ضيق:- امال ليه ..
قاطعها هاتفا في ضيق مماثل:- عشان مكنش فيه حل تاني .. كان قدامنا حل تاني!؟.. هااا !؟..
هزت رأسها نفيا ولم تنبس بحرف لكن دمعاتها أجابت عنها ..
ساد الصمت من جديد واخيرا زفر نديم في محاولة لتهدئة الأجواء المحتدمة:- ايه رأيك ف اكلة سمك جامدة !؟..

نظرت اليه وهى تمسح اثر دموعها من على وجنتيها:- بس الفلوس !؟..
هتف متعللاً:- ميهمكيش ..خربانة خربانة .. خلينا ناكل اكلة ترم عضمنا .. الواحد معدته تعبت من اكل الجبنة .. وبعدين ده انا لسه خارج من عيا وعايز اتقوت ..
ابتسمت في هدوء هامسة:- صح .. انت فعلا لازم تتغذى كويس ..
هتف مبتسما:- اهو شوفتي .. ياللاه بينا على اقرب محل سمك نفرتك القرشين اللي معانا قبل ما نمشي ..
هتفت متعجبة:- نمشى نروح فين !؟..

امسك كفها فى أريحية وهما يعبرا الطريق فاضطربت هى وما ان وصلا للجانب الاخر من الطريق واستأنفا طريقهما حتى هتف:- لازم نرجع القاهرة يا ناهد ..
تساءلت:- ليه !؟.. ونرجع لمين !؟.. لأختك!؟..
تنهد في وجع وهتف:- هنشوف يا ناهد هنروح فين .. بس لازم نرجع القاهرة لأني هنا معرفش حد ولازم اشوف لي شغلانة و ده مش هيحصل الا ف القاهرة .. ليا اصحاب هناك ممكن يساعدونى ف الموضوع ده ..
هزت رأسها في تفهم واكملا طريقهما ولم يلحظ انه كان لايزل ممسكا بل متشبثا بكفها التي شعرت بالراحة في احضان كفه ..

اندفع شريف يوقف عربته الميري امام بوابة البيت الكبير وترجل منها مندفعا تجاه مناع ملقيا التحية فى مودة:- سلام عليكم يا مناع .. الدكتورة دلال موجودة !؟..
نظر اليه مناع في تعجب هاتفا:- انت عايز الداكتورة !؟.. ولا تجصد عفيف بيه !؟..
هتف شريف مؤكدا:- انا بسأل ع الدكتورة يا مناع !؟.. موجودة !؟..

اكد مناع هازا رأسه ايجابا وبداخله رغبة دفينة في نفي وجودها لكنه اشار له بالدخول:- موچودة يا بيه .. اتفضل ..هديها خبر ..
اتجه شريف الى الحديقة وتطلع حوله منتظرا ظهور دلال التي اندفعت خارج باب المندرة مرحبة في مودة:- اهلًا حضرة الظابط .. اتفضل.. حمدالله ع السلامة وصلت امتى م القاهرة !؟..

مد شريف كفه مرحبا وهتف فى مودة:- الله يسلمك يا دكتورة .. انا لسه واصل حالا والله ..
هتفت دلال متسائلة:- وايه اخبار الوالدة !؟.. يا رب الصحة تكون بقت عال دلوقتي ..!؟..
اكد شريف ممتنا:- انا مش عارف اشكرك ازاي والله !؟.. بصراحة الدكتورة زينب قامت بالواجب و زيادة .. و الحاجة صحتها جت على علاجها ..
وهمس بصوت كان مسموع لها:- عقبال صحتي أنا كمان..

ابتسمت دلال ولم تعلق ليستطرد هو هاتفا:- بقولك ايه يا دكتورة!؟.. هى الدكتورة زينب يعني .. مرتبطة .. او متكلمين عليها !؟..
قهقهت دلال هاتفة:- اه متكلمين عليها ..
هتف منتفضا:- ايه !؟..
استطردت وهى لاتزل تضحك:- ايوه قايلين عليها كل خير ..

نظر اليها عاتبا:- وقعتي قلبي يا دكتورة ..اه صحيح .. كنت هنسى.. واخرج من جيبه خطاب زينب هاتفا:- اتفضلي جواب م الدكتورة زينب مستعجل مع علم الوصول ..
ابتسمت دلال شاكرة ومدت كفها تتناول الخطاب منه واستدار راحلا وهو لا يعلم ان هناك نظرات كالصقر تتابعه ولو ان النظرات تقتل لأردته قتيلا فى الحال ..
اندفعت لداخل المندرة وهى تتطلع للرسالة التي بكفها والتي قد تحمل اخبار عن اخيها الغائب قد تشفي غليلها وشوقها لمعرفة اين يمكن ان يكون..

كانت تهرول لتصل لغرفتها لتفض الرسالة الا انها اصطدمت به لترتد للوراء خطوة و تصدراهة ألم مع شهقة صدمة و هى تراه يقف متحفزا بهذا الشكل و نظرات عينيه تنطق بأمور تتمنى لو كانت غير قادرة على قراءتها بهذا الوضوح ..
سقطت منها رسالة زينب لتستقر بينهما ارضا ..

لا تعرف لما شعرت برغبة عارمة في الهروب من امام تلك العينين فى التو واللحظة لذا لم تشعر الا وهى تنحني لتلتقط الرسالة وتندفع مهرولة باتجاه الدرج الا انه هتف بصوت لم يكن يحمل من الغضب و الضيق بقدر ما كان يحمل من بوادر ثورة موؤدة بشق الأنفس داخله تهدد بحرق الأخضر و اليابس اذا ما أعلنت عن نفسها:- يا داكتورة !؟..

تسمرت مكانها كتمثال لا روح فيه على اولى درجات الدرج ولم تجرؤ على الاستدارة لتواجهه وهو يهتف متسائلا:- ممكن اعرف ايه اللي بيحصل بالظبط !؟..
أضطرت للاستدارة لتواجهه هاتفة في هدوء:- ايه اللى بيحصل يا عفيف بيه !؟.. لو قصدك على حضرة الظابط .. اعتبره ضيف جالي واستقبلته.. و احتراما لحضرتك استقبلته خارج المندرة .. ف الجنينة ولمدة لاتزيد عن ربع ساعة .. و متهئ لي ده افضل من انى اقف أكلمه بره المندرة ذي ما حضرتك لفت نظري عشان كلام الناس ..و لا ايه !؟.

هتف ساخرا جازا على اسنانه:- و هو ياچيكِ ليه م الاساس سوا كضيف ولاعفريت ازرج !؟..
تجاهلت نبرة السخرية التي اتشح بها صوته وهتفت في هدوء من جديد متسائلة:- مكنتش اعرف انه مش من حقي استقبال ضيوفى يا عفيف بيه لمجرد اني ضيفة عند حضرتك !؟..

هتف في محاولة لضبط نفسه عن الصراخ فيها وهى تجادله بهذا المنطق وبحجة دامغة لا يملك امامها مبررا واحدا مقنعا:- مش الجصد يا داكتورة .. انا كل اللي اجصده حضرة الظابط الهمام .. ايه اللى بينه وبينك يخليه ياچي لحدك و يبجى في بينكم چوابات ومراسيل!؟..
كان هذا هو لب الموضوع وبيت القصيد .. ذاك الخطاب الذي رأها تتناوله من بين يديه في لهفة ماذا يحمل يا ترى !؟..يكاد يجن لينتزعه من بين كفيها ويفضه حتى يشفي غليله ..

نظرت اليه في غضب لا يمكن تحجيمه وهتفت وهى تجز على أسنانها في ثورة تحاول على قدر استطاعتها السيطرة عليها:- انا مقبلش يا عفيف بيه نبرة الاتهام الموجهة ليا ف سؤالك !؟.. و معتقدش ان كوني ضيفة عند حضرتك يديك الحق في أسئلتك دي ولا انا مطالبة من الاساس اني أبرر أفعالي لحضرتك اولغيرك .. عن اذنك..

قالت كلمتها الاخيرة وانطلقت كالسهم تعتلي الدرج في عجالة تاركة اياه يكاد يمسك السماء بيديه غضبا وثورة حتى انه ما استطاع السيطرة على انفعاله اكثر من هذا فأطاح بتلك المزهرية الزجاجية من موضعها بعصاه دافعا بها ارضا مهشمة لعلها تخفف ولو قليلا من تلك النيران التي تشعلها الغيرة بين جنباته ..
اما هى فقد تجاهلت صوت الحطام الذي تناهى لمسامعها بالأسفل ودخلت حجرتها مغلقة بابها خلفها فى عنف ينم عما بداخلها من حنق وضيق ..

كيف يجرؤ !؟.. حاولت ان تهدئ من روعها وهى تجوب الغرفة ذهابا وايابا واخيرا جلست تفض خطاب زينب و تنهدت في حزن زادها هما عندما ادركت ان ما من اخبار تخص اخيها الحبيب مع تأكيد زينب على ان اى معلومة ستصلها سترسلها لها مع حضرة الضابط المجنون الذي يبدو انه سيكون له مع زينب شأنا خاصا ..
دعت لهما بالتوفيق معا فى سرها و دعت ان يظهر نديم وتجده قبل ان تصل اليه يد ذاك العفيف بالأسفل ..

انتفض دافعا جسدها في غيظ عنه هاتفا بغل يقطر من كل حرف من حروفه:- اعمل ايه تانى يا عفيف عشان اكسر نفسك وأذلك ..!؟.. وضرب بقبضة يده اليمنى باطن كفه اليسرى في حقد واضح .. ليستطرد هاتفا من جديد:- اعمل ايه فيك يا واد خالي .. اعمل ايه!؟..
اقتربت منه رفيقته اللعوب هاتفة في دلال ممجوج:- واه يا سي صفوت ودِه وجته برضك .!؟.. يولع عفيف وسيرته اللي تكدر سيد الرچالة ..

تنبه اليها بكل حواسه هاتفا:-جوليلي اعمل ايه تاني ..!؟..دِه اني وجفت جدامه اطلب يد اخته و النعمانية كلها كانت جاعدة .. و مردش على طلبى ولا حد منيهم جدر يجوله كلمة واحدة ترده ..
ونفخ في غل يكاد يرديه قتيلا.. لكنها اقتربت منه في إغواء هامسة بالقرب من أذنه كالحية:- دلوجت انت معاي اني.. يبجى تنسى عفيف دِه واللي خلفوه كمان وبعدين بجى نبجوا نفكروا كيف تخليه ينخ و يطاطي وما يرفع عينه ف عينيك طول ما هو عايش.. بس سيب دِه على لواحظ ..

وجذبته اليها من جديد وقد انصاع لها وهي تطلق ضحكة ممجوجة ماجنة تؤكد انه سيكون طوع بنانها في تنفيذ كل ما قد تصبه في رأسه من سموم ..

كانت تتابع فحوصاتها كالعادة كل نهار وفجأة في منتصف احدى الكشوفات اندفعت فتاة صغيرة لا تتعد الثامنة من عمرها لتمسك بكفها جاذبة إياها وهى تهتف في ذعر:- ألحجي اختي يا داكتورة دلال .. ألحجيها لچل النبي .. هيدبحوها ..
توقفت دلال عن الفحص واستأذنت من المريضة وتنحت جانبا بالطفلة تهدئ من روعها هامسة:- اهدى يا حبيبتي وفهميني بالراحة .. اختك مين!؟.. و مين اللي هيدبحوها دول!؟..

هتفت الفتاة السمراء الصغيرة و هى تلتقط انفاسها فى تتابع ينم عن سوء فى التغذية واضح بجانب حالة الذعر التي تنتابها والتي زادت من سوء حالتها:- اختى براءة يا داكتورة .. ألحجيها .. امي اللي جالت لي اچيلك بس مجولش لحد .. محدش غيرك اللي هيجدر ينچدها..
انتفضت دلال ما ان سمعت باسم براءة.. تلك الفتاة التي كانت تصر جدتها المتحجرة الرأس تلك على ختانها رغم تأكيدها لهم انها ليست بحاجة للختان وان ابنتهم ضعيفة البنية قد لا تحتمل عملية كهذه ..

خلعت دلال معطفها الطبى الابيض واعتذرت من الجميع واندفعت في اتجاه بوابة البيت الكبير تمسك الطفلة بكفها باحثة عن مناع حتى يحضرالعربة ليسرع بهما حتى بيت براءة الا ان مناع لم يكن بموضعه المعتاد جوار البوابة الحديدية فعلمت انه بصحبة سيده بالخارج .. ذاك الذي كانت تتحاشى لقاءه منذ اخر خلاف بينهما بسبب زيارة شريف لها ..

لم يكن هناك وقت للانتظار او حتى التفكير فاندفعت مهرولة مع الفتاة الصغيرة في أتجاه بيتها تكاد تركض في مشهد اثار استعجاب كل من لاحظه ..
وصلت اخيرا على اعتاب بيت براءة .. دفعت الصغيرة المصاحبة لها الباب ودلفت للداخل مسرعة تختبئ حتى لا يعلم من بالدار من المسؤل عن جلب الطبيبة في تلك اللحظة فتنجو من عقاب جدتها القاسية وابيها الخانع دوما لاوامر امه المتسلطة..

اندفعت دلال لداخل الدار ووقفت في منتصف باحته الضيقة تتطلع حولها في تيه .. و اخيرا جاءتها صرخة ما شقت صدرها رعبا فاندفعت من حيث اعتقدت انها مصدرها دافعة بالباب الخشبي المهترئ لتجد نفسها وجها لوجه مع ام حبشي القابلة وجدة براءة وامها المغلوبة على امرها .. وجسد براءة الممدد هناك على الفراش جثة هامدة بلا حراك.. كانت تعتقد ان تلك الصرخة لبراءة .. لكنها كانت لامها التي كانت تولول وتلطم خديها في حسرة ..

اندفعت دلال دافعة بتلك القابلة الحقيرة مبعدة إياها عن الفراش حيث ترقد براءة لعلها تستطيع انقاذها قبل فوات الأوان ..
حاولت وحاولت ان تعيد للفتاة لون الحياة في ذاك الوجه الشاحب لكن الفتاة كانت غارقة في نزفها وما عاد بالإمكان لإنسان ان يتدخل فى احكام القدر..
فلقد فتحت براءة عينيها الكحيلتين لثانية واحدة وما ان طالعت وجه دلال حتى ابتسمت في وداعة و رحلت في هدوء ..
صرخت دلال فيها هاتفة:- براءة .. انا هنا متخافيش .. انا قلت اني مش هخليهم يضروكِ .. سامحيني .. فوقي عشان خاطرى ..
انطلقت صرخة اخرى من صدر الام المكلومة على طفلتها وساد بعدها صمت احد وطأة من صمت القبور ..

ثارت النسوة امام غرفة الكشف معترضات على غياب الطبيبة مما دفع الخالة وسيلة لأستطلاع الامر لتخبرها تلك المريضة التى شاهدت اخت براءة تصطحب دلال بكل ما حدث ..
اندفعت الخالة وسيلة في ذعر في اتجاه عفيف الذى دخل لتوه الى البيت الكبير هاتفة في اضطراب:- ألحج الداكتورة دلال يا عفيف بيه ..
انتفض عفيف هاتفا في قلق:- مالها يا خالة..!؟.. ايه في !؟..

هتفت الخالة وسيلة:- اخت براءة چت خدتها من وسط الحريم و محدش يعرف ايه اللي بيچرى ..
اندفع عفيف خارج الدار في اتجاه العربة مستقلا إياها على عجالة و اندفع بها فى سرعة باتجاه بيت براءة ..
وصل اخيرا وقفز من العربة مهرولا عندما استمع للصرخة المدوية التي انطلقت من الداخل ليجد دلال تصرخ فى براءة او بالاصح في جثمانها المسجى ليندفع باتجاها مطوقا كتفيها بذراعه جاذبا إياها بعيدا عن الفراش ومحاولا ان يخفف تشبثها بالفتاة المتوفاة..

تنبهت لوجوده اخيرا ونظرت اليه نظرات باكية كلها تيه وقهر هاتفة بصوت متحشرج:- انا وعدتها ان محدش هيقدر يضرها يا عفيف .. انا قلت لهم انها ضعيفة ومش هتستحمل .. لكن انا خزلتها .. ثم رفعت كفها الغارق في دماء الفتاة متطلعة اليه مستطردة في هزيان .. خزلتها ودمها على كفي وهيفضل ف رقبتي يا عفيف ..
ونظرت لأهل الفتاة الذين تجمعوا بالغرفة مطأطئ الرؤس منتحبين و صرخت في قهرمشيرة اليهم بيد مرتعشة ونبرة مقهورة:- دبحتوها .. كلكم دبحتوها ..ورفعت كفها صارخة من جديد .. دمها ف رقبتنا كلنا ..

كان عفيف يشد من ضم كتفيها محتملا ثقل جسدها بذراعه وهمس مهدئا بصوت متحشرج يكسوه تأثر لا يمكن إغفاله:- اهدي يا داكتورة .. انا لله وانا اليه راچعون ..
تنبهت الى وجوده من جديد فرفعت نظراتها الملتاعة اليه هامسة:- براءة ماتت يا عفيف .. براءة ماتت..
ودون سابق إنذار حررت نفسها من قبضة ذراعه واندفعت خارج الغرفة ومنها لخارج الدار…
كان هو باعقابها يحاول اللحاق بها وقد لاحظ وصول الشرطة و الدكتور طارق طبيب الوحدة ..

لم يكن يعلم الى اى الطرق اتجهت بين كل ذاك الزحام امام بيت براءة بعد صرخات امها التي جمعت الجيران ولا الى اين يمكنها الذهاب في تلك اللحظة وهى بتلك الحالة!؟.. اندفع يستقل عربته باحثا بناظريه عنها بكل اتجاه واخيرا وجدها تقف بمفترق طرق تبحث حولها عن شئ لا تدركه .. كانت كتائهة لا تحدد لها طريقا تسلكه .. اندفع في اتجاهها بالعربة وما ان هم بالوصول اليها حتى ظهرت زفة نادية بالطبول والمزامير تاهت بين زحامها وزغاريدها ليندفع هو بين بحر البشر ذاك حتى يصل اليها..

انتهت الزفة ليجدها تقف موضعها بنفس التيه لكنها تضع كفيها على اذنيها تحاول ان تمنع وصول تلك الطبول والمزامير الناعقة التي تنبئ بحدوث جريمة اخرى في حق فتاة اخرى ربما يكون مصيرها يوما كبراءة من الوصول لمسامعها..
همس بالقرب منها:- تعالي نرچعوا البيت يا داكتورة..
هزت رأسها لا يعرف ايجابا ام رفضا ام تشوشا وما ان همت بالتحرك موضع قدم حتى اغلقت الدنيا ابوابها امام ناظريها لتراها بلون الحزن .. ليتلقفها هو صارخا باسمها فى لوعة بين ذراعيه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة