قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع والثلاثون والأخير

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع والثلاثون والأخير

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع والثلاثون والأخير

أجمل شعور قد تشعر به الأنثى هو أن تجد ‏رجلاً يفعل لها ما كانت تظنهُ يحدث في الأحلام فقط.

صباح يومٍ مليء بلآمال العامرة والدعوات الصادقة التي خصته بها صاحبة السوداويتان الآسرة بعد تأدية فرضها، فكانت تجلس على سجادة الصلاه ترفع يدها بتضرع وتدعوا من صميم قلبها بِصلاح حالها وهداية زوجها وقرة عيناها الذي أصبح كل ما لديها بتلك الحياه، وما أن أنتهت نهضت وقامت بطي سجادتها ونزعت إِسدالها ونظرت له نظرة حالمة أثناء نومه ثم تنهدت بفكر شاغل و ذهبت كي تعد له طعام الفطور، و بعد عدة دقائق كانت تقطع الفاكهة التي يفضلها وهي تميل برأسها مما جعل خصلاتها النارية تتمايل مع حركتها بكل إنسيابية أسرت قلبه، شعرت بوطأ أقدامه خلفها لتبتسم وتقطم جانب شفاهها حتى أقترب شيء فشيء و شعرت بأنفاسه الساخنة تقترب من عنقها البض ثم ملمس شفاهه الدافئة تضع عدة قبلات متقطعة أصابتها بقشعرية بسائر جسدها، ليحاوط خصرها بتملك شديد ويهمس بجانب أذنها بنبرة متحشرجة بعض الشيء تحمل أثار النوم:.

صباح الخير يا مدوخاني
تنهدت بِحرارة ثم أدارت جسدها له وردت تحية الصباح ببسمة ساحرة ثم قالت بغنج: زعلانة منك...
رفع حاجبه وسألها في ترقب: ليه بس يا ماهيتاب عملت أيه؟
أجابته وهي تحاوط عنقه وتداعب بأناملها أطراف شعره بدلال: مش عايز تريحني...
تنهد بسأم وأجابها: تاني هو أنتِ ليه مصممة كدة أننا نعيش هنا
بررت بِصدق وهي تكوب وجنته بيدها في حنان وتسلط سوداويتها على غابات الزيتون خاصته:.

حبيبي دي بلد أبوك وبلدي اللي عشت وكبرت فيها، هنا هتلاقي صحاب وأهل وجيران يقفوا جنبك، صدقني يا عز اللي جرب الغربة بس هو اللي هيعرف قيمة البلد دي وناسها...
زفر في ضيق وانزل يدها وجلس على أقرب مقعد بجانب طاولة الطعام وقال بعدم إقتناع:
مش هينفع أنا معنديش أي إنتماء لهنا و معشتش هنا زيك وكل حاجة غريبة عليا أنا كل حياتي هناك وشغلي.

نفت برأسها وهي تجثو على ركبتيها بمواجهته وقالت راجية: هينفع هنبدء من جديد هنا وأنا جنبك، و بكرة هتتعلق بالبلد زي
وبعدين أنت ملكش حد هناك لين و يعقوب قرروا يعيشوا هنا لكن أنت ليك مين هناك؟ حتى مامتك أنت قولت أنها مبتسألش عنك وعايشة لنفسها وبس ومش بتكلمك غير لما بتعوز فلوس.

زفر بعدم إقتناع وقال يحاول أن يجعلها تحيد عن رأيها: حبيبتي علشان خاطري متصعبهاش عليا أنا شغلي هناك ومصدقت شركتي بقى ليها وضعها هناك و معنديش استعداد أضحي بكل المجهود اللي عملته وابدء هنا من الصفر.

أمسكت يده الاثنين بين راحتها وقالت بنبرة متوسلة تحاول أن تقنعه بها: لأ مش من الصفر أنت هتنقل نشاطك لهنا وبعدين أنت قولت يعقوب هو اللي ساعدك هناك ليه متبدئش هنا و يبقى هو شريكك وساعتها شغلكم هيكبر وفرصتكم هتبقى أحسن وأنتم مع بعض
مرر يده بِخصلاته الشقراء نسبيًا وقال بِحيرة: مش عارف، أخد قرار دلوقتي.

أومأت له بتفهم وبعيون غائمة متوسلة ثم قالت بنبرة ممزقة لأبعد حد كي تستعطفه بعدما توافدت أحلامها دفعة واحدة أمام عيناها:
علشان خاطري يا عز خلينا هنا نفسي يبقى عندي ولاد كتير منك، ونفسي أربيهم جوة بلدي و يتعودوا على عاداتها وتقاليدها و اربيهم تربية سَوية.

تنهد بِعمق بعد حديثها وكعادته الحنونة المتفهمة جذبها من مجلسها لتستقر على ساقيه وأخذ يمسد على ظهرها صعودًا وهبوطًا بحنو جعلها تجهش بالبكاء بعدما ترأت أمام عيناها تلك الذكريات الأليمة التي تخص ويلات الماضي، لتهمس بنبرة متألمة وهي تسند رأسها على صدره وتحاوط خصره كأنها تريد أن تستمد قوتها منه:.

نفسي أعمل اللي أمي معملتهوش معايا عارف، عمري ما هفرط فيهم زي ما هي فرطت فيا ورمتني، نفسي أعلمهم صح واربيهم صح، نفسي أصاحبهم وأثق فيهم وعمري ما أجي عليهم علشان أي حد، لتشهق بحرقة ودمعاتها تتسابق على وجنتها وتستأنف بنحيب قوي:
نفسي في عِزوة وأهل حواليا نفسي مبقاش لوحدي تاني.

شدد على أحتضانها وقال بنبرة حنونة متفهمة: ماهيتاب أنتِ عارفة أن دموعك بتقتلني علشان خاطري متخافيش أنا جنبك و عمرك ما هتبقي لوحدك تاني بس أنتِ بتصعبيها عليا أنا...
وضعت يدها على فمه بعدما خرجت من أحضانه وقالت بنبرة مختنقة باكية وعيناها تستعطفه:
علشان خاطري فكر وبلاش تتسرع في قرارك.

أومأ له بتفهم وأبتسم ببشاشة كعادته لتنزل يدها ويتنهد هو بِعمق ويمرر أنامله على وجنتها يزيح تلك الدمعات عنها بحنو و يهيم بها هو الآخر وفي قرارة نفسه ينوي أن يفكر بلأمر بشكل جدي فهي محقة لم يعد لديه أحد هناك سوى تلك الطامعة التي أنجبته ولم تكترث له يوم، آما هي كانت تقابل نظراته بآخرى حالمة فهي تقسم أنها تعشق أوسم رجل بذلك الكوكب فيكفي أنه صاحب غابات الزيتون المذدهرة دائمًا بِعشقها، ويكفي أيضًا كونه متفهم ومتفتح ومراعي لأبعد حد وهي تعلم أنه سيجاهد كي يتأقلم من أجلها، انتشلها من شرودها حركة أنامله العابثة بخصلاتها وهو يحثها بعينه على شيء تفهمته هي بالخطأ ودفعها لتبرر وهي تكوب وجنته في حنان:.

حبيبي عارفة أنك أكيد جعان ثواني وأكون خلصت
أومأ لها بوجهه البشوش وقال بِمكر يخصها هي فقط به وهو يعبث أكثر بأنامله بطريقة مهلكة بخصلاتها النارية المشتعلة كقلبه المُولع بها:
هموت من الجوع ومش قادر أصبر أكتر من كدة
هزت رأسها ببسمة ساحرة و وضعت قبلة خاطفة على وجنته وإن كادت تنهض عن ساقيه وضع هو يده تحت ساقيها وحملها بخفة ونهض بها لتعترض هي بغنج:
عز الفطار.

رفع حاجبيه بِمكر وغابات الزيتون خاصته تهيم بها وقال برغبة تملكت منه ولا يستطيع الأنفكاك عنها:
أنتِ فطاري يا مدوخاني
تعلقت بعنقه وقالت بدلال وهي تتنهد بِعشق صادق تخصه هو فقط به: أنت كل دنيتي يا عز ربنا يخليك ليا
تهللت أساريره وهو يستمع لحديثها الذي أجج رغبته بها أكثر ثم توجه بها إلى غرفتهم بخطوات واسعة كي ينهال من شهدها وينعم بقربها.

بعد عدة أيام وخصةً عند تلك المتمردة التي كان الوقت يمر عليها بِصعوبة بالغة فكانت تجلس بفراشها تتأمل صغيرها وهو غافي جوارها بِعيون تفيض بالدمع بعدما توافدت الذكريات إلى ذهنها وظلت تترأى أمام عيناها ككل يوم منذ ما حدث، فنعم أدركت أخيرًا بعد تفكير مضني سلبها الرغبة بكل شيء أن جميعهم لم يخطئوا بنعتها بالمستهترة فكم تجاهلت حبه وإخلاصه لها التي لم تعرف قيمته سوى عندما تفوه بقرار زواجه من آخرى، فكيف فعلت ذلك بنفسها وبه لمَ تناست كل ما فعله من أجلها و لمَ تناست تلك السنوات التي تعذب بها من أجلها وهي كانت غافلة عن حبه وغارقة مع ذلك البغيض علاء التي خلصها منه و رد لها كرامتها وأعتبارها أمام الجميع بعدها، لمَ كافأت كل أفعاله الجليلة معها بذلك السوء، و كيف فعلتها وهي تقسم انه كان يدللها كطفلته وطالما تهاون بحقوقه من أجلها بكل نفس راضية، ظلت تنعي حالها بدمعات متلاحقة وهي تشعر بالندم يتأكل قلبها لتتنهد بِحرقة جاثمة على صدرها ومسحت عيناها الغائرة التي ذبلت من كثرة البكاء ثم أعتدلت بجلستها بعدما دثرت الصغير ونهضت فلا داعي لتتكاسل أكثر، إنتابها الدوار وجعلها تترنح بوقفتها ولكنها تحاملت على ذاتها فهي تعلم أنه بسبب زهدها بالطعام بلأيام المنصرمة وحالة الهذيان التي أصبحت عليها فمن أين تأتي بِشهية لأي شيء وهو بعيد عنها تنهدت بقلة حيلة وفتحت خزانتها كي تغير ملابسها وتنزل تخبر والدتها بِقرارها التي أتخذته بشأنه، وما أن فتحت الخزانة سقطت عيناها على تلك الدمية القديمة التي طالما شاركتها وشهدت على الكثير معها، لتتناولها بأنامل مرتعشة وتضمها إلى صدرها وتدس أنفها بين طياتها بِحنين قاتل لصاحبها، لتتذكر ذلك القرار التي اتخذته بشأنه ودون وعي كانت تنفجر باكية بندم صادق يكاد يفتك بكل ذرة بها ولكن لا سبيل لتتراجع فلابد أن تتخلى عن أنانيتها.

ولو مرة واحدة من أجله.

آما عن ذلك الهائم الذي وجد أخيرًا ملجئه ومأواه فقد عاد للمنزل بلأمس بعد أن أخبره الطبيب بلألتزام بتعليماته بحزفيرها دون تهاون، مما جعله يخبر إسماعيل بلإتيان له كي يتمم أمور العمل العالقة في المنزل ومن بينهم تلك الصفقة الرابحة مع عز، وبعد عدة ساعات من العمل والعديد من المشاورات أنهوا كل شيء،
ليتنهد يوسف بإرتياح ويقول بإمتنان وهو ينظر ل إسماعيل الذي كان مازال يرتب الأوراق:.

معلش هتقل عليك يا سُمعة كام يوم عقبال ما أفك الجبس
لاحت على ثغر إسماعيل بسمة ودودة وأخبره بِصدق: متقولش كدة دة أنت أخويا الغالي وسلامتك عندي بالدنيا
أبتسم يوسف بود أيضًا وقال بِمشاكسة: أنت جدع أوي يا سُمعة بس دة ميمنعش أنها وسعت منك مع حلا
تنهد إسماعيل في ضيق عندما أتت سيرتها وقال بيأس: متلومش عليا يا صاحبي أختك خرجتني عن شعوري.

= مش بلوم عليك وعارف أنها استفزتك و دة حقك بس فكرة أنك تتجوز عليها دي صعب تتفهمها وأنت عارف دة
بس هي اللي وصلتني لكدة وخلتني اصدق أن الحب لوحده مش كفاية
= بس أنت دايمًا كنت بتقولي أن في حاجات مينفعش نغيرها ينفع بس نتعايش معاها
بس أنا ليا طاقة واكتفيت و أضن أنت كنت شاهد على عمايلها.

أبتسم يوسف بمكر ورفع حاجبيه بِغيظ من إصراره وقال كي يزعزع تلك الثقة التي يدعيها فهو يعلم صديقه تمام المعرفة ولا يغفل عليه كل ما يدور:
يبقى تطلقها زي ما هي قالتلك وكل واحد يروح لحاله أنت تتجوز حد يريحك وهي تتجوز راجل تاني يكون باله طويل و يعرف يتحملها.

زاغت نظرات إسماعيل وأبتلع غصة في حلقه بتوتر بائن لم يخفي على يوسف الذي كان يلاحظ رد فعله عن كثب بملامح جدية ثابتة لا تنم أبدًا عن حيلته، طال صمته ولم يقوى أن يجيبه ليتسأل يوسف بإلحاح جعل الآخر يريد قتله:
هااااا قولت أيه يا صاحبي؟

ليزئر إسماعيل بنفاذ صبر ويخطو نحو باب الغرفة يغلقه حتى لا تستمع له نجية مما جعل الآخر يبتسم بتسلية ولكن استعاد ملامحه الجدية سريعًا و إسماعيل يهدر بعدها بنفي قاطع وهو يشعر ببراكين تتقاذف برأسه:
مستحيل على جثتي وبلاش تستفزني وأنت عارف رأي كويس
أتسعت إبتسامة يوسف الماكرة وهو يضرب كف بآخر وقال متعجبًا: أيه المشكلة هو أنا قولت حاجة غلط؟، آما أنت حالك غريب.

زمجر إسماعيل مرة آخرى بإنفعال وخطى نحوه وفي غمضة عين كان يقبض على تلابيب يوسف ويقول في عصبية مفرطة لم تكن ابدًا من طباعه ولكن صدق من قال إتقي شر الحليم إذا غضب:
عارف لو مسكتش أقسم بالله لأكون مكسر رجلك التانية ومكسر دماغك وبرضو مش هطلقها
قهقه يوسف بكامل صوته الرجولي مما أثار حنق الآخر وقال ساخرًا وهو ينزل يده عنه:
يبقى تلم نفسك وبلاش افلام وترجع بيتك ولمراتك.

زفر إسماعيل وأغمض عينه بقوة يحاول لملمت شتاته فقد تيقن أنه تم افتضاح أمره من قبل صديقه، ليعقب يوسف بِجدية بعدما تخلي عن سخريته وتفهم ما يدور بذهن صديقه:
صدقني هي ندمت بعد اللي حصل ولو شوفتها مش هتعرفها من كتر زعلها، من آخر مرة كنت في المستشفى وقولتلها هتجوز عليكِ وهي مش بتتكلم ولا بتاكل وعلطول سرحانة وحابسة نفسها في شقتها وقليل أوي لما بتنزل هنا.

أحتل الحزن بندقيتاه وألمه قلبه ولكن ذلك لن يقنعه كونها تغيرت فهو يعلم كم انانيتها ومن الممكن يكون موقفها ذلك فقط من أجل كرامتها كأنثى لا تقبل المشاركة، تنهد بعمق واستغفر بسره وأخذ يمرر جانب عنقه كعادته عندما يتوتر، ليباغته يوسف في خفة:
على فكرة أنا سكتلك يوم المستشفى بمزاجي علشان عارف ومتأكد أنك لا يمكن تقدر تعملها أنت عِشرة عمري وحافظك زي كف أيدي.

قذفه إسماعيل بالوسادة الموضعة على الأريكة المقابلة للفراش وأخذت بسمته تتسع، ليقهقه يوسف ويخبره بنبرة محذرة:
ماشي هعمل نفسي مش واخد بالي بس متسوقهاش
دي أختي.
هز إسماعيل رأسه بتفهم وهو في قرارة نفسه يريد قتله فكيف فضح أمره ذلك الماكر، بينما أمره يوسف بِمشاكسة بعدها:
طب طالما هستر عليك قوم هاتلي مية من المطبخ علشان أخد العلاج ماما نست تجبلي
أومأ له برحابة ونهض كي يلبي طلبه.

في نفس التوقيت كانت ولجت إلى والدتها بالمطبخ دون علمها بوجوده عند أخيها فقد وجدت باب غرفته مغلق وظنت أنه غافي حتى أنها لم تسأل والدتها عنه لتجلس على أحد مقاعد الطاولة الصغيرة التي تتوسط المطبخ وتحمحمت بنبرة وَاهنة لوالدتها:
ماما أنا أخدت قرار
التفتت لها نجية وهي تقلب الطعام داخل الأواني على الموقد وتسألت بِريبة: قرار أيه يا حلا؟

لتفسر هي بنبرة ممزقة وَاهنة: أنا موافقة أنو يتجوز عليا، دة حقه أنا غلطت كتير وهو ميستهلش مني غير إني أشوفه مرتاح...
شهقت نجية وضربت أعلى صدرها وقالت بتفاجئ وهي تغلق الموقد وتجلس بِجانبها: يالهوي، بتقولي أيه يا موكوسة عايزة واحدة تانية تشاركك في جوزك
أومأت لها حلا بقلة حيلة وقالت وهي تجهش بالبكاء: أنا كنت أنانية وعمري ما فكرت أريحه وكنت علطول بعانده ونسيت كل اللي عمله علشاني.

ربتت نجية على يدها المسنودة بآسى على حالها وقالت بِحنو: يابنتي ياما حاولت أنصحك بس أنتِ دماغك ناشفة ياما قولتلك حافظي على بيتك وجوزك، جوزك ابن حلال بس أنتِ كنتِ بتستهتري بكلامي وغفل عليكِ أن كل أنسان وليه طاقة
أجابتها حلا بإنهيار من بين شهقاتها: عارفة وندمانة إني مسمعتش نصيحتك، لتتنهد بِحرقة جثت على صدرها وتقول.

بِصدق نابع من صميم قلبها: أنا بحبه، بحبه يا ماما ومش عايزاه يطلقني ولا يسبني أربي أبنه لوحدي أنا هبقى راضية بأي حاجة يعملها أو يقولها بس ميبعدش عني، أنا بموت من غيره ياماما.

بكت نجية على بكائها و ضمتها بمواساه وهي تربت على ظهرها تحاول أن تهدئها بينما هي كانت تنتفض بقوة بين يدها ويتعالى نحيبها، غافلة كونه كان يقف على باب المطبخ ويستمع لأعترافها الصريح لوالدتها وندمها البادي عليها بِصدمة عارمة فلم يتخيل بأقصى أحلامه أن يستمع لذلك الحديث الصريح منها دون أي تعمد أو اتباع حيلها التي تعود عليها كي تؤثر عليه مما جعل قلبه يعلن عصيانه ككل مرة ويدفعه كي يتقدم للداخل بعيون حزينة لامعة، لاحظت نجية قدومه لتكفكف دمعاتها وتخرجها من بين يدها وترسل له نظرة راجية متوسلة أن يرأف بقلب أبنتها، تفاجأت من قدومه من نظرات والدتها لتنتفض بجلستها وتجفف دمعاتها بطرف كمها كالأطفال وهي تنظر لوالدتها بمعاتبة كونها لم تخبرها بوجوده ثم تلعثمت بحرج وتلتفت و هي مطرقة الرأس كي تتحاشى النظر له ويلحظ تلك الحالة المزرية التي هي عليها:.

أنا هطلع أشوف يوسف الصغير علشان سبته نايم
أومأت نجية بينما تناوبت نظراتها الراجية بينهم تحثه على التهاون، ليغمض عينه بقوة ويكور قبضة يده كي يلملم شتات نفسه وهي تمر من أمامه وحديثها يتردد بذهنه مرارًا وتكرارًا، لتتقدم نجية منه وتقول وهي تربت على صدره:
والله بتحبك يا ابني متخلفش ظني فيك وحاجي على بيتك وأديها فرصة واحدة علشان العِشرة والعيش والملح اللي بينا.

ربت على ذراعها بود ولم يمهل أي وقت للتفكير ليركض كي يلحق بها على الدرج، وبالفعل قبل أن تدس مفتاحها بالباب كان هو يسبقها ويلفها له بِخفة، لتشهق وتنظر له بشدوه تام وهي فاغرة الفاه مما جعله يبتسم ويقول بنبرة عاشقة طالما خصها بها وعيناه البندقية الدافئة تشملها:
أنا كمان بحبك، ومقدرش أعيش من غيرك يا حلايا يأم ابني.

تهللت أساريرها ونظرت له نظرة مطولة ودمعاتها تتهدل من عيناها دون قصد وكادت ترد ولكنه كان أسرع منها فقد أنقض على شفاهها بقلبة متلهفة نهمة للغاية أبتلع بها باقي حديثها بجوفه بعد أن شعر أن قلبه سيشق صدره ويخرج إجلالٍ لشوقه لها، آما هي كانت تشعر أن قلبها يتهاوى بين ضلوعها فكم أشتاقت له ولذلك النعيم بقربه التي لن تعرف قيمته سوى مأخرًا، تعلقت بعنقه وظلت تبادله بحميمية وتناغم يحسدو عليه ليمد هو يده ويدير المفتاح بالباب ويرفعها من خصرها دون أن يفصل قبلته النهمة المتلهفة بها ويدلف بها للداخل كي يكلل ذلك الحب الذي يسري بدمائه سريان الدماء ويلبي رغبة قلبه و جسده الذي طالما كان تواق لها.

مرت بضع أيام آخرى عليه وهو يشعر انه يحتضر من شدة شوقه لها ولكن ماذا يفعل ليس باليد حيلة، فهو يفعل كل ما يأتي بذهنه كي ترضى عنه تلك الفريدة ولكنها لم تبدي أي قبول بل بكل مرة توبخه بِشدة وتقوم بطرده ولكنه يقسم انه لن ييأس فكان بشكل يومي ينهي عمله ويأتي أمام منزلها ويظل لساعات طويلة وهو يأمل أن يراها أو حتى يلمح طيفها من بعيد ولكن دون جدوى فكل مرة تبوء محاولاته بالفشل ولكن اليوم هو مل الأنتظار أكثر ويشعر أن سيفقد صوابه إن استمر الوضع أكثر، لاحت بذهنه فكرة جنونية راقت له بشدة وجعلته يتسلل بغتة من أفراد الأمن ويتسلق ذلك السور القصير الخاص باللا، ثواني معدودة وكان يتوارى أمام النافذة المطلة على غرفة الطعام فكانوا جميعهم يجلسون عداها هي فيبدو أنها مازالت معاقبة، ضيق ثاقبتيه بِغيظ من خلف زجاج النافذة من تلك المرأة فكيف لازالت تعاقبها للآن دون أن ترأف بها.

وتعجب لمَ هي صارمة لذلك الحد فنعم يعلم أن هناك قواعد بتلك الحياة تتبعها ولكن من منظوره الخاص يرى أن تلك القواعد خلقت كي تكسر فلمَ هي تضخم الأمر لذلك الحد، زفر بِغيظ وتزحزح عن موضوعة وهو يقرر أن يستغل الأمر لصالحه، خطى خطوات حثيثة مدروسة لتلك الشجرة ممتدة الفروع التي تطل على شرفتها وبعد أن أَمن المكان بثاقبتيه و أخذ يتصلقها بِخفة ورشاقة غير عابء بجرح كف يده أو لتلك النتوء البارزة بجزع الشجرة الذي كانت تحتك بجسده، زفر بإرتياح عندما اتاح له يرى على مدد بصره غرفتها من الداخل، ليفلت يد و يرتكز على الآخرى ويضع قدمه على أحد الفروع كي يدعم وقفته و يجفف حبات العرق التي برزت على جبهته من ذلك المجهود الشاق الذي بذله، ثم مرر يده بِخصلاته السوداء الكاحلة كي يعدل هيأتها وينادي بصوت خفيض للغاية بأسمها مرة، أثنان، ثلاث.

إلى أنه كان بدء يشعر بالخدر بيده التي يتحامل عليها، وبعد عدة محاولات آخرى أصابته باليأس أضاء نور غرفتها وظهرت هي بمنامة قطنية ذات حملات رفيعة قصيرة مرسوم عليها أحد الشخصيات الكرتونية آما عن خصلاتها البرتقالية فكانت متناثرة حول وجهها الذي يشع بِحمرة أكتسبتها من نومها، كانت تفرك عيناها وتطلع من الشرفة بعدما تناهى لمسامعها صوت أحد يهمس بإسمها وما أن سقطت نظراتها الناعسة عليه تجمدت بأرضها واتسعت عيناها وهتفت بأسمه بشدوه:.

يعقوب
=ششششششش الله يخليكِ هتفضحينا
همس بها بإشتياق وهو يشملها بثاقبتيه من قمة رأسها إلى أخمص قدمها
والمكر يتراقص بعينه كعادته، لتضع هي يدها على فمها وهي تجول المكان بِعيناها بذعر، ليطمأنها هو:
متقلقيش كلهم بيتعشوا تحت
أبتسمت بإتساع وسألته وهي لا تحيد بنظرها عنه: مجنون، أفرض حد شافك
أجابها بعدما فلتت أنة من شفتاه دون قصد بسبب ألم يده: وحشتيني أوي وكنت هتجن لو مكنتش شُوفتك.

قطمت شفاهها وقالت بِعشق جامح لا يقل شيء عن جموحه: أنت كمان وحشتني أوي، ونفسي أهرب معاك بعيد عن كل دة إن شاء الله لأخر الدنيا
نفي برأسه برفض وقال بإصرار وبنبرة جادة غريبة عليه أذهلتها: مستحيل أقبل بكدة، أنا هاخدك قدام الناس كلها وراسك مرفوعة وهثبت ل فريدة المفترية إني جدير بيكِ.

هزت رأسها وهي تهيم به فهي تقسم أنها تعشقه حد الهوس وهائمة بمزيج شخصيته العجيبة تلك فهي ظنت أنه سيوافقها ويشجعها على ذلك ولكنه فاق كل توقعاتها
وأثبت لها أنه يستطيع ان يحكم عقله، انتشلها من شرودها صوته العابث: بقولك أيه؟ ينفع أنط جوة بلكونتك لو تحبي، بدل ما أنتِ هتكليني بعنيكِ كدة، وبصراحة أنا هموت واتفرج على فيلم الكارتون اللي أنتِ لبساه دة عن قرب.

شهقت من وقاحته واحمرت وجنتها بعدما أدركت أنها بملابس النوم لتهرول للداخل تجلب مأذرها تحت نظراته الثاقبة المستمتعة للغاية وبسمته العابثة تتسع شيء فشيء، لتتلعثم بتوتر وهي تغلق مأذرها:
قليل الأدب، و بَطل جنان
ويلا انزل قبل ما حد يشوفك
نفى برأسه وقال بِشغب وملامح وجهه تتقلص من شدة خدر يده: مش قبل ما تقوليلي اللي نفسي أسمعه.

تنهدت بِعمق فهي على دراية تامة بما يريد، لتهمس بحب وهي تتوهج أكثر تحت نظراته الثاقبة:
بحبك يا يعقوبي ومش هكون غير ليك
كان ذلك أخر شيء سمعه قبل أن تنفلت يده و يسقط ويرتطم بظهره على الأرض الطينية المببلة الخاصة بحديقتهم، شهقت بخضة وقالت في قلق بصوت خفيض وهي تشرأب برأسها تستطلع أمره:
يعقوب، أنت كويس؟

استند على كفوف يده وهو يأن وما أن تحامل على نفسه جلس نصف جلسة بِإنهاك وهو ينطر الطين العالق بيده وبملابسه بتقزز وقال بنبرة عابثة وهو يشعر أن كل خلية بجسده تؤلمه:
ميان، أنا كويس بس لو إن شاء الله فريدة المفترية قبلت تجوزك ليا متعمليش حساب خِلفة بعد الوقعة دي.

كتمت ضحكاتها بيدها على حديثه ليأتيها صوته المتألم الممزوج بالسخرية: الله يخرب بيت الحب وسنينه أنا كان مالي، ليرفع نظراته لأعلى وهو ينهض و يعتدل بِوقفته بصعوبة ويمسك ظهره ويستأنف بوعيد ساخر:
بتضحكي عليا والنعمة لو قدامي كنت قطعتك...
لتتزايد ضحكاتها على هيئته و يضيف هو بنبرة عاشقة جامحة حد الجنون: فداكِ يا مانجتي والحمد لله إني عرفت أشوف ضحكتك قبل ما أمشي.

لتبتسم بهيام وتلوح له بينما يلوح لها أيضًا و يغادر وهو يعرج بقدمه ويمسك جانب جسده وينظر لها بطريقة تمثيلية مفتعلة جعلتها تكاد تسقط بلأرض من شدة ضحكاتها.

بعد شهرين.

اليوم هو اليوم الموعود بالنسبة لهم فكم طال أنتظارهم لتلك اللحظة التي يكلل بها حبهم للأبد فقد قام بحجز صالة مكشوفة بأكبر فنادق البلد كي يقيموا بها حفل زفافهم فكانت الأجواء تشع بالبهجة والسرور أنوار ليزر ملونة مبهجة للغاية بكل مكان وطاولات مستديرة مزينة بورود حمراء والعديد من الشموع التي أضافت للهواء شاعرية مميزة تتناقض مع تلك الألعاب النارية التي أنطلقت لتوها و تراقصت بالسماء كما قلبه تمامًا وهو يقف ينتظر ظهورها فكان يدور حول نفسه بنفاذ صبر وهو يرتدي بذلة سوداء تحتها قميص أبيض ضيق يبين تقاسيم صدره ويضع حول عنقه ذلك البابيون الأسود و اكمل طلته بحذاء لامع مما جعل هيئته مذهلة للغاية، ربتت نجية على كتفه بِحنو شديد وبسمتها تكاد تشق وجهها من شدة فرحتها وهي تنبهه لحضورها ليرفع نظراته و تحتبس أنفاسه بصدره عندما رأها تقترب منه وهي تتأبط ذراع عز ، ليتناول نفسً عميقً ويزفره ببطء مميت وهو يتمعن بها كي يتحكم بذاته وبتلك المشاعر التي تتأجج بِصدره من رؤيتها فكانت هي غاية في الرقة والجمال ترتدي ثوب ناصع البياض دون حمالات ضيق حتى الركبة ويتهدل بعدها بإتساع أنيق و مزين بلؤلؤ أبيض يضوي من شدة نصاعته فكان متناسق تمامًا مع تسريحة شعرها وبراءة وجهها الذي لم تضيف له مساحيق التجميل سوى أبراز لجمالها فكانت هيئتها تضاهي هيئة الأميرات المتوجة مما جعله ينحني إجلالً لها ببسمة مهلكة جعلتها ترتجف بين يدي عز من فرط خجلها،.

ربت عز على يدها وبارك لها وهو يقبل جبهتها بحنو أخوي ويسلمها ل يوسف الذي كان مغيب يهيم بها وبئر عسله ينضح بعشقه الخالص لها ليتناول يدها ويشكر عز ثم يرفع كف يدها ويلثمه ويقول بِعشق وهو يميل على إذنها:
هو في جمال كدة حرام عليكِ قلبي هيقف من الفرحة يا قطتي.

قطمت شفاهها وأتسعت بسمتها حتى ظهرت فخوخها الآسرة التي تزعزع ثباته ثم وضعت يدها موضع قلبه الذي ينتفض بقوة وقالت وهي تتمعن به بِمشاعر متأججة لاتقل عن تلك التي تختلج بصدره:
بعد الشر عليك يا تيراميسو قلبي...
تنهد بحرارة و وضع كف يده فوق كفها وضغط عليه وكأنه يريد تهدئة روع قلبه الهائم بها ثم قال وهو يجذبها بغتة ويرفعها عن الأرض ويدور بها وكأنه فقد زمام مشاعره لتوه:
بعشقك يا لين.

قهقت هي بسعادة عامرة و تشبثت به ودفنت وجهها بين ثنايا عنقه وكأنها تتوارى عن العالم أجمع وتحتمي به ولمَ لا وهو درع أمانها و ملاذها وسبيلها الوحيد لعنان السماء، أنزلها عندما تعالت الصيحات المحمسة بين الحضور من بين مباركات ودعوات صادقة لهم التي قابلوها برحابة شديدة، لتتعالى تلك النغمات الصاخبة كصخب قلوبهم ويتمايلون ويبتسمون معها فكان الجميع يشاركوهم فرحتهم بوجوه باسمة حالمة من كم التناغم بينهم والعشق الذي يفيض من عيونهم معًا، فحقًا كانت الأجواء مذهلة والسعادة تعم على الجميع، وبعد كثيرًا من الصخب هدئت الأجواء بعد أن بدئت تلك المقطوعة الموسيقية الهادئة التي بدورهم كانوا يتمايل كل وَليف مع وَلِيفه برقصة حالمة هادئة متناغمة شارك بها الجميع.

فهنا نجد ذلك الهائم يحتضن قطته ويتراقص معها وهم يتبادلون الهمسات والبسمات العاشقة بينهم بهيام تام وكأنهم بعالم آخر غير عابئين بأحد سوى تحليقهم بعيدًا في سماء عشقهم،.

آما بالقرب منهم نرى ذلك العاشق صاحب البندقيتان الدافئة التي طالما تنضح بِعشق تلك المتمردة التي يحتضن خصرها لتوه ويتمايل معها بخطوات ليست مدروسة لكنها مراعية من وجهة نظره ف يكفي أنه لم يدهس قدمها إلا عدة مرات معدودة فهي من طلبت ذلك فالتتحمل الأمر على أي حال، أنحنى برأسه وهمس بأذنها وهي مغمضة العين و متناسية كل شيء بين يده:
حلا أنا محروج وحاسس الناس بتتفرج علينا.

نفت برأسها وهمست بإستمتاع و هي تدفن جانب وجنتها بِصدره العريض: سيبك من الناس أنا مبسوطة كدة، لتتنهد تنهيدة حارة وتستأنف وهي ترفع نظراتها التي أصبحت هائمة دائمًا له:
بحبك يا إيسو وحاسة أن كل يوم بحبك أكتر من اليوم اللي قبله ربنا يخليك ليا،.

تنهد بعمق وهو يشملها بدفئ عيناه ويشعر بقلبه يتراقص بين أضلعه ليجذبها له أكثر ويقبل قمة رأسها وهو يشعر بسعادة متناهية كونه استطاع أن يرودها ويجعلها أليفة، مطيعة وتكاد تتمرمغ
بتراب الأرض الذي يخطوا عليها، فيبدو أنها أدركت أخيرًا هول المسؤولية المثقلة على كاهلها وأصبحت أكثر نضج وتفهم وتخلت عن تمردها الذي كاد أن يفقدها شهم قلبها.

آما عن صاحب غابات الزيتون المنفتح والمتفهم دائمًا فقد أحترم رغبتها بعدم الرقص فماذا يفعل لم يستطيع رفض أي طلب لها منذ عادت إليه فقد إنصاع لرغبتها وقام بنقل نشاطه إلى هنا
ولحسن حظهم أتت الشركة بثمارها و بالطبع ذلك بفضل الله أولًا وأجتهاده وذكاء يعقوب الذي وافق على شراكته، نظر لها نظرة معاتبة وقال بهدوء أثناء جلستهم على أحد الطاولات:
مش كنا رقصنا معاهم يا مدوخاني.

نفت برأسها وهي تقطم شفاهها و مدت يدها من تحت الطاولة واحتضنت يده وهمست بنبرة مدللة بإذنه:
حبيبي متزعلش أصل أنا مبقتش لوحدي ومينفعش أرقص واتنطط زيهم
عقد حاجبيه ولمعت زيتونتاه بتوجس من تلميحها الذي يشعر أنه فهم المغزى منه، لتنظر له بسودويتاها الآسرة بحب وتقول وهي تهز رأسها تؤكد له:
أيوة حامل.

تهللت أساريره بشدة ثم بارك لها وهو يضمها له بِسعادة متناهية فهو يعلم كم أن الأمر يعني لها كثيرًا وطالما أخبرته برغبتها الجمة بأن يكون لديهم العديد من الأطفال كي تعوض ذلك النقص التي طالما شعرت به بسبب ذلك الماضي الأليم.

آما عن صاحب الثاقبتين كان يجلس ببأس شديد بزاوية بعيدة كي يتمكن من النظر لها بِحُرية أكثر دون أن يلحظ أحد فكانت هي تراه ومن حين لآخر تسترق النظرات له بقلة حيلة تخوفًا من والدتها التي كانت لاتحيد بنظراتها عنها طوال الوقت
تنهد في ضيق وهو يشعر انه لم يعد يحتمل بعدها عنه بتلك الطريقة فماذا يفعل بعد فهو قد عمل بكد،.

و استقرت حياته بشكل كبير ولكن تظل صهباءه سبب شتات قلبه ف إلى الآن لم ترأف به فريدة ولا حتى تنازلت وأعطته بصيص أمل بشأنها رغم محاولاته المستميتة، و لولآ تلك المكالمات الخاطفة التي كانت تساعده بها لين كان فقد صوابه على الأخير، آما بشأن فريدة فكانت فرحتها عامرة والبسمة لا تفارق وجهها طوال حفل الزفاف الذي شارف على الأنتهاءلتوه،.

ولكن بالطبع لم تغفل عن تلك النظرات المتبادلة بينهم مما جعلها ترشق ميان شذرًا جعلتها تنتفض من شدة رعبها، و تحول نظراتها المتوعدة له وتخطو نحوه، مما جعل ميان تشهق وتحاول تلحق بها وهي تقول بِتوسل:
ماما والله ماعمل حاجة ماما علشان خاطري بلاش قدام الناس، ماما...
لم تستمع لها بل كانت تسير بإصرار عجيب جعل
مارسيل تلحق بهم بذعر بعدما وجدتها تخطوا نحو ذلك الجامح،.

بينما هو كان مشدوه من أقترابها منه وعينه تكاد تخرج من محجريها من شدة توجسه فما ياترى تنوي على فعله به تلك المرة هل ستطرده من هنا أيضًا،
قطع سيل أفكاره جذبها له من أذنه بِطريقة مدروسة تعرف موضع الألم جعلته ينحني برأسه و يقول بتذمر:
والنعمة ما عملت حاجة يا فريدة يا مفترية دة أنا واقف في حالي
ضيقت عيناها بِغيظ وقالت في تشفي وهي تضغط أكثر على أذنه بين أناملها: أنا مفترية يا قليل الأدب.

أَن من شدة الألم بِعيون مغلقة بينما ترجتها ميان وهي على وشك البكاء: ماما وحياة ربنا معملش حاجة بلاش تحرجيه وتحرجيني قدام الناس
لتحاول مارسيل أن تحيل بينهم وتلاحق الوضع: ماما الله يخليكِ اهدي متبوظيش فرح لين
تنهدت فريدة وقالت بإصرار وبِجدية وهي تكاد تنزع أذنه من رأسه: ملكيش دعوة دة قليل الأدب ولازم أربيه قبل ما أجوزه بنتي.

نزل قولها عليهم كالصاعقة فكادت ميان تشعر بقلبها سيتوقف وأن الدماء قد أنسحبت من أطرافها من شدة التفاجئ بينما شهقت مارسيل بِسعادة متناهية، آما هو كان فارغ الفاه ويحملق بها ببلاهة شديدة وهو يشعر أن ما سمعه لتوه هو أغرب ثان شيء بحياته بعد أحترام القواعد، ليثأثأ بعدم تصديق:
دة بجد، طب أحلفي يا فريدة
زفرت بقوة و تركت أذنه وهدرت بِصرامة: أيوة بجد هجوزهالك بس أنا ليا شروط.

تهللت أساريره وأجابها بتلهف وهو يشعر أنه على حافة الجنون من شدة سعادته: أنتِ تأمريني، أي حاجة هتقوليها هتبقى سيف على رقبتي و هوافق عليها بس ترضي عني و تجوزهالي
أبتسمت فريدة وهزت رأسها بِرضا وقالت بنبرة لينة متهاونة أخيرًا: بكرة تيجي علشان نتفق على التفاصيل وأعمل حسابك مش عايزة تَضيع وقت يعني فرحكم هيبقى كمان كام يوم أنا عايزة أخلص من جنانك ومن الفضايح اللي انت عملتهالي بين جيراني.

ليتمتم هو بِشغب و بصوت خفيض وصل ل مارسيل و ميان فقط: طب الحمد لله المظاهرات جابت فايدة كان لازم أجرصكم علشان ترضي تجوزهالي يا مفترية
نكزته مارسيل كي يصمت وهي تكبت ضحكاتها بِصعوبة
بينما سألته فريدة بشك وهي تضيق عيناها خلف نظارتها: بتقول حاجة؟

نفى برأسه و رفع منكبيه يدعي البراءة وحاجبيه تتراقص بشغب وكأنه لم يتفوه بشيء، لتنفجر مارسيل ضاحكة بينما هزت فريدة رأسها بلا فائدة، لتبتسم ميان أيضًا وهي تنظر له بهوس ليس فقط عشق بسبب جموحه الذي يأسرها به، لتتشابك ثاقبتيه بِبسمتها الناعمة ويهيم بها وهو يتنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه الملتهب بِعشقها، مما جعلها تطرق رأسها بخجل وتتسع أبتسامتها وهي تشعر أن قلبها يكاد يتوقف من شدة سعادتها، لتجذبها فريدة وتحتضنها وتخبرها بود:.

انا عارفة إني قسيت عليكِ الفترة اللي فاتت بس دة علشان تتعلمي وتعرفي تفرقي بين الصح والغلط
لتقول ميان بنبرة نادمة وهي تخرج من بين أحضانها: أنا أسفة
أومأت فريدة وربتت على ذراعها في حنان وقبل أن تلتفت له كي تحذره من أمر بعينه، كان يحملها ويدور بها وهو يقول بسعادة متناهية وبجموح تام:
ربنا يخليكِ لينا يا فريدة.

انفجرت ميان و مارسيل بالضحك بينما اعترضت فريدة وضربته برفق على جبهته وقالت محذرة وهي تكبح بسمتها بصعوبة:
نزلني يا مجنون، والله شكلي هَرجع في كلامي
نفي برأسه بِطريقة هستيرية وقال وهو يدعي الأدب والوداعة وهو ينزلها: لأ ترجعي أيه الله يخليكِ دة أنا مصدقت، انا أسف والنعمة اصلي اتحمست شوية و مش هعمل كدة تاني.

لتتعالى قهقهات الجميع وينتهي اليوم بِسعادة بعد أن كلل كل منهم قصة حبه ومعاناته بالطريقة الأمثل لها.

دلف بها إلى الجناح الخاص بهم الذي قام بِحجزه داخل نفس الفندق لم يكن يحملها ولكن كان يحاوط خصرها بإحكام شديد كأنه يخشي أن تنفلت منه، أغلق الباب بكعب حذائه وهو مازال متمسك بها بقوة دون ان يشعر أنه يعتصر خصرها بين يده، ثم سار بها إلى الفراش وأجلسها دون أن يتفوه بشيء فقط ينظر لها بِطريقة متمعنة وكأنها أثمن أشياءه مما جعلها تقول بِحرج تحت وطأة ناعستيه التي تتفرس بها:
يوسف بلاش تبصلي كدة.

أبتلع ريقه ببطء وهز رأسه بطاعة وفك وثاق يده وقال بتيه: أعذريني، أنا مش مصدق
أقتربت من جلسته ببسمة واسعة وفخوها الآسرة تزين وجنتها وقالت وهي تستند على صدره وتضع سبابتها على فمه تمنعه أن يستأنف:
عارفة أنك مش مصدق وعلى فكرة و لا أنا
مصدقة أنك أخيرًا بقيت معايا.

أبتسم وبئر عسله يفيض بمكنونات قلبه لها وهمس وهو يحاوطها من جديد ولكن تلك المرة كانت حميمية أكثر وأخذت يده تداعب ظهرها بحركات حثية بثت بسائر جسدها القشعريرة:
أخيرًا يا قطتي، أنا حاسس إني بحلم حلم جميل عمري ما اتخيلت أنه ممكن يوم يتحقق
أذرقت ريقها بمشاعر متأججة و كوبت وجنته وهمست بِعشق خالص له: بحبك يا يوسف بحبك يا تيراميسو قلبي ومش عايزة حاجة من الدنيا غيرك أنت كل أحلامي.

تنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه المتيم بها
وقال بوله تام وهو يسند جبهته على خاصتها: و أنا خدت من الحظ كفايتي بوجودك جنبي، أنتِ تميمة حظي يا قطتي
أبتسمت بإتساع بعد حديثه ذلك الذي ذكرها بتلك الذكرى المحببة على قلبها وقلبه بآن واحد، ليبتسم هو الآخر ويقول بنبرة مهلكة وهو يمرر أنفه على وجهها وعلى سائر عنقها بحركة حثية استلذت بها و جعلت جسدها ينتفض بين يده:
لسة فاكرة.

هزت رأسها بِوهن وبعيون متثاقلة من شدة تأثرها بأنفاسه الساخنة التي تلهب كافة حواسها، ليبتسم أثناء أنشغاله بما يفعله وهو يشعر أنه لا يستطيع الصمود أكثر فكانت ضعيفة هشة لينة بين يده مثل قطعة المارشملو اللذيذ، ليميل بوجهه أكثر و يضع عدة قبلات متفرقة على وجهها هبوطًا إلى عنقها الحريري وهو يدمغ كل ما تلمسه شفاهه بشغف ونهم تام إلى أن وصل لذلك الحجر الذي يتدلى من سلسالها ورفضت التخلى عنه كي يشهد على تتويج ذلك العشق كما شهد على معانتها ليضع قبلة مطولة عليه وكأنه يشعر بلإمتنان له، ثم صعد بتلثيماته المحمومة من جديد متوجه إلى ثغرها الذي يقسم أنه يقطر فتنة وهو لم يعد به ذرة صبر واحدة من شدة رغبته في الأرتواء منه، ليتناول شفاهها بِشغف شديد وبتمهل حالم جعلها تتراخي بين يده بإستسلام تام وكأنها مغيبة مسلوبة الأرادة أمام هيمنته الطاغية عليها لتحتضن وجنته بيدها وتبادله بنفس الشغف الذي يغدقها به لتتزايد حرب شفاههم نهم وكأنهم يتدهورون جوعٍ وكل منهم وجبة الآخر الأخيرة، وبعد بعض وقت ليس بقليل ابدًا قطع قبلته وسند بجبهته على خاصتها وقال بأنفاس ثائرة من شدة ثورته وعينه الناعسة تغيم برغبة قاتلة:.

بحبك يا قطتي
أجابته هي بهمس مغري من بين أنفاسها المحمومة و وجهها يتوهج من تلك المشاعر التي أكتسحت دواخلها:
بحبك يا تيراميسو قلبي.

ليزئر بنفاذ صبر كأسد جائع يريد أن يحصل على وليمته وينقض من جديد على شفاهها ولكن تلك المرة وهو يميل بها على الفراش كي يكلل ذلك العشق الذي عصف بكيانهم معًا، فقد أصبح هو هائم من جديد ولكن تلك المرة داخل مأوى ومحراب عشقها، آما هي كانت تطوف وترفع إلى فوق السحاب بين يده من شدة سعادتها ولمَ لا فطالما كان هو ملاذها و سبيلها الوحيد لعنان السماء.

دعوني أخبركم لولآ ضم حرف الحاء و الباء و كم التضحيات لم تكن تتبدل الغيوم التي كانت تكسو السماء و ما كانوا تجمعوا الأحباب ولم تكن حياتهم تلبست بالسعادة والبهاء.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة