قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع والعشرون

نظرت فتون إلى ياسين في صدمة قائلة:
انت بتقول إيه؟يعنى انت مقتلتش ميسون؟
هز ياسين رأسه نفيا قائلا:
طبعا لأ، إزاي بس هقتلها وأنا كنت بحبها؟أنا موتها كان بالنسبة لى موت لروحى قبل روحها، أنا لما فقت لقيت نفسى في مكان زي السجن، بعدها عرفت إنى في معتقل خاص، معتقل للى عايزينه ميشوفش الدنيا برة تانى ولا حد في العالم كله يقدر يوصله، معتقل لدفن الأسرار وأكل الحقوق، كان معتقل للموت يافتون.

كانت فتون تستمع إليه في صدمة، تكتشف مفاجأة تلو الأخرى، حتى قال كلماته الأخيرة بصوت متهدج، ليدق قلبها بعنف وهي تدرك ماتعرض له داخل ذلك المعتقل، ليغمض عينيه المغروقتين بدموع الذكرى الأليمة ثم يفتحهما وكأنه ينفض عن عقله تلك الذكريات المريرة، مد يده يمسح دموعا خائنة سقطت من عينيه لتشعر فتون بروحها تسحب منها لمرأى دموعه الغالية، بينما قال هو بحزن:.

وقتها مكنتش صورة ميسون بتروح عن بالى، كنت عايز اعرف مين اللى قتلها وأنتقم منه وأشفى غليلى، كنت هتجنن، لولا عرفت واحد في المعتقل إسمه مروان، شريكنا في الشركة واللى أكيد سمعتى عنه، لولاه فعلا كنت اتجننت أو جرالى حاجة، حكيتله قصتى وقعدنا نفكر مع بعض ونشوف مين اللى ممكن يكون قتلها وليه؟كل اللى كنت أعرفه وقتها هو اللى قالتهولى، إن واحدة صاحبتها شغالة في شركة كبيرة وان فيه ورق مهم وقع في إيدها يضر صاحب الشركة وهي كانت خايفة لو عرف يإذيها ففضلت إن هي تدى الورق ده لميسون ووصتها لو جرالها حاجة تسلمه للبوليس، أنا خفت عليها وقلتلها تدينى الورق أحتفظ بيه وفعلا هي كانت هتديهولى يوم الحادثة، بس القدر كان ليه رأي تانى، وزي ما كنت شاكك، قاللى ان الوحيد اللى له المصلحة في موتها هو صاحب الشركة اللى شغالة فيه صاحبتها وان هو اللى قتلها.

اتسعت عينا فتون في تلك اللحظة، تشعر بالكون ينهار من حولها لتجلس على سريرها فلم تعد قدماها تحتملان تلك المفاجآت حول مقتل أختها، نظر ياسين إلى لون وجهها الشاحب والذى أصبح يحاكى الموتى، ليقول في قلق:
فتون، انتى كويسة؟
لتقول بألم:
أنا كويسة،
ثم نظرت إلى عينيه قائلة بمرارة:
مين صاحب الشركة، اسمه إيه؟
تنهد قائلا بألم:.

وقتها مكنتش اعرف لإنى مكنتش شفت الورق ولا هي كمان قالتلى غير إسم صاحبتها وبس، وبعدها هربنا من المعتقل زي ما كتير هربوا وقت الثورة، وطبعا لإننا معملناش حاجة واللى حبسونا حبسونا من غير تهمة ولا أوراق، قدرنا نمارس حياتنا الطبيعية وبعلاقات مروان واتصالاته قدرت اعرف مين هو صاحب الشركة اللى كانت شغالة فيها صاحبتها عشان أنتقم منه بعد ما تأكدت ان هو اللى عملها لإنه زي ما أخت صاحبتها قالتلى، إنه قتل صاحبتها هي كمان بسبب الورق ده، ولما لقيت انا ومروان ان عدونا واحد، اتحدنا وعملنا الشركة دى أنا وهو، وخططنا للانتقام منه لإنه كان السبب في كل حاجة وحشة حصلت لنا، وضياع أغلى الناس من حياتنا.

لترتسم ملامح الارتياح على وجهه وهو يستطرد قائلا:
والحمد لله قدرنا نعمل كدة، ودلوقتى وأنا واقف بتكلم معاكى حالا، بيتم القبض عليه وبإذن الله هياخد إعدام ونرتاح منه.
قالت فتون وقد اغروقت عيناها بالدموع:
انت بتتكلم جد ياياسين، اللى قتل ميسون بيتقبض عليه؟
ظهر الحنان في عينيه قائلا:.

ورحمة ميسون أنا لسة جايلى التليفون حالا من مروان، بيهنينى فيه على يوم اترد فيه لكل مظلوم حقه، اليوم اللى انتى فكرتى فيه انك ضيعتى حق ميسون وانك مخدتيش بتارها هو اليوم اللى هترتاح فيه ميسون في قبرها وتعرف ان احنا مسيبناش حقها وان اللى كان السبب في موتها دارت عليه الدنيا وهيتحط في القبر هو كمان بس فرق كبير ما بينه وبينها عشان هي هتكون في الجنة بس هو هيعيش في النار.
نهضت فتون لتقترب منه تقول في رجاء:.

مين ده ياياسين؟مين اللى قتل أختى وحرمنى منها وخلانى كنت، كنت...
شعرت بالخجل من نفسها لما كادت أن تفعله به وبأخته ليشعر بها على الفور ويمد يده إليها يمسك بيدها ناظرا إلى عينيها قائلا:
يعنى انتى مصدقانى يافتون؟مش عايزة اثباتات؟أو حاجة تأكدلك كلامى؟
نظرت إلى عمق عينيه وهي تقول:.

مش محتاجة إثباتات ياياسين، أنا كنت دايما بسأل نفسى إزاي حبيتك وأنا عارفة انك انت اللى قتلت أختى؟ازاي واحد في أخلاقك يقتل؟ أتارى قلبى كان عنده شك وعشان كدة مقفلش بابه في وشك، ماهو مستحيل حد بشخصيتك يعمل عملة وضيعة زي دى، بس نفسى أروح للى عمل العملة السودة عشان أشوفه لأول ولآخر مرة في حياتى، أشوف اللى حرمنى من أختى وعذبنى المدة اللى فاتت دى كلها، وأقوله داين تدان ياحقير وان السبب في دخولك السجن هو قتلك لميسون وعمايلك السودة.

ضغط على يدها قائلا:
هنروح سوا وهنقوله الكلام ده سوا يافتون.
نظرت إليه في تردد:
سوا، هو احنا لسة سوا ياياسين؟
نظر إليها في حنان قائلا:
من يوم ما شفنا بعض واحنا اتكتبلنا نكون سوا يافتون، ربنا جعل ميسون سبب يجمعنا، واللى جمعهم ربنا مستحيل مخلوق يفرقهم.
قالت في أمل:
يعنى انت سامحتنى؟
ابتسم قائلا:.

أنا مسامحك من قبل ما أعرفك يافتون، وزي ماحبك لية غفر خطيئة كبيرة كنتى مفكرانى عملتها، حبى ليكى غفر حاجة بسيطة زي فكرة انتقام مكتملتش، بس اللى مستغربله إن ميسون عمرها ما كلمتنى عنك ولا قالت إن ليها إخوات.
قالت فتون في خجل:.

أنا أصلى، كنت موصياها متجيبش سيرتى لأي حد هترتبط بيه، احنا اخوات صحيح من أم واحدة وأب مختلف بس كنا اكتر من الشققا، وكان عدم معرفة أي حد ارتبطت بيه ميسون بية بيسهل معرفتى كل حاجة عنه وبكتشف اسرع إذا كان طمعان فيها أو لأ.
ابتسم قائلا:
أكتر حاجة شدتنى ليكى ذكاءك، مش سهلة أبدا يافتون.
عقدت حاجبيها قائلة:
ودى حاجة تضايقك؟
اتسعت ابتسامته قائلة:.

بالعكس، الراجل اللى يخاف من ذكاء المرأة وميقدروش يبقى راجل ضعيف ومش واثق في نفسه.
ابتسمت فتون وهي تدرك أنها أحبت رجلا عظيما لتغمض عينيها تحمد الله عليه قبل أن تفتحهما مجددا قائلة بعشق ملأ قلبها:
على فكرة أنا بحبك اوى ياياسين.
قال بابتسامة حانية:.

بحبك أكتر ياقلب ياسين، يلا بينا بقى نروح نفرح تيتة بإن حفيدها اللى كان مدوخها ورافض الارتباط قرر خلاص يكمل نص دينه مع أرق وأجمل إنسانة على وجه الأرض، أو اقولك استنى لما امهدلها الأول، الست مش هتستحمل كل الاخبار الحلوة دى في يوم واحد.
ابتسمت بعشق لتقول فجأة وهي تعقد حاجبيها قائلة:
استنى هنا، مقلتليش اسم الحيوان اللى قتل أختى إيه؟

هز رأسه في قلة حيلة، يدرك ان هذه طبيعة فتون وهو يعشقها على طبيعتها ليقول في ثبات:
الشيطان.
لتتسع عينيها في صدمة وهي تدرك أن قاتل اختها هو من كان يريد أن يشركها معه في أعماله، فرفضت لسوء سمعته وإدراكها طبيعة أعماله، قاتل اختها هو رجل الأعمال المشهور عدنان، عدنان المسيرى.

ابتسمت زينة وهي تدرك سر سعادة مروان البادية على وجهه لتقول بارتياح:
ألف مبروك ياحبيبى، يارب دايما أشوفك فرحان ومبسوط كدة طول العمر.
ابتسم مروان قائلا:
ياه يازينة لو تشوفيهم وهما مسحوبين زي الكلاب ع النيابة، أد إيه ربنا عادل ومبيضيعش حق المظلوم، وأد إيه كنت خايف انى مش هعيش لغاية ما اشوف اليوم ده.
وضعت زينة يدها بسرعة على فمه قائلة بلهفة:
متقولش كدة يامروان، بعيد الشر عنك ياحبيبى.

أمسك مروان بيدها الموضوعة على شفتيه يقبلها برقة قبل أن يرفعها قائلا بتردد:
زينة، أنا، أنا عايز أتكلم معاكى في موضوع مهم.
عقدت زينة حاجبيها وظهر القلق على ملامحها من تردده ليتراجع في قراره بعد أن كاد أن يخبرها بحالته الصحية، يشعر بأنه إن أخبرها فلن تستطيع الاحتمال، لذا عليه أن لا يخبرها على الأقل في الوقت الحالى ليقول بهدوء:.

احنا كنا مأجلين الجواز لغاية ما عدنان يتقبض عليه وأهو خلاص، راح في ستين داهية، وأظن كدة مفيش داعى للتأجيل، ها، إيه رأيك؟
نظرت إليه بفرحة ظهرت جلية على ملامحها لتومئ برأسها في خجل فابتسم قائلا:
يعنى ابعت أجيب المأذون؟
عقدت حاجبيها قائلة:
دلوقتى؟
رفع حاجبه قائلا في استنكار:
لأ السنة الجاية، دلوقتى طبعا أنا عايزك حالا...
وصمت لتنظر إليه قائلة:
عايزنى في إيه؟
نظر مروان إلى السماء قائلا بفروغ صبر:.

يعنى يارب يوم ما أقع في الحب، أقع في حب واحدة عبيطة.
عقدت حاجبيها في غضب قائلة:
بقى أنا عبيطة، طب مش هتجوزك يامروان.
واستدارت لتغادر ليمسكها مروان من ذراعها قائلا بابتسامة:
خلاص ياستى، تعالى بس، أنا بهزر، انتى ما صدقتى؟
ليقول مقلدا لهجتها:
مش هتجوزك يامروان،
ليعود لنبرة صوته العادية وهو يقول بمرح:
يابايرة وهو انتى كنتى تحلمى أصلا؟
ضربته زينة في صدره قائلة في غيظ:
مروان!

سعل مروان بشدة وشحب وجهه لتشعر زينة بالقلق وتسرع بإحضار كوب من الماء لتمنحه إياه فشربه على جرعات حتى أصبح بحالة أفضل لتقول زينة بندم:
أنا آسفة يامروان، والله ما كان قصدى.
أمسك بيدها يطمئنها قائلا:
انا كويس، متقلقيش.
تفحصت ملامحه الشاحبة والتى بدأ اللون يعود إليها تدريجيا لتقول بقلق:
إزاي بس مقلقش؟، مروان احنا لازم نسافر نشوف موضوع قلبك ده، مفهوم؟
ابتسم في حنان قائلا:.

هنسافر بس واحنا متجوزين، أنا هبعت أجيب المأذون حالا يازينة، قلتى إيه؟
نظرت زينة إلى عينيه قائلة:
موافقة طبعا.
لتبتسم قائلة:
ده حلمى فعلا زي ماقلت.
ليبتسم بدوره قائلا:
وانت حلمى يازينة.
ليأخذها فجأة بين ذراعيه ويضمها بقوة إلى صدره لتزول الابتسامة وتظهر على ملامحه القلق من حرمانه منها يوما وهو يشعر بقرب ذلك اليوم كقرب الموت منه و القادم إليه لا محالة.

دلف ياسين إلى المنزل ليجد جدته جالسة في الردهة لتقف على الفور لدى رؤيته قائلة:
كدة برده ياياسين، تيجى من السفر النهاردة الصبح ومتجيش البيت غير دلوقت.
قبل يدها ثم اعتدل قائلا:
سامحينى ياتيتة، بس والله النهاردة كان يوم طويل ومليان احداث هاخد شاور ع السريع ولما هاجى من برة هحكيلك.
عقدت حاجبيها في حيرة قائلة:
وهو انت نازل تانى؟
ابتسم قائلا:
هشهد على عقد جواز مروان،
اتسعت عينيها في صدمة قائلة:.

مروان هيتجوز، مين؟
ابتسم ياسين قائلا:
قلتلك الأحداث كتيرة اوى النهاردة، ولما هرجع هحكيلك، مستعجل.
كاد أن يغادر عندما استوقفه صوتها قائلا:
بس فيه موضوع مينفعش يتأجل، يخصك انت واختك، ويخص الشركا الجداد.
التفت إليها متأملا ملامحها للحظة ثم يقول في هدوء:
يبقى انتى عرفتى.
عقدت حاجبيها قائلة:
عرفت؟
ليقترب منها قائلا:
ان فتون أخت ميسون، وانهم جم مصر عشان ينتقموا منى لإنهم فكرونى قاتل ميسون.

نظرت إليه الجدة في دهشة قائلة:
انت كنت عارف؟
اومأ برأسه في هدوء قائلا:
مبقاش حفيد شريف تاج الدين، لو معرفتش حاجة زي دى ياتيتة، بس انا عايزك تتطمنى، كل شئ انكشف وكل شئ رجع لأصله، وكل اللى اقدر أقولهولك دلوقت ان أحفادك خلاص قلبهم ارتاح، وأوعدك اول ما هاجى هحكيلك على مفاجآت هتريح قلبك ياحبيبتى.
نظرت الجدة إلى ملامحه المشعة ليطمأن قلبها ويذهب القلق بعيدا، لتشعر بالراحة وهي تبتسم قائلة:.

روح ياابنى خليك جنب صاحبك، فرحه وافرح معاه، وأنا هستناك لما ترجع عشان تفرحنى أنا كمان.
ابتسم ياسين ثم قبلها من رأسها وغادر مسرعا إلى حجرته تتابعه عينا الجدة التى قالت بحنان:
ربنا يسعدكم ياحبايبى ويكفيكم شر أي حاجة ممكن تكسر قلوبكم، أو تزعلكم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة