رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل التاسع والعشرون
تجاوزتُ حشود الطلاب المتجمهرين أمام بوابة المدرسة أركض بخطى واسعة تنم عن سعادتي وحماسي الشديد!، بحثت بعيناي في كل مكان عنه دون جدوى فاكملت طريقي حتى كدت أصطدم بأحد الأساتذة في المدرسة لأتجاوزه فوراً، نهرني بصوت عالي بينما أتجاهله: حذرتك مرارا وتكرارا من الركض كالقِرد الهائج في الأنحاء دانيال! أنا حقاً سأخبر هاريسون ليتصرف مَعك.
التفت له ابتسم بعبث وقلت بصوت عالي: لِنرى كيف سيتصرف معك إن علِم بأنك سمحت لي طوعاً بالتسلل في الأمس.
اتسعت عينا الأستاذ وقد تورد وجهه ينظر من حوله بحذر وإحراج قبل أن يكمل مسيره فوراً، أسرعت أكمل طريقي أعدل من حبل الحقيبة على كتفي الأيمن وأمسك بالورقة بيمناي حتى لمحته أخيراً يَركض هو الآخر مسرعاً!
ناديت به بصوت عالي لألفت انتباهه: توقف كيدمان.
انتبه لي وأشار بيده دون أن يتوقف، وصلت إليه لنركض معاً وقد ضحك يلتقط أنفاسه بصعوبة: لن أتوقف ولو لجزء من الثانية، إن لمحني وكيل المدرسة لن يتركني وشأني.
أومأت له اضحك بينما أضرب كتفه بقوة: مغفل إنه جارنا في النهاية ولن يشق عليه الأمر ليكسر باب منزلكم، إن حاول السيد ستانلي قتلك فلا تنسى أن تكتب وصيتك، وعدتني أن تخبرني بمكان عِدة الرياضة التي أخفيتها في الحَقل عن والدك.
احتار يردد: عدة الرياضة التي أخفيها عن أبي! لماذا تذكر أمرها فجأة؟
تجاوزنا أطفال يلعبون في بداية الطريق أمام المخبز الصغير وقد داعبت رائحة المخبوزات والمعجنات أنفي بينما أجيبه أرفع الورقة وقد بدأنا نخفف من سرعتنا تدريجياً: إليك الأمر باختصار، لقد تم ترشيحي للمشاركة في مسابقة وطنية في المضمار السريع.
اتسعت عيناه وتوقف عن الركض لينتزع الورقة مردداً بعدم تصديق: ماذا؟
أعقب يبتسم بحماس يركل ساقي: أيها الوغد لقد تم اختيارك بالفعل!
تأوهت أحرك قدمي بخفة قبل أن أقف بجانبه أشير إلى الورقة: هل ترى هذا البند هنا؟ سيتعين على الالتزام بالتدريب مع أحد النوادي في العاصمة! إن أبليت بلاء حسناً في المسابقة الوطنية سيكون من السهل أن يتم ترشيحي للمسابقات الإقليمية ثم على نطاق أوسع!
لهذا تريد عدة الرياضة؟ لا بأس يمكنك الحصول عليها لنذهب إلى الحقل لاحقاً عندما يكون أبي مشغولاً، إن علم أنني من سرقتها من عمي فلن يترك في جسدي عظمة سليمة.
لويت شفتي بإمتعاض: تلك لم تكن سرقة! أنت من قام بشراءها قبل أن يأخذها عمك منك دون إذنك!
أعقبت أغمز له بمكر: أياً يكن كيدمان، إن أصبحتُ رياضياً مشهوراً يوماً ما فسأفكر ملياً قبل التبرع لك بنظرة واحدة مني.
تجهم وجهه بإشمئزاز قبل أن يبتسم بفخر: سأبصق على وجهك لاحقاً الآن من الضروري أن نحتفل بهذا ال. م. مهلاً دانيال!
ابتسمت إثر قوله في البداية ولكنني نظرت إليه بترقب حين أضاف بإستيعاب: هل قلت العاصمة؟ هذا يعني أنك مضطر للسفر! سيستغرق الأمر وقتاً ألا بأس بهذا؟
لانت ملامحي وقد تلاشت ابتسامتي تماماً!
كما لو.
سكب ماء بارد على وجهي بقوة! وكأن سؤاله قد جعلني أدرك أنني لا زلت على أرض الواقع!
السفر؟
ابتلعت ريقي بصعوبة وأخفضت ناظري نحو الورقة أحدق إليها بأعين مشتتة.
عن أي مشاركة أو مسابقة وعن أي هراء أتحدث!
ارتجفت يداي بشدة مما جعل الورقة تصدر صوتاً واضحاً فأسرعت أخفض يدي وقد استنزف مني التبسم جهداً بينما أقول: لنعد، سأمر على المتجر لشراء بعض الحاجيات أولاً.
استوقفني وقد انتزع الورقة مني يقرأها بتمعن بوجه متجهم حازم، قبل ان تلين ملامحه هو الآخر ليهمس: لن تكون فترة قصيرة، لن تقل عن ثلاثة أشهر، سيستغرق التدريب والمشاركة والعودة وقتاً طويلاً.
نظر إلى بمقلتيه بضيق قبل أن يلمع بريق بني مترع بالإنزعاج ليقترح بسرعة: لا بأس! سأعتني بكارل ودامين لأجلك، يمكنني مساعدة عمي هاريسون! ثلاثة أشهر فقط لذا لا داعي ل.
انتزعت الورقة منه وتمتمت أكبح ثقلاً في صدري: أحمق، مجرد مسابقة لا تلقي لها بالاً، ليست بالشأن الكبير.
اعترض يتبعني ليأخذ الورقة مجدداً: دان أيها الغبي هل تدرك عدد الفرص التي تنازلت عنها حتى الآن؟ ثم بالكاد يوجد مسافة بين منزلنا ومنزلكم إنه مجرد سور صغير سخيف فكيف سيعيقني عن العناية بأخويك؟ الأمر بسيط جداً لا تعقده!
شبكت كلتا يداي خلف رأسي بتبرم وملل: إنه العام الأخير من الثانوية على كل حال، علينا التركيز على الاختبارات، لا تخبرني أنك لم تقرر بعد أي تخصص ستختار؟
انزعج وتذمر بغيظ: لا تغير الموضوع! لديك فرصة لا يمكن أن تتكرر حاول أن.
قاطعته بإنزعاج: صوتك مزعج!
أصرّ وقد أسرع ليقف أمامي بحدة: اعتمِد على ولو لمرة!
نهرته بحزم وقد شعرت برغبة عارمة في الصراخ لعلني أتخلص من ذلك الشعور المزعج الذي تكور في حلقي: ومن سيعتمد على إن غادرت بحق الإله! خرج كارل من المشفى في الأمس فقط ولا يزال طريحاً يلازم فراشه منذ الأمس، دامين لديه مراجعة في مشفى العاصمة قريباً لا يمكنني تركه! ثم كفاك سخفاً هو لا يطيق مجرد سماع اسمك فكيف ستجرؤ على أن تريه وجهك حتى!
أردفت بغيظ أكمل طريقي أتجاوزه: مجرد مسابقة، إنه هراء ويوماً ما ستكون هناك فرص أفضل.
الفرص المهدورة لن تعود إليك دانيال!
صاح بها بحزم فوقفت في مكاني أخفض رأسي أحكم قبضتي على حبل حقيبة ظهري بكل قوتي.
السيناريو الذي رسمته في مخيلتي، قد تبخر تماماً! اعتقدت أنني سأعود إلى المنزل وأخبر أبي بشأن التحاقي بالفريق الرياضي وأغادر لفترة مؤقتة ثم أعود ليكون فخوراً.! ولكن أي فخر سيشعر به رجل يسهر معظم الليل ليتأكد من كون ابنه الأكبر بخير لم ترتفع حرارته أو يسعل وينهك صدره، أي رجل سيشعر بالفخر وهو مشغول برصد أي مخاطر في المنزل قد تضر ابنه الآخر؟
اخذت نفساً عميقاً وقد تذكرت أمر دامين وضرورة العودة إلى المنزل لأتأكد من ثبات كل قطع القماش السميكة التي وضعتها مع أبي مؤخراً في حواف المنزل والدرج والأثاث.
كان من الضروري أن نضع بِطانة تحمي قدمه التي قد يصطدم فيها بأطراف الأثاث أو الحائط دون أن يدرك، المرة الأخيرة كان اصبع قدمه مكسوراً دون أن يدرك، لا يجب أن يتكرر هذا.
تصاعد القلق في جوفي لأخذ الورقة منه وأدسها في جيبي ثم قلت لكيدمان: سأعود إلى المنزل، إن كان أبي مشغول مع كارل فربما لم يحظى بفرصة التأكد من قطع الأقمشة في أرجاء المنزل.
ماذا عن المتجر؟
سألته بينما أفتح الحقيبة باحثاً فيها: كتب لي ما يحتاجه للمطبخ، هل يمكنك شراء الحاجيات وارسالها إلى في عودتك؟
أومأ دون تردد: بالطبع.
تحركت لأسبقه بالعودة ولكنني توقفت وكذلك انتبه هو إلى تجمهر طلاب المدرسة المتوسطة حول شخص ميزته من القلنسوة التي يضعها على رأسه!
لقد. خرج من المنزل! لماذا خرج وحده؟
عقدت حاجباي واقتربت منهم لأسمع أحدهم يقول ساخراً: يُقال أنكَ مكثت في المنزل أكثر من أسبوع دون أن تخرج فلماذا أنت هنا؟
أعقب يضحك مع رفاقه: ربما يشعر بالجوع وقرر أن يقضم لحم أحدنا!
تملكني السخط والقهر لأتحرك بانفعال، أربعة حثالات صغار لن يترددو في القاء كلمات مماثلة يسمعونها من أوليائهم!، ما ان وصلت حتى سمعت قول رفيقه بتهكم: لماذا تخفي وجهك؟ هل جربت أن تتناول قضمة من وجهك وتشعر بالحرج؟ لا بأس لنلقي نظرة!
أكمل وقد انفجر ضاحكاً: أو أن كدمات ابناء الصياد ميلان لا زالت تشوه وجهك!
تحرك أحدهم خلفه ليسحب القلنسوة للوراء في حين بقي هو ثابتاً في مكانه يضع كلتا يديه في جيبه.
لم أشعر بنفسي وقد هجمت على من سحب قبعته لأطيح به أرضاً وألكمه بِحقد: أيها الحثالة لن تتوقفوا عن القاء كلماتكم المسمومة كلنا سنحت لكم الفرصة!
حاول كيدمان ابعادي عن الفتى ولكنني دفعته بعيداً وواصلت لكمه بسخط بينما يصرخ ويحاول حماية وجهه، حينها صحت في وجهه بغيظ: أبناء ميلان مجرد قمامة يستحق كل منهم ان يتم نفيه، مجرد حفنة من الجبناء ولا فرق بينهم وبينكم!
صرخ كيدمان محذراً يحاول ابعادي عنه: توقف دانيال إنه مجرد فتى صغير مغفل دعه وشأنه! تجاهله وحسب!
تسارعت أنفاسي بشدة وقد توقفت يدي عن لكمه عندما أمسك كيدمان بها ليمنعني، تملص الفتى فوراً وابتعد عني ليهرب يبكي ويصرخ بصوت مرتفع وبدى متألماً بشدة ليلحق به الآخرين بذعر.!
بقيت جاثياً على الأرض لاهثاً لا تتوقف يداي عن الرجفة التي جعلتني أحاول التقاط أنفاسي لعلني أسيطر على انفعالي! ولا سيما عندما رأيت بقع دماء قد لطخت كف يدي مدركاً إلى أنني. تماديت كثيراً!
جلس كيدمان أمامي مباشرة وأمسك بيدي ينظر إليها قبل أن يجز على أسنانه بقهر.
ثم سرعان ما التفت للوراء ووقف ليقول بحدة: لماذا خرجت من المنزل الآن! يفترض أن تخرج وبرفقتك دانيال أو كارل لماذا خرجت وحدك إذاً؟
أسرعت أقف وقد نهرته: توقف كيدمان!
نظرتُ إلى من يقف يحدق إلى قبضة يدي بأعين باردة، تأملتُ وجهه وتحديداً أثر الكدمات على وجهه من الأسبوع الماضي، والجرح بجانب شفته الذي نتج عن لكمات أحد أبناء الصياد ميلان، اقتربت منه فوراً عندما رأيت بعض الرجال والنساء يلقون نحوه النظرات المتقطعة المترعة بالارتياب والخوف وهم يتهامسون.
رفعت القلنسوة على رأسه وابتسمت له أحاول التخلص من بحّة صوتي: أنت بخير دامين؟ لِنعد إلى المنزل!
بقي يلتزم الصمت فأسندت كلتا يداي على كتفيه وهمست له معاتباً: لا يجب أن تخرج وحدك، اتفقنا على الخروج معاً هل نسيت؟
خرج صوته البارد يتمتم بكلمات موجزة: أنتَ تؤيد ضرورة بقائي في المنزل.
نفيت فوراً: مخطئ! أنا أرفض أن تتمشى في الأرجاء وحدك فقط! من حقك التنزه هنا وهناك ولكن هؤلاء الأوغاد لن يتركوك وشأنك!
إذاً لماذا تعارض فكرة دراستي المنزلية، هل سيشكل الذهاب إلى المدرسة معك فرقاً.
أخفضت ناظري بضيق وقد ألجمني سؤاله في حين استكمل قوله ببرود: تأخرتَ في العودة، كنت تتسكع معه.
قالها يقصد كيدمان الذي يقف خلفي ينظر إلينا بصمت بوجه متجهم بشدة.
أومأت بشيء من الإضطراب رغماً عني قبل أن اسعى جاهداً للتبسم: كنا نناقش بعض الأمور.
تفاجأت بقول كيدمان وهو يتقدم ليقف إلى جانبي: هل ستمهل أخاك فرصة للإلتحاق بمسابقة وطنية؟ تم ترشيحه ليشارك فيها ولكنه يرفض بحجة رغبته في العناية بك أنت وكارل، ألا بأس بهذا؟
احتدت عيناي ونظرت إليه بحزم فقال بحدة: ماذا؟
أتى صوت دامين بينما يوجه وجهه باتجاه كيدمان: أنا لا أرغمه على البقاء.
اعترض كيدمان فوراً يجادله: لا ترغمه؟ حتى وإن كنت لا تقول هذا مباشرةً ولكن هذا ما تقوم به! بالكاد تطيق وجودي معه أو حتى ذهابه للتسكع مع الآخرين! هل تركته يوماً يترحل أو يقضي وقتاً ممتعاً في الأرجاء؟ هل مضى يوماً لم تشعره بأنه خُلق لأجلك وحدك؟ هاه؟
دفعت صدره بغضب: توقف عن هذا هل جننت؟
صاح في وجهي بسخط: متى سيتوقف هو عن لعب هذا الدور المثير للإشمئزاز! لماذا عليه أن يلازمك كما لو كان ظلك! من حقك الذهاب والتنزه والاستمتاع بوقتك! هذا لا يعني أنك ستقصر في حقه هو أو عائلتك، منذ متى كان قضاء وقت ممتع جريمة؟ افعل ما تريده حقاً دانيال، جرّب أن تتمرد يوماً وتكسر صورة الأخ المثالي، ما تفعله ليس بمثالية حقيقية وإنما زائفة! الشخص الذي يستمتع بالهرب والتمرد أحياناً هو أنت! الفتى الذي يطارده البالغين لأنه أكل من محاصليهم هو أنت! هل ابتسمت يوماً بسعادة عندما ادعيت الاهتمام والمثالية؟
أردف يوجه حديثه إلى دامين: قدّم لك الكثير وأهدر فرص عديدة لأجلك خصيصاً! ورغم حاجة كارل الماسة إلى العناية والاهتمام إلا أنه لا يتوقف عن توبيخه وتحفيزه لاستغلال اي فرصة تقدم إليه فماذا عنك أنت؟
نهرته بنفاذ صبر: ما الذي حدث لك توقف حالاً! لم يرغمني دامين على أي شيء هل فقدت عقلك كيدمان؟
لم يرغمك؟ هل تمازحني! هل حقاً لا تعي ما يحدث؟ أنظر من حولك دان عليك أن تستوعب ما تقترفه في حق نفسك! هل فعلت يوماً أمراً تحبه أنت؟ هل منحت نفسك فرصة تستغلها أو كافأت نفسك بشيء يسرك؟ هل تعلم حتى ما يعنيه أن تضحك أو تبتسم براحة بعد كسرك لحواجز تقيدك أو مخاوف تسيطر عليك؟ هذا الكئيب يرغب في التحكم في كل شيء حولك! لا. بل يرغب في التحكم بك أنت شخصياً! قُم بكسر هذه الحواجز وتخلص من قيود هذا البغيظ! أراهن بأنكَ ستشعر بالتحرر حينها! من واجبك الاهتمام بعائلتك ولكن لا حق لأحد في سلب نفسك منك! أنت لست مجرد أداة! جرّب أن تقترف الخطأ لتمحوه بفعل يصحح مسارك، جرّب أن تتعثر وانهض بينما يمسك بيدك شخص ما!
هذا غريب.
جزء من عقلي يرغب في الصراخ على كيدمان، والجزء الآخر مشوش بِشدة!
كل ما أعرفه أنني صحت في وجهه بإنفعال وقد استوقفته اقرب وجهي منه بتحذير: ثرثرت بالكثير، توقف لا ترغمني على الجدال معكَ أكثر، هل ستلقي باللوم كله عليه الآن؟ ألا يستحق الجميع من حولك أن يتم لومهم؟ هل هو المذنب بحق الإله؟
أومأ بحدة يلقي نظرة على دامين بإزدراء: لا أعلم من منكما الضعيف ومن منكما يستحق أن يُلكم ويلقن درساً، كل ما أعرفه أنكما التوأم الأكثر حماقة وغرابة.
أكمل يقترب من دامين وتفاجأت به يدفع صدره بغيظ: توقف عن لعب دور الفتى المسكين الذي يتحمل كلمات من حوله!
تراجع دامين للوراء قليلاً إثر دفعه، أسرعت أقف بينهما وقلت لكيدمان بجدية: هذا يكفي، تماديت كثيراً.
ابتسم بتهكم وعاتبتني كلتا عينيه بعدم رضى: متناقض جداً، اقترحتَ أن لا يخرج من المنزل ولكنك تعارض أيضاً فكرة دراسته المنزلية! ما الذي تريده دان؟ ثم أنظر إليه! يلتزم الصمت ويبدو واثقاً جداً أنك ستؤدي دور الحارس الخاص به! ألا فكرة لديك كم هو استغلالي يحب رؤيتك تفعل المستحيل لأجله؟ هذا الأناني لا يفكر سوى بنفسه فقط! إن كان كارل طريحا لفراشه منهكاً فهو مضطر لهذا ولا حول له أو قوة بسبب مناعته الضعيفة ولكن ماذا عن هذا الرجل الحديدي الذي لا يُقهر؟ أفق دانيال أنت تهدر الوقت والفرص بسبب.
قاطعته بتشتت وعدم تصديق: لا تكن مثلهم، توقف عن التفوه بهذه الكلمات كيدمان! هل هذا ما تراه حقاً؟
اتسعت عيناه وقد لمعت ببريق بني مترع بالتعجب والاستنكار قبل ان يعقد حاجبيه وهمس: دانيال. أخاك يُعاملك كأداة فقط! أنتَ مُجرد حارس أو كيان غير مُعرّف بالنسبة لنفسك هل حقاً لم تشعر بهذا يوماً؟
أحياناً التفوه بالأكاذيب. يكون أكثر لطفاً وتأثيره على المتلقي سيساعده على التعافي من شعور كان يؤرقه لفترة طويلة، وفي المقابل التفوه بحقائق عشوائية لن يساعد في التخفيف عنه ولو قليلاً.
قد يزيد من حِدة الشعور الذي ينتابه، سيلسعه بشدة. وربما سيرغمه على أن يتمنى لو كان مجرد مغفل غبي لا يفقه شيئاً! الهرب من الحقيقة أسهل بكثير من مواجهتها.
أخفضت ناظري أنتزع عيناي عنه بصعوبة بينما أهمس له وقد بدى صوتي وكأن الحياة قد تلاشت منه: أداة؟
أضفت وبالكاد قد خرج صوتي هادئاً: على الأقل سأكون ذا فائِدة.
نفي برأسه بضيق وعدم رضى فجاهدت لأبتسم له بصعوبة بالغة وتمتمت: لا تكن مثلهم وحسب، إن كنا أصدقاء عليك أن. تجاريني، لا تفتح عيناي ولا ترغم أذناي على سماع أي حقيقة بذلت جهدي في الهرب منها، لو لم أكن مجرد أداة كيدمان. هل كنت سأكون ذا فائدة ويعترف الجميع بي؟
لماذا يَخرج من منزله! على هاريسون أن يبقي هذا الشيء في غرفته وحسب!
همس بهذه الكلمات كهل يقف أمام المتجر الصغير فنظرت إليه بجمود أتمالك نفسي، بقي كيدمان يحدق إلى بتمعن وانزعاج حتى تمتم يتنهد بعمق: سأشتري كل ما كتبه والدك في الورقة، عد إلى المنزل.
أمسكتُ بمرفق دامين أحثه على السير معي ولكن كيدمان أضاف بهدوء: بشأن المسابقة، إن اضطررت للتخلي عنها أيضاً، فتذكر أنك تنازلت عن كل فرصة مُنحت إليك، إن بقيت تتنازل دائماً فيوماً ما ستتهور عندما تنتابك رغبة التمسك بشيء تريده، بفرصة، بِحدَث، أو حتى بِشخص ما، إيّاك ولوم أحد حينها.
تابعته بعيناي بينما يبتعد ومع كل خطوة يبتعد فيها كنت أشعر بالمساحة حولي تكبر شيئاً فشيئاً!
كما لو كان حجمي يتقلص، أو أن هالة غريبة ثقيلة تحوم حولي وحسب!
ادخلت يدي في جيبي اتحسس الورقة التي حصلت عليها من مدرب البدنية.
مُجرد ورقة دانيال.
لا تكن أنانياً وتخذل عائلتك، إنهم بحاجة إليك، إن سافرت ولاحقت طموحي أو رغباتي فمن سيقف إلى جوار أبي؟ من سيساعده ويسنده؟ من سيحمي دامين من كلمات وأفواه هؤلاء المجانين! ومن سيعتني بكارل عندما تسوء حالته!
أحكمت قبضتي على الورقة أكورها بقوة وابقيتها في جيبي، استدرت أنظر إلى دامين الذي يقف خلفي، تقدمت نحوه وقد استشعرت الاستنكار الذي انتابه عندما أنزلت القلنسوة من على رأسه.
نظر إلى بعيناه الزرقاء الباردة بصمت فابتسمت بهدوء أتأمل الكدمات على وجهه قبل أن أمازحه: كان وجهي مليئاً بالكدمات قبل شهرين عندما تشاجرت مع أحد الحمقى في المدرسة هل تذكر؟
لم تبدر منه ردة فعل كالعادة واكتفى بالنظر إلى بترقب فقلت أرغمه على التحرك معي أحيط عاتقه بذراعي: لا تلقي بالاً لما يقوله كيدمان إنه أحمق يثرثر دون أن يزن كلماته، على كل حال سأذهب غداً مع أبي إلى دار الأيتام حاول أن ترافقنا.
نفي برأسه فتنهدت بلا حيلة: لم تذهب ولو لمرة واحدة!
رأيته يتابع كيدمان بعينيه وقد كان على وشك أن ينعطف في نهاية الطريق على بعد مسافة كبيرة.
انتابني هاجس وقلق رغماً عني قد ألجم لساني وجعله ثقيلاً عاجزاً عن استكمال ممازحته أو الحديث بشأن أي شيء عشوائي!
عيناه الباردة في ذلك الوقت كانتا تحدقان إلى كيدمان بشرود غريب، وإن كان يصعب تفسيره ولكن لم يكن من الصعب أن أرى الكراهية في مقلتيه!، حتى همس فمه ببطء بينما يحدق إليه بالكاد يطرف: مُجرد عِبء.
كل شيء يتلاشى، الظلام الدامس يسيطر على رؤيتي، لا أدري ما الذي حدث ولكنني مدرك لشعوري بألم غريب في رأسي!
دام الألم طويلاً حتى تفاجأت بأنني أفتح عيناي بتثاقل وبطء شديد!
أنا. هل كنت نائماً؟
رؤيتي مشوشة، رأسي ثقيل جداً لسبب ما، لا أدري لماذا ينتابني الألم في ظهري كذلك! كما لم أشعر يوماً بثقل شديد في جفنا عيني كما أشعر الآن.
كانت لحظات فقط حتى تمكنت من النظر حولي مدركاً أنني لم أكن مستلقياً كما اعتقدت.
وإنما أجلس على كرسي أعجز عن تحريك كلتا يداي!
أجفلت بإرتياب وإدراك تام وقد استوعبت المكان والزمان أبحث من حولي بإضطراب!
أين هي؟
تسارع نسق تنفسي وقد حاولت أن أنظر للوراء دون جدوى! لماذا أنا مُكبل على هذا الكُرسي؟ هل هي بخير؟ أؤلئك الرجال.
جزيت على أسناني بقهر أحاول تخليص يدي مما يقيدها ولكن بلا فائدة!
هل هذه إحدى الغرف على متن اليَخت؟ منذ متى وأنا فاقد لوعي كعديم الفائدة هنا؟ تباً ما الذي حدث تحديداً!
ذلك الوقت.
ما حدث لم يكن متوقعاً!
أرجو المعذرة جميعاً، تبدو مناسبة جيدة لأصرح فيها عن خبر سعيد بالنسبة لي شخصياً
ذلك المدعو لارز.
ما تفوه به أشعل بي ضيقاً سيّرني للتحرك فوراً كما لو كان جسدي لا يعنيني!
أنا حتى لا أدري متى كان وجهها مقابلاً لي وقد همست لها بتلك الكلمات دون تردد أو قيود!
تجاوزي حدودكِ، كتاليا.
رأيت الدهشة في مقلتيها! كما لم يتوقف ذلك اللارز عن التحذير وقد همس بجفاء: لقد فقدت عقلكَ بلا شك، أخبرتك أنك ستورط نفسك!
لم يكن كوني محط الأنظار ذو أدنى أهمية! كل ما كنت أعرفه أنه كان ينوي التعريف عن نفسه بكونه الرجل الذي يواعدها وحسب!
كما لم أمنح أي اهتمام لقوله أو تحذيره، إلا أن شيء أشبه بالغضب قد انتابني عندما رأيتها تخفض عينيها والتردد بادٍ على وجهها وهي تهمس تلقي نظرات متقطعة نحوه: يواصل ترديد أمر تورطك، لم أرى لارز يوماً بهذا الغضب والانزعاج مثل هذه اللحظة! لا أريد مواعدته ولو مؤقتاً أنا لن أتحمل فرض نفسي على رجل لا يطيقني ولكن ربما أكون قادرة على اقناعه بالمماطلة أكثر لحين التوصل إلى حَلٍ آخر، قال بنفسه انه ينوي المماطلة فقط.
ماذا لو لم يقم بالمماطلة؟
ماذا لو كان مجرد تحذير او استدراج وَحسب؟ لفت انتباه الجميع وقال بأنه سيعلن عن خبر سعيد فماذا قد يكونُ عَدى ذلك في وضع مماثل؟
هل هي. تتراجع؟
سوفَ. تلجأ إليه هو؟
ثم ماذا! سيكون دوري قد انتهى ببساطة؟
وبعدها. لا شيء؟
تصاعد في جوفي المزيد من الغضب! القيت عليه نظرة فوجدته يبدو متعجباً غاضباً مما يراه، حينها أدركت أن الجميع أيضاً يحدق إلينا باستغراب يتهامسون فيما بينهم.
الجميع يحدق نحوي!
مُجدداً هذا الشعور، كما انتابني أثناء صعود الدرج على المنصة للتكريم.
كنت أعلم بهمساتهم والاحاديث فيما بينهم لأنني لمحت أفواههم التي تتحرك وأعينهم تلاحقني بتركيز! ولكنني لم أسمع كلمة واحدة!
لم تصلني أصواتهم بوضوح، كما لو كنت بعيد جداً!
سرت الرجفة في أناملي رغماً عني حين ضربت على كتفي بِخفة وقالت وهي تعبس بعدم رضى: لنتخلى هذه الفكرة الآن، لنسمع ما سيقوله لارز أولاً.
سوف تنصت إلى قوله، لا أدري ما قصة الأفكار التي تراود عقلي دفعة واحدة ولكنني أعلم مدى الانزعاج الذي يسيطر على وحسب!
وقعت عيناي على سبابته التي يحركها بطريقة دائرية.
ضاق صدري واشتعل في نفسي الغيظ أحدق إلى يده التي تمنيت لو. تتوقف عن حركتها وحسب!
كما لو أسمع عقارب الساعة في كلتا أذناي!
أنا لا أعلم هل كانت متابعة حركة يده مستفزة أو أنني فقط أبحث عن عذر مناسب لأغضب!
هذا الرجل يبدو جاداً بتحذيره، إن أقدمت أنا أو هي على أي فعل متهور فلا فكرة لدي عما سأتورط فيه.
جرّب أن تقترف الخطأ لتمحوه بفعل يصحح مسارك، جرّب أن تتعثر وانهض بينما يمسك بيدك شخص ما!
أريد أن. أرتكب خطئاً!
أرغب في التعثر وحسب.
نظرتُ إليها بينما تبتعد ببطء، توجهت عيناها نحوه وقد كان من الواضح أنه ينتظر أن تتقدم نحوه أيضاً.
إن بقيت تتنازل دائماً فيوماً ما ستتهور عندما تنتابك رغبة التمسك بشيء تريده، بفرصة، بِحدَث، أو حتى بِشخص ما، إيّاك ولوم أحد حينها
توقف جَسدها عن التحرك باتجاهه حين التقط يدي معصمها وجذبتها نحوي، شهقتْ إثر ذلك وكادت تتعثر ولكن استقر الأمر بها أمامي مباشرة!
خطأ فادح وتهور بلا شك.
ما قد أقدم على فعله ربما لا يعبر عني! وربما. هو فقط رغبة عارمة تنتابني للتخلص من قيد يزعجني!
أو قد يكون.
أمر أتهرب منه منذ زمن بعيد!
لا أعلم لماذا عادت أصوات الناس من حِولي!
كما لو تم إزالة وضع السكون تماماً وتمكنت كلتا أذناي من التقاط أصواتهم مدركاً لتصفيق البَعض وضحكاتهم المستمتعة!، لا مَجال للعودة، لا أدري كم دام ذلك، ولكنني أدرك جيداً بأنني سلكت طريق لا تراجع فيه!، سبق و أحكمت قبضتي على معصمها الأيسر في حين استقرت يمناي على وجنتها ما ان أخذت بشفتيها بين شفتاي.
ارتكاب الأخطاء.
ليس بهذا السوء!
ما فعلته لا يتماشى مع مبادئي.
هل يشعر الآخرين بالسعادة عندما يتخلى جزء منهم عن رغبتهم في تحمل المسؤولية؟
كما لو تنتابني الخفة والتحرر من شيء كان يُثقل عاتقي منذ زمن طويل جِداً.!
نظرت بصمت مطبق إلى من قام بدفعي بعيداً عنها وأمسك بياقتي وعيناه تحدق إلى بوعيد وحِدة قبل أن يهمس بصوت متهدج: كُن متأهباً لدفع ضريبة فعلتك.!
ترك ياقتي ودفع نظارته بسبابته قبل أن يجز على أسنانه وينظر إليها بغضب فوجهت ناظري إليها كذلك.
تقف والتعجب الشديد واضح على ملامحها، تحدق إلى بأعين رمادية قد اتسعتا بعدم تصديق حتى نظرت من حولها للجميع قبل أن تعيد ناظرها إلي.
تلك الشائعة كانت مجرد هراء! هو على علاقة بمصورة المجلة فمن الذي قال بأنه لا يميل إلى التعامل مع النساء بسهولة!
هما يتواعدان! لا عجب في أنهما كانا يجلسان بجانب بعضهما في المسرح أيضاً!
لقد لمحتهما يدخلان معاً أيضاً
انهالت الأقاويل في المكان وكلما تفوهوا بحرف واحد كلما شعرت برغبة عارمة في الضحك! أنا. ما الذي يدفعني لكل هذا الحماس؟ هل ارتكاب فعلة خاطئة متهورة لا تتفق مع مبادئي أمر بهذا التشويق حقاً؟
انتبهت لتلك الشقراء المدعوة روز تحدق إلينا بدهشة وقد انكفأ لونها بوضوح.
بجانبها صديقتها الأخرى جانيت التي تتكتف وتنظر إلى بتمعن وجمود شديد.
كَتاليا إذاً.
بدى التفوه بإسمها للتو أمر سهل لم يكن بالصعوبة التي ظننتها طوال الوقت!
نظرت إليها حين اقتربت منها إحدى النساء اللواتي خمنت أنها موظفة في المجلة معهم لتقول بحيرة وحماس: أنتما على علاقة كتاليا؟ منذ متى!
انضمت إليها امرأة أخرى تتساءل تبتسم بعدم تصديق: سمعنا أنكِ من قدمته للعمل كعارض في المجلة، هل كان صديقك قبل ذلك حتى؟
استمرت أعدادهن في التزايد حتى تملصتْ منهن وأسرعت نحوي لتمسك بمعصمي تحثني على السير معها لتقول بجدية: أسرع، لنخرج من هنا علينا التحدث فوراً.
بقيت عيناي تحدق إلى يدها التي تمسك بمعصمي، سمحت لها باقتيادي وتلك الرغبة العارمة في الضحك تجتاحني دون توقف! خرجنا من قاعة الطعام وقد كانت خطواتها سريعة تبحث في الأرجاء عن مكان مناسب حتى صعدت الدرج دون أن تنتظر المصعد.
عندما انتهى الأمر بنا في الطابق الثاني وتحديداً في رواق يؤدي إلى جناح يبدو أنه يحتوي على الكثير من الغرف توقفت هي عن السير تنظر إلى بإستنكار شديد وتساءلت بارتياب: ما المُضحك!
بقيت أضحك بخفوت رغم صعوبة تحديد أسبابي! ومع ذلك نفيت برأسي ومررت يدي في شعري للوراء لأقول: لاشيء، يصعب وصف الأمر.
عقدت حاجبيها وتركت يدي تتساءل بحزم: ما الذي يضحكك دانيال! الكثير من الأسئلة تجول في رأسي الآن! لماذا تتصرف بغرابة!
اردفت بعدم استيعاب: يفترض ان تفقد وعيك صحيح؟ اه لا لقد تقدمت كثيرا ليس الى هذه الدرجة، ربما كنت ستفقد اتزانك وثباتك! ستضطرب بوضوح وستبرر الامر للجميع طالما لم تعد مرغماً، اليس كذلك؟
هل تعلم حتى ما يعنيه أن تضحك أو تبتسم براحة بعد كسرك لحواجز تقيدك أو مخاوف تسيطر عليك؟
حواجز أو مخاوف.
أي نوع من المخاوف قد يسيطر على ويتبدد بعد فعلتي المتهورة؟ يوجد بلا شك حاجز. ربما يصعب تفسيره أو أنني فقط لا أريد لنفسي الوصول اليه! والان لماذا تلاشت رغبتي في الضحك وبدأت فجأة اشعر بالضيق يتصاعد في جوفي! هذه التناقضات والمفاهيم المعاكسة لبعضها البعض منهكة جداً.!
هذه الفتاة وجودها في حياتي منذ البداية قد قلب الموازين كلها!
كنت في حيرة من امري ولم اتوقف عن السؤال عما تريده مني وعما ترغب في تحقيقه من خلالي ولكنني الان اريد فقط ان افهم. ما اريده انا منها؟
لماذا اشعر بالغبطة الشديدة؟ هناك أمر تمتلكه هي بينما أعجز عن الوصول إليه!
هناك أمر يميزها.
أفتقر إليه!
مجرد متهورة تهتم بمصلحتها المهنية والشخصية لا تمانع استغلال الاخرين والتصريح بذلك بصوت عالي فما الذي اريده من.
ا.
التصريح بصوت عالي؟
تجولت عيناي عليها وقد بدى عقلي يتهرب من سؤالي جاهداً.!
عندما نادت بإسمي بجدية انتزعتني من افكاري وقد نظرت من حولي بتدارك وتنحنحت.
تكتفت وقالت بهدوء تحدق إلى بتركيز: كنت أنوي التراجع بعد تحذيرات لارز، ولكنك ضربت ذلك بعرض الحائط.
اردفت تضيق عينيها بحزم: لا مجال للعودة او تدارك الموقف، اريد فقط ان افهم ما حدث للتو! لماذا كنت مُصراً فجأة؟ يفترض ان تنتابك السعادة عندما تسنح لك الفرصة بالتراجع الست محقة؟
أومأت ايجاباً فاعترضت: لا تؤيدني دانيال وانما اجبني!
نظرت الى معصمها لادرك ان يدي قد تركت اثرا خفيفا، يبدو انني كنتُ ابالغ في كل شي قبل لحظات!
تحرك فمي لاتمتم: لا جواب بحوزتي.
زمت شفتيها بقوة قبل ان اتفاجئ بقولها بصوت متهدج: أنا المستأجِرة في منزلك، دخيلة بينكم، المصورة في المجلة وزميلتك في العمل، مديرة اعمالك المزيفة. عدى ذلك فلا يوجد أي اضافة أخرى ضمن هذه الدائرة.
لا يوجد اضافة.
أخرى.
استرسلت تنفي برأسها بعدم رضى: قلت لكيفين ان يبعد يديه عما تكتنزه بعيدا عن الآخرين لئلا يُلوث. انتَ لم تعني قولك هذا لأغراض خارج الدائرة التي ذكرتها للتو، صحيح؟
كنزي الثمين. يتضمن كل ما تشمله هذه الدائرة.
فمي يتحرك من تلقاء نفسه!
بطريقة ما يرغب لساني في التحرك دون توقف.
طرفت باستغراب شديد وعدم فهم لتعقد حاجبيها بتفكير قيل ان تردد كلماتي بصوت خافت وتلحقها بسؤالها: ما الذي. تقصده؟
تنهدت بعمق وتراجعت للوراء اسند ظهري للوراء، ارخيت ربطة العنق قليلا ثم سرعان ما نزعتها لادسها في جيبي والتزمت الصمت تماماً.
ما حدث بيننا للتو، ايا تكن النتيجة دانيال، ايا تكن الورطة التي يعنيها لارز، ومهما كانت أسباب أبي، عليك ان تعلم جيداً.
صمتت تخفض ناظرها قبل ان تحدق إلى بجمود: منذ مدة مضت أنت رجل أملكه بالفعل لأغراضي الخاصة وانت تعلم هذا جيدا دون حاجتي الى ترديده. منذ ان قبلت العمل معي، بل منذ ان سمحت لي بالدخول الى منزلك، لا. بل منذ ان وقعت عيناي عليكَ منذ البداية، لذا ما حدث لن يغير اي شيء! لن تأخذ الاحداث منعطف آخر، ولن يسلك احدنا طريق معاكس.
رجل تملكه.
مُجرد أداة مفيدة إذاً.
هذا هو الحال دائماً، لا شيء جديد.
كنت قد استسلمت لها بالفعل.
انها الحقيقة!
ابتسمتُ بتهكم وشبكت كلتا يداي خلف رأسي بصمت فاستكملت بحدة: انا اعني هذا حرفيا لن يسلك احدنا طريق معاكس، كما انني لا الومك على شيء انها فكرتي انا، ولكنني استنكرت اصرارك وحسب لذا وجب على ان اذكرك بأنك.
أنا لكِ. افعلي ما شئتِ.
تمتمت بها بصوت فاتر وتحركت لابتعد.
احيانا تكون الادوات مفيدة لاشباع حاجيات الاخرين، تكون ضرورية ومن المهم الاستعانة بها.
ولكن حتما سيأتي يوم يشعر المرء بالملل منها أو بالرغبة في استبدالها. الادوات البديلة متوفرة دائما.
لا بأس.
الى ان يحين وقت استبدالي لا ضرر من قضاء الوقت في اكتشاف المزيد من تلك الاعماق الكامنة في داخلي.
كنت مجرد اداة تشبع حاجة دامين الذي حاول ان يشكّلني بطريقته المظلمة، وعلى صعيد آخر مُجرد ابن عليه ان يتحمل مسؤولية شقيقيه وفي نظر والده هو الانسب، ثم مجرد بطل خارق مذهل يُضرب به المثل في الارجاء.!
انظرو انه دانيال الذي.
يقوم بمساعدة اخاه الاكبر دائما.
لا يتردد في الخروج من حصصه الدراسية عندما ترده مكالمة طارئة بشأن احد اخويه!
رفض عرض للمشاركة في احدى المسابقات وقرر البقاء الى جانب عائلته، هذا الفتى يفعل الكثير لعائلته!
كن مثل دانيال الذي يدخر من مصروفه لأجل شقيقيه.
ابقى قوياً مثل دانيال الذي يدافع عن اخويه دون اي خوف او تردد.
القدوة. القدوة. القدوة!
ثم يتراجع القدوة بعيداً عندما تصبح مناعة اخاه الاكبر افضل ويتحسن عندما ينضج ويصبح رجلاً يُضرب فيه المثل!
كن مثل اخاك كارل وتعلم منه كيف تكون لبقاً لطيفاً.
لماذا لا تتحلى بالأخلاق والاداب العامة لا يعقل أنكما اشقاء!
لقد انجب هاريسون الطف رجل قد يتعامل معه المرء على الإطلاق!
ثم يتراجع الابن الوقح أكثر، تضمحل مكانته شيئاً فشيئاً عندما يصبح توأمه محط انظار للاشخاص الطيبين النادرين الذين اشفقوا على حاله مدركين انه كان ضحية مرضه النادر و تركوا اثرا جيداً على الاخرين وان كانو قِلة.
احرص على سلامة أخاك لئلا يؤذي نفسه.
كن اكثر نباهة ولا تغفل عن أخاك لا يجب ان يضايقه الاخرين.
تأكد من الا تضع امامه طعاما ساخنا جداً ماذا لو اذى نفسه مجدداً!
ابقى معه اطول وقت ممكن وتوقف عن التسكع في الارجاء!
لا تتأخر في الجامعة اخرج فور انتهاء محاضراتك ولا تترك أخاك وحده.
قدوة، ثم بطل خارق و محامي الدفاع، ثم وأخيراً اداة متاحة للجميع.!
ومع ذلك لا افهم.
ما الذي اصابني؟ ما الذي أريده الان!
انا.
لا زال القلق ينتابني.
من نفسي!
كلمات كيفين.
صداها يتردد في اذني.
ليس كلماته الاخيرة فقط وانما منذ البداية! منذ أن واصل ترديد موضوع دفاعي عن المجرم الهارب، وانتهاءَ بكونه مجرد شخص يجلس على دكة الاحتياط.
ما الذي أفعله تحديداً.؟
عقدت حاجباي انظر الى مجموعة الرجال أمامي لأتخلى عن هجوم الافكار السوداوية المفاجأة على عقلي!
أكثر من خمسة رجال يرتدون البدل السوداء وكل منهم كان ذو بُنية ضخمة، أنا لا أتخيل من الواضح أنهم يحدقون إليها هي تحديداً!
عدت بتلقائية للوراء وسألتها فوراً بحذر: من هؤلاء؟ تعرفينهم؟
ارتفع حاجبيها تنظر خلفي قبل أن تتسع عينيها وهمست فوراً تنظر إلى بتحذير وانفعال: أقترح أن تغادِر فوراً.
ماذا؟ ما الأمر تحدثي!
نفيت برأسها بتشتت وقالت بعصبية لتتجاوزني تنوي التوجه إليهم: سأخبرك لاحقاً غادر وحسب لا يجب أن أورطك في شؤوني!
استوقفتها بغيظ وتقدمتها لأحيل عنها الطريق ما ان وصلوا ليقول أحدهم بجمود ينظر إلي: ابتعد.
لويت شفتي ممتعضاً بشدة: خمسة منكم دفعة واحدة، ياللوقاحة!
تقدم أحدهم وقال لها: تَفضلي مَعنا، السيد في انتظارك.
رفع يده كما لو ينوي أن يتجاوزني ويمسك بيدها فأسرعت أمسك بيده وقلت بجفاء: ما الذي تنوي فعله؟
تدخلت هي لتقول بإضطراب وقلق: آه تباً يُمكنني تَخمين كِمية الغضب التي تنتابه لابد وأنه سينفجر في وجهي فور رؤيتي، لا بأس سأرافقكم، دانيال ابقى خارج الموضوع.
ازعجني قولها وقد التفت أنظر إليها بجدية: من هؤلاء تحديداً تحدثي؟
زمت شفتيها ثم زفرت تشيح بناظرها: دانيال لقد كسرتُ أوامر أبي ولن يتساهل معي لذا أريدك أن تنسحب لئلا يسوء الوضع.
تدخل الرجل مجدداً وقد تجاهل كلانا ليمسك بمعصمها يجرها بحزم: يريدك السيد حالا تحركي.
استوقفته بغضب لأدفعه بعيداً أحرر معصمها وقد نهرته: مَن هو سيدك؟ والدها؟
قال الآخر بحدة: كانت الأوامر واضحة، سنأخذ الآنسة بأي أسلوب علينا اتباعه، ابتعد من فضلك ولا تتدخل.
رمقته بطرف عيني وحينها تعالى رنين هاتفه فأسرع يجيب على المكالمة وهو يهمهم إيجاباً حتى قال بهدوء: فهمت سيدي.
أنهى المكالمة وقال لي: أنتَ أيضاً سترافقنا.
ابتسمت بتهكم وابعدت يداي عن زميلهم: ياللثقة!
تفاجأت بها تتدخل وقد صاحت بهم بغضب: لن يفعل! انه خطأي أنا، لقد حرضته على ذلك لا شأن له بما حدث، لنذهب!
دس الهاتف في جيبه وقال بجمود: أُمِرنا بأخذ كلاكما.
تقدم أحدهم منها ولكنها اسرعت تعترض وقالت تتراجع: لن أذهب برفقة دانيال، إما أنا وحدي أو لن أذهب!
ولكنه قال يقترب منها بجدية: يا آنسة لا تهدري الوقت ورافقينا!
نفيت برأسها بعناد وتراجعت أكثر تنظر إلى من تلقى المكالمة: عاود الاتصال به حالاً وأخبره بأنني سأرافقكم وحدي! لا داعي لاقحام دانيال بالأمر.
هؤلاء الرجال. يعملون لصالح والدها؟، إن كان الأمر كذلك فهذا يعني أنه يشتعل غضباً بناء على قول ذلك المدعو لارز، وإن كان غاضباً بالفعل فهذا يؤكد وجود ورطة حقيقية!، نظرت إليها تواصل الاعتراض والجِدال بل أنها قامت بركل ساقه بكعبها تحاول نهره بكل الطرق.
منذ اللحظة التي تجاوزت حدودي أصبحت متورطاً في أمر يعنيها!؟
ورطة من أي نوع تحديداً؟ هل الأمر بهذا السوء؟ هل ما فعلته وأقدمت عليه زاد من إمكانية حدوث ما هو أسوأ بكثير؟
سأرافقكم.
قلتها بهدوء فاتسعت عينيها تنظر إلى للحظة وسرعان ما اعترضت بغضب: قلت لك لا شأن لك لماذا تصر على.
قاطعتها بتبرم أزفر بملل: أتحمل جزء من المسؤولية!
نفيت برأسها بعناد: لن ترافقني.
سأفعل.
قلت لا!
اتخذت قراري بالفعل.
فليذهب قرارك إلى الجحيم ابقى بعيداً وتوقف عن هذه الأدوار البطولية الأمر ليس بمزحة!
تجاهلتها ونظرت إليهم: لنذهب.
ولكنني تفاجأت بها تركض باتجاه معاكس وقد صرخت بحدة: لِنرى إذاً.
تبعها فوراً ثلاثة منهم وبقي اثنان إلى جانبي! تحركت قدماي بتلقائية لأتبعها ولكن الاثنان قد أمسكا بي فنظرت إليهما بإستنكار شديد: ماذا؟
تحدث من يقف على يميني: ابقى هنا.
ابعدت يده عني بعنف فتراجع للوراء قليلاً، بقي الآخر يمسك بذراعي فقلت بحزم: لن أهرب وما شابه لا تقلقا، ولكنني لن أتركها وحدها مع أؤلئك الثلاثة الهائجين.
جادلني يواصل احكام قبضتيه على ذراعي: اتبعنا.
رفضت التحرك من مكاني وقد نهرته بحدة: قلت لك لن أتركها!
ضاقت عيناي بتحذير وقد دفعته عني بنفاذ صبر فابتعد قليلاً ولكنه أصر على عدم تركي، أشعل ذلك في نفس الغيظ وقد جزيت على أسناني قبل أن أحذره: ابتعد وإلا.
اقترب الآخر على حين غرة ليمسك بذراعي الأخرى، وكانت فعلته سبباً لأنفجر غضباً انتزع ذراعي لألكم الآخر على وجهه فوراً.
أخفض رأسه يتأوه ولكنه سرعان ما نظر إلى بغضب يمسح دماء أنفه وقد صاح بي بجمود: رافقنا بهدوء وإلا تصرفنا معك تصرف آخر!
لمحت الآخر ينوي الاقتراب فابتعدت وقلت أرفع سبابتي محذراً: لا تفكر، قلت لكما لن أهرب ولكنني لن أتركها مع رفاقكم الحمقى، تلك الفتاة مجنونة وقد ترتكب الكثير من الحماقات، ابتعدا وحسب.
ولكنهما تقدما في الوقت آنه وعندما لكمت الرجل نفسه مجدداً راوغني صديقه ليقف خلفي يثبت كلا ذراعيّ حتى تفاجأت بمن يقف أمامي يسدد قبضته نحو معدتي!
سعلت وأسرعت أحني جذعي قليلاً لأبصق رغماً عني جراء قوة قبضته، هذا اللعين.
لم يتهاون ولو قليلاً! إلى أي مدى يشتعل والدها غيظاً؟
تجاهلت ألم معدتي واحنيت جذعي أكثر أمسك بذراع من يمنعني من الحركة خلفي حتى أرغمته على التمسك بي أكثر ثم قلبته رأساً على عقب على الأرض فتأوه يمرر يده على ظهره قبل أن يقف بسرعة وهجم كلاهما على في آن واحِد، اعترضت فوراً بغيظ: هذا غش!
جادلني أحدهما بغضب: توقف ولا تقاوم أكثر!
قال الآخر الذي لكمته مرتين: لا تتمادى!
تراجعت للوراء وقلت بجفاء أحاول التخلص منهما: ياللإزعاج! عليكما اللعنة لماذا لا تفهمان! قلت لكما لن أهرب أي جزء من هذا لا يمكنكما استيعابه! أنا لن أرافقكما حتى أرى أنها بخير ولن.
توقفت عن الحَديث أشعل بثقل غريب في لساني وقد غشى الظلام رؤيتي ما ان تهاوى على رأسي شيء أرغمني على فقدان توازني حتى شعرت بالضعف في كلتا قدماي.
هل. ضرب مؤخرة رأسي بقوة؟
كان هذا ما أدركته عندما تهاوى جسدي على الأرض وبدت الرؤية ضبابية جداً ولكنني أيقنت أن كل منهما قد أمسك بذراعي ليوقفاني ويقوما بتحريكي بسحب جسدي معهما.
أجفلت لأفيق من أفكاري وقد توقفت عن محاولة تخليص يدي من القيود عندما أدركت بالنظر إلى النوافذ أن الصباح قد حلّ بالفعل!، هل أنا مُقيد هنا منذ الأمس؟ عندما قاما بأخذي انتهى الأمر بي هنا ببساطة؟ اعتقدت أننا سنخوض حديثاً وحسب، أي نوع من الحديث هذا!
هل هي بخير؟ أين هي تحديداً؟ ماذا لو. أصابها سوء؟
نظرت إلى أرجاء الغرفة وقد أيقنت أنني لا أزال على متن اليخت، تصميم هذه الغرفة عصري وأنيق يطغى عليه طابع التصميم الخارجي لمرافق اليخت، انتابني الاضطراب الشديد وقد حاولت التلفت للوراء لعلني ألمح أي شيء مفيد ولكنني شعرت بالألم في ظهري فأدركت أنني كنت غائباً عن وعي بينما تلامس الحروق على جلدي ظهر الكرسي طوال الوقت.
سحقاً.!
طرفت بعيني بتدارك ما ان تهاوى على مسامعي صوت فتح الباب خلفي، فقدت الأمل في التلفت للوراء بأريحية فانتظرت رؤية من قام بالدخول إلى الغرفة!
أحد أؤلئك الخمسة مجدداً؟
ترقبت بصبر وتوتر ولكنني سرعان ما تفاجأت بقبضة يد تمسك بمقدمة شعري لتعيد رأسي للوراء بقوة ثم صوت مترع بالجفاء قال صاحبه بحزم: استيقظت إذاً.
تدخل صوت آخر مألوف كانت الرجفة فيه واضحة دلت على كبر سن صاحبه: سيدي لقد وعدنا الآنسة أننا لن نمسه بأي سوء، اتركه من فضلك ولا تفقد أعصابك.
أبقى قبضته على شعري بقوة وأعاد رأسي للوراء أكثر حتى تمكنت من رؤيته أخيراً.
هذا الرجل!
بقيت أحدق إليه بعدم استيعاب أو تصديق في حين قابلتني عيناه الزرقاء المترعة بالإزدراء! تحرك لساني لأهمس بتشتت: ه. هذا. أنت!
ثم نظرت فوراً الى الكهل ضئيل البنية لأستوعب متمتماً: أنتما. لم يكن ظهوركما مسبقاً مجرد صدفة!
تحرك الكهل وقال له بهدوء يعقد حاجبيه: سيد آرثر دع الشاب وشأنه لا يجب أن نتمادى.
بقي يحدق إلى بعينيه الزرقاء بغضب واضح حتى شد على شعري أكثر وانحنى نحوي مقرباً وجهه ليهمس بصوت حاد: تجرأت وتجاوزت حدودك، تعتقد أنني سأمرر فعلتك ببساطة؟ كيف تجرؤ أيها النكِرة على لمس ابنتي بل وأمام مرأى الجميع!
والدها!
الرجل الذي ظهر أمامي يتعرض للنصب والإحتيال لم يكن ظهوره مجرد صدفة! تعمد الظهور أمامي؟ ما الذي كان يخطط له تحديداً؟
جزيت على أسناني بقهر أحدق إليه أحاول كبح غضبي جاهداً، في حين تدخل الكهل مجدداً وربت على ظهره مهدئاً: سيد آرثر حافظ على هدوءك! دعه وشأنه لن تحصد أي نتيجة.
ابتسمت وقد ارتجفت شفتاي إثر غيظي لأقول بتهكم: لأن ابنتك تعيش في منزلي؟ لذا لم تمانع لعب دور الرجل الثري الذي يتعرض للاحتيال هنا وهناك! كيف كانت دراستك بشأني يا ترى؟ ما الذي توصلت إليه؟
كبحت غضبي ورغبتي في الصراخ في وجهه جاهداً ولا سيما عندما تمتم بجمود دون ان يبعد قبضته: توصلت إلى الكثير، ومع ذلك أعترف أن فعلتك كانت غير متوقعة، توقعت أن تتهور ابنتي ولكنك كسرت توقعاتي تماماً.
تجاوزت كلماته وسألته بجفاء: أين هي تحديداً؟ هل هي بخير؟
صاح في وجهي بسخط: لا تدعي الإهتمام، لا شأن لك بها إياك وأن تجرؤ على السؤال حتى!
ولكنك تجرأت على تركها وشأنها في حين كانت تبحث عن مكان لتستقر فيه بينما يعنفها ذلك الوغد!، انشغلت بادعاء السذاجة وأتقنت دورك بدلاً من النظر بكل جدية في موضوعها.
هوى كف يده على وجنتي بعنف فأسرع الكهل يقترب وسحبه مهدئاً: توقف سيد آرثر أرجوك ابتعد عنه!
ابتسمت بسخرية ومسحت الدماء على طرف شفتي بكتفي متمتماً بإستفزاز: كان الوتر الحساس اليس كذلك؟ لقد تركتَها بالفعل تتخذ قراراتها المتهورة لذا لا تدّعي الغضب الآن.
رفع طرف شفته وقد نال السخط منه بوضوح!
ولكنه سرعان ما أشاح بوجهه يأخذ نفساً ويزفره بقوة كما لو يحاول تمالك أعصابه.
توقعت كل شيء. ولكن أن يكون هذا الرجل هو والدها؟
كان يراقبني عن كثب! كُل شيء كان. مُجرد ادّعاء وكذب!
سألته بعصبية عجزت عن كَبحها: لماذا تركتها تعيش في منزلي إن كنت حذراً إلى هذه الدرجة؟ استمتعت بتأدية ذلك العرض اكثر من مرة ثم ماذا؟ ما الذي جنيته؟ إن كنت قلقاً بشأنها فكيف يمكنك ت.
ما الذي تهدف إليه أنت؟
قاطعني يتساءل بينما يدس كلتا يديه في جيب بنطاله، وقف الكهل إلى جانبي ثم لمحت يده التي رفعها نحوي فأبعدت وجهي عنه بتلقائية.
ولكنني تفاجأت به يتنهد ليخرج بيده الأخرى منديلاً حريرياً وقال بهدوء: لا تقلق لن أقدم على فعل أي شيء.
رفع يده يمسح بالمنديل الدماء بجانب فمي فالتزمت الصمت تماماً، أعدت ناظري حيث والدها الذي بقي يحدق إلى بتمعن وتركيز ثم قلت بجمود: فكّ قيدي.
ليس قبل أن تتفوه حالاً بدافعك الحقيقي.
قالها بثقة فزفرت بملل وضجر شديد لأتمتم: هل تعي ما تقوم بهِ حقاً؟ أو أنك تتمتع بنفوذ يجعلك مُدركاً أنه لا يوجد ما يستدعي القلق حول ما تفعله؟
تحرك نحو حقيبة سوداء على الأريكة أمامي على بعد مسافة، أخذها وقال ببرود: لأي غرض تبذل جهدك في ادعاء رغبتك في حماية كتاليا يا ترى؟ ما الذي تنوي عليه حقاً؟
جلس على الأريكة وأردف يمرر سبابته على الحقيبة التي وضعها على الطاولة المستديرة: هل يثقل دين عائلتك عاتقك؟ هل كنت تحاول وبطريقة ما العثور على سبيل للخروج من هذا المأزق؟
جزيت على أسنانك بقهر مدركاً لما يلمح إليه ومع ذلك حاولت الحفاظ على رباطة جأشي! يعلم عن ديون عائلتي؟ لقد تحرّى حول الأمر ويعتقد أنني أنوي استغلال ابنته!
توقف الكهل عن مسح الدماء وابتعد ليتحرك ويقف بجانب سيدّه بصمت يشبك كلتا يديه خلف ظهره يخفض كلتا عينيه بهدوء.
لا ردّ بحوزتك؟
تساءل بتهكم مترع بالإزدراء وعينيه الزرقاء تجوب على وجهي بترقب، نظرت إليه للحظة قبل أن أقول بجمود: نعم حاولت استغلالها.
ضاقت عينيه فوراً فأكملت بفتور: العمل كعارض سيعود بالنفع على اليس كذلك؟ المال الذي سأتقاضاه من العمل معها سيساعد بلا شك على دفع دين عائلتي في وقت أقصر. هل يبدو لك هذا الاستغلال سيئاً إلى هذه الدرجة؟
تصلب فكه قليلاً وهو يسند مرفقه على مسند الأريكة، ثم قال بتهكم يضع ساقاً على الأخرى: مؤثر جداً، هل هذا هو الدافع الوحيد يا تُرى؟
أضاف يرسم ابتسامة ساخرة: آه لما لا! لِنرى.
جذب الحقيبة يقربها إليه أكثر، ثم فتحها وأدارها نحوي لأرى ما في داخلها.
عقدت حاجباي أحدق إلى المغلف البني الذي أخذه منها وابقاه معه لتتضح حزم الأموال التي لا تعد ولا تحصى بداخل الحقيبة!
ولكنني سرعان ما تفاجأت به يأخذ الحزمة تلو الأخرى ويلقيها نحوي حتى ضربت إحداها وجهي!
إليكَ المال الذي سيحل مشكلة دين عائلتك، حُلت المشكلة وانقضى الدين أخيراً، وستعود كتاليا إلى لذا كن راضياً.
ارتجفت شفتاي إثر القهر الذي يعتريني، بقيت أنظر إليه دون أن أكلف نفسي عناء القاء نظرة على الأموال التي القاها نحوي.
ربما.
أشعر لأول مرة بالإهانة الشديدة! الغضب يعتريني وأطراف جسدي لا تتوقف عن حركتها المستمرة إثر الرجفة القوية!
كيف يجرؤ!
شعرت بتدفق الدماء في سائر جسدي وقد فشلت في الحفاظ على هدوئي لأزمجر: إن كنت ألهث خلف المال فأنا لست عاجز عن العثور على أسهل الطرق لجمعه!
نفي برأسه ببرود: ولكنك لم تفعل، أنت بالفعل عاجز عن العثور على طريقة افضل لتسديد دين عائلتك أيها الشاب.
فتح المغلف البني بين يديه ورأيته يخرج أوراقاً كثيرة، القى بها كلها على الأرض أمامي بعشوائية فتناثرت في المكان!
صور؟
ضيقت عيناي بتركيز حتى شعرت ببرودة أطرافي مدركاً لكونها صور حقول القرية وضواحيها المتأثرة بالحريق!
نظرت إليه فوراً بعدم استيعاب وتشتت فقال يهز قدمه بخفة: الحريق الذي افتعله شقيقك، الخسائر الفادحة التي تدفعون ثمنها، الديون التي أثقلت عاتقكم، هل كل هذه الأسباب ليست كافية لتقتنع أنك تحاول استغلال وجود ابنتي حقاً؟ من الذي تحاول اقناعه بهذا الهراء؟
صور الحقول بعد الحادثة! لماذا شخص مثله قادر على أخذ صور ملف القضية من مركز الشركة؟ إلى أي مدى كان يتحرى حولي؟
بقيت أنظر إليه بضياع قبل أن يتلعثم لساني رغماً عني: كيف تمكنت من الإطلاع على ملف القضية؟ حتى لو كُنتَ ذو نفوذ ولكن لا ينبغي أن تسمح السلطات باطلاع أي شخص لا شأن له بالقضية في التحري حولها! أنت. لماذا تصر على.
لست سعيداً؟ قد أساهم ببساطة في مساعدتهم! يمكنني المساهمة في القاء القبض عليه ينبغي أن تكون مسروراً اليس كذلك؟
أضاف فوراً بتهكم: ما هذا التعبير الذي يعتلي وجهك فجأة؟ لا تبدو مسروراً!
لا تفكّر في لمسِه حتى.
خرج صوتي متهدجاً غاضباً فأومأ وتمتم: كما توقعت لن تمانع الدفاع عنه!
زمجرت بغضب: أنا لا أدافع عنه ولن أفعل! أقسمت أنني سأكون أول من يلقنه درساً على كل ما ارتكبه، ولكن دامين بحاجة إلى سماع اعتذار كل من أساء إليه منذ طفولته! يستحق العقاب ولكنهم يدينون له بالاعتذار! من حقه سماعهم ي.
دانيال هاريسون فريدريك.
تمتم بإسمي بهدوء وأضاف وقد أرخى ظهره للوراء: وُلد شقيقك التوأم بمرض نادر لا علاج له، لا يشعر بالألم وقد تمت الإساءة إليه من الجميع جراء ذلك، أكمل تعليمه في المنزل منطوياً على نفسه، الوقت الذي قررت فيه أن تترك فيه كلوفيلي لتعمل في مجال دراستك افتعل أخاك الحريق الذي راح ضحيته خمسة ضحايا، أكثر من عشرين شخص أصيبوا بجروح بليغة، وما لا يقل عن ثلاثين مزارع خسروا محاصيلهم وتأثرت أراضيهم. ربما لا تدرك هذا أيضاً، ولكنني أعلم جيداً. أنكَ تلوم نفسك على ما حدث.
يعرف كل شيء!
استكمل حديثه ببرود: لدى شقيقك سجل حافل بالسلوكيات المريبة التي جعلت من الجميع ينفر منه باستمرار، ناهيك عن طفولته التي لم يمانع فيها ايذاء نفسِه مرارا وتكرارا محاولاً الشعور بالألم ما ان أدرك انه فاقد الإحساس الجسدي، متعلق بك كثيراً وربما هو مهووس بالفعل بفكرة أنه الوحيد القادر على التواجد حولك، ولطالما استفزته فكرة تواجد الآخرين برفقتك. وبعد كل هذا. برأيك كيف قد تكون ردة فعله بعد ما قمتَ به أمام مرأى الجميع في الحفل؟ هل تدرك بحق الإله عدد الهواتف التي صورت ما حدث؟ هل تعي كم عدد المشاهير الذين كانو يقومون بتصوير البث المباشر آنذاك؟
تغيرت نبرته في سؤاله الأخير وقد علا صوته بغضب. كما لو سكب على وجهي ماء بارد لأستوعب كل حرف تفوه به!
دامين.
لن يستفزه ما قمت به وحسب!
ك. كتاليا!
تسارع نسق أنفاسي بشدة وقد انتابني اضطراب أرغمني على النفي برأسي باستمرار حتى قلت بإندفاع: تم تصوير ما حدث؟ إن. إن رأى ذلك فسيجن جنونه حتماً! دامين لن يتجاوز ما حدث!
أضفت بتوتر أكمل بصوت عالي: هل فات الأوان؟ لا يمكنك طلب حذف البثوث المصورة من كل من قام ببثها؟ ربما لم يعلم دامين بشيء بعد! أقصد. سيختفي البث بعد مرور يوم كامل على نشره صحيح؟ ولكن لازال يمكنك أن تأمرهم بحذفها من حساباتهم في أقرب وقت! سأفعل أي شيء يمكنني فعله ولكن لا يجب أن أورطها في شؤوني! أخي لا يفكر بعقلانية سيعتقد أنها مجرد ند له، سبق واعتقد أن صديق طفولتي مجرد عقبة وعبء بالنسبة له لذا لا يجب أن يستفزه ما حدث.
نال مني وهن غريب وصورتها بينما تعبس تطلب مني مساعدتها لا تفارق مخيلتي!
هذا. غير عادل! اعتقدت أنني من سأقحم نفسي في ورطة تخصها ولكنني لم أتصرف بحكمة وقد نسيت تماماً أن فعلتي من شأنها استفزاز دامين بشدة!
خشيت أن تراجعي عن تنفيذ طلبها سيرغمني على الابتعاد.
الابتعاد؟
خشيت أن أبتعد. عنها!
أقدمتُ على تِلك الحماقة لأن فكرة امكانية تواجد المدعو لارز حولها. فكرة لا يمكنني تقبلها!
أنا.
حتى لو كنت مُجرد أداة بالنسبة لها ولكنني لست مستعداً بعد. لأن تتخلى عني!
أغمضت عيناي بإنهاك للحظة ثم نظرت إليه وقلت: لم تعلق، هل أخمن أنك قمت بطلب حذف كافة البثوث المصورة؟
تكتف واكتفى بالنظر إلى فتنفست الصعداء فوراً، ولكنه سرعان ما قال بجفاء: متابعي ومعجبي معظم المشاهير يقومون بتصوير البثوث التي يشاهدونها، فحتى لو أرغمت المشاهير على حذف تلك البثوث لن تكون نِداً لعدد مهول من معجبيهم الذين يستخدم مواقع التواصل.
اتسعت عيناي أحدق إليه واليأس يعتريني! سيتم نشر المقطع المصور من البث، هل هذا يعني. أن مشاهدة دامين لما حدث أمر محتم؟
لا يمكن!
كيف بحق الإله سأصحح المسار الخاطئ الذي اتخذته بفضل حماقتي!
كيف من المفترض أن أبقيها بأمان؟
سيظن أنني أحاول استفزازه! أنا لم أفعل ذلك مُحاولاً لفت انتباهه بل نسيت الأمر تماماً! إنه خطأي أعترف! المُهم الآن أن أعثر على حل لأصحح فعلتي! على الأقل ي.
حتى لو لم تفعل هذا بِهدف لفت انتباهه، ولكن من أراد لفت انتباه شقيقك قد حقق مبتغاه بالفعل.
قالها بجفاء شديد ونظر إلى الكهل ليقول بحزم: آرون.
أومأ له المدعو آرون وتحرك نحو الباب ليخرج، ساد الصمت المثقل في الغرفة وقد شعرت بمدى رغبتي الجامحة في.
الاطمئنان وحسب! حينها سألته بجدية: ما الذي يمكنني فعله؟ هل ستكون بأمان؟ أنا. أعتقد أنه من الضروري أن تخرج من منزلي! أنصت أنا لا أمانع أن أقوم بتصحيح الأمر! ماذا لو قمت بتصوير بث أعتذر فيه عما حدث! سأقوله أنه خطأي، بأنني ارغمتها على ذلك، بأنه حدث فجأة ورغماً عنها، هي حقاً لا شأن لها لقد حاولت التراجع في اللحظة الأخيرة ولكنني. ك. كنت مُصراً!
مهلاً أقول بأنه.
خطأي؟
هل قلتُ هذا حقاً؟
هذه المرة. خطأي أنا؟
بقيت عيناه تتجول على وجهي بتمعن، رفع ذراعه على ظهر الأريكة وتمتم ببرود: تصحح الخطأ الذي ارتكبته؟
ابتسم بشيء من القهر والحنق وهو يردف: أنت لا تدرك حتى حجم الكارثة التي تسببتَ فيها، أنت لم تورطها في مشاكلك الخاصة فقط ولكنك أيها المغفل متورط الآن فيما يعنيها هِي.
علقتُ على قوله فوراً بحزم: لا أهتم بتورطي في شؤونها، أخبرني بما يمكنني فعله لأجلها حالاً!
جزّ على أسنانه بقهر: تنتهي ورطتك ما ان يتم القبض على أخاك، ولكن ورطتها ليس من السهل التعامل معها، كم أود الآن الزج بك في السجن وحسب! تباً أيها الرجل أنت بالفعل تجلب الصداع لي ومِن الصعب توقع خطوتك التالية! رجل لم يلمس امرأة قط ولم يكن على علاقة بإحداهن كيف كان قادراً على القفز هكذا فجأة! أخبرك منذ الآن أنك ستدفع الثمن غالياً لتجرأك على لمس ابنتي.
أخفضت رأسي قليلاً أفكر قبل أن أقول بغيظ: لم تجب بعد! كيف من المفترض أن أبقيها بأمان بعيداً عن دامين؟
مرر يده في شعره الأشقر المَليء بالشيب والقى على نظرة غاضبة قبل أن يَهمس: ألم تسمع ما قلته للتو؟ قلت أنك الآن متورط في شأن أكبر بكثير يستدعي أن تقلق بشأنه أكثر من موضوع أخاك الذي سألقي القبض عليه عاجلاً أم آجلاً.
إن كنت قد تحريت جيداً حول دامين فكنتَ ستكون أكثر إدراكاً لما هو قادر على فعله حقاً، ذلك الحريق كان. انتقاماً لكرامته وتحذيراً لي، إن أغضبته مجدداً فلا بد وانه سيرتكب ما هو أسوأ! أخبرني وحسب ما على فعله الآن! أنت تعلم جيداً أن فعلته التي أقدم عليها راح ضحيتها خمسة أشخاص و.
توقف لساني أنظر إليه بإستيعاب وهاجس من الإرتياب قد سيطر علي: مات اثنان إثر الاختناق وهما يحاولان اطفاء الحريق، ومات الاثنان الآخران متأثران بحروق شديدة من الدرجة الثالثة والرابعة!