قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

وقفت فتون تتطلع بعيون قاتمة الى مبنى تلك الشركة الذى يضم بين جنباته ألد أعدائها، قاتل أختها والسبب في حرمانها منها، ياسين تاج الدين.
التفتت الى نبيل الذى وقف الى جوارها يتطلع بدوره الى مبنى الشركة لتقول بهدوء وهى تخلع نظارتها الشمسية والتى تخفى عيونها الجميلة:.

خلاص يانبيل، مبقاش فيه رجوع، من وقت دخولنا الشركة خطتنا هتبدأ، أنا عارفة ان الخطر فيها كبير على حياتنا بس انا هكمل فيها للآخر، مش هتراجع ولو كان فيها موتى، معايا؟
التفت نبيل اليها وهو يبتسم غامزا لها بعينيه وهو يقول:
معاكى طبعا.
ابتسمت بدورها قائلة:
يبقى يلا بينا.

اومأ برأسه فتقدمته يتبعها بهدوء حتى دلفا الى الشركة ووصلا الى الاستعلامات يتساءلان عن مكتب رئيس الشركة لتخبرهم موظفة الاستعلامات أن مكتبه يقع بالدور الثانى، واصلا طريقهما تتابعهما بعض الأعين الفضولية مأخوذين بجمال هذا الثنائى، يظن أكثرهم أنهما على علاقة فيحسدهم البعض ويحقد عليهم البعض الآخر، تلاحظ فتون تلك النظرات التى اعتادتها فتتجاهلها وهى تركز عيونها على ذلك المصعد الذى وصلت إليه، تشير علامته الحمراء أنه في طريقه للنزول اليهم ليقول نبيل فجأة وهو يضرب رأسه بخفة:.

نسيت اوراق الصفقة في العربية.
قالت فتون بعصبية:
ودى حاجة تتنسى برده؟، ركز يانبيل والا هنروح في داهية.
قال نبيل:
متقلقيش، ثوانى وأجيبهم، اطلعى انتى واستنينى عند سكرتيرته، مش هتأخر.

أومأت برأسها بينما ابتعد نبيل متجها الى خارج المبنى لاحضار الأوراق من السيارة، فتح باب المصعد ليظهر بعض موظفى الشركة الذين خرجوا منه بينما دلفت فتون وضغطت زر الطابق الثانى ليغلق الباب ويرتفع المصعد ثم يتوقف عند الدور المطلوب ويفتح الباب، أخذت فتون نفسا عميقا ثم اسرعت بالخروج قبل ان يغلق مجددا واتجهت بخطوات بطيئة الى حجرة كتب عليها بالخط العريض، مكتب رئيس مجلس الإدارة، طرقت الباب وما ان استمعت الى صوت أنثوى يسمح لها بالدخول حتى دلفت الى الحجرة فوجدت فتاة حسناء استقبلتها بابتسامة باردة لم تصل إلى عينيها وهى تتأملها قائلة بنبرة رغما عنها خرجت حادة بعض الشئ:.

أفندم، أى خدمة؟
نظرت اليها فتون تتأملها بدورها تتساءل عن سبب تلك الشرارات غير المرحبة والتى تتناثر منها، ترى هل عرف ياسين من هي وما السبب وراء حضورها إليه؟شعرت بالقلق وبالأفكار تجتاحها ولكنها ما لبثت أن نحت أفكارها جانبا وهي تقول في برود يخفى اضطرابا شديدا بقلبها:
عندى ميعاد مع أستاذ ياسين، أنا إسمى فتون، فتون سلطان.

كان نبيل يسرع بالخروج من المصعد حين ارتطم بفتاة تحمل أوراقا بيديها تناثرت على الفور نتيجة تصادمهما مع بعضهما البعض، أسرعت الفتاة بالانحناء لتلملم أوراقها وأسرع بدوره يساعدها فتلامست ايديهم وهم يمسكون بنفس الورقة لترفع الفتاة عينيها اليه في نفس اللحظة التى رفع فيها عينيه بدوره إليها ليتوقف الزمن للحظة، وهو يتأمل تلك العيون العسلية الرقيقة الجذابة، ظلا هكذا لثوان يغرق كل منهما في عينى الآخر حتى قطعت الفتاة تلك اللحظة السحرية وهى تطرق برأسها تلملم باقى الأوراق وقد تخضبت وجنتاها خجلا ليتنحنح نبيل وهو يمنحها آخر الأوراق لتتمتم بكلمة شكرا ثم تنهض مسرعة وهي تختفى من أمامه نهض وهو يتابعها بعينيه، ماتزال كلمتها الرقيقة ترن في أذنيه، تمنحه شعورا غريبا بالسعادة، ضرب رأسه بخفة فلم يسألها حتى عن اسمها ولم تمنحه الفرصة ليفعل، ترى من تكون؟ وماعملها في تلك الشركة؟

، نفض افكاره وهو يلتفت، يسرع بخطواته متجها الى مكتب ياسين فلم يحضر الى هنا كي يعجب باحداهن بل جاء لينتقم، لذا عليه أن يركز في سبب مجيئه فقط وأن يدع كل ما قد يشغله عن تحقيق انتقامه جانبا.

استيقظت زينة تشعر بالفراغ من حولها، فتحت عينيها والتفتت جانبها لتلاحظ إختفاء طفلها، انتفضت على الفور جالسة تتساءل الى أين ذهب؟

نهضت من سريرها بسرعة تتوجه الى الحمام فربما يكون بداخله، بحثت عنه فلم تجده، لتخرج بسرعة وتتوقف للخظة حين تناهى الى مسامعها صوت ضحكاته الآتية من الخارج، توجهت على الفور الى الشرفة لتتجمد مكانها وهى تنظر الى ذلك المشهد، فهناك في حمام السباحة المواجه لشرفة حجرتها، يقف مروان في تلك المنطقة الخاصة بالأطفال بقامته الفارهة، لايرتدى سوى شورتا للسباحة لتظهر عضلاته البارزة جلية لعينيها بينما يحمل فارس فوق كتفيه ويتجه به الى تلك المنطقة العميقة من حمام السباحة ليختفى جسده تدريجيا داخله تنطلق ضحكات طفلها بينما يشعر بقدميه تغوص في المياه، أصابها الهلع، فطفلها لم ينزل الى المياه مطلقا من قبل، ورغم تلك الغصة التى أصابتها عندما رأتهما سويا، الا أن مايسيطر على تفكيرها الآن هو الخوف الشديد على فارس، رغم وجود مروان الى جواره وهى تعلم جيدا أنه بارع بالسباحة الا ان ذلك لم يمنع او يقلل من شعورها الغريزى بالخوف على طفلها وحمايته من أي شئ قد يؤذيه لذا اسرعت دون تفكير الى مغادرة الحجرة والتوجه الى حمام السباحة حتى وصلت اليه لاهثة لتصرخ قائلة في هلع من بين أنفاسها المتقطعة:.

فارس، تعالى، هنا، اطلع يافارس، عشان خاطرى.

ما إن سمع مروان صراخها حتى اتجه صوبها وهو مازال يحمل فارس الذى نظر الى والدته بوجل، صعد مروان بهدوء اليها يتأمل مظهرها ببرود، فقد كانت تلبس قميصا قطنيا قصيرا ذو حمالات رفيعة يرتسم عليه رسمة كرتونية لملكة الثلج، بطلة ذلك الفيلم الكرتوني الشهير، ورغم بساطة التصميم الا انه حدد معالم جسدها بوضوح وجعلها مثيرة الى حد جعل أنفاسه تتسارع وقلبه يتخبط داخل صدره، ألقى نظرة سريعة لمحيطه يتأكد من خلو المكان من أي مخلوق قد يراها، ورغم خصوصية المكان داخل الفيلا الا أنه تأكد بنفسه من خلو المكان بعينيه قبل أن يقترب منها، وما ان أصبح أمامها حتى أسرعت تحمل منه فارس تضمه الى صدرها وكأنه جزء ثان منها تغمض عينيها بشدة ودموعها تتساقط بغزارة، بينما يربت فارس على ظهرها، شعر مروان بقلبه يتمزق ألما وهو يدرك ان تلك المرأة التى ظن أنها عديمة المشاعر وأنها بلا قلب يستطيع ان يحب ويمنح الحب بالمقابل، تعشق ذلك الطفل القابع في حضنها، ربما بداخلها قلب ينبض رغم كل شئ، هو فقط لم يستطع النبض بحبه، استمع الى فارس يقول ببراءة طفل صغير:.

متعيطيش ياماما، عشان خاطرى، احنا مش خلاص مشينا من البيت الوحش التانى اللى كنتى بتعيطى فيه كل يوم، وجينا هنا، بتعيطى ليه بس دلوقتى؟
ليأخذ نفسا قبل أن يستطرد قائلا:
، وبعدين أنا قلتلك قبل كدة انى مبحبش أشوفك بتعيطى وانتى وعدتينى متعيطيش تانى.

عقد مروان حاجبيه من كلمات فارس التى جعلته يدرك انها كانت تبكى كثيرا، تساءل عن السبب، هل هو الندم بعد استسلامها لهؤلاء الرجال؟ أم أن هناك شيئا آخر أسوأ من ذلك جعلها تبكى كل ليلة كما قال الصبي؟حقا لم يعد يدرى فيم يفكر؟وما الذى فعله بنفسه باحضارها الى بيته لتظل أمامه دائما تذكره بما كان بينهما، والذى أضاعته بغدرها وبكل ما فعلته في غيابه والذى ما ان يفكر فيه حتى تثور الدماء في عروقه وتتولد لديه رغبة واحدة، القتل.

أفاق على صوتها وهى تبتعد عن فارس تتمسك به باحدى يديها بينما تمسح باليد الأخرى دموعها قائلة في عتاب:
انت كمان وعدتنى متروحش في حتة غير لما تقولى، انت مش عارف انى بخاف عليك يافارس؟
قال فارس:
أنا صحيت ولقيتك نايمة قلت أخرج برة شوية أشوف المكان.
ثم نظر الى مروان قائلا في تردد:
لقيت آنكل مروان هنا بيعوم.
نظر الى والدته مجددا وهو يستطرد قائلا:.

ولما سألنى بعرف اعوم ولا لأ، قلتله لأ، فقاللى تعالى هعلمك، وافقت، مكنتش أعرف انك هتضايقى كدة.
أدركت فجأة وجود مروان لتنهض وهى تسترق النظرات الى مروان الواقف بجوارها يتابع ما يحدث في صمت لتقول لطفلها بارتباك:
أنا مش متضايقة ياحبيبى، انا بس كنت خايفة عليك.
استمعت الى مروان الذى خرج عن صمته قائلا في سخرية:
تخافى عليه وهو معايا؟، انتى نسيتى إنى بعوم كويس؟

نظرت الى عينيه لأول مرة لتنتابها رجفة في قلبها عند التقاء نظراتهم، لتسرع باطراق رأسها مجددا بارتباك قائلة:
منستش بس ده ابنى اللى مش ممكن هطمن عليه غير معايا أنا وبس.
لترفع نظرها اليه في تلك اللحظة وهى تقول بتصميم:
ومش ممكن هطمن عليه مع أي حد تانى، وخصوصا معاك انت.
مال ينظر الى عمق عينيها يقول بأنفاس باردة كلهجته الساخرة تماما:.

تصدقى ان ده احساسى انا كمان بالظبط، من اول لحظة شوفته فيها وانا حاسس انى لازم أحميه وانى مش هآمن عليه غير معايا أنا وبس، وانتى بالذات مقدرش أثق فيكى عشان تحمى نفسك، مابالك بقى بطفل صغير زي ده؟
ليقترب من أذنها هامسا كي لا يسمعه فارس وهو يقول:.

لو علية هرميكى في الشارع لكلاب السكك يكملوا نهش في لحمك، بس اللى مانعنى عنك هو فارس يازينة، فخلى بالك من تصرفاتك، لإنى لو حسيت بلمحة غدر منك مش هتردد لثانية واحدة في انى أرميكى برة بيتى، واعتبرى كلامى ده انذار اخير ليكى، وياريت قبل ما تطلعى من أوضتك تانى تبقى تحطى روب عليكى، مروان زمان مش زي مروان دلوقتى، ومش ممكن هيتأثر بسهولة زي ما انتى فاكرة، مفهوم؟

قال كلماته الجارحة لها وابتعد سريعا فلم ينتبه الى دموعها التى تساقطت مجددا وهى تضم نفسها بيديها وكأنها تخفى جسدها عن عيون رحلت، لم تكن تدرك مظهرها وهى تهرع اليهما فخشيتها على فارس جعلتها تنسى أن تبدل ثيابها او حتى ان تضع دثارا عليها، ليظن مروان أنها تحاول اغرائه، مازال يظلمها بأفعاله وكلماته فإلى متى تستطيع التحمل؟انتفضت على صوت فارس الذى امسك بقميصها يهزها قائلا:.

بتعيطى ليه تانى ياماما، آنكل مروان قالك حاجة زعلتك؟
مسحت دموعها وهى تبتسم اليه قائلة بحنان:
لا ياحبيبى مقالش، أنا بس اللى حساسة النهاردة زيادة عن اللزوم وخوفى وقلقى عليك مخليينى بعيط كتير.
قال فارس:
خلاص ياماما أوعدك مش هعمل كدة تانى، ومش هروح مكان غير لما اقولك عليه، بس متزعليش منى ومتعيطيش تانى.
هبطت زينة لتصبح في مستوى فارس تمسح بيدها على وجهه بحنان وهي تقول:.

انا مش زعلانة منك يافارس واوعدك انى معيطش تانى والمرة دى لازم كل واحد فينا يوفى بوعده، أهم حاجة في الدنيا دى لازم تتعلمها، انك توفى بوعودك يافارس، اوعى تنسى ياحبيبى؟
ابتسم فارس قائلا:
مش هنسى ياماما، وعد.

ضمته زينة في حنان ليحيطها فارس بيديه الصغيرتين، غافلين عن عيون تابعتهما من بعيد، ظهر بهما ألما شديدا، يلوم صاحبهما قلبه الذى تمنى في تلك اللحظة ان تكون تلك هي عائلته الصغيرة، أن يكون بينهم الآن يضمهم اليه ويحميهم داخل صدره، ولكن طعنة الغدر الذى تلقاها من تلك الفتاة وقفت تضرب أمام عيونه انذارات حمراء كثيرة تأمره بأن يكف عن التمنى وأن يحارب ضعفه الذى بدأ يتسلل اليه، يتمسك بجدار القسوة الذى أحاط به قلبه كى يستطيع أن يحمى نبضاته مجددا من الحب و، الغدر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة