رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني للكاتبة نورهان العشري الفصل الرابع والعشرون
تلك الطعنات النافذة بأعماق روحي لم تأتي من عدوًا يمقتني بل جاءت من حبيب أدرت له ظهري و قد ظننت بأنه خير من يحفظني فكان أسوء من قتلني فلم يجهز على الروح و حسب! بل أذاقها ويلات الخذلان فكان الألم مزدوجًا من ناحية هلاكِ و من ناحية أخرى غدرك بى.
وهكذا انقطع بيننا درب الغفران ليصبح هوة عميقة تُقصينا للأبد...
نورهان العشري.
ذاهبًا بأقدامه إلى دربًا غامض يجهل نهايته ولكنه يعلم كم الصعوبات و العراقيل التي س يواجهها. يبدو عدوه ظاهرًا ولكنه يشعر بأن هناك آخر خفيًا يُجيد التلاعب بهم وضربهم في أكثر المناطق حساسية ف ناجي لا يمتلك من الذكاء ما قد يجعله يقوم بكل ذلك وحده!
و بعدين يا مروان عملت إيه؟
هكذا تحدث بعدما زفر بغضب وهو يقود سيارته في طريقه إلى مدينة القاهرة فأتاه صوت مروان الحانق على الطرف الآخر.
من حسن حظنا أني قدرت أوصل لناس أصحابي بيشتغلوا في مواقع كبيرة و خلتهم يحذفوا الصور و الخبر كله قبل ما حد يشوفه.
أطلق زفرة حارقة من جوفه المشتعل غضبًا خاصةً حين أتاه استفهام مروان الذي لا يملك إجابته
تفتكر مين عمل كدا؟ و أيه مصلحته؟ معقول هيكون الحقير ناجي وصل بيه الحال أنه يشهر بواحد ميت؟
عينيه التقمت إحدي السيارات التي بدت أنها تسير خلفه منذ مدة ولكنه تجاهل ذلك الهاجس و أجاب مغلولًا.
و يمكن غرضه من التشهير أنه يأذى الحي قبل الميت!
استفهم مروان بإندهاش
تقصد سليم؟
ليه لا؟ و خصوصًا أن سليم علم عليه و بهدله لما اكتشفنا خيانته. أنت عارفه مبيقدرش يتحكم في غضبه.
كان مجرد إحتمال ولكنه لم يكن بعيدًا لذا أردف مروان بحنق
عندك حق. وده يخلينا نعمل زي ما قلت و منعرفش سليم أي حاجه من اللي حصلت دي!
سالم بخشونة
مش سليم بس اللي مش لازم يعرف. البيت كله. مش عايز توتر عالفاضي.
طب وشيرين؟
استفهم بخفوت فأجابه سالم بجفاء
آخرها أنا عارفه. وعامل حسابي. المشكلة أكبر منها.
تحول هاجسه إلى يقينًا وهو يرى تلك السيارة تتبعه فقال بفظاظة
أنا هعتمد عليك في حاجات كتير الفترة الجاية عايزك تصحصح. و خصوصًا مع سما. مش لازم نخسرها. خصوصًا بعد ما اعترفت لك ب اللي حصل!
عودة إلى وقت سابق.
مروان. كنت. كنت عايزة أقولك على حاجه بس. توعدني. يعني. إنك تفكر كويس. قبل أي حاجه.
لوّن الترقب معالمه و تنبهت جميع حواسه وهو يقول
سامعك.
أخفضت رأسها بخزي و انبثقت عبرات الندم من مقلتيها قبل أن تقول بلهجة تقطر حزنًا
انا غلطت غلطة كبيرة أوي و ضميري مأنبني عشانها و مش قادرة أسامح نفسي...
مروان بقلب مرتعب
بت يا سما أوعي تكوني اتجوزتِ عرفي؟
نهرته بغضب
جواز عرفي إيه و زفت إيه دماغك راحت فين؟
مروان بإندفاع
راحت ل حتت بنت ستين كلب لا يكون حد اتغرغر بيكِ؟
سما بصراخ.
الله يخربيتك هتلبسني مصيبة. لا طبعًا
مروان بنفاذ صبر
ما تخلصي تقولي هببتي إيه سيبتي ركبي.
سما بخفوت
من فترة كدا قبل ما شيرين تيجي يوم لما فرح اتخانقت مع ماما و سالم وقف قدامنا كلنا وقالنا أن جنة تبقى مرات حازم.
عينيه كانت توغل إلى داخلها بطريقة أربكتها و لكنها عزمت عن قول الحقيقة و التخلص من حمل يثقل كاهلها فزاغت بعينيها بعيدًا عنه وهي تكمل.
ماما كلمت شيرين تحكيلها و هي منهارة فكنت متضايقه عشانها و شيرين استغلت دا و خلتني أدخل أوضة فرح و قالتلي ابعت مسدج من على الايميل بتاع الشركه للمخازن أنهم يطلعوا الشحنات فأنا خفت بس هي طمنتني وقالت لي أن دا مش هيخسر الشركه عندنا بس هيخلي سالم يعاقب فرح و أننا لازم نعمل كدا عشان قلة أدبها مع ماما.
و بعدين؟
هكذا تحدث بترقب ليحثها على إفراغ ما بجعبتها حين رآها لاذت بالصمت فأكملت بصوت كان نشيجًا.
هي قالتلي وقتها أن دي قرصة ودن لفرح. و أنا كنت متضايقه اصلًا من اللي عملته مع ماما ف وافقتها و عملت اللي هي قالت عليه. بس والله العظيم ندمت أوى و خفت اتكلم احسن أبيه سالم يعاقبي أو يقول حاجه تزعل ماما و بعد كدا نسيت الحوار خالص.
كانت تخفض رأسها كطفلة مذنبة تعلم فداحة جُرمها ولكنها اختارت أصعب الطرق و أحسنها و هو الصدق و ليحدث ما يحدث فلم تعد تتحمل هذا الذنب
و ايه اللي خلاكِ تقرري تقوليلي دلوقتي؟
بشفاه مرتعشة اجابته
لما سمعت عن المشكله اللي حصلت في الشركة افتكرت اللي حصل و ضميري انبني و مكنتش عارفه أروح أقول لمين و فجأة لقيت نفسي عايزة احكيلك.
كان يود احتضانها و طمأنتها لكي يزيل تلك النظرة المنكسرة التي تطل من عينيها و التي تحكي مقدار ألمها كونها وحيدة وسط كل تلك العثرات ولكنه حاول أن يطمئنها على طريقته حين قال.
يا زين ما اختارتي والله. تعرفي أنا كل اصحابي بييجوا يقولولي على مصايبهم ليه بقي؟ عشان محسوبك بير طويل مالوش قرار.
قال كلمته الأخيرة غامزًا بطريقة جعلت الابتسامة تضيئ ملامحها فانتشى قلبه بذلك و تابع يثرثر
و كمان أنا و أعوذ بالله من قولة أنا بتمتع بموهبة نادرة الوجود وهي أنني أجيد الإستماع إلى الآخرين
رفعت أحد حاجبيها استنكارًا لحديثه فأضاف بتأكيد
اه والله مش مصدقاني ولا إيه؟
تشابهت ملامحها الساخرة مع لهجتها حين قالت
لا طبعًا مصدقاك. أنت هتقولي.
قالت جملتها و أولته ظهرها عائدة إلى السيارة فألقى نظرة مستفهمة على ريتال و هو يقول بحيرة
هي مش مصدقاني ولا إيه؟
ريتال بتهكم
لا طبعًا ازاي متصدقكش. وخصوصًا و أنت بقالك ساعه ترغي لما جبتلنا صداع نصفي.
اغتاظ من حديثها فقال باستنكار.
و أنتِ جالك صداع نصفي من ايه ياللي مكملتيش ست سنين! اومال لما توصلي خمستاشر سنه هتعملي إيه هنوديكِ دار مسنين بقي؟
ريتال بعفوية
مش بعيد مستشفى المجانين لو فضلت عايشه معاك يا مُرة!
ما أن سمع ذلك اللقب البغيض الذي كان يناديه به والده بهدف مشاكسته حتى امسكها من تلابيبها و هو يقول محذرًا.
مُرة! دا أنتِ نهارك أزرق مش باينله ملامح. عارفه لو قولتي الإسم دا قدام حد هعمل فيكِ ايه؟ هشويكِ عالفحم. هبلغ عنك الأمم المتحدة و أقول في نووي في لسانها ييجوا يقطعوه قبل ما يوديني في داهيه.
كانت تضع اصبعيها في كلا أذنيها لكي لا تسمع حديثه فقال بإستهجان
خايفه تسمعي إيه يا ختي؟ فاكرة نفسك طفلة يا عرة الأطفال انتِ. انجرى قدامي و إياكِ تقولي الاسم دا قدام أي حد و خصوصًا سما و إلا هقطع خبرك. انجري.
عودة إلى الوقت الحالي
اللي تشوفه يا كبير.
سالم بفظاظة
سلام أنت دلوقتي.
أنهى مكالمته و انشغل للحظات في متابعة تلك السيارة التي كانت تسير خلفه و بداخله هاجس ينذر بالقلق، فشعر بأنه يريد سماع صوتها حتى يسكُن داخله فقام بالإتصال على الفور ملبيًا نداء القلب و ما أن أتاه صوتها حتى اندفع يشاكسها
سهرانه لحد دلوقتي ليه؟ متقوليش إنك بتفكري فيا!
أتاه صوتها المتلهف يضيئ عتمة الليل الحالك من حوله.
لا أطمن مش هقول. انا كنت بقرأ أنت مكنتش في دماغي اصلًا.
قهقه بصخب على لهفة صوتها التي تتناقض مع كلماتها فألهبت جيوش شوقه ليجيبها بتحدٍ
طب عيني في عينك كدا؟
غمرها الخجل وكأنها أمامه فاصطبغت لهجتها بالرقة حين أجابته بشوق
مش عارفه أنام و أنت بعيد عني.
زفرة حارة خرجت من جوفه المشتعل شوقًا والذي تجلى في نبرته حين أجابها
من قبل ما امشي و أنا شايل هم الكام يوم دول.
كانت صامتة تستمع إلى همسه الدافئ الذي يصلها من الهاتف فيذيب عظامها عشقًا و خاصة حين تابع بلهجته الخشنة التي تأسرها دائمًا
دي آخر مرة هروح في مكان من غيرك.
بجد؟
هكذا استفهمت بخفوت فجاءت الإجابة محمله بأطنان من العشق الذي غمرها كليًا
أنتِ خلاص بقيتي جزء مني. مقدرش أفارقه لحظة واحدة.
بحبك أوي يا سالم...
لم تتح له الفرصة لإجابتها فقد فاجأته صدمة قوية تلقتها سيارته من الخلف فقد بدأت السيارة التي كانت تراقبه بالهجوم فسقط الهاتف من يده و هو يحاول الفرار من ذلك المجنون الذي كان وكأنه عازم على قتله بتلك الهجمات التي أخذ يشنها على سيارته وهو يحاول تفاديها بمهارة و في خضم ذلك النزال تفاجئ بشيء قوي أخترق كتفه الأيمن و الذي ما كان سوى رصاصة جاءت لتصيبه فقط! فاهتزت السيارة بين يديه للحظات ولكنه حاول التحامل على ألمه و مواصلة الهرب فصار ينهب الطريق أمامه و بالمقابل تابعت السيارة ملاحقته ف التقمت عينيه تلك الشاحنة المحملة بالصناديق فقام بمحاولة التركيز على هدفه و تجاهل الألم القاتل الذي يكاد يفتك به و أخراج سلاحه من مكانه المخصص بالسيارة ليصوب على هدفه بمهارة ثم قام بالضغط بقوة على دواسة البنزين لتنطلق السيارة بأقصى سرعة و ما هي إلا ثانية واحدة فصلته عن تجاوز السيارة التي انفرطت منها الصناديق كحبات طوق انفرطت عقدته جراء إطلاقه النار على الحبال المحيطة بها ليعيق تقدم تلك السيارة خلفه و التي التقمت عينيه في المرآة انقلابها وهي تحاول تجاوز تلك الصناديق فبعد أن اطمئن أنه في أمان صف سيارته بأحد الشوارع الجانبية يحاول تهدئة أنفاسه التي كانت تخرج من صدره كالجمرات جراء تلك الاصابة التي جعلته يخسر الكثير من الدماء مما أدى إلى تشوش الرؤية أمامه ولكن صوتًا ما عزف على مسامعه فقد كانت فرح لا تزال على الهاتف تصرخ بهلع حتى يجيبها فحاول بصعوبة إلتقاط هاتفه والتغلب على ألمه ليطمئنها ولكنه لم يستطع سوى أن يهمس باسمها بألم قبل أن تبتلعه دوامة سوداء.
فرح.
قلبها يكاد ينخلع من شدة الرعب حين سمعت أصوات الطلقات و تلك الجلبة التي تأتيها من الهاتف فصارت تنشب الأرض ذهابًا و إيابًا وهي تصرخ باسمه ولكن لا رد سوي أصوات صاخبة لا تعلم هويتها و فجأة أتاها همسه المتألم الذي كان كنصل حاد اخترق قلبها الذي صرخ من عمق وجعه
سااااااالم...
زفرت بغضب وهي تتابع عملها الذي كلفتها به تهاني التي وعدتها بأنه آخر عمل ستقوم به في المنزل و من ثم سترسلها لتعمل في المكان الذي تريده فتفاجئت ب«مسعود» الذي كان يحمل بعض المشتريات و يضعها على الطاولة أمامه فلم تعيره إنتباه و تابعت عملها بملل لتجد مسعود الذي تقدم يقف بجوار الطاوله يناظرها بإعجاب تجلى في نبرته حين قال
معيزاش حاچه تاني يا نچمة؟
تجاهلته و قالت بلامبالاه
لاه.
تابع تودده لها قائلاً
متوكده؟
أجابته بلهجه حادة
جولت لاه.
أني حاسس إنك لساتك شايلة مني بسبب اللي حوصول...
قاطعته غاضبة
شايله منك إيه و بتاع إيه. و أني مالي و مالك يا چدع أنت. بعد عني خليني أخلص اللي وراي.
لم يتزحزح و لم يعير نفورها منه أي إهتمام و تابع بسماجه
طب لو فعلًا مش متضايجه مني يبجي تثبتيلي.
للوهلة الأولي بدت وأنها ستستخدم ذلك السكين الملقي بإهمال على الطاوله لنحر عنق ذلك السمج و لكن أتتها فكرة أخرى فلونت ملامحها إبتسامة خبيثة فقالت بلهجة لينة
عايزني اثبتلك؟ و ماله جرب مني يا مسعود. جرب يا غالي.
لم يصدق أذنيه حين سمع حديثها و أقترب منها بلهفه فتابعت بتخابث
بجى أنت عايزين اثبتلك أني مش شايلة منيك. طاب أني هثبتلك.
ارتسمت ابتسامه بلهاء على وجهه سرعان ما انمحت حين شعر بسائل ساخن يسقط فوق رأسه لينتفض جسده مبتعدًا وسط ابتسامتها المتشفية فقد قامت بسكب الماء الساخن فوق رأسه حتى تعيده إلى رشده و سرعان ما لونت ملامحها إبتسامة راضيه وهي تراه يقفز هنا وهناك و يولول كالنساء وهو يغادر المكان و عينيها تشيعه بنظرات تشفي انبعثت من عينيها و عين ذلك الذي كان يراقب الموقف من بدايته و قد شعر بالانتشاء لرؤيه ردة فعلها فتلك المرأة تثيره بكل أفعالها و تزيقه شتى أنواع المشاعر التي لا يعرف كنهها.
أخرجه عن شروده نداء جده الذي كان يريده لأمر هام استغرق قرابة النصف ساعه أنهاها و هو يحترق شوقًا لرؤيتها و التحدث إليها على الرغم أنها بكل مرة يحادثها بها لا يسلم من حدة كلماتها ولكنه يشتهي حتى اللوم منها!
توجه إلى المطبخ بخطٍ تحمل اللهفة ليصطدم بأنها ليست موجودة فتحمحم بخشونة قبل أن يسأل زوجة عمه
إيه يا مرت عمي. واجفه اهنه وحدك ليه أومال؟ فين البنات يساعدوكي.
تهاني بلطف.
مفيش حاچه تتعمل يا ولدي البنات خلصوا كل حاچة أني بعمل كوبايه شاي لچدك.
أحتار كيف يسألها عنها دون أن تلحظ لهفته لرؤيتها فقال بإرتباك طفيف
و ليه مطلبتيش من حد من البنات يعملها. يعني اجصد أن رچلك وچعاكِ. بلاش تجفي كتير.
ماتحرمش منيك يا ولدي. بس الموضوع مش مستاهل. وبعدين چدك ميشربش الشاي غير من يدي.
زفر بحنق و قد قرر أن يسألها مباشرة فقد ضاق ذرعًا من المراوغة.
بجولك إيه يا مرت عمي. أنتِ محتاچه حد ياجي يساعدك اهنه في المطبخ. يعني البنات إلى بيشتغلوا مكفيين ولا محتاچه غيرهم.
تهاني بلهفة
والله يا ولدي من ناحية محتاچة فأني محتاچة فعلًا و خصوصي أن البت نعسة اتچوزت و سابت الشغل و نچمة أصرت ترچع تشتغل تاني في الزريبة. بت غريبة چوي.
توقف الزمن به حين سمع اسمها و قد اندهش من طلبها الرجوع إلى هذا العمل الشاق فلم ينتبه لحديث زوجة عمه الذي قطعه قائلًا.
بعدين يا مرت عمي ورايا معاد مهم دلوق.
أنهى حديثه وخرج مهرولًا بينما شيعته بنظرات مزهوله من تغيره المفاجئ.
كانت قطرات العرق تلمع كذرات لؤلؤ على جبينها الناصع البياض الذي تنسدل فوقه بعض الخصلات الهاربة التي لم تهتم لها فقد كانت منشغله بإنجاز هذا العمل الشاق الذي اختارته طواعيه للابتعاد عن هذا الطاغية الذي كانت عينيه تطوف المكان بأكمله بحثًا عنها و ما أن وقعت أنظاره عليها حتى تعثرت نبضاته بقوة داخل قلبه الذي قاده إليها بلهفة وما أن وصل إليها حتى توقف إثر وخزات الندم التي اجتاحته حين رأى هذا العمل الشاق الذي حكم عليها به ذات يوم.
بتعملي إيه عندك؟
هكذا تحدث متجاهلًا معرفته بالأمر فتسمرت بمكانها لثواني قبل أن تجيبه من دون أن تلتفت إليه
بشوف شغلي.
واصلت عملها دون أن تعيره أي إنتباه مما جعل الغضب يبدأ بالتشعب داخله فخرج صوته حادًا وهو يحادثها
شغلك اهناك في البيت الكبير إيه رچعك أهنه مرة تانية؟
وضعت ما بيدها من أقراص الروث التي تم تجفيفها و التفتت تناظره وهي تقول بقوتها المعهودة.
أني مرتاحه اهنه أكتر. و بعدين أنت جولت جبل سابج أني لو اشتغلت اهنه مش هتتعرضلي واصل. ياريت تنفذ جولك و تبعد عني.
أثارت كلماتها شتى أنواع الشعور بداخله ليجد الكلمات تنبثق من بين شفتيه
كني محاولتش ابعد عنك و ابعدك عن تفكيري!
أقترب خطوتين و تابع بأعين تحاصرها بسهام نظرات صوبت رأسًا إلى قلبها
مجادرش!
اقترب خطوة أخري مضيفًا بيأس قلما يظهر عليه
حاولت و مجدرتش. يبجي مفيش جدامي حل غير أني أواچه اللي بيحصول.
شعرت بالخطر يحاوطها وهي عاجزة عن مواجهته و لأول مرة ستلجئ للهرب هي بدلًا عنه
أنا ورايا شغل كتير و مفضياش للحديت الماسخ ده.
ما أن أوشكت على الالتفات حتى أوقفتها كلماته الآمرة
وجفي عندك، و سيبي اللي في يدك ده من هنا ورايح مفيش شغل اهنه.
ده شغلي اللي بيوكلني عيش أني و أخواتي و مجدرش اسيبه
عاندته فخاطب قلبها بلهجه تحمل إعتذار لم يتجاوز حدود شفتيه
وإني صاحب الشغل و بجولك الشغل ده ميلجش بيكِ.
ولا وجفتك اهنه معاي تليج بيك يا كبير. خلي كل واحد يرجع مطرحه.
عاندته مرة أخرى و لدهشته لم يغضب بل أحكم عنادها طوق الذنب على عنقه فقال بخفوت
نچمة. عايز اتكلم معاكِ
لأول مرة تسمع اسمها من بين شفتيه. و لم تكن تتوقع أن يكون وقعه هكذا على مسماعها فقد شعرت بنبضاتها تدق بقوة و كأنها في سباق فأنذرها ذلك بالخطر لذا تراجعت خطوة للخلف وهي تقول بتوتر
خليني اشوف اللي وراي يا كبير الله لا يسيئك سيبني أخلص شغلي.
تحولت عينيه لتلمع بوميض خطر و هو يتقدم تجاهها و فجأة وجدته يقوم بخلع جلبابه فخرجت شهقة خافتة من بين شفتيها و شعرت بقدميها و كأنها التصقت بالأرض لا تسعفها على الحركه فظلت تتابع تقدمه منها بفاه مفتوح و عينان تغلفهما الصدمة التي تعاظمت حين وجدته يغير وجهته و يقوم بحمل اقراص الروث من خلفها وهو يقول بمزاح
و آدي الشغل اللي عم تتحچچي بيه.
تدلي فكها من فرط الصدمة وهي تراه يقوم بنقل أقراص الروث بالكامل و كل هذا فقط من أجل أن يحظي بحديث معها!
هرول الجميع في رواق المشفى باحثين بأعين فاض بها الدمع عن رقم الغرفة التي يمكث بها و قد كان من بينهم هي التي شعرت بأن قلبها قد انشق إلى نصفين حين سمعت همسه الخافت باسمها فلم تستطع سوى الصراخ بأعلى صوتها الذي جُرِحت أحباله من شدة دَويها. و ابيضت عيناها من كثرة ذرف العبرات ولم يفلح أي شيء في تهدئتها ولو قليلًا الشئ الوحيد الذي يستطيع جعلها ترتاح هو رؤيته أمام عينيها تريد رؤيته سالمًا.
فتح «سليم» باب الغرفة و كان أول من دخل تتبعه هي ثم «طارق» و «مروان» و خلفهم «جنة» بينما «أمينة» لحسن حظهم لم تستيقظ على صراخ «فرح» فقد كان أول من سمعه هو «سليم» الذي قام بإجراء اتصالاته و المتابعة مع المشفى الذي نُقِل إليه شقيقه
سا. سالم.
هكذا خرج صوتها مبحوحًا مُبعثرًا وهي تراه يرقد على السرير عاري الجذع يحيط الضماد خصره و أعلى كتفه الأيمن بينما هو ساكن بطريقة مؤلمه. و كأنه مستسلم أمام ألمه الذي ينهش بصدرها و يجعل تنفسها شاقًا.
تعالت أصوات بكائها لأول مرة أمام الجميع و قد أفسحوا لها الطريق لتتقدم منه بأمر من «سليم» الذي أشار لهم بالصمت لتتاح لها الفرصة التنفيس عن ألمها الهائل و الإطمئنان عليه فحالته تبدو مستقرة كما أخبره الطبيب على الهاتف ولكن قلبها العاشق لن يرتاح إلا على ضفة ذراعيه الآمنة.
خرج كلًا من «مروان» و «طارق» و «سليم» للتحدث إلى الطبيب بينما اقتربت «جنة» من مقعد شقيقتها الذي اجلسها عليه «مروان» دون حديث وقامت بوضع قبلة عميقه على رأسها و أخرى على كفها الأيسر وأرسلت إليها نظرة مطمئنه هدأت من وطأة الأمر قليلًا قبل أن تخرج خلفهم لتفسح لها المجال معه قليلًا فالتفتت عينيها تحويه بضمة قويه جاءت من قلب يرعبه الفراق و يقتله الألم الذي انبعث من مقلتيها على هيئة أنهار من العبرات التي أغرقت مقدمة صدرها فلم تهتم بل اقتربت منه واضعه رأسها على كتفه السليم و باليد اليسري أمسكت كفه بحنان سكبته يدها اليمنى التي أخذت تتوغل بين خصلاته المبعثرة و قامت بإغلاق عينيها للحظات تستشعر فيها قربه و تملئ رئتيها من رائحته التي حاوطت قلبها بنسائم عليلة فاضفت الهدوء و السكينه عليه وظلت على هذه الحال لدقائق لا تعلم عددها لتشعر بنبضاتها تتعثر بقوة داخلها حين شعرت بشفتيه تنثر عشقه فوق خصلاتها. فرفعت رأسها بلهفه تناظره بفرحه أكبر من أن تستطيع وصفها فاصطدمت ببندقيتيه اللتان تجلى بهما التعب فتألمت لحالهما و خرجت الحروف من بين شفتيها يخالطها مزيج من الحب و الحزن و الشوق.
حبيبي.
إن كان سابقًا يتألم فالآن شفيت جميع جراحه بفعل ذلك البلسم الذي يقطر من بين شفتيها التي كانت لمساتهم كصاعقًا أصاب جسده فعاد إلى وعيه على أروع ما شاهده طوال حياته. رأسها الملقي بين أحضانه و كأنه يخبره
أُحِبُك. يديها التي تداعب خصلات شعره و كأنها تطمأنه لا تخف أنا معك. و الأخرى التي تتشبك أصابعها بأصابعه و كأنها تؤكد له انا لن اتركك أبدًا.
فكيف لا تشفي جراحه في حضرة وجودها؟
تعرفي أن كلمة حبيبي دي خطر عليا أكتر من الرصاصة اللي خدتها.
أراد ازاله تلك النظرة الحزينه من عينيها التي اشتاقهم كثيرًا و قد نجح في ذلك فقد رسمت كلماته بسمة رائعه على شفتيها التي غافلتها و اقتربت واضعه قبلة رقيقة فوق جبهته قبل أن ترفع رأسها لتناظره بأعين مشتاقه
حمد لله على سلامتك. ياريت الرصاصة كانت جت فيا و لا جت فيك أنت.
انتفض بلهفه غير مسبوقة له
بعد الشر عنك.
تأوة خافت خرج من بين شفتيه جراء انتفاضته فقالت بلهفه
أرتاح متتحركش هناديلك الدكتور.
منعتها يده التي امسكت بمعصمها بغضب تناثر من بين حروفه حين قال
مابحبش الكلام دا و متقوليهوش تاني.
حاضر. حقك عليا.
حاولت مراضاته فتجاهل حديثها فقد تألم لدعائها و أدار وجهه للجهة الأخرى يحاول إعادة تنظيم أنفاسه فامتدت أصابعها الحانيه تحت ذقنه لتدير رأسه إليها هامسه بأعين فاض بها العشق.
متقساش عليا. يعني هو ذنبي أني مقدرش أعيش من غيرك يعني؟ ذنبي أني مقدرتش اتحمل اشوفك تعبان أو بتتألم.
امتدت يديه تحتضن جانب وجهها بحنان سكبته حروف كلماته حين قال
طب يعني ذنبي أنا إني مش قادر أقوم أخدك في حضني دلوقتي؟
فاجئته حين اقتربت تحاوط خصره بيدها واضعه رأسها فوق كتفه السليم ملبيه رغبته في عناقها وهي تقول بنبرة مبحوحة
أنا قلبي أضرب ألف رصاصه من وقت ما سمعتك بتهمس باسمي لحد ما جيت هنا وشوفتك.
التفت يده السليمه حول كتفها وهو يضق قبلة شغوفة فوق مقدمة رأسها لا يدرى ماذا يقول؟ بالعادة لم يكن شخص يستطع التعبير عما يجول بصدره بالكلمات و خاصةً إن كانت ستعري ضعفه الذي شعر به تلك اللحظة فقد تمنى فقط رؤيتها قبل أن يموت. أغلق عينيه وهو يهمس باسمها بضعف يريد نسيانه ولا يريدها أن تتذكره لذه همس بخشونة
خلاص يا فرح انتهى. انسي.
لن يعطها الفرصة لإجابته فقد خرجت كلماته المازحه لتشتت انتباهها.
و بعدين ما أنتِ مثبتاتي قد الدنيا أهو. أومال مخبى المواهب دي فين؟
رفعت رأسها بخجل تجلى في كلماتها حين قالت
مواهب إيه؟ و تثبيت إيه؟ انت بتكافأني أني كنت هموت من الخوف عليك و جيتلك جرى عشان تتريق عليا!
قالت جملتها الأخيرة بحزن زائف التقمته عينيه فراق له ذلك كثيرا فشاكسها قائلًا
فكريني أول ما أخرج من هنا اديكِ احلى مكافأة على طريقة سالم الوزان.
اتبع حديثه بغمزة جعلت الخجل يتشعب بداخلها فاندفعت الدماء إلى أوردتها فروت خديها لينبت بهما محصول التفاح الشهي الذي اختطف لبه فامتدت يديه تلامسه بشوق تجلى في نبرته حين قال
تعرفي أنك لو مكنتيش جيتي كنت أول ما أفوق. هطلب أشوفك أول واحدة.
مكنتش هقدر اسيبك أبدًا يا سالم. أنا جيتلك أنا و قلبي جري.
غازلتها عينيه قبل شفتيه
سيبك أنت بس انت طلعت قمر و أنت مطيع و بتسمع الكلام.
رمقته بخجل و قالت بحماس.
لا ماهو أنا أخدت قرار مهم و نويت تنفيذه
تمتم ساخرًا
استر يارب. خير
تجاهلت سخريته و قالت بجدية
مش هعاندك و لا هقولك لا على حاجة تاني أبدًا
تعجبه بكل حالاتها ولكن تثيره بعنادها و تحديها الشهي لذا استفهم بجديه
أنا قولتلك أعملي كدا؟
إجابته بإختصار
لا.
يبقي متعمليش حاجة من دماغك.
طب عايزني أعمل إيه؟
استفهمت بتيه فأجابها بغزل اخجلها
أنتِ تعملي و تقولي اللي أنتِ عايزاه
هبت بحيرة.
و بعدين بقي حيرتني معاك أعمل ولا معملش؟
أضاءت وجهه إبتسامة عاشقة و أجابها و يديه تقربانها إليه أكثر
سيبيلي نفسك خالص وأنا اللي هعمل.
لم تكد تفهم ما يرمي إليه حتى اختطفها معه إلى عالم آخر كان ملئ بالسحر و الشغف الذي جعل قلبها يتضخم وهي تستشعر عشقه الذي أخذ يغدقه عليها بسخاء دون أن يستجيب لكتفه الذي يئن بألم فقد أراد أن يرمم ذلك الجرح بداخله والذي لن يداويه سوى شهدها الرائع الذي غيبه عن الواقع و أنساه أمر إصابته ولم يخرجهما من لجة المشاعر التي جرفتهما في تيارها سوى طرقات على باب الغرفة أجبرته على إفلاتها بأنفاس مقطوعه و ألم قاتل فأسند رأسه على الوسادة و هو يئن من فرط الوجع الذي بالرغم منه لم تفلتها يداه و ظلت تعانق كفها بحنان.
يارب يا ساتر. إيه يا كبير أجى ولا أرجع؟
هكذا تحدث «مروان» الذي أطل برأسه من باب الغرفة فأجابه «سالم» بفظاظة
لا أرجع.
تجاهل «مروان» حديثه وهو يتوجه إلى الداخل قائلًا بسلاسة
حيث كدا الواحد يدخل بقى.
أنهى جملته و بدأ كأنه تذكر شيء فتراجع إلى الباب وقام بفتحه و هو يصيح قائلًا.
سليم. يا سليم. هات طارق و جنة و تعالوا. اه قالي ادخلوا و لو في حد عندك عايز ييجي هاته بردو مفيش مشكله.
صاح «سالم» بغضب
أنت أهبل ياله هو فرح!
ثم التفت إلى «فرح» قائلًا بحنق
إيه خلاكوا تجيبوا الواد دا معاكوا و أنتوا جايين؟ أنا ناقص!
حاولت تهدئته قائلة
اهدي يا سالم هو ميقصدش. دا كان هيتجنن عليك.
هيتجنن أكتر من كدا إيه!
كانت تحاول مساعدته في الإعتدال فجاء صوت «مروان» من خلفها
والله ما أنتِ تاعبه نفسك. دا كلام بردو؟ أنا اللي هسند الغالي. دا حبيبي دا. دا إحنا كنا من غيره ضايعين بالظبط زي الكبارية من غير جارد.
ايه كباريه؟ هو قال كباريه؟
كان يتحدث وهو يتقدم منه بينما كانت «فرح» ترسل الغمزات و التحذيرات الصامتة له بالا يزيد الطين بلة فلم يفهم شيء فأشارت له على عنقها فابتلع ريقه بصعوبة وهو يقول مصححًا
لا يا راجل كباريه إيه أقصد زي الميه من غير أرض؟
«سالم» بفظاظة
أرض إيه يا و مية إيه يا ابني أنت؟
اجابه «مروان» مصححًا بتلعثم
لا اقصد زي الكمبيوتر من غير هارد.
خبطت «فرح» يديها على مقدمة رأسها من غباءه فصاح بها بنفاذ صبر
أومال إيه يخربيتك زهقتيني.
تصدق أنا غلطانه خليه ينفخك.
ينفخ مين يا بنتي دانا حبيبه.
انهي جملته ملتفتًا إلى «سالم» وهو يقول بتخابث
الااه. أومال ايه يا كبير الحلاوة دي. ضرب نار إيه بقي و حادثة إيه؟ دانت وشك مورد و زي القمر. دانا عيني عليك باردة!
صدح صوت خلفهم بمزاح
باس. أنا عرفت اللي حصلك ده حصلك إزاي و عين مين دي؟
التفت جميعهم إلى «طارق» الذي كان يرسل نظرات متشفيه إلى «مروان» قابلها الأخير بحنق فتجاهلهما «سليم» و قام بالتوجه إلى شقيقه يعانقه محاولًا ألا يضغط على جرحه و قد تجلى قلقه في لهجته حين قال
حمد لله عالسلامه. عامل إيه دلوقتي؟
ربت «سالم» على كتفه وهو يقول بخشونة
الله يسلمك يا سليم. أحسن الحمد لله.
و فعل «طارق» بالمثل فقام بمعانقة «سالم» وعن يقول
سلامتك يا باشا.
الله يسلمك يا طارق. شكرا.
ألف سلامه عليك
هكذا تحدثت جنة بخفوت دون أن تقترب أومأ لها بإبتسامة هادئة فهب «مروان» يمازحه قائلًا
طب والله وشه ولا وش البدر. اللي يشوفه يقول طالع من جلسه ساونا. بقي دا منظر واحد مضروب بالنار يا جدعان؟
نهره «سليم» بحنق
ما تبس بقى يا ابني. محدش جايبة ورا غير نبرك دا.
تحدث «سالم» بوعيد
تصدق عندك حق. الواد دا آخر مرة قالي الكلمتين دول امبارح الصبح وبعدها حصل اللي حصل.
تراجع «مروان» للخلف وهو يقول بخوف
إيه يا كبير أنت هتسبهم يسخنوك عليا ولا إيه؟ دانا مروان حبيبك. كاتم أسرارك.
و هكذا أخذ الجميع يتبادل الأحاديث التي كانت تارة جادة و تارة مرحة إلى أن جاء صوت رسالة نصية إلى «سالم» الذي أشار لفرح بأن تأتي بهاتفه الموضوع على الطاولة و قام بفتحها فكان محتواها
سالم أنا طلقت شيرين بس هي لسه متعرفش. و فلوسك هديهالك أول ما أقف على رجلي تاني أنا مكنتش ناوي أخلف اتفاقي معاك بس الظروف أجبرتني أني أعمل كدا. متدورش عليا أنا سافرت.
لاح شبح إبتسامة ساخرة على ملامح «سالم» و لم يعلق بل اكتفى بغلق الهاتف والانخراط معهم في الحديث...
بعد مرور يومين صرح الأطباء «لسالم» بالمغادرة نظرًا لإصراره على ذلك فقد تأخر كثيرًا علة ما ينتظره في الخارج و قد كانت «فرح» غير راضية عن ما يحدث و خاصةً عندما صمم بأن يبقى بالقاهرة ليباشر ما جاء لأجله فقد مر اليومين الماضيين بصعوبة على الجميع فقد كان لزامًا عليهم الرجوع كل يوم إلى المنزل حتى لا يشك أحد بما حدث فقد كانوا يحرصون على ألا تعرف «أمينة» ما حدث خوفًا عليها.
لسه بردو يا سالم مصمم تفضل هنا؟
هكذا تحدث «سليم» فأجابه «سالم» مؤكدّا
مينفعش أرجع من غير ما أحل موضوع عدى يا سليم.
طب و ضرب النار اللي حصل. ليه مقولتش أنك شاكك في الكلب ناجي؟
كانت الأفكار تطن بعقله كالذباب ولكنه اختصر حديثه قائلًا
ناجي غلط لما جه عندنا و هو حس بكدا. و عرف أن أنا كاشفه
إزاي؟
«سالم» بخشونة.
لسه معرفتش إيه اللي وراه بالظبط. بس اللي خلاه يتجرأ و ييجي لحد بيتنا برجليه بعد خمستاشر سنة يبقي مسنود على حاجه تقيلة أوي. وأنا لازم أعرفها.
«سليم» بعدم فهم
و دا إيه علاقته بضرب النار؟ تفتكر مش هو اللي عملها؟
«سالم» مؤكدًا
هو أو حد تبعه. دي محاولة عشان يشتتنا و يلهينا و بس الأكيد أنه بيخطط لحاجه كبيرة. و عشان كدا مش لازم عنينا تغفل ثانية.
أطلق «سليم» بعض السباب من فمه وهو يتوعد لذلك الرجل فربت «سالم» على كتفه بقوة وهو يقول مشددًا على كلماته
البيت باللي فيه في أمانتك. أنا مش عارف القذر دا ناوي على إيه؟ محدش يدخل أو يخرج لوحده.
«سليم» بطمأنة
متشغلش بالك. خلي بالك من نفسك و خليك في اللي أنت فيه.
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بلهجة جامدة
فرح. بلاش حد يضايقها أو يحاول يضغط عليها لحد ما أرجع.
تفهم «سليم» حديث أخاه و ما يحمله لذا أومأ دون حديث وانصرف بينما دق جرس الهاتف معلنًا عن اتصال فقام «سالم» بالإجابة ليصدح صوت «صفوت» قائلًا حديثه دفعه واحدة
سالم اللي ضرب عليك نار ناس من الهلالية.
انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال
عرفت منين؟
العيال اللي ضربوا عليك نار العربية انقلبت بيهم و ماتوا كلهم ما عدا السواق كان في العناية المركزة و لما فاق أعترف.
«سالم» بإستفهام
وليه يعملوا كدا؟
«صفوت» بحنق
عشان متخيلين أن بما أنكوا رجعتوا تعيشوا في البلد تاني يبقي حد هيترشح للإنتخابات و طبعا الحد دا أكيد أنت. فبيعملوا قرصة ودن. عشان متنزلش قدامهم.
أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يقول بفظاظة
و المطلوب؟
«صفوت» بحدة
تترشح في الإنتخابات يا سالم و دا أمر مفيش مفر منه.
بمكان آخر في أقصى الصحراء ترجل أحدهم من أحدى السيارات الباهظة متوجهًا إلى خيمة كبيرة و قام بالتصفيق على يديه ثلاث مرات و ما هي إلا ثوان حتى خرج رجل يرتدي زي البدو متوجهًا إلى أولئك الزوار و ما أن علم بهويتهم حتى تسمر بمكانه من فرط المفاجئة و خاصةً حين خرجت ضحكة ساخرة من فم أحدهم الذي تحدث باللغة الإنجليزية
أريد أمانتي التي تركتها معك منذ اثني و عشرون عامًا...