قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن

أراد لو ينزع قلبه من بين ضلوعه ويقذفه بعيد عنه ويتبرأ منه لكن مهلًا أيها القلب فذلك المقيت زوجها على أي حال ولا فائدة لثورتك فهى لا تعترف بحق نبضك من الأساس
جمع كل ألامه في حمحمة خفيضة وكأنه ينازع الموت من أجلها لتنتفض بقوة وتصرخ مستغيثة بأسمه وهي تدفع علاء عنها بكل ما أوتيت من قوة:
إسماعيل ...

حانت منه بسمة هازئة متألمة فهو لأول يستمع لأسمه منها ولكن لم يتفهم أنها كانت تستنجد به بل ظن أنها تفاجأت به وغضبت لمقاطعتهم
تراجع علاء خطوتين وقال بنبرة خبيثة ليغيظ الآخر فهو يعلم أنه طلب يدها سابقًا وهي رفضته، ليبتعد عنها ويعدل هندام ملابسه التي تبعثرت بسبب أمتناعها ودفاعها المستميت: كل الفرهدة دي علشان وحشتك يا بت.

شهقت حلا بقوة وتساقطت دمعاتها وهي تعدل من حجاب رأسها تدخل خصلاتها التي تمردت من تحته وهمهمت بنبرة باكية مستنكرة: أنت بتقول أيه أسكت
بينما هو أبتسم بوقاحة وقال وهوويضع يده على كتفها بتملك أمام نظرات إسماعيل الذي يقسم أنه على وشك الانصهار من شدة النار المستعرة التي أشتعلت بداخله وتكاد تتأكله:
يابت متتكسفيش دة إسماعيل مننا وعلينا.

نفضت حلا يده وأندفعت نحو الدرج تتسابق مع درجات السلم لتوصل أسرع إلى شقتها وهي تبكي
تعلقت نظراتهم معًا على أثارها فكانت نظرات أحدهم متخازلة والأخري نظرات خبيثة متشفية
ليهتف علاء قبل أن يغادر
تارك الآخر مشدوه: متأخذنيش يا إسماعيل ما أنت راجل وفاهم أمور الحريم وطلباتها الغريبة.

هل سمعتم من قبل عن الكلمات الطاعنة التي تنتشل روح الأنسان من جسده لتتفنن بتعذيبها وتجعل روحه تأن طالبة الزوال تلك كانت تأثير كلمات ذلك المقيت عليه، فظل مشدوه يجز على نواجزه بغضب عارم وهو يستمع له ويعجز عن الرد وكأنه فقد النطق لتوه من وقاحته وحديثه الذي لا يمت للرجولة بشيء.

لينظر إلى أثره بأنفاس غاضبة بالكاد يتحكم بها و يتحايل على جسده أن يطيعه ويصحب روحه المعذبة الى شقته بخطوات متخاذلة وكأنه كهل ويحمل هموم العالم على عاتقه.

في صباح يوم جديد
أستيقظت هي بنشاط للذهاب للعمل فهى منذ أن تركها بلأمس تبتسم دون داعي حين تتذكر مصارحته لها والوعد الذي قطعه على نفسه، لا تعلم كيف تسلل لقلبها بذلك الوقت القليل ولكن ما تعلمه أنه أحتل حصونها و أنها ستناضل لتكون معه.

تريد أن تخبره كل شيء ولكنها متخوفة من رد فعله وخاصةً أنها ورطته بعالمها الذي بعيد كل البعد عن طبيعته حياته المسالمةولكنها أقنعت ذاتها أنها ربما تخبره عندما تتوطد علاقتهم أكثر وتتأكد أنه لن يتركها مما حدث وحينها من المؤكد أنه سيغفر لها أي شيء ويتقبل ترك البلد معها، أغمضت عيناها بقوة وظلت تمني نفسها أن كل شيء سيمر بسلام و أن وليد لم يتمكن من العثور عليها قبل أن تتواصل مع يعقوب و تطلب منه المساعدة فهو الوحيد الذي يتفهمها وسيقدر مشاعرها ورغبتها بالأبتعاد نفضت أفكارها سريعًا و.

وقفت تسترق السمع لخطواته.

أعلى الدرج ببسمة واسعة ثم فتحت بابها لتقف أمامه تطالعه بعيون لامعه من هيأته الجذابة والعصرية دائمًا أثناء نزوله فكان يرتدي بنطال من خامة الجينز الأسود وفوقه تيشرت أبيض ضيق يبرز عضلات معدته الرائعة و يعتليه سترة عصرية مفتوحة، آما عن خصلاته فكانت لامعة بشدة ومتناثرة على جبهته مما جعل عيناه الناعسة تبدو بجاذبية مهلكة، قطمت طرف شفاهها وأطرقت رأسها وهمست بصوت خفيض للغاية لنفسها:
مُز أوي يخربيت جمالك.

رفع حاجبيه بشقاوة وسألها وهو يقف أمامها: بتقولي حاجة يا قطتي
تلعثمت هي وقالت بكذب: بقولك صباح الخير
اه، صباح الفل يا قطتي
قالها ببسمة هادئة وهو يشملها بدفىء عيناه لترفع نظراتها اليه بخجل وهي تقسم أنها ستفقد صوابها لامحالة أن استمر يرمقها بهذا الشكل المربك لها نفضت أفكارهابعيدًا وقالت لتغير مجرى الحديث بعدما لفت نظرها ذلك الإطار الجلدي الأسود الذي يحيط عنقه ويخفيه تحت ملابسه دائمًا.

لتمد أناملها بلطف تسحب ذلك الإطار لتراه بوضوح تحت نظراته المستغربة لتبتسم وتخبره وهي تتأمل ذلك الحجر الأسود الذي يتدلى منه:
من أول يوم شفتك ولفت نظري تعرف إني بعشق اللون الأسود
أجابها بتلقائية وهو يطالع تمعنها بالحجر: دة عزيز عليا أوي علشان هديه من أبويا الله يرحمه أشترهولي وأنا صغير من حارة الصالحية في الحُسين من مصر ومن ساعتها وهو مش بيفارقني و بتفائل بيه جدًا.

أبتسمت له بهدوء وتراجعت خطوة واحدة للخلف وهي تضم سترتها على جسدها
ليقول بمشاكسة وهو يقترب منها ويقلص تلك المسافة التي صنعتها: مفيش وعود تانية حابة تطلبيها أصل الموضوع عجبني أوي
هزت رأسها بلا وهي تتفهم إلى ماذا يرمي فهو يطمع بمعانقة حارة مثل ليلة أمس لتهمس بمشاكسة مشابهة: لأ مفيش وعود يابن بلدي ويلا علشان منتأخرش
ضرب كف على آخر وهو يبتسم
وقال في خفة وبنبرة لعوب: يابنتي أنتِ بتعيريني ولا أيه.

كل شوية ابن بلدي، عرفت والنعمة مش محتاجك تفكريني
أنتِ مش فاضل غير تلزقي ورقة على ظهري وتكتبي عليها صنع في مصر زي تكت الهدوم
قهقت على حديثه ليبادلها هو أيضًا الضحكات ويتيه بها بملامح يفيض منها العشق لتتعلق عينه بتلك الفخوخ بوجنتها وهو يشعر أنه سقط بهم أسير لها،
أشتعلت وجنتها خجلًا من جديد تحت نظراته لتهمس وهي تقطم طرف شفاهها كعادتها عندما تتوتر:
بلاش تبصلي كدة.

قطع نظراته بعدما هدئت ملامح وجهه تدريجيًا وقال بصوته الهادئ الرخيم الذي يبث بها السَكينة دائمًا:
بشوف في عنيكِ وطن ودفا أتحرمت منه، بلاش تمنعي عيني تسكن مأواها ووطنها الجديد
أطرقت رأسها بخجل أكبر أثر كلماته المعسولة وهمست وهي تجذب يده برفق وتشابك أناملها الرقيقة بخاصته وكأنها تحفز نفسها للقادم وتستمد منه هو القوة: هيفضل قلبي وطنك لآخر يوم في عمري وبكرة الأيام تثبتلك إني هحارب علشان تبقى بسلام جواه.

رغم عمق حديثها وشعوره بشيء مريب تخفيه إلا أنه رفض عقله التفكير أكثر ورفع يدها التي تتشابك بيده إلى فمه يلثمها بعشق تام وهمس بصدق:
بحبك ياقطتي
تشابكت نظراتهم المتيمة من جديد ولكن تلك المرة قطعها هو بأنفاس متهدجة وهو على حافة الأنخراط وراء أفكاره العابثة:
أنا شايف أننا نلحق الشغل أحسن أنا مش ضامن نفسي
وافقته بحركة بسيطة من رأسها وببسمة واسعة
ليتوجهو سويًا إلى العمل وكل منهم يحتضن كف الآخر بحميمية.

غافلين عن فوزي الذي أستمع لحديثهم المعسول بالصدفة أثناء وقوفه أعلى الدرج وكان ينوي النزول لولآ رؤيتهم
ليزفر بضيق من غباء صديقه وتوريطه معها و يقرر أنه لن يقف مكتوف اليدين بعد الآن.

في القاهرة وخاصةً داخل ذلك المنزل المتواضع
ظلت تعدو ذهابًا وايابًا بعصبية مفرطة وهي تفكر بطريقة تصلح بها ذلك الموقف اللعين الذي وضعها به علاء
فهى تخشي أن إسماعيل يخبر والدتها بما رأه ليلة أمس.

أرتدت ملابسها المحتشمة سريعًا ووضعت حجابها بتعجل وتوجهت إلى المطبخ لتساعد والدتها بأعداد طعام الفطور، وبعد أن القت تحية الصباح عليها وقفت تفرك يدها بتوتر وهي تستند على طرف طاولةالطعام الصغيرة التي تتوسط المطبخ، لاحظت نجية توترها وتيقنت أنها تفكر بأمر يشغلها لتهتف بود وبنبرة متلهفة وهي تربت على يدها: مالك يابنتي حالك مش عاجبني
أحكيلي ياقلب أمك محدش هيخاف عليكِ قدي.

هزت حلا رأسها بمعنى أن كل شيء على ما يرام وأبتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وهي تقول: أنا كويسة يا ماما
تنهدت نجية بيأس من رأس أبنتها اليابس وهدرت وهي تحمل صنية الطعام التي غطتها بقطعة القماش البيضاء: أنقلي الأطباق على الترابيزة علشان نفطر سوا عقبال ما أنزل الفطار ل
إسماعيل
قاطعتها هي بتسرع دون تفكير
وهى تجذب صنية الطعام مستغلة الفرصة: أنا هنزله على سكتي أنا اصلًا اتاخرت على شغلي ومليش نفس أفطر.

أومأت نجية وهي تناولها صنية الطعام بذهول من مبادرتها الغير مسبوقة وشعرت بالغرابة من تصرفات أبنتها وتيقنت أن وراء مبادرتها تلك شيء ليس بهين، لتغادر حلا بعد أن سحبت حقيبة يدها
وعلقتها بذراعها الآخر.

كان هو في تلك الأثناء يؤدي فرضه بخشوع وبعد أن انتهى جلس يستغفر ربه ويدعوه بصوت متألم نابع من صميم قلبه، فبعد ما حدث بلأمس لم يستطيع كبح غضبه بعدما ظل ذلك المشهد اللعين أمام عينه وتلك الكلمات الطاعنة الذي تفوه بها ذلك المقيت تتردد بعقله فهو لأول مرة يشعر أنه عاجز و مثير للشفقة لهذا الحد ليقوم بتكسير وأطاحة كل شيء بمنزله ليفرغ شحنة غضبه التي كانت من المفترض أن يفرغها بذلك المقيت لولآ كلماته عنها التي أصابت صميم كبريائه، فطالما ألتمس قلبه لها الأعذار وتحامل من أجلها، لكن تلك المرة مختلفة تمامًا وكرامته كارجل لن تسمح له حتى بالتفكير بها بعد الآن، جلس يتضرع إلى الله بعيون غائمة كي ينزعها من قلبه قبل عقله.

إلى أن تناهى إلى مسامعه طرقات مهزوزة على باب شقته لينهض ويطوي سجادة الصلاه ويضعها بمكانها المخصص بجانب ذلك الركن العظيم القريب على قلبه الذي يخصصه لقراءة كتاب الله العزيز، وتوجه لفتح الباب، تيبست كل خلية به وتعالت ضربات قلبه عندما وجدها تقف أمام بابه مطرقة الرأس
غض بصره وأنتظر أن تبدء الحديث لتتلعثم وهي مازالت تنكث رأسها وتمد يدها بصنية الطعام: ماما بعتالك الفطار.

أكتفى بحركة بسيطة من رأسه قبل أن يتناول منها وحاول التحكم بأعصابه قدر المستطاع و يتوجه إلى الطاولة يضعها عليها دون أن يغلق الباب طن منه أنها ستغادر بعدها، لكنها خالفت توقعه ونظرت لظهره بتوتر وهمهمت وهي تفرك يدها:
أنا كنت عايزة أقولك أن اللي حصل أمبارح...
مش عايز أسمع
قاطعها بصرامة دون أن يلتفت لها وهو يحاول تمالك نفسه بعدما ترأى من جديد أمام عينيه ذلك المشهد اللعين لها.

زفرت في ضيق من طريقته فهى جاهدت كي تكون لطيفة معه وتستعطفه كي لا يوشي بها ولكن عندما تحدث تملك منها الغرور كعادتها وهتفت بثقة مبالغ بها وهي تشهر سبابتها بوجهه ما أن التفت لها:
أسمع أنت ملكش حاجة عندي
و علاء جوزي يعني أوعى تكون فاكر أنك هتزلني وتهددني أنك تقول لأمي، أصلًا كلها كام شهر وأبقى في بيته.

حانت منه بسمة هازئة على جرأتها وأخبرها بنبرة جاهد لتكون هادئة عكس ما يختلج بصدره وبعيون يفيض منها الآسى: أعتبريني مشفتش حاجة، بس عايز أنصحك نصيحة لوجه الله بلاش تثقي بزيادة وأوعي تنسي أنك غالية وأخت الغالي متخليش حد يقلل من قيمتك
لوت فمها بعدم رضا من نصيحته وعقبت بتسرع كعادتها: محدش يقدر يقلل من قيمتي
يا استطا واللي يتجرء ويعملها أديله فوق دماغه.

تمسك بإطار باب شقته وكأنه يستمد منه القوة بعد تفوهها بلقب مهنته التي طالما تستحقرها وقال وهو يتحاشا النظر لها: الحرامي اللي بيسرق في الضلمة عمره ما بيتحاسب على اللي سرقه في النور وأكيد أنتِ بنت أصول وعارفة
تأفأفت هي بغيظ رغم صدق نصيحته التي أصابتها في الصميم ولكنها لن تجعله ينتصر عليها ولوحت بيدها بلا مبالاه وهتفت قبل أن تتركه وتغادر إلى عملها:.

يووووووه أنا غلطانة إني بتكلم معاك وضيعت وقتي وعلى العموم يا استطا وفر نصايحك لنفسك أنا في غنا عنها
تنهد بآسى وهو ينظر لظهرها أثناء مغادرتها وبقلب يكاد يفتك به من شدة الألم وهمهم وهو يرفع نظراته التي يمزقها الحزن لأعلى: يارب أنا تعبت ساعدني.

نظرات خاطفة ثم بسمات يصحبها بعض الهمسات الخفية أثناء عملهم
فكان كل حين وآخر تتشابك عيناهم بوله أثناء عملهم مما لفت نظر كل المحيطين لهم و اولهم تلك الشقراء
التي أقسمت أن لن تيأس من استمالة ذلك الشرقي وبرغم أنه نعتها بالعاهرة لكنها ستتغاضي لتتوصل لهدفها فهي تعلم أنه يعمل دون أوراق ثبوتية ووضعه على المحاك لذلك سوف تستغل ذلك لصالحها فهى لن تيأس بتلك السهولة لتنول ما تريد.

، تمايلت بخصرها النحيل وكعب حذائها الرفيع الذي يجذب مسامع وانتباه كافة العاملين بالمطبخ إلى أن وصلت إلى حافة الحوض واستندت بظهرها عليه بالقرب من وقفته، شعر هو بخطواتها وتقلصت ملامحه بضيق عندما وجدها تقف بذلك القرب منه أثناء تأديه عمله لتهمس هي بإغواء وهي تسبل أهدابها: يكفي دلال يوسف تعلم أنك تروق لي كثيرًا وأكاد أحترق توقًا إلى جسدك.

زفر يوسف بنفاذ صبر من وقاحتها وأخبرها بلغتها وهو مازال يؤدي عمله دون أن يعيرها أي أهتمام: معذرة سيدتي لقد أخبرتك من قبل الأمر لا يستهويني
اذًا دعنا نعقد أتفاق بيننا لنتزوج فأنا أعلم طبيعة الشرقيون أمثالك
ورجعية أفكارهم
زفر الهواء من صدره دفعة واحدة.

وقال وهو يرفع حاجبيه بغيظ بعدما ترك ما بيده: أفكاري ليست رجعية بل هي عرفية وأعتز بها كاشرقي ومن المخزي أنكِ تعلمي طبيعتي الشرقية التي أفتخر بها وتستمري بإغوائي بتلك الطريقة المبتذلة.

كتفت يدها على صدرها وقالت بتعالي وجرئة أستفزته: عجبًا لكم، تدعوا أن أفكاركم ليست رجعية وتبررو أفعالكم البالية بأنها ذو قيم ومبادئ نشأتم عليها، و تفسرون التحرر دون قيود أبتذال فما المبتذل بكوني ألبي رغبة جسدي وأشتهي ليلة جامحة برفقتك، أنت تعلم جيدًا أنك تروق لي
صحبت جملتها الأخيرة بغمزة من عيناها الفيروزية.

حانت منه بسمة ساخرة على أصرارها الواضح وتبريرها لعرفية أفكاره بتلك الطريقة و اراد أن يوبخها لكنه نفض أفكاره سريعًا قبل أن يتملك منه الغضب و يحطم رأسها الخاوية ليلتزم بثباته و أكتفى بقول:
لا أكترث لرأيك على اي حال
فذلك لن يغير من عقائدي
نفخت أوداجها بغيظ وقالت أخر حيلة لديها محاولة منها أن تؤثر عليه: أذًا دعنا نتزوج
وبذلك أنت ترضي رغباتي وأنا ايضًا أوفر لك أقامة بتلك البلد
دون عناء.

تنهد بعمق أثر كلماتها فهو يعلم أن تلك فرصة عظيمة بالنسبة لأي لاجئ مثله، لكن لا يستطيع فقلبه يفيض بعشق تلك المشاكسة ولا يستطيع التخلي عنها وهدر ثقتها به مهما كلفه الأمر، ليزيح بنظره بعيدًا عن كرستين ويسلطها على قطته التي أحتلت قلبه، ويقول بنبرة صادقة للغاية وهو ينظر إليها بعيون حالمة وهي ترشقهم بنظرات مشتعلة من موقعها تنبأ بثورتها: عذرًا أيضًا لا استطيع موافقة رغباتك، فأنا قد قطعت وعد الوفاء لأحدهم.

نظرت إلى مرمى بصره بغيظ و غمغمت من بين أسنانها بغرور: ترفضني أنا من أجل تلك الشرقية
أجابها وهو يتنهد بحرارة ومازال نظره معلق بوله بتلك المشاكسة التي أسرت قلبه: دائمًا قرارات القلب لا نستطيع التحكم بمصيرها فقد وقعت متيم بتلك الشرقية منذ الوهلة الأولى
ليتحمحم بعدها وهو يقطع نظراته ويستدير ليستكمل عمله المتبقي من غسل الصحون والأواني:
دعيني أنهي عملي كرستين فلا ينقصني أهدار للوقت.

زفرت بقوة وهي تضرب الأرض بكعب حذائها في غيظ وغادرت وهي تتوعد لتلك الحسناء الذي فضلها عليها
تاركته يهز رأسه بلا فائدة ويستمر بعمله.

في القاهرة وخاصةً في ذلك المصنع الصغير التي تعمل به تلك المتمردة التي دائمًا تكون قرارتها متسرعة وساذجة لحد كبير.

تنهدت بسأم وهي تخرج هاتفها من حقيبتها أثناء خروجها من المصنع التي تعمل به ظنًا منها أنها والدتها فلا أحد يهاتفها سواها وما أن تفحصت شاشته تهللت أسريرها عندما وجدت رقمه فهو لا يهاتفها إلا مرات معدودة تعد على أصابع اليد فهى دائمًا من تبادر، كانت على وشك الرد لولآ أن داهمتها تلك الفكرة بتجاهله لتذيقه ما يفعله بها حين تهاتفه ويتعمد تجاهلها لتستهواها الفكرة كثيرًا وهي تبرر أنه يستحق فيكفي أنه وضعها بمواجهة إسماعيل وجعله يلقي على مسامعها نصائحه الواعظة التي هي بغنى عنها تجاهلت الرد و وضعت الهاتف من جديد بحقيبتها لتتفاجئ به أمامها والشرار يتطاير من عينه زاغت نظراتها لوهلة قبل أن يهدر هو بعصبية: هو أنا مش مالي عينك ولا أيه ليه مش بتردي عليا يا هانم.

أنكمشت بذعر وهو يمسكها من ذراعها بقوة أثناء حديثه فقد تبخرت كل شجاعتها وهمهمت وهي تتصنع كذبة واهية تمتص بها غضبه:
أنا كنت هكلمك لما أروح البيت علشان أبقي براحتي
ليهدر من بين أسنانه بفحيح: هعديها بمزاجي المرة دي واصدقك بس أعملي حسابك مش علاء الي يتصل بواحدة وتطنشه وخصوصًا لو كانت مراته اللي ليه حكم عليها
ويقدر يقطم رقبتها.

هزت رأسها بذعر من حديثه الذي لا يبشر بالخير وقالت بإذعان متجاهلة كل ماحدث بسذاجتها: مش هكررها تاني حقك عليا
ترك ذراعها وهو يرمقها شذرًا وقال بنبرة صارمة وهو يشرع بالسير أمامها: تعالي نتلقح على الكورنيش عايزك في موضوع مهم.

أومأت بطاعة ولحقت بخطواته الغير مراعيةلها فكان يسبقها وكأنه لا يستطيع أن يكلف نفسه ويسير بجانبها ليحميها من أعين المارة وكأن ذلك شرف عظيم هي لا تستحقه فهذا بنظره شكليات ليس أكثر ودائمًا ما يقول لها أن المرأة مكانها الطبيعي خلف الرجل تطيعه وتتبع خطواته بإذعان دون نقاش.

تنهدت بضيق وهي تجاهد لتلحق به وما أن جلسو على أحد المقاعد الخشبية على كورنيش النيل هتف هو بمغزى: الحال دة مبقاش يعجبني ومبقتش قادر أستحمل أكتر من كدة
فركت يدها وسألته بتوجس: حال أيه يا علاء ؟
أجابها بلؤم: أسمعي يابت الناس أنتِ مراتي وأنا من حقي أعمل معاكِ اللي على كيفي
شحب وجهها وهي تستمع لحديثه المتكرر فمنذ سفر أخيها وهو لا يمل من تكرار نفس الحديث وكأنه يستغل أن لايوجد لها سند غيره.

تمتمت وهي تعدل حجاب رأسها كعادة لديها عندما تتوتر: تاني الكلام دة مش كنا أتفقنا أنها هانت وخلاص هنقبض الجمعية وندفعهم مقدم لشقة صغيرة تلمنا
باغتها هو بحدة أرعبتها: بقولك أيه أنا معنديش أستعداد أصبر أكتر من كدة
تلعثمت بخوف وبنبرة مهزوزة: تقصد أيه يا علاء؟
أجابها بعيون تلمع بالخبث وبنبرة شيطانية: تيجي تعيشي معايا في السكن بتاع شغلي لغاية ما ربنا يكرم ونجيب شقة هنا.

هزت رأسها بعدم أقتناع وقالت: من غير فرح ولا شقة ولا فستان أبيض عايزني أكسر فرحة أمي واخالف كلام أخويا
تأفأف هو بغيظ وهدر بنبرة شيطانية يحاول أقناعها: تاني هتقولي أخويا وأمي يابت أخوكي مش دريان بحاجة وزمانه هايص مع الخواجات وأمك لازم توافق و متخربش عليكِ يا إلا مش هتسلم من كلام الناس
ليستأنف بتهكم وبنبرة خبيثة: كلام الناس مبيرحمش وخصوصًا أن أنا بقالي كتير داخل طالع عندكم وبيتكم مفهوش راجل.

لتقاطعه هى: بس أنت وعدت يوسف وأمي قبل كتب الكتاب أنك هتجيب شقة
ودة اللي خلاهم يوافقوا ويأمنوك عليا
جز أضراسه وكاد يهشم رأسها السميك ليوقف ثرثرتها ولكنه تماسك كي لا يضيع مجهوداته السابقة بترويضها هبائًا وقال بنبرة حنونة أتقنها و يعلم تأثيرها عليها وهو يسبل أهدابه:
يابت ما أنا هجيب شقة زي ما وعدتهم بس قدام شوية أكون لميت قرشين حلوين علشان يجبولنا شقة في حتة تليق بيكِ.

وتكون بعيد عن المنطقة الزبالة اللي عيشين فيها و بتحلمي تخرجي منها
أبتسمت وهي تتخيل ذلك اليوم التي سيتحقق به أحد أحلامها القديمة فهى منذ نعومة أظافرها تتمنى أن تعيش بمكان أرقى من تلك المنطقة الشعبية لكي تتباهى أمام الناس وخاصةً صديقاتها بأنها تعدت الفقر الذي يحاوطهم وذلك ما وعدها به علاء قبل خطبتهم.

فقد وعدها بالكثير والكثير من الوعود الواهية التي صدقتها دون تفكير حتى أنها أصرت عليه فقد جذبها أيضًا تهافت بنات منطقتها عليه وأحاديثهم عن مغامراته معهم حينها فكان هو ذو طلة مبهرة ولسان معسول عن غيره من شباب منطقتهم وطبعًا نظرًا لأنعدام تجاربها بالحياه وسذاجتها وقع أختياره عليها وذلك ما جعلها تتمسك به كي تتباهى كونه فضلها هي دون عن غيرها قطع سيل أفكارها شعورها بيده الكبيرة تحتضن كفها لتنتفض بقوة وتحاول سحب يدها.

لكنه أعترض وزاد من ضم قبضته عليها حتى أنها تأوهت بألم قبل أن يضيف بأصرار وبنبرة يحفها اللؤم:
انتِ مراتي يابت وأعملي حسابك مش هتعرفي تمنعيني زي أمبارح
أنا عديتها بمزاجي علشان البارد اللي قطع علينا
تنهدت وهي تتذكر ما حدث وقالت بعتاب: أنت خلتني في نص هدومي قدام الراجل وخليته يمسك زلة عليا ويقعد يقولي في مواعظ.

عقد حاجبيه بغيظ ونفض يدها وهدر بأنفعال: محدش ليه حاجة عندنا أعلى ما في خيله يركبه متخلنيش بكلامك دة أروح أدغدغ الورشة بتاعته على دماغه
هزت رأسها بهستيرية وقالت: لأ الله يخليك بلاش فضايح
هو مش هيفتح بؤه تاني أنا وقفته عند حده
أرتفع جانب فمه ببسمة هازئة على سذاجتها وعاد مرة أخرى لنبرته الحنونة: ماشي، قوليلي أيه رأيك في اللي قولتهولك
تنهدت بعمق وأخبرته بتذبذب: هفكر يا علاء وهاخد رأي ماما.

ليخبرها بتحذير وبنبرة ماكرة: ماشي بس أعملي حسابك أنا أجازة يومين ومش هسافر غير لما أعرف قرارك ولو مش على مزاجي مش هتشوفي وشي تاني وهخليكِ كدة زي البيت الوقف وساعتها متلوميش غير نفسك
تنهدت بضيق من تهديده الصريح لها ولكنها بررت بعقلها العقيم أنه يحبها ولا يطيق رفضها لذلك يريد أخافتها، لتنهض و تقول وهي تنظر بساعة يدها: أنا أتأخرت اوي يلا تعالى وصلني.

نهض هو أيضًا وقال وهو يضع يده بجيب بنطاله: لأ مش هينفع روحي انتِ ورايا مشوار مع جماعة أصحابي
هتسبني أروح لوحدي يا علاء
صحابك ينفع يستنوك لما تفضى
أجابها بغطرسة قبل أن يغادر ويتركها مشدوهة: لأ كله ألا زعل صحابي وبعدين فيها أيه لما تروحي لوحدك هو أنتِ صغيرة وبعدين ما كل يوم بتروحي وتيجي لوحدك حبكت دلوقتي تعيشي الدور.

وما أن غادر تطلعت لأثره بخيبة أمل فهو دائمًا ما يشعرها أنها مهمشة بحياته وله أولويات أخرى أهم منها
لكنها كعادتها الساذجة نفضت أفكارها سريعًا وأقنعت ذاتها بتفكيرها المحدود أنه سوف يتغير بعد الزواج و حينها ستغير معتقداته وأولوياته فهل ياترى ستسطيع أم سيكون للقدر رأي آخر.

آما بنابولي بعد أن أنهت ساعات العمل خاصتها بدلت ملابس العمل وعزمت الخروج وهي تتحاشى النظر اليه فكان ينتظرها بالمطبخ ويجلس على الكانتور الرخامي ويربع ساقيه ويسند ذقنه بيده بشكل طفولي، تعمدت تجاهله فهى كادت تستشيط غضبًا من تقرب تلك الشقراء اليه تعلم أنه لا يستهويه الأمر ولكن تخشى أنها تأثر عليه بالنهاية هو رجل كا كافة الرجال، كادت تخرج من الباب الخلفي بالمطبخ الخاص بخروج العاملين لولآ هتافه بخفة:.

ياقطة ريحة فين، أنا مستنيكِ على فكرة
أجابته بشراسة: محدش قالك أستنى على فكرة
لين تعالى هنا، مالك؟
هتف بصوت هادئ رخيم أرجف أوصالها
لتقترب من موقع جلسته أعلى الكانتور الرخامي.

و تمط فمها بأمتعاض و هي تتحاشى النظر له ليجذبها من ذراعيها لتقف أمامه وهو مازال على جلسته ويهمهم بتفهم كعادته بصوته الرخيم الذي يبث بها السَكينة دائمًا وهو يمرر أنامله بين خصلاتها: والله العظيم مفيش حاجة بيني وبينها ومش هكدب عليكِ هي حاولت كتير بس أنا عمري ما ضعفت ولا أستجبت ليها.

رفعت نظراتها اليه وظلت تساؤلات عدة تطرق برأسها و أولها كيف يعرف ما تود قوله وكيف يتفهمها لذلك الحد نفضت أفكارها وقالت بتوجس: أنا بثق فيك، بس هي حلوة وانت ممكن تضعف وأنا عارفة أنها بتحاول تغريك بأي طريقة أنا شفتكم يوم ما كنت بترجعلها الهدوم وسمعت كلامك ليها
أبتسم بأتساع وهو يكوب وجنتها بكفوفه وقال بمشاكسة: القطة كانت بترقبني، أنا قولت ومحدش صدقني كان عينك مني من أول يوم.

أبتسمت بخجل ونكزته بصدره بقوة وقع هو على أثرها للخلف وتأوه بألم عندما أرتطم بلأرضية
شهقت بقوة وهرعت اليه من الجانب الآخر وهي تهتف بلهفة: يوسف أنا أسفة وحياة ربنا مش قصدي، أنت كويس أتوجعت
أجابها بخفة وهو يتصنع الألم: أنتِ صعب أوي محدش يعرف يهزر معاكِ دة بضربة واحدة طيرتيني من على الرخامة
لتكرر بأسف وهي على وشك البكاء: أسفة، طب حاجة بتوجعك.

أومأ لها وهو يشير على ذراعه ويتصنع تلك الملامح المتألمة التي جعلتها تشعر بتقريع الضمير وتتعاطف معه لتقترب أكثر منه وتدلك أعلى ذراعه برفق ظنًا منها أنها تخفف الألم الذي يدعيه
ليستغل هو قربها ويبتسم بمكر ويباغتها بقبلة خاطفة فوق فخ من فخوخها التي وقع بها أعلى وجنتها،
شهقت بخضة من فعلته ونكزته بعدما رأت ملامحه العابثة.

وعينه الناعسة تهيم بها وتتفرس بوجنتها التي أشتعلت من شدة خجلها لتهتف بشراسة: أنت بتهزر وسايبني هموت من قلقي عليك، طب والله أنا غلطانة إني صدقتك، و اوعى، همشي و اسيبك
قالت أخر جملة وهي تكاد تنهض لتغادر ليجذبها هو مرة أخرى من يدها ويهتف ببسمة واسعة: والله بتحبيني ياقطة متحاوليش تخبي علشان لهفتك عليا فضحتك.

قطمت جانب شفاهها بخجل وهمهمت وهي تطرق رأسها وتتحاشا نظراته المتيمة: أنت di spessore على فكرة وبَطل تكسفني
أبتسم بتيه أمام خجلها ورفع بطرف أنامله ذقنها ليصوب نظراتها اليه وهمس بعدما تشابكت نظراتهم بوله تام أثناء أعادته لخصلة متمردة من شعرها خلف أذنها: مش لازم تقوليها أنا شايفها في عينك وحاسس بيها ليتنهد بعمق ويقول بنبرة متيمة نابعة من صميم قلبه وهو يغوص بعمق عيناها وكأنه يفك شفرتها:.

وعلى فكرة أنا كمان بعشقك ياقطتي
لتبتسم بأتساع حتى ظهرت فخوخها تلك التي أوقعته سهوًا بحبها وتنتقل نظراته دون وعي على ثغرها الذي يقسم أنه يقطر فتنة ويقترب منها ببطء شديد وعينه مازالت مصوبة على ثغرها بإنجذاب مهلك دون وعي او أدني تفكير وكأن حياتهم تعتمد على ذلك القرب وإن كادت تتلاحم شفاههم أتاهم صوت أحد المسؤلين عن أمن المكان ويدعى
فرانسوا وهو يهتف من بعيد: معذرة، نريد غلق المطعم فقد تعدت ساعات العمل.

تنهد بأحباط وأغمض عينه يحاول كبح رغبته ونهض وهو يسندها لتنهض معه لتهمس هي بخجل وهي تقطم شفاهها وتتحاشا النظر لعينه من فرط توترها: هستناك برة
أومأ لها وهو يتنهد بحرارة لتغادر و يتأمل أثرها بعيون حالمة قبل أن يهتف بصوت جهوري ليصل للآخر: حسنًا سنغادر الأن أيها الخارق
أتاه قهقهة فرانسوا وتعقيبه الساخر من بعيد: تعلم يوسف أن لا أحد يشاركني اللقب غيرك فأنا أشيد بمهارتك.

أبتسم يوسف وهو يقترب منه ويربت على كتفه بود: أقطع لك وعد لا أحد يستطيع نزع اللقب منك فأنت تستحقه عن جدارة ياصديقي
هز فرانسوا رأسه بأمتنان لمدح يوسف ليستأذن يوسف وما أن أعطاه ظهره ينوي الرحيل هتف الآخر: ألا تريد أستعارة الدراجة النارية مرة آخرى ربما تفضل صديقتك أن تصحبها بجولة داخل المدينة
ربما لاحقًا ياصديقي
أجابه فرانسوا برحابة: على الرحب والسعة متى شئت.

لوح يوسف مودعًا أياه ليلحق بمشاكسته صاحبة الأفخاخ المغرية التي استرقت قلبه.

كان يجلس يعقوب على فراشه ببيت عمه وهو يسترجع ذكرياته مع رفيقته الهاربة فهو كان يشاركها كل شيء حتى دراستهم ورغم عدم أهتمامه بالتاريخ والأثار إلا أنه أصر على التخصص مثلها حتى يرافق خطواتها ويكون بالمقربة منها فبعد بلوغه الخامسة عشر توفت أمه حصرتًا على أبيه الذي خسر عمره هباءً، ليبعث عمه اليه ويجلبه ليعيش معهم ومنذ ذلك الحين وهو لا يفارقها تنهد بضيق وهو يتناول هاتفه الذي تعالي رنينه بألحاح ليجيب بأقتضاب بعدما عرف هوية المتصل: نعم، أخبرني إلى ماذا توصلت؟

زفر الهواء بقوة وهدر بأنفعال عندما أتاه رد الطرف الأخر: حسنًا، أريد منك أن تخصص بعض من رجالك كي يبحثوا عن أبنة عمي بصورتها التي بحوزتك ربما يتعرف عليها أحد
بعد أن أتاه الرد من الطرف الآخر أغلق يعقوب الخط وهو يتمتم والقلق ينهش به: هانت يا لين اكيد هلاقيكِ؟
بس يارب تكوني بخير.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة