قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الختامي

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الختامي

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الختامي

مر شهر على وفاة خديجة و إسماعيل، والأوضاع كالتالي..
لـ شهد..
كانت صفعة قوية مؤلمة بالنسبة لها، لقد فقدت والديها معاً!، أصبحت بلا والدين في لحظة! لا تصدق ذلك ولا تريد تصديقه، ما زادها ألماً أنها احزنتهما الفترة الاخيرة بسبب تذمرها وإتهامهما انهما سبب مغادرة خالها يونس، حتى انها نعتتهم بالظالمين لأجل أروى!

تشعر بالندم، تلعن نفسها لأنها اضاعت لحظات سعيدة واستبدلتها بـ هيجانها عليهما بسبب يونس الذي تخلى عنهم وانتهى، إذ لم تفعل ذلك ما كانت نادمة الان، كانت ستشتاق لهما ولذكرياتها معهم، ربما اشتياقها لعناقهما الدافئ لن يكون مؤلم لهذه الدرجة التي تشعر بها الان، ألم يقتلها ببطء ولا تتحمله.

كان يونس خلال هذا الشهر معها، يحاول مواساتها ومُساندتها بجانب أخت إبراهيم التي لم تتركها بمفردها، كذلك ساعدها في إنهاء بعض الإجراءات المطلوبة.
بينما الحال لدى يونس..
هل كان حزين؟ بالطبع، مهما حدث هي أُخته، رغم بغضه لتصرفاتها إلا انها كانت جزء من قلبه في يوم من الأيام، تمنى فقط أن ما حدث من بغض منها لم يقع، فربما حزن بصدق الان!

ظل مع شهد ولم يُفارقها، من ناحية اخرى، لم يذهب لـ زيارة أروى ولم يجعل نادر يخبرها بأنه عاد لأرض الوطن، لكن الاخير أعلمه أن حالتها ظهر عليها تحسن ملحوظ وأقبلت على العلاج بصدر رحب وحماس! وقد زادت رغبتها بعد مُكالمة يونس لها، مكالمة الفيديو الذي أجراها معها بعد اسبوع من وصول خبر وفاة أُخته.

اثناء المكالمة، لم يتطرق للحديث عن اخته التي وافتها المنية، وهي أيضاً، فقط اخبرها انه سيعود بعد شهر، واعتذر لإنشغاله وعدم اتصاله بها، ولم تتذمر!
بينما أروى...
كانت سعيدة وكأنها بدأت حياة جديدة!، ترى إشراق الشمس في حياتها بوضوح، فقد غادرها من دفعاها للقاع المُهلِك، كان هذا اول دافع لها للعودة للحياة، لإلتقاط انفاسها التي كادت ان تنقطع برغبةً منها.

بعدها وثقت في نادر وأقواله التي تخص يونس لرغبتها في الحياة، لرغبتها في الإنطلاق من جديد، فقد فتح العالم ذراعيه لها من جديد، فلا تريد إضاعة فرصة ذهبية كهذه.
فأتى دافعها الأقوى من جهة يونس التي حدثته وجهاً لوجه خلال هاتف نادر وبعد غياب طويل، كم كان لمكالمته اثر إيجابي ملحوظ.

سألها نادر في إحدى الجلسات التالية، هل تشعر بالحزن لموت إسماعيل و خديجة! ولو قليلاً!؛ نظرت له حينها بشرود تفكر، هل شعرت بالحزن لموتهما!، تبحث عن ذلك الشعور ولم تجده! كيف هذا!
- مش عارفة، بس اعتقد لا، مش زعلانة..
علق نادر بغرض ما..
- بس انتِ كنتِ بتحبيهم
استقر بصرها عيله واجابته بثبات وإدراك.

- كنت بجري ورا شخصيتهم القديمة اللي حبيتها، كنت متمسكة بيهم لأني كنت متعلقة بشخصياتهم القديمة بس دلوقتي اكتشفت اني مبحبهمش!
- وأدركتِ دة بعدما لقيتيهُم هيتخلوا عنك في خيالِك!
اماءت برأسها مؤكدة كلامه واضافت
- حقيقتهم اللي عارفاها كويس غلبت خيالي، رغم اني كنت عايزاهم يبقوا كويسين معايا، بس ادركت دلوقتي اني كنت بتأمل في حاجة مستحيلة
ابعدت حدقتيها عنه لتذهب لنقطة بعيدة، تنهدت مُتحدثة.

- رغبتي في ان يبقى عندي أهل لسة موجودة، بس مبقتش مُتمثلة فيهم
وصلت الابتسامة لثغرها لتزينه بسلاسة، هدرت بنبرة مُرتخية
- مش عارفة لية اتجه تفكيري لكدة دلوقتي، بعد ما ماتو، بس انا حاسة بـ راحة غريبة!
ابتسم نادر وسرد عليها قصة.

- في مريض نفسي أتحول لقاتل بسبب أُمه ومعاملتها الوحشة له، بقى يقتل ويرتاح ويشعر بالرضا لتصرفه، حتى وانه قتل جدته وجده، وكل السلطات كانت بتدور عليه بس معرفوش يمسكوه، بس هو كان ذكي مكنش غير يسلم نفسه، لسة محسش بالراحة المنشودة اللي عايزها، وعارف انه هيوصل لها لما يقتل أُمه واللي هي السبب في حالته، وفعلاً قتلها وسلم نفسه، بعد ما قتلها خلاص مبقاش عايز يقتل حد، حس بالراحة وانه يقدر يكمل حياته بسلام ولو حتى في السجن.

فهمت الان سبب شعورها بالراحة، اتسعت ابتسامتها اكثر وقالت بتحالم..
- انا عايزة اعيش حياة سعيدة أنظمها بنفسي، اني أكوّن عيلة ويبقى عندي بنت اربيها وأحبها واديها كل اللي محستش بِه، هكون وصلت وقتها لرضا تام عن حياتي، عشان كدة عايزة أتعالج
- قولتلك ان في تقدم كبير في حالتك، والتحكم بإنفعالاتك هتبقى مهمتك لما تخرجي من هنا
اتسعت ابتسامتها وهي تؤكد له حرصها على فعل ذلك.

مر شهر اخر..
تمالكت شهد نفسها قليلاً، تقبلت حقيقة رحيل والديها، فيجب ان تقف مستقيمة حتى تستطيع مواجهة الحياة بمفردها، فخلفها مسؤوليات، أولها الشركة الذي تركها والدها لها، والذي انسحب منها يونس اثناء خلافتهما.
بالطبع لن تأخذ مكان والدها، مازالت في الواحد والعشرين من عمرها فكيف ستترأس شركة!، لذا اتفقت مع عمتها انها هي التي ستترأس الشركة.

تشكر خالها يونس لوقوفه بجانبها لكنها تشعر بأنها ثقيلة عليه، يكفي عليه الشهرين الذي قضاه معها لمساندتها.
توقفت شهد أمام يونس أسفل العقار، فقد طلبت منه الحديث، لكنها لا تريد من عمتها ان تسمع حديثهما، اقترح ان يأخذها لمكان يجلسا فيه لكنها رفضت، ستشاركه ما تريد قوله سريعاً ثم تغادر.
- شكراً يا خالو على الوقت القضيته معايا ومحاولة مساعدتك المعنوية ليا
عاتبها..
- شهد، متقوليش كدة دة...
قاطعته بثبات.

- واجبك خلص من ناحيتي، وعايزاك تمشي، تشوف حياتك زي ما كنت ناوي
كاد ان يتحدث لكنها منعته، فهي تعرف جيداً ما سيقوله، لذا ردت
- مش هتعرف تظبط الدنيا، عمر ما أروى توافق انك تبقى جنبي، دة انت حتى مش معرفها انك هنا!
انهت جملتها بسخرية حزينة، ثم اضافت ببساطة..
- وعندك حق انك متقولهاش لانك خايف عليها وعلى حالتها فمش هعتب عليك، ومش هعتب عليها لتصرفاتها معايا، عارفة ان كل دة حصل بسبب اهلي.

اخفضت رأسها وهي تتنهد بثقل، هدرت
- بفكر من الناحية دي وبعذرها، أهلي سبب حالتها، حتى انا كرهتها فيا بس من غير قصد، كنت صغيرة، انا لو مكانها كنت برضه كرهت اهلي بس انا مش هي، مقدرش اكرههم لتعاملهم معاها، كنت ضدهم اة بس مكنتش اقدر اعارضهم زيك لانهم كل اللي ليا، فـ ربنا عوض اروى بيك، وانا مش هبقى انانية، عايزاها تعيش بسعادة، عايزاها تحس بيها لان دة حقها وأهلي حرموها من الحق منهم.

لمعت عينيها بالدموع وهي ترفع رأسها لتنظر لـ يونس، وتُضيف آخراً
- كان نفسي علاقتي مع اروى تبقى احسن من كدة بس معتقدش ان دة هيحصل
كان يستمع لها بتعجب، لقد كبرت وأصبح لديها القدرة لفهم الاخرين، لم تعد الطفلة الأنانية الذي كان يُدللها، ابتسم مع جملتها الاخيرة بإستياء، فهو أيضاً تمنى ذلك.
- امتى كبرتي كدة!
قالها بتساؤل وهو يداعب انفها، فإبتسمت بحزن واخبرته.

- ايوة كبرت، فمتخفش عليا، هقدر أكمل حياتي، وانا مش لوحدي، معايا عمتو؛ ومتقلقش مش هكرهك يا خالو، هتفضل خالي الوحيد اللي بحبه
اقترب منها ووضع كفه على كتفها، مازحها
- شكلك زهقتي مني وعايزاني امشي!، يا خسارة تربيتي فيكِ
انحنى قليلاً ليوضح لها الأمور بجدية
- انا لما همشي همشي عشان الشغل اللي بدأته، بس دة مش معناه اني هسيبيك، او اني هتخلى عنك، مش معنى سفري اننا نقطع علاقتنا بالعكس
اعتدل قائلاً بتفاؤل.

- وبالنسبة لـ اروى ممكن في يوم من الايام تقدر تتخطى مشكلتها معاكِ وتقربوا من بعض زي ما بنتمنى، متأكد ان دة هيحصل
همست دون الشعور بوجود احتمال كهذا
- ممكن!

مع بداية الشهر الثالث..
- ازاي مش هتيجي!، انت وعدتني اني لما اخرج تبقى هنا معايا، نسيت!
قالتها أروى بحزن وعتاب عبر الهاتف، رداً على اعتذار يونس عن مجيئه بحجة العمل، مرة اخرى!، انخفض كتفيها بإستياء وهي تستمع لإعتذاراته، انها لا تريدها، تريده ان يأتي، لا ان يعتذر عن مجيئه.

ابعدت الهاتف عن أُذنها بعنف واتت ان تلقيه لكنها تمالكت اعصابها بمهارة، نظرت لـ نادر الذي ابتسم برضا، أعطته الهاتف، ثم هدرت مُحدثة نفسها أم نادر! لا يهم.
- ازاي هيسبني بكرة لوحدي!، بيقول لي انه ظبط الدنيا ليا، اول ما اخرج هلاقي كل حاجة متظبطة من الفندق إلخ، لغاية ما نسافر، مش مستوعبة كلامه بجد.

انتهت لاهثة من انفعالها، لا تصدق تصرفه، كيف لم يفكر بها بإهتمام أكثر!؛ تأففت بقوة وهي تضرب بقدميها الفراش قبل ان تلقي بجسدها وتضع الغطاء لرأسها كطفلة مُتذمرة غير راضية.
حين سمعت صوت إغلاق الباب ابعدت الغطاء عن وجهها، حدقت في السقف ودموعها تسيل على وجنتيها بحزن، لم ترد شيء إلا وجوده بجانبها في لحظة مهمة كهذه.

خطر في بالها سؤال أرادت الهرب منه لكنها لم تستطع، ارتجف قليها حين تردد بداخلها، هل سيتخلى عنها تدريجياً!
هزت رأسها بعنف طاردة هذه الأفكار السيئة، لا تريد ان تصبح سيئة الظن به، لا تريد العيش على السلبية.

مساء اليوم التالي
نظرت أروى لصورتها المُنعكسة على المرآة بسعادة ناقصة، سعيدة لخروجها ولتغلبها على مرضها، لكن سعادتها لم تكتمل بسببه، كانت تتمنى وجوده معها.
استدارت وهي تسمح للطارق بالدخول، كان نادر
- جهزتي!
سألها مع ابتسامة صغيرة طالما كانت موجودة، هزت رأسها دون حماس، تحركت من مكانها لتحمل حقيبتها، استقامت وتقدمت لتقف مُقابلة له، نظرت له بود قائلة بإمتنان صادق
- شكراً جداً.

رغم انها كلمة صغيرة إلا ان معناها وصل له بمشاعر قوية، اخفض رأسه وتحدث..
- كنتِ سألتيني في أول جلسة إذ هعرف أعالجك، بس في الحقيقة أنا بساعدك انك تلاقي نفسك، تعرفي طريق علاجك، بعدها أنتِ اللي بتعالجي نفسك، فأنا اللي بشكرك لأنك اتغلبتي على نفسك
ابتسمت بتأثر وقد لمعت عينيها بالدموع، رفعت إبهامها مُحذرة اياه بمزاح
- متفتكرش ان كدة علاقتنا انتهت يا دكتور
ارتفعا حاجبيه بذهول
- مكنتش أتوقع تقول لي كدة!
- لية؟

- كنت شايف لهفتك تخرجي من هنا وتنسي الفترة دي
مثلت عبوس وجهها قائلة بضيق مزيف
- يعني مش عايز نبقى صحاب!
ابتسم ورد بسلاسة..
- دة شرف ليا
ابتسمت بدورها ومدت كفها لتصافحه، قال بلطف
- أية رأيك أوصلك؟
لم ترفض، لكنها سألته بشك
- يونس اللي قالك توصلني عشان حاسس بالذنب انه سايبني لوحدي!، صح؟
تعالى رنين هاتفه، اخرج هاتفه ناظراً لشاشة هاتفه بجانب قوله لها
- استنيني تحت وانا هلحقك
ثم تركها، ففعلت كما أخبرها.

بعد عشر دقائق انطلقا معًا؛ لاحظ شرودها وحزنها أيضًا لكنه لم يُعلق.
بعد فترة وجيزة، أوقف سيارته وأخبرها
- وصلنا
استيقظت من شرودها، رفعت رأسها ناظرة له ثم أماءت برأسها قبل ان تستدير لتترجل، لكن يدها توقفت على المقبض أثر ذهولها وتعلق حدقتيها بمدخل العقار الذي أًمامها، أنه مُزين بالورد والبلالين و يونس يتوسط كل هذا الجمال!

اهتزت حدقتيها بعدم تصديق وترجلت بصدمة، إتجهت إليه ثم توقفت في المنتصف وهي تتنفس بسرعة من شدة المشاعر التي عصفت بها، وضعت يدها على قلبها الذي يقرع كالطبول، فرقت شفتيها مُتحدثة بحروف مُرتجفة..
- انت هنا!
تحرك من مكانه وتقدم منها والأبتسامة لم تُفارق شفتيه، توقف مُقابلاً لها، ألتقط كفيها بين كفيه لتشهق هي لحقيقة وجوده هنا، اعتقدت للحظة انها تتخيل!، همس بحنو
- أيوة، أنا هنا.

امتلأت عينيها بالدموع سريعاً لتنهمر بعدها بشدة، تبكي من فرط سعادتها!، بِم يخذلها، انه هنا، لقد أراد مُفاجئتها فقط.
عبس حين رأّها تبكي هكذا، لقد أراد صنع ذكرى جميلة لا تنساها في مثل هذه اللحظة، فلماذا تبكي الان؟، هل اخطأ لفعل المُفاجئة بهذه الطريقة!
مال عليها محتويها بنظراته القلقة
- بتعيطي لية؟ عملت حاجة غلط!، أنا معملتش كدة عشان تعيطي
سحبت إحدى كفيها لتضربه بخفة على صدره مُعاتبة اياه ببكاء.

- لية قولت انك مش جاي! خليتني أفكر أنك هتتخلى عني مع الوقت
تغيرت نظراته للعتاب لتفكيرها الظالم به، ضغط على كفها الذي مازال كفه يحضنه
- قولتلك عمري ما هتخلى عنِك..
هدر بنبرة عميقة دافئة كالعادة
- كنت عايز بس أفاجئِك، يعني أزاي هسيبك في يوم مهم زي دة لوحدِك!، مستحيل أعمل كدة
ثم هز رأسه مُعتذراً
- بس أنا أسف
تأملها وعاد ليبتسم من جديد، يُريد ان يرى إبتسامتها التي لم تُريها له للآن!

ابتعد خطوة وقبّل يدها، لحق فعلته بجثوّه على الأرض على إحدى رُكبتيه مُخرجًا خاتم من جيبه مُقدمه لها، عرض عليها بحماس..
- تتجوزيني يا أروى؟
إتسعت مقلتيها وأنقطعت أنفاسها أثر صدمتها، لم تستوعب وجوده تمامًا حتى تستقبل مُفاجئته الأُخرى والأكثر جمالاً، لم تكن لتتخيل عرضه هذا الآن!
- عايز نسافر وانتِ على أسمي وزمتي
ضحكت من بين بكاءها، هزت رأسها موافقة، وكيف سترفض وهي كانت تنتظر هذه اللحظة منذ زمن!

- موافقة طبعًا
اتسعت إبتسامته بسعادة وقام بإدخال الخاتم في أصبعها، نهض والسعادة تلمع في عينيه والابتسامة تكاد تصل لأُذنيه، همس بحماس
- الشيخ والمأزون فوق مستنينا
تقدم نادر منهم وهو يشعر بالسعادة لهما، نظرت له أروى وقالت بضحك ممزوج بنبرتها الباكية اثناء مسحها لدموعها
- لعبتوها صح
ضحك رافعاً كتفيه ببراءة مُشيراً بعينه لـ يونس ؛ عانق الاخير كفها ليسيرا للعقار قائلاً بخبث
- يلا بقى عشان مستعجل.

ضحكت أروى وسايرت خطواته بنفس حماسه.

توقف نادر قبل ان يدلف للعقار لينظر لبقعة بعيدة تقف فيها شهد وتشاهدهم من بعيد؛ لقد أخبرها يونس عن مُفاجئته الذي سيفعلها لـ أروى، لم ترد أن تأتي لكنها لم تستطع، أرادت ان تُشارك خالها سعادته وإن كانت بعيدة، رغم شعور بغيض راودها لوهلة لإكماله لحياته بهذه البساطة بعد موت أُخته لكنها لم تسمح لهذا الشعور الغير مُنصف السيطرة عليها، كما انها أرادت أن ترى سعادة أروى التي تستحقها بعد ظلم والديها لها.

إبتسمت لكن الحزن مازال يكسو ملامحها، إبتعدت مُغادرة تحت أنظار نادر المُتعاطفة.

بعد اسبوع..
كانا قد انتهيا من شهر العسل والذي لم يستطع يونس إطالته أكثر من اسبوع بسبب العمل الذي ينتظره.
في الطائرة، كانت أروى تستند برأسها على كتف يونس بينما تعانق ذراعه وكفها مُتعلق بكفه، لقد كانت سعيدة، سعادة لم تشعر بها منذ مدة، انه تعويض الله لها وما أجمل تعويض كهذا مع من تحب.
طبقت جفونها بإسترخاء بينما أخذ يسير بأنامله بخفة على ذراعها، توقف فجأة حين سألته
- بتكلم شهد؟
ازدرد ريقه مُتسائلاً.

- اية اللي فكرِك بيها؟
هزت كتفيها مُجيبة..
- مش عارفة جت على بالي
اعتدلت مُبتعدة وهي تفكر
- أكيد كلمتها واطمنت عليها..
نظرت له وأضافت ببساطة أدهشته
- عمومًا مش مشكلة، دة واجب عليك
ارتفعا حاجبيه بتلقائية، فأتت بقولها المُشترط..
- بس مطّولش معاها في الكلام
هربت منه ضحكة صغيرة لم تفهم سببها، تساءل
- لية؟
اجابته دون تفكير..
- عشان بغير..
أبعدت حدقتيها عنه وهي تُضيف بتكابر
- عارفة ان غيرتي ملهاش داعي بس برضه.

صمتت لوهلة قبل ان تندفع وتخبره
- ممكن ابقى صاحبتها بدالك، بس انت لا
لم يصدق ما يسمعه، سألها بحيرة
- تصاحبيها بدالي؟ ازاي هتعملي كدة وانتِ..
قاطعته، فهي تعلم ما سيقوله
- عداوتي معاها مبقتش موجودة عشان كنا أطفال وقتها، مش هقول اني بحبها دلوقتي بس عشان أتجنب مشاكل ممكن تحصل مابينا بسبب غيرتي
أصبحت مُتصالحة مع ماضيها وراضية، كما انها أصبحت مُتفهمة، وكم هذا أسعده؛ ضحك وجذبها لصدره مُقبلاً جبينها، همس.

- زي ما تحبي.

في مصر..
الساعة العاشرة مساءً
التقطت شهد هاتفها لتنظر لرقم نادر الذي يتصل بها، تعلم ان يونس أوصاه عليها لثقته به لكنها تشعر بالضيق من هذا، فهي تشعر بأنه يشفق عليها، شعور فقط، ولمجرد التفكير بذلك يزعجها.
ردت على اتصاله لكنها لم تتحدث، بادر هو
- شهد، عاملة اية؟
ردت عليه بجمود
- كويسة
تساءل بعفوية
- مال صوتِك في حاجة؟
اتى ردها العنيف..
- ايوة، تحب تعرف؟
- أنا سامعِك
انفجرت به..

- ياريت متكلمنيش تاني ولا تطمن عليا، عارفة ان خالو قالك بس اهو أنا بقُلك متتصلش
- طيب في سبب؟
هتفت بإنزعاج
- هو لازم يبقى في سبب!
سمعت صوت تنفسه الذي تعكر، بعدها بثوان رد بسلاسة وصوته الرزين
- طبعًا هحترم رغبتِك، بس في أي وقت حبيتي تتكلمي مع حد أنا موجود، أو لو احتجتي مُساعـ..
قاطعته بفظاظة قبل ان تُغلق الخط
- سلام
أنه يشفق عليهم بحق!، ألقت بالهاتف على فراشها بقوة وهي تتأفف.

بعد مرور أربعة أشهُر
مساءً
- يونس!
غمغم بتعب وهو يكاد ان يُسحب في سُبات عميق، أتت أروى بقولها الخافت
- عايزة أقولك على حاجة
- سامعِك..
قالها وهو يتثائب مُحاولاً فتح عينيه، إبتسمت وهي تُفجر له الخبر بهسيس جانب أُذنُه
- أنا حامل
- ماشي
قالها بروتينية قبل ان يستوعب ما قالته لتتفرق جفونه إلى مُتسعها بصدمة ناظراً لها
- نعم!
أنتفض من مكانه جالساً فصدم رأسها من سرعة حركته فتأوهت، أسرع ليمسح على رأسها مُعتذر.

- أنا اسف، وجعتِك؟!
ضحكت مُطمئنة أياه، تنهد براحة ثم لمعت حدقتيه وهو يسألها
- حقيقي اللي قولتيه؟ أنتِ حامل؟
التقطت أنفاسها وهي تومأ برأسها مؤكدة ما سمعه، ضحك بقوة وهو يعانقها ناهضاً ليدور بها وضحكاتهما ملأت الأرجاء بسعادة حقيقية، توقف مُعيدها للأرض دافناً وجهه في رقبتها مُقبلاً أياها بحرارة، همس بين خصلات شعرها بسعادة غامرة..
- وهيبقى عندي بيبي منِك!

مررت أناملها على خصلات شعره وهي تضمه أيضاً، همست وهي على وشك البكاء من سعادتها
- أنت مصدق!
أبتعد عنها قليلاً وظلت ذراعيه تحاوطها، عانق وجهها بكفه ومُتمتم
- الحمدالله
حدقت به وقد سالت دموعها، وضعت كفها على بطنها وهدرت بنبرة حالمة
- حصل اللي اتمنيته، هيبقى عندنا بيبي، هحبه وههتم بِه وأعملُه كل حاجة متعملتليش
أضاف على قولها
- وأنا ههتم بيكم انتم الاتنين، بس بيكِ أكتر.

وغمز لها، فضحكت من بين دموعها وأيدته بدلع
- ايوة عشان مغيرش
ضحك هو الاخر وقربها منه مُقبلاً جبينها بقوة ثم أراح رأسها على صدره ويشكر الله على هذه النعمة.

- رايح فين؟
سألته أروى وهي تضع كفها على بطنها التي ظهرت بوضوح وجلست بحذر، أجابها وهو يرتدي قميصه
- هروح أخد نادر من المطار
تفاجئت..
- اية دة هو جي؟
- ايوة، ومش لوحده
عقدت أروى حاجبيها بحيرة
- مش لوحده!، مين ممكن يجي معاه؟
إبتسم يونس بخبث وصمت، اندفعت بخفة للأمام بينما مازالت جالسة، هتفت برجاء
- يونس، قول يلا..
أستدار وأقترب منها، جثى امامها مُمسكًا بكفيها قبل ان يفصح عن الإسم.
- شهد
- شهد!

إتسعت مقلتيها قليلاً قبل ان تتساءل بتفكير
- بس أية اللي جايبها معاه؟
حدقت به بإنفعال وهي تهتف بقوة
- ثواني هي جاية على هنا؟! وانت هنا؟ بتهزر؟
فلتت منه ضحكة كتمها سريعًا، ضغط على كفيها الذي يُعانقهما بكفيه، تحدث بلطف وهدوء
- ممكن تهدي!
- سامعاك..
- هتشتغل هنا
- والشركة؟
رد بساطة
- هتسيبها لعمتها، هي عايزة تشتغل في مجالها
هدرت بإنزعاج
- وملقتش غير البلد اللي احنا فيها!
- عشان هساعدها هنا.

عضت شفتها القلية بغيظ وهي تحدق به بعدم رضا، نهض وجلس بجوارها
- مش أتخطينا النقطة دي؟، ومش بقيتي تكلميها عادي!
- ايوة؟ بس كُنا بُعاد برضه، دلوقتي هي هتشوفك
تنهد بعمق وهو يشعر بالإرهاق من هذا الامر، لكنه لم يُظهر لها، يُريد إرضاءها فقط.
- مش هشوفها غير وانا معاكِ، اتفقنا؟
هدأ إشتعال حدقتيها برضا وأبتسمت، منحته قُبلة سريعة قبل ان تنهض ببطء وتتجه للخزانة، تساءل
- بتعملي اية؟
- جاية معاك.

هز رأسه وهو يضحك، لا فائدة، لذا لم يُعارضها.

في الطائرة..
لم تكُّن شهد مُرتاحة، كانت تشعر بالحرج من موقفها الفظ الذي مر عليه شهور كثير!، أحرجها بتعامله البسيط والغير حاقدة؛ كان نادر يحاول التحدث معها ليكسر ذلك الحاجز، ليس لديه غرض لكن لشعوره بعدم راحتها، ففي النهاية توقف عن التحدث معها مُراعاة لها.
- انا اسفة
أتت بقولها فجأة، حرك حدقتيه ببطء حائر، سألها
- على اية!
أجابته بحرج دون أن تنظر له
- على اخر مرة، كان أسلوبي وحش.

- ياه لسة فاكرة!، دة من عشر شهور ولا اكتر؟
ثم أبتسم مُطمئنًا اياها
- عمومًا أنا نسيت أصلاً، فمضايقيش نفسك
نظرت له بعدم تصديق، تمتمت بريبة
- بجد!
- بجد
أكد لها وهو يكتم ضحكته، أبعدت بصرها عنه هامسة بخجل
- تمام.

هبطت الطائرة وتقابلا، رحبت أروى بـ نادر بقوة بينما دُهشت شهد لحضور الأُخرى الذي لم يخبرها يونس عنه.
حيت شهد يونس من بعيد مُراعاة لـ أروى التي تًسلط عينيها معهما؛ بعدها، توقفت شهد بحيرة لا تعلم كيف ستستقبلها، فـ أروى ظلت واقفة تنظر لها دون ان تتجه لها وهي كذلك، في النهاية أخذت الخطوة لتمد كفها وتُصافحها
- عاملة اية يا أروى؟
صافحتها أروى مُجيبة بشيء من الجمود
- الحمدالله، انتِ عاملة أية؟

إبتسمت شهد قائلة
- كويسة الحمدالله، مبسوطة أني شوفتِك
لحقت قولها بقول اخر وهي تنظر لـ بطن أروى بسعادة
- ماشاءالله بطنك كبرت، في الشهر الكام؟
- اخر السادس
هزت شهد رأسها، تدخل نادر قائلاً لـ أروى
- مبسوط اني شايفِك كويسة
إبتسمت له، بينما رد يونس بتفاخر مرح
- طبعًا كويسة، مش انا جنبها؟
تأبطت أروى ذراع يونس وهي توافقه
- طبعًا
تحركا مُغادرين المطار، طرحت أروى سؤالها على نادر
- هو انت وشهد اتفقتوا تيجوا سوا؟

- لا، جت صدفة
أجابها نادر ثم أوضح يونس
- نادر كان ناوي يسافر الشهر دة وشهد كمان، فسألته لو ينفع يأخر رحلته يومين ويسافر معاها عشان متسافرش لوحدها، فالدنيا ظبطت
هزت رأسها ولم تُعلق.
اقترح نادر ان يتجهوا لمطعم لتناول العشاء معًا، فلم يعترض أحد، قضى الجميع وقت مُمتع لكن أروى شعرت بالتعب لذا غادر يونس بها تاركًا شهد مع نادر حيث سيوصلها بعد أن ينتهيا للفندق التي أصرت أنها ستقيم به.

أنه يثق بـ نادر، وربما يتمنى أن يصبحا أصدقاء او اكثر، فلن يجد أفضل منه لـ شهد.

دلفا معًا للشقة، لمجرد أن أنار الأضواء حتى وجدها إبتعدت عنه وهي تقول بنبرة حادة
- طلعت بتضحك عليا!
عقد حاجبيه بدهشة
- بضحك عليكِ! في اية؟
- كنت بتكلم شهد
- ايوة طبعًا، مش بكلمها معاكِ!
هتفت بإنفعال مُكذبة أياه
- لا بتكلمها وانا مش معاك، أومال ازاي كلمتها وعرفت إنها جاية في نفس الاسبوع اللي جاي فيه نادر؟
- انتِ فاهمة غـ..
لم تسمح له بالإكمال وقاطعته
- انت اديتني كلمة ودلوقتي بتعمل اية؟، بتستغفلني.

- بقولك..
- مش عايزة اسمع حاجة منك
ألقى بالمفاتيح على الأرض يعنف وهو يصرخ بغضب بسبب أسلوبها المستفز، لماذا تُقاطعه وتمنعه عن الحديث! أليس له حق الكلام!
- خليني أكمل كلامي..
جفلت من فعلته، حدقت به بصدمة وهي تراه غاضب بهذه الطريقة، لم تره سابقًا هكذا.
وضح لها بصراخ، فهو غاضب، ربما مُسايرتها لهنا أرهقته، وضغطها أكثر عليه جعله يفقد سيطرته على نفسه.

- كان يومها انتِ تعبانة ومكلمتِهاش وهي أتصلت عشان تستشيرني فرديت، ولا عايزاني أجي جمبك وانتِ تعبانة واقولك انا هكلمها يا أروى! وأخذ إذنك!
التقط انفاسها اللاهثة للحظة قبل ان يُضيف
- أنا بعمل كل دة احترامًا ليكِ ومراعاة لمشاعرك، فلوسمحتِ متضغطيش عليا اكتر
انهى قوله بإرهاق بدى جليًا على حروفه الأخيرة؛ أستدار مُغادرًا تاركها مصدومة خلفه.

تراجعت للخلف لتجلس على الاريكة وقد إمتلأت مقلتيها بالدموع، أنفجاره بها جعلها تفتح عينها وترى كم هي أنانية! ربما الغيرة دفعتها للتحكم به وقد تحولت لحبال تخنقه، لكنها لم تُلاحظ هذا، كان يجب أن تُعطيه الحرية، ان تتحكم في غيرتها ناحية شهد لا أن تضع قيود غبية حوله.
أخرجت هاتفها من حقيبتها التي مازالت ترتديها لتتصل به لكنه لم يُجيب، فأرسلت رسالة صوتية، تعتذر منه وهي تبكي.

- يونس، انا اسفة، مكنتش أعرف اني ضاغطة عليك كدة، المفروض كنت أراعي شوية ومفكرش في نفسي وبس، انا اسفة بجد
اخذت تنتحب وهي تُضيف
- كنت تقول لي وكنت هفهم، بس متسيبنيش كدة، متسبنيش لوحدي
أبعدت الهاتف عن اذنها وهي تبكي، هل سيتركها بمفردها وينام خارجًا!

بعد دقيقة، دقيقة فقط وجدته يفتح الباب، فهو لم يُغلقه ولم يُغادر، بمجرد نزوله للطابق السفلي توقف والذنب والندم ينهشانه لإنفجاره بها، حتى انه قلق عليها، كيف يتركها بمفردها؟، أسرع ليصعد لها، توقف أمام باب الشقة وقبل أن يدفع الباب سمع إعتذارها.

نهضت حين رأته وقد لمعت حدقتيها من بين دموعها، ضحكت بسعادة أو ربما بكت!، أسرع اليها بخطوات واسعة ليصل إليها ويُعانقها بقوة دافنًا وجهه في عنقها هامسًا بإعتذارات كثيرة، ومن بينهم
- انا اسف اني اتعصبت عليكِ، انا اسف، اسف، متعيطيش، عمري ما أسيبيك لوحدِك حتى لو متخانقين
تشبثت به فليس لها غيره ولا تُريد، فكم هي مُمتنة للشِباك التي التفت حول بعضها لتوصلها إليه، وكم هو مُمتن لشِباكها التي جذبته لها.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة