قصص و روايات - روايات عالمية :

رواية المجهول الفصل الرابع بعنوان لاحظ انهيار مقاومتها لنظراته الوقحة

رواية المجهول للكاتبة ايفون ويتال

رواية المجهول الفصل الرابع لاحظ انهيار مقاومتها لنظراته الوقحة

كيف يقدر على اثارة اعصابها واللعب بأحاسيسها ! عليها ان تسرع في التصرف قبل ان يفوت الآوان.
جلست جيسيكا في مقهى المستشفى ترشف على مهل فنجان القهوة مستمعة الى عبارات دان المجبولة بنبرة الهزء المعتادة.

دان: ان لم تخني الذاكرة فنحن لم نستطع اكمال قهوتنا في جلستنا الأخيرة هنا
لاشعورياً ضحكت جيسيكا معلقة: قد يتكرر الأمر الآن فلنتمنّ ان ننهي قهوتنا قبل حدوث أي طارئ
دان: اني اشاركك هذه الأمنية
فوجئت جيسيكا بمسحة القلق التي غشت عينيه وهو يحتسي قهوته ولكنها احجمت عن الخوض في موضوع قد لاتكون لها علاقة به.

دان: ماالذي دفعك الى اختيار الطب مهنة لك ياجيسيكا؟
جيسيكا: أظنه نفس السبب الذي يدفع أي شخص الى ذلك
دان: من جهتي لدي أسباب كثيرة قد لاتكون كلها وجيهة (وعلا وجهه تجهم مفاجئ) قررت ان اكون طبيباً بعد ان قتل والداي على يد ارهابيين في احدى مزارع زيمبابوي لوكنت ملماً حينها بالأمور الطبية كما انا اليوم لربما تمكنت من انقاذ حياتهما (قدم لها سيكارة ولما اعتذرت شاكرة اشعل واحدة مردفاً) كنت قد اخترت الصيدلة لكن تلك الحادثة حولتني الى الطب.

أحست جيسيكا برغبة جامحة لمشاركتة هذه الذكرى الحزينة لكنها لم تكن واثقة من ان مواساتها ستلقى قبولاً منه في هذه اللحظة
جيسيكا: لاشك ان تلك الحادثة وقعت أبان الحرب الأهلية في زيمبابوي
ابتسم دان فجأة وقال بدهاء: ان كنت تحاولين معرفة عمري فسأوفر عليك مشقة ذلك أنا في الخامسة والثلاثين
جيسيكا: لم أقصد
لم يدعها دان تكمل عبارتها وحملق في عينيها بجسارة توردت بفعلها وجنتاها.

دان: لا بل قصدت والآن بعد ان عرفت سبب اختياري الطب اخبريني عن أسبابك
احست جيسيكا بجفاف في حلقها فرشفت قهوتها قبل ان تجيب: لااذكر ابدا ًاني تمنيت مهنة أخرى
دان: أتعنين انك لم تفكري في مهنة اخرى قد تناسبك اكثر؟
امتنعت عن اطلاعه على دور والدها وتأثيره عليها في اختيار مهنة الطب فأطبقت عينيها مجيبة: لاأظن ان هناك مهنة اخرى تناسبي اكثر من الطب
عندما نظرت اليه من جديد فوجئت ببريق ينبعث من عينيه لم تستطع تحديد معناه
دان: هناك مهنة اخرى كانت لتناسبك اكثر في هذه الفترة من حياتك ولا تحتاجين فيها الى شهادة جامعية
راقبته وهو يطفئ سيكارته وعلقت بجفاء:أخالك ستمضي قدماً في ملاحظاتك حتى ولو اظهرت لك عدم اهتمامي
التقت عيونهما للحظات وأحست بنظراته تخترق جلدها الرقيق لتغوص في داخلها وتتسّمر في صدرها الصغير
ابتسم لها من غير ان يرفع نظره عن صدرها معلقاً: مايناسبك الآن هو علاقة حميمة.

اجابت جيسيكا بنبرة ساخرة:
علاقة حميمة معك على ما اعتقد أليس كذلك؟
دان: يسعدني كثيراً ان تمنحيني هذه الفرصة الرائعة
جيسيكا: أتقصد اني مجبرة على ذلك؟
دان: يؤسفني ان تسيئي الحكم عليّ ياجيسيكا
جيسيكا: ويؤسفني اني هدرت وقتي في الاستماع اليك
علا صوت المذياع في احدى زوايا القاعة مطالباً الدكتور ترافورد بالتوجه حالاً الى غرفة الأشعة
هرول الاثنان في الممر الفسيح المؤدي الى الغرفة ولدى وصولهما الى الباب امسك دان بيدها قائلاً: خسارة ان لانتمكن من انهاء هذه المحادثة المثيرة.

لم تجب جيسيكا مكتفية بسحب يدها بعنف من بين انامله ودخلت الغرفة على عجل
أكدت الصور ظنونها بحالة العامل المصاب فبادر دان الى اعطاء التعليمات للممرضات ثم اختلى بجيسيكا لثوان يتناقشان الأمر
- أعرف طبيباً مختصاً بجراحة الاعصاب في لويس تريشارد وسأستشيره في الصباح
اوقف دان سيارته قي ساعه متأخرة من الليل قرب جيسيكا واستدار ناحيتها بعينيه اللامعتين
دان: تصبحين على خير ياجيسيكا هل لي ان أتمنى لك ليلة هانئة في سريرك الموحش؟

أجابت جيسيكا موضحة بلهجة صارمة:
لاأجد سريري موحشاً ابداً يادكتور ترافورد وأنا بكل صراحة من الذين يفضلون النوم وحدهم دان: لكنك بعملك هذا تضيعين فرصة مثيرة للغاية يادكتورة نيل
ترجلت جيسيكا من السيارة حاملة حقيبتها
جيسيكا: هذه وجهة نظرك ولكن الأمر لايضايقني ابداً
دان: ستغيرين رأيك في المستقبل القريب
جيسيكا: لاأعتقد ذلك على كل حال طبت مساءً وشكراً على ايصالي الى هنا.

لم تكن واثقة من جوابها وتراءى لها دان وهي تدير سيارتها ضاحكاً يسخر من عبارتها ويمني نفسه بنيل مأربه منها واضافة اسمها الى لائحة ضحاياه من النساء لاشك في انه لاحظ ضعفها وسرعة انهيار مقاومتها لنظراته الوقحة لم تصدف شخصاً مثله في حياتها قادراً على اثارة اعصابها واللعب بأحاسيسها انه في نظرها طبيب ماهر لكنه يجمع الى جانب مهارته في الطب اجادته فنون اغواء النساء وزاد من غطرسته انه يعرف تمام المعرفة مدى تأثيره عليها وجعلها تعجب به كرجل أكثر منه كطبيب اقلقها استنتاجها هذا وبعث اكتشافها حقيقة أحاسيسها في نفسها خوفاً وتصميماً على الاسراع في التصرف قبل فوات الأوان.

ثلاثة اسابيع مضت تمكنت جيسيكا خلالها من زيادة معرفتها للويزفيل وتوثيق علاقتها بسكانها وبدأت تعتاد نمط عملها والتغلب على الحالات الطارئة التي مابرحت تصادفها منذ وصولها والتي ساهمت في محو الرتابة التي رافقت عملها في جوهانسبرغ
مشكلة وحيدة لم تقو على ايجاد حل لها دان ترافورد فهو لم ييأس ابداً من محاولة اغرائها وايقاعها في شباكه
حتى الآن لم يقم بخطوة خاطئة تجاهها لكنها كانت متأكدة من انه سيفعل عاجلاً ام اجلاً
غادرت جيسيكا عيادتها متوجهة الى المرآب بعد نهار حافل بالمرضى وبالمعاينات واستقلت سيارتها تمني نفسها بقضاء ليلة هانئة تلجأ فيها الى كتاب جيد تدفن تعبها وارهاقها بين صفحاته.

لكنها ما ان أوقفت سيارتها أمام مسكنها حتى شاهدت فيفيان تهرول في اتجاهها وعلامات القلق والغم على وجهها
لم تعط جيسيكا فرصة للسؤال بل جلست في السيارة قائلة بارتباك
فيفيان: الامر يتعلق باوليفيا سأرشدك الى منزلها في ماونتين فيو وأشرح لك الأمر في الطريق
سارعت جيسيكا الى ادارة محرك سيارتها من جديد وأقلعت بها بسرعة
لقد تأخرت اوليفيا عن موعد ولادتها عشرين يوماً ولابد وان الانتظار قد أثر على اعصابها
بادرت فيفيان الى شرح ماحصل لاوليفيا وهما يسلكان الطريق المؤدي الى المزرعة
طلبت اوليفيا من فرانسين ان تتصل بك لكن الفتاة المسكينة اصيبت بالذعر عندما اخبروها انك غادرت عيادتك فاتصلت بي ولسوء حظها لم يكن برنارد في المنزل فقد خرج للصيد ولاتعتقد اوليفيا انه سيعود باكراً هذا كل مااستطاعت الصغيرة اخباري به اضافة الى ان اوليفيا ارسلت في طلبك على جناح السرعة الى المزرعة.

التفتت جيسيكا الى مرافقتها المضطربة تسألها:
امازال المكان بعيداً؟
فيفيان: مسافة خمسة كيلومترات تقريباً
في نهاية الطريق الترابية الوعرة بدا منزل اوليفيا في الجهة الاخرى قابعاً بين اشجار السرو وقد بانت شرفاته ذات اللون الابيض تطل على السهل الاصفر الفسيح كحبة لؤلؤ تزين جيد حسناء سمراء
ماان اوقفت جيسيكا السيارة في ظل احدى الاشجار حتى فتح الباب الرئيسي وخرجت فتاة لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها مهرولة ناحية فيفيان وشعرها الكستنائي يطير على كتفيها
وارتمت في احضانها هاتفة بتأثر:
عمتي فيفيان كم انا سعيدة لقدومك.

فيفيان: لاتقلقي ياعزيزتي هذه الدكتورة نيل وكل شئ سيكون على مايرام اخرجي ياحبيبتي الى الشرفة وانتظري والدك
قطبت فرانسين حاجبيها معترضة:
لكني اريد مساعدة أمي
تقدمت جيسيكا من الصغيرة وغمرتها بحنان
جيسيكا: أعدك يافرانسين بأن اناديك اذا احتجت لأية مساعدة
ابتسمت الصغيرة بحياء وأجابت راضخة
فرانسين: حسناً كما تشائين يادكتورة نيل

في غرفة النوم الكبيرة بدت اوليفيا شاحبة الوجه وقد تمددت على السرير من غير حراك لكنها ما ان سمعت الباب يفتح حتى فتحت عينيها وارتسمت على شفتيها ابتسامة ارتياح ورضى وتمتمت بصوت منخفض ترحب بالقادمتين
اوليفيا:تسرني رؤيتكما الى جانبي لم أقو على التحرك من مكاني والا لكنت وفرت عليكما مشقة القدوم الى هنا
صاحت فيفيان بهلع:
اياك والتحرك قد تعرضين نفسك والجنين لخطر محتم
وضعت جيسيكا حقيبتها على الأرض وجلست بالقرب من اوليفيا مستوضحة:
متى أحسست بالألم؟

اوليفيا: سأكون صريحة معك شعرت بألم في الصباح لكني حسبته تشنجا ًفي المعدة كالعادة وعندما زال أيقنت من أني مصيبة في ظني ولاشئ يدعو للقلق لكن الألم عاودني منذ اكثر من نصف ساعة و...
عاودتها نوبة الألم مجدداً فلم تكمل عبارتها فوضعت جيسيكا يدها على جبينها تهدئ من روعها
جيسيكا: استرخي ولاتقلقي وتنفسي بهدوء وعمق
انتظرت جيسيكا زوال الألم وباشرت في معاينة مريضتها لكنها ماان انتهت من ذلك حتى عاد الوجع أشد وأقوى.

هتفت فيفيان باضطراب:
ياالهي.ماذا سنفعل يا جيسيكا؟
فتحت الدكتورة نيل حقيبتها تتفحص محتوياتها وأجابت بهدوء كلي:
اعتقد ان الولادة ستتم في هذه الغرفة
جحظت عينا فيفيان وصاحت برعب:
تقولين ذلك وكأن الأمر سيحصل بعد لحظات
جيسيكا: ستحصل الولادة قريباً لكن أمامنا متسعاً من الوقت لاجراء الترتيبات الضرورية
اصدرت جيسيكا تعليماتها بهدوء وثقة مما بعث الطمأنينة في نفس فيفيان
اليّ بوعاء من الماء الساخن وبعض المناديل النظيفة وأعملي على ابقاء الصغيرة خارجاً لن يستغرق الأمر اكثر من نصف ساعة.

جلست جيسيكا الى جانب اوليفيا تمسح جبينها المتصبب عرقاً قائله لها:
لاتخافي ياعزيزتي كل شئ يسير بصورة طبيعية
أغمضت الحامل عينيها متأوهة وقد ازداد شحوب وجهها
اوليفيا: ياالهي ليت برنارد هنا
اجابت فيفيان وهي تضع وعاء الماء الساخن قرب السرير:
لوعرف ماذا يحدث لطار الى هنا ليكون بقربك في هذه اللحظة فانت تعلمين مقدار حبه لك
عاودتها نوبة الألم مرة أخرى فأمسكت بغطاء السرير تشده بين يديها
اوليفيا: أجل...أجل أعلم ذلك وجوده الى جانبي يريحني ويجعلني أشعر بالأمان
جثت فيفيان على ركبتيها عند حافة السرير ومدت يديها الى اوليفيا
فيفيان: امسكي بيدي ياعزيزتي واتركي الباقي لجيسيكا.

وضعت اوليفيا مولوداً صبياً كامل النمو عملت جيسيكا على لفه ووضعه قرب اوليفيا بينما اهتمت فيفيان بتنظيف المكان بعد قليل وصلت فرانسين ووقفت عند الباب تسأل بارتباك:
لقد سمعت صراخ الطفل هل بامكاني رؤيته والاطمئنان على أمي؟
ضمتها فيفيان الى صدرها هاتفة:
بكل تأكيد ياحبيبتي
هرعت الطفلة الى أمها تقبل وجنتيها ثم حدقت بالمولود الجديد طويلاً وقالت:
انه صغيراً جداً هل سينمو يااماه؟
أشرق وجه اوليفيا بعد شحوب وهي تغمر ابنتها
اوليفيا:سينمو ياعزيزتي حتى يصبح في مثل قامتك يوما ًما
ضربت الطفلة كفاً بكف وكأنها تذكرت شيئاً والتفتت ناحية جيسيكا وفيفيان هاتفة:
حضرت ايفيلنا القهوة ووضعتها في غرفة الجلوس سأبقى مع أمي الى حين عودتكما
ترددت فيفيان في الذهاب لكن جيسيكا ربتت على كتفها موافقة
جيسيكا: فنجان كبير من القهوة هوأفضل مانحتاجه الآن

جلست الاثنتان في غلرفة الجلوس ترشفان القهوة بهدوء وارتياح فالعشرون دقيقة التي استغرقتها عملية الولادة كانت صعبة على الجميع رفعت فيفيان رأسها تجيل النظر في ارجاء القاعة وقالت بتأثر:
لقد ترعرعت في هذه المزرعة وفي هذا المنزل بالذات وشهدت حيوانات كثيرة تلد وفي كل مرة كنت اخرج مندهشة اليوم عندما شاهدت ولادة الطفل شعرت بفراغ في حياتي واكتشفت ان أحلى مرحلة من مراحل الزواج قد فاتتني
بدا التأثر على وجه جيسيكا واحتارت بما تجيب فالألم الساكن في عيني محدثتها أكبر من ان يزيله سؤال او تخفف منه مواساة
بدأ الظلام يدب في انحاء المزرعة مبشراً بهبوط الليل وخيم سكون ثقيل على غرفة اوليفيا حيث جلست جيسيكا وحيدة تراقب الأم وطفلها.

فجأة علا هدير شاحنة في الخارج وسرعان ماتهادى الى مسامع جيسيكا وقع خطوات سريعة في الرواق المؤدي الى الغرفة وصوت رجل يسأل باضطراب:
أين هي؟اين اوليفيا؟
طمأنته فيفيان بنبرة هادئة:
انها في غرفتها يابرنارد ولاشئ يدعو للقلق
صعد برنارد كينغ السلالم المؤدية الى غرفة النوم وهو يلعن الصيد والصيادين بصوت عال مما حمل جيسيكا واليفيا على تبادل نظرات ضاحكة قبل ان يفتح الباب بقوة وقف برنارد عند الباب بقامتة الطويلة وشعره الأسود وقد خططه الشيب متجهم الوجه يوزع نظراته النارية المضطربة بين زوجته وجيسيكا فجأة علا صراخ الطفل فتبدلت سحنة الأب وغاب الحنق والقلق من عينيه فمسح وجهه بيده وكأنه لايصدق ماتراه عيناه.

وتقدم من زوجته وجثا قرب السرير يغمرها والطفل بحنان هامساً بتأثر:
أوليفيا؟
التفتت جيسيكا الى فيفيان فرأتها مأخوذه بذلك اللقاء المؤثر تحدق في العائلة الصغيرة بعينين دامعتين وابتسامة حزينة وتشاركهم احساساً لم يراود قلبها من قبل
نظرت اوليفيا الى جيسيكا وقد امسكت بيد زوجها
اوليفيا:أرجو المعذرة ياجيسيكا اقدم لك زوجي برنارد(وتطلعت الى برنارد مردفة)انها الدكتورة نيل
هب الزوج السعيد واقفاً ومد يده مصافحاً جيسيكا بحرارة وقوة

برنارد: معرفتك تشرفني يادكتورة وشكراً على مساعدتك لاوليفيا
جسيسكا: لاشكر على الواجب
تطلعت اوليفيا الى زوجها سائلة:
ألن تحمل الطفل يابرنارد؟
ثلاثة أزواج من العيون راقبت برنارد وهو يقترب من السرير الصغير وينحني ليحمل الطفل الغارق في لفته القطنية يغط في نوم عميق
هتف الأب مازحا:ً
ياله من طفل بشع.
جارته اوليفيا في مزاحه:
هذا شئ طبيعي فهو يشبه والده تماماً
علت ضحكة برنارد مدوية وجلس من جديد قرب زوجته
برنارد: اني استحق جواباً كهذا أليس كذلك؟

أجابت فيفيان مبتسمة:
بكل تأكيد (ونظرت الى جيسيكا توضب اغراضها في الحقيبة تتهيأ للرحيل واردفت) لقد اتصل بيتر وسيوافينا بعد قليل وطلب مني ان امنعك من مغادرة المزرعة قبل تناول العشاء
همّت جيسيكا بالاعتذار: اني مضطرة
لكن اوليفيا قاطعتها بلطف:
ارجو منك البقاء ياجيسيكا
لم تقو على مقاومة نبرة التحبب في عبارة اوليفيا فأومأت برأسها موافقة.

جلس الجميع ماعدا اوليفيا الى طاولة العشاء في جو من المودة افتقدته جيسيكا منذ مغادرتها جوهانسبرغ يستمعون الى فرانسين تعيد عليهم ماحدث خلال غياب والدها عن المنزل وحدها جيسيكا لاحظت مدى تأثر فيفيان وهي تصغي بشغف الى الطفلة وتمسح بين الحين والآخر دموعها .
احتارت كيف تفسر احجام هذه المرأة عن الانجاب بالرغم من ولعها الشديد بالاطفال لابد من وجود سبب وستسعى الى اكتشافه بطريقة او بأخرى
اشارت الساعة الى الثامنة فنهضت جيسيكا عن كرسيها معتذرة وتوجهت الى غرفة اوليفيا لتودعها فوجدتها مازالت مستلقية في فراشها والابتسامة لم تفارق شفتيها
جيسيكا: كيف حال الأم الصغيرة؟

اوليفيا: جيسيكا... لم تسنح لي الفرصة لاشكرك
همست الدكتورة بنبرة حنونة ممررة يدها على رأس مريضتها: لم أقم سوى بواجب الصداقة ياعزيزتي
اوليفيا: بل اكثرمن ذلك بكثير لاادري ماكنت سأفعل لولاك
جيسيكا: عليك بالراحه عدة أيام حتى تستعيدي نشاطك فكما اعتقد لست بحاجة لمستشفى.سأزورك يومياً للاطمئنان عنك وعن الطفل ماذا ستسمينه يااوليفيا ؟
اوليفيا: لم نقرر بعد
علا صوت برنارد قرب الباب: لدي الاسم الناسب له
اوليفيا: يالك من جاسوس ياحبيبي.ماهو الأسم المناسب له ؟
برنارد: لم أجد أفضل من لوغان اسماً له
علت الدهشة وجه الزوجه بينما التفت برنارد الى جيسيكا موضحاً: انه اسم عائلة اوليفيا قبل الزواج
جيسيكا: انه اسم جميل ويليق بهذا ((السيد))النائم هنا.حسناً يالوغان سأراك غداً
التقت جيسيكا اثناء خروجها بيتر اوبريان في غرفة الجلوس فنهض مودعاً.

بيتر: سأرافقك الى السيارة ياجيسيكا، وما ان صارا في الخارج حتى سألها باهتمام: هل تمت الولادة على مايرام؟هل من مضاعفات؟ جيسيكا: لا ابداً
بدا الارتياح على وجه الطبيب فهتف: عظيم انت تعلمين ان اوليفيا مازالت فتية واعترف اني لم أتوقع لها ولادة طبيعية ولكن ...
عندما يتعلق الأمر باحد الأقارب اجد نفسي في حالة يرثى لها من القلق والاضطراب انها احدى نقاط ضعفي على ما اعتقد
جيسيكا: هذا شئ طبيعي يادكتور ارجو ان تكرر شكري لفيفيان وفرانسين فقد ساعدتاني كثيراً
وصلت جيسيكا الى منزلها بعد التاسعة بقليل وما ان همت بالاستحمام حتى رن الهاتف وتهادى صوت دان ترافورد بوضوح معاتباً:
حاولت الاتصال بك طوال السهرة.أين كنت ؟
احست بخفقات قلبها تتسارع وأجابت بطريقة عفوية: كنت في مزرعة آل كينغ فالسيدة كينغ وضعت مولوداً بعد الظهر
دان: أتعنين ان الطفل ولد في المزرعة.

جيسيكا: اجل
لم يتمالك دان نفسه عن الصراخ: ولماذا لم تنتقل الى المستشفى ؟
جيسيكا: لم يكن هذا ممكناً فزوجها خرج للصيد منذ الصباح
دان: كان بامكانك تدبير سيارة اسعاف لنقلها الى المستشفى
جيسيكا: لم يكن لدي الوقت الكافي
سألها دان بنبرة حانقة: ماذا تعنين بالوقت الكافي؟
ردت جيسيكا ببرودة مقصودة: كانت اوليفيا على وشك الوضع حين وصلت الى المزرعة
دان: ليس هذا سبباً مقنعاً يادكتورة نيل.أتعلمين نوع المضاعفات التي قد تحصل في حالات مماثلة ؟
جيسيكا: أعلم لكن ...

دان: اذن لماذا لم تعمدي الى ادخالها الى المستشفى ؟
جاهدت جيسيكا في السيطرة على نفسها قبل ان تقول: لأني اخذت بعين الاعتبار يادكتور ترافورد ان مريضتي ستفضل الاستلقاء في سريرها على التمدد في صندوق سيارة الاسعاف وهي تلد طفلها
علق دان بلهجة ساخرة: كلام مقنع يبدو انك تحملين في حقيبتك غرفة للطوارئ تدخلين اليها المريض عند الضرورة
جيسيكا: لاحاجة للهزء الآن
دان ياالهي.أنا لا اهزأ منك
جيسيكا: ماذا تفعل اذن؟أتقصد اني عاجزة عن معالجة الحالات الطارئة ؟
دان: وكيف أعلم ان كنت قادرة أم لا ؟
جيسيكا: حسناً اقترح ان تحتفظ بآرائك لنفسك يادكتور ترافورد الى ان تتأكد من مقدرتي

دان: لاتسيئي فهمي ياجيسيكا اردت ان أبين لك استحالة التغلب على أية مضاعفات عند عدم وجود الآلات المناسبة
اعترفت في قرارة نفسها بصواب كلامه لكنه لوكان محلها وعاين اوليفيا لوافقها على ان طلب سيلرة الاسعاف لم يكن ضرورياً
جيسيكا: فعلت ماظننته الأفضل لأوليفيا
دان: كنت أتوقع تعليلاً كهذا من امرأة
جيسيكا: ماذا تعني يادكتور ترافورد

دان: من المعلوم ان النساء ينجرفن وراء العاطفة عند اتخاذ قراراتهن وانت خير اثبات على ذلك
جيسيكا: لاعلاقة للعاطفة بقراري يادكتور ترافورد(وأحست انها تكاد تفقد السيطرة على نفسها)هل هناك ماتضيفه يادكتورد ترافورد ؟
دان: أجل لكني سأحتفظ به
اقفلت الخط بيدين ترتجفان سخطاً واضطراباً وهتفت بأعلى صوتها: لعنة الله على الرجال
احست باحتقان مؤلم في عينيها وبرغبة جامحة في البكاء
لم تهنأ جيسيكا بالراحة طوال الليل تلقت بعد منتصف الليل مخابرة من المستشفى تدعوها بسرعة الى غرفة الطوارئ ولم تعد الى منزلها الا عند الفجر فاستحمت وبدلت ثيابها ثم جلست على الشرفة ترقب شروق الشمس وتتناول فطوراً خفيفا .

حاولت قبل توجهها الى العيادة اخفاء علامات الاعياء على وجهها بالتبرج والاكثار من المساحيق لكن ما ان صادفت الممرضة هانسن حتى بادرتها الاخيرة مستوضحة: يبدو انك قضيت ليلة رهيبة ويؤسفني ان اخبرك ان الصباح لن يكون أفضل حالاً الدكتور اوبريان توجه الى المستشفى والدكتور ترافورد منهمك في معاينات خارجية مما يعني انك مسؤولة عن المكان بأكمله الآن خاصة ان غرفة الانتظار تعج بالمرضى
ارتدت جيسيكا سترتها البيضاء متصنعة الابتسام: اذن هلا ارسلتي المريض الأول ياآنسة هانسن ؟

كانت بداية النهار متعبة للغاية وبدا وكأن عدد المرضى لن ينتهي ابداً
لم تصادفها حالات مرضية كالتي تراها ولاسبق لها ان كشفت على مثل هذا العدد من المرضى اثناء عملها مع والدها ولسوء حظها ما ان كادت تنتهي من معاينة الدفعة الأخيرة حتى وصلت حافلة كبيرة مزدحمة بمرضى من منطقة فندا المجاورة
نزلت جيسيكا لاستقبالهم محدقة في تلك الوجوه السوداء المحيطة بها تتهامس فيما بينها وتذكرت قول أحد المحاضرين في كلية الطب عن ان الطبيب قد يصادف أياماً يتمنى فيها لو يملك أكثر من يدين اثنين.

والآن هي في أمس الحاجة الى تحقيق هذه الأمنية فعادت الى عيادتها تحمل اللائحة الجديدة وتتهيأ مرة أخرى لمعاودة العمل بينما تولت الآنسة هانسن أمر تنظيم دخول المرضى الجدد ودعت الممرضة المريض الأخير ودخلت غرفة جيسيكا لتجدها وقد أسندت رأسها الى حافة مكتبها تأخذ قسطاً من الراحة
اميلي: - مر عليك صباح رهيب يادكتورة نيل هل تتصورين كيف كانت الحالة قبل قدومك؟
رفعت جيسيكا رأسها ونظرت الى الممرضة مبتسمة: أقر بأني تعبة لكني راضية عن ذلك هذا هو نوع العمل الذي طالما نشدته النوع الذي يتعبك ويريحك في آن معاً لورآني والدي في تلك الحالة لطار صوابه.

اميلي: ألم يحبذ والدك اختيارك مهنة الطب؟
جيسيكا: بلى لكنه لايوافقني على طريقة ممارستها
لم يبد على الممرضة انها فهمت ولم تتكبد جيسيكا عناء التفسير بل خلعت سترتها وصففت شعرها بيديها قائلة:
اعتقد اني سأستغل فترة الغداء لأعود أوليفيا كينغ وطفلها في المزرعة بعدها سأكون في المستشفى ان احتجت اليّ
تطلعت الآنسة هانسن بشفقة الى وجه جيسيكا الشاحب وهزت رأسها معاتبة: الاطباء ينصحون مرضاهم بعدم اهمال صحتهم والاهتمام بطعامهم ولكن نادراً مايعملون بهذه النصيحة.

هزت جيسيكا كتفيها وغادرت عيادتها تقود السيارة على مهل الى مزرعة آل كينغ فامامها متسع من الوقت قبل ان يحين موعد رجوعها الى المستشفى فكرت بفيفيان فأمرها مابرح يشغل بالها منذ ان أفضت لها بمكنونات صدرها وخطرت لها فكرة قد تنجح في التخفيف من مشاكل هذه المرأة الطيبة لكنها قبل ان تمضي قدماً في تنفيذها ستحاول التقرب منها قدر الامكان واوليفيا كينغ هي الشخص الوحيد القادر على ذلك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة