رواية الطاووس الأبيض ملحق إضافي للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر والأخير
حاولت جاهدة تجفيف شعرها المبتل باستخدام المنشفة القطنية، ومع ذلك ظل رطبًا، فقامت بلفه معًا في كعكة ضخمة، كذلك تلونت بشرتها بحمرةٍ خجلة، وهي تفكر فيما قد تظنه عائلة زوجها عنها. التفتت فيروزة ناظرة إلى زوجها الذي بدل ثيابه بأخرى نظيفة بعدما فرغ هو الآخر من الاستحمام، عاتبته في صوت خافت مرتبك:
-مكانش ينفع اللي عملناه ده، هيقولوا علينا إيه دلوقتي؟
علي عكسها لم يبدُ تميم مهتمًا بالأمر، وكان هادئًا للغاية، بل مستمتعًا بالحميمية التي نشبت بينهما. سلط أنظاره عليها قائلًا بشيءٍ من الغرور:
-عادي، راجل ومراته، والكلام خدهم ل...
بتر كلامه عن عمدٍ ليغمز لها بطرف عينه، فدنت منه في الحال، ولكزته في كتفه كنوعٍ من التوبيخ، قبل أن يصاحب ذلك قولها:
-بس بقى.
انتفضت كالمذعورة عندما جاء صوت ونيسة من الخارج يناديهما:
-تعالوا يا ولاد.
رد عليها تميم بنبرةٍ مسموعة لها:
-حاضر يامه، طالعين أهوو.
هسهست فيروزة في صوت خفيض، ما زال خجلًا:
-أكيد مامتك خدت بالها.
احتضن وجهها براحتيه، قبل أن يميل على وجنتها ليمنحها قبلة صغيرة وهو يخاطبها:
-دي هتبقى مبسوطة لينا.
لم تعلق بشيء، وسارت معه إلى خارج الغرفة، فاستقبلتهما ونيسة بوجهها البشوش الضاحك، في التو رفعت كفيها للسماء متمتمة بالدعاء:
- الحمدلله يا رب، ألف بركة إنكم اتراضيتوا.
حاوط تميم زوجته من كتفيها بذراعه، ودفعها للمشي معه قائلًا بسعادة بائنة على تعابيره، وظاهرة في عينيه المحبتين:
-ربنا ما يجيب زعل يامه بينا.
تساءلت فيروزة باهتمامٍ لتغطي على الخجل المستبد بها:
-أومال درة فين؟
أجابتها حماتها وهي تشير بيدها:
-نامت مع جدك سلطان.
لمحة من الضيق ظهرت على محياها حينما تكلمت:
-بس هي هتتعبه كده وآ...
قاطعتها ونيسة قبل أن تتم جملتها قائلة بعد ضحكة مسرورة:.
-على قلبه زي العسل، وبعدين أعز من الوِلد ولد الولد، فما بالك بالغالي.
في الحال أمن على كلامها تميم بدعائه المتضرع:
-ربنا يديمكم في حياتنا.
اتجه ثلاثتهم بعدئذ للصالة، حيث يجلس الحاج بدير بمفرده، كان مشغولًا بمخابرة أحدهم في هاتفه، لم يتطفل عليه أحد، وتركوه على راحته، فاستقرت فيروزة بجوار زوجها، تبادلا معًا بعض الأحاديث الخافتة، بينما جلست ونيسة عند الأريكة المقابلة للطاولة البيضاوية التي تنتصف مجلسهم، استخدمت الأخيرة السكين لتقطيع حلوى البقلاوة التي أعدتها، ثم قامت بوضع القطع الشهية في صحن كل فردٍ على حدا وتقديمها إليهم. استطرد بدير مخاطبًا ابنه بعدما أنهى اتصاله الغامض:.
-شوف يا ابني، أنا لاقيت حل لمشكلتكم.
تطلع الزوجان إلى بعضهما البعض بنظرات حائرة، زادت من تخبطهما، وبادر تميم متسائلًا بفضول مهتم:
-إزاي؟
أجابه وهو يمد يده ليمسك بطبق الحلوى الخاص به:
-في دكان مقفول قريب مننا، على الناصية، لو تفتكر بتاع الحاج عبيد الله يرحمه.
زوى ابنه ما بين حاجبيه للحظاتٍ معدودات، معتصرًا ذهنه ليتذكر ما يخص هذا الموضوع، بعد بضعة ثوانٍ من التفكير تكلم في تحيرٍ محسوسٍ في صوته:.
-أيوه، بس ده بتاع ورثة، وعليه مشاكل، وآ.
قاطعه لمرة ثانية موضحًا له:
-ما تشغلش بالك، المحامي هيخلص معاهم، ويراضيهم...
ثم وجه حديثه إلى فيروزة مبديًا دعمه الكامل لها:
-المهم عندنا بنتنا ما تبطلش شغل.
قفز قلبها طربًا للنبأ السار، وهتفت من فورها في امتنانٍ:
-أنا مش عارفة أقول لحضرتك إيه؟
أمسك تميم بكفها، وركز بصره مع والده الذي ما زال يُكلمها:
-ربنا يجعله فاتحة خير عليكي.
ردت مبتسمة ابتسامة عريضة:.
-يا رب أمين.
بعد لكزة خفيفة من كتفه لكتفها، مال تميم على زوجته ليهمس لها:
-شايفة الدلع يا أبلة؟
تبسمت على استحياءٍ، فزاد من ملاطفته اللفظية الخافتة:
-ومش أي دلع! ده من الكبير نفسه.
منحته نظرة هائمة، غامرة بالحب، وهي تخلل أناملها في أصابع كفه المحتضن لها، لتردد بعدئذ بحبورٍ ورضا:
-ربنا يخليكم ليا.