قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تراث عشقي للكاتبة حنين محمد الفصل الحادي عشر

رواية تراث عشقي للكاتبة حنين محمد بجميع فصولها

رواية تراث عشقي للكاتبة حنين محمد الفصل الحادي عشر

توجه صقر بسرعة شديدة الي الغرفة التي يقطن بها ليث مع حبيبته نسمة، و هو يفكر كيف يسمح لها بأن تعود الي القصر ! و ليس هذا فقط و انما قد سمح لها أن تقطن في غرفته الخاصة و سوف يتزوجها غذاً و كل هذا و بدون ان يأخذ بمشورته ! يالله الفتي الصغير المدلل و المشاكس اصبح رجلاً الآن ولا ينتظر ان يأخذ برأي أحد.

دلف الي الغرفة بسرعة فوجدها تعتلي الفراش بجسدها الضئيل و هي غافية بعمق بينما هو ينام علي الأريكة التي أتحذت مكاناً كبيراً في أحد أركان الغرفة، أقترب منه و هزه بعنف قائلا:
- ليث، ليث قوووم
فزعت هي من غفوتها و أنتفضت سريعاً مطلقة شهقة خفيفة وهي تري صقر أمامها يوقظ ليث، فأنتفض ليث هو الاخر قائلا:
- صقر أنت هنا.

‏اجابه صقر و هو يشير الي نسمة التي تقف خلفه قائلا:
- أيوه أنا هنا، بس أزاي دي هي اللي هنا و بتعمل أيه ؟
أجابه ليث بدون تردد:
- مظلومة و هتجوزها
‏صرخ في وجهه و هو يعيد نظره اليه و سأله من جديد:
- ‏و ايه يضمنلك انها صادقة، مش يمكن فعلا تكون هربت يوم الفرح.

حاول ليث أمتصاص غصب صقر قدر المتسطاع و هو يجيبه:
- محصلش و انا أتأكدت من كده بنفسي، بص ليها كده جلالتك، هي دي نفسها نسمة ! نسمة اللي كانت مالية علينا حياتنا كلنا و ضحكتها مالية القصر ؟ لا مش هي عارف ليه لأنها كانت مخطوفة مش هربانة، أكيد لو كانت هربانة مكنتش حالتها وصلت لكده أبداً، أزاي شكينا فيها يا صقر و مفكرناش في أنها ممكن تكون أتخطفت
‏جز علي أسنانه بقوة و سأله من جديد:
- ‏و جنتي لما لاقيناها مغمي عليها مقالتش ليه انها أتخطفت ؟

- لأنها متعرفش أنها أتخطفت، جنتي لما دخلت الاوضة اتضربت علطول ملحقتش تشوف حاجة أصلا، أنت أخر واحد كنت أتوقع أنه يزعل من رجوع نسمة القصر يا صقر، دي كانت بالنسبالك زي بنتك و دلوقتي مستغرب وجودها ! أنا بحبها و حبي مقلش ليها أبداً بالعكس ده زاد
سأله صقر و هو يتذكر تلك المسكينة الصغيرة التي ماتت بسبب حبها له قائلا:
- و بالنسبة لمولان اللي فعلا كانت بتحبك و ماتت بسببك راحت ضحية لشئ مجهول لحد دلوقتي، مفكرتش في حبها ليك !

صرخ به ليث هذه المرة قائلا:
- ‏انت ليه بتقول أنها ماتت بسببي، هو أنا اللي موتها يا صقر، مولان ماتت لأن ده قدرها، أنا مقولتش ليها تروح تقول للكل انها بتحبني، و لحد دلوقتي أصلا أحنا منعرفش هي ماتت علشان بتحبني فعلا ولا لأ، أنا حبيت مولان بردوا يا صقر، حبيتها علشان صغيرة و جميلة، حبيتها علشان برائتها و عفويتها و طفولتها، ولما ماتت أنا اكتر واحد زعل عليها يمكن اكتر من أهيلا نفسها، أنا كنت بموت يا صقر فاكر، بس أهي ماتت و نسمة رجعت تاني، مستحيل أقبل أنها تبعد عني تاني لأني بحبها
صرخ به صقر بذهول قائلا:
- ‏يا ابني أنت عاوز تجنني بتحب مولان ولا نسمة.

‏أجابه ليث بنبرة مرتفعة:
- ‏بحب الأتنين يا أخي فيها أيه، غريبة أوي بالنسبالك، بابا الملك محمد مكنش بيحب 2 بردوا مش كان بيحب الملكة صوفيا و الجارية اللي أتجوزها و ماتت و محدش يعرف لحد دلوقتي هي مين، كان بيحب الاتنين و بيعشقهم ولا لأ، قلبي حبهم هما الاتنين، مش لازم أحب واحدة بس أنا ربنا حللي 4 مش 2 بس و قلبي اختار 2 و عشقهم، ده مش ذنبي.

- ‏اللي أنت فيه ده مسموش حب ده أسمه وهم مفيش قلب بيضم 2 القلب بيحب واحد بس
- ‏القلب بيحب كتير أوي يا صقر مش واحد ولا اتنين ولا حتي أربعة، ربنا خلقلنا قلوبنا علشان نفضل نحب بعض و بس، حتي الحب ده القلب يقدر يحب منه 2 عادي ده مش عيب ولا حرام، مكنتش متخيل أنك في يوم هتقف و تسمع مني أنا كلام عن الحب بعد حبك الكبير لموناي، بس خلاص يا صقر علي الرغم من حبي لمولان اللي كنت بنكره انا دلوقتي بتعرف بيه أنا فعلا بحبها، بس هي بقت ماضي للأسف مبقتش موجودة و انا عاوز أركز علي الحاضر و علي المستقبل، و لو كانت موجودة كنت أتجوزتها هي و نسمة.

سأله صقر بنبرة قوية:
- يعني أيه خلاص قررت
- ‏أيوه قررت أنا هتجوز نسمة
سمع الاثنان صوتها يتخلل حديثهما قائله:
- بس أنا مش موافقة
‏نظر لها ليث بصدمة شديدة قائلا:
‏- نسمة أنتي بتقولي أيه ؟

‏أقتربت نسمة من صقر و وقفت أمامه و هي تضع أنظارها في الارض قائله:
- انا اكتر الكلام مفهمتهوش جلالتك، بس أنا مستحيل أتجوز بدون رضاك و بدون أذنك، جلالتك عارف أني معنديش عيلة و اني كنت مجرد خادمة هنا بس رحبت بيا جداً لما عرفت أن ليث بيحبني.

مسحت دموعها التي هبطت من مقلتيها بكفها و هي تكمل بصوت يقطعه بعض الشهقات قائله:
‏- جلالتك قولتلي وقتها أنك عيلتي و أخويا اكبير، بس دلوقتي الموضوع اختلف أنا حالياً واحدة خاينة بالنسبة للكل حتي جلالتك و محدش مصدقني الا ليث و ماما جودا، كنت فاكرة لما أرجع القصر هلاقي الكل لسه زي ما هما وواثقين فيا بس خلاص انا مجرد خاينة
انهارت في البكاء و سقطت علي ركبتيها و هي تكمل بنحيب:
- ‏و انا راضية بعقاب جلالتك ليا.

صدم كلا من ليث و صقر و كاد ليث أن يقترب منها و لكن منعه صقر بإشارة من يده، و نظر الي نسمة تلك الصغيرة و كيف كانت مرحة و جميلة و مليئة بالبهجة و الحيوية، و كم عانت فأصبحت بتلك الحالة البائسة و أنهارت فأصبحت مثل زجاج مهشم، نعم صدقها و صدق ليث، و سيتأكد أيضاً بنفسه ليطمئن قلبه، وضع يديه علي كتفيها و أوقفها عن الأرض ثم أحتضنها بقوة كما كان يفعل من قبل، و تحدث اليها بحنان قائلا:

- أهدي، مفيش عقاب ولا حاجة، و لو مصرة علي عقابي فعقابي ليكي أنك تتجوزي ليث و تكوني معاه علطول ووسطنا، أنا زي ما أنا متغيرتش صقر، اللي وعدتك هكون حماكي و في ضهرك لو مين وقف قصادك، و انا متأكد أنك لسه نسمة البنت الرقيقة الجميلة اللي خلت ليث يقع في حبها ووزعت الحب في القصر كله و خلت الكل بيحبها.

ابتسم ليث و تنهد بأرتياح بعد أن أطمأن انها ستكون زوجته أخيراً، و نظر اليها بعيون مليئة بالفرحة، و سريعاً ما تذكر مولان تلك الطفلة الصغيرة الاخري التي لا تبتعد صورتها عن قلبه أبداً، كم أشتاق اليها و اشتاق لطفولتها، لم يقضي معها الا وقت قليل ولكن وضع الله في قلبه حبها بكثرة، ربما أذا خُيٍّر بين عودة مولان و ذهاب نسمة، سيختار مولان.

فاق من شروده علي صوت صقر يتحدث الي نسمه:
- ‏يلا بقاا روحي جهزي نفسك، كلها ساعات و تكوني مرات ليث و اميرته
هزت نسمة رأسها بأبتسامة، فنظر صقر الي ليث و أبتسم له قائلا:
مبروك ليك أنت كمان يا ليث
أقترب منه ليث فأحتضنه صقر بقوة، ثم تركهم سوياً و ذهب الي الخارج فوجد أهيلا تسير بسرعة و وقفت أمامه و صرخت بوجع قائله:
- ليث أتجنن، هيتجوز نسمة ! طب و مولان، مولان اللي حبته و ماتت بسبب حبها و غبائها راحت فين خلاص راحت من باله.

أمسكها صقر بقوة ونظر في عينيها بتحدي قائلا:
- ‏ليث هيتجوز نسمة و انتي مش هتقدري تمنعي جوازهم يا أهيلا
نظرت له هي الاخري بتحدي و غضب شديد، فصرخ صقر بقوة و نادي علي الحراس اللذين أجتمعوا بسرعة فألقي بأهيلا عليهم قائلا:
- ‏ خدوها للمعتقل و يفضل معاها 3 حراس.

تركها و ذهب و قد احتلت الصدمة نفسها و روحها، و لم تستيقظ من صدمتها تلك الا علي يد الحراس اللذين يسحبونها نحو المعتقل، فتعالت صرخاتها و هي تحاول أبعادهم عنها، كادت السماء ان تنشق من قوة صراخها و بكائها الذي سمعهم كل من بالقصر و كان أقربهم ليث الذي رآهم يأخذونها، فأقترب منهم سريعاً، و سألهم:
- فيه أيه واخدينها علي فين ؟

اجابه احد الحراس بأحترام و أدب بعد أن انحني بجزعه قليلا ثم عاد لوضعه:
- الملك صقر أمر بحبسها يا سمو الامير
‏نظرت له أهيلا بغضب شديد و صرخت في وجهه:
- ‏أوعي تفتكر أني علشان هتحبس هتعرف تتجوز نسمة يا ليث، اوعي ييجي في بالك اني مش اول ما أخرج منه مش هقتلها، هقتلها و هقتلك يا ليث زي ما مولان ماتت بسببك.

كاد الحراس ان يسحبوها من جديد و لكن أوقفهم ليث و أمسكها من ذراعيها و نظر لها بعينان تفيضان بالندم:
- أهيلا أبوس أيدك كفاية، انا ماليش ذنب في موت مولان حرام عليكي تحمليني حاجة أكبر مني، أنتي عارفة أنا كنت بحب مولان أزاي، و أقسملك بالله لحد دلوقثي بعشقها و بحبها.

‏بكت أهيلا و قد انخفضت نبرتها و سألته:
- بتحبها و بتعشقها فتروح تتجوز حبيبتك القديمة
‏ترك اهيلا و نظر الي الارض في محاولة لكبت دموعه ثم تنهد بعمق قبل أن يرفع رأسه إليها مرة أخري مجيباً:
- بحب نسمة هي كمان يا أهيلا، قلبي أختارهم هما الاتنين و ده مش ذنبي، أنا بحب الاتنين، بس مولان خلاص مشيت و مش هترجعلي تاني، عاوز احافظ علي نسمة بعد ما لقيتها يا أهيلا، مش هقدر أخسرها هي كمان.

صمتت قليلاً قبل أن يكمل حديثه:
- ‏- انا عارف انك ممكن متصدقنيش، بس انا زي باباكي اللي حب أتنين و كانت مولان بنته من مراته التانية، و زي بابا كمان، هو كمان حب أتنين و جاب جنتي من مراته التانية اللي حبها، أنا مش عارف أقولك أيه و لا أطمنك أزاي بس صدقيني انا بحب مولان، و لو حد خيرني بين رجوعها و وجود نسمة في حياتي هختار مولان و الله، هحاول مع صقر علشان يخرجك من هنا، بس بلاش مشاكل يا أهيلا.

صمتت و نظرت له بضعف ففي كل الحالات هي أضعف من فعل أي شئ له أو لأخيه أو حتي لزوجته، هي الان ضعيفة و ان كان السبب ليس قلبها كما تزعم سيكون جرحها الذي لم يشفي تماماً بعد ..
ذهبت مع الحراس في صمت الي المعتقل و هي تحاول ان تهدأ، و لكن لم تتحمل طويلاً فسريعاً ما تذكرت مولان التي راحت ضحية للحب، لا يجب ان يكتمل زواج نسمة من ليث، لن تسمح ..

‏أقترب ليث من صقر الذي كان يقف مع شاكتي يتحدثان في امور عدة، و سرعان ما تحدث بلهفة:
- ‏صقر خرج أهيلا من السجن، محصلش حاجة لكل ده
‏صدم شاكتي مما تفوه به ليث للتو و نظر الي صقر بعدم تصديق:
- ‏جلالتك حبست أهيلا ؟ طب ليه ؟

‏فسر صقر وجهة نظره بجدية شديدة:
- اهيلا مش هتسكت علشان ليث هيتجوز من نسمة، و خصوصاً بعد موت مولان، لو خرجت من المعتقل مش هتسكت، و ممكن تخسر نسمة تاني يا ليث بس المرادي مش هترجعلك تاني، انت مستعد لده ؟
نظر له صقر منتظراً اجابته و التي كانت إيماءه من رأسه بالنفي بعد تفكير طويل و سريعاً ما تحدث شاكتي:
جلالتك احنا لو أتكلمنا معاها ممكن.

قاطعه صقر سريعاً و بحدة ناظراً له بعينان تفوحان بنظرات الشك:
- ممكن أيه يا شاكتي ؟ تقتنع مثلا و تسكت ؟ اهيلا مش هتعمل كده و محدش فينا بيمثل ليها أي حاجة علشان يقدر يقنعها تسكت، حد فينا يقرب ليها أو اخوها ولا حاجة علشان يتكلم معاها ؟ أنت أخوها يا شاكتي
‏تنهد شاكتي بعمق بعد أن فهم لعبة صقر و نظر اليه بحيرة:
- ‏لا جلالتك أنا مش أخوها، بس احنا أهلها
سرعان ما صدم صقر مما تفوه به شاكتي، و أقترب منه و قد سيطر الغضب علي عقله و سأله:
- قصدك أيه بأهلها ؟

تحدث شاكتي مفسراً:
- قصدي جلالتك أن اهيلا ملهاش غيرنا، اهلها كلهم ماتو، حتي عمها خانها و خان والدها هو و ابنه، و قبل كده هي قالت أننا اهلها، و قالت انها بتعتبرني أخوها الكبير، و كذلك قالت لليث و لرقية و جنتي، أحنا بالنسبالها عيلتها الجديدة جلالتك و معتقدش أننا هنفضل كده بالنسبالها لو فضلت في السجن
تنهد شاكتي بقوة من جديد قبل أن يلقي القنبلة التي فزع علي أثرها صقر و ليث:
- و بعدين اهيلا بتحب جلالتك جدا.

تحدث ليث بدهشة و سأله بعدم فهم:
- ‏بتحبه ازاي قصدك أيه ؟ أنت اكيد تقصد أنها بتحترمه لأنه الملك
هز شاكتي رأسه مجيباً:
- ‏أكيد بتحترمه بس انا قولت بتحبه.

وجه نظره الي صقر و تحدث:
- جلالتك، أهيلا بتحبك زي ما انا بحب رقية و زي ما ليث بيحب مولان و نسمة، أهيلا بتعتبرك حبيبها، مش معقول تكون مخدتش بالك من ده و مش معقول كمان تكون مش بتبادلها نفس الشعور جلالتك، مفيش واحدة هتقف قدام واحد قتل عيتلها كلهم و كان السبب في وحدتها و تفديه بروحها لأنها بتحترمه ! و لا فيه ملك هيقبل أنه يسيب مملكته و ملكه و يروح الغابة علشان ينقذها مع أن كان ممكن جدا تبعتها مع أي حد، او معايا مثلا لأني دارس الطب و هفهم كتير و هقدر أشفيها، او مع ليث او مع أي وزير أو حتي مع الحرس، بس جلالتك روحت بنفسك.

كاد صقر ان يتحدث و لكن سرعان ما أمسك ليث بيده ليصمت و يسمتع له فقط، فأبتسم شاكتي و اكمل:
- ‏جلالتك دلوقتي أكيد كنت هتتعصب عليا، بس أنا لو كلامي مش صح مكنتش هتتعصب كده، و انا لو روحت قولت لأهيلا نفس الكلام مش بعيد تتريق عليا و تقولي مستحيل، أنتو بتكابروا جلالتك بس مش علشان جلالتك الملك و هي الجارية مثلا، لا أنتو بتكابروا لأنكم مش عاوزين تحبوا بعض، متقدرش تحبها و تضعف قدامها و أهلها سبب في قتل والدك، و هي متقدرش تسلملك مفاتيح قلبها بالسهولة دي لأنك قتلت أهلها، بس اللي انتو مش عارفينه أن الحب ده بيتزرع في القلب لوحده بيسيطر عليه من غير حرب، الحب الحاجة الوحيدة اللي هتتغصب عليها جلالتك، لأن مفيش حد في ايده أن يشيل حب حد من قلبه، بلاش تكابر جلالتك، الطريق مش بيكمل غير بالحب.

كان يتابعه ليث بأبتسامة و هو يتذكر حبيبته الصغيرة التي تركته باكراً و ذهبت مولان، أشتاق لها، تذكر الشعور الذي كان يجتاح صدره عندما تبتسم له و قلبه الذي يقفز بين ضلوعه عندما تقع عيناه بيعينها، بينما كان يتابعه صقر بجمود شديد، و سرعان ما أكمل شاكتي بأبتسامة مضيئة و بلمعة الحب التي ظهرت في عينيه:
عن أذنكم لازم أمشي.

أشار له صقر ليذهب ثم تابعه بنظراته، فرآه يتجه نحو رقية و يمسك يديها بحب و يقبلهم، ثم سمع صوت ليث الذي يتخلل أذنه قائلا:
- ‏الحب بيخلي الانسان مش في وعيه، حاله من الجنون بتسيطر علي قلوبنا و عقولنا لما بنحب
‏نظر له صقر، فأبعد ليث نظراته عن شاكتي و رقية و نظر هو الاخر الي صقر و اكمل:
- ‏الحرب الوحيدة اللي بتقوم بسبب الحب بتكون ما بين دول.

أشار ليث علي قلبه و عقله ثم أكمل:
- ‏قلبك عاوز حبيبه يكون دايماً جنبه بغض النظر عن أي عادات أو تقاليد، و عقلك بيبص لكل حاجة بمثالية شديدة و بيبص حواليه يشوف الحب ده مثالي ولا لأ، بس صدقني، الحب ده قمة المثالية يا صقر، لو بتحبها فعلا بلاش تكابر يا صقر و أدعي ربنا هي كمان متكابرش، عن أذن جلالتك

توجه الي المعتقلات ليري ماذا حل بجويانا و أهلها، دلف الي المعتقل الخاص بها و جدها شاحبة ضعيفة و تكاد تموت فهي لم تتذوق الطعام و لم تلمس المياه جوفها منذ ان رحل تبعاً لأوامره، أبتسم بسخرية و هو يقترب منها و تحدث:
- ‏مش هسأل عن اخبارك لانك واضح أنك في الحالة اللي انا عاوزك توصليلها، موتتك بالبطئ زي ما انتي كنتي عاوزة تموتيني بس مش بالسم يا جويانا
ثم تحدث بجدية شديدة و هو يجذبها من خصلاتها بقوة و نظر في عينيها متحدثاً:
- ده جزاء اللي بيقف قدام الصقر يا بنت مفيد، و اللعبة بدايتها كانت عندك، بس العبرة بالنهاية و النهاية دي عندي أنا.

تركها لترتطم رأسها بالأرض، ثم تركها و ذهب لقائد الحراس و أمره بجمعها هي و عائلتها في معتقل واحد، فنفذ أمره في سرعة شديدة، و خلال دقائق كان صقر يقف بينهم و هو يكتف يديه خلف ظهره، و نظر لهم بسخرية فجميعهم في حالة يثري لها، و تنطلق شرارات الغضب من أعينهم، عدا أحلام شقيقة جويانا، تلك الصغيرة التي أحبها بشدة و اعتبرها شقيقته مثل جنتي تماماً، لمح في عينيها الدموع و نظرات النجدة و الحزن، فأمر الحراس أحضار ماء لها، و لحظات و كانت ترتشف الماء بضعف، ثم تحدثت بصعوبة شديدة و تلعثم سيطر علي حروفها:
- ‏مكنتش أعرف، كل حاجة كنت بعملها معاك مكنتش كدب، انا مكدبتش.

أتفقا قلبه و عقله علي أن يصدقاها و لكن تحدث:
- ‏يمكن انتي صادقة بس هتواجهي نفسي مصيرهم يا أحلام
بكت بصمت و هي تنظر له لتكمل:
- ‏مش مهم حتي لو هموت، المهم أنك تبقي عارف اني مكدبتش.

هز رأسه و تنهد بعمق قبل ان يتركها و يخرج من المعتقل الخاص بهم، ثم توجه للخارج و لكن سمع أنين أحد و بكاء صامت، توجه الي مصدر الصوت فوجدها أهيلا تبكي و تأن من تعذيب أحد الحراس لها بسبب صراخها و رغبتها في الخروج، و لكنها مقيدة و لا تستطيع الدفاع عن نفسها، كما انه يضغط علي جرحها بقوة فيضعفها أكثر، دلف صقر سريعاً و سحب سيفه من مخزنه و أطاح برأس الحارس بقوة، فأنتشرت الدماء علي وجهه و ملابسه و كذلك وجه اهيلا و ملابسها، ثم تحدث بحدة مع الحارسان:
- كلامي كان واضح، تتحبس بس، محدش يقرب منها او ده هيكون مصيره.

نظر لها بعد أن سمعها تصرخ بأسمه، و رق قلبه لحالتها تلك، و لكن سريعاً ما خرج و تركها حتي لا يسيطر عليه الضعف، فسيتحمل منها كل شئ عدا أن تفسد فرحة أخيه و زفافه، سيتحمل هو كل شئ و لكن أشقائه لا و ألف لا

‏دلفت صوفيا الي الجناح الخاص بولدها ليث فوجدته يستعد من أجل زفافه و بجانبه جودا تساعده بأبتسامة لا تغيب عن وجهها، تملك منها الغضب و الغيظ اللذان حاولت أن تخفيهما و هي تقترب منهما بصمت و أبعدت جودا عن ليث و بدأت هي في مساعدته فأمسك ليث يدها و قبلها بحب و حنان يتخللهما بعض الرجاء و تحدث بنبرة راجية:
- أمي أنا بحبها، أرجوكي متخلنيش أبعد عنها.

ضمته صوفيا الي صدرها بحنان و هي تربت علي ظهره و أردفت:
- ألف مبروك يا حبيبي
ضم ليث صوفيا بقوة و بفرحة أحتلت قلبه ثم أبتعد عنها فأبتسمت جودا و أقتربت منهم بطبق مسطح يحتوي علي عقد طويل و بعض الخواتم و الأساور فتحدثت:
- ‏الزينة يا ليث.

أمسك ليث بيدها و قبلها بحب هي الاخري فهي من قامت بتربيته ولها فضل كبير له و في حياته لها أثر كبير، فكانت جودا علي وشك وضع الصحن علي الطاولة لتبدأ في ألتقاط الزينة منه لتساعد ليث في أرتدائها و لكن أوقفتها صوفيا بحدة و رفعت يدها في وجهها مرددة:
- ‏انا اللي هلبسه الزينة.

هزت جودا رأسها بصمت و قدمت الطبق لصوفيا لتأخذه و تساعد ليث، و لكن عاملتها صوفيا كالخادمات و بدأت في ألتقاط الزينة من الطبق الذي يقطن بين يدي جودا فشعرت بأهانة كبيرة و لم تتمكن من التحدث و لكن سرعان ما نظر ليث لصوفيا بضيق و أمسك بالطبق من جودا بأبتسامة في مجاولة لأخفاء أحراج جودا و ما فعلته صوفيا و تحدث:
- أرتاحي أنتي يا حبيبتي.

ثم وضع الطبق علي الطاولة و نظر لصوفيا بسخط فنظرت له ببراءة شديدة في حين أستأذنت جودا و خرجت فنظر صوفيا و ليث الي بعضهما بصمت و لم يتحدثا في ما حدث، أنتهوا، فتوجهوا الي المسجد و ألتقي هناك بصقر و شاكتي فأتموا صلاتهم ثم ذهب الي قاعة الزفاف و بدأت المراسم كتب الكتاب و كان الجميع يشعرون بالفرحة و السعادة، أنتقل ليث بعينيه بين جميع و لاحظ سعادتهم عدا صوفيا التي لم تستطع رسم أبتسامة لتكذب بها علي ولدها لم يهتم لها كثيراً، ثم وقع نظره علي جنتي التي تكاد تقفز من سعادتها فلمعت عيناها جعلتها كتاب مفتوح امام الجميع و ليس ليث فقط، نظر لها بشفقة فلقد عانت كثيراً علي ذنب لم ترتكبه و لم ترتكبه أمها أيضاً، فما غلطها إن كانت امها جارية !

شعر ليث لوهلة بالحزن و هو يتذكر زفاف شقيقته و شقيقه، كان اكثر مرحاً بوجود اهيلا و أفكارها المختلة و الجنونية بالنسبة إليهم، كان في غاية السعادة و لم يكن بزفافه، و الان يشعر ببعض الحزن فتمني ان تكون أهيلا هنا، أو ربما تمني ان تكون مولان علي الجانب الاخر منه فيكون زوجاً لكلاً من مولان و نسمه الذين يمثلون كل ذرات قلبه.

‏أنتهي الزفاف فذهب كل شخص حيث تقطن مشاعره و حياته و أفكاره الخاصة
‏فكان ليث مع نسمة يعيشان من لحظات الحب و روعته الكثير، في حين كان ليث يسير في ردهة القصر و يسير عكس اتجاه الرياح فتضرب بوجهه بحدة خفيفة، كان عقله مشغول يفكر كثيرا، ماذا سيفعل ؟! هل سيستسلم لقلبه و مشاعره التي أصبحت بمثابة عدو كبير له ؟ أصبح يعشق رقية مغرم بها مجنون بمجرد ذكر أسمها، لا يعلم كيف أصابته سهام الحب بتلك الطريقة وفي هذا الوقت، فهل سيقف جوار شقيقته و توأمه و هو أملها الأخير و ملجأها، ام يمنعها من خوض تلك الحرب التي تريدها رغبةً في تحقيق أنتقامها من موت عائلتها علي يد صقر، و لكن هل هو سيتمكن من العيش بين من قتلوا عائلته طويلاً ؟ هل سيشفع حبه لرقية لهم جميعاً ؟

أهيلا قد وقعت في شباك الحب، أصبحت أسيرة و بحق و لكن هذه المرة وقعت أسيرة للحب، سلمت قلبها بهدوء الي صقر، يتمني أن تتوقف عن نكران هذا الشعور التي تشعر به تجاه صقر و تخبئه بين جدران قلبها، هو متأكد أنها تعشقه كما ان صقر مغرم بها، يتمني أن لا يسحق صقر قلب شقيقته فهو بدونه لا شئ و قوته يستمدها منها حتي و ان كان يحب رقية و لكن حبه الاول كان لأهيلا شقيقته و حبيبته و جزء من روحه ..
ترك الأفكار تتخبط في رأسه طويلاً و عاد الي جناحه مع حبيبته لا يريد أن يفكر في أي شئ آخر، يريد أن يقضي معها كل دقيقة بل كل لحظة، فهو لا يعلم ما يخبئه له المستقبل، ولا يعلم أنه من الماضي بالنسبة لأشخاص آخرون ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة