رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني للكاتبة نورهان العشري الفصل السادس عشر
أن تنثر بذور الأمل في طريق أحدهم ثم تجنيها صبارًا قاسيًا تنغرز أشواكه في قلبك دون رحمة ف تنزف العين ألمًا و يحترق الخَلَد قهرًا و انت مُكبلًا بأصفاد الكبرياء الموقدة التي تسلب روحك المذبوحة حقها أن ترفرف وهي تنازع أنفاسها الأخيرة. فتبدو من الخارج صلبًا، شامخًا لا تتأثر بينما داخليًا تحتضر بصمت. فقارب نجاتك اتضح بأنه مثقوب و بيرق العشق انكسرت رايته من موضع ثقة اندثرت أمام خذلان عظيم لم تتوقعه يومًا...
نورهان العشري.
توجه إلى الأعلى و هو يزفر بحنق فقد سأم كل ما يحدث و كل تلك الألاعيب والمؤامرات يريد هدوء و راحة لن يجدهما سوى بقربها. فسار ينهب درجات السلم بقلب يحمل اللهفة و الشوق معًا إلى أن وصل إلى غرفته فدخل مباشرة دون أن يطرق الباب فوجدها جالسة على مخدعهما بعينين شاردة ناظرة إلى البعيد فاقترب منها بلهفة وامتدت يديه تقبض على خاصتها جاذبًا إياها لتسكن بين ذراعيه ولكنه تجمد بمكانه حين شعر بها تدفعه و عينيها ترسلان سهامًا حادة تشبه حدة كلماتها حين قالت.
ابعد عني.
صدمة قوية خيمت عليه حين تفاجئ برد فعلها فهمس باسمها بنبرة لأول مرة تبدو ضائعة
فرح.
نفضت توسله و قالت بلهجة قاسيه و ملامح جامدة
اوعى تقرب مني أو تفكر تلمسني...
تنبه لحديثها الغريب و ملامحها الأشد غرابة بينما جذبته تلك الشعيرات الحمراء التي تسللت إلى حدقتيها لتمتزج مع حدائقها الزيتونية فجعلتهم مشتعلتان بصورة صدمته ولكنه سرعان ما تغلب على صدمته و قال بنبرة خطرة
أنتِ سامعه بتقولي ايه؟
من بين أنفاس ملتهبه و قلب مُحترق أجابته بنبرة حادة كالسيف
سامعه. و ياريت انت كمان تكون سامع.
كانت حالتها مزرية مما جعله يتجاوز بشق الأنفس عن حديثها المُهين وقال بنبرة أهدأ
حصل ايه يا فرح. انا لسه سايبك من شويه مكنتيش كدا.
بيتهيألك.
يعني ايه؟
ابتلعت جمرة حارقة بجوفها قبل أن تجيبه بجمود
يعني لازم نحط النقط عالحروف من اول يوم عشان كل واحد يعرف حدوده و ميتخطهاش.
زفر الهواء المكبوت بصدره دفعه واحدة محاولًا التغلب على شياطين الغضب التي تنهش بداخله ثم قال بقسوة
هاتي اللي عندك.
تلك اللحظة الفاصلة التي ستلقي بها بين فوهات الجحيم كانت اصعب لحظات حياتها ولكنها جاهدت على أن تكون كلماتها منمقة بلهجة باردة تخفي خلفها أعظم خيبة نالتها طوال حياتها.
عارفه ان كلامي هيضايقك و يمكن متتوقعهوش. بس دي الحقيقه. الجوازة دي بالنسبالي وسيلة هروب من جوازة تانيه مكنتش متقبلاها و اكيد انت فاهم قصدي. عارفه انك ممكن تكون شايفنى وحشة بس انا مش هقدر أخدعك و اوهمك بمشاعر مش موجودة من الأساس.
كانت لحظة توقفت بها جميع حواسه عن العمل. حتى أنه لأول مرة بحياته يعجز لسانه عن التعبير يفقد السيطرة على انفعالاته التي ظهرت على السطح بشكل لم تتوقعه فقد امتقع وجهه و اكفهرت معالمه بينما كست الخيبة نظراته بصورة قاتلة. ولكم تألمت على مظهره ولكنها كان أول من أبتدي و كما يقولون البادئ اظلم.
ضحكه قويه ابعد ما تكون عن المرح شقت ملامحه التي بدت مريعه في تلك اللحظة مما جعلها تتجمد لثوان في مكانها و خاصةً حين قست نظراته وهو يقترب منها خطوتين قائلًا بقسوة
الكلمتين دول سمعتك بتقوليهم قبل كده ل واحد اهبل عشان تنقذِ كبرياءك المغرور.
شهقت متفاجئة من حديثه ف تابع بنبرة اقسى تشبه عينيه التي ارعبتها في تلك اللحظة.
لكن أنا مش أهبل و اقدر اعرف اللي جواكِ كويس اوي. و لآخر مرة هسألك حصل ايه؟ و قبل ما تفكري تكذبي اعرفي اني ممكن اوريكِ وش عمرك في حياتك ما تخيلتيه مني.
حاولت أن تبدو قوية ولكن رغمًا عنها اهتزت نبرتها حين قالت
معنديش كلام اقوله...
انطقي حصل اية وانا تحت.؟
صرخ بها بصوت ارعدها بمكانها فخرجت منها شهقة قويه متبوعه بثورة انهيار نابعة من عينيها التي أفصحت عن عبرات غزيرة و شفتيها التي خرج الحديث منها كالطلقات حين صرخت به
مُصر اوي تعرف في ايه؟ يبقي روح أسأل الست شيرين بتاعتك اللي اتجوزتني عشان تنتقم منها. انا بالنسبالك كنت كوبري عشان ترد كرامتك قدامها و تاخد حقك لما فضلت صاحبك عليك. كذبت عليا في كل حاجه حتى مشاعرك و كل دا عشان خاطرها. صح ولا انا غلطانه.
ازدادت ملامحه قتامة و اسودت عينيه غضبًا حتى أن عروق رقبته كادت أن تنفجر في تلك للحظة فبدا كالوحوش المُرعبة و خاصةً حين همس
شيرين.
ايوا شيرين. حب الطفوله. مش كانت خطيبتك ولما خانتك كرامتك مقبلتش عليك تكمل معاها و عشان تردلها الضربة جوزتها لواحد انت عارف انه مريض. بس دا طبعًا كان منتهي السعادة بالنسبالك عشان عارف أنه مش هيقرب منها، بحييك بصراحه ابهرتني.
كانت الكلمات تمزق جوفها و العبرات تجرح عينيها التي كانت تبكي دمًا كان مصدره قلبها النازف و لكنها تفاجئت حين سمعته يقول بوعيد
و لسه. هبهرك اكتر.
ألقى كلماته وخرج من الغرفه و بملئ صوته صرخ قائلًا
شيرين...
ارتجت جدران القصر جراء ندائه المُرعب ولكنه لم يكتفي بل توجه إلى غرفة شيرين التي كاد الرعب أن يقضي عليها وهي تمسك بالهاتف فما أن سمعت نداءه حتى قالت بذعر
سالم. عرف. معقول قالت له. دا ممكن يموتني.
جاءتها الإجابة على الطرف الآخر
انكرى. اوعي تقولي حرف واحد. كل حاجه مترتبلهت مظبوط و افتكري انك لو لخبطي هتضيعينا كلنا و متنسيش تحذفي كل حاجه من ع التليفون...
لم يتسنى لها الإجابه فقد تفاجئت بذلك الوحش الذي اقتحم غرفتها وهو يشملها بنظرات جحيمية جعلتها ترتجف و خرجت شهقه قويه من جوفها حين اقترب يقبض على رسغها بعُنف يجرها خلفه عبر الرواق حتى وصل إلى غرفته على مرأى ومسمع من الجميع ولكنه لم يأبه ل تساؤلاتهم بل دخل صافقًا الباب خلفه قبل أن يلقي بها ارضًا وهو يقول يزأر بقوة
حالًا دلوقتي عايز اعرف كل حرف قلتيه في الاوضة دي وانا مش موجود...
كانت ترتجف أرضًا تمسك بيدها الجريحه مُفرقة نظراتها المذعورة بينه و بين «فرح» المتجمدة بمكانها و التي تعالت شهقتها حين سمعت «شيرين» وهي تقول
أبدًا حكتلها ع اللي حصل زمان. و ازاي غلطت في حقك و طلبت منها تحافظ عليك. ومتضيعكش من ايدها زي مانا عملت
ايه؟ ايه الكذب دا؟
هكذا تحدثت «فرح» مستنكرة فلمعت عيون «شيرين» بشر و قالت بانكسار.
كذب ايه يا فرح؟ هو دا اللي حصل.
«فرح» بانفعال
حصل ايه يا مجنونه أنتِ مين اللي طلبت مني احافظ عليه و مضيعهوش من ايدي؟
التفتت «فرح» اليه و قد شعرت بأنها وقعت في فخ مُحكم وقالت بارتباك
دي كذابة.
و أيه الصدق؟
هكذا سألها باختصار فسحبت نفسًا قويًا داخل رئتيها قبل أن تقوم بسرد ما حدث قبل نصف ساعة من الآن.
عودة لما قبل نصف ساعه
مبروك يا عروسه.
التفتت «فرح» مصدومة حين سمعت ذلك الصوت الملئ بالشر و لكنها لم تتفاجأ إذ كانت صاحبته «شيرين» فهي تعلم بأن تلك لفتاة تضع عينيها على زوجها و تريد التفريق بينهم وهي لن تسمح بذلك لذا التفت بهدوء تناظرها بجمود شابه نبرتها حين قالت
في حد يدخل على حد كدا أوضة نومه؟ مش المفروض بنخبط قبلها ولا انا غلطانه؟
اغتاظت «شيرين» من اجابتها و تشدقت ساخرة.
اوضه نومه! ياه اوام لحقتي اعتبرتيها اوضه نومك؟ دانتِ سريعة اوى.
لم تلتفت لسخريتها بل تابعت بجمود
أوضة نوم جوزي تبقي أوضة نومي.
اقتربت منها «شيرين» قائلة بسخرية
جوزك! تعرفي انك صعبانه عليا اوي يا فرح.
رفعت «فرح» احدى حاجبيها بتهكم فتابعت «شيرين» بث سمومها إذ قالت بلهجة منكسرة.
اه والله صعبانه عليا. يمكن لو اتقابلنا في ظروف غير دي جايز كنا بقينا أصحاب. بس للأسف انا و أنتِ وقعنا في حب راجل واحد. و من سوء حظنا أن الراجل دا حبه عامل زي الوشم بينطبع في القلب مبيخرجش غير بالدم و القلب لما ينزف تبقى نهايته الموت.
قالت جملتها الأخيرة و رفعت يدها الجريحة لتريها ذلك الضماد الذي يلفها ف انكمشت ملامح «فرح» بغضب حاولت قمعه قدر الإمكان وهي تقول بجفاء.
و مين قال اني عايزة حبه يخرج من قلبي؟ و بعدين بعد كلامك دا انا اللي مفروض تصعبِ عليا مش العكس.
«شيرين» بوقاحة
لا العكس. عشان للأسف أنتِ دخلتِ في لعبة انتقام أنتِ مش قدها. انتِ تعرفي ان انا و سالم كنا مخطوبين؟ و كنا خلاص هنتجوز.
«فرح» باختصار
عرفت و بصراحه ميهمنيش ايه حصل في حياته قبل ما يعرفني اللي يهمني حياته بعد ما دخلتها.
قاربت على الوصول لمبتغاها فقالت بانكسار.
كلها واحد يا فرح. وجودك مغيرش كتير. سالم بيحبني. ومش بس بيحبني دا بيعشقني لدرجة انه اتجوزك بس عشان ينتقم مني و يكسرني و يردلي اللي حصل زمان.
كان حديثها مسمومًا للحد الذي جعل قلب «فرح» ينتفض بداخلها ولكنها ظاهريًا بدت هادئه حين اجابتها
أنتِ تقريبًا الجرح أثر على دماغك ولا ايه؟
تجاهلت «شيرين» حديثها و استرسلت في بث سمومها.
كبرت و اتربيت على ايده مكنتش اعرف راجل غيره. دايمًا كانوا يقولوا شيرين لسالم و سالم لشيرين و كان هو بالنسبالي كل حاجه في حياتي. سالم طول عمره حنين بس مابيحبش يبين. جامد من بره بس ارق انسان من جواه و لإني كنت صغيرة و مش فاهمه فكرت جموده دا قسوة وبقيت ادور ع الحنيه اللي مفتقداها معاه بره. لحد ما دخل شيطان بينا ادالي كل اللي كنت مفتقداه مع سالم. كنت مراهقه اقل كلمة بتأثر فيا و هو مكنش يعرف يعمل حاجه غير أنه يتكلم. و أنا طبعًا صدقته. و من حظي السيء سالم عرف. و شاف بعنيه. شافني راكبه معاه العربيه. و خارجه معاه. كانت خروجه بريئه جدًا جايبلي فيها ورد و بيقول انه بيحبني. بس طبعًا بالنسبة لسالم كنت وقعت في المحظور.
انبثقت دمعه حقيقيه من عينيها مسحتها بطرف اصبعها قبل أن تكمل.
اليوم دا اتحولت حياتي لجحيم. سالم يومها ضربني قلم لسه معلم في قلبي. و راح لبابا و خالي و قالهم أن متقدملي عريس و اني موافقه عليه. و أجبر أحمد أنه يتقدملي. و اجبرني اني اوافق. عملت المستحيل عشان يسامح لكنه رفض بالرغم من اني سمعته بيبكي عشاني لكن كبريائه منعه أنه يكمل معايا. الحقيقه انه كان شهم و داري عالموضوع و محدش عرف اللي حصل غير ماما و مرات خالي بعد كدا و طبعًا انتقامًا له منعتني اني اجي البيت بعد ما اتجوز. وفعلًا حصل. طبعًا هتسأليني و تقولي ازاي هو اتحمل تكوني لواحد تاني غيره لو هو بيحبك. اقولك انا. احمد كان عنده ضعف جنسي. و تعب في القلب يمنعه أنه يقربلي. و سالم كان عارف دا عشان كدا جوزنى له وهو مطمن. اتصدمتي صح؟
كانت «فرح» تقف مشدوهة لا تقوى على الحديث أمام حديثها ولكن ما زاد من صدمتها حين قامت «شيرين» بمد تلك الورقة أمام عينيها و التي ما أن التقطتها حتى شاهدت ذلك التقرير الذي يفيد بأنها مازالت عذراء.
متستغربيش. بس الوجع يعمل اكتر من كدا. و أنا وجعته. و وجعته اوي كمان. و مش زعلانه منه انا استاهل اكتر من كدا. و اتحملت بهدله ومرمطه من شخص مريض بالنقص اللي عايز يعوضه بأنه يزلني طول الوقت عشان عارف اني مقدرش ارجع لأهلي. بس اللي كان بيهديني لما كنت بعرف ان سالم بيسأل عني. كنت بتأكد اني لسه في قلبه. على فكرة كان بيسأل مروة. إلى قابلتوها في شرم. يوم ما قالها أنه هيخطبك. كان قاصد أن الكلام يوصلني.
كانت الكلمات ك طلقات نارية استقرت في منتصف قلبها الذي كان ينازع للبقاء حيًا فخرج صوتها مبحوحًا حين قالت
كل ده ميهمنيش. و مش مجبره أصدقه. يعني قصتك تخصك. لكن أنا واثقة أن سالم بيحبني دلوقتي. و شخص عاقل زيه عمره ما هيتجوز لمجرد أنه يضايق حد و اللي حصل دا ميدينهوش في حاجه انك تبقي خاينه دا عيب فيكِ مش فيه.
نجحت في غرس سهم اهانتها جيدًا فتجاوزت «شيرين» عن تلك الإهانة وقالت بنبرة لينة.
عندك حق خيانتي متقللش منه. بس موضوع ثقتك في حبه دا أنتِ فعلًا غلطانه فيه. و على الرغم اني فعلًا مكنتش عايزة اوجعك بس انا هسمعك بودانك سالم وهو بيعترف لي بمشاعره.
قامت بجذب هاتفها و تشغيل مقطع صوتي له حين كانت تمسك الشفرة و تهدده بأنها ستقطع شرايين يدها
وحياة اغلى حاجه عندك تجاوبني حتى لو مش هتكون ليا. و حتى لو جوازك هيكون في موتي بس عايزة اعرف الحقيقة انت حبيت فرح فعلًا؟
كانت اللحظة الفاصلة بين سؤالها و إجابته مُرعبه و و الاكثر رعبًا حين سمعته يقول
لا ماحبتهاش. لو عايزة تعرفي الحقيقه انا محبتش حد غيرك.
صدح صوت «شيرين» المُتألم
يعني هتتجوزها بس عشان تأذيني؟
جاءها صوته القوي الذي قضى على أحلامها دفعة واحدة حين قال بفظاظة
ايوا. هتجوزها عشان اوجعك. زي ما وجعتيني و زي ما قضيت سنين بتعذب و أنتِ في بيت راجل غيري جه وقتك عشان تتعذبي أنتِ كمان و أنتِ شيفاني معاها.
صرخت «شيرين» بقهر
بس دا ظلم. حرام. طب هي ذنبها ايه؟
اجابه قاسية خرجت من شفتيه حين قال
حظها السيئ رماها في سكتي. و دلوقتي معدش في وقت للكلام معاد فرحي قرب و عروستي مستنياني.
أغلقت «شيرين» التسجيل الصوتي تزامنًا مع سقوط «فرح» على المخدع خلفها فقد خارت جميع قواها و انهار عالمها فوق رأسها فقط كان هو. صوته. فظاظته. قسوته التي رأتها سابقًا. انهمرت عبراتها ممزوجه بنزيف روحها التي اشتهت الموت بكل جوارحها في تلك اللحظة. و اقشعر جسدها حين شعرت بيد «شيرين» التي تربت على كتفها في مواساة مزيفة تشبه كلماتها حين قالت.
مش قولتلك صعبانه عليا. دخلتي في حرب مش قدها. و للأسف أنتِ الضحية الوحيدة. بس صدقيني أنا كمان بعاني لدرجة اني حاولت اموت نفسي قدامه. وعلى الرغم من أنه قلبه كان بينتفض خوف و لهفه وهو شايلني يوديني المستشفى إلا أنه مقدرش يقاوم قدام جبروته. و كمل الفرح للآخر.
لم تستطيع أن تخرج حرفًا واحدًا من بين شفتيها فقط نظرات ضائعه معذبة و قلب ينتفض مذبوحًا بخنجر الغدر الذي لم تتوقعه منه ابدًا.
انا قولت اللي عندي عشان مقدرتش اشوفك مخدوعه اكتر من كدا. و صدقيني مش عارفه ايه الحل. و بتمني من ربنا أنه ينزل رحمته علينا احنا الاتنين. عن اذنك.
عودة للوقت الحالي...
انتهت من سرد ما حدث بأكتاف متهدله وأنفاس مقطوعة وعينين تناظره بتوسل سرعان ما تحول لصدمة حين سمعت «شيرين» تقول
ايه الهبل دا؟ فويس ايه؟ أنتِ بتألفى؟
التفت «سالم» ينظر إلى «شيرين» التي أتقنت رسم الصدمة على ملامحها وهي تفرق نظراتها بينهم فتحدث قائلًا بخشونة
تسجيل ايه اللي بتتكلمي عنه؟
«فرح» بانفعال
أسألها. كانت هنا و فتحت موبايلها و سمعتهولي و انت بتقولها انك بتحبها و اتجوزتني عشان تنتقم منها.
ارتسمت السخرية على ملامحه حين تذكر إجابته على ذلك السؤال وما أن أوشك على الحديث حتى تحدثت «شيرين» بلهجة تقطر ألمًا انهمر من بين عينيها أولًا
يااه. هو أنتِ متخيلة أنه لو قالي كدا انا كنت سبته يجيلك؟
التفتت تناظره بعينين شامته تتنافى مع لهجتها المعاتبة حين قالت وهي تتقدم منه
شفت بقي انك زيي معرفتش تختار. و أن كلنا معرضين اننا نغلط.
كانت لهجته قاطعة كالسيف حين قال
شفت.!
خرج صوتها جريحًا حين همست باسمه
سالم...
رمقها بنظرة حوت القسوة و الألم معًا ثم التفت إلى «شيرين» قائلًا بصرامة
ارجعي اوضتك.
اومأت برأسها باستسلام قبل أن تتوجه إلى باب الغرفة وحين فتحته حانت منها التفاته شامته إلى «فرح» متبوعه بابتسامه ماكرة استقرت بقلب تلك التي كانت كل خلية بها تنتفض ندمًا و وجعًا على غبائها و وقوعها كالشاة في هذا الفخ المحكم بعناية...
هو في كده؟ في شر في الدنيا كدا؟
كان سؤالا يحمل الجواب بين طياته ولكن الإجابة القاتلة جاءت منه حين قال
بعد إلى شفته منك من شويه اقدر اقولك ان كل حاجة ممكنة في الدنيا دي.
كانت تقف بمنتصف الغرفة لا تعلم ماذا عليها أن تفعل كل خلية بها تنتفض ذعرًا فقد غادر أهلها و بقت وحدها في مواجهته ولكنها مواجهة لم تكن عادلة فقلبها و روحها ينتميان إليه فأي جهة عليها أن تقاتل؟ و بأي سلاح ستقاتل فكل شئ خاضع وبقوة لعشقه الجارف.
هتفضلي واقفه عندك كتير؟
أخرجها من أفكارها صوته الخشن فهي لم تنتبه للباب حين انفتح و اطل منه يطالع عروسه الجميلة التي كانت شاردة تتطلع امام النافذة غافله عن قلبه الذي ارتج بين ضلوعه حين رآها بثوب العرس كانت مثال للفتنة والجمال الذي لم ينقصه ضياع نظراتها وهي تطالعه فقد بدت شهية مغوية وهو ليس بناسك ليقاوم فاقترب منها بخطوات ثقيله زادت من رهبتها ف تراجعت خطوة للخلف و كادت أن تتراجع الأخرى لولا يديه التي امتدت تقبض على رسغها تجذبها ل تصطدم بسياج صدره الخافق بعنف بين ضلوعه.
هتهربى تروحي فين؟
أنفاسه كانت حارقه على وجهها مما جعل الدماء تفور في أوردتها و تندفع الى خديها الشهيين بقوة فنبت محصول التفاح على وجنتيها مما أشعل ب جوفه نيران الرغبة الممزوجة بالشغف فانحني ناثرًا شغفه فوق خديها تباعًا فجاء صوتها ضعيفا مبحوحًا حين قالت
لو سمحت ابعد.
لم يتزحزح من مكانه بل على العكس امتدت يديه تحاوط خصرها وهو يقول بصوت أجش
تؤ. مسمحتش. و مش هسمح تبعدي.
تعلقت عينيها بعينيه إثر سماعها كلماته التي اخترقت قلبها و ودت في تلك اللحظة لو تخبره بأنها لا تريد الابتعاد أبدًا ولكن أبت كرامتها عليها و حاولت رسم الجمود حين قالت
مش بمزاجك. احنا متفقين أن الجوازة دي مش بالتراضي و أنها مجرد. مجرد تصحيح للأوضاع الغلط اللي حصلت.
كان يعلم بأن طريقهما طويل و لكن غمرة العشق جرفته رغما عنه ف تراجع عنها و طافت عينيه على وجهها الجميل و عينيها المتألمة و قال بجفاء.
اللي عايزله تصحيح فعلًا هو تفكيرك الغبي.
اغتاظت من حديثه ف اندفعت غاضبة
مسمحلكش تهيني و خليك فاكر اني بنت الوزان يعني لا انت ولا اي حد يقدر يعملى حاجة.
نجحت في إثارة غضبه بجدارة فزفر بقوة قبل أن يقول بقسوة
عارفه يا حلا. أنتِ محتاجه تقويم و تربيه من اول و جديد. و اسم الوزان بتاعك دا مبيهزش فيا شعره. ف مالوش لزوم تفكريني بيه عشان دي اسوأ حاجه فيكِ.
انكمشت ملامحها بصدمة من إهانته لها و لعائلتها فخرجت الكلمات من فمها دون احتراز
انت اتجننت؟
وضع يده حول كتفها يجذبها لتقف معه أمام النافذة فوجدت العمل في الاسفل على قدم وساق فشدد من يده الممسكة بأعلي كتفها وهو يقول بقسوة
شايفه كل البنات إلى بتشتغل تحت دي؟ كلهم ولاد ناس بسيطه اوي بس بنات متربيه. البنت فيهم قبل ما بتروح بيت جوزها أهلها بيعلموها ازاى تحترمه. وبناءًا عليه هو كمان بيحترمها ويقدرها.
انهى جملته و التفت يقف أمامها يناظرها بجمود شابه لهجته حين أردف
الموضوع مش بالاصل و لا بالفلوس و لا باسم العيلة. المتربي متربي و انتوا اخر حاجه بتفكروا فيها في عيلتكوا هو موضوع التربية دا.
كانت اهاناته كطلقات الرصاص التي استقرت في صدرها
دون رحمة ف نزفت عينيها وجعًا قويًا اغتال جسدها دون رحمة فامتدت يديه تزيح عبراتها بحنان ظهر كوميض خافت في عينيه و نفته شفتيه حين تابع بقسوة.
متزعليش اوي كدا. ربايتك عندي. انا ياسين وفيق عمران جوزك اللي هيخليكِ تفكري في الحرف قبل ما تنطقيه. و تحطي نفسك مكان الناس قبل ما تجرحيهم.
كان قلبه ينتفض ألمًا على مظهرها و يعنفه على ما تفوه به ولكن كان لابد له من إعادة تقويمها فهو يعلم جيدا مدى تمردها وهو لن يقبل بذلك. و لكنه قلبه لم يعد يحتمل رؤيتها هكذا فاردف بجفاء
يلا يا عروسه عشان تنامي. الف مبروك.
انحني يضعها برفق فوق المخدع وعينيه تطوف على وجهها المُحمر بفعل النوم و ملامحها الهادئه التي كانت مثالًا للبراءة الممزوجة بجمال صارخ تعجز إرادته القوية على مقاومته. لم يكن رجلًا يهتم للنساء الجميلات ولم يخطفه جمال احداهن من قبل ولكن تلك المرأة تجذبه بكل شئ بها. يشعر بأنه أمامها أعزل لم يستطيع مقاومة توغلها إلى داخله بتلك الطريقة التي احتلته. صار كل شئ به ينطق باسمها. ختمت قلبه العاصي بعشقها فصار يلهث حولها دون تعب.
لأجلها تعلم فنون الصبر الذي لم يكن يطيقه. فقد كان سريع الغضب قليل الكلام والآن بجانبها يصبح حملًا وديعًا لا يبغي شئ سوي رضاها.
كان قريبًا منها بدرجة كبيرة لم يصل إليها من قبل عينيه تبحر فوق تقاسيمها بشوق و شفتيه التي اقبلت على وجهها تنثر عشقه فوق ملامحها بقبلات متفرقه تشبه الفراشات التي تتمايل بخفة على الورود.
و حين وصل إلى شفتيها توقفت جميع حواسه عن العمل و تعالت دقاته حتى صارت كطبول الحرب. نعم كانت حربًا ضارية بين قلبًا اضناه الشوق و تعاظمت بداخله الرغبة التي ولدها عشقه الجارف. و بين عقله الذي كان ينهره و يدق نواقيس الخطر فوق مسامعه عن ارتكابه خطأ قد يكلفه الف خطوه للخلف في علاقتهما.
و لكنه أخيرًا بعد صراع مرير قاتل أخفض رأسه ساندًا جبهته فوق ذقنها وهو يقول بأنفاس مقطوعة و قلب ممزق.
يارب. اديني الصبر من عندك. عشان مضعفش أبدًا.
بشق الأنفس استطاع التحرك من فوقها بعد أن قام بتعديل وضعها حتى تبدو مرتاحه في نومتها ولكن تملكته الصدمة حين التقمت عينيه رفرفة رموشها و التي تدل على استيقاظها. فخر قلبه يحمد الله على تحكمه في نفسه فقد كان قاب قوسين أو أدني من التهامها لولا أنه استمع لصوت العقل و تراجع بآخر لحظة.
اغمض عينيه بتعب و بخطٍ متلهفة توجه إلى المرحاض و ما أن أغلق الباب حتى اخرجت نفسًا قويًا من داخلها فقد كانت تحبس أنفاسها بصعوبه حين شعرت به قريب منها الى تلك الدرجة و هوى قلبها بين قدميها وهي تتخيل أن يقوم ب إرغامها على فعل شئ لا تريده و لم تكن مستعدة له.
و جاهدت بقوة التحكم بذكريات سيئه كادت أن تظهر على السطح لتعيد شعور مقيت تجاهد على نسيانه دومًا و فيما أوشكت على أن توقفه عما ينتوي فعله تفاجئت بصوته الممزق وهو يتضرع الى الله أن يلهمه الصبر.
شعور غريب و مميز اجتاح قلبها في تلك اللحظة فهذا الراجل يقاوم نفسه و رغباته فقط لأجلها. يستطيع بسهولة أن يأخذ مبتغاه و لكنه ابتعد! اي الرجال هو؟
بل كل الرجال هو.
هكذا صدح صوت قلبها الذي لأول مرة منذ وقت طويل يستكين هكذا. و يشعر بأنه في الطريق الصحيح. الان أدركت أنها فعلت الصواب بزواجها منه. فهي آمنة معه. ولكن يبقي تلك الندوب التي لازالت تشوه روحها و لكنها ستقاوم. لأجله و أجل طفلها ستقاوم حتى مرضها اللعين لأجلهما.
صوت كريه اخترق اذنها و كان لرسالة نصية على هاتفها فقامت بالتوجه إلى الحقيبة الموضوعة على الطاولة و التقاط الهاتف و بيد مرتعشه فتحت تلك الرسالة فخرجت منها شهقة قويه حين رأت تلك الصورة الوحيدة التي كانت تضمها مع حازم مرفقة برسالة مسمومة
قبل ما تترمي في حضنه. افتكري انك كنتِ في حضن اخوه قبله.
و في نهاية الرسالة رسمه ل نيران مشتعلة ف سقط الهاتف من يدها تزامنًا مع وصول «سليم» الذي تفاجئ من مظهرها فهرول إليها قائلًا بلهفه
مالك في ايه؟
خرج اسمه همسًا مستنجدًا من بين شفتيها
سليم...
احتوت كفوفه وجهها وهو يقول بخشونة
مالك يا قلب سليم؟
تساقطت عبراتها بقوة و توقفت الكلمات على أعتاب شفتيها و دون حديث ارتمت بين ذراعيه تشهق و تبكي بقوة افزعته فصارت يديه تهدهدها كالطفل الصغير و داخله لا يعلم هل يفرح ل لجوئها إليه أم يغضب لمظهرها و لكونه يجهل ما حدث و دون أن تكون له الفرصة للحديث تعالت الأصوات و الصرخات حولهم فانتفضت مذعورة بين أحضانه فحاول تهدئتها قائلًا
اهدي يا حبيبي.
ايه الصويت دا؟
هكذا استفهمت فتركها و توجه إلى النافذة فهاله مظهر الحريق الآتي من الملحق فالتفت يخاطبها و هو يهرول للخارج
حريق في الملحق.
سقط قلبها ذعرًا بين ضلوعها و وقعت عينيها على تلك النيران المرتسمة في الهاتف بجانب تلك الحروف المسمومة و خرج صوتها مرتعبًا حين صرخت قائلة
متسبنيش يا سليم.
قاتل ذلك الألم الذي تشعر به وأنت تقف أمام شخصًا ظننته ذات يوم بوابتك لعبور واقعك المظلم إلى آخر مشرق فإذا بك تجده يسحبك نحو أعماق الجحيم واضعًا إياك في مواجهة أمام اسوأ صفاتك و التي ظننت يومًا بأنك استطعت التغلب عليها.
نورهان العشري.
كانت تناظره بألم ولأول مرة بحياتها تعلم معنى أن يعض الإنسان أصابعه ندمًا. بيدها وضعت ديناميت ناسف في علاقتهما فانفجر بوجهها محدثًا آلامًا عظيمه بين جنبات صدرها. ولكنه كان هو! تقسم أن هذا صوته. نعم لم يكن مُفبركًا أو مزيفًا تعلم لكنات صوته حتى مخارج الحروف تحفظها عن ظهر قلب.
أي حيرة لعينه وقعت هي؟ ماذا يحدث يجب أن يكون هناك تفسيرًا منطقيًا.
فجأة هبت من مكانها متوجهه إلى ذلك الذي كان يقف أمام النافذة ينظر إلى السماء بقلب ينفطر ألمًا يتضرع إلى خالقه أن يخفف عنه وجعًا ينخر عظامه دون رحمة.
كان صامتًا لا يقوى على الحديث لا يعلم كيف سيلتفت و ينظر إليها دون أن يحتجزها بين قضبان ذراعيه؟
كان يهرول يسبقه قلبه ليرتمي بأوجاعه دفعة واحدة بين أحضان عشقها. كان ينوي لأول مرة بحياته خلع ثوب الكبرياء جانبًا و التنعم بكل شئ معها. كان سيكشف لأول مرة عن وجهه الآخر وجهه العاشق. سيعري روحه أمامها و يخبرها ماذا تعني له ولكنه تفاجئ بخذلان قاتل. نال قلبه و آدمي روحه و اهلك كبرياؤه كل ما تبقى منه جسد أجوف يقاتل حتى ولا ينهار.
سالم.
حروف اسمه من بين شفتيها نقشت وجعًا من نوعًا آخر فوق جدران قلبه الذي كان يود لو يلتفت مرتميًا بين أحضانها ولكن على عكس ما يشعر ظل متجمدًا في مكانه لم يلتفت إليها فاقتربت منه بخطٍ مُتباطِئه تقف أمامه وهي تقول بألم
صدقني هي فعلًا سمعتني فويس ليك بتقول الكلام دا.
لسه بتكذبِ.
هكذا قالها بجمود ف صرخت بقهر
اقسم بالله ما بكذب.
التفتت تنظر إلى المنضدة و قامت بجلب كتاب الله و وضعت يدها فوقه وهي تقول بتأكيد.
بحق من انزل هذا الكتاب حصل. سمعتني فويس ليك بتقول انك بتحبها هي و اتجوزتني عشان تنتقم منها.
كانت فعلتها عظيمة ولكن وجعه أعظم فخرج صوته جريحًا حين قال
ماشي. هصدقك. هعتبر أنها فبركت فويس ليا. قلبك مقالكيش أنه مش انا؟
انكمشت ملامحها بألم قبل أن تقول من بين عبرات حزينة
كنت أنت. انا عارفه صوتك. انا كنت هموت لما سمعته. انا مش عارفه ده حصل ازاي؟ انا هتجنن يا سالم هتجنن.
اخرج الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة و تحدث بملامح حيادية لا تعكس شعوره
خلصت يا فرح. اللي حصل حصل.
سقط قلبها بين صدرها رعبًا حين سمعت كلماته و بشفاه مرتعشة تحدثت
لا مخلصتش. انا. انا. غلطت. يعني. معرفش اللي حصل حصل ازاي. بس. هي خدعتني. يمكن انت قولت كده في لحظة غضب منها قولي و أنا هسامحك.
مقولتش...
هكذا صرخ غاضبًا من إصرارها على إلصاق تلك التهمة به ظنا منه بأنها تريد الهرب من ذنبها فأردف بقسوة.
لما اقول محصلش يبقي محصلش.
صرخت بقهر
ايه اللي محصلش يا سالم؟ ايه بالظبط اللي محصلش. الماضي ولا الحاضر؟
تحدث بجفاء فقد بلغ غضبه الذروة
الماضي ميخصكيش. مش من حقك تسألي عنه. اللي يخصك تعرفيه انها فعلًا وقفت قدامي و سألتني اتجوزتك ليه؟ بس إجابتي متستحقيش تسمعيها...
كانت نظراته أشد قسوة من كلماته فهمست متوسلة
سالم.
أنتِ عندك حق. اللي سمعتيه حقيقي. و الفويس اللي معرفش طلعتي بيه منين دا حقيقي. و لو عايزة تطلقي حالًا و تصححِ غلطك انا جاهز...
شهقه قويه خرجت من جوفها إثر كلماته القاسية فقد اوقعها للتو بين شقي الرحي والقي بها في صحراء حارقة تتلظى بنيران تحاوطها من كل حدب و صوب دون أن يرف له جفن من الشفقة و حين أوشكت على الحديث تعالت الصرخات حولهم في كل مكان فاندفع «سالم» الذي ما أن رأى تلك النيران التي تصاعدت فوق سقف الملحق حتى هرول للخارج دون أن يكلف نفسه عناء الإلتفات إليها فهرولت هي الأخرى خلفه فوجدت الجميع في حالة من الهرج و المرج في الخارج فاندفع سالم و بجانبه مروان إلى الملحق فتقابلا بالحرس في الخارج يحاولون إطفاء الحريق الذي لا يعلمون كيف اندلع؟
و بعد مرور ما يقرب الساعه كانوا بالفعل قاموا بإطفاءه بعد أن نال منهم التعب مبلغه توجه الرجال الثلاثه إلى المنزل وما أن خطوا إلى الداخل حتى صاح «مروان» في «سالم»
سالم ايدك اتحرقت ولا ايه؟
تكالب التعب الجسدي مع الانهاك العاطفي الذي كان يعيشه فلم يشعر بوجع ذلك الحرق الذي نال من يده اليسرى فجميع الحرائق لا توازي نيران قلبه المشتعلة و خاصةً حين وقعت عينيه عليها تطالعه بندم وحسرة تجاهلهما و طافت عيناه على الجميع ثم توجه إلى الاعلى بجمود و ملامح تنذر بأن من يقترب منه سينال عقابًا قاسيًا. فتابع الجميع صعوده بصمت و على الرغم من كل خوفها لم تتحمل أن تتركه هكذا و هرولت إلى الاعلى خلفه فوجدته يحاول فك قميصه بيده السليمة فاقتربت منه تحاول مساعدته و ما أن أوشكت يدها على ملامسته جاءها صوته القاطع كالسيف.
اياكِ.
شهقه خافته خرجت من جوفها إثر كلمته الصارمة و تعاظم الخوف و الألم بصدرها حين التفت يناظرها بملامح لم ترها هكذا من قبل و نبرة قاسية تماما ك نظراته حين قال
متفكريش تقربي من مكان انا فيه.
سالم.
قاطع حديثها و لم يهتم ل عبراتها المنسابه كالأنهار على خديها وقال بقسوة
الدريسنج فيها سرير هتنامى فيها. و من هنا ورايح تتجنبيني. مفهوم؟
ارجوك خليني اعالج جرحك...
جذب قميصه من فوق جسده بعنف وقام بإلقائه على الأرض و هو يصرخ بزئير افزعها
مفهوووم...
تراجعت بصراخ خوفًا من بطشه فقد كانت هذه النسخة الاشرس التي تراها منه والتي لم تكن تتوقع وجودها على الإطلاق ف حاوطت نفسها بذراعيها وهي ترتجف قائله ب شفاة مرتجفه
مف. مفهوم.
تجاهلها و توجه بخطٍ ثابته إلى المرحاض تاركّا إياها فريسة لذئاب الندم و الألم و الحسرة فكانت روحها ضحيه لكل ذلك فخطت إلى حيث نفاها و ارتمت على السرير وهي تنتحب بكل ما أوتيت من قوة...
كل حاجه تمت زي ما اتفقنا و اكتر كمان.
هكذا تحدثت «شيرين» بنبرة قاتمه فجاءها صوت «ناجي» إلى قال ساخرًا
يعني العرسان هيقضوا ليلة كحلي النهاردة.
«شيرين» بسعادة
سالم اه. سليم معرفش.
قهقه بشر قبل أن يجيب
و سليم اكتر منه.
ليه انت عملت ايه؟
تجاهل الإجابة قائلًا
متشغليش بالك. المهم دلوقتي سما.
لم تكد تجيبه حتى تفاجأت بباب غرفتها الذي انفتح بوساطة «أمينة» التي قامت بإغلاقه خلفها بعنف و تقدمت بقوة لا تعلم من اين جلبها جسدها الواهن و قامت برفع يدها و هوت بصفعة قاسية فوق خد «شيرين» التي لم تتوقع ما حدث ف تراجعت للخلف إثر تلك الصفعة التي اتبعتها «أمينة» بسم كلماتها حين قالت
لو مفكره انك جايه عشان تهدي البيت دا فلا دا بعيد عن خيالك يا بنت ناجي.
شهقت «شيرين» بقوة فتابعت «امينة» بوعيد
فكراني مش هفهم. فكراني مش هعرف. كنتِ ناويه تعملي ايه في العيل الصغير اللي لسه حتة لحمة حمرا؟ هاه. ردي عليا؟
أنتِ بتقولي ايه؟
هكذا تحدثت بذعر فأجابتها «امينة» بقسوة
بقول إلى سمعتيه. و هتجاوبيني عليه دلوقتي قبل ما اطلع بروحك. كنتِ عايزة تعملي في ايه؟ و لما لقتيني خدته معايا في حضني روحتي ولعتي في الملحق؟
«شيرين» بصدمة.
حرام عليكِ اللي بتقوليه دا ملحق ايه اللي أولع فيه؟ انا كنت في أوضتي زيي زيكم و...
اخرسي يا كذابه. اللي حصل دا أنتِ ليكِ يد فيه. مين وراكِ ابوكي النصاب الحرامي ولا جوزك اللي هتلاقيه متفق معاكِ ع اللعبة دي كلها. و منيمانا و قال ايه جايه هربانه منه؟ انطقي يا بت أنتِ
قالت كلمتها وهي تمسك بخصلات شعرها بينما ارتعبت «شيرين» و ارتجفت من حديثها الذي يحمل الكثير والكثير فأخذت تصرخ بين يديها.
حرام عليكِ يا مرات خالي والله ما عملت حاجه. ولا بكلم بابا ولا اعرف طريقه حتى. و احمد دا انا بكرهه كره العمي اقسم بالله.
كذابه. كذابه وحقيرة. انا عارفه انك السبب في كل اللي بيحصل و عارفه انك عملتي مشكله بين سالم و فرح. عايزة ايه. عايزة تضيعي كمان أربعين سنه من عمره بسببك. دانا ادفنك حية. لو فكرتي اني كبرت و خرفت. يبقى غلطانة انا اللي هقفلك.
كانت تتحدث وهي تجذب خصلات شعرها بعنف فتعالت صرخاتها للحد الذي جعل «همت» تسرع إلى غرفة ابنتها فتفاجئت مما يحدث فقامت بالتدخل على الفور لتخليص «شيرين» من يد «أمينة» التي تركت خصلاتها على مضض اثر حديث «همت» التي صرخت بها
اوعي ايدك من على بنتي. ايه فكرتي أن ملهاش حد يدافع عنها.
«أمينة» بانفعال.
قصدك ملهاش حد يربيها، و أنا بقي الى هتولي المهمة دي.
بنتي متربيه احسن تربيه. بنتي دي ضحية لابنك. عايزة منها ايه كفايه اللي عملوا فيها.
«أمينة» بتقريع
قصدك مشيها البطال هو اللي عمل فيها كدا.
عندك يا امينه. اوعي تفكري تغلطي في بنتي و إن كنتِ فكرتي نفسك كبيرة البيت دا فلا أنتِ غلطانه. دا بيتي و بيت أبويا. و من هنا و رايح هاخد مكاني الصح فيه. و هحارب عشان بناتي و مش هسمح لحد أبدا ييجي عليهم.
تراجعت «أمينة» بصدمة سرعان ما تجاوزتها و قالت بسخرية
والله وطلع لك صوت يا همت. بقي عايزة تاخدي مكانك في بيت ابوكي؟ طب والله حلو وريني بقي هتعملي ايه؟
هعمل كتير. و هتشوفي.
ناظرتها «امينة» باحتقار تجلي في نبرتها حين قالت
حلو. اعملي إلى يلد عليكِ بس اتحملي بقي.
أنهت كلماتها و خرجت من الغرفة بينما التفتت «همت» إلى ابنتها و ناظرتها بغضب تجلي في نبرتها حين قالت.
لينا كلام كتير يا بت بطني و خليكِ فاكرة اني مش هطاوعك ع الغلط حتى لو كنتِ اتظلمتى. يالا عشان تنامي
أنهت كلماتها و خرجت من الغرفة تاركة «شيرين» التي كانت تلعن كل ما يحدث وفجأة وقعت انظارها على الهاتف الذي كان ملقى على أرض الغرفة و مازال الخط مفتوحًا فالتقطته و قالت بانفعال
سمعت اللي حصل فيا.