قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحيم الليث للكاتبة سامية صابر الفصل الثامن عشر

رواية جحيم الليث للكاتبة سامية صابر الفصل الثامن عشر

رواية جحيم الليث للكاتبة سامية صابر الفصل الثامن عشر

خرجت فجر من غرفتها الى الخارج لترى أن ليث ينتظرها في الأسفل، نظر لها بتمَعُن قائلا بصرامة
=غيري اللبس دة..
=لبس ايه اللى اغيره. ليه ماله لبسي؟
=انا قولت لبسك يتغير يبقي يتغير يا فجر.
=انت ليه بتتحكم ف كل حاجة ف حياتي. هو انت اشترتني يا ليث؟ انا مش هغير اللبس واعلى ما في خيلك اركبه..
اقترب منها قائلا بنفاذ صبر.

=انتِ ليه مُصرة تخليني اعاملك زي الكلاب؟ اسمعى الكلام من اول مرة، مرات ليث الشرقاوي متلبسش لبس ضيق، لبسك كله هيتغير من بكرا يبقي كله واسع، مفهوم..
=لا مش مفهوم. انا على طول بلبس كدة وهفضل البس كدة، وانت في الاول كُنت بتشوفنى باللبس دة صح ولا لا
=يبقي انا لازم اتعامل معاكي بطريقتي الخاصة..

اقترب منها أكثر لترفع يديها تحمي بها وجهها حتى لا يضربها، نظر لحركتها بتفاجيء لتلك الدرجة تخشي ان يأذيها هل اعتادت بالفعل على الاذية منهُ أم ماذا؟
حملها على كتفه مرة واحدة لتصرخ وهي تضرب قدميها في الهواء، صعد بها الى الغرفة مرة أخرى، وأنزلها على الارض قائلا
=اسمعي كلامي يا فجر. انا مش حابب ازعلك مني. غيري لبسك ماشى؟
اقترب من وجنتيها وقبلها بحنان ثُم تركها وغادر ضربت قدمها في الارض بغضب قائلة.

=مريض والله مريض ومش فاهمة هو عايز ايه ولا بيعمل ايه بالظبط، لحد امتي يارب لحد امتي هفضل عايشة مع واحد عمال يتحكم ف كل حاجة حياتي، انا نفسى ارجع لحياتي الطبيعية من غير توتر وقرف وتحكمات. ماشى يا ليث هوريك والله..
قامت بتغيير ملابسها مرة أخرى وهبطت للاسفل وهي لا تُطيق ليث ولا حتى نفسها، دلفوا معاً الى السيارة وقادها السائق الى المُستشفى.

بعد نصف ساعة وصلوا معاً، واستقبلتهم الطبيبة وهي تبتسم بترحاب لهم، قامت بإدخال فجر الغرفة وقامت بفحصها فجر قائلة
=اللهم بارك صحة الطفل كويسة ومستقرة لحد الان، بس صحتك عليها خطر انتِ تعبانه وضاغطة على نفسك وده هيبقي خطر على صحة الطفل. حاولي ترفهي عن نفسك وانت يا ليث بيه اهتم بيها شوية وبصحتها لانها عندها ضُعف..

هز ليث راسه وهو ينظر لها بينما هي بادلته النظرة بغضب، بعد مرور بضعة من الوقت، خرجوا معاً من هناك وقال لها ليث بهدوء
=جعانة
=لأ مش جعانة..
=ماشى، نفسك في ايه..
=بقولك مش جعانة..
=خلصي يا فجر عايزة ايه. دة علشان الطفل على الاقل.
=عايزة أكُل كشرى..
=انتِ بتقولى اكلات غير طبيعية ليه يا فجر؟
=وهو دة غير طبيعي دي اكله مصرية معروفة، انت بس اللى تلاقيك متعود ع الدليفري.
=اللهم صبرك. تعالى طيب.

=لا انا عارفة محل معين باكُل من عنده عايزة اروحه.
=شكله ايه المحل دة ليكون زباله، انا مش هقبل ابنى ياكُل من الزباله
=صبرني يارب، لا مطعم عادى وكويس يعنى.
=لما نشوف مجايبك.

بالفعل ذهب بهم السائق الى المحل التي قالت اسمه، محل شعبي على الطريق مليء بالناس الشعبية الاصيلة، كاد ليث ان يرفُض رفضاً قاطِعاً، ولكنها لم تمهله الفرصة وهبطت للأسفل ألقت السلام على صاحب المحل فهو يعرفها ويعرف اصدقائها، طلبت طبق خاص بها وجلست..
ذهب اليها ليث وجلس امامها بغضب قائلا
=عاجبك الهيصة دي والقرف اللى انتِ جيباني فيه.

=دة مش قرف دة محل محترم. فيه ناس غلابة كتير بياكلوا منه دايماً بسمع ان الاغنياء عندهم كبرياء عجيب ودي حقيقة..
اتي صاحب المحل لها بالطبق مخصوص وتفاجيء بوجود ليث فقال بحب
=ليث ابني والله وليك وحشة.
عانقهُ ليث بفرحة قائلا
=عم سلامة انت نقلت المحل بتاعك؟
=ايوة يا بني نقلته نورت والله وحشتني. هجبلك طبقك المفضل بقا، بس القمر دي مراتك؟
=ايوة..
=ربنا يحفظكوا يا ولاد.

هز ليث راسه وجلس مرة أخرى، فرغت فجر شفاها قائلة بصدمة
=انت تعرفه.؟
=من قبل ما تعرفيه، انا عشت ايام في الشوارع كلت من الشوارع اشتغلت فيها وعشت مع الناس دي. شيلت طوب ورمل علشان اجيب طبق زي اللى بتاكليه دة. اعتمدت على نفسى علشان أكون ليث الشرقاوي، ومخدتش مليم من أبويا ومنكش هو يعرف عنى حاجة..
=انت انت ازاي. طيب ليه دلوقتي بتعمل كدة.
=افتكرتك زيها. عايزة الغناء والفخامة، معتقدتش انك تبقي زيي زمان.
=سالي!

هز رأسه بصمت وهدوء فقالت وهي تأخُذ ملعقة في فمها.

=القاعدة الأولى؛ مِش الكُل بيهمه المظاهر والفلوس، فيه ناس عندها حاجات اكثر مهمة، وانا ميهمنيش الفلوس ولا اللى انت بتقول عنه، انا عايزة الامان والراحة، ناكُل ف ارخص مطعم واقل عيشة بس نكون مرتاحين، ما احنا عايشين مع بعض ف فيلا وعربيات واكل من احسن الانواع. تفتكر اننا مبسوطين أو على الأقل انا مبسوطة. لا محصلش، انا في الاول كُنت مرتاحة اكثر. قبل ما اشوف العِز والغناء اللى عندك يا ليث بيه..

نظر لها بتأمل وكلماتها تدور في عقله مراراً وتكراراً، أُعجب بها وبطريقة تفكيرها، يليتها جاءت في حياته قبل سالى، بينما أستكملت هي طعامها وعقلها يُفكر بشدة..
حتى رن هاتف ليث برقم عُمر ؛ أجاب قائلا
=خير يا عُمر، نعم، يعنى ايه المشروع اتعرض من قبل عارف، الملف دة كان في بيتى وبس. محدش يعرف عنه اي حاجة اصلا انت عايز تفهمني انى فيه جاسوس في بيتى من غير ما أعرف..

رفع نظره فجأةً بعد تلك الجملة في عينين فجر التي تنظُر له بتوتر وقلق، ضيق عينيهِ بشك قائلا في نفسه
=علشان خاطرى أوعي تكونى انتِ، اوعي تكونى زى سالى أوعي يا فجر..
وضع احمد الاوراق المطلوبة أمام ورد قائلا بهدوء
=دي الاوراق اللى المحامي قال عليها وطلب مني اجيبها، ياريت الموضوع يمشي بسرعة يا ورد..
=خلاص والله ماتقلقش انا همشى الامور كلها..
=ماشى. كنت عايز أسألك سؤال يمكن مش من حقى أسأله..
=خير يا احمد..

=اول مرة طبعاً كانت سوء فهم ما بينا، بس انتِ ايه اللى وداكى مكان زي دة. انا في الاول كُنت فاهم انك لا مؤاخذة بس دلوقتى انتِ مختلفة اوى ف مش فاهم ازاي..
=انا قولتلك قبل كدة بس انت مخدتش بالك للدرجة دي، صاحبتي كانوا جبرينها تبقي هناك بس مش هينفع اوضح ليه. وانا روحت امنعها من ذنب زي دة ممكن يوديها في داهية. وقابلتك هناك وقتها.
ابتسم بشدة قائلا
=خلاص انا واثق فيكي.
=مكنش دة كلامك في الاول.

=مش عارف بس يمكن علشان كان في الاول إنما دلوقتى ف انا.
قاطع كلامهم دخول أمير الذي يعمل معها ك مُتدرب في نفس المكتب، قال بإبتسامة
=يا وردة، ايه دة اسف فيه حد معاكي.
=لا ابداً يا أمير، تعالى فيه حاجة؟
=كُنت جايب اكل علشان ناكُل سوا..
حدجه أحمد بنظرة قوية وقال بغضب شديد
=لأ. الانسة ورد مش فاضية مش احنا خارجين يا ورد؟
=هاه.
=يلا يا ورد بقولك.

أمسك معصمها وخرجوا من الغرفة تاركين الذي يقف في منتصفها بذهول، ترك معصمها وهما يقفان في الشارع وصمت، ما الذي فعله للتو الان، أهو على مشارِف الهويَ!؟
قالت ورد بعدم فهم
=ايه اللى انت عملته دة دلوقتي..
=بصي من الاخر انا مش عاجبني كلامك مع الواد دة. متخليش حد يتقرب منك بالطريقة دي!
=نعم. انت فاهم بتقول ايه دة صديق مش اكثر زيه زيك بالظبط عادي..
=انا مش زي حد يا ورد. انا غيره وغير اى حد.

=وايه اللى مختلف فيك عنهم بقا زيك زيهم..
اقترب منها بقوة لتلفح انفاسه الحارة وجهها، قال بنبرة بغيضة
=انتِ مُتأكدة انى زيهم بجد؟
رفعت نظرها اليه بتوتر وتلاقت عينيهم لاول مرة عن قُرب، شعرت حينها بتوتر رهيب في نفسها..
=أقفل إنت يا عمر دلوقتي. وانا هشوف الموضوع دة وارجع اتصل بيك.
قالها ليث بثبات وهو ينظُر الى فجر في داخل عيونها، فقال عمر بتوتر
=والصفقة؟ كانت مهمة لينا اوي.

=مش مهم. اللى سرق المشروع مش هيعرف ينفذه زينا بالظبط.
أقفل الهاتف بهدوء ووضعه في سترته فقالت فجر بتنهيدة
=حصل حاجة..؟!
=لاء. محصلش حاجة مشكلة بسيطة في الشغل متشغليش بالك يا فجر، لو كلتي يلا بينا؟
=اه الحمدلله.

نهضت فجر وخلفها ليث بعدما دفع الحساب وودع صاحب المحل، كان السائق يمشي بهم في الاسواق، ف مر بجانب غزل البنات نظرت لهٌ فجر في شهية ف لاحظها، ليث لذالك قام بإيقاف السيارة، وترجل منها وجلب لها ثلاثة مرة واحدة، ثُم عاد اليها واعطاها اياهم..
عضت على شفاها قائلة
=لا مش عايزة..
=خُدي يا فجر، علشان خاطرى.

نظرت لهُ بحيرة لماذا يتحدث معها بتلك الطريقة الراخية، علمت حينها ان ليث سيفعل شيء مُجرِم وراء تلك الحنية والاهتمام بها، تعلم انهُ شك بها وعلم بأمر الملف وبالتأكيد اول واحدة ستأتي في ذهنه هي..
اخذت الغزل منه وبدأت تأكل فيه بشهية، نظر لها ليث بترقُب، يتأمل جمالها البسيط مع نفسه، لن يُنكر انهُ ينجذب لها في كُل مرة، ولكنه شخص عالق في ذكريات ليس لها أول من أخر..

والان هو عالق بين الشكوك، يحاول بأقصي طريقة ان يصرف ذهنه عن الشكوك وان يثق بها ويهتم بها ويتعامل معها بحب وينسي الماضى، يُحاول ان يبدء من جديد. ولكن القدر لن يُعطيه فرصة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة