قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية المحترم البربري للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

رواية المحترم البربري للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

رواية المحترم البربري للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

ليلة أخرى عابثة قضاها في الجناح الخاص به بفندقه الشهير ليحتفل كعادته وسط رفقاء السوء، بالطبع لم تخلو الأجواء من المحرمات ولا من الساقطات اللاتي حاولن استمالته للحصول على مبالغ مالية باهظة نظير ما يقومن به من أعمال مُخلة، تمدد سامر باسترخاء على الأريكة واضعًا في جوفه القليل من الشراب المُسكر، جلس إلى جواره رفيقه مستطردًا حديثه بحماسٍ وهو يزكم أنفه بمادة ما بيضاء:
-الستاف المرادي عالي أوي.

سأله سامر مهتمًا: -حاجة تعدل المزاج يعني؟
رد دون تردد: -جدًا، جرب وقولي
التقط البعض من تلك المادة وقام بوضعها على الطاولة أمامه، ثم انحنى عليها ليشمها، حذره رفيقه من تكرار الأمر هاتفًا بجدية:
-بالراحة يا سامر، مش ورا بعضه
نفخ الأخير بقوة مستشعرًا تلك الحالة العجيبة التي أصابت خلايا جسده والمصحوبة باندفاع رهيب في تدفق الدماء إلى رأسه، تمتم متسائلاً باندهاش:
-إيه ده؟

نظر له رفيقه بإعجاب وهو يمدحها: -ها إيه رأيك فيه؟
أشار له بعينيه كتعبير عن رضائه عنها، جلست إحدى الشابات العابثات إلى جواره، داعبت أذنه بأناملها ثم مالت عليه لتهمس له بدلالٍ:
-ممكن أجرب يا باشا
منحها قبلة سريعة قبل أن يرد: -وماله يا حلوة
ناولته كأسًا مليئًا بالمشروب المسكر قائلة له: -كاسك يا باشا.

أخذه منها ثم ارتشفه سامر في جوفه دفعة واحدة ليشعر بذلك الألم الرهيب الذي كاد أن يفتك برأسه، ألقى بكأسه مرددًا:
-دماغي آ..
لكزه رفيقه في كتفه قائلاً: -اتقل، شوية وهتلاقيك فوق، فوق أوي!
أرخى سامر رأسه للخلف مقاومًا ذلك الألم المفرط حتى بدأت قواه تخبو تدريجيًا، عاود رفيقه سؤاله بفضول:
-هنسافر بكرة ولا هنعمل إيه
أجابه بصعوبةٍ وقد أغمض جفنيه: -مش عارف.

تابع محفزًا إياه على القبول بتلك العطلة القصيرة: -بص أبوك فاحتك معاه الفترة اللي فاتت واحنا عاوزين نروق على نفسنا شوية، مافيهاش حاجة إن خدتلك يومين ولا تلاتة أجازة، مش هايفرق يعني.

وهنت نبرته وهو يكافح للرد عليه، استصعب تحريك أطرافه والقيام بأقل حركة فيهم، تغلغل فيه إحساس الثقل والتعب، شعر بدقات قلبه تتلاطم في صدره، كز على أسنانه بقوة ليتبع ذلك تشنجًا عنيفًا جعل جسده بالكامل ينتفض، فزع رفيقه من هيئته وحاول تثبيته متسائلاً بهلعٍ:
- سامر، في إيه؟ سامر!

لفظ الأخير أنفاسه لينقضي عمره جراء تناوله لجرعة منشطة امتزجت مع كم الكحوليات التي ارتشفها مما سبب مضاعفات قوية له ولم يقوَ جسده على احتمالها فانهارت عضلة القلب أولاً تبعتها خلايا المخ ليسكن بعدها تمامًا وسائل ما رغوي يخرج من فمه، فزع من حوله من بشاعة المنظر وهرولوا إلى خارج الغرفة قبل أن يُكتشف أمره ويزج بهم في السجن.

تردد قبل أن يفعل ذلك، بل إنه تراجع لأكثر من مرة رافضًا أن يصدق أن تلك النكبة الموجعة قد تركت أثرها على آسيا، لكن حديث والده المؤكد جعله يتخبط بدرجة كبيرة، ضغط معتصم على رأسه بيديه وهو يزرع غرفته جيئة وذهابًا حتى تعب من الحركة، وقف أمام خزانة ثيابه محدثًا نفسه:
-معدتش في حاجة نحكي فيها سوا!

ضرب بيده الضلفة ثم استدار ليجلس على فراشه، فرد ظهره عليه وأغمض عينيه مجبرًا عقله على عدم التفكير فيها لبعض الوقت، رن هاتفه بجواره فتجاهله في المرة الأولى، وحينما تكرر الأمر اعتدل في نومته ليتمكن من الرد على ابن عمه الذي بدا مصرًا على مهاتفته، خرج صوته متحشرجًا وهو يسأله:
-خير يا نبيل
رد عليه متسائلاً: -إنت عامل إيه
تنهد بثقل قبل أن يجيبه: -عادي
سأله نبيل بحذرٍ: -و آسيا؟

انزعج نسبيًا من اهتمامه بها فرد عليه بحدة: -معرفش حاجة عنها، يا ريت تسألها بنفسك
علق عليه ابن عمه بضيق: -لو كان ينفع كنت عملت ده، بس آسيا مابتقابلش حد من يوم ما طنط نادية ماتت، ده غير إنها مراتك، يعني المفروض تكون جمبها
احتدت نبرته هاتفًا: -إنت هاتعرفني أعمل ايه؟
رد عليه بحذرٍ: -أنا بأنصحك بس، عمو وحيد قلقان عليها زي ما قلقان عليك
زجره قائلاً: -شكرًا يا سيدي، في حاجة تانية؟

أجابه دون تردد: -أيوه، سامر!
مجرد ذكر اسمه كان كفيلاً بإشعال غضبه، انفعل عليه متسائلاً بتشنجٍ: -ماله الكلب ده؟
صمت نبيل للحظة قبل أن يجيبه: -مات
ارتخت قسمات وجه معتصم المشدودة لتحل الصدمة على ملامحه قائلاً: -نعم، مات!
أضاف موضحًا: -أيوه، الخبر منشور على المواقع كلها، ابقى اقراه و..

أنهى معه معتصم المكالمة دون أي مقدمات ليبحث بنفسه عن صحة ذلك الخبر، اتسعت عيناه بصدمة واضحة حينما قرأ ذلك الخبر الصادم عن وفاة ابن رجل الأعمال سامر عمران، تابع تفاصيله عن كثب وهو يكاد لا يصدق نهايته المؤسفة، ترك الهاتف بجانبه لينظر أمامه بنظرات حادة يشوبها الغضب، كز على أسنانه هامسًا بحنق:
-ابن ال، الموت رحمه مني!

رغمًا عنه وقعت عيناه على خبر قديم تحدث عن أحد عروض آسيا للأزياء وتألقها فيه، حثه فضوله على قرأته، اشتدت تعابيره وتوترت وهو يقرأ عن تكريمها من قبل أحد بيوت الأزياء العالمية، التوى ثغره ببسمة متهكمة، فهو لم يرَ منها إلا الجانب السيء فقط، بدا في حيرة من أمره نحوها، اكتفى بما قرأه وألقى هاتفه بإهمال إلى جواره، ردد فجأة مع نفسه بنزق:
-لازم نتطلق!

وكأنه بذلك يقضي على أي فرصة للمسامحة معها، لكنه تذكر محايلة والده عليه للذهاب إليها ومواساتها، فتحير من جديد في التعامل معها، بالطبع ليس الوقت مناسبًا لذلك، سيتلقى اللوم من والده والتوبيخ اللاذع لعدم تقديره لمشاعرها الحزينة على والدتها، رن هاتفه معلنًا عن وصول رسالة نصية، فتحها معتصم ليقرأ ما جاء فيها من توصية من ابن عمه للسؤال عنها، هدر بغيظٍ:
-إنت عاوزني أقتلك ولا إيه! أنا مش ناقصك يا نبيل.

استفزته تلك الرسالة وامتزجت مع حميته الذكورية بكون غيره يفعل ما لا يقدر عليه، اشتد صراعه مع نفسه وطفت بقوة مشاعره الكارهة لها على السطح، لكن تلك الرسالة عززت من حسم أمره بالذهاب إليها فورًا.

لجأت لتناول المهدئات لتسكن أوجاعها التي لا تنتهي، لم تفرط آسيا في تناولها ومع ذلك كانت وسيلتها المتاحة لتمنح نفسها فسحة للسيطرة على مشاعرها المتألمة، فوجع الفراق لا تقوى على احتماله، ما ألمها بشدة هو عدم تنعمها بأحضان والدتها عندما سنحت لها الفرصة، تكبرت عليها وتنكرت لذلك، ندمت بحرقة لأنها أضاعتها وركزت فقط على رغباتها الانتقامية، باتت أكثر تعاسة عن ذي قبل، صرخت قائلة بعصبية حينما سمعت الدقات الهادئة على باب غرفتها:.

-قولتلكم عاوزة أفضل لوحدي، ولو جعت هابقى أقول، سيبوني بقى!
وكأن الطارق لم يصغِ إلى صياحها المنفعل فعاد ليدق الباب من جديد، هبت آسيا واقفة من على الفراش لتفتح الباب فتفاجأت به عند عتبته، رددت مصدومة:
-إنت؟

حدق معتصم فيها بنظرات شبه مدهوشة، لم يتوقع أن يراها بتلك الحالة الحزينة، كانت عيناها متورمتان ومشبعتان بحمرة غنية بسبب كثرة البكاء، كان والده محقًا، فهي قد تغيرت كثيرًا، أشفق عليها نوعًا ما، لم تكن مثلما ظن أنها متسلحة بقسوتها، متشفية في وفاة والدتها، بل كانت أقرب إلى شابة عادية تبكي بحزنٍ شديد خسارة الأحبة، ظلت علامات الاندهاش مرسومة على ملامحه للحظات، فلم يطرأ بباله أن تحزن هكذا على رحيلها رغم شكوكه الداخلية بالكراهية المزروعة داخلها، زفر بعمق قبل أن يهتف قائلاً بهدوء ليقطع حاجز الصمت الذي نشأ بينهما:.

-عاوز أتكلم معاكي
رمقته بنظرة منكسرة وهي تمسح عبراتها المنهمرة من طرفيها لترد عليه متسائلة بصوتها المنتحب:
-هانقول إيه؟
رد عليها بجمود وهو يفرك مؤخرة عنك: -يعني. بابا طلب مني أطمن عليكي
حاولت أن تبتسم من بين عبراتها لكن لم يزدها هذا إلا قهرًا وألمًا: -يا ريت تشكره على ذوقه
تحير في انتقاء ما هو مناسب للحديث معها، شعرت آسيا بأنه مجبر على ذلك، ولم يبذل معتصم جهدًا لإخفاء هذا، تساءلت بنبرة مهتزة:.

-تلاقيك بتسأل نفسك أنا إيه اللي مقعدني هنا بعد ما ماما ماتت وخصوصًا إنك هتطلقني؟
أشاح بوجهه للجانب فتأكدت من صدق حدسها نحو رغبته في الخلاص منها حتى وإن أجل فعل هذا، استجمعت جأشها لتجيب على سؤالها:
-عشان أحتقر نفسي كل يوم بزيادة وأعرف إن ماليش قيمة ولا حد!
أدار رأسه في اتجاهه ليطالعها بغموض، فأكملت بقوة خفيفة: -أيوه، أنا واحدة عملت لنفسي سمعة زبالة من ولا حاجة.

ارتسم على شفتيها بسمة منكسرة وهي تضيف موضحة: -وكل ده ليه عشان أكره الناس فيا، بس أنا عملت ده عشان أحمي نفسي من بابا وأصحابه
تجمدت نظراته عليها، ترسخ داخلها إحساسًا قويًا بالضعف والانكسار، ومع ذلك عمدت للظهور بمظهر القوة، أومأت آسيا برأسها متابعة بمرارة:
- شرف الدين الأب المحترم، أو نقول الراجل اللي فتح بيته صالة قمار وحاجات تانية لأصحابه وسهراتهم اللي مابتخلصش.

أغمضت عينيها لتقاوم دمعاتها التي تقاتل للخروج من طرفيها وهي تسترسل قائلة: -صعب أوي على بنت صغيرة تحمي نفسها من الجو ده لوحدها
ذهل معتصم من مصارحتها الغريبة له بما مرت به في طفولتها، تخيلها فتاة مدللة عاشت برفاهية وترف، تربت على الحقد والكره لطمعها ورغبتها في استنزاف الأخير، شعر بالضيق من كلامها، لم تستطع رفع عيناها لمواجهته، تابعت بمذلةٍ:.

-مكانش ذنبي إن بابا مدمن للقمار وسايبني وسط أصحابه ينهشوا جسمي بعينيهم
حاولت إظهار ثباتها لتقول: -كان لازم أحمي نفسي منهم حتى لو بالكدب، المهم أنا وبس!
نظر لها باندهاش متعجب، بدت غريبة كليًا عن تلك الشابة الجاحدة القاسية التي عرفها فيما مضى، طالعها بإمعان وقد تخبطت مشاعره نحوها وامتزجت بأسفه على معاناتها، اختنق صدرها وغص بالبكاء حينما سألته:
- عارف ماما ماتت ليه في الوقت ده بالذات؟

وقبل أن يحرك شفتيه ليجيبها ردت قائلة بصوتها الباكي مستخدمة يدها في الإشارة إلى نفسها:
-ماتت عشان توجعني وتخليني أندم إني فكرت أذيها في يوم، هي أطيب إنسانة عرفتها، حنيتها ماتتعوضش، حضنها مالوش زي!
نظر إلى عينيها الباكيتين بألم، توجع من حديثها، ومع ذلك لم تكف آسيا عن البوح بما يملأ قلبها من أحزان، انسابت دمعاتها الساخنة من مقلتيها قائلة:.

-زمانك بتسأل نفسك هو أنا ليه بأعيط عليها وأنا كنت جاية انتقم منها، بس صدقني موتها كان صعب عليا أوي
مسحت بظهر كفها عبراتها لتضيف بشجنٍ: -إنت تستحقها أكتر مني، كان عندك حق تقول ده!
اعترض معتصم على جملتها الأخيرة التي حملت وجعًا شديدًا: - آسيا، إنتي..
قاطعته مشيرة بيدها أمام وجهه: -اطمن، أنا قولتلك كل حاجة، ومعدتش عندي اللي أخبيه أو أخسره، يعني أنا وجودي زي قلته، طلقني وانهي آخر حاجة تربطني بالبيت ده!

وجدت صعوبة في الحديث ورغم ذلك أضافت وهي تهز كتفيها في انكسار: -وهاعمل اللي طلبته مني زمان، هاختفي!
ضغط على شفتيه مانعًا نفسه من الحديث، فهي لم تعد مصدرًا للتهديد، تأمل في صمت تحطم صخرة قسوتها، لين قلبها، وفيض مشاعرها الأنثوية الحقيقية النابع منها، أيمكن للموت أن يفعل ذلك بنا؟ أطرقت رأسها مضيفة بقهرٍ:.

-من الأول أنا كنت زي الغريبة وسطكم، بأدور على انتقامي منها ومادتهاش فرصة بجد عشان أشوف ازاي هي بتحبني زي ما حبيتك إنت، ورغم إني كنت بأصدها هي ميأستش مني وفضلت تحبني زي ما أنا آسيا بنتها مش حد تاني
ببطء حذر رفعت رأسها للأعلى لتنظر إليه في ندم، ثم اعتذرت منه قائلة: -أنا أسفة، جيت ومعايا الموت ليها هي مع أني استاهل ده مش هيا!

صدم من اعتذارها المباغت الذي أذهله وضاعف من حيرته، أتلك هي آسيا؟ أم انعكاس عنها؟ دفنت وجهها بين كفيها لتقول بانهزام:
-حقيقي أنا بقيت لوحدي، خسرت أمي، ومكانش عندي أب يحميني بجد، ودلوقتي مافيش حد جمبي، وصعب ألاقي اللي، ولا أب ولا حد جمبي!

أجهشت ببكاء أكبر وارتفع صوت أنينها الممتزج بنحيبها، تأثر معتصم بدرجة كبيرة لرؤيتها على تلك الحالة، أدمعت حدقتاه من كلماتها، تنفس بعمق ليضبط انفعالاته التي بلغت أوجها قبل أن ينهار باكيًا هو الآخر، عاد ليحدق فيها وهو يصارع مشاعره المرتبكة، ف آسيا الآن في أضعف حالاتها، بحاجة لمن يهون عليها الأمر، لمن يضمها إلى أحضانه، لمن يخبرها بأن الأمور ستكون على ما يرام، قرر حسم أمره والتخلي عن حذره ليقترب منها هامسًا لها:.

-ششش، متكلميش
ردت عليه دون أن ترفع وجهها: -معنتش عاوزة حاجة من حد، يا ريتني أموت أنا كمان!

انخرطت في نوبة بكاء أخري فاقدة قدرتها على إتمام جملتها حتى النهاية، شعرت آسيا بملمس ذراعيه على كتفيها، وقبل أن تعترض عليه وتتملص منه كان معتصم الأسبق في جذبها إلى صدره ليضمها بقوة محتويًا إياها وتاركًا لها العنان لتبكي بين أحضانه، تفاجأ باستسلامها، وبثقل رأسها على صدره، أحس بدقات قلبها تضرب بين ضلوعه، بأنفاسها الساخنة تحرقه، همس لها معاتبًا بعد أن تعالت شهقاتها المؤلمة:
-إنتي تعبتينا كلنا يا آسيا.

شدد من ضمه لها لتشعر باحتوائه للآلام التي أزهقت روحها، ربت معتصم على ظهرها بحنان افتقدته كثيرًا، ورغم كرهه لاستغلال ظروفها وتلمسه لها بهذه الطريقة، بل وبقائها في أحضانه، إلا أنه شعر بضرورة فعله لذلك، الكل لاحظ حاجتها إليه إلا هو، منعه صلابة رأسه وتحجر تفكيره من رؤيتها على حقيقتها، هدأ من روعها وسار وهو يحاوطها نحو فراشها، أجلسها عليه طالبًا منها:
-ارتاحي وماتفكريش في حاجة.

اندهش أكثر من امتثالها له دون جدال، خارت مقاومتها إن لم تكن انعدمت، تمددت آسيا على فراشها واحتضنت وسادتها بقوة، وجدها معتصم تغمض عينيها وكأنها تهرب مما تعانيه بالنوم، سحب الغطاء عليها ليغطي جسدها، تلمس وجنتها ليمسح بقايا عبراتها، ثم اعتدل في وقفته ملقيًا عليها نظرة طويلة، راقبها في صمت حتى غلبها النعاس، التفت برأسه نحو الكومود ليجد التفسير المنطقي لذلك الهدوء الغامض، أحنى جزعه ليمسك بإحدى العبوات الدوائية، قربها من عينيه ليفحصها باهتمام، عرف فحواها وفهم سبب سكون آسيا، نعم كانت تحت تأثير ما تتجرعه من مهدئات، زفر معتصم بصوت مسموع محدثًا نفسه:.

-عشان كده بتسمعي كلامي!

استنكر ضعفها المربك له، لوهلة وزع نظراته بين وجهها الذابل وتلك العبوات، انتابه هاجس ما أزعجه ووتر ملامحه، سريعًا قام بجمع العبوات الدوائية قبل أن تتهور في لحظة يأس محبط وتتجرع الأقراص كلها مفضلة خيار الانتحار بعد أن تحدثت عنه لأكثر من مرة خلال مصارحتها التي تفطر القلوب، كذلك تجاربها السابقة أشارت بقوة إلى ميلها لهذا الاختيار المهلك، خشي معتصم من إقدامها على ذلك في غفلة من الجميع، رمقها بنظرة أخرى مختلفة عن ذي قبل ثم انصرف من غرفتها مغلقًا الباب خلفه بهدوء وهو بالكاد يحاول السيطرة على أفكاره المضطربة التي جعلته يتردد من جديد بشأن حسم علاقته معها..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة