قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الستون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الستون

رواية الطاووس الأبيض الجزء الرابع للكاتبة منال سالم الفصل الستون

خيل إليه أن الجميع اتفقوا فيما بينهم، وتضافرت جهودهم -بشكل يدعو للعجب- من أجل تعطيله، ومنعه من الصعود مع عروسه لمنزل الزوجية، فعلى ما يبدو كل من تذكر مسألة ما راح يخبره بها، ليملأ رأسه ويشحنه بغير المستحسن من الأمور في تلك الليلة الخاصة. تذمر تميم في استياءٍ منزعج، وهو يلوح بذراعه في الهواء:
-اللي عنده حاجة يا جدعان يأجلها، أنا عريس، والنهاردة دخلتي، والله ما يصح اللي بتعملوه معايا.

لم يكبت منذر ضحكاته العالية، وقال في تسليةٍ:
-يا عم استمتع بآخر لحظات حريتك.
رد عليه في غيظٍ:
-أنا عاوز أتحبس.
حذره دياب بمرحٍ واضعًا يده على كتفه:
-وترجع بعد كده تزعل، وتقول يا ريتني، ده حتى دخول الحمام مش زي خروجه.
علق عليه في تذمرٍ وهو يزيح يده عنه:
-أدخله، وبعد كده اشتكي.
غمز له مصححًا بمكرٍ:
-ما إنت دخلته قبل كده؟ هتطمع؟
رمقه بنظرة حادة قبل أن ينهره:
-أهو الأر ده اللي جايبني ورا.

ارتفعت أصوات الضحكات الرجولية الصاخبة، واستمروا على نفس المنوال المشاكس له، فقط من أجل اللهو معه، إلى أن أزف الوقت، وحانت لحظة صعوده، عندئذ شعر بالارتياح، وبدأ يشحذ قواه من أجل التمتع بساعاتٍ لا تعد ولا تحصى من نعيم الجنة في أحضانها.

كان من الأسلم لها، أن تبدل ثيابها، بمساعدة والدتها، تجنبًا لما يمكن أن يحدث من نفورٍ متوقع إن وقعت عيناه على آثار ندوبها المحفورة على جانب كتفها، فتفسد ليلتها قبل أن تبدأ، ويحدث معها مثلما حدث سابقًا، الجفاء الكامل المصحوب بازدراء مهين. أرادت التمهيد له عن ذلك مسبقًا، قبيل تعرية جسدها، فلا تصبح –في اعتقادها- مثارًا للاشمئزاز. ضمت فيروزة طرفي روبها الحريري الأبيض معًا، وأحكمت ربط الوثاق حول خصرها، لئلا ينحل، ويُظهر القميص الموجود أسفل منه، والكاشف لمفاتنها كأنثى شهية.

توسلت لوالدتها بعينٍ راجية:
-خليكي يا ماما معايا شوية.
رفضت آمنة بمنطقيةٍ، وهي تمسح على وجنة ابنتها المتوترة:
-لأ مايصحش، جوزك يقول عني إيه؟ عزول بينكم؟
أطبقت على شفتيها تكبت ترددها، فواصلت والدتها كلامها المعاتب في جديةٍ:
-وبعدين خايفة كده ليه؟ إنتي مش اتجوزتي قبل كده؟
شحبت بشرتها من المجيء على هذه النقطة الحرجة، وقالت في لعثمةٍ ظاهرة:
-أيوه، بس آ...

قاطعتها آمنة قبل أن تمنحها الفرصة للتبرير، لتشدد عليها:
-خلاص جمدي قلبك كده، وإياكي تجيبي سيرة المرحوم، مافيش راجل بيحب مراته تتكلم عن واحد تاني قبله.
بالجمود ذاته المسيطر الآن على تعابيرها سكتت فيروزة، ولم تفصح عن سرها، وشردت في أفكارها المتخبطة، خشيت آمنة من محاولة ابنتها إفساد ليلتها مع زوجها بالخوض في ذكريات الماضي، فكررت عليها تحذيرها:
-افردي وشك، واضحكي، بلاش عكننة.
على مضضٍ أخبرتها:
-حاضر.

تحركت آمنة تجاه الأريكة بعد أن حملت ثوب العرس، ثم فردته عليها بشكلٍ جمالي، ولملمت بعض الأشياء المبعثرة هنا وهناك، لتحافظ على نظام الغرفة، أبقت فيروزة نظراتها القلقة عليها، وسألتها في صوتٍ مهتم:
-طب إنتي هتعملي إيه دلوقتي؟ هترجعي البيت؟
لم تلتفت ناحيتها حينما جاوبتها:
-هطلع أبات عند أختك، والصبح إن شاءالله هشأر عليكي، قبل ما أروح البيت لخالك.
اندهشت لبقائه منفردًا، وسألتها:
-هو مش هيبات معاكو؟

أجابت عليها بعد زفيرٍ متعب:
-مرضاش خالص، بس سايب كوكي معايا.
ردت وهي تسير نحو التسريحة لتمشط ما تمرد من خصلاتها:
-تمام.
تأكدت آمنة من إتمام كافة مهامها، وألقت نظرة شاملة على محتويات الغرفة، قبل أن تسير ناحية الباب. توقفت عند أعتابه، واستدارت توصي ابنتها مرة ثانية:
-خدي بالك من نفسك، وأوعي تزعلي جوزك، راضيه دايمًا عشان ربنا يباركلك ويراضيكي فيه.

شدت فيروزة من ياقتي روبها، لتظهر فقط مساحة صغيرة، تكاد تكون محدودة من عنقها، وقالت في إيجازٍ، بلا ابتسام:
-إن شاءالله.
لوحت لها والدتها بيدها تودعها، ودعت لها بعاطفة أمومية، قبل أن تغادر البيت، :
-ربنا يسعدك يا حبيبتي، ويرزقك بالخلف الصالح.
ذهبت عنها، وبقيت بمفردها حبيسة مخاوفها، حاوطت نفسها بذراعيها، لتبث قدرًا من الدفء إلى جسدها، بعد أن استشعرت برودة غريبة تضرب أطرافها، تنهدت داعية الله في سرها:.

-يا رب عديها على خير.

تلكأ، وتذمر، وتحامل على نفسه، إلى أن ظهرت أخيرًا أمام عينيه، وقررت الانصراف. تصنع تميم الابتسام وهو يبصر حماته تدنو منه حاملة في يدها حقيبتها، قال بنوعٍ من المجاملة الزائفة وهو يقف بجوار إطار باب الشقة المفتوح؛ لكنه في قرارة نفسه يريد طردها:
-ما لسه بدري يا حماتي؟
ضحكت قائلة بلطفٍ:
-بدري من عمرك يا ضنايا...
توقفت قبالته، وربتت على كتفه عدة مرات داعية له:
-تتهنى مع عروستك يا رب.

تنحى للجانب قائلاً بابتسامةٍ عريضة:
-الله يكرمك.
خرجت من البيت، ووقفت عند مطلع الدرج تودعه من جديد:
-تصبحوا على خير.
قال في تعجلٍ وهو يحرك الباب برفقٍ استعدادًا لغلقه:
-وإنتي من أهله، عن إذنك.
لم ينتظر ردها، بل عاجل في دفعه لينغلق كليًا، حينئذ فرك كفيه معًا، وردد في نشوةً أخذت تتصاعد في بدنه:
-أخيرًا التتار رحل، يا ساتر، ده أنا قولت هاقضيها كلام لحد ما النهار يطلع.

سحب نفسًا عميقًا يثبط به المشاعر التي هاجت، واهتاجت، وأَنَّت من كثرة المماطلة. تنحنح تميم بصوتٍ شبه مرتفع مُخبرًا بقدومه، بعد أن عدا في اتجاه الردهة، ليصل إلى من تعذب مرارًا وتكرارًا ليبلغ معها نهاية سعيه الدؤوب. وقف عند باب حجرة النوم المقفول، طرق عليه برفقٍ، وتساءل في تحفزٍ متحمس:
-إيه الأخبار؟
أتاه صوتها مسموعًا من الداخل:
-ثواني، وطالعة.
هتف في تشوقٍ وهو يتراجع خطوتين للخلف:
-ماشي يا قمر.

انتزع سترته، وحل رباط عنقه، ثم فك زرار ياقة قميصه، وراح يتطلع إلى الباب بترقبٍ شديد، ولسانه يتمتم في خفوتٍ:
-ليلتنا فل إن شاءالله.

أولى ظهره للباب متراجعًا لخطوتين، حينما سمع المقبض يُدار إيذانًا بفتحه، أراد الترفق وهو يتودد إليها، لعلمه بمدى الارتباك الذي يسري في أوصال العروس، في هذه الليلة تحديدًا، خاصة عندما تنفرد مع زوجها ويختلي بها، وبالرغم من سابق خبرته في الزواج إلا أنه استشعر بقوة أنه يخوض التجربة لأول مرة، لأنها تعتمد كليًا على جوارحه، مشاعره، وما ضمره الفؤاد، لا على ما فرضه العقل والمنطق.

قصف قلبه مع صوت صرير الباب وهو يُفتح على مهلٍ، وتضاعف القصف عندما سمع صوتها الناعم يخاطبه:
-الأوضة فاضية لو حابب تغير هدومك.

ببطءٍ يتخلله كل الشوق، التلهف، الرغبة، والاشتياق، استدار تميم ناحيتها ليتطلع إليها بنظراتٍ شمولية، تجولت على مهلٍ مستمتع، بدءًا من تفاصيل وجهها، وانتهاءً بمسح قوامها. كانت جميلة بثوب عرسها، وصارت أجمل وأشهى بالحرير الناصع الملامس لجسدها. خجلت من نظراته التي تطوف عليها مرارًا وتكرارًا، كأنما يمنح نفسه كل الفرصة للنظر إليها بلا مقاطعة، ولا ممانعة. توردت بشرتها بحمرة دافئة تأثرًا بنظراته الشغوفة، وأخفضت رأسها في حياءٍ، استجمعت فيروزة جأشها لتتحرك، وسارت أمام ناظريه لتتجاوزه وهي تقول في لعثمة مرتبكة، كانت لذيذة على مسامعه:.

-خد راحتك جوا.
من فوره تحرك تميم ليعترض طريقها، فانتقلت للجانب المعاكس لتتجاوزه، وهي تشعر بتسارع نبضاته، وجدته يستوقفها باعتراضها مرة أخرى، تشجعت لتنظر إليه بنظرة متسائلة، فجاوب على سؤالها غير المنطوق يسألها بنبرة موحية:
-رايحة فين وسَيباني؟
تهربت من تلميحه المتواري، ورمشت بعينيها قائلة:
-عشان مضايقكش.
تعقدت ملامحه متسائلاً في إنكارٍ:
-تضايقيني؟

همَّت بتجاوزه، والهروب من محيطه؛ لكنه منعها من المرور، وامتدت قبضتاه لتمسكا بكفيها الباردين، ارتجفت مع لمسته الدافئة، ورفعت عينيها إليه، لتجده يرمقها بكل ما فيهما من حنانٍ، عمق من نظراته إليها، واستطرد يكلمها بأنفاسٍ تضطرم عشقًا:
-إنتي مش عارفة أنا حلمت باللحظة دي كام مرة، وفضلت أستناها من إمتى...
لمعت حدقتاها بدمعاتٍ خفيفة متسللة، تأثرًا بحديثه، خفق قلبها أكثر مع اعترافه الصادق:.

-ده أنا مابطلتش دعاء، ولا حتى فقدت الأمل إن ربنا هيجمعنا في يوم.
أسبلت عينيها ناحيته، وسألته في غير شكٍ:
-للدرجادي؟
قال بيقينٍ كامل، ونظراته تزداد عمقًا:
-أيوه، ما أنا معرفتش أحب غيرك.
لدهشتها، شعرت بنفسها تبكي فرحةً خلال سماعها لوصلة اعترافاته، تلك التي احتلت شغاف القلب، وتربعت في ثناياه، أمال رأسه ناحية شفتيها المرتعشتين هامسًا في هيامٍ واله:
-إنتي أول وآخر حب في حياتي.

اضطربت أنفاسها وهي تردد بصدرٍ شبه ناهج:
-وأنا..
اقترب بشفتيه من خاصتها متسائلاً بأنفاسٍ أحرقها لهيب الحب:
-إنتي إيه؟
خفضت من صوتها وهي تفتح قلبها لأول مرة معترفة له:
-وأنا محبتش غيرك.

تلامست الشفاه في نعومةٍ مغرية، فسرت عدة رعدات قاصفة، عاصفة، مهيجة للمشاعر، لثمهما تميم، ومنحها قبلة صغيرة، رقيقة، ممهدة لما هو آتٍ، لتزداد رويدًا رويدًا في عمقها، مع استمراره في تذوق رحيق شفتيها الشهيتين، أحست فيروزة بيديه تجذباها في تمهلٍ إلى أحضانه، استسلمت وهي تحت تأثير قبلاته الطاغية، مستشعرة باقتحام قوافلٍ من البهجة إلى أعماق أعماقها، تستحث فيها كل ما هو كامن للانتفاض، والاشتعال.

حرر تميم كفيها؛ لكنه حاوط خصرها بذراعيه، شعرت به يضمها، ويلصقها بصدره، فأرخت راحتيها على كتفيه، دون أن تتحرر الشفاه، انسجما، وتناغما، وتناسا ما سواهما، بدا الانسحاب في تلك اللحظة أمرًا مستحيلاً، تلاحمهما المفعم بالرغبة والشوق جعلهما يتمتعان بكل ثانية، كأنها لحظة استثنائية لن تتكرر!

تراجع تميم لمسافة لا تقدر بعقلة إصبع ليلتقط أنفاسه، ودقات قلبه تثور كالبركان الهائج من شدتها، همس مناديًا باسمها، كما لو كان يعزف مقطوعة فريدة:
- فيروزة!
عادت لتتنفس بعد أن توقفت للحظات عن الشعور بأي شيء سوى تيار المشاعر الجارفة الذي اجتاحها، وأباد ما بها من دفاعاتٍ ظنت أنها ستصمد للأخير. ردت النداء بآخر تائه، مغري، يدعو للمزيد في طياته:
- تميم!

تكررت القبلة، ولم ينتقص الشغف، بل تنوع، وتعدد، وأصبح له صنوفًا في التعبير عنه، بالكاد جارته في عِظم عشقه، وراحت ترجع رأسها للخلف وصدرها يلهث من فرط الحماس، أخذها تميم في حضنه، وأسند رأسها على كتفه، ليدور بيده صعودًا وهبوطًا على ظهرها في رفقٍ، تنهد مليًا، وأخبرها بحبٍ ما زالت جمراته تتقد:
-ياه، أد إيه كان نفسي أخدك في حضني.

تلقائيًا امتد ذراعاها خلف ظهره لتحاوطه، التصقت به مثلما التصق بها، حتى شعرت وكأنها ستذوب في أحضانه، أعطى تميم جبينها قبلة، وسألها في عتابٍ:
-وعايزاني أسيبك كده بالساهل؟
رفعت عينيها لتنظر إليه، وقبل أن تفكر في منحه الجواب، وجدته يرخي ذراعًا ليلفه حول ركبتيها، حملها في خفةٍ، فشهقت لحركته المفاجأة، وسألته في دهشة حرجة:
-إنت بتعمل إيه؟
هتف معترضًا بابتسامة بشوشة:
-لأ، أنا من حقي أشيلك.

ركلت بساقيها في الهواء، وتلوت بجسدها محاولة التحرر منه وهي تحتج في خجلٍ:
-ماينفعش، نزلني لو سمحت.
مازحها بنفس الوجه المسترخي في تعابيره:
-يا أبلة أنا شيلتك وإنتي غميانة أكتر ما إنتي فايقة.
كتمت ضحكتها المرحة، وعاتبته في دلالٍ أغراه:
-برضوه أبلة؟ مزهقتش؟
سار حاملاً إياها نحو غرفتهما قائلاً بنبرة ذات مغزى، وهذه النظرة اللعوب تتراقص في حدقتيه:
-أزهق؟ ده أنا لسه هاقول أحلى كلام ليكي.

واصل السير بها إلى أن مددها على الفراش، استلقت على ظهرها، وحاولت الاعتدال، قبل أن يغرقها بفيض مشاعره، قائلة بجديةٍ، رغم رنة التردد المحسوسة في صوتها:
-طب، تميم، أنا لازم أقولك على حاجة.
على ما يبدو لم يركز مع جديتها، والتهت حواسه بالتمتع بهذا الجمال المسجي أمامه، منحها ابتسامة نقية وهو يثني على ما وهبه الله لها من سمات تسلب العقول:
-هو في كده، ماشاء الله، ده أنا قاعد مع حورية من حوريات الجنة.

ضمت ركبتيها إلى صدرها، وطالعته بنظرة جادة، وهي ترجوه:
-اسمعني بس.
استلقى إلى جوارها، وأمسك بكفها يداعب جلده بإبهامه، نظر إليها في وجدٍ متعاظم، واستطرد هامسًا:
-سيبك من أي حاجة تنكد علينا، الليلة ليلتنا.
سحبت يدها من راحته، واعتدلت جالسة لتخاطبه في جدية تامة:
-معلش، دي حاجة مهمة.
جلس مستقيمًا هو الآخر، وأبدى استعداده لسماعها، فقال:
-إيه يا حبيبة قلبي؟
أمسك التردد بلسانها وهي تستجمع كل شجاعتها لتخبره:.

-أنا، زمان لما حصلت حريقة الدكان...
سكتت لحظيًا، فأكمل جملتها بمزيدٍ من التوضيح؛ كأنما يساعدها على تفريغ ما يجوس في صدرها:
-بتاع عم غريب ؛ أبو هيثم الله يرحمه.
هزت رأسها هاتفة:
-أيوه هو.

امتدت أصابعه لتداعب بشرة وجهها الرقيقة بحنوٍ رقيق، فاقشعرت من لمساته المغرية، تلك التي تبعث إشارات خفية لتأجيج الرغبة فيها، حاولت تجنبها قدر المستطاع، والتركيز على ما تريد قوله، سحبت نفسًا عميقًا، لفظته دفعة واحدة، وحادثته:
-بص، أنا أصلي، يعني مكونتش حابة افتكر اللي حصل وقتها، لأنه كان مؤذي أوي ليا.
علق عليها في هدوءٍ، وأصابعه تنخفض نحو كتفها لتمسح عليه في لينٍ:
-كانت أيام وعدت، ماتفكريش فيها.

أبعدت يده برفقٍ عن كتفها، وقالت برأس مطأطأ في توجسٍ:
-المهم النار طالت جزء من جسمي، وعملت فيه زي آ، تشوه.
تجمد في مكانه لحظيًا ومصدومًا من الوصف الأخير لما أصاب جسدها رغمًا عنها، كانت لا تزال مخفضة لرأسها في قلقٍ مرعوب وهي تواصل كلامها إليه:
-أنا حبيت أقولك بده، عشان ما تتفاجئش، وتقرف مني.
انتفض في استهجانٍ مستاء وهو يكرر في صيغة تساؤلية:
-أنا؟ أقرف منك؟ إنتي بتقولي إيه؟!

حاولت أن ترفع عينيها لتتطلع إليه وهي تبرر له أسبابها:
-معلش، عشان آ..
قاطعها قائلاً بصوتٍ حازم، حاسم، منهي لأي هواجس تدور في عقلها:
-إنتي أنقذتيني من الموت يا فيروزة.
هب ناهضًا من جوارها، وخلع قميصه عنه في حركة شبه منفعلة، فحملقت فيه مدهوشة، وسألته بعضلات وجه متقلصة، اِربد بها القلق الكبير أيضًا:
-إنت بتعمل إيه؟

استدار لتنظر إلى ظهره العاري، وأشار بيده الأخرى لموضع التشوه المنتشر فيه مرددًا في صوتٍ شبه حاد:
-شايفة ده، لولاكي كان زماني مُت.
انفرجت شفتاها عن صدمة ذاهلة، وتبعته بنظراتٍ تائهة لم تفق بعد من دهشتها وهو يجثو على ركبتيه أمامها، احتضن من جديد كفيها، وأردف يخبرها بصوتٍ شبه منفعل:
-إنتي الملاك اللي ربنا بعته ليا يطلعني من وسط النار.
تاهت منها الكلمات، وارتعش قلبها وهو ما زال يأسرها باعترافاته:.

-كنت متأكد إني عارفك من زمان، بس معنديش حاجة ملموسة، لحد ما لاقيتك مرتبطة برسمة الطاووس، ساعتها زاد يقيني بإنك نفس البنت اللي رمت نفسها في النار عشاني، ومن غير ما تعرفني، عشان تنجدني من الموت.
جف حلقها، ولم يكف قلبها عن الخفقان، وصوته يعاتبها في رفقٍ:
-تقومي تقولي الكلام البايخ ده؟
ارتجفت، وهي تهمس بألمٍ:
-غصب عني، سمعته زمان، وقهرني.

نهض جالسًا إلى جوارها على الفراش، ترك كفيها، واحتضن وجهها براحتيه، قربها إليه لتشعر بحُر أنفاسه عندما استطرد مزيدًا في اعترافه بعشقها:
-إنتي غالية أوي، وغلاوتك كل يوم بتزيد في قلبي.
ارتعشت شفتاها منادية باسمه:
- تميم.
قرب وجهها منه، وهتف مؤكدًا بصدقٍ خالص:
-أنا بحبك.

همست من بين شفتيها باسمه، بطريقة ناعمة، جاذبة، مغرية، كأنما تقدم له دعوة مفتوحة للتحليق في أفقٍ لطالما انتظره، وعاش وهمه في أحلامه المحرمة:
- تميم!
كادت شفتاه تلتصقان بخصتها وهو يتابع وصلة اعترافه:
-أنا عرفت يعني إيه العشق معاكي.
حركت وجهها لتلامس وجنتها صدغه، مرغتها فيه برفقٍ، وكررت نداء الإغراء الخفيض الناعم:
- تميم!
أغمض عينيه مستمتعًا بما يظفر به من درجات الإغراء والإغواء، ليردد في خفوتٍ:.

-إنتي عطية ربنا ليا.
انبعثت منها تأويهة مشبعة بدفءٍ لا قِبل لها به، وهي ما زالت تناديه، بما دغدغ روحه، واستثارها:
- تميم.
-واستحالة أفرط فيكي.

قال عبارته تلك وهو ينحني على شفتيها يقبلها بشراهةٍ ورغبة، في حين امتدت يده الأخرى لتزيح عن كتفيها روبها برفقٍ، فانكمشت، وتصلبت، خشية إحساسه بالنفور منها، لم يمنحها الفرصة للفكاك منه، حاصرها بقربه المهلك، ضمها إليه، فكادت تذوي في أحضانه، وأغرقها بالمزيد من القبلات الجائعة، الباعثة على موجات من النشوة، والرغبة، فأخذها الدوار، تأوهت في صوتٍ حاولت كتمه وهو يلامس بشفتيه منحنى عنقها، لينخفض نحو موضع ندوبها، نادته بتنهيدة خافتة للغاية:.

- تميم!
لم تعرف ما الذي ادخره الزمن لها وهي بين أحضانه، فما حُرمت منه قسرًا، نالته نصرًا، غابا معًا عن الوجود، وهاما في ملكوتٍ خاصٍ بهما، مرت الدقائق عليهما كأنها أزمنة وأزمنة، هفا إليها، والتهف عشقًا، إلى أن صار كل ما بها مستسلمًا له، تحرَّقت للامتلاء، وتلهَّف للارتواء، عند المنتهى فاضت واستفاضت، وانكشف السر عنها.

نهض تميم عنها، واعتدل محدقًا في صدمة غير متوقعة، متأملاً بشارة لم تأتِ في الحسبان أبدًا، بعد أن تفجرت ينابيع العشق، وأعطت دلالاتها الحيَّة، ليهتف في عدم تصديق:
-مش معقولة، إنتي كنتي آ...
أكملت الجملة عنه، بوجهٍ مشتعل من حمرة الخجل:
-بنت بنوت.
ظل على حالته المصدومة وهي تفسر له:
-دي الحاجة التانية اللي كنت عاوزة أقولهالك.

تهللت أساريره وابتهجت على الأخير، بل كاد يقفز من فرط سعادته وهو يتساءل في نفس الصوت المذهول، ويده تمر على أعلى رأسه:
-يعني أنا أول حد؟
تطلعت إليه بحياءٍ وهي تشد الغطاء على جسدها تغطيه؛ لكنه دنا منها معاودًا الجلوس ملتصقًا بها وهو يخبرها بغموضٍ:
-دلوقتي أنا فهمت.
نظرت بتحيرٍ وهي تسأله:
-فهمت إيه؟
أخذها في حضنه، وشدد من ضمه إلى جسده، ليحتويها، ثم قال مبتسمًا في نشوة عارمة:.

-كلام الدكتورة، والتوصيات الغريبة.
رمقته بنظرة مطولة جمعت بين الخجل من اعترافها والثقة في تقديره، عضت على شفتها السفلى، وهمست بتحرجٍ:
-محدش يعرف بالحكاية دي غيرها، حتى ماما معندهاش خبر.
رفعها بقبضتيه في خفة ليجلسها في حجره، ولفها كليًا بذراعيه، كأنما يحميها، ثم مال على أذنها يداعب طرفه بهمسه المشتعل:
- فيروزة!
لم تبعد نظراتها المليئة بالحب وهي تقول:
-نعم.

أحنى رأسه عليها، يريد نيل عشرات القبلات من العسل المصفى الموجود على شفتيها، بدت أشهى وأغوى وهي بين أحضانه، وألذ وأطيب وهي تمنحه أكثر مما تمنى في أقصى أحلامه، توغَّل تميم بنظراته الساهمة في عمق لؤلؤتيها الساحرتين، وهو يدنو بهوادةٍ مهلكة للأعصاب منها، لفح لهيب أنفاسه بشرتها الساخنة، وهيأها للمزيد من نوبات الحب العاصف وهو ينطق هامسًا:
-إنتي قلبي، من غيرك أنا ميت...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة