قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية المحترم البربري للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

رواية المحترم البربري للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

رواية المحترم البربري للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

استندت على والدتها لتتمكن من النهوض وتولت الخادمة إسنادها من الجانب الآخر، تورمت عيني آسيا من كثرة البكاء وبح صوتها من صراخها المتواصل، تأثرت والدتها بحالها الضعيف وضمتها إليها وهي تعاونها في سيرها البطيء لتكمل صعودها على الدرج، أردفت قائلة لتدعمها:
-محدش هيقدر يعملك حاجة طول ما أنا عايشة على وش الدنيا، خليكي واثقة في ده يا آسيا.

وكأنها تخاطب نفسها، لم تكن واعية عقليًا لما تقوله، انخرطت في دوامة ذكريات متداخلة مع أبيها كانت تنتهي دومًا بالشجار بينهما، لم تشعر نحوه بالحنو أو الاشتياق، بل كانت مشاعرها غريبة مليئة بالجفاء والبرود، لم تنتبه لعينين معتصم المركزتين معها، لم يقتنع بما رأه رغم حدة تصرفات والدها، أيقن أنها مسرحية هزلية لإقناع الجميع بأنها الضحية لقسوة أبيها وأنها لا تزال تعاني من فقدان الذاكرة، التفتت نادية نحوه برأسها صائحة فيه:.

- معتصم اتأكد لو سمحت إن البني آدم ده مشى خالص من الكومباوند
رد بتهكمٍ: -أكيد مش هيستنى بعد اللي حصل، ما هو دوره خلص على كده.

رمقته آسيا بطرف عينها بنظرة حادة ساخطة، فذلك الشخص الفظ لا يمتلك ذرة إحساس واحدة ليشعر بما يختلج صدرها من ضيق كبير، لم يؤازرها بكلمة طيبة لتهدئ من روعها، فقط قنوطه نحوها هو الواضح على تعابيره وظاهر حتى في ردوده الجافة، تأكدت في نفسها أن ردها عليه لن يجدي مطلقًا، أبعدت عينيها عنه وتابعت سيرها المؤلم حتى وصلت إلى غرفتها، لم تتركها نادية ولازمتها طوال اليوم جالسة إلى جوارها على الفراش، وواضعة لرأسها على صدرها لتبث لها إحساس الطمأنينة في نفسها حتى خلدت إلى النوم، فتركتها وانسحبت بهدوء حذر من الغرفة.

علم وحيد بما حدث أثناء غيابه من تجاوز عنيف ل شرف الدين ومحاولته أخذ ابنته بالقوة الجبرية، غلت الدماء في عروقه لإخفاء الأمر عنه حتى عودته إلى المنزل في المساء، عاتب زوجته قائلاً بامتعاض شديد ونظراته نحوها تحمل اللوم:
-إزاي كل ده يحصل وأنا معرفش؟
أجابته بحذرٍ: -ما هو معتصم اتعامل معاه.

لوح بيده متابعًا بعصبية ملحوظة: -الراجل ده لازم يتعمل ضده محضر، مش معقول يتهجم على بيتي في غيابي ويتساب كده عادي من غير ما يتحاسب
ردت عليه نادية بقلقٍ: - وحيد أنا مش عاوزة مشاكل، خلاص هو غار في داهية، خلينا..
قاطعها بحدةٍ وقد تجهم وجهه: -يا نادية اللي زي ده مش هايتهد، طالما عرف سكة البيت هنا توقعي وجوده في أي وقت.

شحبت ملامحها نوعًا ما عقب جملته الأخيرة التي زرعت القلق فيها، هتفت بجدية: -أنا هابلغ الأمن يمنعوه يدخل لو فكر يجي تاني
فرك طرف ذقنه وهو يكمل بنفس النبرة المزعوجة: -ماشي ده حل مؤقت، بس أنا هاشور المحامي بتاعنا ولازم يبقى في إجراء قانوني ضده
أكملت قائلة بتوجسٍ وقد انعكس التوتر في نظراتها: -مش ده المهم، بنتي فين من كل ده يا وحيد؟

لاحظ الاضطراب الظاهر عليها فوضع يده على كفها ضاغطًا عليه برفق وهو يؤكد لها: -متقلقيش، محدش هيتعرض ل آسيا طول ما أنا موجود
ردت بامتنان وقد تلألأت العبرات في نظراتها: -ربنا يخليك ليا يا وحيد
ثم عادت لشرودها الحائر من جديد، بدت كمن يفكر بصوت مسموع وهي تغمغم خافتة: -لو أضمن بس..
ابتلعت باقي جملتها لتضفي المزيد من الغموض عليها، اعتدل وحيد في جلسته ليسألها مهتمًا:
-بتفكري في إيه؟

ترددت في البداية عن الإفصاح عما تفكر فيه، لكن نظرات زوجها كانت واضحة للغاية في صرامتها، ودعم ذلك نبرته القائلة:
-قوليلي يا نادية
ابتلعت ريقها لتقول بحرجٍ مرتبك: -متقولش عليا بأخرف ولا..
رد مبتسمًا ليدفعها للبوح بما يملأ رأسها من أفكارٍ: -يا حبيبتي قولي بس وأنا سامعك
سحب شهيقًا عميقًا زفرته دفعة واحدة لتحفز نفسها قبل أن تتابع: -لو كان ينفع كنت خليت معتصم يتجوز آسيا، بس أنا عارفة إنه صعب.

رفع حاجبه للأعلى متسائلاً باستغرابٍ كبير وقد بدا مستنكرًا لمجرد تفكيرها في ذلك الاقتراح غير الفعال:
-إنتي بتتكلمي جد؟!
ردت موضحة: -هو الوحيد اللي هايقدر يحميها، إنت مشوفتش دافع عنها إزاي
أعاد زوجها ظهره للخلف نافيًا: -استحالة ابني يوافق
تنهدت قائلة بيأس موافقة إياه الرأي: -ما هو عشان كده أنا مستبعدة الحل ده.

لاحظ تشكل علامات العبوس على تعابيرها المرهقة فمسح برفق على ظهر كفها قائلاً: -احنا محتاجين نفكر في حل تاني عملي ومناسب للكل، بس دلوقتي حاولي ترتاحي
نظرت له بإحباط وهي ترد: -منين هاتيجي الراحة وبالي هيفضل مشغول طول ما هو موجود في حياتنا
كانت محقة في ذلك، فظهور شرف الدين في هذا التوقيت بالذات يعني وجود ذريعة لمشاكل جمة ستتزايد باستمرار بقائه.

انحنت للأمام لتلتقط أنفاسها بعد نصف ساعة من الركض المتواصل في مضمار العدو بالنادي، تنفست أية بعمق لتجبر صدرها المهتاج على التنفس برويةٍ، ثم اعتدلت في وقفتها لتواصل تمرينها، شهقت بصدمة حينما رأت آخر من توقعت تواجده بالمكان، ارتسم على ملامحها علامات الاندهاش الفرحة، تداركت نفسها وحاولت أن تبدو هادئة أمامه، خاصة أن ضربات قلبها كانت متلاحقة للغاية، مد سامر يده لمصافحتها قائلاً بلطفٍ:.

-إيه المفاجآت الحلوة دي
بادلته المصافحة فرفض ترك يدها ورفعها إلى فمه ليقبلها بنفس اللباقة السابقة، توردت وجنتاها وتلعثمت وهي ترحب به:
-أستاذ سامر، ازيك
سحبت يدها سريعًا للخلف مبذلة مجهودًا كبيرًا للظهور بشكل هادئ أمامه، قطب ما بين حاجبيه ثم عبس بوجهه يعاتبها بضيقٍ مصطنع:
-مافيش داعي للألقاب دي، مش احنا المفروض بقينا أصحاب
عضت على شفتها السفلى بارتباك ثم ردت بخجلٍ: -أكيد.

تابع متسائلاً باهتمام: -صدفة حلوة إني أشوفك هنا، إنتي بتيجي كتير النادي ده؟
أجابته عفويًا: -ده أنا عضوة فيه، يوم بعد يوم بأجي أدرب، ده غير معظم خروجاتي مع أصحابي هنا
أومأ بحاجبه متابعًا بابتسامة عذبة: -حلو أوي.

خجلت وارتبكت من تحديقه الجريء بها، أخفضت نظراتها ليتضاعف حرجها مع رؤيتها لذلك العرق الذي يبلل ثيابها الرياضية، شعرت بسخونة كبيرة تجتاح بشرتها وهي متأكدة لرؤيته لها، تحاشت النظر نحوه مرددة بحرجٍ:
-أنا هستأذنك أروح أغير هدومي، شكلي مش لطيف بعد المجهود اللي عملته
رد مجاملاً وقد أسبل عينيه نحوها بطريقة حالمة: -إنتي حلوة في كل الأحوال.

زادت ربكتها من أسلوبه الناعم في تجاذب أطراف الحديث معها، أشارت بيدها قائلة: -أنا مش هتأخر، هما 10 دقايق هاخد شاور وأغير هدومي وأرجع تاني
فرك طرف ذقنه مرددًا بهدوء محنكٍ: -للأسف مش هالحق أقعد معاكي، عندي شغل كتير، بس أوعدك نتقابل تاني
تفهمت اعتذاره فهزت رأسها مبتسمة: -أوكي ولا يهمك
ثم لوحت له وهي تشرع في الركض: -باي!
رفع إصبعيه ليلوح لها بابتسامة ماكرة: -سلام يا حلوة.

تعلقت أنظاره الغريبة بها رغم ابتعادها عنها متابعًا حديث نفسه: -أنا مش ورايا غيرك دلوقتي!
كان كالقنبلة الموقوتة التي انتزع فتيلها لمجرد سرد معتصم لتفاصيل ما حدث في منزله من تصادم آسيا مع أبيها، خرج نبيل عن هدوئه ليثور في وجه ابن عمه الذي كان غير مكترث بانفعالاته، ما ضاعف من حنقه هو بروده المستفز واقتناعه بأنه ملعوب مفتعل منها لكسب تعاطف من حولها ولإجبارهم على تصديق أكذوبتها فعنفه هادرًا:.

-إنت مصدق نفسك؟
رد عليه بجمودٍ: -أيوه، عشان فاهم كويس دماغها
احتقنت نظرات نبيل بصورة واضحة ورد عليه بتشنجٍ: -اقسم بالله إنت مريض نفسي، ولو حد فعلاً محتاج علاج يبقى مخك اللي فوت ومصدق التخاريف والهبل ده
اغتاظ معتصم من هجومه العدائي على شخصه فنهره بخشونةٍ: -اتكلم عدل معايا يا نبيل، ماتنساش نفسك!

نظر له شزرًا قبل أن يرد: -والله لو قولتلك إيه، هاتفضل زي ما إنت، طالما اللي في دماغك موجود عمرك ما تشوف الحقيقة حتى لو كانت ظاهرة قصادك
صمت معتصم ولم يعلق عليه، بدت حدقتي نبيل كجمرتين مشتعلتين من النيران وهو يرى بنفسه أسلوبه المستفز الذي يثير أعصاب أي شخص طبيعي هادئ، رمقه بنظرات نارية قائلاً بنبرة غامضة:
-ماشي أنا هاريحك من مشاكل آسيا كلها.

التوى ثغره بابتسامة ساخرة وهو يسأله باستخفاف: -هاتعمل إيه يعني؟
أجابه بنبرة جادة لا تحمل المُزاح ودون أن يرتد له جفن: -هاتجوزها
اعتقد أنها مزحة سخيفة منه فكرر ضاحكًا للحظات، لكن لم يظهر على وجه نبيل التأثر، كان جادًا للغاية، أدرك معتصم خطورة الأمر، تقلصت أمعائه بتوتر من طريقة تحديقه المقلقة به، هب واقفًا من مكانه مدهوشًا من اقتراحه الصادم الذي تخطى حدود تفكيره، ثم سأله بعدم تصديق:
-نعم؟ بتقول إيه؟

كانت نظرات نبيل قوية وجدية، اقترب منه ليواجهه باستبسال غير مسبوق، ثم أجابه بنفس الإصرار:
-إنت سمعتني كويس
سريت حمرة غاضبة في وجه ابن عمه وهو يرد مستنكرًا بنبرة شبه متعصبة: -بطل أمور الاستعباط دي يا نبيل
تحدث من زاوية فمه متابعًا: - آسيا محتاجة لواحد يخاف عليها بجد ويحميها، مش يهينها ولا يذلها لمجرد غلطات عملتها زمان.

ظن معتصم أنه واقع في حالة ما بين الاستخفاف والجنون، تحرك نبيل خطوة لتنكمش المسافة بين نظراتهما الحادة والغاضبة ثم أضاف بإصرار عنيد:
-وأنا هاكون الشخص ده يا ابن عمي..!

لم تكن بنكتة سخيفة ألقاها على مسامعه ليستفزه بصورة أو بأخرى، وإنما حديثًا جادًا للغاية ينم عن نية مُبيتة للارتباط بها، ظن معتصم أن نبيل يفعل ذلك عمدًا ليخرجه عن عجرفته الباردة، لكنه لم يكن بالشخص المازح، رمقه ابن عمه بنظرة صارمة للغاية قبل أن يضيف بنفس الإصرار:
-نتقابل ليلة فرحي يا معتصم، سلام!

انصرف دون أن يدع له الفرصة للرد أو التعبير، فغر الأخير شفتيه مصدومًا من تصريحه الذي تخطى ما فكر فيه يومًا، بقيت أنظاره معلقة بطيفه الذي رحل غير واعٍ لما عقد العزم عليه، ببساطةٍ نجح نبيل في إيقاظ مشاعر غريبة لم يعتقد معتصم يومًا أنها ستؤثر به، ورغم ذلك فسرها بصورة خاطئة بأنه أشعل بضراوة فيه غضبه نحو آسيا، كور قبضته ضاربًا سطح مكتبه بعنف، كز على أسنانه بقوة محدثًا نفسه بحنقٍ:
-مش هايحصل أبدًا!

قذف محتويات المكتب بعصبية على الأرضية، تهدجت أنفاسه والتف حول نفسه متحركًا بتوترٍ، اعتصر عقله محاولاً إيجاد الحل لتلك الأزمة التي اختلقها ابن عمه قائلاً لنفسه:
-مش هنولهالك يا نبيل!

لاحقًا، تأخر في عودته إلى المنزل وتجاوز موعد حضوره وقت الغذاء بكثير، توهمت نادية بأن معتصم مشغول في أعماله، فلم تهاتفه وتناولت الطعام مع زوجها وابنتها، خيم الصمت على جلستهم الاعتيادية، فقط بعض الملحوظات المقتضبة من وحيد ليكسر حاجز الملل، ابتسمت آسيا بتكلف ثم استأذنت قائلة:
-أنا هاطلع أرتاح في أوضتي
قطبت نادية جبينها متسائلة باستغرابٍ: -خليكي أعدة شوية، الأكل مش عاجبك ولا إيه؟

أشارت بيدها معتذرة: -كله تمام، بس أنا تعبانة شوية
نظرت لها باهتمام وهي تسألها بتلهف: -في حاجة تعباكي؟ أطلبلك الدكتور و..
قاطعتها آسيا بهدوءٍ: -لا يا ماما، أنا محتاجة أنام وهابقى كويسة
فضلت أن تعود إلى غرفتها لتبقى معزولة عمن حولها، يكفيها ما عاشته وتعايشيه لتحمل غيرها همومها ومشاكلها التي لا تنتهي، انسحبت بهدوء تاركة أنظار والدتها معلقة بها، استندت نادية بيدها على وجنتها مرددة بضيقٍ:.

-أنا مش عارفة أعملها إيه بس عشان أخرجها من الحالة اللي هي فيها دي
رد عليها زوجها بنبرة عقلانية: -سبيها على راحتها يا نادية
تابعت قائلة بيأسٍ: -دي مش بتخرج ولا بتقابل حد، ومعظم الوقت حابسة نفسها في الأوضة، وكذا مرة أقولها تعالي نروح النادي، نغير جو، نخرج شوية ترفض وتفضل أعدة فوق!

أخرج زفيرًا بطيئًا من صدره قبل أن يعقب بتريثٍ: -ماتنسيش إن وضعها مختلف بعكس أي حد تاني، هي تعتبر في حكم المشاهير، وأي حاجة بتعملها محسوبة عليها
اعترضت بضيقٍ: -مايسبوها في حالها بقى!
ادعى وحيد الابتسام ليخفف من حالة الانزعاج الظاهرة عليها، وضع يده على كتفها ضاغطًا عليه بلطفٍ، ثم طمأنها قائلاً:
-متقلقيش يا حبيبتي، طول ما كلنا معاها وحواليها هاتكون أحسن
تنهدت مضيفة: -يا ريت والله!

عادت للتحديق بشرود أمامها لتفكر في حل يُريح ابنتها من معاناتها الصامتة، هي متفهمة لكل ما مرت به، لكنها إلى الآن لم تتخذ موقفًا جديًا يحول دون تعرضها للأذى، ولم تقدم لها ما يشعرها بالأمان والاحتواء، انعكست نظراتها الحزينة على وجهه، راقبها وحيد باهتمام فقد أزعجه هو الآخر أن يقف مكتوف الأيدي ولا يقدم أي مساعدة مجزية ل آسيا.

تلكع في عودته إلى المنزل ليتجنب الالتقاء بها، فلا يمكن أن يضمن ردة فعله حينما يراها، هاجت الدماء في شرايين معتصم لمجرد تخيلها متأبطة ذراع ابن عمه الساذج الذي انطلت عليه خدعتها وتوهم أنه يحبها، بل ويسعى جاهدًا للتقدم لخطبتها والزواج منها رسميًا رغم الفضائح المشينة المحيطة بها، اختفى وجومه لتحل الدهشة كبديل عنه حينما وجده بالمنزل جالسًا بصحبتها في غرفة الصالون بأريحية واضحة، اتسعت حدقتاه في عدم تصديق، ثارت دمائه من جديد وتدفقت بداخل عروقه محفزة إياه على الاشتباك معهما، سيطر بصعوبة على نفسه واقترب منهما متسائلاً بغيظٍ وقد استشاطت عيناه:.

-إنت بتعمل إيه هنا؟
نظر له نبيل ببرود وهو يرد مبتسمًا: -ازيك يا معتصم، مش ترحب بيا، ده أنا برضوه ضيفك
أدرك أنه يحاول استفزازه فالتفت نحو آسيا، كانت نظراته حانقة للغاية، أشار لها بسبابته متسائلاً بنفس الطريقة الهجومية:
-إنتي أعدة ليه معاه؟
رمقته بنظرة غير مكترثة قبل أن تحرجه بهدوءٍ: -شيء ما يخصكش
تلون وجهه بحمرة غاضبة مغتاظًا بشراسة من ردها المستفز له، في حين أضاف نبيل بابتسامة سخيفة:.

-ممكن تسيبنا لوحدنا شوية، ولو عوزناك هنبقى نناديلك يا معتصم
انفجر فيه الأخير خارجًا عن المألوف من أسلوب مرحب بالضيوف فهدر به: - نبيل ماتنساش إنت هنا في بيتي
وكأنه موضوع في قالب من الثلج، حافظ نبيل على بسمته الباردة قائلاً له: -عارف ده كويس، ومستأذن قبل ما أجي
وقبل أن يشتعل الوضع أكثر من هذا تدخلت نادية في الوقت المناسب لتحول دون اندلاعها قائلة بحذرٍ:
-تعالى معايا يا معتصم شوية.

كان كالجبل الشامخ رافضًا التحرك من مكانه، اضطرت نادية لاستخدام كفيها لدفعه، سار بثقل متعصب مبتعدًا عنهما وهو يغمغم بسخط غاضب:
-ماما إنتي إزاي تسمحيلهم يقعدوا كده سوا لوحدهم؟!
أجبرته على المشي معها لترد باستغراب: -ودي فيها إيه؟ ابن عمك وجاي يزور بنتي يطمن عليها
صاح بتشنجٍ: -فيها كتير، وخصوصًا لما يكون مكلمني على إنه عاوز يتجوزها.

تجمدت تعبيرات وجهه مذهولة من جملته الأخيرة، رددت باندهاش أكبر: -إيه؟ مش معقول!
أسند كأس مشروبه البارد في الصينية بعد أن ارتشف القليل منه، اعتدل نبيل في جلسته ليتأملها مبتسمًا وقد امتلأت نظراته بالإشراق، تحرجت آسيا من طريقة تحديقه الناعمة بها وعمدت إلى النظر إلى أي شيء إلا وجهه، ناداها بنبرة رخيمة ليجذب انتباهها:
- آسيا. تسمحيلي أفاتحك في حاجة، بس يا ريت متعتبريهاش تطفل مني.

رفعت رأسها لتنظر نحوه وهي ترد بهدوء مقتضب: -اتفضل
سحب نفسًا طويلاً ليشحذ به نفسه قبل أن يحرره مسترسلاً في الحديث وفي نفس الوقت مراقبًا عن كثب لردة فعلها:
-مابتفكريش في موضوع الارتباط؟
تفاجأت من سؤاله مرددة: -ارتباط؟!
أوضح لها مقصده بعقلانية شديدة: -قصدي تعارف أو خطوبة أو حتى جواز.

تقوست شفتاها بابتسامة ساخرة مما يقوله، فمن سيرتضي بمثلها عروس لشاب ما من عائلة محترمة والأكاذيب التي نهشت من سمعتها تحاوطها من كل الاتجاهات؟ ردت بتنهيدة مليئة بالضيق:
-لأ
تشجع أكثر للمضي قدمًا في خطوته التالية ومفاتحتها فيما انتوى عليه، ابتلع ريقه قائلاً بجدية:
- آسيا، أنا مش عاوزك تفهميني غلط أو تتسرعي في رأيك، كل اللي عاوز أقوله ليكي إني..

تردد للحظة في استكمال باقي جملته، حاز على انتباهها وبدت مترقبة باهتمام لما سيتفوه به بعد ذلك، أخرج كتلة من الهواء من صدره دفعة واحدة قبل أن يقول:
-أنا حاسس ناحيتك بانجذاب كبير، وجايز يكون أكتر من إعجاب!

توترت آسيا من مصارحته العلنية لها بما يكنه من مشاعر راقية، لم تتخيل ذلك، أن تكون محور اهتمام أحدهم، بل ويحمل نحوها أحاسيسًا من نوع مختلف، جف حلقها وارتبكت في جلستها، فركت أصابع يدها معًا لتخفف من اضطرابها، شعرت بعدم الارتياح لعدم قدرتها على الرد عليه بنفس الصراحة، اعترتها حيرة جلية، فهي حتمًا لن تمنحه ما لا تشعر به حتى وإن كانت تقدره وتكن له مشاعر الاحترام، لن تتحمل أن تراه أو ترى غيره مغلوبًا على أمره مع مشاكلها الدائمة، بحثت سريعًا عن طريقة لبقة لتخلصها من ذلك الموقف الحرج، رمشت بعينها قائلة بحيرة:.

-أنا مقدرة مشاعرك دي وبأشكرك عليها
اعترض عليها قائلاً: -بس أنا لسخ..
رفعت يدها لتقاطعه بجمود: -أنا أسفة بس صدقني أنا فعلاً معنديش الرغبة إني ارتبط بحد خالص، باعتذرلك أنا لازم أطلع أوضتي، عن إذنك!

لم تنتظر رده بل نهضت من مكانها وفرت سريعًا من حصار عينيه، كانت متيقنة أنها أصابته بالإحباط وخيبة الأمل، لكن ذلك الأفضل من وجهة نظرها، لم ييأس نبيل من هروبها الغريب وانسحابها المفاجئ، توقع أن تصده مع أول محاولة جدية للتودد لها، لن يستسلم وسيعيد تكرار المحاولة ويحرك عواطفها المتجمدة لتشعر بقلبه، هي فقط بحاجة لاكتساب ثقته ومعرفة قيمة نفسها، ومجرد التفكير في مسألة الارتباط سيفرق معها كثيرًا..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة