قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

في المشفى
استطاع خالد أن يربط الأحداث ببعضها البعض، وعلم بشأن زيجة والده الثانية، ولكنه تسائل بصوت مسموع عن السارق الحقيقي لملف صفقة توريدس، فنظرت كنزي إليه بنظرات ممتعضة، وزمت شفتيها في انزعاج بالغ منه و...

-كنزي بتهكم: والله معرفش، شوفوا مين اللي في عيلتكم حرامي، وسرق الملف ووداه للزفت ده..!
-خالد بحدة: اتكلمي كويس
-كنزي بضيق وهي تشير: لما انت تتعامل الأول كويس معانا...
مطت كنزي شفتيها في تأفف، ثم رمقت خالد مجددا بنظرات متعالية و...
-كنزي وهي تلوي فمها: وبعدين أنا بعاملك بنفس أسلوبك.

تدخل عمر في الحوار حتى لا يحدث الصدام مجددا، خاصة أن الأجواء ملتهبة ولا تتحمل المزيد من المشاحنات، و...
-عمر وهو يشير بكلتا يديه: Time out، ارحمونا.

أشاحت كنزي بوجهها للناحية الأخرى، ثم عقدت ساعديها أمام صدرها، وهزأت رأسها في امتعاض و..
-كنزي وهي تزفر في ضيق: أووووف.

في منزل أدهم ويارا.

حاولت يارا إيقاظ أدهم الذي كان يغط في نوم عميق، جلست إلى جواره على الفراش، وبدأت تداعب طرف انفه بإصبعها، فتململ في الفراش، وحاول إزاحة ذلك الشيء الذي يدغدغ أنفه، كررت يارا تلك الفعلة للمرة الثانية وظلت تترقب رد فعله، كتمت يارا ضحكاتها الخافتة بوضع يدها على فمها، وفي أخر مرة فعلت يارا فيها هذا الأمر، كان أدهم قد أدرك مزاحها، فأمسك بطرف إصبعها، وفتح عينيه فجأة، فضحكت هي عاليا و...

-أدهم بصوت ناعس: بقى انتي اللي بتعملي فيا الحركة دي
-يارا وهي توميء برأسها: اها
-أدهم بنظرات متحدية: ولو أنا اللي زغزغتك هتستحملي؟
-يارا وهي تهز رأسها بالنفي: تؤ!
-أدهم بنظرات خبيثة: طب أنا لازم اجرب عشان أتأكد.

اعتدل أدهم في جلسته على الفراش، ثم مد كلا ذراعيه وأمسك بياا، بينما حاولت هي ابعاد نفسها عن أدهم الذي قد بدأ بدغدغتها في أجزاء متفرقة من جسدها، فإنهارت هي من الضحك أمامه. وتوسلت إليه بأعين دامعة من كثرة الضحك أن يتوقف، ولكنه استمر فيما يفعل، وبعدها توقف، ثم أحاطها بذراعيه، وضمها إليه، فأسندت هي رأسها على صدره و...
-يارا بصوت خافت: بحبك أوي
-أدهم وهو يمسد على شعرها برفق: وأنا بعشقك يا كل عمري.

ابتعدت يارا قليلا عن أدهم، ثم نظرت إلى عيناه بنظرات حانية و..
-يارا متسائلة بنبرة ناعمة: قولي يا أدهومتي هاتعمل ايه في موضوع السنتر؟

زفر أدهم في ضيق، فهو لا يريد لزوجته أن تعمل في اي عمل شاق حتى لو كان متعلقا بالنواحي الإدارية، خاصة أنها في أوائل أشهر الحمل..
-أدهم علي مضض: برضوه مصممة على اللي في دماغك ده
-يارا بنبرة راجية: يا حبيبي، صدقني والله، دي حاجة أنا بحبها، ومش هتاخد مجهود خالص
-أدهم بتهكم: أه صح، الرقص مش محتاج مجهود، محتاج ليونة في العضلات!
-يارا وهي تزفر في ضيق: يوووه، انت دايما بتاخد المواضيع الجد بهزار.!

-ادهم وهو يلوي فمه في امتعاض: مش احسن ما أكتم في نفسي، واموت مفروس..!
-يارا بنبرة إصرار وهي تشير بيدها: بص أنا من الأخر هاعمل السنتر، فبليز يا أدهم خليك واقف جمبي، وبعدين انت وعدتني انك موافق، ليه بتغير كلامك؟

تذكر أدهم أنه قد قطع وعدا ليارا بالموافقة على إدارة أحد المراكز الرياضية الخاصة بالأطفال وأمهاتهم في مقابل أن توافق هي على شرطه، لذا عمد إلى...
-أدهم بضيق: ماشي، بس بشرط
-يارا متسائلة: شرط ايه؟
-أدهم وهو يشير برأسه: فاكرة لما كنا في المستشفى في برلين
-يارا وهي توميء برأسها ايجابيا: اها
-أدهم: أنا قولتلك إني هوافق بس بشرط
-يارا وهي تمط شفتيها: مممم، ايوه، وأنا قولتلك إني موافقة على شرطك ده.

-أدهم بنظرات جادة: موافقة عليه قبل ما تعرفيه؟
-يارا وهي تهز كتفيها: يعني هايكون ايه يا بيبي؟

أخذ أدهم نفسا عميقا، ثم زفره في هدوء، ونظر إلى يارا بنظرات هادئة و...
-أدهم بصوت رجولي رخيم: شرطي يا يارا هو اننا نرجع نعيش في الفيلا تاني..!

فغرت يارا شفتيها في صدمة، ونظرت إلى أدهم بأعين مغتاظة و..
-يارا بوجه ممتعض: نعم؟
-أدهم باستغراب: ايه؟
-يارا بنبرة جادة: انت بتكلم جد يا أدهم؟
-أدهم بنظرات ثابتة: أيوه جد، أومال بهزر!
-يارا بحدة: يعني انت عاوزني أرجع أعيش في الفيلا تاني مع أمك
-أدهم بنظرات مغتاظة: ومالها أمي!
-يارا بتهكم: مالها! ده على أساس انك مش عارف هي بتعمل ايه فيا؟!

-ادهم وهو يلوي فمه على مضض: لأ عارف، بس بصراحة أنا مش هاقدر أطمن عليكي وانتي اعدة لوحدك هنا، وجودك هناك وفي ناس حواليكي بتخدمك هايطمني، وخصوصا لو أنا مش موجود
-يارا بضيق واضح: يا أدهم انت عاوز تحرق دمي واعصابي، ده أمك مش بتضيع فرصة إلا وتسمعني فيها كلامها البايخ وتسمم بدني بأم قصة بنت الشغالين، وبنت البوابين، بجد أنا مش هأقدر أستحمل!
-أدهم مازحا: ده أمي أخلاقها اتغيرت.

-يارا وهي تلوي فمها في تهكم: ده على أساس إن الحداية بتحدف كتاكيت.

لكز أدهم يارا في فخذها، ونظر إليها بنظرات معاتبة و...
-أدهم بضيق: ما تلمي نفسك شوية، دي أمي برضوه
-يارا وهي تشيح بوجهها: اوووف
-أدهم بنبرة جادة وصارمة: والله ده اللي عندي! موافقتي على انك تعملي الزفت بتاعك ده مربوط بإنك تعيشي في الفيلا
-يارا بحنق: هي بقت كده
-أدهم بصوت هادر: آه بقت كده، وأوعي بقى خليني أخد شاور..!

دفع أدهم يارا بيده، ثم نهض عن الفراش، وسار ناحية المرحاض، ودلف إلى داخله، وأغلق الباب خلفه، بينما ظلت يارا تتابعه ببصرها وعلى وجهها علامات الانزعاج الواضحة..
-يارا بنبرة غاضبة: والله أنا خايفة الولية السو ده تجيب أجلي...!

في بورتو السخنة
جلست فريدة على أحد المقاعد المبطنة والمخصصة لأخذ حمام شمس بالقرب من المسبح و...
-فريدة بنظرات حادة وهي تمط شفتيها: مممم، يعني الدكتور اللي كلمني الزفت اللي اسمه زيدان مجاش! أوووف، الواحد ميعرفش يعتمد عليه في حاجة، فالح بس يبيع ويشتري فيا عشان الفيديو اياه!

اقترب أحد الأشخاص من فريدة، ويبدو عليه الكبر، وعلامات التجاعيد جلية أسفل عينيه..
وقف ذلك الشخص أمام فريدة فحجب أشعة الشمس عن ناظريها و..
-عزت مبتسما: فريدة هانم صح؟
-فريدة وهي تعقد حاجبيها في استغراب: أيوه، انت مين؟
-عزت وهو يتنحنح في خشونة: احم، آآآ، انا، أنا دكتور عزت.

اعتدل فريدة في جلستها، ونظرت إلى هذا الرجل بنظرات متفحصة و..
-فريدة بنبرة عادية: دكتور عزت!
-عزت وهو يمد يده لمصافحتها: أيوه يا هانم، أنا دكتور نساء وتوليد.

ارتسمت تعابير الفرحة على وجه فريدة، ومدت يدها لتصافحه و...
-فريدة وهي تمط شفتيها في اعجاب: أوووه، دكتور عزت، هاي
-عزت بنبرة هادئة: اهلا بيكي يا هانم
-فريدة وهي تشير بيدها: اتفضل يا دكتور.

جلس الطبيب عزت على المقعد البلاستيكي المبطن، ونظر إليها بنظرات جادة و...
-عزت بنبرة عادية: زيدان باشا كان كلمني عشان حضرتك يا هان
-فريدة وهي توميء برأسها: أه فعلا، أنا كنت طلبت منه ان كان يعرف دكتور متخصص في أمراض النساء، وكده
-عزت وهو يتصنع الابتسام: تحت أمرك يا هانم
-فريدة بنبرة مترددة: آآآ، بصراحة كده يا دكتور، أنا، أنا ندي واحدة قريبتي، يعني، آآ، في واحد ضحك عليها، واستغل طيبتها وآآآ...

-عزت مقاطعا وهو يهز رأسه ويشير بيده: أها، مفهوم يا هانم، حضرتك عاوزاها ترجع زي الأول وأحسن، صح كده؟!
-فريدة وهي تنفي برأسها: لأ، مش كده بالظبط، هي، هي المشكلة إنها حامل! وآآ، وعاوزة تنزل الحمل ده، حضرتك عارف الفضايح وكده
-عزت متسائلا: طب هي في الشهر الكام؟
-فريدة وهي تمط شفتيها في تأفف: لأ دي لسه في الأول خالص..

ابتعلت فريدة ريقها، وفركت يديها في توتر ثم أكملت ب...
-فريدة بتردد: بس، آآآ، آآ، هي مش عاوزة عملية ولا حاجة زي كده، هي عاوزة يعني ان كان في طريقة تعرف تجهض بيها نفسها من، آآ، من غير ما حد من عيلتها يعرف وكده.

صمت الطبيب عزت ليفكر قليلا، وضع يده أسفل ذقنه ليحكها قليلا، ثم اطرق رأسه للأسفل، وتأمل أسفل قدميه للحظات، وبعدها رفع بصره للأعلى، ونظر إلى فريدة في عينيها مباشرة و...
-عزت بنبرة جادة: هو في حل كده بس آآآ، بس في نسبة خطورة فيه
-فريدة بلهفة ونظرات مترقبة: ايه هو يا دكتور عزت؟
-عزت بعدم ثقة: يعني في برشام معين بيتاخد وبيجيب نتيجة، بس ممكن يسبب نزيف حاد ده لو مافيش آآآ...

-فريدة مقاطعة بنظرات جاحظة: أنا عاوزة اسم البرشام ده، ولو امكن حضرتك تجيبهولي وأنا، وأنا هاتصرف
-عزت بقلق: مافيش مشكلة يا هانم، بس هو قرص واحد اللي يتاخد، ولو مجبش نتيجة يتكرر بعده ب 3 أيام عشان مايحصلش مضاعفات لقريبتك
-فريدة بنظرات شيطانية: لأ أطمن، ده أنا بنفسي هتأكد أنها كويسة...!

في فيلا زيدان
وصل زيدان إلى فيلته، جاب ببصره أرجاء الفيلا فلم يجد شاهي في الحديقة، أو في غرفة الاستقبال أو حتى غرفة الصالون، فرفع بصره للأعلى، وأيقن أنها لا تزال تحبس نفسها في غرفة النوم حينما وجد الخادمة تدلف من غرفتها..
لوى زيدان فمه في امتعاض، ثم سار بخطوات ثابتة نحو مكتبه، وأمسك بالمقبض وأداره وقبل أن يدلف للداخل، صاح بالخادمة و...
-زيدان بنبرة صارمة: اطلعي للهانم، وقوليها تجهز عشان خارجين.

-الخادمة بنبرة خافتة ومرتعشة: ح، حاضر يا باشا!

دلف زيدان إلى داخل مكتبه، ثم مد يده وسحب مقعده الوثير وجلس عليه، وظل يتأرجح قليلا به للخلف في توتر...

لا يعرف زيدان ما الذي أصابه، ولكن طوال اليوم يمر به طيف شاهي، ولا يعرف كيف يتغلب على هذا الشيء..

أمسك زيدان بعلبة السجائر الكوبية الموضوعة أمامه، وفتحها واخرج منها سيجارة وأشعلها بولاعته الذهبية، وظل يدخنها بشراهة، وينفث دخانها بتنهيدات حارقة...
ظلت شاهي حبيسة غرفتها، رفضت أن تنزل إلى حديقة الفيلا، هي تخشى أن يتعرض لها أي أحد بالأذى، دلفت الخادمة إليها وهي تحمل صينية الإفطار ولكنها لم تتناول إلا بضعة لقيمات..
كانت شاهي شاردة غالبية وقتها، تلوم نفسها على سوء الإختيار..

ارتدت شاهي قميصا منزليا قصيرا – يصل إلى ما قبل الركبة بقليل - مصنوع من قماش ( الليجن ) ومن اللون الأبيض ومنثور عليه بقع صغيرة من اللونين الأسود والسماوي، و ذو حمالات رفيعة سماوية اللون، كما أنه مفتوح من الصدر فتحة مثلثة، وتلك الفتحة مزدانة بقماش الدانتيل السماوي..

تربعت شاهي على الأريكة، وظلت تنظر إلى نقطة ما في الفراغ، وأسندت أحد مرفقيها على ركبتها المثنية، وظلت تمسح بأناملها دموعا تنساب من مقلتي عينيها تلقائيا..

طرقت الخادمة الباب، ودلفت إلى الداخل لتبلغ شاهي ب...
-الخادمة بصوت خافت: يا هانم، زيدان باشا جه، وبيبلغ حضرتك تجهزي عشان هتخرجوا!

لم تجب شاهي على الخادمة، ولم تلتفت إليها حتى، بل ظلت صامتة، شاردة، فعاودت الخادمة تكرار جملتها، فأشارت لها شاهي برأسها، ثم دلفت الخادمة بعدها للخارج..

زفرت شاهي في ضيق، كم تتمنى لو تستطيع أن تهرب من ذلك القفص الذهبي الموضوعة فيه، هي تبغض كل شيء في تلك الزيجة السيئة التي كانت من نصيبها، لم تعد تتحمل البقاء إلى جوار ذلك الوحش الآدمي، هي تحاول قدر المستطاع انتهاز أي فرصة للهروب، وربما يكن في خروجها الليلة الملاذ الأخير...

نهضت شاهي عن الأريكة، ثم سارت بخطوات متثاقلة نحو المرحاض، دفعت بابه بيدها، ثم دلفت للداخل، وأغلقته من خلفها، ونسيت أن توصده..
نزعت شاهي ملابسها، ووقفت على مقربة من ( البانيو )، ثم انحنت قليلا بجسدها، وأدارت صنبور المياه، وبدأت تتفقد حرارتها..

وقفت شاهي أسفل ( الدش ) تغتسل لعلها تجد في المياه ما يبرد نيرانها الداخلية، غابت شاهي لفترة وهي تغتسل، أغمضت عينيها تتذكر حياتها الماضية، كيف كانت قاسية، كيف كانت متعالية، كم أنها تعلقت بأدهم ورغبت فيه زوجا، ولكنه رفضها، وكيف تلاعب بها خالد قليلا من اجل يارا، ثم تركها، ومن ثم عوضها الله بإسلام ولكنه ابتعد عنها، إلى أن انتهى بها المطاف زوجة ذلك الرجل المتحجر القلب..

في نفس التوقيت صعد زيدان إلى الغرفة، ثم أمسك بالمقبض وفتح الباب ودلف إلى الداخل وجاب ببصره أركانها، فلم يجد شاهي جالسة فيها، فامتعض وجهه على الفور، وبدأ الغضب يتملكه، واشتعلت عيناه حنقا، ثم كور قبضتي يده في ضيق جلي، و سار ناحية باب المرحاض بخطوات منزعجة...

أفاقت شاهي من شرودها حينما شعرت ببرودة المياه على جسدها، فأغلقت الصنبور، ورفعت رجلها قليلا لتخرج من ( البانيو ) ثم سارت خطوتين ناحية الدولاب الموضوع به المناشف القطنية، وامسكت بأحد المناشف بيديها وبدأت تجفف نفسها، وفجأة وجدت من يفتح عليها باب المرحاض على مصرعيه و...

في المشفى المتواجد به عدلي
تمكنت ناهد الرفاعي من معرفة المشفى المتواجد به عدلي الباشا، استقلت سيارتها، وطلبت من السائق إيصالها إلى هناك..
وبالفعل وصل السائق إلى المشفى، فترجلت هي من السيارة، وسارت بخطوات مضطربة ناحية مدخلها..
دلفت ناهد إلى الاستقبال الملحق بالمشفى وسألت عن مكان غرفته، ثم صعدت بخطوات مرتبكة إلى هناك..

تفاجئت ناهد بوجود حراسة من الشرطة على باب غرفته، فترددت في الدخول، هي تخشى أن يسألها أحد عن سبب زيارتها له، خاصة وأن هناك قضايا دائرة بينهما..
ابتلعت ناهد ريقها في توتر، ثم نظرت حولها إلى أن لمحت ممرضة ما تقف على بعد، فقررت أن تستغلها وتعرف منها ما تريد عن عدلي بدون أن تثير الريبة حولها..

سارت ناهد ناحية الممرضة، و...
-ناهد بنبرة جادة: لو سمحتي.

التفتت الممرضة عائشة إلى ناهد، ورمقتها بتمهل من أخمص قدميها حتى رأسها ثم..
-الممرضة عائشة وهي تلوك علكة ما في فمها: أؤمريني.

مدت ناهد يدها في حقيبتها، ثم اخرجت بعض النقود منها، وأعطته للممرضة عائشة في كف يدها و..
-ناهد بنظرات حادة: خدي دول عشانك.

ابتسمت الممرضة عائشة في فرحة، ومدت يدها ووضعت النقود في جيب الزي الأزرق الذي ترتديه و...
-الممرضة عائشة بنبرة سعيدة: ياخد عدوينك يا هانم
-ناهد بنبرة خافتة: بقولك ايه يا آآآ...
-الممرضة عائشة وهي تشير إلى نفسها: عيشة يا ست الكل
-ناهد متصنعة الابتسام: أهلا يا عيشة
-الممرضة عائشة: خير يا هانم
-ناهد وهي تشير بيدها: كنت عاوزة أعرف حالة المريض اللي هناك ده.

-الممرضة عائشة وهي ترفع أحد حاجبيها: تقصدي المتهم اللي أعد عنده العسكري اللي هناك ده
-ناهد بتردد: آآ، أه هو
-الممرضة عائشة وهي تمط شفتيها في ضيق: زي ما هو، لا بيهش ولا بينش
-ناهد وهي تزم شفتيها: مممم...
-الممرضة عائشة على مضض: وكله كوم وقريبه اللي بيجي يزوره كوم تاني، قطيعة تقطعه راجل استغفر الله العظيم عاوز الحرق
-ناهد بتوجس: ت، تقصدي زيدان؟

-الممرضة عائشة: والله ما أعرف اسمه يا ست الكل، بس هو بيجي ومعاه ناس طول بعرض كده شكلهم أعوذو بالله
-ناهد بصوت خافت: هو زيدان ال *** ملفيش غيره
-الممرضة عائشة متسائلة: بتقولي حاجة يا هانم؟
-ناهد بنظرات مضطربة: لأ، بس، آآ، ماتعرفيش ان كان هايفوق ولا لأ؟ يعني الدكاترة مش بيقولوا حاجة عن حالته؟
-الممرضة عائشة: بصراحة معرفش، بس هو حالته زي ما هو.

مدت ناهد يدها مرة أخرى في حقيبتها، وأخرجت مبلغا أخرا من المال، ثم أعطته للممرضة التي دسته في جيبها و..
-ناهد بنبرة خافتة: عاوزاكي يا عيشة لو عرفتي أي حاجة عنه، ولا في جديد في حالته تبلغيني، ماشي؟
-الممرضة عائشة بفرحة: خدامتك يا هانم
-ناهد وهي تشير برأسها: خدي نمرة موبايلي وكلميني في أي وقت، وأنا هاشوفك!
-الممرضة عائشة: تسلميلي يا هانم.

ابتعدت ناهد عن الممرضة وهي تركز بصرها أمامها، وعلى وجهها علامات التجهم واضحة و...
-ناهد بنبرة خافتة وهي تزفر في ضيق واضح: أوووف! هاعمل أنا ايه الوقتي، طب، طب هاجيب بنتي من الحيوان ده ازاي؟
في منزل أدهم ويارا
ظل الوضع متأزما بين أدهم ويارا بسبب إصرار كل منهما على رأيه..
نظر كلاهما إلى الأخر بنظرات محتقنة، ولم يتحدثا سويا..

جلس أدهم في غرفة المعيشة، في حين بقيت يارا بداخل غرفة النوم، كما رفض كلاهما تناول الطعام سويا..

تمدد أدهم على الأريكة، ثم أمسك بالريموت وظل يقلب بين محطات التلفاز المختلفة، ولكنه لم يجد ما يجذب انتباهه، وكان بين الحين والأخر يعيد رأسه للخلف لينظر إلى باب الغرفة لعل وعسى تدلف يارا للخارج وتحاول مصالحته، ولكن لم يحدث هذا..
زفر ادهم في انزعاج واضح، ثم نظر إلى هاتفه الموضوع على الطاولة، وتذكر أمرا هاما، لقد نسي تماما أن يبلغ عائلته بعودتهما إلى القاهرة...

لذا أمسك أدهم بهاتفه المحمول ليتصل بأخيه خالد ويبلغه بوصوله إلى القاهرة، وبالفعل ضغط على بعض الأزرار، ثم وضع الهاتف على أذنه، واستمع إلى رنينه...

في المشفى
وقف خالد مع عمر على مقربة من كنزي والتي ظلت تراقب اختها الراقدة على الفراش في الداخل بأعين دامعة..

ظل خالد يوبخ عمر على كتمانه لمثل ذلك الأمر الخطير، بالإضافة إلى لومه على زيارة فتاة ما ليست على صلة به في منزلها وبدون وجود أهلها، حاول عمر التملص من الأمر برمته وإختلاق الأعذار، ولكن لم ينجح الأمر مع خالد...

رن هاتف خالد، فوضع يده في جيبه، واخرجه منه ثم نظر إلى شاشته وقرأ اسم أخيه أدهم، فوضعه على أذنه بعد أن ضغط على زر الايجاب و...
-خالد هاتفيا بنبرة جادة: ألوو، ايوه يا أدهم
-أدهم هاتفيا وهو يمزح: حبيبي يا أبو عيالي
-خالد بنبرة متعجبة: انت هنا؟
-أدهم مبتسما وهو يوميء برأسه: لأ لسه هناك، أيوه يا خالد احنا الحمد لله رجعنا
-خالد بنبرة شبه فرحة: طب حمدلله على السلامة.

-ادهم بنبرة هادئة: الله يسلمك، ايه الاخبار عندك؟
-خالد بنظرات حانقة، ونبرة ممتعضة: زي الزفت.

انتصب أدهم في جلسته، وأنزل قدميه عن الأريكة ثم...
-أدهم بتوجس: خير يا خالد؟ في ايه اللي حصل؟

سار خالد مبتعدا عن عمر قليلا، ثم سرد على عجالة وبصوت خافت ما حدث مع كارما وزواج أبيه من والدتها وشكوكه حول علاقتها بقريب عدلي الباشا..
صدم أدهم حينما سمع ما قاله أخيه، وفغر شفتيه في عدم تصديق، ثم نهض عن الأريكة ونظر أمامه بنظرات مصدومة و...
-ادهم بنبرة منزعجة، ونظرات مصدومة: انت بتقول ايه؟
-خالد على مضض: اللي سمعته!
-أدهم بنظرات مغتاظة: وأمك عرفت؟

-خالد بتهكم: هي لو كانت عرفت كان زمانت الدنيا ولعت أكتر من كده!
-ادهم متسائلا: طب وانت فين دلوقتي؟
-خالد وهو يلوي فمه على مضض: هانكون فين غير في الزفت المستشفى!
-ادهم بنبرة صارمة: طب أنا جايلك دلوقتي! هاتلي عنوان المستشفى دي
-خالد بضيق: مافيش داعي تتعب نفسك
-ادهم بنبرة متجهمة وهو يزفر في ضيق: أتعب نفسي ايه بس، دي مصيبة يا بني! استغفر الله العظيم
-خالد بنبرة منزعجة: طيب، أديني مستنيك.

-أدهم بانزعاج: مسافة السكة ان شاء الله! سلام.

أنهى خالد المكالمة مع أخيه، ثم وضع الهاتف في جيبه، وسار عائدا ناحية عمر الذي ظل مسلطا بصره على كنزي يراقبها في صمت، وقلبه متوجس خيفة عليها...

في فيلا زيدان
وجدت شاهي من يفتح عليها باب المرحاض فجأة على مصرعيه وهي تجفف جسدها من المياه..
نظرت شاهي إلى زيدان بنظرات مصدومة وهي فاغرة شفتيها، وارتجف قلبها رعبا من رؤيته لها في تلك الهيئة، ارتعدت أوصالها، وشعرت بالبرودة القارصة تسري في كل ذرة في كيانها، وتملكتها القشعريرة الرهيبة..

في حين تسمر زيدان في مكانه للحظات يتأملها بتفحص شديد، جاب ببصره بنظرات ثاقبة جسدها العاري الذي حاولت تغطيته، لم يتحرك زيدان، ولم ترمش حدقتي عينيه أو تحيد عنها لثانية، بل ظل يمعن النظر إليها وكأنه لأول مرة يراها، لقد مرت عيناه ببطء على كل تفصيلة في جسدها، ورغم محاولته ابعاد نظره عنها إلا أنه يشعر أن هناك شيء ما يأسره ويمنعه من أن يحيد ببصره عنها..

ارتبكت شاهي، وحاولت جاهدة أن تغطي جسدها بالمنشفة على عجالة ولكن لتوترها الشديد كانت تعجز عن فعل ذلك، ورغم أن خصلات شعرها كانت تقطر ماءا دافئا إلا أنها شعرت أنها تقطر ثلجا على كتفيها...
اقترب زيدان بخطوات بطيئة من شاهي التي كانت ترتجف فزعا منه، أغمضت شاهي عينيها في خوف شديد، وحاولت أن تتراجع للخلف، ولكن كانت ساقيها غير قادرة على الصمود أمامه...

لم يعرف زيدان ما الذي أصابه، ولكنه وجد نفسه يمد يديه تلقائيا، ويمسك بالمنشفة وهو مسلط بصره على شاهي، لقد شعر ببرودة جسدها، ثم رفع المنشفة قليلا وأدارها برفق حول جسد شاهي وأحكم إغلاقها عليها، ثم لف ذراعه حول خصرها، وقربها برقة إليه لتلتصق بجسده...

نظرت شاهي إليه بنظرات مرتعدة ومضطربة، وأسندت يديها على صدره محاولة – رغم ارتجافها منه – أن تدفعه بعيدا عنها، شعر زيدان بخفقان قلبها السريع، وعلو صدرها وهي في أحضانه، ثم انحنى بجذعه قليلا للأسفل، ووضع ذراعه الأخر أسفل ركبتيها، ثم حملها بحنية لم تعهدها منه، وضغط بذراعيه على جسدها ليضمها أكثر إليه - وكأنه يوصلها رسالة ما ضمنية بأنه لن يتركها أبدا - ودلف بها إلى خارج المرحاض، وسار بها نحو الفراش وهو ينظر إلى وجهها بتأمل شديد...

وضع زيدان شاهي على الفراش، فنظرت هي إليه بتوجس شديد، فابتعد هو عنها، ووضع يده على رأسه يحك فروة شعره، في حين زحفت شاهي بمرفقيها للخلف على الفراش، ثم سار زيدان بخطوات سريعة ناحية الدولاب، وأولاها ظهره، حاول زيدان أن يبدو صارم الوجه أمامها، و...
-زيدان وهو يتنحنح بصوت رجولي خشن: آآآ، احم، البسي بدل ما آآآ، نتأخر، أنا مش فاضيلك!

لم تجب شاهي عليه، وإنما ظنت أنه يضمر لها شيئا في صدره..!

أخرج زيدان حلة سوداء قاتمة من دلفة الدولاب الخاصة به ثم وضعها على الأريكة، ودلف مجددا إلى المرحاض وصفع الباب بقوة من خلفه.

انتفضت شاهي فزعا، وابتلعت ريقها في توتر بالغ، ثم نهض عن الفراش، وركضت ناحية الدولاب تحاول انتقاء شيء ما ترتديه...

في منزل أدهم ويارا
إدعت يارا أنها غافلة في الفراش حينما دلف أدهم مسرعا إليها، أغمضت يارا عينيها، في حين جلس أدهم إلى جوارها، وحاول افاقتها و...
-أدهم بجدية وهو يضع يده على كتفها: يارا، اصحي، مش وقت تمثيل..! في نصيبة سودة حصلت.

زفرت يارا في انزعاج، ثم أزاحت الغطاء عن جسدها و...
-يارا بضيق: أوووف، عاوز ايه؟
-أدهم بنبرة منزعجة للغاية: أبويا اتجوز
-يارا فاغرة شفتيها: ايييه؟
-ادهم بنبرة ممتعضة: ماسمعتيش، بقولك عمك رأفت اتجوز على أمي.

علت ابتسامة عريضة وجه يارا، وارتسمت علامات البهجة والسرور على وجهها و...
-يارا بنبرة فرحة: والله! خير ما عمل، زمانت امك هتطأ من الفرسة، حقها، ربنا قادر على كل شيء
-أدهم بضيق بالغ: انتي فرحانة فيها؟
-يارا وهي تهز رأسها: No، ده أنا متأثرة عشانها
-ادهم وهو ينظر لها بنظرات ضيقة، ونبرة متهكمة: ماهو باين عليكي التأثر.

تنحنحت يارا في حرج، وحاولت أن تخفي سعادتها البالغة و...
-يارا بنبرة خافتة: آآآ، لأ ده، ده بس عشان أنا، آآ حامل وآآآ، فتلاقيني مش على بعضي
-أدهم وهو يلوي فمه: يا شيخة!
-يارا مبتسمة: اه طبعا..
-أدهم وهو يشير بيده، وبنبرة جادة: طب يالا قومي البسي خلينا نروح على المستشفى
-يارا بنبرة سعيدة ونظرات فرحة: ايه ده هي امك طبت ساكتة ولا ايه؟
-أدهم بوجه ممتعض: في ايه يا يارا، ارحميني شوية!

-يارا وهي تشير بيديها: الله! مش بطمن!
-أدهم بنظرات محتقنة: طب البسي بسرعة، خلينا نشوف النصايب اللي نازلة ترف على دماغنا
-يارا بتنهيدة ارتياح وبصوت خافت: هيييح، إن كانت النصايب هتنزل فوق دماغ فريدة فأهلا بيها...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة