قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر

كان ظافر يقترب من حجرته حين استمع الى صرخة مكتومة تأتى من حجرة أميرة، أسرع باتجاه الحجرة ظنا منه أن ذلك اللص قد عاد وأنه تجرأ واقتحم حصون بيته، ليجد الحجرة غارقة بالظلام الا من ضوء خافت يأتى من أباجورة صغيرة بجوار السرير الذى تنام عليه أميرة، تعجب من عدم اغلاق أميرة باب حجرتها بالمفتاح كعادتها كل ليلة قبل أن تنام، وتعجب أكثر من رؤيتها تنام قريرة العين فى سريرها، اذا من أين أتت تلك الصرخة؟

كاد أن يغادر الحجرة قبل ان تستيقظ وتجده بها معتقدا أنه توهم سماع صرختها المكتومة ليتوقف وهو يسمع مجددا أنينا خافتا التفت اليها وهو يعقد حاجبيه، اقترب من السرير ليراها بدورها عاقدة لحاجبيها ولكنها مغمضة العين، نائمة.

تردد همهمات لم يفهم منها شيئا سوى أنها تتوسل أحدهم أن لا يفعل شيئا، أدرك أنها تعانى كابوسا، خاصة عندما انتفضت وبدأت دموعها فى السقوط من عينيها المغمضتين، أحس بوجع فى صدره لمرآها على هذا النحو، ليقترب منها أكثر يود لو أيقظها ولكن بم يفسر وجوده فى حجرتها فى مثل هذا الوقت، ربما تظن به السوء، حسم رأيه وهو يراها تزداد انتفاضا، ليميل عليها ويهزها برفق قائلا:
أميرة.

لم يجد منها استجابة سوى أنها تمسكت بيده بقوة لتجبره على الجلوس بجوارها على السرير وقد ضمت يده اليها وأحكمت قبضتها، ليشعر ظافر بأحاسيس عديدة، توتر، قلق وحيرة، تزايدت دقات قلبه وتصبب العرق على جبينه، حاول أن يسحب يده بحذر فتمسكت بها أكثر، اغمض عينيه وهو يزفر بقوة، يهزها بيده الحرة قائلا بنفاذ صبر:
أميرة، فوقى ياأميرة.

فتحت عينيها بقوة وما ان أبصرت ظافر حتى اندفعت اليه على الفور تضمه بقوة، أصابت ظافر صدمة قوية من فعلتها تلك، يدرك أنها غير واعية لتصرفها، تبحث فقط عن أمان بين ذراعيه بسبب هذا الكابوس، تجمد مكانه لا يستطيع أن يضمها بدوره ليمنحها ذلك الأمان فسرعان ما ستدرك ما تفعله وستظن أنه استغل ضعفها وخوفها، شعر بها تنتفض بين ذراعيه كعصفور مبتل، بل انه يكاد يقسم أنه يسمع دقات قلبها المتسارعة ويشعر بدموعها تبلل كنزته، ليرفع يديه رغما عنه ويضمها بحنان، هامسا فى أذنها:.

اهدى ياأميرة، ده كابوس وخلص.
شعر بها تهدأ قليلا بعد سماع نبرات صوته، ثم تبتعد عنه ببطئ ليسمح لها على الفور بالتحرر من بين ذراعيه، أطرقت برأسها، يدرك خجلها ولكنه لم يعلق، نهض على الفور يحاول ان يوارى انفعالاته بدوره، تلك المشاعر التى اشتعلت فى قلبه حين ضمها اليه، مشاعر كان يظنها من قبل قد اندثرت من حياته الى الأبد، ولكن يبدو أن أميرة أعادتها لحياته من جديد، قال بهدوء لا يعكس اضطرابات قلبه:.

انتى كويسة؟
أومأت برأسها فقال:
تمام، اتغطى كويس وحاولى تنامى، تصبحى على خير.
لم ترد فأدرك أنها مازالت تخجل منه ليلقى عليها نظرة أخيرة قبل ان يلتفت ليغادر الحجرة ليتوقف فجأة عندما سماع صوتها وهى تقول بخفوت:
ده مش كابوس.
التفت اليها يرمقها بحيرة ولكنه لم يتفوه بحرف خشية أن تصمت، شعر ان ما ستبوح به الآن هو شئ خطير من ذلك الجمود الذى يحتل ملامحها، أثارت فضوله وبشدة، سمعها تستطرد فى مرارة:.

ده حقيقة بس أسوأ من الكابوس، حقيقة شفتها وأنا عندى ٨ سنين، ومحدش يعرف عنها حاجة غيرى أنا وأمانى أختى.
اقترب منها مجددا وهو يجلس بجوارها بهدوء يستمع اليها وهى تستطرد شاردة:.

كنا ساعتها فى بيتنا فى الفيوم وكان بابا زى عادته مسافر، انا وامانى كنا بنلعب فى الجنينة وفجأة وقعت، وهدومى مبقتش نضيفة، سبت أمانى ودخلت لماما عشان اغير هدومى، لفيت أقولها تستنانى لما أغير عشان نسمع اغنية محمد فؤاد الجديدة مع بعض، بس شفتها بتحط الهاند فرى فى ودنها عشان تسمعها، هزيت كتفى ومشيت، دخلت من الباب الورانى بتاع المطبخ، وفجأة سمعت ماما بتزعق، قلت بابا رجع و بتتخانق معاه زى عادتهم، قربت من الباب بشويش، لقيتها فعلا بتتخانق، بس مع آنكل سامح، ابن عم بابا وصاحبه، سمعت ماما بتقوله انها مش ممكن تهرب معاه وان حتى لو بابا خاين فهى مستحيل تخون، آنكل سامح ساعتها اتنرفز وقالها انها بتضيع حياتها مع واحد مبيحبهاش وهيإذيها فى كل يوم هتعيشه معاه، زى ما أذاها قبل كدة، ماما فضلت رافضة، آنكل سامح اترجاها وقالها انه بيحبها وانه متمسك بيها لآخر لحظة، وماما قالتله انها مش ممكن تفضل سعادتها الشخصية على حساب سعادتنا وانها لا يمكن تمشى وتتخلى عننا، ساعتها آنكل سامح حضنها بالعافية وقبل ما ادخل بغضب طفلة صغيرة مش فاهمة حاجة من اللى بيحصل غير ان آنكل سامح عايز يبعدنا عن مامتنا لقيت بابا داخل من الباب واول ما شافهم طلع مسدسه ومن غير ولا كلمة ضربهم بالرصاص وشفتهم بيقعوا على الأرض غرقانين فى دمهم.

توقفت عن الحديث وهى تنتفض وتشهق بالدموع بينما ظافر استمع اليها بذهول، يدرك أن ما رأته اميرة كان كثيرا على طفلة فى الثامنة من عمرها، لابد ان مارأته ترك اثرا على نفسيتها يتعدى تلك الكوابيس التى تراها، استطردت بعد لحظات قائلة فى مرارة:.

فضلت واقفة فى مكانى، مقدرتش أتحرك أو اقول أى كلمة، لقيت بابا بينده على عم جابر البواب ولما دخل قاله بكل برود( الزبالة دى تختفى من البيت حالا)الدنيا ساعتها لفت بية ووقعت على الأرض، ولما فقت لقيتنى فى اوضة نومى وجنبى امانى، عيط فى حضنها وحكيتلها عن اللى شفته، عيطت هى كمان وخافت بابا يعرف ويعمل فية حاجة، حذرتنى من انى اتكلم، احنا صحيح كنا لسة صغيرين بس كنا عارفين ان احنا بالنسبة لبابا ولا حاجة وممكن يبيعنا فى ثانية.

شعر ظافر بغصة فى قلبه، كيف تحملت هاتان الفتاتان الصغيرتان كل ذلك؟وكيف استطاعا العيش مع والدهما وهو على هذا الشكل؟
استطردت أميرة قائلة فى مرارة:.

بعد الحادثة بيوم واحد بابا جه وقالنا ان ماما سافرت ومش راجعة تانى وان احنا هنسافر معاه القاهرة نعيش هناك، على أد رفضنا ان احنا نعيش معاه بس كنا مضطرين، مكنش لينا حد غيره ولما كبرنا واختى حبت واتجوزت حاول يفرق بينها وبين جوزها، بس مقدرش ولما مات جوزها مفكرش فيها وفى مشاعرها وحاول يجوزها لشريكه بس هى هربت، وفضلت انا، فضلت عايشة مع أكتر حد كرهته فى حياتى.

شعر ظافر بالكره أيضا لذلك الرجل، ود لو كان أمامه ليدك عنقه منهيا حياته البائسة وأفعاله النكراء، بدأت اميرة تهدأ وتمسح دموعها بيدها كالأطفال ثم تستطرد قائلة:.

وفاتت سنين واتكررت مأساة أختى معايا أنا وبقيت بالنسبة له بيعة للى يدفع أكتر، صمم يجوزنى لابن صاحبه عشان غنى، عشان ينقذ شركته بفلوسه، فعملت زى أختى وهربت، كنت رايحة للمكان اللى عارفة انه مش هيشك فيه عشان عارف أد ايه بكرهه، هو فاكر انى بكرهه عشان ماما سابتنا فيه وهربت، ميعرفش انى بكرهه عشان امى اتقتلت فيه على ايديه، امى المظلومة، اللى كان كل ذنبها انها اتجوزته، معرفش ليه فكر انى ممكن اروح هناك وبعت ربيع يدور علية فيه.

تساءل ظافر عن ذلك الربيع والذى تكرر اسمه للمرة الثانية أمامه، هل هو ذلك الخطيب المزعوم؟لا يدرى لم رفض فكرة خطبتها رفضا قاطعا، لا يتخيل تلك الملاك البرئ عروسا لأى شخص تربطه علاقة بوالدها، بل لا يتخيلها عروسا لأحد على الاطلاق، افاق من افكاره على صوتها وهى تقول بمرارة:
انا عارفة انها مسألة وقت ويلاقينى، وده اللى خلى الكوابيس تجينى تانى، بس هفضل أهرب، مش هتجوز ابن صاحبه ولو كان التمن حياتى..

انقبض صدر ظافر من سيرة الموت. ليربت على يدها بحنان، رفعت عينيها اليه فى تلك اللحظة تدرك وجوده وبشدة، تسللت نظراته الحنونة لتمس قلبها على الفور، أرسلت اليها احساسا قويا بالأمان غمرها على الفور مع تسلل كلماته الحانية اليها وهو يقول بهدوء:
اطمنى ياأميرة، باباكى مش هيقدر يعملك حاجة، أنا جنبك، وبكرة باذن الله هنلاقى حل لمشكلتك، نامى انتى وارتاحى، انتى شكلك تعبان اوى.

اومات برأسها وقد بدأت تحس بالفعل انها منهكة وتحتاج الى النوم، لينهض ظافر ويبتعد ثم يلقى نظرة أخيرة عليها قبل أن يغادر الحجرة ويغلق بابها لتتنهد أميرة وتضع رأسها على الوسادة لتذهب على الفور فى سبات عميق.

كان بيجاد يمشى فى الحديقة ذهابا وايابا كالليث الجريح، لا يدرى ماذا يفعل او كيف يهدأ، يشعر بثورة تجتاح كيانه، لم يكن يتوقع رؤيتها اليوم، فى ثانى ايامه بالاسكندرية، بل لم يكن يتوقع ان يراها مطلقا.
لقد ذهب اليوم صباحا الى هذا المكان الذى جمعهما لأول مرة، ذهب هناك كى يودع كل ذكرى جمعتهما سويا، كل لحظات الحب الذى ظنها حقيقية، كل ما يخص أمانى من قريب أو من بعيد، ذهب يودعه الى غير رجعة.

نعم لقد قرر اليوم ان يترك الماضى وشأنه، يترك كل ما يذكره بعذاب قلبه، ليفاجأ بالماضى يعود اليه وبكل قوة يصفعه على وجهه، يراه متجسدا امامه، لقد اقترب اليوم من والدته وقد لفت انتباهه تلك الفتاة التى تحدثها، بدت مألوفة اليه بشكل خطير، حتى أدرك من هى، وهى تلتفت اليه وتواجهه ليدرك بكل قوة من تقافز دقات قلبه أنه لم يتوقف يوما عن عشقها.

رغم كل ما فعلته به مازال قلبه ينبض من أجلها، عندما همست باسمه اليوم أحس بروحه تعود اليه بعد ان غادرته منذ زمن بعيد، لم يدرى كيف استطاع أن يقسو عليها هكذا، ربما اراد أن يرد لها الصفعة التى نالها منها منذ خمس سنوات وربما اراد ان يثبت لنفسه انها لم تعنيه ولا تهمه فى شئ، ما يثير غيظه فعلا هو اصراره على تواجدها بجواره، فى جناحه، بالحجرة التى تجاور حجرته، كيف سيستطيع الصمود وهو يدرك أنها على بعد خطوات صغيرة منه، يكفيه ان يفتح ذاك الباب بينهما ليسرع ويأخذها الى أحضانه ويروى ظمأه لها، يشبع ادمانه الذى سيطر على حواسه، نعم فهى كالإدمان، يعلم انها ضارة له بل مميتة ولكنه لا يستطيع التخلى عنها، لا يستطيع ان يتركها، يود لو مد يده حول عنقها واذهق روحها الخائنة، ولكنه ايضا يود لو مد نفس اليد إليها ليأخذها فى حضنه ويعتصرها بين ذراعيه ليشعر مجددا بالاكتمال، هذه هى أمانى.

، أمانيه التى تغلغلت دوما الى كيانه فمنحته وطنا ثم طردته منه وتركته لغياهب الغربة تتقاذفه كيفما تشاء، بعيدا عن اهله، عن حياته، وبعيدا عنها هى، نعم هى، اغلى النساء بحياته وأرخصهم، هى من أدخلته الجنة ثم القت به فى النار، هى أول حب وآخر حب، لم يكن هناك قبلها ولن يكون هناك بعدها، هذا ما يدركه أخيرا، ولكنه لن يستسلم لها مجددا، فهى كالحية، لا أمان لها مطلقا، سيقاوم بضراوة.

. وحتى آخر رمق، سيعذبها، سيجعلها تندم على مافعلته بحقه، سيذيقها من نفس الكأس الذى أذاقته اياه. ربما وربما فقط وقتها يشفى غليله منها، ويبرئ قلبه من مرض عشقها، نعم هذا ما سوف يفعله.
ظهر فى عينيه التصميم، ليمسك هاتفه ويرفعه أمام وجهه، يطلب رقما ما ليرد عليه صوتا أنثويا قائلا فى سعادة:
جاد، حبيبى، لا أصدق انك اتصلت بى بتلك السرعة، هل اشتقت الي؟هل افتقدتنى؟

أغمض عينيه للحظة فى ضيق قبل أن يفتحهما قائلا فى حزم:
صوفيا، أحتاجك وبشدة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة