قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون

سمعت فتون طرقات على باب حجرتها، فاتجهت إليه تفتحه لتفاجأ بياسين يقف أمام الباب، نظرت إلى عينيه قائلة بإرتباك:
ياسين، إيه اللى جايبك أوضتى في الوقت المتأخر ده؟حصل حاجة؟
تأمل ملامحها لثوان قبل أن يقول بهدوء:
جالى تليفون من مصر ولازم ننزل بكرة الصبح عشان أمضى عقد شركة التوفيق، صاحبها طالب إنه يشاركنى في الصفقة دى لوحدى، وبيقول إنه ميعرفش غيرى وميقدرش يثق في حد تانى من شركائى.
قالت فتون بارتباك:.

وانت، انت هتعمل إيه؟
تأمل ملامحها مجددا وهو يهز كتفيه قائلا:
هعمل إيه يعنى؟، هشاركه وهمضى، أنا خليت نبيل يتأكد إن وضع شركته كويس وإن كل حاجة تمام وهو إدانى الأوكيه من شوية، ييقى مفيش داعى نأجل وخصوصا اننا محتاجين سيولة عشان الصفقة بتاعة مروان.
نظرت إليه قائلة في تردد:
يعنى خلاص هتمضى العقد؟وتشاركه لوحدك؟
نظر إلى عمق عينيها قائلا:.

مع انى مش حابب بس انتى شايفة أدامى حاجة تانية ممكن أعملها؟بتهيألى ان الصفقة دى انتى اللى عرضتيها علية بنفسك وقلتيلى إنها صفقة مهمة ولا رجعتى في كلامك؟
تنهدت قائلة:
لأ مرجعتش في كلامى ولا حاجة، ميعاد الطيارة امتى؟ولا لسة محجزتش؟
قال في هدوء:
لأ حجزت، طيارتنا بكرة الساعة ٨ الصبح.
أومأت برأسها في هدوء قائلة:
تمام، هكون جاهزة.
أومأ برأسه قائلا:
تصبحى على خير.
قالت بصوت خرج رغما عنها مهزوزا:
تلاقى الخير.

نظر إليها نظرة طويلة قبل أن يلتفت مغادرا لتغلق الباب وتستند بظهرها إليه تغمض عينيها وهي ترفع يدها تضعها على خافقها ثم تفتح عيونها وهي تتجه إلى المرآه تنظر إلى صورتها فيها لتحادثها صورتها قائلة:.

مالك بس يافتون؟مش ده اللى كنتى عايزاه؟إنه يمضى على العقد ويروح في ستين داهية، بعد مايكون حبك، عشان تروحيله النيابة وتقفى قصاده وتقوليله ان انتى السبب في كل الألم والضياع اللى هيحس بيه، بعد ماخسر قلبه وفلوسه، ده غير اخته اللى هتخلى نبيل يكسر قلبها ويشوف بعينه ضياعها هي كمان، مش كنتى عايزاه ميت بالحيا، يتمنى الموت جوة سجنه وميلاقيهوش، عشان تقدرى تقفى قصاد قبر أختك وتقوليلها أنا عملت اللى علية وانتقمت لموتك ومقصرتش، ليه دلوقتى مش فرحانة وانتقامك على وشك انه يحصل، قوليلى ليه قلبك واجعك؟

ردت فتون على صورتها قائلة بارتباك:
عشان، عشان...
لتقول صورتها بسخرية:
عشان حبيتيه، صح؟حبيتى اللى قتل أختك وحرمك منها، حبيتيه يافتون.
إلتفتت فتون تقول بألم:
أنا ماحبيتوش، ماحبيتوش.
لتستمع إلى ذلك الصوت يتردد في أذنها قائلا:
لأ حبيتيه يافتون، وحبك ليه هيكون السبب في ان اختك مش هترتاح في قبرها، سامعانى أختك مش هترتاح في قبرها.
التفتت فتون تنظر إلى صورتها في المرآة قائلة في جزع:.

لأ، لا يمكن أسمح بده يحصل، لازم أحقق انتقامى منه عشان خاطر ميسون، حتى لو قلبى اللى هيدفع التمن.
ليظهر التصميم على وجهها وهي تردد:
لازم.

في اليوم التالى
قال نبيل:
لأ، انتى النهاردة مش مركزة خالص يادارين.
زفرت ببطئ قائلة:
فعلا، معاك حق، أنا آسفة.
نهض من مقعده متجها إليها لتجده يمسك يدها ويتجه بها إلى الأريكة التى تتوسط الحجرة وسط دهشتها ليجلس ويجلسها بجواره ثم ينظر إلى عينيها قائلا بهدوء:
يلا، احكيلى إيه اللى شاغلك وقالق تفكيرك ومخليكى مش مركزة بالشكل ده؟

أحست بالارتباك لوجوده قريبا منها بهذا الشكل، يمسك يدها ويثير بداخلها أحاسيس عديدة، لذا قالت متلعثمة وهي تتحاشى النظر إلى عينيه:
أبدا، بقالى بس يومين مش عارفة أنام كويس.
شعرت بيده تلمس ذقنها لترفع وجهها إليه وتتلاقى العينان، نظرت إليه دارين في اضطراب بينما نظر إليها نبيل في حنان قائلا:
وإيه اللى مش مخليكى عارفة تنامى؟

نظرت إليه في حيرة، لاتدرى ماذا تقول؟أتحكى له عن هذا الكابوس المتكرر والذى لاتدرى له تفسيرا، أتقول له أنها تشعر بالقلق من كابوس راودها عنه؟سيظنها بالتأكيد قد جنت، لذا قالت بتوتر:
أبدا، ياسين بس واحشنى، متعودتش يغيب عنى وعن تيتة بالشكل ده، ياسين بالنسبة لينا مش بس أخ، لأ، أب وأخ وسند، لما بيغيب بحس ان روحى بتغيب معاه، وعشان كدة تلاقينى قلقانة ومش مرتاحة.
أحس بالذنب يتآكله ليقول بتوتر:.

ربنا يخليهولكم يادارين،
ثم مالبث أن تمالك نفسه ناظرا إلى عينيها قائلا:
وعلى العموم أنا هنا مكانه، لو احتاجتينى في أي وقت أكيد هتلاقينى.
شعرت بالارتياح وأن قلقها لا مبرر له، لتقول:
أنا مش عارفة أشكرك إزاي على كلامك ده.
رفع يده يقرصها بخفة من وجنتها قائلا:
مفيش شكر بينا، مفهوم؟

أومأت برأسها وهي تبتسم تلك الابتسامة الخلابة ليتيه فيها نبيل وتتركز عيناه على شفتيها ثم ينظر إلى عينيها الجميلتين واللتان وقعتا تحت سحر نظراته فلم تحرك ساكنا ليفيقا سويا على صوت فتون وهي تقول:
احمم، أنا جيت في وقت مش مناسب ولا إيه؟
نهضت دارين على الفور وهي تشعر بالخجل لتتحول وجنتاها إلى اللون الأحمر القاتم، بينما قال نبيل بثبات:
حمد الله ع السلامة يافتون.
نقلت فتون نظراتها بينهم قائلة:.

الله يسلمك يانبيل، إزيك يادارين؟
قالت دارين في خجل:
أنا تمام، حمد الله على سلامتك.
ابتسمت فتون قائلة:
الله يسلمك، على فكرة ياسين بيدور عليكى.
ضربت دارين على رأسها بخفة قائلة:
ياسين، إزاي نسيت؟، أكيد جه معاكى، عن إزنكم، أنا رايحاله حالا.
تابعها نبيل وهي تغادر بعينيه في حنان، ليسمع فتون وهي تقول بعتاب:.

أنا قلتلك وقعها في حبك، مش تقع انت كمان في حبها، كدة الموضوع هيكون صعب عليك زي ماهو هيبقى صعب عليها يانبيل.
نظر إليها نبيل للحظة قبل أن ينهض قائلا بهدوء:
ومين قالك انى ممكن اجرحها أو أزعلها؟مين قالك إنى ممكن أكسر قلبها، أنا بحبها ومستحيل هعمل كدة يافتون.
نظرت إليه فتون قائلة بثبات:.

وتفتكر لما تعرف ان احنا السبب في سجن أخوها وضياع فلوسه، مش هتزعل، مش هينكسر قلبها، تفتكر ساعتها هيكون ليكم مستقبل مع بعض؟
زفر نبيل وهو يمرر يده في رأسه بضيق:
مش عارف يافتون، مش عارف.
اقتربت منه تضع يدها على كتفه قائلة:.

هتصدقنى لو قلتلك إنى حاسة بيك، بس اللى احنا ابتديناه لازم نكمله يانبيل، ده تار أختى ومش ممكن هسيبه حتى لو هضحى بنفسى وقلبى عشان أحققه، صدقنى مش هتردد، بس المسألة هنا هتكون معايا يانبيل ولا مش معايا؟
زفر نبيل قائلا:
معاكى يافتون، معاكى.
ربتت على كتفه مشجعة وهي تقول بتعاطف:
طب هات الورق بتاع الصفقة عشان أخليه يمضيه.

نظر إليها نبيل وكأنه يسألها سؤالا حتمي الإجابة، أمازلتى على انتقامك؟فأومأت برأسها في هدوء، ليغمض عينيه ثم يفتحهما وهو يتجه إلى مكتبه يفتح أحد أدراجه ليأخذ منها بعض الأوراق ويناولها إياها قائلا وهو يسألها للمرة الأخيرة:
إنتى متأكدة من اللى هتعمليه يافتون؟أنا حاسس ان فيه حاجة غلط في اللى احنا بنعمله ده.
نظرت إلى عينيه لثوانى قبل أن تقول في حيرة:.

صدقنى مش عارفة يانبيل اذا كان اللى بنعمله صح او غلط، بس اللى أنا متأكدة منه إنى لازم أنتقم من اللى قتل أختى وحرمنى منها، وده الحل الوحيد أدامى.
اومأ برأسه بتأكيد لتغادر فتون وعيونه تتابعها، يعلم انه من اللحظة التى سيمضى فيها ياسين الأوراق، ستضيع منه دارين، ربما للأبد.

دلفت زينة إلى حجرة مكتب مروان دون استئذان، لتجده جالسا في ذلك الركن البعيد شبه المظلم، لتشعر بالقلق، اتجهت إليه على الفور وجلست على ركبتيها أمامه، تمسك يديه بين يديها لينظر إلى عينيها في صمت، قالت في قلق:
مالك يامروان؟جيت على هنا علطول ومطمنتنيش، إيه اللى حصل؟
رفعها بيده وأجلسها على قدميه وضمها إليه في قوة، لتربت على رأسه بحنان قائلة:.

مالك بس، زعلان ليه؟ممضتش العقد؟وإيه يعنى؟مش مهم، شيل من دماغك بقى حكاية الانتقام دى، وخلينا نروح في أي حتة بعيدة عن هنا.
ابتعد عنها دون ان يخرج من محيط ذراعيها وهو ينظر إليها قائلا:
بالعكس، مضيته، وكل شئ تمام، وكلها يومين وهشوفهم مشرفين في السجن وهحقق انتقامى اللى عشت أحلم بيه سنين.
نظرت إليه في حيرة قائلة:
طب ايه اللى مزعلك بالشكل ده؟المفروض تكون فرحان دلوقتى.
زفر قائلا:
أنا مش زعلان، أنا خايف.

عقدت حاجبيها قائلة:
خايف من إيه بس؟
نظر إلى عمق عينيها قائلا:
خايف أي حاجة تيجى وتبعدنى عنكم من تانى.
مررت يدها على وجنته بحنان قائلة:
مفيش حاجة ممكن تبعدنا عنك من تانى يامروان، احنا خلاص لقينا بعض، ومفيش حاجة ممكن تفرقنا.
تنهد قائلا:
خلينى في حضنك يازينة، ده المكان الوحيد اللى بحس فيه بالراحة، وطمنى قلبى بكلامك اللى بيريحنى، قولى تانى ان مفيش حاجة ممكن تفرقنا.

شعرت زينة بالقلق من كلماته ولكنها أسرعت تضمه وزادت من ضمته إليها وهي تقول في تصميم:
مفيش حاجة ياحبيبى ممكن تفرقنا تانى، أبدا.

قهقه عدنان وهو يضرب كأسه بكأس سوزى قائلا:
مضينا العقد ياسوزى، والدنيا هتحلو بقى.
ابتسمت سوزى وهي ترتشف رشفة من كأس الخمر خاصتها قائلة:
مبروك علينا ياحبيبى.
اقترب منها يضمها من خصرها إليه، ينظر إلى شفتيها الجميلتين قائلا برغبة:
وانتى كنتى عايزة تسيبينى وتخلى مروان يوصلك، طب ومين يحتفل معايا بالمناسبة السعيدة دى، ولا خروجك مع مروان كان أهم من احتفالك معايا؟
توترت سوزى قائلة:.

ها، لا طبعا، انت اول ماقلتلى هنحتفل قعدت علطول، انا بس عربيتى عطلانة وقلت يوصلنى في سكته.
ابتسم وهو يأخذ الكأس من يدها ويضعها مع كأسه على المكتب ثم يقترب منها مجددا هامسا أمام شفتيها قائلا:
شاورى ع العربية اللى انتى عايزاها توصلك واعتبريها ملكك ياحبيبتى، عربياتى كلها تحت امرك.
لم يدع لها فرصة لتتحدث وهو يقبلها بنهم ورغبة لتغمض عينيها تبادله قبلاته وهي تتخيل أن عدنان هو حبيبها الوحيد، مروان.

كانت فتون تقف متوترة أمام ياسين الذى يراجع العقد بهدوء، تشعر أنها على وشك أن تفقده للأبد، لينتابها شعور مضني أليم أفقدها الراحة، تشعر بقلبها يموت بالداخل، هي تدرك أنها على وشك أن تحقق هدفها، على وشك النيل من ياسين، ولكن هل تستطيع أن تتحمل نتيجة تحقيق انتقامها، هل تستطيع أن تراه يتألم ويتعذب في غياهب السجن؟لقد كان هذا هو كل مناها قبل أن تعرفه وتحبه، نعم لابد وأن تعترف أنها أحبته وانتهى الأمر، لذا فانتقامها أصبح سلاح ذو حدين، ففى جانب أختها وفى الجانب الآخر قلبها، الذى أدركت الآن وهي على قاب قوسين او أدنى من تحقيق مأربها، أنه لن يسمح لها بأن تكمل لعبتها، لتجد نفسها رغما عنها وهي تراه يأخذ القلم ويبحث عن خانة التوقيع ليوقع أدناها، تسرع بأخذ الأوراق من يديه لينظر إليها في تساؤل، هزت رأسها نفيا، وامتلأت عيونها بالدموع وهي تقول لصورة اختها التى تمثلت أمامها في تلك اللحظة:.

مش هقدر، أنا آسفة بس مش هقدر، سامحينى.
لتقطع الأوراق إلى نصفين أمامه ثم تسرع بمغادرة المكان، تتبعها عيونه الهادئة، لترتسم على شفتيه إبتسامة إرتياح.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة